على الرغم من أنها تقضى فترة نقاهة خارج القاهرة بعد أزمتها الصحية
الأخيرة تمنت الفنانة نادية لطفى العودة الى منزلها بحى جاردن سيتى والذى
على بعد خطوات من ميدان التحريرلتتابع عن قرب ماذا سيحدث يوم 25 يناير
المقبل كما كانت موجودة فى قلب الأحداث عندما انطلقت الشرارة الأولى
للثورة
نادية لطفى فى حوارها معنا أكدت أنه رغم مرور عامين على ثورة يناير
فإن الصورة لم تكتمل بعد وهذا جعلها فى حالة تحليل وتأمل مستمر ورحبت بثورة
جديدة لأن الأهداف التى دفع ثمنها الشهداء من دمهم لم تتحقق وكشفت عن سر
العلاقة بينها وبين فاتن حمامة واللقب الذى نافست به عبدالحليم حافظ واسباب
رفضها العودة للفن.
■
ما حقيقة اتجاهك لكتابة مذكراتك فى الوقت الحالى؟
- هى ليست مذكرات بالمعنى المتعارف عليه الموضوع أن لدى هواية رافقتنى
طوال مشوارى وهى كتابة يومياتى حيث أدون ما يلفت انتباهى خلال حياتى
اليومية سواء كان ذلك قولاً مأثورًا لفت نظرى أو اسم كتاب أعجبنى أو شيئًا
غريبًا قابلته أو حدث مهم وهذه الاشياء لا اعتبرها مذكرات خاصة أنها شىء
خاص لا يطلع عليه غيرى اما موضوع كتابة مذكراتى فهذا شىء غير وارد لاننى
احب ان احتفظ بخصوصيتى وحياتى لا يوجد بها شىء يمكن ان اكتب عنه مذكرات.
■
لو عرض عليك تقديم قصة حياتك فى مسلسل تليفزيونى فهل ستوافقين؟
- أرفض هذا المبدأ فأنا لست من هذه المدرسة وعبدالحليم حافظ نفسه لو
عرض عليه فى حياته تقديم سيرته الذاتية كان يرحب بالفكرة لكن اهتمام
الآخرين به بعد وفاته هو الذى جعلهم يقدمون فيلمًا ومسلسلاً عنه وبالنسبة
لى طول ما انا على قيد الحياه أرفض هذه الفكرة والسبب أنه لا يوجد ممثل
مهما كانت براعته يستطيع أن ينقل أدق التفاصيل الخاصة بحياة الفنان خاصة
الروح حتى صاحب السيرة الذاتية لا يستطيع أن يجسد نفسه.
■
هل لاقت أعجابك أعمال السير الذاتية التى تم تقديمها على الشاشة مثل
الشحرورة وحليم وأم كلثوم؟
- بعضها أعجبنى لكنها فى نفس الوقت لم تصل للواقع فقد تكون حاولت فى
إعطاء فكرة للمشاهد عن الشخصية الحقيقية لكنها ليست مثل الأصل.
■
انتشرت فى جيلك ألقاب كثيرة مثل سيدة الشاشة والشحرورة والعندليب، ألم
تغارى من عدم حصولك على لقب؟
- بضحكة جميلة أجابت: كيف أشعر بضيق وقد اطلقوا على بالفعل «العندليبة
الشقراء» لكى أنافس به عبدالحليم حافظ على اعتبار أنه العندليب الأسمر خاصة
أننا قدمنا فيلمين نجحا وكسرا الدنيا عموما الأجيال التى سبقتنى هى التى
استحدثت موضوع الألقاب بعد ان اخذوها عن هوليوود واصبحوا يطلقونها على
الفنان لكى تذيع شهرته وفى رأيى الألقاب ليست لها اهمية ولن تزيد من قيمة
الفنان لكن الاهم هو أعماله التى ستخلد اسمه فى التاريخ وهذا جعلنى لا اسعى
وراء الالقاب وكان كل اهتمامى البحث عن العمل الجيد الذى يعجب الناس.
■
من أكثر فنانات جيلك التى كنت تحرصين على متابعتها؟
- أنا من عشاق فاتن حمامة وهى من أهم أسباب دخولى الفن فلديها عبقرية
شديدة فى الانتقاء سواء أعمالها أو سلوكياتها أو مظهرها حيث اعطت القدوة
الحسنة للفنانة.
■
هل كنت متابعة أحدث صيحات الموضة العالمية فى الملابس والاكسسوار
والاستعانة بها فى أعمالك؟
- دائما ما أحرص على أن آخذ من الموضة ما يتناسب مع ذوقى وثقافتى لأن
ليست كل موضة تظهر تكون مناسبة لى خاصة وأن هناك أشياء غريبة تظهر على
الساحة ولا تتناسب مع تقاليدنا وفى المقابل كانت لدى هواية أخرى وهى السفر
وزيارة اى بلد جديدة لم ارها من قبل حيث استفيد من لقاء اهلها والتفاعل
معهم فهذا هو كنزى الحقيقى الذى لا امل منه.
■
تحبين تربية الحيوانات خاصة الكلاب فما هو سر تعلقك بهم؟
- هذا صحيح أعشق الحيوانات الأليفة خاصة الكلاب يليها القطط وهذا جعل
بيتى اشبه بحديقة حيوانات لأننى أجد فى القرب من هذه المخلوقات راحة نفسية
لا اجدها مع بشر كثيرين.
■
ومن نجمتك المفضلة فى الجيل الحالى؟
- عندما اتحدث عن هذا الجيل لا اختار نجمًا مفضلاً لكننى اختار دائما
عملاً مفضلاً لأن هذا الوقت البطولات الجماعية هى التى تفرض نفسها وزمن
النجم الأوحد انتهى جانب أن شهادتى فى نجمات الجيل الحالى ستكون مجروحة.
■
هل تتابعين الدراما التليفزيونية؟
- أكيد فأنا من أشد المعجبين بأعمال محمود عبدالعزيز خاصة مسلسله
الاخير «باب الخلق» أيضا أتابع أعمال يحيى الفخرانى الذى غير مفهوم النجم
عند الناس وصنع لنفسه شخصية جعلته فى صفوف النجوم وهناك فنان آخر اعشقه
واحب اداءه جدا لكن للأسف لم يأخذ حظه إعلاميا وهو الفنان عبدالرحمن أبو
زهرة الذى أعتقد أنه لا يبحث عن الشهرة على عكس كثيرين.
■
ألم يراودك الحنين للفن والعودة مرة اخرى للاضواء؟
- قرار اعتزالى لم يتغير لأننى أؤمن أن الفنان مثل الزهور لكل زهرة
موسم تتفتح فيه ولا تسيطيعين ان تجعليها تتفتح فى غير أوانها خاصة أننى
أخذت حظى ونصيبى من النجومية وقدمت أعمالاً نجحت مع الناس وصنعت لى مكانة
لديهم ووجدت أنه من الأفضل أن أترك المجال لزهور أخرى تتفتح.
■
هناك اختلاف حول اهمية مشاركة الفنان فى الحياة السياسية، فهل انت مع خوض
الفنان فى العمل السياسى أم ضده؟
- الفنان هو انسان بالدرجة الأولى ولا تستطيعين ان تفصيليه عن مجتمعه
ومتغيراته لذلك تجديه متورطًا دائما فيما يحدث وفى رأيى أن السياسة هى
الأكسجين الذى يحيا به الفنان أما المشاركة فى الحياة السياسية وإعلان
موقفه السياسى فهذا قرار شخصى للفنان ويتحمل هو نتيجته.
■
كيف ترين ما تمر به مصر من أحداث وصراعات وحروب متبادلة؟
- هناك حالة «لخبطة» موجودة عند معظم المصريين فما مرت به بلدنا خلال
عامين لم يحدث لها من قبل سواء فى التغيرات السياسية أو الاجتماعية حتى
الأطراف المتصارعة من تيارات سياسية أو دينية أو مدنية ليست لها هوية
معروفة أو رصيد لدى الناس وهذا جعل الصورة لم تكتمل حتى الآن وجعلنى فى
حالة تحليل وتأمل مستمر وأعتقد أننا مازال أمامنا وقت حتى تكتمل اللوحة
التى بدأ شبابنا رسمها بدمهم فى يناير2011.
■
الكثيرون طالبوا بثورة جديدة فى 25 يناير، فما رأيك فى ذلك؟
- أتمنى ذلك وأهلا وسهلا بثورة جديدة واحنا جاهزين لها فهذه الأيام
تذكرنى عندما كنت اطل من شرفة منزلى على ما يحدث فى ميدان التحرير عندما
انطلقت الشرارة الأولى للثورة فى يناير 2011 وعموما كنت أقضى فترة النقاهة
خارج القاهرة وعدت لبيتى فى جاردن سيتى خلال الساعات الأخيرة لأرى ميدان
التحرير عن قرب لانه وحشنى جدا.
الفنانون: قابلونا فى الميدان
كتب : محمد عباس
أكد عدد كبير من المبدعين والفنانين أهمية مشاركة المصريين فى احياء
ذكرى 25 يناير بالنزول إلى الميادين المختلفة اليوم «الجمعة» للتعبير عن
آرائهم ووجهات نظرهم بشكل ايجابى، بعيدا عن أعمال العنف والتخريب أو احراق
مؤسسات الدولة، مؤكدين حق المواطن فى التظاهر السلمى.
الفنان محمد صبحى يقول: اننى مع التظاهر للاعتراض على السياسات التى
تمارس فى الدولة ومع التظاهر للقضاء على أى ظلم وأى فساد ولكنى ضد الدعوى
لاسقاط النظام الحالى لأن هذا لا يتناسب مع المدة التى حكم فيها الرئيس
مرسى ولا يتناسب مع الاعداد التى اعطت الرئيس صوتها فى صناديق الانتخاب
وايضا لأنه لو تم اسقاط نظام ستكون عادة ولو اتى شخص جديد للحكم ولم يحقق
مطالب الشعب فى عدة أشهر سنسعى لاسقاطه ولكن فى يوم 25يناير يجب على
المعارضة أن تطرح وجهة نظرها ليطمئن الشعب على أن المعارضة فى مصر ستحقق
التوازن فى المجتمع.
وقالت الفنانة هالة صدقى... أين النجاح لكى نحتفل بذكرى ثورة يناير لا
يوجد احتفال حتى تتحقق مطالب الثورة ويجب أن يسقط النظام لأن الأوضاع التى
تمر بها مصر الآن من اسوأ الأوضاع التى مر بها هذا البلد فى تاريخه من جميع
الجوانب السياسية والاقتصادية والفنية والسياحية والرياضية لذلك يجب أن
يسقط النظام أيضا لأن من يحكمون مصر حاليا اثبتوا فشلا فى القيادة والسياسة
وفى توحيد الشعب فتختلف الآراء بين المواطنين حتى تشابك بعضهم البعض،
ولأننا لا نريد استمرار هذا الفشل ويجب علينا أن نشارك جميعا فى تصحيح
المسار الاجبارى الذى تسير فيه مصر.
وقال الشاعر الكبير عبدالرحمن الابنودى: من الصعب ان يتوقع أى شخص
سيناريو يوم 25 يناير لأن الشواهد الآن غير مستقرة على اتجاه واحد فتوجد
دعاوى بإحياء ذكرى ثورة يناير وتوجد أخرى لاسقاط نظام واعلان اعتصام وغيرها
الكثير فلم يستطع أى شخص أن يحدد معالم هذا اليوم ولكن الظاهر أن الشعب
المصرى فى حالة غليان وأن الثورة لم تحقق أيًا من مطالبها وسيحاول الثوار
استرداد المعنى الأصلى للثورة التى نسبها الإخوان المسلمون لانفسهم.
وقال الكاتب والسيناريست مدحت العدل: هذا اليوم هو استكمال لمطالب
الثورة التى لم يتحقق منها سوى اسقاط مبارك فقط ولكن الحديث عن اسقاط
الرئيس محمد مرسى ليس له أساس من الصحة لأنه من غير المعقول أن نكون ممن
يطالبون بالديمقراطية ونقوم باسقاط نظام منتخب بإرادة الشعب المصرى ولكن
سيتم الضغط على الرئيس محمد مرسى لتنفيذ مطالب الثورة وهى العيش والحرية
والعدالة الاجتماعية والتى لم يتحقق منها أى شىء وايضا سنطالب بحقوق
الشهداء التى سالت دماؤهم من أجل مصر ولم يأت حقهم حتى الآن فيجب أن يكون
هذا اليوم هو استكمال لمسيرة ثورة يناير لتحقيق مطالب المصريين.
واتفقت الفنانة روجينا... مع د.مدحت العدل وقالت حتى الآن لم احدد
هل سأكون من المشاركين فى يوم 25 يناير أم لا ولكن الثورة يجب أن تكتمل
ويجب أن يطالب الثوار بمطالبهم التى لم تتحقق وأن يدافع كل منهم عن رفيقه
الذى استشهد بجانبه ولم يحصل على حقه حتى الآن وأنه لابد على كل المصريين
أن يعملوا من أجل مصر لانقاذها من أزماتها التى تتعرض لها حاليا.
وقالت الفنانة نسرين إمام إنه من المستحيل أن يسقط نظام الإخوان لأن
الكثير من الشعب المصرى هو من أتى بهم ليحكمون مصر فمن الصعب أن يسقط هذا
الحكم إلا من خلال هذا الشعب بعد أن يعلم ان ختياره كان خاطئًا.
وتقول الفنانة آثار الحكيم: أرفض كلمة احتفال واننى مع احياء ذكرى
ثورة عظيمة لم تنته لأن حالة الديكتاتورية التى كانت فى عهد مبارك مازالت
مستمرة حتى الآن فقد ذهب الحزب الوطنى وجاء جماعة الإخوان المسلمين واتوقع
أن يبدأ يوم 25 يناير بسلمية وبعد ذلك يتم باستخدام العنف كما حدث عند قصر
الاتحادية واضافت: اشبه الثورة انها ترقد حاليا فى غرفة الانعاش ولن تفوق
إلا إذا جاء نظام جديد ولكن مع الأسف من الصعب أن يسقط نظام الإخوان لانهم
متمسكون بالحكم ولن يتخلا عنه أبدا.
وأعربت الفنانة فردوس عبدالحميد عن رفضها لأى أعمال عنف وتخريب خلال
تظاهرات الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة 25 يناير مؤكدة أن الثورة المصرية
كانت سلمية وستظل سلمية، متمنية السلامة والأمن والأمان والسكينة للبلاد.
وقالت الفنانة حنان مطاوع إن الثورة ستظل مستمرة لأنها انحرفت عن
مسارها، لافتة إلى أنها ستشارك فى تظاهرات 25 يناير السلمية للمطالبة
بتحقيق أهدافها، مؤكدة ضرورة الحفاظ على سلمية المظاهرات بشكل حضارى بعيدا
عن أعمال التخريب.
وترى أن مطالب وأهداف الثورة لم يتحقق منها شىء خاصة فيما يتعلق بشأن
القصاص للشهداء، تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية، وقالت: للأسف الشديد
الطرف الثالث المتسبب فى أعمال التخريب أصبح الغائب الحاضر فى أى فعاليات
وذكرت أنه على الرغم من استحالة أن يصحح أى رئيس منتخب أوضاع خاطئة وفساد
استشرى فى المجتمع على مدار سنوات خلال أشهر معدودة، إلا أنه ينبغى أن يضع
الرئيس نواة يشعر من خلالها المواطن البسيط بالأمل والتفاؤل نحو المستقبل،
معربة فى الوقت ذاته عن رفضها لمشروع الصكوك الإسلامية أو تأجير ممتلكات
الدولة والاقتراض من الخارج.
من جانبها أكدت الفنانة نهال عنبر ضرورة توجه المصريين إلى الميادين
المختلفة للتعبير عن آرائهم بشكل سلمى وحضارى بعيدا عن أى أعمال للعنف أو
الحرق والحرص على الحفاظ على منشآت الدولة، مشيرة إلى أن الدولة أصبحت لا
تحتمل أى أعمال تخريبية فى ظل الأوضاع الدقيقة التى تشهدها البلاد وتأثر
جميع قطاعاتها وخاصة السياحة والاقتصاد.
ولفتت إلى أنها تؤيد الاعتصام والتظاهر السلمى للمطالبة بتحقيق أهداف
ثورة 25 يناير، وخاصة فيما يتعلق بالحريات وخاصة الرأى والإبداع، معربة عن
أملها فى استقرار أوضاع البلاد خلال الفترة المقبلة.
روز اليوسف اليومية في
25/01/2013
الدورة السادسة والثلاثون لمهرجان غونتبرغ ...
الحضور الأكبر للسينما العربية
غوتنبرغ (السويد) - قيس قاسم
في المثال الذي يقدمه مهرجان غوتنبرغ السينمائي، يمكن فهم كفاءة ادارة
الأوروبيين لمهرجاناتهم ومقدرتهم على التأقلم مع المتغيرات التي تحيط بعالم
صناعة الفيلم، والمواءمة السريعة مع التحديات التقنية الجديدة التي تفرض
نفسها عليهم. ومن هنا يصح أخذ هذا المهرجان مثالاً كونه من المهرجانات
المتوسطة الحجم ويقام في دولة اسكندينافية حجم انتاجها أقل بكثير من دول
أوروبية أخرى. ومع هذا يمتاز بغناه وسعته، ويقدم عاماً تلو الآخر أفكاراً
وبرامج جديدة توفر له آلية تطور وديمومة يكسب من خلالها ثقة جمهوره به
ويقنع العالم بمستواه وأهميته. وما كشفه مديره الفني ميكائيل فيلنيوس عن
جهدهم في تكييف قاعات عروض الأفلام في المدينة مع تقنيات «الديجتال»
الجديدة البديلة عن مكائن عرض أفلام 35 ملم، يفسر جزءاً من المرونة
المطلوبة في تجاوز تحديات التكنولوجيا السينمائية. ولقد أُوضح في مقدمة
الكاتالوغ الخاص بالدورة السادسة والثلاثين، التحدي الجديد الذي هدد
المهرجان برمّته إذا لم يجدوا حلاً أول الأمر، للمشكلة التي يواجهونها،
والمتمثلة في أن معظم شركات التوزيع والانتاج السينمائي ترسل اليوم أفلامها
على شكل فايل صغير مسجل رقمياً، بدلاً من اسطوانات الأشرطة التقليدية. وهذا
يتطلب بالضرورة وجود مكائن عرض رقمية قادرة على قراءة هذة الفايلات لعرض
الفيلم المرسل. في العام الماضي لم يكن في مدينة غوتنبرغ سوى ثلاث قاعات
بهذة المواصفات التقنية. ولهذا وضع المهرجان مشروعاً للتعاون مع بقية
القاعات لحل هذا الإشكال. وبالفعل تم تكييف أكثر من ثلثي قاعات المدينة
بالنظام الجديد على اعتبار أن التوافق وحل مشكلات التكنولوجيا الحديثة ذات
الصلة بالفيلم ثورة بحد ذاتها، لأنها تأتي اليوم بأشكال جديدة ومتسارعة
وبمفردات غير تلك المألوفة في تنظيم المهرجانات التقليدية.
ثيمات وأفكار جديدة
أكثر من عدد الأفلام المعروضة، تكتسب الثيمات المقترحة أهمية في تنظيم
كل مهرجان، وغوتنبرغ متميز فيها. جديده هذا العام برنامج «الدليل» خصصه
للأفلام الساعية لتجسيد مواقف الناس وخياراتهم بين المضيّ في تثوير واقعهم
أو القبول ببؤسه. بين السكوت عن خراب كوكبنا بيئياً والسعي للحفاظ عليه
سليماً. في هذة الفئة يعرض «تلوث الجنة» للتركي المقيم في ألمانيا فاتح
أكين. ويعدّ فيلمه الأكثر ذاتية بين أفلامه لعلاقة أحداثه بقرية والده وكيف
تحول الجبل المحيط بها وسفحه المزروع شاياً الى جبل نفايات ومصدراً لتسميم
مياه القرية وفساد رائحة هوائها بسبب فساد موظفي الدولة التركية وإهمالها.
وفي السياق ذاته، استغل المهرجان تعاونه وشراكته الجزئية مع مهرجان روتردام
السينمائي ليعرضا سوية برنامج «داخل ايران» بعدما جمعا أفلاماً أُنتجت في
ايران كي يطلع عليها جمهورهما، ويستكملان تصوراتهما عن نوع أو طبيعة
الانتاج السينمائي في هذا البلد. أما «تشيلي» فستخضع لـ «نظرة مقربة»
لمنجزها السينمائي بعد أربعين عاماً على انقلاب الجنرال بينوشيت ضد حكومة
الرئيس المنتخب سلفادور الليندي. لا يقتصر الأمر في هذا البرنامج على
الأفلام التي عالجت هذا التاريخ، بل يتجاوزه لمعرفة ما أبدعه السينمائيون
التشيليون الشباب، والنجاحات التي حققوها على المستوى العالمي.
الحضور العربي الأهم
حضور السينما العربية في هذه الدورة هو الأهم، حتى بالمقارنة مع
الاحتفاء الخاص بها خلال الدورة الماضية والذي كان قد شكل ما يشبه مهرجاناً
مصغراً داخلها. الأهمية متأتية من حجم المشاركة وتوزيعها على خانات
المهرجان، ولابتعادها عن المناسبة أو الحدث، ونعني هنا اقتران الاهتمام
بالسينما العربية، والحديث عن غالبية المهرجانات العالمية، بربيع بلدانها
وثوراتها أكثر من السينما نفسها. أما اليوم فيحاول مهرجان غوتنبرغ النأي
بنفسه عن الحدث ليقترب أكثر من روح سينما المنطقة وإن ظلت خياراته مرتبطة
بقدر ما بتفاعلاتها السياسية، مع الاشارة الى حقيقة تماس الكثير من نصوص
الأفلام العربية مع موضوعات سياسية في مقدمها «الإرهاب» والعنف السياسي...
فنجد «يا خيل الله» لنبيل عيوش و«المغضوب عليهم» لمحسن البصري ومعهما فيلم
الجزائري مرزاق علوش «التائب»، وجديد اللبناني زياد دويري «الصدمة»...
وكلها تدور حول الموضوع ذاته وإن توزعت على خانات مختلفة. وفي برنامج «الماستر»
وضع يسري نصر الله الى جانب نخبة من كبار المخرجين العالميين، ومن بينهم
الفيليبيني بريلانتي مندوزا والروماني كريستيان مونغيو والنمسوي أولريش
سيدل، ليعرض فيلمه «بعد الموقعة» مع جديد أوليفر ألسياس «بعد أيار» الذي
يأتي كامتداد لسلسلة «من أجل النضال» التي بدأها بتحفته «كارلوس»، وفيه
يحاول أسايس قراءة ثورة 68 الطالبية في فرنسا نقدياً. اهتمام ملحوظ أحاط
مشاركة السعودية هيفاء المنصور حين وضعوا فيلمها «وجدة» في مسابقة «انغمار
برغمان» للفيلم الأول، والتي يُختار لها عادة أفلام تتناسب مع هدفها في
التنوية بالأعمال التي تعالج مشكلات وجودية أو التي تحاول تجريب وسائل
تعبيرية سينمائية تتسم بالطليعية أو التجديد. وبحضورها كضيفة للدورة،
سيُنظم لها مؤتمر صحافي وخصصت لفيلمها ندوة يحلل فيها مندوب عن «منظمة
حماية الطفل السويدي» الجوانب النفسية فيه. وعلى مستوى الحضور النسوي
سيشاهد الجمهور السويدي فيلم «كيس دقيق» للمخرجة البلجيكية من أصل مغربي
خديجة لوكلير والوثائقي السوري «كما لو أننا نمسك كوبرا» لهالة العبد الله
و «ياما» لجميلة صحراوي ضمن أفلام «القارات الخمس».
احتفاء ومنافسة اسكندينافية
المحتفى بها هذا العام هي المخرجة الألمانية مارغريتا فون تروتا والتي
وصفها المهرجان كواحدة من أهم السينمائيات، وشكلت مع فاسبندر وهيرزوغ ما
يسمى بأقطاب «السينما الألمانية الجديدة» في السبعينات. الى جانب تسليمها
جائزة الشرف خلال فترة وجودها، سيعرض لها فيلم «هنّا أرينت» عن حياة
المنظّرة والكاتبة المعاصرة، التي كلفت بحضور محاكمة النازي ايخمان المتهم
بنقل آلاف من اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية الى المحارق الجماعية،
وكتابة ريبورتاج لإحدى الصحف الأميركية عنها، لكن ما كتبته من اسرائيل عام
1961 أثار ردود فعل شديدة تعرضت بسببه لهجوم عنيف يرصد تفاصيله.
في عام هو من بين أكثر الأعوام إنتاجاً لأفلام اسكندينافية جيدة يتوقع
أن تكون المنافسة شديدة بين المتسابقة منها على جائزة «التنين»، ومن بينها
فيلم توماس فنتربيرغ «المطاردة» وتحفة الدنماركي توبياس ليندهولم «اختطاف»
الذي عرض في مهرجان أبو ظبي الأخير، الى جانب فيلم «قبل سقوط الثلج»
للنروجي الكردي الأصل هشام زمان. ومن النروج أيضاً، اختير فيلم «كون - تيكي»
للمخرجين أسبن ساندبيرغ ويواكيم رونينغ ليفتتح الدورة الـ 36، التي ستبدأ
من اليوم حتى الرابع من شهر شباط (فبراير)، ويعرض فيها أكثر من أربعمئة
فيلم.
فيلم الافتتاح رشحته النروج للمنافسة على جائزة أوسكار هذا العام
لأفضل فيلم غير ناطق بالانكليزية وتدور أحداثه حول تجربة العالم
الأنثروبولوجي تور هيدردال الذي أراد اثبات صحة نظريته حول أصل شعوب
البولنيز التي تعود وفق قناعاته الى أميركا الجنوبية لا الى آسيا كما شاع
بين العلماء. وهو للبرهنة على صحة نظريته بنى قارباً بدائياً يشبة تلك التي
اعتقد ان قبائل تيكي كانت تبحر فيها في رحلاتها الى الشمال. في عام 1947
شرع في الإبحار بصحبة مجموعة صغيرة من دون أن يعرف السباحة، وبعد مغامرات
خطيرة وصل الى النقطة التي حددها مسبقاً. خلال الرحلة الطويلة، سجل العالم
يومياتها بكاميرا فيديو شخصية. مفاجأة غوتنبرغ
انه حصل على نسخة من الفيلم الوثائقي الشخصي وسيقوم بعرضها ســوية مع
الفيلم الجديد!
الوثائقي «دعاء.. عزيزة» لسعد هنداوي... حكاية بنتين من مصر
القاهرة - أمل الجمل
منذ الوهلة الأولى يبدو واضحاً أن ما يميز الشريط الوثائقي الطويل (88
دقيقة) «دعاء.. عزيزة» للمخرج المصري سعد هنداوي هو قوة المشاعر التي تفيض
أثناء حكي بطلتيه - وعلى الأخص «عزيزة» - عن تجربتهما مع الغربة والاغتراب
سواء داخل بلدهما مصر أو خارجها في فرنسا. كذلك يُعد التناقض والتماثل الذي
يجمع بينهما أحد أبرز مصادر ثراء الفيلم وخصوبته الفكرية والبصرية. فرغم أن
رحلة كل منهما تبدو - ظاهرياً - متباينة مع رحلة الأخرى، سواء في التفكير
أو في الأهداف والظروف العائلية والنفسية، نجد في حقيقة الأمر وفي مستوى
أعمق، أننا عندما نبحث في مبررات قرارات كل منهما، نكتشف قوة التشابه
بينهما رغم الاتجاه المعاكس الذي يصبغهما. فلكل واحدة منهما شخصيتها القوية
التي تتسم بالجرأة والصراحة والصدق، والقدرة على المجازفة، والإصرار الذي
يصل إلى حد العناد، وهو ما يُؤكد أن الشخصيات المختلفة متشابهة.
حياة في الغربة
ولدت دعاء ونشأت في فرنسا بين والديها المصريين وأخيها، وظلت تعيش
هناك حتى بلغت الرابعة والعشرين ثم قررت أن تعود إلى مصر. لماذا؟ هل كانت
تعاني الأمرّين من هويتها؟ هل كانت العودة بحثاً عن الجذور، أم سعياً وراء
الحرية والاستقلال بعيداً عن الأهل، أم بحثاً عن الحب المفقود؟ لماذا تترك
فتاة فرنسا عام 2005 وتعود إلى مصر في ظل أوضاعها الراهنة المتدهورة على
الأصعدة كافة؟ وما الذي يحفزها على البقاء رغم تزايد الانحدار في الوطن
بشكل متسارع؟ تساؤلات لن نجد إجابتها إلا عند دعاء وحدها التي تذكرنا
حالتها بولع الفرنسيين بمصر.
أما عزيزة - المولودة لأم أجنبية ففضلت الحياة في مصر بعد زواجها -
فإنها بعد أن ضاقت بالحياة في مصر، على رغم أنها تعمل في مبنى التلفزيون
المصري من دون أن تكون قادرة على تأمين مستقبلها مادياً ولا مهنياً، قررت
عندما تبلغ الثلاثين من عمرها، أن تترك أرض الكنانة وتسافر إلى فرنسا،
لفترة موقتة، لتجرب حظها على أمل بأن تنجح وتعيش هناك. قبل سفرها تقول
عزيزة لوالدتها: «أشعر أنني خنت مصر»، فتجيبها الأم التي طالما كانت ضد
فكرة السفر: «البلد هي التي دفعتك للخروج، وطردتك». أما الأب فبعد أن ظل
صامداً طويلاً نعرف أنه إزاء إصرار ابنته يستسلم لقرارها قائلاً: «من
الواضح أن أسلوبي في تربيتك كان خاطئاً، لأنني ربيتك على المبادئ والقيم،
فنشأت وأنت غير قادرة على التعامل مع مجتمع فقد كثيراً من أخلاقياته
وثوابته».
أثناء رحلتيهما تُواجه دعاء وعزيزة عقبات وعراقيل تكاد تنهي الرحلة،
إذ يتوقف المشروع الذي خرجت عزيزة اعتماداً على نجاحه، وكادت نقودها تنفد
فتُقرر العودة من حيث جاءت، لكن القدر لم يكن يريد لها ذلك. ففي تلك اللحظة
عرض عليها أحد مَنْ أُعجبوا بفكرها وشخصيتها، أن تُقيم مع أخته المُسِنة
حتى تعثر على عمل وتستقر مالياً. أما دعاء فجاءت إلى مصر وهي لا تجيد
الحديث باللغة العربية. كانت تجهل القراءة والكتابة بها تماماً ما وضعها في
مشاكل كثيرة مع سائقي التاكسي، وهكذا مثل أي امرأة في مصر عانت الجحيم
المستمر من التحرش والمعاكسات، والتعليقات غير اللائقة على ملابسها،
وانتهاك خصوصيتها. ثم بدت عاجزة عن تحقيق طموحها المهني، حتى أنها في بعض
اللحظات كاد اليأس يسيطر عليها وراحت تفكر ملياً في العودة إلى مهد طفولتها
وشبابها المبكر.
الغوص عميقاً
يغوص الفيلم عميقاً في شخصية كل من دعاء وعزيزة بأحزانها وأفراحها،
بحيويتها وكآبتها، بانطلاقها وإحجامها، راصداً كثيراً من التفاصيل
والخصوصيات في حياتهما، إذ يصورهما وهما تحكيان عن تجاربهما الفاشلة
والناجحة وأجواء الأسرة والعراقيل النفسية والاجتماعية. وبهذا يجعلنا
المخرج سعد هنداوي نعايش الصراع الداخلي للشابتين في أعقاب اتخاذ القرار،
وحتى بعد مرور سبع سنوات من تلك المغامرة، إذ يمضي الوقت بالفتاتين ونتابع
تطور فكرهما وكيف تحولت حياتهما، ما يجعلنا نطرح تساؤلاً: تُرى أيهما
الأنجح، وأي الحياتين أفضل لهما، والأهم ترى أيهما أكثر شعوراً بالرضا،
والسعادة؟ تساؤلات ربما يصعب الإجابة عنها بدقة وحسم. وإن كان الفيلم يشي
بأن عزيزة هي الأكثر نجاحاً على المستوى المهني والشخصي إذ أصبحت مذيعة
مشهورة في قناة فرانس 24 الفرنسية في باريس. لكننا في الوقت نفسه نشعر أن
أمراً ما تغيّر في روحها. فهل فقدت بعضاً من بريقها وبهجتها؟، صحيح أنها
أصبحت ناجحة مهنياً لكن لا يبدو عليها أنها سعيدة تماماً، كأن شيئاً ما
ينقصها، خصوصاً عندما تحدثت وهي تغالب دموعها عن ذلك الإنسان الذي دعم
خطواتها وكان سنداً قوياً لها في غربتها ثم رحل وكأنه عندما اختفى أخذ معه
فرحتها.
الشريط الذي بدأ تصويره بشكل متقطع بين مصر وفرنسا بدءاً من عام 2005
وانتهى في 2011، يرصد التغيرات التي حدثت في حياة الفتاتين، والتغيرات من
حولهما، مُلقياً الضوء على الإحباط الاجتماعي الحاصل في مصر، وصراع المرأة
على المستوى النفسي من أجل ممارسة حريتها في ظل عادات وتقاليد متجذرة.
ويُفاجئنا هنداوي في المشهد قبل الأخير من الفيلم بظهور فتاتين
إحداهما لبنانية والثانية فلسطينية، الأولى تُخطط للعودة إلى بلدها،
والثانية قررت البقاء في الغربة، وكأنهما تنويعة أخرى على لحن دعاء وعزيزة،
تنويعة على معاناة المرأة وسحق فرديتها وخصوصيتها في ظل مجتمعات تفرض
الهيمنة الذكورية وتكرسها بأشكالها كافة، وكأن البنتين المصريتين في حقيقة
الأمر لا تحكيان عن نفسيهما فقط، ولكنهما أيضاً معادل موضوعي يُجسّد معاناة
كثير من الفتيات العربيات.
بشكل عام، قدم سعد هنداوي فيلماً يتمتع بمستوى فني عال، مُحافظاً على
روح الوثائقي في الطرح واللغة السينمائية. ساعده في ذلك المونتيرة رباب عبد
اللطيف التي لعبت دوراً مهماً في اختياراتها للقطات خصوصاً أنها امرأة وهي
تُدرك جيداً ماذا يعني أن تعيش أنثى في المجتمع المصري والعربي.
المرأة مخلوق معقّد وكيدهنّ... عظيم
نانت (فرنسا) - ندى الأزهري
جاء من الأدب إلى السينما وكان أول أفلامه مفاجأة تبادلتها مهرجانات
كثيرة.
بعد دراسته سبع سنوات للأدب العربي، كتب المخرج الأردني يحيى العبد
الله قصصاً قصيرة، لكنه ما لبث أن لاحظ أن معظمها كان «كصــور متـــتابعة»،
فدرس السينما في فرنسا واتخذ من تقنــية الديجيتال وسيلة لتحقيق أفلام
قصيرة كان لها صداها أيضاً في المهرجانات لا سيما فيلم «أس أم أس». مع
الـــوقت وجـــد في السينما وسيلته «للتعبير عن الـــذات فضلاً عن أن
جمــهورها أكبر، فكم شخصاً سيقرأ القصــة؟!» يتـــساءل. ولكن، كم شخصاً
أيضا سيــرون فيلماً كهذا بعيداً تماماً عما اعتادوه؟
في مهرجان نانت لعام 2007 وبالذات في دورة الإنتاج في الجنوب التي
ينظمها المهرجان بالترافق مع فعالياته، اشترك العبد لله بمشروع فيلمه
«الجمعة الأخيرة»، وكان يعده حينها كمشروع للتخرج. شرع بعدها يبحث عن
موازنة لإنتاجه فاستفاد من برنامج دعم الأفلام المحلية للهيئة الملكية
الأردنية، كما حصل على جائزة من مهرجان سان سيبستيان لاكمال الفيلم وكذلك
على منحة من مهرجان دبي. وكان الممثل الفلسطيني علي سليمان اقترح عليه، بعد
أن أعجب بفيلمه القصير «أس أم أس»، المشاركة في الفيلم لقاء أجر زهيد. كان
سروره كبيراً لأن أداء سليمان ارتفع بمستوى الفيلم كثيراً، كما يقول فهو
«محترف ولا يُتعب في شرح الدور ويدرك تماماً غرض المخرج من وراء المشهد».
صحيح، كان أداء سليمان لافتاً واستطاع التعبير على رغم فترات الصمت في
الفيلم وبفضلها كذلك، عن ذات معزولة تعاني الوحدة والتهميش الاجتماعي.
معظم أفلام يحيى العبد الله القصيرة صامتة، لقطات تعبر بلا كلام. لا
يحيد فيلمه الروائي الطويل الأول كثيراً عن هذا الخط. السكون والعزلة
واللقطة الثابتة الطويلة التي تعكس حال البطل. نوعية قد لا تجذب الجمهور
العريض وقد «ينام» إن حضرها على حد تعبير المخرج. لكن الجمهور ليس همه
الأول، إنه يأتي في ما بعد. وفي كل الأحوال، «من يعرف الجمهور؟!» يتساءل.
يحيى العبد الله لم يرد أن يخسر في عمله الأول نفسه والجمهور وأن يحقق
فيلماً «لا يشبهه ولا يشبه الجمهور»، وسعى إلى الأهم، إلى عمل «يشبهه». وفي
ما بعد يلتفت إلى الجمهور «إنها معادلة صعبة فكل مخرج يطمح لإعجاب الناس».
الإعجاب وصله من المهرجانات. وتتالت الجوائز عليه فهل يعوض هذا؟ يرد:
«الجوائز تعطي دفعة للمخرج وتسهَل المشاريع التالية، إذ يتبدل الوضع فبدلاً
من الذهاب نحو المنتجين قد تدفعهم الجوائز للقدوم نحوك».
كل شيء معطل
في حياة بطل «الجمعة الأخيرة» كل شيء معطل: السيارة، الكهرباء،
و...الجسد. يوافق «ولكنها في النهاية شخصية تعيش اغتراباً داخل بلدها وردود
فعل هذا النوع من الشخصيات قد يكون بالتطرف الديني أو المشاركة في ثورة أو
الانسحاب واللامبالاة أو الانتحار. شخصيتي اختارت الانسحاب والاعتزال».
لعلها تشبهه في بعض سلوكها؟، لا ينفي فبعض المواقف جاءت من الواقع «ثمة
اغتراب وجودي يتزايد مع انتشار وسائل الاتصالات، كل شيء يقربنا ولكن الشعور
بالغربة هو هنا». الفيلم يحكي عن عودة نصف مليون فلسطيني من الكويت في حرب
الخليج الأولى، رجعوا إلى الأردن وخسروا مزايا حياتهم السابقة وانخفض
مستواهم الاجتماعي. صار معظمهم يعمل في مهن لم يكن يوماً يتوقع العمل فيها.
«فيلمي يحكي عن واحد من هذه الطبقة، عن الطبقة الوسطى التي صارت دنيا، إنه
انحدار البطل وتأثر العلاقات الاجتماعية بما حدث. في ساعة ونصف كثفت حياة
كاملة كما تركت مساحة لبقية الشخصيات». أيضاً، ترك مساحة للمتفرج، بكل
لحظات الصمت، باهتمامه بالصورة. يوافق معلقاً: «أريد أن أعطي المتفرج
مساحته في الفيلم كي يدخله أو يخرج منه، مساحة للتفكير في الشعور بالقهر،
بتسلط المرأة على الرجل...»
ابتعد بهذه المساحة عن جمهور محلي واقترب من آخر أوروبي. على ماذا نال
فيلمك الجوائز؟؟ سألته مشاهدة في الأردن باستغراب. كان على وعي بأن فيلمه
ليس للجمهور الواسع بل لمحبي السينما من الشرق والغرب. يتفهم ردود الفعل و
«يتعكّز» على الجمهور الذي يحب شغله. ويعيد السبب في عدم وصول السينما
المستقلة إلى الناس إلى «الإنتاج الكبير الذي أوصل الناس إلى القرف من
الإنتاج المصري». قلب المعادلة يحتاج وقتاً. وعن الوقت يضيف ضاحكاً: «فيلمي
كان ثلاث ساعات وكي لا أخسر الخمسة في المئة من الجمهور التي قد تحضر
أفلاماً كتلك حذفت نصفه»!.
كيدهن عظيم
بطله خسر المال وأصيب بعارض صحي ولم يكن يخشى الموت بقدر خشيته من
فقدان رجولته. مع العملية الجراحية التي كان عليه أن يخضع لها شهد موتاً
معنوياً. مفاهيم الذكورة والأنوثة حاضرة بقوة في فيلمه. نعلق على صورة
المرأة «السلبية» في العمل، يبتسم ويرد: «في تونس علقوا على هذه الصورة
السلبية، أما هنا في أوروبا فقد أعجبوا بصورة المرأة التي أظهرتها في
الفيلم ورأوا أنها قوية متحررة تناقش وتأخذ حقوقها». يتابع: «اسمعي ما جرى
معي، سائق التاكسي الذي أقلني إلى المطار في تونس كان يشتم بورقيبة! قال
بأنه ينام في سيارته منذ ثلاثة أيام لأن امرأته طردته من البيت!». ويوضح:
«في الغرب صورة المرأة العربية ضعيفة، ولكن هناك صورة أخرى فالمرأة مخلوق
معقد وقادر على أخذ حقوقه، ليس بالسبل اليدوية بل بالضغط النفسي والابتزاز
العاطفي، وهي بذلك قادرة على السيطرة على الرجل. في الفيلم مشهد شراء
المرأة للسيارة ومقدرتها على التحكم بقيادة السيارة هو استعارة لمقدرتها
على التحكم في الحياة. لقد باعها البطل فكرة السيطرة قبل أن يبعها السيارة».
هل صحيح أنه يرى أن كيدهن عظيم؟ يؤكد أنها فكرة موجودة في الفيلم
ولكنهم لا يعرفون ذلك في فرنسا بعد! (ضاحكا) ويرجع هذا «إلى العلاقة بين
الرجل والمرأة منذ الطفولة والتي تنعكس في فشل هذه العلاقة مستقبلاً، وفي
الفيلم يبدو فشل الابن صورة مستقبلية لفشل الأب.
حين أشرت إلى تناقض بين نظرته التقليدية للمرأة وبين سينماه غير
التقليدية رد المخرج الأردني: «أرجو أن نمرّ بتجربة إيجابية لتنعكس في
أفلامي وتساعدني في تغيير قناعاتي»!
نشير كذلك إلى التأثر بإيليا سليمان في أسلوب إخراج بعض المشاهد «أعجب
به وبجاك تاتي ونوري جيلان، أحب هذه السينما التي تركّز على الشخصيات».
سيكون فيلمه المقبل عن مراهق من عائلة متدينة من الجليل تصدمه سيارة يوماً
فيبدأ بالكلام بالعبرية وعنوانه «أنا ومردوخ»، فيلم ساخر كفيلمه الأول الذي
لا يخلو، على رغم قتامته، من سخرية وطرافة.
مشاركة مصرية في سوق مهرجان برلين
القاهرة – «الحياة»
يشارك المنتج وكاتب السيناريو المصري محمد حفظي في فعاليات سوق
برلينال للإنتاج المشترك الذي سيُقام بين 8 و 12 شباط (فبراير) المقبل، حيث
وقع الاختيار على شركته (فيلم كلينك) للمشاركة في برنامج تواصل الشركات Company Matching Program.
وفي خلفية هذا انه استجابة للطلب المتزايد
للمشاركة في الدورات السابقة للبرنامج، وقع الاختيار على سبع شركات للإنتاج
الفني (من البرازيل، كندا، مصر، فرنسا، ألمانيا، النروج وهولندا) للمشاركة
في برنامج تواصل الشركات هذا العام. وقد اعلنت سوق برلينال للإنتاج
المشترك، انها تحرص هذا العام على «التوسع في برنامج تواصل الشركات، حيث
اختارت قائمة «من أنشط شركات الإنتاج العالمية»، والتي «على رغم خبرتها
العميقة وشبكة اتصالاتها التي تتفرع حول العالم، فإنها لا تزال تسعى إلى
إقامة شراكات جديدة والتعاون مع مؤسسات جديدة». اللقاءات لن تكون بين
الشركات في صدد التعاون في إنتاج فيلم جديد بعينه، وإنما قد تكون للتشديد
على استعداد هذه الشركات للتبادل على المستوى الداخلي لبناء الشركة.
وعلّق محمد حفظي على اختيار شركته «فيلم كلينك» للمشاركة في برنامج
تواصل الشركات، قائلاً: «أنا سعيد لوقوع الاختيار على فيلم كلينك كشركة
رائدة في مجال الإنتاج في المنطقة العربية ووجودها على القائمة نفسها التي
شملت أفضل الشركات الإنتاجية في كل من أوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية.
ليس الهدف من المشاركة في البرنامج انتزاع مشروع أو حتى الدخول في قائمة
أعمال مرشحة، وإنما تكوين علاقات متداخلة وتنمية مناطق وصنع نماذج من
الإنتاج المشترك والتنمية مع عدد من الشركات الرائدة في المستقبل».
يشارك في الدورة العاشرة من سوق برلينال للإنتاج المشترك 38 مشروعاً
جديداً من الأفلام الروائية، ووقع الاختيار على الشركات السبع من مختلف
أنحاء العالم للتلاقي في برلين مع 450 شركة تعمل في مجالات التمويل
والإنتاج لدفع فرص التعاون في ما بينها جميعاً. والى هذا، تضم قائمة
المشاركين الرسميين في سوق برلينال للإنتاج المشترك لعام 2013، 20 مشروعاً
لأفلام روائية اختيرت من بين 318 مشروعاً مختلفاً من كل أنحاء العالم، لدفع
فرص الشراكة بين صنّاعها وبين شركات الإنتاج المشترك والتمويل. وسيطرح
منتجو هذه المشاريع المختارة أفلامهم، باعتبار ان مشاركتهم في السوق تزيد
من فرص التعاون مع أي من شركات التمويل والإنتاج الحاضرين بنسبة 30 في
المئة. يُذكر أن موازنة المشاريع المشاركة تتراوح بين مليون و13 مليون يورو.
موسم منتصف العام يمنّـي النفس بإيرادات كبيرة
القاهرة – نيرمين سامي
استقبلت دور العرض المصرية موسم أفلام إجازة منتصف العام، في ظل
تزامنه مع الذكرى الثانية لثورة 25 يناير ومحاكمة قتلة شهداء الالتراس يوم
26 كانون الثاني (يناير). ويعد موسم نصف العام أحد أهم المواسم التي تعتبر
فرصة ذهبية لصانعي السينما في مصر نظراً لإقبال الجمهور على دور العرض خلال
أيامه. 7 أفلام تحتل شاشات دور العرض ما بين الكوميدي والأكشن والفانتازي،
حيث انطلق الموسم بثلاثة أفلام هي «مصوّر قتيل» للمخرج كريم العدل بطولة
إياد نصار ودرة وعمر السعيد. الفيلم يغلب عليه الغموض والإثارة حيث تنقلب
حياة مصور صحافي رأساً على عقب بعد مشاهدته لجريمة قتل وقيامه بتصويرها،
ويجد نفسه متورطاً فيها ومشاراً إليه بأصابع الاتهام. بعده عُرض فيلم «حفلة
منتصف الليل» بطولة رانيا يوسف ودرة وعبير صبري، تأليف محمد عبد الخالق
وينتمي إلى أفلام الإثارة والغموض. وتدور أحداثه حول جريمة قتل يتهم فيها
كل من يحضر حفلة الزفاف. كما تم طرح فيلم «سبوبة» الذي يعد تجربة سينمائية
شبابية، وهو من بطولة أحمد هارون وراندا البحيري وخالد حمزاوي، وتأليف
وإخراج بيتر ميمي.
إلى هذا يتنافس النجوم على شباك التذاكر من خلال عرض فيلم «على جثتي»
لأحمد حلمي وغادة عادل، وتدور أحداث الفيلم حول رؤوف مهندس ديكور ومدير
معرض للأثاث، وهي شخصية شكاكة جداً لأبعد الحدود في التعامل مع من حوله.
يتوفى رؤوف لكن روحه تبقى عالقة بين السماء والأرض تريد أن تعرف رأي
أصدقائه وأسرته عنه. أما «فبراير الأسود» هو أحدث أعمال خالد الصاوي
والمخرج محمد أمين عن أحوال العلماء في مصر. من ناحيته يعود أحمد عز
للسينما بعد غياب طال منذ آخر أفلامه «365 سعادة» بفيلم «الحفلة»، حيث
يشاركه البطولة كل من روبي ومحمد رجب وجومانا مراد، والفيلم من تأليف وائل
عبد الله وإخراج أحمد علاء. وهو يدور في إطار دراما بوليسية مثيرة محورها
شريف (أحمد عز) الذي يصطحب زوجته سارة إلى أحد مراكز التسوق وينتظرها في
الخارج، لكن عندما تطول المدة لأكثر من ساعة من دون أن تخرج زوجته يدخل
باحثاً عنها فيكتشف أنها اختفت. بعدها يبدأ ضابط شرطة متمرس بالتحقيق في
ملابسات الحادث.
مقابل هذا يُعرض فيلم للفنان سامح حسين عنوانه «كلبي دليلي»، وتدور
أحداثه في إطار كوميدي حول ضابط شرطة يتم نقله من الصعيد إلى مارينا، فتحدث
له «صدمة حضارية»، ويشارك في بطولة هذا الفيلم مي كساب وأحمد زاهر وعزت أبو
عوف، وهو من تأليف سيد السبكي، وإخراج إسماعيل فاروق. وبعدما كان من المقرر
عرض أفلام أخرى خلال موسم نصف العام نظراً لعدم استكمال تصويرها، لذا تقرر
تأجيل عرض معظمها إلى ما بعد انقضاء موسم منتصف العام، وهي: «أبو النيل»
بطولة أحمد مكي ونيكول سابا وإخراج عمرو عرفة، و «توم وجيمي» بطولة هاني
رمزي وحسن حسني، وإخراج أكرم فريد، و «الراهب» بطولة هاني سلامة وبسمة
وإخراج هالة خليل، وفيلم «الحرامي والعبيط» بطولة خالد صالح وخالد الصاوي،
وروبي. وفي خضمّ هذا كله يجمع المنتجون على أنهم يتطلعون إلى استقرار الوضع
السياسي في مصر على أمل الرجوع إلى الأيام الخوالي حيث كان شباك دور العرض
يزخم بملايين الجنيهات من الإيرادات خلال مواسم الأعياد والصيف ومنتصف
العام.
ما يحدث ليلاً في الدار البيضاء
الدار البيضاء – مبارك حسني
مثل سابقه شريط «كازا نيكرا»، يستثمر المخرج نور الدين لخماري مدينة
الدار البيضاء في جانبها الأسود، القاتم، المخفي رسمياً لكن الذي يبدو
عياناً للكل، ذاك الذي لا يتوافق والصورة الوردية التي يظهرها اليومي والتي
ليست سوى جزء من الواقع. في هذه المرة، اختار المخرج توابل الفيلم
البوليسي، من نوعية السلسلة السوداء. فكانت النتيجة فيلماً أسود، عنيفاً،
دموياً، حيث الحب يمتزج بالعنف القاسي، والرغبة في الحياة الهانئة الهادئة
تتعرض لمنغّصات متعددة، وحيث الحاضر محكوم بترسّبات الماضي والتربية
المكتسبة.
يتبع هذا الشريط في خطه مسار الأفلام الأميركية من ذات الطينة مع درجة
أقل تقنياً وتحكمياً. وهو يروي حكاية محقق بوليسي فاشل لكنه حنون القلب
وطيب السلوك على رغم المظهر المنفر، يدعي زيرو أي صفر، لا شيء. رجل يجر
سحابة يومه ما بين الوفاء للمهمات الموكولة إليه واجترار همومه العائلية
والشخصية وتدبير مصاريف الشهر خارج الشرعية. من هذه الهموم التي ركز عليه
الشريط بقوة وبتعبير هو أفضل ما فيه، الاهتمام بأبيه المقعد الذي لا يكف عن
الصراخ والشتم واللعن والعيش في ذكرى زهو سابق، وقد قدم ذلك في مشاهد تجاوز
فيها الممثل المخضرم محمد مجد ذاته وكان كبيراً ومشخصاً بارعاً. يأتي بعد
ذلك همّ رفقة مومس شابة لا تكف بدورها عن سبه وتعييره والتي تشكل رفقته
ثنائياً يوقع بالكهول في كمائن لا يمكن سوى أن يؤدوا عنها مادياً تجنباً
للفضيحة والسجن. وأخيراً هم تحمّل رئيسه المباشر العميد الفاسد الذي يحمي
شبكة دعارة قاصرات منظمة. هو إذن عالم سفلي ليس فيه ما يروق النظر ولا ما
يخلب لكنه في ذات الوقت عالم سينمائي جاذب يمنح التمتع المتفرد وهو ما يرمي
إليه نور الدين الخماري في المقام الأول على ما يبدو جلياً كما لو أنه يود
تحقيق حلم مجاراة النوع في شكله الأميركي العالمي المعروف، وهو أمر مشروع.
شيء من المغرب
هناك شيء من المغرب في كل هذا، وهناك أيضاً شيء من العالمي وأخيراً
شيء من الفردي. وذلك عبر ثيمات الفساد، الابتزاز، الجريمة، السرقة، الحب،
الصراع، والنزوع إلى تحقيق الذات، وكلها تتبدى في عالم غير صحي وغير سهل.
وهو ما سيقف عليه البطل زيرو بعد تعنيفه وضربه ومروره من لحظات قسوة وألم،
جسداً وروحاً. لكن بعد ذلك ستتبدى له نقطة ضوء وحيدة ستحدد مساره ومسار
الفيلم فيقرر التحول إلى شرطي عادل للتكفير عن ذنوبه الصغيرة والانتصار على
خنوعه وذله السلبي، ولو ضد التسلسل الإداري المعاند. وهكذا يبدأ بمقاومة
الشر في معاقله ويقتحمه محارباً عناصره. النقطة المضيئة هي إنقاذ فتاة قاصر
من براثن العصابة المتاجرة في الأجساد وتقديم خدمة لأمها المكلومة بفقدانها
والضائعة في مدينة عملاقة لا ترحم ولا تبقي ولا تذر الضعفاء والمغلوبين على
أمرهم. ويفعل زيرو هذا مهتدياً بـ «سائق التاكسي» بسكورسيزي مع قياس الفارق
الشاسع.
فالفيلم المغربي لا رسالة له، فقط يصفع وجه المشاهد، بلقطاته المقربة
والكبرى الكثيرة كما لو يريد إقحامنا في عوالمه الداكنة العنيفة من دون أمل
خلاص ولا فكاك. الشريط يصير في لحظات ما زقاقاً ضيقاً ينسينا أننا جالسون
في حضن قاعة سينمائية دافئة. والسبب الأول يكمن في السيل العارم من السباب
الشارعي الفج الذي يخرج تباعاً من أفواه جل الممثلين من دون استثناء رجالاً
ونساء. وهو يفعلون بلا شفقة ولا رحمة تطاول الكل وتطاول ذواتهم أيضاً. شتم
ترافقه الضربات واللكمات المتعدية والسادية. أما السبب الثاني فتظهره
المشاهد المنفرة للفقراء والمشردين والبغايا والمجانين الطلقاء بوجوههم
الكريهة الحاقدة أو المهملة. صورة مدينة حالية مأخوذة قسراً وعن سبق تعمد
وإصرار في خلفية معمارها الغير المريحة، طريقة ضمن أخريات للحديث عن مدينة
فيها كل شيء متخيل. أي في مركز المدينة مع التركيز ليس على الحي المالي أو
الحي الراقي ولكن على العمارات الكولونيالية المتهالكة المتروكة لحالها.
بعيداً من الحكاية
والحق أنه ليس مهماً كثيراً معرفة حكاية الفيلم التي أعجبت المتفرجين
الذين تقاطروا على القاعات السينمائية لمشاهدته، بما أنها تتضمن وقائع
مسلية ومثيرة تتقرب من الواقع اليومي المعاش حد التطابق، مُقدَمة كما هي من
دون احتراز أخلاقي ولا رقابة مسبقة ولا مراعاة حياء ما. فبحسب الفيلم،
الناس في الدار البيضاء معتادون على هذا السلوك العام في كل وقت، وهم لا
يكفون عن السب والشتم واللعن كما في أحداث الشريط، رجالاً ونساء وأطفالاً.
المهم هو السينما كما تبدت في الحكاية. تلك التي اختارها نور الدين الخماري،
سينما تعتمد الإثارة القصوى من دون حواجز تحد التصوير والتعبير، ذاتية كانت
أو موضوعية. وإذا جاز لنا اختيار اللحظات الأكثر إبداعاً في الشريط فهي تلك
التي تحضر فيها شخصيتان بارزتان، أب زيرو ورفيقته المومس، كل واحدة على
حدة. لقد رُسما بالكثير من الصراحة والصدق والتمكن. واتّسم أداء الممثلين
بجاذبية براقة. الأب الذي لا يحب أحداً ولا شيئاً، لا العالم ولا ذاته ولا
ابنه، بعد أن فقد كل شيء، هو صورة لشخصية موجودة حقيقة تتحدث بصوت الكثيرين
من الجيلين اللذين أصيبا بصدمة الخيبة الكبرى وتدل على ذلك الصور الكثيرة
المعلقة في جدار شقته للألق المغربي في الستينات والسبعينات سياسياً
ورياضياً وثقافياً وحياتياً. فهو يحيا على الحنين والجهر بالخيبة. فعلاً هي
صورة شخصية لم تعهدها السينما المغربية من قبل. الشخصية الثانية للمومس، هي
أيضاً صورة جديدة غير مألوفة، فقد قدمت على عكس البغية الخانعة الذليلة،
قدّمت مشاكسة ومنافحة ومدافعة عن الثمن وحق قبض ما تستحقه ولو عنفاً ولو ضد
الأخلاق السائدة في ظل ظروف استثنائية.
هنا نجد مُخرجاً يتعلق بتفاصيل بعينها أكثر من الكل الجامع الذي يظل
مألوفاً ومشاهداً من قبل. تفاصيل هي الإضافة التي قدمها في شريط يأخذ
الكثير من حكاياه من الريبرتوار العالمي المعروف. فقد خلق شخصيتين مغربيتين
من المجال المديني الحضري كما هو سائد في المتخيل السينمائي الشائع. ومشاهد
الدار البيضاء تساهم بهذا المنحى وهذا الفيلم في حركية العالم، فلا تختلف
عن المدن الكبرى. أما زيرو فهو في ذلك شخص عادي، ليس طيباً ولا شريراً،
كالكل. «زيرو» في اختصار شريط يحاكينا قليلاً لكنه يمنحنا لحظة سينمائية
حقيقية.
الحياة اللندنية في
25/01/2013 |