يونس بواب ممثل مغربي صاعد، ملامحه المميزة أكدتها موهبته في فن
الأداء، له أدوار قليلة في مسلسلات تليفزيونية كوميدية "ست كوم" يقوم
بكتابتها منذ عام 2007.
بدأ كتابة السيناريو بقصة للإذاعة المغربية وذلك عقب عودته من فرنسا
إذ درس هناك الفلسفة الإسلامية - ابن رشد - ثم الفلسفة السياسية، كما حصل
على دورات في كتابة السيناريو، وعاد إلى المغرب ليقوم بتدريس السيناريو
بمدرسة السينما هناك.
جسد أحد الأدوار في فيلم "الطريق إلى كابول"، ثم فجأة في الأسبوع
الأول من ديسمبر 2012 سطع نجمه في دور لافت من خلال شخصية "زيرو" التي
جسدها في فيلم يحمل نفس الإسم للمخرج نور الدين لخماري صاحب الشريط
السينمائي"كازانيجرا"” الذي أثار جدلاً واسعاوحظى بإشادات نقدية عدة، كما
حقق أكبر إيرادات في تاريخ السينما المغربية، فقد شاهده أكثر من 400 ألف
مشاهد.
كان من المتوقع أن يكون "زيرو" أول فيلم يثير ضجة بعد صعود الإسلاميين
إلى تولي شؤون الحكمبعدما تصدر حزب العدالة والتنمية انتخابات 25 نوفمبر
الماضي، وقيام الملك محمد السادس بتعيين عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة
الجديدة، مما أثار كثيرامن المخاوف لدىالفنانين الذين سرعان ما طالبوا
حكومة "بنكيران" بمراعاة مكتسبات المبدعين، حيث كان لهم في السابق العديد
من المواقف لمحاكمة أفلام جريئة وصفوا أصحابها بأقبح النعوت التي وصلت إلى
حد التخوين والعمالة لإسرائيل. حتى أن نور الدين لخماري أعلن صراحة:
"تخوفاتي نابعة من تصريحات أدلى بها عبد الإلاه بنكيران، رئيس الحكومة
اليوم، في وقت سابق مفادها أن فيلمي "كازانيجرا" و"حجاب الحب" للمخرج عزيز
السالمي أعمال صهونية تدفع المغاربة إلى الفسق.. لذلك أتمنى أن يُعيد "بنكيران" النظر في آرائه، ويُدرك أن عليه ان
يهتم بعمله ويتركنا ندير شؤوننا".
ها هو شريط "زيرو" يخرج للنور ويُعرض في مهرجان مراكش السينمائي
الثاني عشر، وقد حضره جمهور غفير، وشهد إقبالاً متزايداً من النقاد وأهل
الفن، وهاجمه البعض بشراسة لأسباب لا علاقة لها بالنقد. وإن كان الفيلم قد
خرج خالي الوفاض من دون الفوز بأي جوائز مادية أو تقديرية إلا أنه حقق
جائزة من نوع آخر إذ أن سمعته الجيدة – مهما اختلفنا حول تقييمه الفني
والفكري ومدى تأثره بمخرجين كبار - كانت قد سبقته إلى مهرجان دبي السينمائي
التاسع المنعقد في الفترة 9- 16 ديسمبر 2012، فشهد إقبالاً كبيراً آخر من
الجمهور والنقاد في العروض التي أقيمت له بحضور مخرجه وبطله يونس بواب الذي
التقيناه هناك وأجرينا معه هذا الحوار.
·
** كيف التقيت بنور الدين
لخماري، وما هى قصة حصولك على "زيرو"؟
طبعاً أنا شاهدت "كازانيجرا" وأعتبره سينما حقيقية تعبر عن المغرب وقد
أحببت الفيلم جداً. لم نكن أنا ونور الدين قد التقينا. كنت أعمل في مدرسة
سينما كأستاذ سيناريو والتقينا لأول مرة هناك. نحن الإثنان من مدينة واحدة
هي مدينة "آسفي"، وهو قد شاهد لي بعض أعمالي من قبل، وعندما التقينا قال
لي: آه أنت يونس بواب؟" ثم تحدثنا. كان ذلك قبل تصوير "زيرو" بعام. كنا
نتعامل كأصدقاء فقط، ولم يتحدث معي عن الفيلم الذي كان قد كتبه ولكن لم يكن
قد بدأ الكاستنج بعد. ثم بعد ثمانية أشهر اتصل بي لأحضر الكاستنج بين عدد
كبير من الممثلين.
·
** ماذا عن تجربتك في الكاستنج؟
أثناء ذلك طلب مني نور الدين الإستعداد لأداء المشهد الأول بين رجل
البوليس والفتاة.. كان صعباً جداً ومرهقاً من زاوية مغايرة لأني أديته نحو
أربع أو خمس مرات في شهرين.. في المرة الأولى قال لخماري: حقيقي جيد جداً،
وفي المرة الثانية معقول ولكن يمكن أن يكون أحسن... وهكذا في كل مرة يكون
رد الفعل غير محسوم هل سأمثل الدور أم لا؟ إلى أن قلت له في المرة الأخيرة:
لخماري هل سأمثل الدور أم لا؟ أريد رداً قاطعاً. إذا لم أكن مناسباً للدور
أخبرني، أنا قدمت كل ما أستطيع تقديمه، وكرست نفسي له تماماً على مدار
شهرين، والآن عليك أن هل تخبرني الدور لي أم لا؟
·
** وكيف كان استعدادك للشخصية
على مدار الشهرين؟
كنت أتلقى تدريبا في التمثيل على يد اثنين من المدربين، مع ممثلتين
من اللائي عملن معي في الفيلم هما: الطبيبة والعاهرة.. حيث كان يتم تدريبنا
وكان هو يأتي لمدة ساعة يومياً أو ساعتين ليرى ماذا فعلنا وكيف تطورنا؟
لكننا كنا نعمل بمفردنا كل يوم ونتناقش في المشاهد.
·
** لماذا أحببت شخصية "زيرو"، أو
ما الذي جذبك إليها؟
أراها شخصية جميلة ورائعة لأنه نظراً لكونها شخصية معقدة فهى تمنح
الممثل مساحة للتمثيل سواء في العلاقة بينه وبين الأب، أو بينه وبين
الطبيبة وكذلك بينه وبين حبيبته، وبين رؤسائه، والمجتمع من حوله. فـ"زيرو"
أو "أمين برطال" ضابط شرطة في الثلاثينيات من عمره، محاصر بالضياع، يعيش
معاناة شديدة لأن الفساد يُحاصره من كل جانب حتى من مرؤسيه، إضافة إلى
مسؤوليته تجاه والده الذي يتولى رعايته والذي يسبه ويوبخه كل يوم وكل لحظة
يراه فيها، ولكي يوفر المال الذي يحتاج إليه ليُدير شؤون حياته ويوُفي
بالتزاماته يقوم بالنصب على الباحثين عن المتعة بمساعدة حبيبته، ثم تجيئه
أم فقيرة معدمة تبحث عن ابنتها المراهقة التي غُرر بها وقيل انها أصبحت
تعمل عاهرة. فرجل الأمن هذا الزيرو رغم أنه ينصب على الناس ويحصل على
الرشوة لكنه مغلوب على أمره ولذلك يسعى للهروب من تلك الحياة التي لا تعرف
الرحمة عن طريق شرب الكحوليات، مع ذلك يظل يهيم على وجهه في الحياة، وكأن
استمراره في الحياة ما هو إلا معادلة صعبة.
·
** كثير من مشاهدك جاء صامتاً
خالياً من الحوار، هل سبب لك هذا قلقاً أو صعوبة خصوصاً أن الإكتفاء بتجسيد
المشاعر الداخلية العميقة من دون الاستعانة بالحوار يحتاج من الممثل بذل
جهد مضاعف وهو ما يتطلب موهبة خاصة.. كيف تعاملت مع ذلك؟
ساعدني على ذلك القصة المكتوبة جيداً، والتدريب الذي تلقيته على مدار
شهرين، وكذلك أداء الفنانين الكبار معي فمثلاً الأب بمجرد أن أستمع إليه
كان إنفعالي ورد فعلي يظهر بشكل طبيعي وتلقائي، خصوصاً أداء الفنان اللامع
محمد مجد. كان الأمر بالنسبة لي يعني أن أستمع إليه بإنصات، وبحرص شديد ثم
أُظهر رد الفعل.
·
** أي المشاهد كانت أصعب في
أدائها؟
تلك التي كانت بين الممثلين الكبار وعندما يكون عددهم كبيرا فقد كنت
أشعر بالخجل في باديء الأمر لكني أديتها، وكذلك المشهد بيني وبين محمد مجد
الذي أتحدث فيه عن أمي فقد أعدته كثيراً وشعرت أني كنت مجهدا.. أيضاً
المشهد الذي يدور في المستشفى عندما انفعلت على الموظفين هناك. كما أعدت
مشهد الموت في النهاية كثيراً.
·
** أنت كاتب سيناريو قبل أن تكون
ممثلا فهل تناقشت مع نور الدين لخماري في السيناريو، هل حاولت أن تُضيف
شيئاً أم التزمت بالنص؟
تناقشنا في الحوار. كان مكتوباً بالفرنسية فترجمناه إلى العربية
الدارجة مع نور الدين، والممثلين الآخرون فعلوا نفس الشيء.. وقد غيرنا بعض
الأشياء في الحوار، لكن السيناريو كان مكتوب جيداً ولم نغير شيئاً.. ممكن
نكون فكرنا في تغيير بعض التفاصيل أو إضافة بعض الأشياء لكن عندما تناقشنا
لم نرى لوجودها مبرر.
·
** هناك فنانون عرفهم الجمهور
لسنوات في أدوار إما نمطية أو غير مؤثرة، لكنهم عندما عملوا في السينما
سجلوا قفزة نوعية في مسارهم وظهروا بشكل مغاير، فهل تشعر أن"زيرو" وضعك في
مأزق،هل تشعر بالخوف إذ يصعب أن تستمر على هذا المنوال، أم ستحاول الخروج
من جلباب "زيرو"؟
طبعاً أشعر بالخوف لأنه من الصعب أن يبدأ الممثل مساره الفني ببطولة
فيلم مهم مثل "زيرو"، وتجسيد شخصية في قوة "أمين برطال"، فهو شخصية تتحول
من رقم ليس صعباً في معادلة الحياة في مستهل الفيلم إلى رقم آخر شديد
الصعوبة في تلك المعادلة القاسية خصوصاً عندما يُعيد رسم واقعه في حياة لا
تعرف الرحمة. وتكمن الصعوبة في العثور على شخصية تعادل قوة "زيرو"
بتعقيداتها وتحولاتها، لكني سأحاول الاشتغال على سيناريوات جيدة ومخرجين
جيدين، سأواصل العمل على كتابة السيناريوات التليفزيونية وسأظل أبحث عن دور
جيد في السينما حتى لو كان قصير.
·
** يشارك المغرب بثلاثة أشرطة
سينمائية ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان دبي السينمائي الدولي التاسع، فإلى
جانب فيلمكم هناك أيضاً "محاولة فاشلة لتعريف الحب" لحكيم بلعباس، و"خويا"
لكمال الماحوطي. والأفلام الثلاثة تتنافس إلى جانب 13 فيلما عربيا طويلا
على جائزة "المهر العربي" للفيلم الروائي الطويل، فهل تتوقع حصولك على
جائزة؟
في الواقع، لا يمكنني أن أتوقع شيئا. أفضل جائزة بالنسبة إلي هو حضوري
إلى دبي، وإن كنت أتمنى الحصول على جائزة فهذا شيء جميل، خصوصاً أننا خرجنا
من مهرجان مراكش من دون جوائز، لكن لو لم نحصل على جائزة في مهرجان دبي
السينمائي لن تكون أزمة، لأن مشاركة الفيلم هنا يعتبر جائزة، ويشكل إضافة
أكبر بالنسبة إليَّ،فقد قمنا بعرض الفيلم على الجمهور والنقاد، وتعرفنا على
آراءهم، كما أننا ومن خلال سوق دبي السينمائي كنا نبحث عن سبل تسويق الفيلم
بالدول العربية ودول المشرق العربي، وكذلك مع الدول الأجنبية.
·
** وماذا عن مشاريعك القادمة؟
الكتابة هى مشاريعي المستقبلية، لكن حالياً لا أعمل على أي مشروع سواء
كتابة أو تمثيل، فقط أراقب وأتأمل وأتتبع فيلم "زيرو" وكيف يستقبله الجمهور
والنقاد، وإن كنت سمعت نور الدين وهو يتحدث في حواره معك ويقول أنه يُرشحني
لدور في فيلمه القادم المعنون بـ"مزلوط" وهذا شيء أسعدني جداً.
عين على السينما في
01/01/2013
"عمو
نشأت": هناك دوماً وقت للحقيقة!
الحكي عن العم لا يستقيم دون الحكي عن الأب
بقلم: أمـل الجمل
ربما يُضيء عنوان الشريط الفيلمي "عمو نشأت" احتمالات للقراءة قبل
المشاهدة، بأنه سيكون فيلم بورتريه لشخصية نشأت منصور، وتاريخه واستيعاب
تراكماته. لكنه إلى جانب هذا يرسم المحيط والمكان الذي يُؤطره، ويُؤطر
علاقته بالآخرين وحتى علاقات بعض الدول ببعضها البعض في ذلك الحين، كما أنه
يجعلنا نقرأ شخصيات آخرى في ضوء ذلك البورتريه، ويكشف لنا كيف عانت أسرة
أخيه خيري من الهجرات المتواصلة من بلد إلى بلد، وأن كثيراً من الأشياء
ضاعت أثناء تلك التغريبة. ليست أشياءاً مادية فقط ولكن كان هناك أمور آخرى
أشد خطورة.
منذ الوهلة الأولى يلج بنا المخرج من الحلم إلى عالم الفيلم، إذ يبدأ
أصيل ابن الأخ من سرد تفاصيل حلم ملتبس، به رموز غير واضحة، خلاصته أنهم
ذهبوا إلى لبنان وعثروا على عمه نشأت الذي رفض إخبارهم أين كان طوال كل تلك
الفترة، وانتشر الخبر بين اليهود فقبضوا عليه وأعدموه، لكن ما كان لافتاً
وغريباً لابن الأخ أن نشأت لم يكن متأثراً أو خائفاً، بل كان سعيداً. إن
هذا الحلم بقدر ما يشي بالرغبة الدفينة المستقرة في أعماق المخرج في إعادة
إحياء ذكرى عمه، والبحث في ماضيه، بقدر ما يكشف عن توتره وعدم فهمه لكثير
من الأمور الغامضة.
عقب المقدمة الحلمية المتشظية بين أسماء التتر نرى أصيل على متن
الطائرة ثم نجد أنفسنا معه وهو يبحث بين شواهد القبور بينما يأتي صوته من
خارج الكادر قائلاً: "عمي نشأت آخر مرة شوفتني كان عمري خمس سنين وكان عمرك
27، الآن صار عمري 34 وأنت لازلت 27.." ثم يعترف الشاب أنه لايعرف لماذا
يكتب إلى عمه هذا الخطاب.
بين عالمين ورحلتين
رحلة البحث التي بدأها أصيل – ربما بإيعاز من ذلك الحلم - من شواهد
القبور ظلت توازيها رحلة أخرى تعددت دروبها ما بين الأردن، وفلسطين، نبشاً
في كل المعلومات والأخبار، والوثائق والمؤسسات، وتنقيباً عن الشخصيات التي
تُمكنه من استكمال بورتريه نشأت الذي قيل أنه استشهد في لبنان على أيدي
القوات الإسرائيلية، فنجح أصيل في إجراء سلسلة من المقابلات مع مقاتلين
كانوا أصدقاء عمه، إلى جانب زيارة للمستشفيات ومراجعة للوثائق المختلفة،
لكن اللافت في هذا الأمر أن الحكي عن نشأت كان يُجاوره حكي عن والد أصيل،
وكأن الحكي عن نشأت لا يستقيم دون الحكي عن خيري، أو العكس. فهل سعى المخرج
لعمل فيلمه بحثاً عن حقيقة استشهاد عمه أم سعياً وتنقيباً وراء شخصية والده
ومعرفتها وقراءتها من خلال شخصية نشأت؟
أليس من المحتمل أن تلك الإشكالية في العلاقة المتصدعة بين أصيل
ووالده في مرحلتي الطفولة والمراهقة وغياب الأب كانت سبباً جوهرياً في
محاولة الابن استعادة أبيه بهذا الفيلم، وتعويضه أيضاً عما عاناه وكابده؟
ألم يعترف أصيل – قرب نهاية شريطه - بوجود شرخ قديم في فترة ما في العلاقة
بينه وبين أبيه، وأنه ترك أثراً نفسياً سيئاً لديه خصوصاً عندما كان ينعقد
مجلس أولياء الأمور بالمدرسة وكانت والدة أصيل تضطر لمرافقته بينما يحضر
آباء الآخرين، مما أكد الغياب الدائم للأب. ثم يكشف لنا أمام والده متى بدأ
ذلك الشرخ في الإلتئام، تحديداً عندما أُصيب أصيل في حادث ودخل عليه الأب
وفي يده نوع من الحلويات كان الابن يحبها في طفولته. وعندما سأله ما هذا؟
أجابه الأب: "أتذكر أنك كنت تحبها." تلك اللفتة الإنسانية نبهت الابن إلى
شيء كان غائباً عنه، وجعلته يعمل على استعادة والده الذي يعقب على كلامه
قائلاً: لما نجوت من الحادث شعرت أنك ولدت من جديد، وكان لابد لك من أب
جديد، وكنت أنا هذا الأب الجديد."
تـابو/ وإنكسار
لسنين طويلة تكاد تتجاوز الثلاثين كان موضوع نشأت "تابو" من المحرمات
الممنوع فتحها في الأسرة. هكذا تعترف الأم. لكن لماذا؟ هل بسبب الأب خيري
منصور الشاعر المرهف الإحساس الذي كاد أن يفقد توزانه بسبب استشهاد أخيه
الأصغر الذي كان يحبه جداً وكتب من أجله عدة قصائد منها واحدة يستهل بها
أصيل فيلمه مصحوبة بصورة فيديو للعم وهو ينصت إليها بينما تقول كلماتها:
أخي نشأت حذار حذار أن ترحل/ توسد صخرة فالصخر في وطني حنون دون مخمل/
وكن في الأرض سنبلة وعانق قبضة المنجل ولا ترحل/ رحلت وكان موتي بينهم
أجمل.
ومع ذلك رحل نشأت، فماذا كان مصير الأخ المكلوم؟ تعترف أمل – الزوجة-
أن علاقة خيري بأبنائه تغيرت تماماً بعد استشهاد نشأت، بل إنها تُجزم أن
هذه التجربة كسرته وحولته إلى إنسان آخر غائب ومنغلق على ذاته. خيري بدوره
يُؤكد أنه رفض فكرة الموت منذ بدايتها، وظل ينفيها لنفسه. ربما لذلك رفض
وضع صور أخيه على الجدران. إنه يتذكر عندما وصلته برقية بالخبر وكان جالساً
مع الشاعر المصري محمد عفيفي مطر فطلب منه أن يخرج ويتركه مع نفسه. ساعة
ونصف الساعة لا يذكر كيف قضاها ولا ماذا فعل أثناءها؟ وفي الطريق إلى البيت
- وكان وقتها يعمل في بغداد – توقف التاكسي في إحدى الإشارات المرورية
فشاهد جنازة فيها تابوت وبجوار الجنازة عرس فهذا المشهد عمل لوالد أصيل شيء
من التوازن. ومع ذلك بقي ثلاثة أيام يحيا على المهديء العصبي "فاليوم" ثم
اكتشف أنه بعد تلك الأيام الثلاثة أنجز ديواناً كاملاً وهو في حالة غياب.
مع توالي اللقطات والمشاهد المتنوعة واللقاءات بدءاً من الأم، مروراً
بأصدقاء العم، ورفاقه، وشخصيات مسئولة نتعرف على روايات مختلفة بعضها غير
مؤكد. كل يحكي من زاويته الخاصة قصة لاستشهاد نشأت منصور واسمه الحركي
بشار، من دير الغصون طولكرم. تتكرر حكاية استشهاده على أرض لبنان متصدياً
للقوات الصهيوينة الغازية إثر معركة بطولية خلف خطوط العدو. شهود العيان
الذين رأوا الجثة قالوا بوجود رصاصة في الرأس، دون أن يتمكن أغلبهن من
تحديد أين استشهد؟ بالبقاع أم بالجبل؟ في غارة أم قتال؟
إغتيال
يتوقف أصيل أمام أربع روايات؛ الأولى مصدرها الأم تقول أنه كان في
حرب مع اليهود وأصابته رصاصة بعد أن قتل تسع يهود. والثانية ترجح استشهاده
أثناء تفقد سلاح، حيث انطلقت قذيفة وأصابته. والرواية الثالثة تُرجعه إلى
حادث غامض، ثم تأتي الرواية الأخيرة لتسرد وقائع إغتيال. إغتيال؟ هكذا
يتساءل أصيل.
كان نشأت يعمل في الأردن. كان شجاعاً، كريماً، مكرس حياته للتنظيم
الفدائي، وكان لديه القدرة على إقامة تنظيم من الألف إلى الياء، وكان بيته
من البيوت التي تستقبل الدوريات الفلسطينية فتم اعتقاله حتى عام 1982 عندما
قامت الحرب في لبنان إذ قام مع زملائه في السجن بالإضراب حتى وافق
الأردنيون عن الإفراج عنهم فقرروا عمل دوريات مقاتلة والذهاب إلى لبنان،
وكان الحزب القومي السوري يساعدهم بأن يمنحهم هويات على أنهم لبنانين
ويُعطيهم دورات في اللهجة. وهو بصحبة صديقه عمرو أبو يوسف في الطريق إلى
لبنان هجمت عليهما سيارة بي إم قادمة بسرعة جنونية وضربتهما ليستشهد نشأت
ويُجرح صديقه. المفاجأة في الرواية تنبع من الخاتمة، ليس عندما يكتشف ابن
الأخ أن عمه كان على قوائم الإغتيال منذ عام 77 عندما أرسلت إسرائيل 20
شخصاً جاسوساً مهمتهم الإغتيالات، وكانت صورة نشأت بين الضحايا. ولكن عندما
يكتشف أن إغتيال نشأت تم بأيادي فلسطينية، إذ حدث ذلك على يد أحد رجال فتح
بتدبير إسرائيلي. وهنا لكي يُصبر خيري نفسه ويُعزيها يقول: شهيد مزدوج...
فيه كتير شهداء قتلوا بواسطة الفلسطينيين." وهنا يجيبه الابن: "السخرية أنه
استشهد من أجل أرضه التي سرقها إخوته." الأب: شهيد ثلاثي
أحد أقارب أصيل حذره من إخبار والده بتلك الحقيقة التي توصل إليها
بشأن إغتيال عمه؟ لكن أصيل يكاشف أباه بإصرار قبل نهاية الفيلم. تُرى لماذا
أصر على ذلك؟ إن الابن هنا وكأنه يرغب لأبيه أن يتطهر من تلك المأساة، كأنه
يرغب في أن يستعيده كاملاً.وهو ما يُؤكد أن الفيلم ظاهرياً وفي المستوى
الأول من القراءة يبدو محاولة لمعرفة شخصية العم، لكنه في جوهره، وفي
المستوى الأعمق منه يسعى إلى استعادة الأب المفقود، وإلى تحقيق السلام
النفسي له. رغم ما سبق فإن الشريط السينمائي بقدر ما يحكي عن الإنساني
والعائلي والاجتماعي، بقدر ما يُحيل إلى السياسة والنضال العسكري والثقافي،
مما يُكسب العمل مستويات متعددة من القراءة يبدو في أحد مستوياتها
المتوارية وكأنه مفتاح يمنحنا القدرة على قراءة الواقع والتاريخ
الفلسطيني.
ثنائية جدلية
تشتبك بالفيلم ثنائية جدلية جزء منها يطرح نموذجا للعلاقة الوثيقة بين
نشأت وخيري، في مقابل عبثية العلاقات الإنسانية والآلام الداخلية النابعة
من تحول منظومة القيم باتجاه النفعية المطلقة مثلما تكشف الإضطرابات
والتناحرات بين إخوة نشأت على الأرض حتى أنهم استولوا على نصيب الشقيقين
نشأت وخيري. طرح آخر للثنائية الجدلية يتشكل من المعالجة إذ ينطلق من الحلم
إلى أرض الواقع، ومن المقابر إلى عالم الأحياء، ثم ينتهي بين القبور وقد
عثر الشاب على شاهد عمه بمساعدة أبيه، وذلك قبل أن يختتم فيلمه بلقطة
أرشيفية للعم نشأت وهو يرقص ببراءة العصفور المبتهج.
يبدأ الفيلم بالحكي عن الحلم والذي يُختتم بأن نشأت كان سعيداً جداً.
وفي آخر لقطة في الفيلم نرى تجسيداً لتلك السعادة على وجه نشأت. وما بين
البداية والنهاية يأخذنا المخرج في رحلة من البحث المضني والممتع لتوضيح
وكشف غموض وأسرار ومفارقات استشهاد عمو نشأت، إنه ينطلق من الحكي عن الشهيد
لينتهي بالحكي عن الأحياء، فيمنحه حضوراً دائرياً يتجاوز الموت ويجدد
ذكراه، وكأنه يتحدث عن الحياة الكامنة في الموت. وهو ما يُؤكده خيري في
نهاية الفيلم قائلاً: "نشأت الوحيد الذي لم يمت."
الأمر اللافت في هذا الشريط الوثائقي الطويل أنه رغم اعتماده على
الحوارات الطويلة لكنه أُنقذ من فخ الريبورتاج التليفزيوني، وجاء عملاً
سينمائياً خالصاً وممتعاً وذلك لعدة أسباب أولها؛ أن شريط أصيل منصور يتميز
بأن الإيماءات والإشارات الجسدية متضمنة ملامح الوجه ونظرات العيون الزائغة
والمترددة، وحركات الأصابع، ونبرات الصوت المشحونة بالألم والمختنقة
بالدموع، ولحظات الصمت الطويلة القلقة والمتوترة تكتسب حضوراً فنياً جديداً
لافتاً، وتجعل من تجاورها في سرد الوقائع تنبض بدلالات عميقة تشي بوجود
حقيقة ما مدفونة، وكأنها تُولد مستويات متجددة للوشاية بما هو مخبأ.
وثانياً ذلك الإنتقال السلس بين اللقطات والمشاهد والذي ارتكز بشكل
أساسي على عمليتين، على الإظلام في بعض اللقطات، وعلى القطع المباشر الواضح
والصريح في معظم اللقطات ورغم ذلك جاء القطع سلساً منساباً كالنهر دون أن
يُحدث أي إزعاج للعين.
والأمر الثالث قدرة المخرج الإبداعية وحسه المرهف في عدم الإسراف في
الموسيقى- من تأليف أيمن زرقان- رغم أنه استعان بها في أماكن غير قليلة
لكنه وظفها على نحو لائق فصارت كأنها جزء عضوي من الموضوع، مستعيناً بآلة
البيانو، أساساً، مع اللقطات الأرشيفية ومع حجرة المكتب الخاصة بوالده،
بينما وظف العود على لقطات المقابر وللمدينة من علِ، وفي تلك اللقطة في
الطائرة مما منح الإحساس بالحنين وبالشجن. بينما على الطريق إلى فلسطين
استخدم آلتي وتريات ونفخ، الفيولينة والأوبوا. في حين اختفت الموسيقى
تماماً من جميع الحوارات واكتفى المخرج بأصوات الطبيعة في الخلفية إن
وُجدت، وحتى عندما قدم والده للمرة الأولى في الفيلم اكتفى بصوت بندول
الساعة في إشارة رمزية لحالة الأب.
بقي أن نشير أن الشريط الوثائقي الطويل عمو نشأت للمخرج أصيل منصور
أحد المشروعات السينمائية التي حظيت بدعم ومساندة إنجاز سوق دبي السينمائي،
وهو أحد أهم الخطوات التي قام بها مهرجان دبي السينمائي وعملت على تعزيز
الصناعة السينمائية في العالم العربي بإضافة مبادرات تمويلية، أبرزها
إنجاز. كذلك شارك في إنتاج الفيلم مؤسسة دبي للترفيه والإعلام. هذا إلى
جانب جهات آخرى مثل شاشات، بالتعاون مع مؤسسة الشاشة ببيروت، وبدعم من
الصندوق العربي للثقافة والفنون.
عين على السينما في
02/01/2013
فيلم "أرض الحكاية"
عدنان مدانات
يشكل رشيد مشهراوي حالة مميزة بين المخرجين الفلسطينيين المعاصرين بسبب من
نشاطه الدؤوب والمتواصل في مجال إخراج الأفلام الطويلة والقصيرة بنوعيها
التسجيلي والروائي. فيلمه التسجيلي الجديد الذي شارك به في مهرجان دبي
السينمائي الأخير يحمل عنوان" أرض الحكاية" والفيلم مخصص للحديث عن حال
مدينة القدس وما طرأ عليها من تغييرات بفعل تسلط الاحتلال الإسرائيلي لها
منذ قيام الدولة الصهيونية في العام1948، وتاليا احتلال القدس الشرقية إثر
حرب عام 1967.
يتشكل الفيلم من مادتين، المادة الأولى عبارة عن مقابلة طويلة تعرض
على مقاطع خلال الفيلم تجرى مع مصور فوتوغرافي صاحب ستوديو أرمني يمتلك
ذخيرة من الصور الفوتوغرافية عن القدس ورثها عن والده الذي امتهن التصوير
في القدس منذ عام1924. هذا المصور لم يكتف بالاحتفاظ بالأصول السالبة بل
قام بطباعة الصور على الورق وعلقها في الأستوديو فيما يشبه المعرض، كما أنه
ضم العديد منها في كتاب خاص. يتحدث المصور في هذه المقابلة عن محتوى الصور
فيما يقوم بعرضها على المخرج ويبين له تفاصيل بعض المعالم الواردة فيها.
تبدو القدس في هذه الصور المصنوعة بالأبيض والأسود مدينة صغيرة وادعة تقع
وسط مساحات واسعة لم تصلها آلة العمران بعد.
لفت انتباهي الطريقة التي يعرض فيها المخرج هذه الصور على المشاهدين،
فهو لا يبرز الصور بلقطات قريبة مستقلة تملأ الشاشة، ولا يركز عليها بل
يعرضها ضمن إطار الحوار المتبادل بينه وبين المصور ويتنقل بينها بسرعة لا
تتيح لعين المشاهد التمعن فيها والتملي منها. بدت لي هذه الطريقة مقصودة
بهدف الابتعاد عن التباكي على الماضي الذي لا يمكن الرجوع إليه واستعادته،
أو إضفاء قدسية معينة عليه، إذ يعرض المخرج هذه الصور لا لقيمتها بذاتها بل
يعرضها كمادة تساعد على الانتقال إلى صورة القدس المعاصرة وهي الموضوع
الرئيسي للفيلم.
ليست القدس الشرقية المعاصرة كما يقدمها المخرج شبيهة بما يألفه الناس
من شكل المدينة سواء في الصور الفوتوغرافية أو في الأفلام التسجيلية، فليست
القدس في "أرض الحكاية" مدينة المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية، ليست
المسجد الأقصى وليست كنيسة القيامة، أما حواري القدس القديمة وأدراجها فلا
تبدو بجمالها المعهود من خلال الصور السياحية، بل تبدو مدينة ضيقة مكتظة
بالبشر الساعين إلى أعمالهم اليومية ومكتظة بجنود الاحتلال وبالمستوطنين.
الصورة التي يقدمها الفيلم للمدينة تلخصها حالة بعض المباني القديمة التي
تحتشد في بيوتها البائسة العديد من العائلات الفلسطينية الوارثة لهذه
البيوت ويزاحمهم عليها مستوطنون صهاينة احتلوا بعض هذه البيوت واعتادوا هم
وأطفالهم التسبب في الأذى للسكان، وأضافوا إلى هذه البيوت بقصد الحماية
كاميرات المراقبة التي نشروها في كل مكان في هذه الأحياء وشوهت تمديداتها
الكهربائية شكلها وزاد من هذا التشوه دوريات جنود الاحتلال الذين يتفقدون
الأزقة المتعرجة الضيقة التي تصل ما بين هذه الأبنية التي تشكل بدورها صورة
معبرة عن حال مدينة القدس الشرقية المحتلة( أذكر هنا انه سبق للمخرج في
بداية نشاطه السينمائي أن أخرج فيلما تسجيليا قصيرا عن هذه المباني التي
يحتل بعض بيوتها مستوطنون يعيشون وسط السكان الفلسطينيين بحماية جيش
الاحتلال. الفيلم كان بعنوان " دار و دور").
يستنطق المخرج أمام الكاميرا بعض سكان هذه البيوت القديمة الذين
يتحدثون عن أزماتهم المعيشية وبؤس العيش في هذه البيوت التي تتعرض للخراب
والرطوبة ولا يسمح لهم بإصلاحها كما أنهم لا يملكون الموارد التي تمكنهم من
إصلاحها وترميمها، ولكنهم مع ذلك يتمسكون بها ويرفضون كل العروض المالية
المغرية التي تقدم لهم من أجل شرائها. يتحدث السكان في الفيلم بعفوية و
بعاطفة صادقة بعيدة عن الطريقة التي يتحدث فيها بعض الناس أمام الكاميرا.
ينطبق هذا على شكواهم من بؤس حالهم كما ينطبق على حديثهم عن إصرارهم على
البقاء في بيوتهم رغم كل المضايقات اليومية التي يتعرضون لها.
هذه العفوية الصادقة هي ربما ما يفسر ردة الفعل التضامنية التي حضي
بها الفيلم من الجمهور أثناء عرضه في مهرجان دبي السينمائي حيث ذكرت
الأنباء أن عرض الفيلم تسبب في قيام حملة تبرعات لصالح القدس.
فيلم" طابور" للمخرج الإيراني وحيد فاكيليفار
المعالجة الروحية بالضوء والحركة
علي البزّاز
الليل والحركة يسيران متعاضدين إلى ما تصبو اليه الدراما السينمائية في
الفيلم" طابور" (جائزة لجنة التحكيم مناصفة مع الفيلم الدنماركي"الإختطاف"
في مهرجان مراكش السينمائي الدولي الدورة 12). الليل بمعناه المتداول
الفيزيائي، والرمزي بما يتعلق بالليل الشخصي لجهة العتمة الروحية أو
البدنية ( في الفيلم المرض الجسدي) اشتغالاً على ليل المعاني. الحركة
بشقيّها الفعلي والرمزي: يُلاحظ الشخصية الرئيسة في الفيلم، (يجسّدها بدور
مطلق الفنان محمد رباني بور)، تتنقّل في الليل على دراجة نارية لمكافحة
الصراصير بالمبيدات الكيمائية، من هنا،(ربما) تعاني من حساسية مفرطة من
الموجات الكهرومغناطيسية، ومن ارتفاع في درجة حرارة الجسم، ما يضطرها إلى
إرتداء بذلة من الألمنيوم والعيش كذلك في غرفة مغطاة بالألمنيوم كمادة
عازلة وواقية في الوقت نفسه. لا تفارق رموز الحركة الفعلية الفيلم. يرتدي
البطل خوذة الوقاية من حوادث السير دائماً، في المصعد والممرات، في غرفته
حتى، تقابله وتحاذيه حركة القطارات. الحركة الرمزية.
تطرأ التغيّرات على الشخصية بعد حركة حسّية أو تطهير روحي، انتقال من
حالة إلى أخرى: المعالجة الروحية في مشهد رمزي محبوك بعناية بصرية، من قبل
طبيب قصير القامة. يضع البطل وجهه داخل صفيحة معدنية، بمثابة تقمّصٍ للوجه
الإنساني المختفي وراء قناع العذاب والخوف والمرارة، ثم، يُسمع صوت الرصاص
يُطلق عليه، وهو يرتجف، في جعير روحي صامت، يستجيب اليه صدره كله . قرار
التخفيّ داخل الصفيحة غير منفصل عن التخفي داخل بذلة الإلمنيوم وعن الليل
بوصفه حاجباً. تخفٍ ذو معنى دلالي يوجّه النفس البشرية التي تعاني
الإهمال، بمعنى التخفي مقترناً بالعيش المعزول داخل غرفة مبطّنة. أي تخفٍ
داخل اختفاء مرادف التهميش والعزل. يُفضي التطهير من طريق حركة رمزية،
إلى غرفة للتسلية، تُشبه مغارة ألعاب: كرة تحاكي العالم تذهب على سكة جيئة
وذهاباً. نهاية الفيلم ترتبط مع بدايته، يعود الممثل إلى غرفة الألمنيوم
ذاتها التي انطلق منها في مشهد البداية، وهذه المرّة، لا ينام فيها بل
يغادرها إلى النوم في العراء. كناية على تعافيه من مرضه الجسدي والروحي.
الفيلم من دون حوار، يشتغل على التعبير والرموز. يجبُ على المُشاهد التحلّي
بالصبر، بسبب الترهل في السيناريو ما جعل الحبكة السينمائية ثقيلة نوعاً
ما. مثلاً، المشهد الختامي في الفيلم: النوم في العراء على سرير خشبي ومشهد
البداية وبعض المشاهد الأخرى، التي تعاني من إطالة في التصوير غير مبرّرة
درامياً. خارج تلك الملاحظة، يبني المخرج مادته مقتصداً في كلّ شيء، يسير
إلى النهاية في بناء سلسلي محكم، لا يخلو من اتهام صريح إلى عالم البشر،
بأنه ليس أفضل من عالم الصراصير، بل ثمة تعاطف مع الحشرات، في تعزيز
إحساس، بأن مهنة مكافحة الصراصير هي مفروضة قسراً، ولهذا، تعاني الشخصية من
آلام نفسية، بسبب عملها خلاف أفكارها. مشهد رمزي جميل، فيه مقارنة الصراصير
مع عالم البشر: يبحث رجلُ بذلة الألمنيوم متزامناً مع صوت الرعد، عن
الصراصير داخل الجدران، مستعملاً سماعة جسّ نبض القلب البشري.
مشهد اللحم يحترق في المقلاة تصدر منه الفقاقيع، البحث عن الصراصير في
ثنايا الكتب القديمة. ليس سهلاً راهناً إخراج فيلم من دون حوار بالمطلق،
بناء السيناريو، مستهدفاً الاشتغال على الرموز ومستقطباً الإضاءة كمساعد
اشتغال. الليل رغم كونه معتماً، لكنه يعجّ بالضوء، وعلى النحو هذا، عناية
الفيلم بالإنارة. أجاد الممثل محمد رباني بور، إدارة التعابير الجسدية
والروحية على وجه صامت معذّب، في ليل الوجه الإنساني المملوء ألماً وحنيناً
إلى الشفاء الرمزي والجسدي. وهكذا، تبدو الشخصيات الأخرى في الفيلم ثانوية
أو مساعِدة في تسيير الدراما. النوم في العراء على مكان مرتفع خارج غرفة
الألمنيوم، باتجاه المدينة، مقابل الحياة المادية، هو نوع من النور بمعنى
الشفاء. فيلم "طابور"، يتكلم في الرموز والإشارات التي تساعد الإنسان على
الشفاء مستقبلاً الحياة.
الجزيرة الوثائقية في
01/01/2013
حوار مع
مخرجة الأفلام الوثائقية لينا العبد
لينا
العبد: أؤمن بقوة وتماسك الشعب السوري
أجرت
المقابلة: إرمغارد بيرنر
ترجمة:
يوسف حجازي ـ تحرير: علي المخلافي
مخرجة
الأفلام الوثائقية لينا العبد الفلسطينية-الأردنية ابنة الاثنين وثلاثين
ربيعًا تتحدث حول آخر مشاريع أفلامها وأحوال المرأة في محيطها والآفاق
السياسية المحتملة بعد سقوط نظام الأسد من وجهة نظرها، في حوار مع الصحفية
إرمغارد بيرنَر.
لينا
العبد: كان لا بدَّ لي من الخروج من دمشق ببساطة، إذ شعرت بالضيق، ولم يعد
بوسعي التنفّس براحة. ولِمَ لا أكون في بيروت، فالمدينة تبدو للوهلة الأولى
ساحرة للغاية. لكن الحياة الفعلية فيها ليست ساحرة على الإطلاق. وبالرغم من
أنَّ الفرصة قد أتيحت لي في مطلع عام 2011 للمغادرة، إلا أن الثورة بدأت
حينها ولم أعُد استطيع العودة إلى دمشق، وقد تملّكني الخوف أيضًا. كما
تلقيت نصيحة حتى من عائلتي وأصدقائي بعدم العودة، لأنه لم يعُد هناك أمان.
لينا
العبد: السبب الوحيد لدخولي كلية الإعلام في دمشق كان عدم وجود مدارس
سينمائية هناك. لكنَّ مشروع التخرُّج الذي أنجزته كان فيلمًا وثائقيًا عن
شاعر سوري. بعد ذلك صوَّرت فيلم "نور الهدى" وفزت بجائزة أفضل فيلم سوري في
مهرجان دمشق السينمائي "دوكس بوكس" للفيلم الوثائقي في دمشق. وكنت سعيدةً
جدًا بهذه الجائزة. ومن شأني بالطبع تحقيق الكثير من الأشياء الأخرى، بيد
أنَّ صنع الأفلام شغفي. وكان واضحًا لي أنَّ العمل كمحررٍ في وظيفة ثابتة
لن يترك مجالًا لي لكتابة السيناريوهات السينمائية.
لينا
العبد: فيلم "دمشق. قبلتي الأولى" هو فيلمي الثالث. يتناول الفيلم موضوع
الوعي الجنسي لدى النساء في دمشق. وقد أنجزت هذا الفيلم قبل اندلاع الثورة.
الممثلتان المشاركتان فيه هما أسماء كفتارو حفيدة مفتي سوريا السابق، وكذلك
لينا شاشاتي ابنة عائلة مسيحية مشهورة في دمشق. بيد أنَّ الموضوع لا يسعى
لتناول العلاقة المسيحية-الإسلامية، بل يدور حول المجتمع بحد ذاته، ويتناول
التقاليد وليس الدين، فَكلتا المرأتين في الفيلم عانتا من المشكلات نفسها
في مرحلة الصبا. فلم يكن مسموحًا لأيّةٍ منهما تحديد مستقبلها. وعلى خلفية
هذه التجربة أرادتا إفساح مجال أكبر لبناتهما ليحظينَ بمستقبل أفضل. وأعتقد
أنَّ هذا كان بداية ثورتهما الشخصية، قبل اندلاع الثورة الحالية في سوريا.
لينا
العبد: بطبيعة الحال يشعر الجميع بحزنٍ عميقٍ جرَّاء ما يحدث في سوريا، حيث
يُهدَر الكثير من الدماء. إلا أنه ينبغي إبراز جانبٍ إيجابيٍ واحدٍ على
الأقل: لم يعُد الناس يشعرون بالخوف، وكذلك الحال لدى النساء. يُطرَح عليَّ
السؤال أحيانًا عن سبب دعمي لهذه الثورة، في ظل خطر هيمنة جماعة الإخوان
المسلمين المحتمل على البلاد بعد سقوط النظام. بيد أنني لست قلقة فعليًا،
إلا إذا أجبروني في المستقبل على ارتداء الحجاب. يدَّعي كثيرون أنَّ
الإسلام السياسي هو الحل. لكن الناس سوف يشعرون بسرعة إنْ تولّى الإسلاميون
الحكم في البداية، بأنَّ طريق هؤلاء بالذات لا يمكن أنْ تكون الحل. ولذلك
أعتقد أنَّ الثورة سوف تـُسقِط النظام، وبعدها ستبدأ ثورة أخرى في سبيل
إعادة كلِّ شيءٍ إلى نصابه. الأمر بالفعل ليس سهلًا. وكل شيء يحتاج إلى
وقته.
لينا
العبد: أبقى متفائلة لأنني أؤمن بالشعب السوري.
حقوق
النشر: قنطرة 2012
موقع "قنطرة" في
01/01/2013
في ختام موسم الثقافة المستقلة أفلام الثورة تحصد جوائز
المهرجان
تقرير: سهام العقاد
اختتم موسم الفنون المستقلة الأول، “المسرحي الرابع” والذي أقامته
مؤسسة شباب الفنانين المستقلين، بالتعاون مع قطاع الإنتاج الثقافي بوزارة
الثقافة، بمركز الهناجر للفنون، وأهديت هذه الدورة إلي روح الفنان الكبير
الرحل نجيب الريحاني، وضمت الفعاليات عروض لـ 37 فرقة مسرحية مستقلة، قدمت
أفكارا متنوعة غلب عليها الطابع الثوري وظهر لأول مرة في المسرح المستقل
عروضا للأطفال، كما أقام الموسم سبع ورش فنية لتنمية وتطوير مهارات
الفنانين الشباب في مجالات التأليف والإخراج المسرحي وكذلك السيناريو
والحكي والعرائس بمختلف أنواعها.
مسابقة للأفلام المستقلة شارك فيها 24 فيلما من بين 80 فيلما تقدموا
للمسابقة ، بالإضافة الي إصدار كتابين “ثورة في مسرح ومسرح في ثورة” و
“توثيق موسم الفنون المستقلة 2012 ” بجانب كتاب “الجانب المجهول من أدب
نجيب محفوظ” وهو قيد الإصدار.
تضمن حفل الختام تكريم الفنان خالد الصاوي كأحد مؤسسي تيار المسرح
المستقل في مصر، وشكر الصاوي في كلمته التي ألقاها قبيل الحفل مسرح الهناجر
لمساندته للفن المستقل” و انه يدين للمسرح الحر لأنه تعلم من خلاله التمثيل
والإخراج، عقب تخرجه في كلية الحقوق ، وتكريم فرقة اسكندريلا ، كما كرم
الموسم الفنان التشكيلي محمد عبلة لدوره في استخدام الفن التشكيلي في خدمة
المجتمع والثورة المصرية.
كما تم افتتاح معرض فوتوغرافيا لأهم أعمال الفنان الراحل محمد زهير من
الثورة ، و عرض لحصاد موسم الفنون المستقلة الذي استمر علي مدار خمسة أشهر
.
برد يناير
نال فيلم (مولود في 25 يناير) للمخرج أحمد رشوان جائزة دعم موسم
الفنون المستقلة الأول المقدمة من قطاع الإنتاج الثقافي وقيمتها نحو 15 ألف
جنيه، وحصل علي ذات الجائزة فيلم “غضب البحر والنهر” للمخرج أحمد صيام ،
و”برد يناير” للمخرج روماني سعد ، و”الدكتور” للمخرج حمدي حسن ، وهي منح
دعم للمخرجين الأربعة لإنتاج أفلامهم الجديدة .
كما منحت لجنة تحكيم مسابقة الأفلام المستقلة شهادات تقدير للمخرج
إبراهيم عبد الحميد عن فيلم “في البدء كان” والمخرج محمد إبراهيم عن فيلم
“حساب “، والمونتيره نادية حسن عن مونتاج فيلم “مولود في 25 يناير” وضمت
لجنة التحكيم في عضويتها المخرج سعد هنداوي ، والمونتيرة رباب عبد اللطيف ،
والسيناريست ياسر جراب .
وحصلت 6 فرق مسرحية علي جوائز دعم المسرح المستقل وقيمتها خمسة آلاف
جنيه لكل فرقة وهي أنا الحكاية وكيان ماريونيت وبحارة وملامح وأتيليه
المسرح الصغير وجوع وغنا ، وفي الفن التشكيلي فاز كل من حمدي الكيال وحورية
السيد وأحمد مجدي وداليا رفعت وإيناس ضاحي .
أهدي وزير الثقافة الدكتور محمد صابر عرب درع المهرجان لعدد من رموز
حركة الفنون المستقلة في مصر، في افتتاح موسم الفن، وهم الفنان خالد صالح،
والناقدة د.نهاد صليحة، ود.هدي وصفي، والفنان التشكيلي صلاح عناني الذي
اعتذر عن التكريم، والمخرج السينمائي الشاب أحمد عبد الله السيد، واسم
الناقد الراحل د.حازم شحاتة.
أكد وزير الثقافة الدكتور محمد صابر عرب أن هذه الدورة تعد بمثابة
إضافة حقيقية للدورات السابقة، وأن معرض الريحاني يعد نموذجا للفن الراقي،
خاصة ونحن في زمن نحتاج فيه إلي أن نسترجع تلك الذاكرة المشرقة، والصفحات
المضيئة من حياتنا الفنية والثقافية؛ لأنها تشكل جزءا من ذاكرة الوطن،
مؤكدا أهمية تلك المهرجانات والاحتفاليات، من أجل الحصول علي المزيد من
الوعي والمعرفة والغناء والموسيقي والتمثيل والإبداع، خاصة في أعقاب
الثورات دائما ما تحدث نهضة في شتي أنواع الفنون بشكل عام .
قدمت حفل الختام الفنانة المتميزة سلوي محمد علي، وأعلنت الفنانة عزة
الحسيني مدير الموسم المستقل عن إعداد بروتوكول تعاون بين المستقلين ود .
خالد عبد الجليل رئيس قطاع الإنتاج الثقافي وتخصيص أسبوع في كل شهر علي
مسرح الهناجر لعروض المسرح المستقل .
عرض المهرجان مسرحية ” بديع والريحاني ” تأليف وإخراج طارق سعيد،
تناولت فقرات من مسرحيات الريحاني، وجوانب من حياته، وزواجه من الفنانة
بديعة مصابني، وعلاقته ببديع خيري وكيفية صعوده لسلم النجومية، قام بدور
الريحاني الفنان محمد عبد الخالق وقام الفنان سعيد مصطفي بتجسيد دور بديع
خيري.
الأهالي المصرية في
01/01/2013 |