عشنا عاما من القحط السينمائى، لم تكن الحصيلة تليق بتاريخ السينما
المصرية. البعض يقول هل هذه السينما التى ننتظرها بعد الثورة، وكأن الثورات
فى العالم تمنع الفن الردىء، والحقيقة أن الفن سواء جاء بعد هزيمة أو
انتصار لا يمكن أن يخلو من رداءة، 25 يناير لا تتحمل مسؤولية التردى الفنى.
أهم ما أنجزناه سينمائيا لم يكن فى الأفلام الـ27 التى عرضت هذا
العام، ولكن الأفلام التى شاركت فى المهرجانات السينمائية، واستطاعت أن
تحقق لمصر قيمة تليق بها. كانت هالة لطفى بفيلمها «الخروج للنهار» قد شاركت
فى مهرجان أبو ظبى أكتوبر الماضى وحصدت جائزتين «الفيبرسى للنقاد» كأفضل
فيلم عربى ومن لجنة التحكيم جائزة أفضل مخرجة عربية ثم برونزية قرطاج، بعد
ذلك اقتنصت قبل ثلاثة أيام جائزة الوهر الذهبى من وهران السينمائى.
نادين خان قبل عشرة أيام حصلت بكل جدارة على جائزة لجنة التحكيم من
أبو ظبى عن فيلم «هرج ومرج»، بينما شاركت ماجى مورجان بفيلم «عشم» فى
مهرجان الدوحة، ولم تحصل على أى جائزة، ورغم ذلك فإنها قدمت قيمة إبداعية
على الشريط السينمائى.
المخرج إبراهيم البطوط وعمرو واكد بطل فيلم «الشتا اللى فات» حققا
جوائز من مهرجانى القاهرة ودبى. الأفلام الأربعة تنتمى إلى ما يعرف
بالسينما المستقلة، ورغم أن التوصيف نفسه يحتاج إلى توصيف، ولكن هذه قصة
أخرى.
كانت تلك هى أفلامنا فى المهرجانات، ولكن أفلامنا فى دور العرض تجد
أفضلها «ساعة ونص» لوائل إحسان، أما على مستوى جودة الصنعة فإن الأفضل هو
«المصلحة» لساندرا نشأت الذى جمع بين أحمد السقا وأحمد عز لأول مرة. ونتوقف
أمام أحمد السقا مرة أخرى فى فيلم «بابا» لعلى إدريس، حيث رأينا الممثل
السقا وهى حالة لم نألفها للسقا الذى لعب بطولة فيلمين. أحمد عز فعلها أيضا
فى «حلم عزيز» لعمرو عرفة، فكرة مغايرة للسائد، كانت بحاجة إلى نفس أطول
للتأمل والتفكير. تامر حسنى قدم الجزء الثالث من فيلمه «عمرو سلمى»، فكان
فى أضعف حالاته، عاد محمد هنيدى فى «تيتة رهيبة» لسامح عبد العزيز بعد غياب
عامين، ولكنه فى الحقيقة لم يعد إلى مكانته الرقمية التى تعود عليها. إلا
أن حالة هنيدى أفضل بكثير من فيفى عبده التى شاهدناها مجددا بعد عشر سنوات
غياب بفيلم «مهمة فى فيلم قديم»، فكانت تبدو مثل عربة كارو شاركت فى سباق
سيارات الدفع الرباعى. ياسمين عبد العزيز خيبت التوقعات فى «الآنسة مامى»،
كانت الدراما تصطدم بجدار يحول دون تدفقها، كما أن ياسمين عندما لم تجد
شيئا يضحك قررت الافتعال. «عبده موتة» هو المفاجأة الرقمية فى هذا العام.
الفيلم صنعه أحمد السبكى على مقاس الجمهور، شخصية البلطجى أحدثت مع
المشاهدين قدرا من التماهى، فتحققت إيرادات فاقت التوقعات، صَدق الكثير من
الشباب شخصية عبده موتة، ودخلوا إلى دار العرض وهم يحملون السنج والمطاوى.
ويبقى حدثان كنت شاهدا عليهما. الأول هو إصدار المفتى د.على جمعة
توصية بحذف أغنية «يا طاهرة يا أم الحسن والحسين» بحضور ممثلى نقابتى
السينمائيين والممثلين، وبالطبع من حق المؤسسة الدينية أن تستشعر فى أى
لحظة بأن عليها الدفاع عن الدين وتُصدر قرارات أو توصيات ضد أى عمل فنى،
ولكن لا يمكن أن يحدث ذلك بحضور ومباركة الفنانين حتى لا تتحول إلى سابقة،
ونجد أن مؤسستى الأزهر والكنيسة تطالبان برقابة مماثلة على كل الأعمال
الفنية. الواقعة الثانية هى زيارة وفد فنى إلى طهران، وكانت الأحلام هى أن
يعودوا بأكثر من مشروع، ورأيى الشخصى والذى أعلنته هناك أن كل الأعمال سوف
تصطدم بضرورة خضوعها لرؤية الشيعة الدينية، ولهذا لا أتصور أنه من الممكن
أن يتم تصوير أى عمل تاريخى فى مصر مثل مسلسل سيدنا «موسى» الذى اعتبره
البعض بداية التعاون المشترك. الممكن فقط أن يسافر فنانون من مصر إلى إيران
يشاركون فى أعمال تُقدم طبقا لرؤيتهم مثلما استمعت هناك إلى الأذان بصوت
الشيخ مصطفى غلوش وهو يضيف للأذان المعروف للسنة، أشهد أن عليا ولى الله،
أشهد أن عليا حُجة الله، حى على الصلاة حى على العمل. غير ذلك فنخدع أنفسنا
لو تصورنا أن هناك إنتاجا فنيا مشتركا فى ظل نظام خاضع ثقافيا وفنيا
لمرجعية الملالى.
نقاب باسم يوسف!!
طارق الشناوي
25/12/2012 10:25 م
آخر نصائح هذا الداعية لباسم يوسف هو أن يرتدى نقابًا، لأن وجهه مغرٍ
أكثر من ليلى علوى وإلهام شاهين.
هل من الممكن أن يصدق أحد أن هذه القنوات التى ترفع شعار الإسلام لها
علاقة بالإسلام أو بأى دين أو بالقيم الإنسانية أو حتى بالزمن الذى نحياه،
مذيعوها يبدون وكأنهم جاؤوا إلينا من أهل الكهف، فوجئوا بأن الناس تحمل فى
أيديها محمولًا وآى باد، بينما لا يزال كل منهم يمتطى بغلته ويشهر سيفه فى
ساحة الوَغَى مرددًا «ثكلتك أمك». كنا كثيرًا ما نرى مشاهد كاريكاتيرية فى
الأفلام والمسلسلات تتناول هؤلاء المدعين، ولكننا وجدنا الحقيقة تثير
الغثيان.
شاهدت أحد الشيوخ يحتل مساحة على شاشة إحدى القناوات التى تتدثر
بالدين، كان الرجل بجلباب أبيض ولحية بيضاء وعمة بيضاء وقلب أسود، وهو يردد
اسم سافل يوسف، يقصد باسم يوسف، ويتوعده بأن هذه مجرد بدايات لما هو قادم
لو لم يتوقف، وادَّعى أن رجل الدين هو الذى يحدّد مَن يدخل الجنة ومَن يدخل
النار، ولكنه على حد قوله هذه المرة سيتحدث كإعلامى وليس رجل دين. هل
مواصفات رجال الإعلام أصبحت أن يتحولوا إلى شبيحة وبلطجية يهددون مَن
يختلفون معهم باقتحام بيوتهم، وبأن لديهم كل أسرارهم، فلقد راقب على حد
قوله أم باسم وهى تقول له كفاية يا باسم، وتأكد أن زوجته غير راضية عنه،
وتناولها بالسباب، وأشار إلى ابنته، فهو يهدده بأنهم صاروا على مرمى حجر من
يده. التهديد والوعيد لكل مَن يختلف معهم، واحدة من أسلحتهم، بل إنه يقول
إن الشتائم مباحة فى الإسلام، وأن القرآن به شتائم، ويصفون بعض آيات الذكر
الحكيم بالشتائم ويفسرون أحاديث للرسول عليه الصلاة والسلام، وخلفاء رسول
الله الراشدين، ويعتبرونها شتائم، مما يمنحهم صكوكًا بتوجيه كل أنواع
السباب التى تمس الأخلاق وتهتك الأعراض، على اعتبار أن هذه هى شريعة الله.
الذى نراه على تلك الشاشات هو أكبر إهانة توجه إلى الإسلام وليس باسم
ولا إبراهيم عيسى الذى يناله هو أيضًا الكثير من هذا القيح الذى يخرج من
أفواههم.
من المؤكد أن نجاح باسم يوسف فى برنامجه «البرنامج» تحقق، لأنه قدم
نغمة مغايرة تمامًا لما دأبت عليه برامج التوك شو المصرية، فأصبح هو الأكثر
شعبية فى البيت المصرى والعربى.
باسم ابن هذا الزمن، بل تحديدًا الثورة، فهو طبيب القلب الذى ذهب إلى
الميدان مع بزوغ ثورة اللوتس، لكى يؤدّى واجبه الوطنى فى إسعاف الثوار.
وبعدها استقر فى اليوتيوب، ليقدم برامجه إلى الناس وحقَّق إنجازًا رقميًّا
بمعدلات غير مسبوقة فى كثافة المتابعة وانتقل بسرعة من خانة المئات إلى
الآلاف ثم الملايين. التقطته محطة «أون تى فى» وبعدها جاءت نقلته التالية
فى الـ«سى بى سى»، وصارت القنوات الأخرى تعمل لتوقيت عرض حلقته 11مساء يوم
الجمعة ألف حساب.
يبدو الأمر لأول وهلة أن باسم يتحدث عن باسم ويدافع عن باسم ولا يعنيه
فى الدنيا سوى باسم، ولكن الحقيقة هى أنه يتلكك، من أجل أن يفضح كل مَن
يرفع بيده كتاب الله ثم يكذب ويفجر ويحاصر مدينة الإعلام والمحكمة
الدستورية، ويؤكدون أنهم فقط الذين يملكون أوراق مكتب تنسيق دخول الجنة
والنار.
مصر أكبر من هؤلاء المدّعين ومن تلك البذاءات التى تخرج من أفواههم،
فهى من علامات البداية لطريق النهاية. سلاح السخرية الذى يشهره المصريون من
أجل إسقاط شبح حكم الإخوان أفقدهم صوابهم.
باسم لا يُقدّم برنامجه على الهواء مثل أغلب برامج التوك شو، ولهذا
فإن خطأ التصوير يمكن تداركه قبل العرض، فأنا لم أستسغ مثلًا فى الحلقة
الأخيرة أنه عندما أراد توجيه تحية إلى أصالة، قال لها أنا متعود أن يأتى
إلى برنامجى «الجرابيع»، فكيف يهاجم جمهوره العريض فى الاستوديو وأمام
الشاشة، فهى تبدو مجاملة فى غير محلها. ورغم ذلك فإن هذه تظل مجرد تفصيلة
نرصدها، لأننا نعتز بالدور الوطنى الذى يلعبه البرنامج، الذى ترى قوته ليس
فى ما يقدمه بطرافة وذكاء وسرعة بديهة ولكن فى ردود الفعل المتجاوزة التى
تفضح هؤلاء الذين يصفون أنفسهم بالدعاة ويقتاتون بالسباب والشتائم على
أعراض الناس، وتكتشف أنهم لا يعنيهم شىء فى الدنيا سوى الأعضاء الجنسية
للنساء والرجال.
فريد وثومة وحليم!
طارق الشناوي
24/12/2012 10:39 م
سألت الشاعر الغنائى الكبير مأمون الشناوى لو تصورنا أن أم كلثوم غنت
«الربيع» بلحن فريد فما هو النجاح الذى من المتوقع أن تحققه؟ أجابنى: حدث
تفاعل سحرى بين صوت فريد وهذا اللحن، وبالطبع أم كلثوم صوت لا يضاهيه ولا
يقترب منه أحد إلا أنك لا تضمن أبدا أن يتكرر السحر مرة أخرى بين موسيقى
فريد وصوت أم كلثوم!!
سألته لماذا لم تغنِّ أم كلثوم لفريد؟ ولماذا لم تحاول إقناعها وأنت
صاحب القسط الأكبر فى كتابة روائع فريد التى كانت «الربيع» واحدة من
معالمها؟ أجابنى: السبب الحقيقى الذى لم تعلنه مباشرة أم كلثوم وقالته لى
أنها لم تكن تحب المذاق الموسيقى لألحان فريد، سواء تلك التى لحنها لنفسه
أو غناها الآخرون له. انتهت كلمات مأمون الشناوى رغم أن فريد الأطرش -الذى
نحيى ذكراه رقم 38 غدا- كان لديه تفسير آخر لحالة التمنع «الكلثومى»، وهو
أنها كانت تشعر بالغيرة من شقيقته أسمهان، ورغم رحيلها عام 1944 فإنها لم
تنس أبدا أنه شقيق غريمتها الأولى وأول مطربة تهدد عرشها. الحقيقة أن فريد
عمليا لم يتوقف عن طرق بابها وحتى رحيله، مثلا قدم لها قصيدة «وردة من
دمنا» بعد هزيمة 67 وبعد عدة بروفات تراجعت وغناها بصوته، وبعد ذلك كرر
المحاولة فى «كلمة عتاب» من كلمات أحمد شفيق كامل ووافقت أم كلثوم على
الكلمات وأبدت سعادتها باللحن ورحل فريد فى 26 ديسمبر 1974 ورحلت بعده أم
كلثوم بأقل من 40 يوما ولم يتحقق اللقاء، بل إن اللحن لم يكن فريد قد وضع
له المقدمة بعد، ولهذا غنته وردة بعد أن استعان بليغ حمدى بأشهر مقاطع من
موسيقى لأغنيات فريد، ومزج بينها فأصبحت هى مقدمة «كلمة عتاب». كانت هذه هى
أكبر عقدة عاشها فريد، أما الثانية فإنها لقاؤه المستحيل مع عبد الحليم.
وكان هناك أكثر من مشروع غنائى، اتفق مع الشاعر عبد العزيز سلام ولحن «يا
وحشنى رد عليا إزيك سلامات» وأعلن عبد الحليم إعجابه باللحن، بل وغنى على
عود فريد المذهب أكثر من مرة، ثم فجأة اختفى وتهرب وأراد فريد أن يلقنه
درسا فمنح هذه الأغنية إلى منافسه الأول فى تلك السنوات منتصف الستينيات
محرم فؤاد. ثم كانت أهم معركة بين الاثنين فى عام 1969 عندما جاء فريد من
لبنان بعد ابتعاده عن مصر عدة سنوات وغنى «سنة وسنتين وانت يا قلبى تقول
أنا فين» التى كتبها مأمون الشناوى وأراد فريد أن يغنى فى ليلة الربيع، وهو
نفس موعد غناء عبد الحليم حافظ، كان التليفزيون يقدم دائما حفل عبد الحليم
مساء يوم الأحد على الهواء مباشرة ولم تكن الدولة تملك وقتها سوى قناتين
فقط، الأولى والثانية، وإمكانيات الدولة إعلاميا لم تكن تسمح سوى بوحدة
واحدة للبث المباشر على الهواء. كيف يتم إذن حل هذا المأزق؟ لم يستطع ولا
حتى وزير الإعلام د.عبد القادر حاتم إصدار قرار، فكان ينبغى أن تتدخل
السلطة السياسية العليا. أصدر عبد الناصر أوامره بأن يذاع حفل فريد الأطرش
على الهواء مباشرة ويسجل حفل عبد الحليم ليذاع فى ثانى يوم، ومنح جمال عبد
الناصر وسام الفنون والعلوم من الطبقة الأولى لفريد وهو نفس الوسام الذى
حصلت عليه من قبل أم كلثوم وعبد الوهاب، وهو ما لم يحظ به عبد الحليم حافظ.
العلاقة الساخنة بينهما كانت تشهد تراشقات فى الصحافة، ولم يحسم الأمر
سوى هذا التسجيل الوحيد الذى جمع بين فريد وعبد الحليم عام 1970 للتليفزيون
اللبنانى ويومها عاتبه فريد قائلا: إنت قلت إنى قدّ والدك، ورد عليه عبد
الحليم بلاش يا سيدى ما تزعلش إنت قدّ جدى.. وقررا تكليل هذا اللقاء
التليفزيونى بأغنية مشتركة وتم تكليف محمد حمزة بكتابة الأغنية، وكالعادة
تهرب عبد الحليم فى اللحظات الأخيرة. نعم، لم تتحقق أمنية فريد بالتلحين
لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وخسرت المكتبة العربية ولا شك مذاقا إبداعيا
له سحره، ولكن مكانة فريد ظلت كما هى، فلقد أمسك بالمجد من أطرافه، حتى لو
لم يكن من بين ما أمسك به ألحان لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ!!
جيوبى فتشوها!!
طارق الشناوي
23/12/2012 10:09 م
الكل سوف يسارع بالنفى، مؤكدًا أنه لا توجد قائمة، فعلها مؤخرًا وزير
الإعلام صلاح عبد المقصود، عندما بدأ البعض من العاملين فى ماسبيرو يحددون
عددًا من أسماء المعارضين الممنوع استضافتهم على كل قنوات ماسبيرو، قال لهم
«جيوبى أهه فتشونى». كان أنس الفقى وقبله صفوت الشريف عندما يذكر أحد أن
هناك قوائم سوداء فى الإعلام، يقولان نتحدّى أن يثبت أحد ذلك والمعارضة
مرحّب بها دائمًا على الشاشة، ولهذا اخترعوا المعارِض المعقم الذى يعرف
بالضبط ما هو الخط الأحمر المسموح، فيتوقف عنده، ولكن أصحاب المواقف كانوا
ولا يزالون مستبعدين من الظهور على الشاشة.
والحقيقة لم تكن هناك فى أى عهد قوائم مكتوبة إلا أنه لا يستطيع مقدم
برامج استضافة أحد ممن تثار حول أسمائهم الشبهات إلا بعد الرجوع للقيادة
الأعلى حتى يصلوا إلى الوزير، كما أن الأمر يزداد صعوبة فى حالة برامج
الهواء، التسجيل ممكن ولكن الهواء مستحيل لعدد من الأسماء، مثلًا كان
المخرج يوسف شاهين فى سنواته العشر الأخيرة غير مرحب به فى هواء ماسبيرو.
أحيانًا، وفى رمضان فقط، كان مثلًا المذيع عمر بطيشة يُسمح له على
أثير الإذاعة بأن يستضيف أسماء لا ترحب بها الدولة طوال شهور العام، وذلك
فى زمن محدود جدًّا ومع مذيع مخضرم وفى حوار مسجل لن يسمح بأن تفلت منه
كلمة تُغضب الدولة.
السلطة فى عهد مبارك كانت مهيمنة أيضًا على الإعلام الخاص، فمن يعتقد
أن الرقابة فى ماسبيرو فقط لا يعرف توحش القبضة الحديدية. كل أصحاب القنوات
الخاصة أدركوا مثلًا أن هيكل غير مرحب به بعد أن قال فى حوار سابق إن
السلطة شاخت فى مواقعها، بل إن الراحل منصور حسن بعد التسجيل الذى أجراه مع
منى الشاذلى فى قناة «دريم» لم تستطع القناة إعادة الحلقة مجددًا.
قرارات المنع تبدو فى جانب منها تعبيرًا مباشرًا عن رغبة الدولة فى
تهذيب وتأديب الوسط الفنى والثقافى، مثلًا فى أيام السادات كان ممنوعًا على
المخرجين فى الإذاعة والتليفزيون والمسرح أن يسندوا أدوارًا إلى صلاح
السعدنى، لأنه الشقيق الصغير لمحمود السعدنى الذى وضعه السادات فى قائمة
المغضوب عليهم.
فى عام 2010 فى أعقاب مباراة كرة القدم بين مصر الجزائر، أصدر أنس
الفقى قرارًا بمنع أغنيات وردة من الإذاعة والتليفزيون، ولكنه رسميًّا نفى
ذلك، الكل كان يعلم أن وردة تدفع ثمن غشومية سياسية لأصحاب القرار.
الفنان أو المثقف من الممكن أن يستشعر أنه معرّض للإقصاء لو أن الدولة
وضعته فى تلك القائمة، والأمر ليس متعلقًا فقط بالظهور إعلاميًّا، ولكن
تمنع الدولة المغضوب عليهم من الماء والهواء، مثلًا الروائى صنع الله
إبراهيم، الذى هاجم السلطة علنًا عام 2003 رافضًا جائزة الرواية، ومن ذلك
الحين استبعدوا عرض مسرحية «اللجنة» المأخوذة عن رواية له، وتم إلغاؤها قبل
البروفات النهائية، لا أحد يعلن بالطبع أن السبب هو اسم صنع الله. فى فيلم
«العصفور» لم يستطع يوسف شاهين أن يضع اسمَى أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام على
التترات باعتبارهما أصحاب أغنية «مصر يا امه يا بهية»، لأنهما كانا على رأس
قائمة الممنوعين. عندما تعرّض الشاعر نزار قبانى لوشاية تم منع قصائده من
التداول بسبب ديوانه «هوامش على دفتر الهزيمة»، قالوا إنه يتعرّض لعبد
الناصر فى إحدى قصائده، وبعدها أرسل نزار خطابًا وصل إلى عبد الناصر عن
طريق الناقد الراحل رجاء النقاش، فأصدر أوامره بإلغاء قرار المنع.
أفهم بالطبع أن المبدعين أيام عبد الناصر والسادات كانوا يحرصون على
أن تظل حبال الود مع السلطة قائمة، والحد الأدنى هو أن يؤيد الفنان قرارات
الرئيس. ولكن مع بزوغ الفضائيات لم يعد هناك مبرر للخوف، فما الذى يملكه
النظام إذا منع استضافة محمد حسنين هيكل فى ماسبيرو، بينما يلتقى أسبوعيًّا
مع الجمهور من خلال قناة الجزيرة.
القائمة السوداء تقابلها قائمة أخرى بيضاء لمن ترضى عنهم الدولة
فيصبحون هم يدها ولسانها ومخها، على اعتبار أن لديها مُخًّا، لإقناع الرأى
العام بما تريده، ولهذا انتشرت ميليشيات «الحرية والعدالة» على شاشة
ماسبيرو، وانتقلوا إلى الفضائيات المجاورة للترويج لمرسى والمرشد والدستور.
أسلحة «فشنك» آيلة للسقوط على مقاس نظام «فشنك» آيل للسقوط!!
حقدٌ أسود أم حبٌّ مجنون؟!
طارق الشناوي
23/12/2012 10:02 ص
شائعات الموت لاحقت الكثيرين خلال الأسبوعين الماضيين، رجاء الجداوى
اكتفت بنفى الشائعة بينما يوسف شعبان اعتبرها مؤامرة سياسية.
تثير مثل هذه الشائعات الكثير من الأشجان لدى الفنانين خصوصا عندما
تمتزج بإحساس الترصد، حيث يعتقد بعضهم أن هناك من يقصد أن يشيع عنه هذا
الخبر بسبب الغيرة المهنية أو الكراهية الشخصية.. وبحكم المهنة كثيرا ما
أتلقى مكالمات من بعض الزملاء الصحفيين والمذيعين فى مصر والعالم العربى
وهم يقولون لى: سمعت شائعة موت فلان، أقول لهم: هل تأكدتم؟ تأتى الإجابة:
نريد أن نتأكد منك، والخبر يتم انتقاله على «النت» ويصبح الأمر فى غاية
الحساسية، هل أتصل ببيت الفنان فإذا رد علىّ أحد أفراد أسرته أسألهم هل
الفقيد لا يزال على قيد الحياة؟ وفى حالة سماعى لصوت الفنان هل أقول أخبار
صحتك إيه؟ وبما أنه عادة ليس من بين الأصدقاء الذين تعوّدت أن أسأل عنهم
فسوف يتشكك فى خلفيات هذا السؤال، ثم إن الفنان غالبا ما يكون فى هذه
الحالة قد تلقى عشرات من المكالمات المشابهة التى لا تفصح مباشرة عن هدفها
ولكنها تثير الريبة والشك والتى تنتهى عادة بتلك العبارة «الحمد لله أنا
اطّمنت عليك».. بالتأكيد الفنان الذى يتلقى كل هذه المكالمات من شخصيات لم
يتعود على التواصل الدائم معهم سوف ينتابه الشك بأن هناك أمرا جللا حدث له
وربما اعتقد أنه انتقل بالفعل للرفيق الأعلى وهو آخر من يعلم!!
فى هذا العام فقط سَرَت شائعات موت عمرو دياب وعادل إمام ونادية لطفى
وسمير غانم وصباح وجورج وسوف وغيرهم.. واجه عادل الخبر بسخرية لاذعة خصوصا
أنه قبل تلك الشائعة بأسابيع قليلة كان قد واجه واحدة مماثلة ولهذا كتب
بنفسه يسخر من الموت وحرص على أن يلتمس الأعذار لمن لم يستطع المجىء إليه
فى لحظة وداعه، مؤكدا أنه تسامح معهم خصوصا أنه يعلم أن بعضهم قد توقّع
أنها شائعة لكثرة تكرارها كما أن هناك من انشغل فى الاستوديو وهو لا يستطيع
أن يلوم أحدا منهم!
على مدى الحياة الفنية وتلك الشائعات لا تنقطع وأتصورها فى جانب منها
تعبر عن فرط الحب وليس كما يتبادر مباشرة إلى الذهن عن فرط الحقد والكراهية
وذلك لأن شائعة الموت تنتهى فور تكذيبها بينما الشائعات الأخرى تنمو وتكبر
حتى بعد تكذيبها، مثلا لو أن هناك من يطلق على فنان شائعة إصابته بمرض
الإيدز ويظهر الفنان عبر أجهزة الإعلام مكذِّبا الخبر إلا أن الناس أو
بعضهم على الأقل لن يصدقه يظل هناك احتمال قائم لتصديق الشائعة.. ناهيك
بالشائعات الأخلاقية التى تظل تلاحق الفنان أو على الأقل بقاياها مهما حاول
التكذيب.. أنا على عكس أغلب الزملاء أرى أن فى بعض شائعات الموت قدرا من
الحب ولكنه حب عاجز عن اختيار التوقيت والمفردات الصحيحة فهو يحمل بداخله
خوفا كامنا، وإذا، مثلا، قال البعض إن المتربصين بعادل إمام كُثُر ومن
الممكن أن يحقد البعض عليه فما الذى من الممكن أن نقوله عن شائعات الموت
التى كثيرا ما أُطلقت على النجمتين الكبيرتين فاتن حمامة وشادية وهما
مبتعدتان عن أى منافسة فنية، شادية اعتزلت قبل نحو 25 عاما، وفاتن لم تعتزل
رسميا إلا أنها خارج الصراعات الفنية منذ زمن بعيد ولا يستطيع أحد أن يدّعى
تنافسا ما.. الاختفاء يفتح الباب على مصراعيه لمثل هذه الشائعات وشادية
وفاتن بعيدتان عن الوجود الإعلامى، كما أن على الجانب الآخر الانتشار
المبالَغ فيه قد يؤدى مع الأسف إلى نفس النتيجة.
ومن أشهر مفارقات شائعات الموت تلك التى أُطلقت على فريد شوقى قبل
رحيله بأربعين يوما ويومها ظهر فريد على شاشة التليفزيون عام 1998، مؤكدا
أن شائعة موته مجرد بروفة وأنه تأكد من حب الناس ولم يعد يخشى زيارة
عزرائيل الذى استقبله بالفعل فى اليوم الأربعين للبروفة!!
لا أتصور أن شائعات الموت قابلة للحياة أكثر من دقائق معدودة فى ظل
الانتشار الفضائى ولهذا فلم تعد سلاحا من الممكن استخدامه للنيل من أحد،
كما أنها تبدو فى جانب منها نوعا من الحب الذى قال عنه الشاعر الكبير بشارة
الخورى بصوت عبد الوهاب «ومن الحب ما قتل»!!
الوطن أم الضرائب؟!
طارق الشناوي
21/12/2012 10:19 م
عندما يختار أيقونة فرنسية مثل جيرارد ديبارديو، أن يتخلى عن جنسيته
ويهاجر إلى بلجيكا، هل نعتب على الفنان الذى تنازل بسهولة عن هويته الوطنية
أم نعتب على الوطن الذى شدد الخناق على الفنان حتى بعد أن دفع ما يربو على
100 مليون يورو بأثر رجعى عن نشاطه الفنى.
ديبارديو من النجوم الفرنسيين القلائل الذين انطلقوا عالميًّا وحظى
بمكانة أوروبية وأمريكية استثنائية، هو يقول مدافعًا عن نفسه إنه مواطن
عالمى لا فقط فرنسى، ويشير إلى أنه تعرَّض لإهانة من رئيس الوزراء الفرنسى
عندما وصفه بالدنىء، ولهذا أطاح بجواز سفره فى وجهه.
تذكرت كيف أن نجوم كبار تعرضوا لملاحقة الضرائب وانتهى بهم الأمر إلى
الإفلاس مثل إسماعيل يسن، الذى مات فى الستين من عمره، ولو شاهدت آخر
أفلامه السينمائية «الرغبة والضياع»، لوجدت شبحًا لرجل عجوز أمامك يبدو
وكأنه تجاوز الثمانين يطل عليك مهزومًا مقهورًا، وكان رصيده فى البنك -كما
ذكر لى ابنه الراحل الوحيد يسن إسماعيل يسن- 10 جنيهات، وهو الحد الأدنى
وقتها الذى يتمكن من خلاله أن يستقبل أموالًا قادمة لم تأت أبدًا.
أتذكر أيضًا الفنان عبد السلام النابلسى الذى اضطر إلى الهروب إلى
بلده لبنان، خوفًا من القبض عليه فى مصر بتهمة التهرب الضريبى، وحرمنا فى
السنوات الأخيرة من حياته من مشاركته فى الأفلام، ربما وهذا مجرد تفسير
شخصى أنه بسبب غيابه عن مصر فى أثناء تصوير فيلم «معبودة الجماهير» أسند
المخرج حلمى رفلة دور صديق عبد الحليم إلى فؤاد المهندس، بعد أن احتكر
النابلسى هذا الدور فى نصف أفلام عبد الحليم.
بديعة مصابنى أيضًا عادت إلى لبنان بسبب مطاردة الضرائب، هل كانوا
ضحايا بسبب تعسف أوطانهم أم هم مذنبون فى حق أوطانهم.
الدولة فى العالم الثالث فى كثير من الأحيان تعتبر الضرائب واحدًا من
الملفات التى تحتفظ بها للضغط على الفنانين والمثقفين، ولإرهابهم إذا لزم،
وبين الحين والآخر تبعث برسالة فى كلمتين «انضبطوا وإلا». قبل نحو 20 عامًا
كانت شرطة مكافحة التهرب الضريبى قد اقتحمت بيت كل من الراحل عادل أدهم
ويسرا وذلك فى ليلة واحدة كان الهدف المعلن هو العثور على العقود الحقيقية
التى وقعوها للأفلام، لا أحد يدرى بالطبع مدى صحة هذا الادعاء، الأهم من
ذلك هو السؤال الذى تردد وقتها: لماذا اختيار عادل ويسرا فقط من بين عشرات
من النجوم؟
حاولت الدولة فى وقت ما أن تحصل على معلومات من عدد من المنتجين عن
الأجور الحقيقية للنجوم للتأكد أن المبلغ الموثق بالعقد هو نفسه الذى
يتقاضاه النجم، ولكن صمت المنتجون تحسبًا لرفض النجوم العمل معهم مجددًا.
المعروف أن قسطًا كبيرًا ولا أقول كل، ولكن أغلبهم يتعاملون بعقد رسمى
وآخر شخصى، وأحيانًا لا يوجد تعاقد مكتوب، ولكن مجرد اتفاق شفهى يلتزم فيه
المنتج بدفع المبلغ المتفق عليه فى أثناء التصوير على دفعات، وفى الأسبوع
الأخير يشترط النجم أنه لن يذهب إلى التصوير إلا بعد الحصول على كل
مستحقاته المالية فهو من الممكن أن يتساهل فى الأسابيع الأولى، ولكن
الأسبوع الأخير هو الذى يملك فيه النجم أن يملى شروطه، بعدها سيجد أن عليه
مطاردة المنتج للحصول على أمواله.
هناك وجه آخر للصورة، إنها حقوق نقابة الممثلين نسبة 2% التى تحصل
عليها النقابة، أتذكر أن الممثل والمخرج المسرحى الراحل عبد الغفار عودة،
عندما تولى موقع نقيب الممثلين، قرر أن يفتح النيران على النجوم، وأمسك
بالملف الشائك، لم يكن هدفه بالطبع إنعاش مصلحة الضرائب، ولكن زيادة حصيلة
صندوق النقابة الذى يسهم فى الإنفاق على علاج الفنانين، وكلما ارتفع الرقم
بالطبع زادت حصيلة النقابة بينما النجوم لا يعترفون سوى بالالتزام بالعقود
التى قدموها إلى الضرائب والتى ربما لا تتضمن سوى 10% من حقيقة الأجر. لم
يستطع عودة عندما خاض هذه المعركة قبل 14 عامًا أن يفعل شيئًا، ومنذ ذلك
التاريخ وبتوجيه من الدولة أغلقت نقابة الممثلين هذا الملف بالضبة
والمفتاح.
أتصور أن تأييد النجوم لمبارك ومؤازرتهم التوريث ومحاولتهم الدائمة
تعضيد أواصر الصداقة مع النظام، تلمح فيه سلاح الضرائب الذى تستطيع الدولة
فى أى لحظة تفجيره فى وجه مَن يعترض، لا يزال الملف فى يد مَن يملك السلطة
ولا يزال السؤال مطروحًا.. الضرائب أم الوطن؟!
«نعم» للثورة.. نَعَمين لبشار!!
طارق الشناوي
20/12/2012 10:49 م
فى سوريا افتتح قبل أيام قلائل مهرجان سوريا الحرة السينمائى دورته
الثانية تحت شعار «ثورة سينما» المهرجان بالطبع يعرض الأفلام الروائية
والتسجيلية والرسوم المتحركة التى يناضل مبدعوها بالكاميرا ضد بشار الأسد
الذى يضع حياته مقابل حياة سوري
المهرجان اختار الشبكة العنكبوتية ملعبا له عبر الـ«يوتيوب» ويتم
التصويت إلكترونيا، لاختيار الفيلم الفائز الذى سيعلن عنه بعد غد. الدورة
الأولى للمهرجان عقدت كبديل ثورى لمهرجان دمشق الذى أُرجئت دورته التاسعة
عشر فى العام الماضى بسبب الثورة، حيث تنبه العديد من السينمائيين العرب
إلى أن المقصود لم يكن إقامة مهرجان سينمائى بقدر ما هو توصيل رسالة للعالم
بأن لا شىء استثنائى يحدث فى سوريا والدولة مسيطرة على كل جوانب الحياة.
أتذكر أننى كنت أول من أشرت إلى خطورة إقامة مهرجان تحت رعاية بشار الأسد،
بينما هو يقتل شعبه بأعصاب باردة، وكتبت مقالا عنوانه «مهرجان دمشق
السينمائى الدموى» وبعدها أصدرت نقابة السينمائيين فى مصر قرارا بمقاطعة
المهرجان، رغم أن عددا من النجوم كانوا قد أبلغوا موافقتهم على الحضور، بل
إن غرفة صناعة السينما فى مصر -بسبب قصور فى الرؤية السياسية- لم تجد بأسا
من إعلان تأييدها لإقامة المهرجان بحجة أن الغرفة لا يعنيها شىء سوى
مصلحتها، وهم وجدوا أن مصلحتهم فى استجلاب بعض الفستق من دمشق. العديد من
النقابات الفنية فى العالم العربى أعلنت تضامنها مع الثورة وقاطعت المهرجان
وجاء القرار من بشار بالإلغاء منعا للفضيحة.
بالتأكيد كانت ضربة قاسية وجهت إلى بشار وإلى مؤسسة السينما السورية
ذراع الأسد فى السيطرة على المثقفين. وجاءت الضربة الثانية من مهرجان
القاهرة عندما قرر المدير الفنى للمهرجان ماريان خورى استبعاد الفيلم
السورى «العاشق» الذى أنتجته المؤسسة كان الهدف هو حصار المؤسسة ثقافيا،
وكنت أيضا أول من طالب مهرجان القاهرة باتخاذ هذه الخطوة، ليس رفضا للفيلم
ولا المخرج عبد اللطيف عبد الحميد الذى أشدت بعدد من أفلامه السابقة،
وبينها «نسيم الروح» الذى استلهم فيه حياة الموسيقار بليغ حمدى، ولكن لأننا
نعيش ظرفا استثنائيا ويجب أن نتنبه إلى أن الأسد يلعب بكل الأوراق. المثقف
السورى صار يحسبها ألف مرة قبل أن يعلن موقفه، فهم لا يزالون يخشون بطش
وانتقام الأسد وفى نفس الوقت يعملون حسابا للثوار، وهكذا عندما يُسأل بعضهم
عن رأيه يقول إنه مع الاستقرار ويرجو لسوريا السلامة لا يدافع مباشرة عن
بشار ولا عن الثورة ولكنه يقف فى المنطقة الرمادية. هذا الحياد القاتل لم
يعد من الممكن التسامح معه فى تلك اللحظات المصيرية وفى نفس الوقت من يتصور
أن الثقافة عليها أن تقف بعيدا عن هذا المعترك أراه لا يدرك قيمة الفيلم
والأغنية واللوحة فى المعركة التى تعيشها الشعوب، خصوصا فى ظل ثورة امتدت
نحو 19 شهرا تجابه سفاحا دمويا لا يتورع عن استخدام كل الأسلحة للدفاع عن
بقائه.
فى مهرجان دبى كانت هناك العديد من المناقشات بينى وبين عدد من النقاد
والسينمائيين العرب والأجانب عن استبعاد الأفلام السورية من العرض فى دبى؟
البعض أكد أن عبد اللطيف لم ينافق النظام وفيلمه الأخير «العاشق» لم يتناول
الثورة السورية لا تأييدا أو رفضا، قلت نعم ولكن الآن نحن نعيش فى ظل ظرف
استثنائى فكيف لمخرج يرى بلده تعيش الثورة ولا يعلن عن موقفه المؤيد
للثوار، وبالطبع عبد اللطيف واحد من الفنانين الذين وقّعوا على بيان فى
أعقاب الثورة مباشرة، يطالبون بالإصلاح ولكن تحت قيادة بشار وهو ورقة
الدفاع الأخيرة التى لجأ إليها كل الطغاة وقبله زين العابدين ومبارك وعلى
عبد الله صالح، وهى نعم للإصلاح ولا لسقوط النظام. الكل يعرف أن عددا من
الفنانين والمثقفين مجبرون عليها تحسبا للأنظمة، ولكن لا يمكن أن تقف
المهرجانات السينمائية مكتوفة الأيدى، بحجة «لا سينما فى السياسة ولا سياسة
فى السينما» رغم أن كل اختيارات المهرجانات العربية والعالمية بعد ثورات
الربيع العربى كانت مجرد تنويعات سينمائية على الثورات العربية. علينا أن
نؤازر هذا المهرجان السورى الثورى الذى من المؤكد أنه لن يسمح للمشاركة فى
فاعلياته من يفضلون الاحتماء بالمظلة الرمادية، مرددين نعم للثورة ونعمين
لبشار.
حب أفضى إلى قتل!!
طارق الشناوي
16/12/2012 3:48 ص
ما أكثر «التيمات» الدرامية التى نراها فى الأعمال الفنية وعبر
التاريخ؟ لو ألقيت نظرة عين الطائر على الرواية والمسرح والشعر والفن
التشكيلى والسينما محليا وعالميا، ستكتشف أن الحب شكل القسط الوافر منها،
إلا أن الحب مرتبط دائما بمرحلة الشباب حيث تتأجج العواطف ولا يمكن كبح
جماحها فتتخطى الحواجز الاجتماعية والاقتصادية والعرقية. وهكذا خُلدت فى
التاريخ الفنى الآلاف منها، ولكن مهرجان دبى فى دورته التاسعة اقتنص من
مهرجان «كان» هذا الفيلم الحائز فى دورته الأخيرة التى حملت رقم 65 على
السعفة الذهبية، ليثبت أن الحب مثل الصاروخ عابر المحيطات، هو أيضا عابر
لحواجز السنين. الفيلم افتتح به مساء أول من أمس قسم سينما العالم الذى
يعرض أهم الأفلام المنتجة فى العام، ومن بينها بالطبع هذا الفيلم.
فى فيلم «حب» كان عمر الحبيبين قد تجاوز الثمانين، وتستطيع أن تعتبر
هذا النوع من الحب تنويعة عاطفية على طريقة ضرب أفضى إلى موت، فهو حب أفضى
إلى قتل.
وقبل أن ننتقل إلى تفاصيل الفيلم، أذكر أنه فى مهرجان «كان» الأخير
وهى من المرات القليلة التى توافقت فيها آراء لجنة التحكيم التى رأسها
المخرج الإيطالى نانى موروتى مع آراء أغلب النقاد فى المجلات الفنية التى
تصاحب المهرجان بالرصد والتحليل، ومنح درجات للأفلام المشاركة، حيث حظى
فيلم «حب» للمخرج النمساوى الشهير مشيل هانكا بجائزة أفضل فيلم من خلال
تقييم النقاد وأيضا لجنة التحكيم.
الحب لا يعترف بالسنين، وهكذا عشنا مع بطلى الفيلم اللذين تجاوزا
الثمانين وهما فى حالة امتزاج عاطفى السنين لم تفسد هذا الإحساس بل زادته
وعمقته. الزوجان أستاذان للموسيقى وابنتهما الوحيدة التى نراها على هامش
الأحداث تمارس العزف الموسيقى، تبدو كأنها محددات للكادر الذى نُطل من
خلاله على الفيلم.
الفيلم يبدأ برجال الشرطة يقتحمون منزلا وهم يضعون كمامات على وجوههم
بسبب رائحة تنبعث من المكان، دلالة على مضى بضعة أيام على وقوع الجريمة،
ونكتشف جثة امرأة عجوز ملقاة على السرير وحولها الزهور.
اللقطة الثانية فى المسرح تبدو «كفلاش باك» عودة للماضى، حيث كان
الزوجان الحبيبان يحضران حفلا موسيقيا، ونعود بعد ذلك إلى الموقع الرئيسى
للأحداث والكاميرا لا تغادر البيت، نظل داخل هذا المكان الضيق والكلاسيكى
فى ملامحه نتابع تلك العلاقة بين الحبيبين.. السيناريو كتبه المخرج ميشيل
هانكا ليس على الطريقة البوليسية من أجل التشويق وزرع تساؤل عن من الجانى،
ولكن تلك الجريمة تعبر بنا سريعا بسبب رهافة إحساس المخرج وقدرته على بناء
السيناريو، لم نتذكرها إلا مع ارتكاب البطل لحادثة القتل لتستحوذ علينا
الحكاية العاطفية بكل تفاصيلها وتداعياتها!!
الفيلم لا ينتهى هنا، ولكن نعيش الحلم مع الزوج عندما نرى زوجته فى
المطبخ، وهما فى طريقهما لمغادرة المنزل، وكأن المخرج يريد أن يحقق للمتفرج
نهاية سعيدة لم تحدث على الشريط السينمائى. وهو يعيدنا مجددا إلى تلك
اللقطة التى شاهدناهما معا فى درا الأوبرا مع بداية أحداث الفيلم، فلقد
تألم الزوج وهو يرى زوجته الحبيبة غير قادرة على الحركة وتريد التخلص من
حياتها، وهو لا يستطيع أن يعيش دونها، أصابتها سكتة دماغية أولى فأعارها
ذراعيه وقدميه، وجاءت الثانية وكالعادة فى مثل هذه الأحوال أشد ضراوة
وأفقدتها تواصلها بالحياة فخنقها وتخلص هو أيضا من حياته. لسنا هنا فى مجال
تقييم دينى وأخلاقى وقانونى لهذا الفعل ولكنه يقدم بمنطقه الدرامى.
الكاميرا لم تغادر المنزل إلا فى مشاهد نادرة واحدة فى المسرح وأخرى
أمام باب الشقة، ولكن يظل المنزل هو البطل المسيطر على الإحساس العام.. ولم
يجد المخرج سوى أن يقترب بالكاميرا لنرى من خلال نظرته التأملية لوحات
تشكيلية على الجدران تمنحنا قدرا من الرحابة.
شاهدت على مسرح قاعة لوميير فى مدينة «كان» قبل ستة أشهر، فى أثناء
توزيع الجوائز، كيف أن الرؤية الدرامية للمخرج وحالة الفيلم البصرية التى
تحققت ما كان من الممكن أن تتوفر لولا أن هناك اثنين من كبار نجوم فن
الأداء، وهما بطلا الفيلم جان لويس ترانتيجو وإيمانويلا ريفا قد امتزجا
إبداعيا أمام الكاميرا، ولقد استحقا ثناء المخرج ميشيل هانكا وقبل ذلك ثناء
رئيس لجنة التحكيم المخرج الإيطالى الشهير نانى موروتى.
وتجددت قبل ساعات فى مهرجان دبى حالة من الشجن النبيل فى سينما مسرح
المدينة فى أثناء عرض الفيلم لنعيش «حب» حتى لو أفضى إلى قتل فهو.. عابر
لحواجز الزمن!!
التحرير المصرية في
16/12/2012 |