نام الرئيس مبكرًا كعادته حتى يلحق بصلاة الفجر حاضرًا ولكنه لم يمنح
شعبه ولا حتى أهله وعشيرته الفرصة لأداء الفرض، لقد ترك لهم لغمًا تفجَّر
فى وجوههم بعد الواحدة صباحًا فمنعهم من اللحاق بالصلاة، شعروا بعد حديث
مرسى بالخوف من الغد حال بينهم وبين النوم ولم يمكّنهم أيضًا من الاستيقاظ،
الجميع أُصيبوا بالدروخة.
الدولة الإخوانية وجدت لها منفذًا جديدًا من خلال قناة «المحور» التى
تجيد فى كل العهود ضبط موجتها، الرئاسة تريد أن تمد جسورها إلى قناة خاصة
لا إخوانية ولا سلفية ولا حكومية إلا أنها فى الحقيقة تجيد صُنع هذه الخلطة
الثلاثية.
عندما يُعلَن رسميًّا أن الحوار سيُعرض فى الثامنة مساءً فهذا لا يعنى
سوى أن الحوار تمت مراقبته ووافقت عليه كل الأجهزة، وعندما يتأخر خمس ساعات
فإن هذا يعنى أن جهة سيادية وافقت ثم تراجعت وطلبت إضافة جملة أو حذف فقرة
أو تغيير صيغة سؤال، بينما تتحمل المحطة فى هذه الحالة الخطأ أمام
المشاهدين لتعلن على مسؤوليتها أن الأسباب تقنية وليست لها علاقة بجهات
سيادية داخل مؤسسة الرئاسة.
الدنيا تغيرت والرئيس لا يستطيع أن يضبط مفرداته ولا إيقاعه ولا
أفكاره، وليس لديه شىء يقدمه للجماهير الغاضبة سوى أنه سوف يكمل المسيرة من
أجل مصلحة الوطن.. كان لقاءً مضروبًا بكل المقاييس وقدم من حيث لا يدرى
أكبر دعاية لحفل توزيع الأوسكار الذى يتابعه أكثر من ربع سكان المعمورة،
لحظة عرض الحفل توافق مع الحوار.
الرئيس لم يحسم شيئا والأوسكار لم يحسم شيئا، صحيح أن فيلم «أرجو»
إخراج بن أفليك حصل على جائزة أفضل فيلم ولكنك ستكتشف أن فيلم «حياة باى»
للمخرج الصينى أنج لى حصل على جائزة أفضل مخرج والتصوير والمؤثرات البصرية
وأفضل موسيقى أصلية، كما أن فيلم «حب» لميشيل هانكة، المخرج النمساوى، حصل
على جائزة أفضل فيلم أجنبى وكان مرشحًا بقوة لجائزة أفضل فيلم فى المسابقة
العامة.. معركة الأوسكار لم تُحسم فعليًّا بين الأفلام الثلاثة، والسؤال
الذى يتردد هل لعبت السياسة دورًا لصالح فيلم «أرجو» حيث إنه يمجِّد جهاز
المخابرات الأمريكى كما أنه على الجانب الآخر يتغزل فى السينما من خلال فن
الماكياج والحيلة الدرامية التى لجأت إليها الأجهزة فاستعانت بهوليوود
لخداع السلطات الإيرانية التى احتجزت فى أعقاب ثورة الخمينى 52 رهينة
أمريكيين.. الفيلم يجمع بين الكوميديا وتوتر الفيلم البوليسى ويظل المتفرج
يتابع حتى اللحظات الأخيرة مصير الرهائن حتى يتمكنوا من عبور المجال الجوى
الإيرانى، إنها مهمة مستحيلة لم تتحقق لولا هذا الخيال المغرق فى شطحاته.
المؤكد أن الفيلم حتى ولو استند كما تشير التترات إلى وقائع موثَّقة
فى المخابرات الأمريكية فإنه أضاف وحذف الكثير، إلا أن السؤال: هل السياسة
لعبت دورًا رئيسيًّا فى توجيه مسار الجائزة خصوصا أن عدد أعضاء الأكاديمية
للفنون والعلوم الأمريكية الذى يقترب من 6 آلاف عضو هم فى النهاية الذين
يحددون اسم الفيلم الفائز؟
لا أتصور أن جائزة الفيلم تشكل امتدادًا لتلك المعركة الدائرة بين
أمريكا «الشيطان الأكبر» كما يصفها الإيرانيون ولا بين «الدولة المارقة»
إيران كما تصفها الإدارة الأمريكية، كانت إيران قد تحفظت هذا العام عن
الاشتراك بفيلم «قطعة سكر» للاشتراك فى مسابقة أفضل فيلم أجنبى بالأوسكار
كرد فعل لتلك الحالة من التوجس، رغم أنها فى أوسكار 2012 حصلت بفيلم
«انفصال» للمخرج أصغر فرهادى على تلك الجائزة.
السياسة فى ظل التصويت الجماعى لا أراها من الممكن أن تلعب دورًا حيث
إنه من غير المتصور أن تأتى تعليمات لكل أعضاء الأكاديمية بالانحياز إلى
هذا الفيلم أو ذاك، ولو حدث ذلك فهل من المنطقى أن يتواطأ الجميع ولو حتى
بالتزام الصمت.
فيلم «أرجو» يحمل رؤية مغايرة لأفلام الأكشن بملامحها التقليدية وهو
بالنسبة إلىّ ليس الأفضل، حيث إن المسافة تقلصت بين الأفلام المرشحة ولو
كان لى صوت لَذَهبت به مباشرة لفيلم «حب» النمساوى، أما أسوأ فيلم الذى
تمنحه رابطة الصحفيين الأمريكية ومعروف باسم «التوتة المعطوبة» -الوجه
القبيح للأوسكار- فأنا أقترح أن نتقدم فى العام القادم بفيلم «حوار مرسى
الأخير» فى هذه الحالة فإن التوتة المعطوبة من المستحيل أن تخطئه!!
مَن يحجب الشمس؟
طارق الشناوي
21/2/2013 4:46 ص
أعلنت دولة إيران احتجاجها رسميا ضد مهرجان برلين الذى انتهت فاعلياته
قبل يومين بعد حصول فيلم «ستائر مسدلة» الذى أخرجه جعفر بناهى مع كامبوزيا
بارتورى على جائزة السيناريو، الغريب أن إيران لم تعترض عند عرض الفيلم،
ولكن بعد حصوله على الجائزة، كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد
ناشدت السلطات الإيرانية بالسماح للسفر لبناهى دون جدوى، حيث إنه ممنوع من
ممارسة المهنة ومن مغادرة طهران لمدة 20 عاما قادمة، بالإضافة إلى أنه
محكوم عليه بالسجن 6 سنوات ولا يزال الحكم قيد الاستئناف.
لم أحضر برلين ولم أشاهد الفيلم ولكن العديد من الزملاء قالوا إن
الجائزة التى حصل عليها الفيلم سياسية لا أستطيع أن أنفى أو أؤكد، لأن
الأمر يخضع فى النهاية لذوق المتلقى.
نعم السياسة صارت تلعب دورا لا يمكن تجاهله فى فاعليات كل المهرجانات
والتظاهرات الفنية والثقافية، مهرجان «كان» مثلا عرض لبناهى عام 2011 فيلمه
«هذا ليس فيلما» خارج المسابقة وبالطبع السخرية تبدو واضحة من السلطات فى
اختياره العنوان، جعفر واحد من أهم مخرجى العالم وليس فقط إيران، مهرجانات
الدنيا كلها تتخاطف أفلامه.
أتذكر أننى قبل ثلاثة أشهر كنت ضمن الوفد المصرى الذى حضر إلى طهران،
كان الغرض من تلك الزيارة التمهيد للتبادل الثقافى بيننا وبين طهران وعندما
اجتمعنا مع وزير الثقافة الإيرانى فى لقاء مسجل قلت له بالحرف الواحد إننا
فى مصر نريد بالفعل مساحات أكبر للفيلم والثقافة الإيرانية، وينبغى أن لا
تقف الخلافات السياسية حائلا دون أن نرى السينما الإيرانية متاحة للتداول
فى مصر، ولكنى أضفت أطالب وأنا فى طهران بضرورة الإفراج عن كل من جعفر
بناهى ومحمد رسولوف المخرجين الإيرانيين الممنوعين من ممارسة المهنة فى
أعجب حكم قضائى.
تعمد منظمو هذا المؤتمر أن لا تتم ترجمة السؤال إلى اللغة الفارسية،
ولكن المؤكد أن الفضائيات الإيرانية استشعرت فحوى السؤال، نظرا إلى حالة
الهلع التى أصابت أحد أعضاء الوفد المصرى الذى تصور أن هذه الرحلة تنجح فقط
إذا عاد الوفد، وهو مكلل بعشرات من مشروعات الإنتاج المشترك، بينما نفى
وزير الثقافة جملة وتفصيلا أن المخرجين ممنوعان من السفر.
الوقائع بالطبع تكذب ادعاءات الوزير. بناهى استطاع أن يعرض فيلمه
السابق فى «كان» وفيلمه الحالى فى برلين كيف نجح فى تهريب الشريط؟ وقبل ذلك
شرع فى التصوير أنها رحلة تستحق رصدها فى فيلم قادم.
قبل أربعة أعوام شاهدت فى مهرجان «كان» الفيلم الإيرانى «لا أحد يعرف
شيئا عن القطط الفارسية» الفيلم يتناول تلك «الفوبيا» التى تنتاب السلطات
الإيرانية التى دائما ما تشاهد العمل الفنى برؤية دينية ولهذا يطاردون
الموسيقيين ويمنعون المرأة من الغناء الفردى، وتكونت فرق من تحت الأرض
تمارس الموسيقى رغم أنف هذه السلطات. المخرج بهمن قبادى صوَّر كل ذلك من
دون تصريح مسبق وخدعهم بادعاء أنه يقدم فيلما يكافح انتشار المخدرات، وسافر
الفيلم وعُرض فى «كان» ولم تنجح الملاحقات القانونية فى منعه من السفر إلى
أكثر من مهرجان.
إيران دائما تنظر إلى السينمائى باعتباره أحد الجنود الذين ينبغى أن
يخضعوا لمشيئة النظام ولهذا، رغم حصول إيران بفيلم «انفصال» للمخرج أصغر
فرهادى على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبى العام الماضى، فإنها قاطعت هذا
العام الاشتراك فى الأوسكار بفيلم «قطعة سكر واحدة» للمخرج رضا ميركريمى
بحجة أن أمريكا تعادى إيران. ليحرموا المخرج من جائزة ممكنة ويحرموا صناعة
السينما الإيرانية من تقدير دولى يستحقه صُناعها.
«الستائر المسدلة» يتناول مأساة إنسان يريدون أن يحجبوا عنه الحياة
ويغلقوا دونه الأبواب والنوافذ.. هل يستطيع أحد أن يمنع شعاع الشمس؟!
بناهى رصيده من الجوائز لا يمكن تجاهله فلقد حصل على «الأسد الذهبى»
من مهرجان فينيسيا بفيلمه «الدائرة» عام 2000 ثم «الدب الفضى» عام 2006 عن
فيلم تسلل «أوفاسيد»، فى إيران متحف للسينما يتصدره عدد من أشهر وأهم مخرجى
السينما الإيرانية، وعلى رأسهم بناهى، وقسم بناهى مرصع بكل هذه الجوائز
وافتتح بالطبع قبل توقيف بناهى. فهل يضيف القائمون على المتحف جائزته عن
«ستائر مسدلة» أم سيسدلون الستائر عن هذا الفيلم وتلك الجائزة، لا أتصور أن
هذا هو مشهد النهاية!!
موجة الناس!!
طارق الشناوي
20/2/2013 10:35 ص
لم ولن يستطع أحد أن يحدِّد على وجه الدقة، هل الناس تبحث عن العمل
الفنى الذى يعزف على أوتار جراحهم أم أنهم يتحرّقون شوقًا لمن يعزف بعيدًا
عن تلك الجراح.
فى أعقاب نكسة 67، عرفت مصر هذا التناقض، فانتعشت أغنيات تلهينا عن
المأساة «السح الدح امبوه»، و«الطشت قاللى»، و«تيجى نيجى»، وأنتجت مؤسسة
السينما التابعة للدولة فيلم «شنبو فى المصيدة»، وكان قد سبق تقديمه كمسلسل
إذاعى، وعلى الجانب الآخر، كانت لدينا أفلام تدفعنا إلى المقاومة مثل «شىء
من الخوف»، و«أغنية على الممر»، و«الأرض»، بينما أم كلثوم تغنى «أصبح عندى
الآن بندقية».
مشاعر الناس تعيش فى تلك اللحظات المصيرية التناقض الشديد بين الخوف
من القادم والرغبة أيضًا فى تجاوز هذا الخوف بسلاح الإنكار.
ما نتعايش معه الآن هو نكسة أخرى، تستطيع أن ترى شيئًا من ملامحه فى
السينما، لأنها الأكثر مخاطرة، فهى تتحسَّس دائمًا الخطوة القادمة، ولهذا
فإن مشروعات الإنتاج الضخم توقَّفت ولم يتبقَّ سوى الأفلام محدودة
الميزانية، وما يعرض الآن هو بقايا مراهنات سابقة، كانت ثورة يناير فى
بداية تفجّرها تبعث على الاطمئنان للقادم وتحمل الكثير من الطموح قبل أن
يتبدَّد كل شىء، ومن الممكن أن تتابع ترمومتر الأرقام التى حققتها الأفلام
المصرية المعروضة، لتكتشف أنها غير مشجعة وإذا كان «على جثتى» حقَّق رقمًا
معقولًا إلا أنه أيضًا لم يكن لم يأت على قدر التوقع ويبقى فيلم «الحفلة»
لأحمد عز ومحمد رجب وجومانة مراد، الذى لم يستطع أيضًا الصمود فى دنيا
الأرقام.
«على جثتى» تعاقده واضح مع الجمهور وهو الضحك، بينما «الحفلة» يقدم
حالة بوليسية، هل المتفرج يبحث عن فيلم ثورى، أقصد فيلمًا يجد فيه ملامح
حياته الآن بين الأمل الذى انتعش فى بدايات الثورة المصرية ثم خيبة الأمل
التى صارت تسكن قلوب ومشاعر المصريين، عشنا حلمًا عظيمًا أحاله مرسى وأهله
وعشيرته وجماعته إلى كابوس.
الحقيقة أن مشاعر الناس وفى كل الدنيا عند تلقيها الفنون تجدها مزيجًا
من سيطرة اللحظة الراهنة وفى نفس الوقت احتياجًا لكى ترى فى هذا العمل
الفنى كل تفاصيل الحياة الماضية والقادمة، الناس تبحث عن فن مشبع لا يهم أن
يتناول بالضرورة الحدث الساخن، خصوصًا أننا نعيش على مدى عامين ثورة لم
تستطع بعد إقامة هيكل لدولة، المظاهرات والاحتجاجات أصبحت جزءًا من خبز
الناس اليومى.
كل هذه التناقضات تلعب دورًا فى تحديد وتوجيه زاوية الرؤية للفيلم
الذى يتحمَّل بالتأكيد بطله أحمد عز نتائج المخاطرة.
الفيلم يقع فى قالب بوليسى كان السيناريو متوازنًا فى تتبعه للشخصيات،
يؤدّى عز دور الزوج الشرير الذى نكتشف فى نهاية الأحداث أنه خطّط كل شىء من
أجل أن يغتال زوجته «روبى» ويحصل فى نفس الوقت على فدية ويضلّل رجل الشرطة
الذى أدّى دوره محمد رجب.
الفيلم البوليسى أشبه بعلاقة بين قوتَين، إنها لعبة ذكاء على الشريط
بين الأبطال وأيضًا بين الفيلم والجمهور، تمنح المتفرج معلومة يظل يتابعها،
بعد ذلك تثير شكوكه ليتّجه إلى نقطة أخرى ويشعر المشاهد أنه انتصر عندما
يكتشف أن كل رهانه السابق قد جانَبه الصواب، يُهزم المتفرج فيشعر بالانتصار.
فى الفيلم أكثر من شخصية تروى الحدث من خلال وجهة نظرها، لتزداد شهية
المشاهد فى العثور على الحقيقة، كل شخصية تقول شيئًا وتخفى أشياء.
استطاع المخرج أحمد علاء الديب فى هذا الفيلم أن يحافظ على هارمونية
أداء ممثليه والإمساك بالتفاصيل منطلقًا من سيناريو وائل عبد الله، وتصوير
أحمد مرسى، والمونتير المبدع أحمد حافظ، وموسيقى عمرو إسماعيل، وديكور باسل
حسام.. كان دور أحمد عز أصعب، ولكن الجمهور أحب أكثر محمد رجب. وكان هذا هو
دور عمر جومانة مراد التى شاهدتها لأول مرة وهى لا تمثّل!!
«الحفلة» به قدر لا يُنكر من التسلية، ولكنه ينتهى فور انتهاء عرضه،
وهو لم يدّعِ شيئًا أبعد من ذلك، ولكن يبدو أن الجمهور يريد أن يقفز فوق
أسوار التسلية. الناس لا يمكن التكهّن بردود أفعالها، ولكن تستطيع أن ترى
أنهم فى تلك الحظات يميلون أكثر إلى التطرّف فى كل شىء، إما تكون جادًّا
ومخلصًا ليرى نفسه على الشاشة وإما أن تُقدِّم له شريطًا سينمائيًّا ينافس
قناة «التت»!!
مطاردة العاشق!
طارق الشناوي
16/2/2013 11:25 م
بينما احتفى مهرجان برلين قبل أيام بالمخرج السورى المعارض أسامة محمد
بعرض عدد من أفلامه نجد أن دار الأوبرا المصرية كانت قد شرعت فى عرض الفيلم
السورى «العاشق» للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد الأقرب إلى نظام بشار الأسد.
الفيلم إنتاج مؤسسة السينما السورية إحدى أذرع بشار فى السيطرة على
المثقفين، سبق أن تمت برمجة الفيلم ضمن فاعليات مهرجان القاهرة فى دورته
الأخيرة قبل أن تتنبه المديرة الفنية للمهرجان ماريان خورى وتستبعده وهو ما
تكرر للمرة الثانية فى دار الأوبرا.
المهرجانات والتظاهرات السينمائية لا يمكن أن تغضّ الطرف عما يجرى على
أرض الواقع، المهرجانات فى العالم كله صارت تلعب دورا سياسيا فى إفساح
المجال للأفلام التى أيَّدت الثورات باعتبارها واحدة من الأسلحة الناعمة
التى تضرب الطغاة فى مقتل وتدعم الثوار، لم تحسبها المهرجانات فنيًّا هل
هذا الفيلم يستحق أم لا، كانت الحسبة بالدرجة الأولى سياسية.
القرار الذى أصدره على سبيل المثال مهرجانا القاهرة ودبى باستبعاد
الأفلام السورية من المشاركة سواء تلك التى أنتجتها مؤسسة السينما هناك أو
حتى الشركات الخاصة بحجة انتماء مخرجيها إلى بشار أثار العديد من ردود
الأفعال، الثورة السورية هى أكثر ثورات الربيع العربى دموية وهى أيضًا
أطولها عمرًا، بشار لديه دائمًا ذخيرة يطلقها عبر «الميديا» وهكذا وجدنا
محطات فضائية تمولها أجهزة المخابرات ومسلسلات تقف وراءها الدولة، المطلوب
هو أن تصدِّر للرأى العام هذا الوهم بأن سوريا تعيش حياة عادية لا ثورة ولا
شهداء ولا دماء تُراق على الأرض.
آخِر أسلحة بشار التى قرر إشهارها هى الأفلام السينمائية، وهكذا حاولت
الأجهزة التابعة له أن تخترق عددًا من المهرجانات العربية والعالمية بحجة
أن هذه سينما وإبداع وأن الثقافة تعلو على السياسة.. رغم أن الأمر منذ
اندلاع ثورات الربيع أسقط تمامًا هذا الخط الفاصل بين الثقافى والسياسى..
مؤسسة السينما السورية تقف حتى آخِر نفس لتأييد بشار وطوال تاريخها وهى
تستبعد المخرجين الذين لا يعلنون ولاءهم للسلطة، مثل محمد ملص وأسامة محمد
ونبيل المالح ومأمون البنى والراحل عمر أميرلاى كل هؤلاء وغيرهم أبعدوهم عن
الأجندة فأصبحوا يحلِّقون إبداعيًّا خارج السرب.
المؤسسة التى يعمل داخلها أغلب فنانى سوريا تُنزل أشد عقاب بأى فنان
يقف فى صف الجماهير أو حتى يُمسك العصا من المنتصف.
الحقيقة هى أن المخرج عبد اللطيف عبد الحميد واحد من أفضل مخرجى سوريا
ولكنه فى نفس الوقت هو الأقرب إلى النظام.. بشار كان حريصًا على أن تصبح
المؤسسة العامة للسينما التى تضم القسط الوافر من المبدعين هى القوة
العميقة التى يلجأ إليها للسيطرة على المثقفين حتى يضبطوا موجاتهم الفكرية
على إيقاع السلطة.. جاءت الثورة السورية ليعلو الصوت الرافض وتبدأ
المهرجانات العربية والعالمية فى الحفاوة بالأفلام والفنانين المعارضين.
لماذا الآن يقول البعض لا سياسة فى الفن وكل المهرجانات والتظاهرات فى
تلك اللحظات الفارقة تحسبها سياسة؟ فى أول دورة لمهرجان «كان» أُقيمت فى
أعقاب ثورات الربيع العربى 2011 عُرض لمصر فيلمى «18 يوم» و«صرخة نملة»
ولتونس «لا خوف بعد اليوم» والحقيقة أن الأفلام الثلاثة لا تستطيع أن
تعتبرها وبكثير من المجاملة سوى إنها متوسطة القيمة ولكن كانت الإطلالة
بالدرجة الأولى سياسية.. فى العام الماضى عُرض فى «كان» داخل المسابقة
الرسمية فيلم «بعد الموقعة»، وجاء الاختيار كنوع من التحية للموقف السياسى
الذى يتبناه المخرج.
كل المهرجانات الكبرى مثل فينيسيا وبرلين سارت على نفس الدرب كما أن
كل المهرجانات العربية دائمًا ما تختار فى فاعليتها فقط الأفلام التى ناصرت
الثورة ولا تستضيف فى لجان التحكيم أو الندوات والتكريمات سوى الفنانين
المؤيدين للثورة.. قبل نحو شهرين مهرجان «الكاميرا العربية فى روتردام» لم
يكتف بعرض الأفلام الثورية ولكنه أطلق على جوائز المهرجان اسم «الشعب يريد»
بينما الجائزة الكبرى حملت اسم المناضل السورى الراحل باسل شحادة ورَأَس
لجنة التحكيم المخرج أسامة محمد، المغضوب عليه من النظام السورى.
إنها السياسة عندما تفرض إيقاعها على كل جنبات الحياة. إنه ظرف
استثنائى تعيشه الثورة السورية وتلك أيضًا قرارات استثنائية تجعل فيلم
«العاشق» السورى غير مرحَّب به الآن وحتى إشعار آخر!
نقاب أم كلثوم!
طارق الشناوي
16/2/2013 3:43 ص
مَن الذى وضع نقابًا على وجه أم كلثوم فى المنصورة؟ إنهم الثوار الذين
أرادوا السخرية من نظام الحكم الذى يتدثّر بالإسلام ويعتبره مجرد نقاب
وجلباب ولحية.
عدد من الزملاء، وبينهم الفنان الكبير حلمى التونى، أشار إلى أن مَن
قام بذلك هم الذين يكفرون بالفن والغناء والثقافة، رغم أن هؤلاء من المؤكد
لن يكتفوا بتغطية وجهها بل سيقطعون رأسها، لأنهم ببساطة يكفرون النحت كما
فعلها المتزمتون فى سوريا عندما قطعوا رأس تمثال الشاعر أبو العلاء المعرى،
وللتذكرة فقط، الشيخ علِى جمعة مفتى الديار المصرية السابق، الذى يصفه
البعض بالمستنير، كان يحرّم أيضًا النحت، ولكن هذه بالطبع قصة أخرى.
كانت سيدة الغناء العربى أم كلثوم سريعة البديهة لا تترك أمرًا يستحق
السخرية يمر دون أن تدلى بدلوها، ولها الكثير من القفشات التى يتم تداولها
حتى الآن، فقرّر أحفادها فى مدينة المنصورة أن يستخدموا سلاح أم كلثوم
الساحر الساخر فى مواجهة قوى الظلام.
أم كلثوم حافظة القرآن والتواشيح الدينية، كانت هدفًا لهؤلاء، ونالها
منهم الكثير، وتسجيلات الشيخ كشك التى كان يتهكّم فيها عليها لا تزال
متوفّرة فى الأسواق.
نعم، أم كلثوم كانت لوحة التنشين ولا تزال، كما أن الإبداع بكل أطيافه
واقع تحت نيران تلك القوى، وسوف تثبت الأيام أن وزير الثقافة الحالى هو
الاختيار المناسب للحكومة الإخوانية، لتنفيذ أجندة تنقيب الفن، صحيح أن
الرقابة على المصنفات الفنية على سبيل المثال لم تتغيّر فى أسلوب تعاطيها
مع الأفلام السينمائية قبل وبعد تمكين الإخوان، ولا تزال تسمح بالعرض فى
الحدود المتعارف عليها قبل الثورة، ولكن كل ذلك يبدو أنه إلى حين.
لو ألقينا نظرة مثلًا لتظاهرة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى التى
أُقيمت فى شهر نوفمبر الماضى، كان شرط الموافقة يقضى بأن يتم حصار المهرجان
داخل أسوار دار الأوبرا، مما يمنحه قدرًا من الخصوصية بعيدًا عن الجمهور،
ورغم أن هذا الإجراء يتناقض مع معنى وهدف المهرجانات فى كل الدنيا والتى
ينبغى أن تفتح أبوابها للناس، ولكنها تعليمات الإخوان، من الممكن أن نلاحظ
مثلًا أن عرضًا مسرحيًّا تابعًا للدولة وهو «الأبرياء» قررت وزارة الثقافة
قبل أيام إيقافه بحجة الميزانية رغم أن السبب الحقيقى هو أن أبطال المسرحية
فى المشهد الأخير يهتفون بسقوط المرشد.
المعركة بين الإخوان والثقافة والفن لم تشتعل فعليًّا بعد، ولكنى أرى
إرهاصاتها فى الكثير من المشاهد، وهى فى الحقيقة بدأت فضائيًّا من خلال
برامج التوك شو، وسوف تفرض نفسها بعد ذلك على الساحة الغنائية والفنية
والثقافية.. شركات إنتاج ذات توجه دينى ستضع شروطها الرجعية، ستبدأ نشاطها
الفعلى فى الأشهر القادمة.. ولا أستبعد أن تلك الشركات ستجد عشرات من
الفنانين يتعاقدون معها، ما دام أن هناك مَن يدفع.. ويبقى فى المعادلة
الجمهور.. الشعوب هى التى تحدِّد الفن الذى تريده، وهم القادرون على
الإجابة عن هذا السؤال: هل يريدون أم كلثوم بنقاب أم سينزعونه عنها؟!
جاءنى هذا التعليق من الدكتورة نهاد أبو القمصان، ردًّا على مقالى عن
وزير الثقافة، واستأذنتها فى النشر، فقالت لى إنها يهمها أن يقرأ الجميع
هذا الرأى، ليعرفوا مَن هو الوزير الذى يدافع عنه البعض.
أريد أن أحييك على مقال «التحرير» عن وزير الثقافة، لأننا بحق فى حاجة
إلى التذكير، لا سيما أن آفة هذا البلد مع الأسف فى بعض مثقفيها، أنا لم
أكن أعرف هذا الشخص، ولكنى شاهدته قبل بضعة أشهر بينما الدكتورة مرفت
التلاوى رئيسة المركز القومى لحقوق الإنسان، تعنّفه على الملأ وهو يقف
مطأطأ الرأس وكأنه طفل بليد يعترف بذنبه منتظرًا العقاب وبلع تلك الإهانة
على أمل أن تتوسط لدى د.كمال الجنزورى، ليأتى به وزيرًا، شعرت بالعار فى
اختيار هؤلاء الذين تحوّلوا إلى جنود فى حكومة الإخوان، فهذه هى مع الأسف
المعايير التى تريدها دولة المرشد.. لم أسأل الدكتورة نهاد عن نوع التعنيف
الذى لا يتقبّله حتى الأطفال، ولكنى بعد تراجع عرب عن الاستقالة من حكومة
الإخوان بل ونفيه أنه استقال لأسباب وطنية فمن الممكن ببساطة أن تتخيل صابر
عرب فى سبيل بقائه على الكرسى أن يقبل كل شىء ولو أدَّى الأمر، وعلى رأى أم
كلثوم، إلى أن «يبوس القدم ويبدى الندم على غلطته فى حق الغنم»!!
الوزير فوق الشجرة!
طارق الشناوي
15/2/2013 3:50 ص
عدد من المثقفين وجدوها فرصة لكى يصنعوا منه بطلًا وهو فى نفس الوقت
كان يحرص على أن لا يظهر فى أى قناة فضائية أو يدلى بأى حديث صحفى ليقول
رأيًا يُحسب عليه، تركهم يقولون ويفسِّرون ويزايدون على وطنيته المفرطة
بينما هو أمام الإخوان لم يقل شيئًا ضدهم، وأمام المثقفين لم ينفِ شيئًا
مما قالوه عنه، هو فقط عاد قبل يومين لممارسة عمله بهمة ونشاط، عاد الوزير
إلى الشجرة، أقصد شارع شجرة الدر بالزمالك، حيث مقر وزارة الثقافة.
قبل العودة حرص على أن يشير عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية إلى أن
كبار موظفيه كانوا يترجّونه من أجل أن يتراجع بعد أن صاروا يتامى من بعده،
واستمع الجيران إلى صوتهم الباكى وهم يغنون له «إحنا من غيرك ولا حاجة
وناقصنا كام مليون حاجة»، لو راجعت كتابات عدد من المثقفين سوف تجدهم
يزايدون فى الحديث عن الرجل الوطنى الذى لم يرضَ ضميره على سحل المواطن
حمادة صابر وهو يشجب ما حدث أمام قصر الاتحادية من استخدام مفرط للقوة ضد
الشباب الثائر، ولهذا تقدَّم باستقالته، كل هذا أثبتت الأيام أنه مجرد
كلمات لمغازلة الرأى العام بينما الوزير فى الحقيقة كانت حبال الود قائمة
بينه والدولة، وكان يحرص بين الحين والآخر على أن يتم تسريب خبر ينشر فى
الجرائد القومية، يؤكد أنه لم يدل بأى شىء ضد النظام الإخوانى.
صابر عرب مثل أغلب المثقفين سعيد بامتلاكه الكرسى وأمامه بضعة أشهر
أخرى وقد تمتد إلى ما هو أكثر، فلقد تأكد أن رئيس الجمهورية سيبقى على
الوزارة كما هى بالإضافة إلى أن قوى المعارضة لا تمتلك القدرة لإجبار مرسى
على إزاحتها مقابل الجلوس على طاولة التفاوض، ولهذا قرَّر أن يراهن هذه
المرة على مرسى. الوزير طوال الأسبوع الماضى كان فاصل شحن، خارج نطاق
الخدمة، لأن موازين القوى لم تكن قد اتّضحت بعد، ثم اكتشف أن قوة «فولت»
النظام أقوى من «فولت» المعارضة، وتم إيصال كبس الإخوان الكهربائى إليه
فعاد كما هو مبتسمًا منتشيًا، الرجل تعوّد على أن يقيس الأمر بمصلحته
الخاصة وما الذى يحصده من الاستقالة حتى يصر عليها. وسوف تقرأ لعدد من
الكتاب مجددًا وهم يؤكدون أن الرجل كان نبيلًا فى استقالته وكان أكثر نبلًا
عندما تراجع عنها. كتبوا أن الوزير تقدم باستقالته لأنه لم يرضَ أن يُسحل
مواطن فى وزارة ينتمى إليها، فلماذا عاد وحمادة لا يزال يعانى من أعراض
السحل؟ هل اتّضح مثلًا أن النظام باس الواوا لحمادة، فقرر الوزير أن ينسى
الواوا؟الاستقالة دائمًا فى جيب صابر، فعلها قبل ثمانية أشهر عندما وجد
أنها الطريق الوحيد الحتمى للحصول على جائزة الدولة التقديرية، فتقدَّم
باستقالته وأصر عليها من حكومة الإنقاذ الوطنى قبل أسابع قليلة من إعادة
تشكيلها واستحوذ على الجائزة بعد أن أمضى عدة أشهر فى الوزارة يعيد ضبط كل
الأمور فى تفاصيلها لكى يضمن أن تؤول الجائزة إليه وكان على ثقة مطلقة بأن
هناك تواطؤًا من المثقفين على تلك الفضيحة، وعندما عاد وزيرًا وقتها لم
ينتقده أحد وسوف يعتبره بعضهم هذه المرة بطلًا عاد إلى مكتبه، لكى يواصل
معركته فى الدفاع عن المثقفين وأنه سيستمر فى البقاء داخل نفس الخندق..
أغلب المثقفين فى مصر رماديون، هؤلاء يشكلون الخطر الأكبر على الثقافة
والوطن، خطابهم العام المعلن غير ما يفعلونه فى الكواليس. المأساة التى
نعيشها ليست فى الوزير، ولكن فى القطاع الوافر من المثقفين الذين نراهم على
مقربة من السلطة، بينما يحرصون على التصدير للرأى العام صورة أخرى تؤكِّد
أنهم قابعون على الشاطئ الآخر.
المثقفون مع الأسف فى بلادنا لعبوا دورًا فى بقاء فساد مبارك ثلاثة
عقود، لأنهم كانوا قادرين على التعايش مع فساد السلطة فى كل مواقعها
وتفاصيلها، ما دام هناك مَن يدفع ويمنح فهم معها، نفاق مبارك مارسه أغلبهم
والأرشيف مثل قطنة أبلة نظيرة مايكذبش، مواقفهم الآن تبدو أكثر رفضًا
للسلطة الحاكمة، وذلك لأن السلطة نفسها لم تتمكن من السيطرة الكاملة، ولهذا
لا تزال أمامهم مساحة تمكِّنهم من إعلان المعارضة، بينما لو تمكَّنت السلطة
سوف تكتشف أنهم أول مَن سيقومون بتوفيق أوضاعهم وسيصعدون جميعًا مع وزير
الثقافة فوق الشجرة!!
الاختصار القاتل!
طارق الشناوي
10/2/2013 3:42 ص
بمجرد رحيل الفنان القدير محمد العزبى تذكرنا أغنيته الشهيرة «بهية
وعيون بهية» صارت هى تقريبا العنوان الذى تصدر كل الأخبار التى تنعيه
لجمهوره، وفى نفس الوقت تذكّرهم بأشهر أغنية له، رغم أن العزبى أمضى آخر 40
عاما من عمره وهو يسعى لكى يقدم للجمهور أغنية تفوقها شهرة دون جدوى، كأنه
لم يغن طوال حياته غيرها، وهكذا دفع العزبى ثمن النجاح حيا وميتا.
للدواء الشافى أعراض جانبية، والفيتامينات إذا أخذنا منها جرعات كبيرة
تؤدى إلى مخاطر صحية، النجاح الضخم كذلك قد يصبح سببا فى تراجع المبدع،
عندما يجد نفسه قد أصبح مثل من يقفز الحواجز إذا لم يحقق فى القفزة التالية
رقما أعلى يتعثر ويخرج من التسابق!
مثلا الكاتب المغربى الراحل محمد شكرى صاحب رواية «الخبز الحافى» التى
حققت شهرة استثنائية فى العالم، حيث ترجمت إلى 39 لغة ولا تزال تقف فى
الصدارة على مستوى أرقام البيع، كان شكرى يعانى من حالة النجاح المفرط التى
صنعت جبلا شاهقا منع العيون من رؤية أى إبداع آخر برغم أنه كتب «الخبز
الحافى» عام 72 وعاش بعدها 32 عاما محاولا أن يقهر «الخبز الحافى» بأعمال
أدبية تفوقها شهرة وباءت محاولاته بالفشل!
كان الكاتب الكبير يقول متهكما (الأطفال فى الشارع لا ينادوننى شكرى
بل يقولون «الخبز الحافى»). صار بينه وبين الرواية عداء سافر يشعر أنها
تسحقه فيكتب غيرها ليقهرها، فيكتشف أن القراء لا يزالون يسكنهم «الخبز
الحافى»، وانتهت حياته بعد أن قدمت السينما الرواية فى فيلم أخرجه الجزائرى
رشيد بن حاج ومات قبل عرضه بينما عاشت رواية «الخبز الحافى».
كان الشاعر السودانى الكبير الهادى آدم الذى حقق شهرة عريضة فى العالم
العربى قبل أكثر من 40 عاما يرفض أن يُلقى قصيدته «أغدا ألقاك» فى اللقاءات
العامة أصبح معاديا لها بعد أن غنتها أم كلثوم من تلحين محمد عبد الوهاب،
كان يشعر أن هذه القصيدة اختصرت كل دواوينه فى عدد محدود من الأبيات
الشعرية، وكثيرا ما كان يغادر منصة أى حفل يدعى إليه لو أصر الحضور على أن
يلقى إليهم «أغدا ألقاك».
الغريب أن الشاعر الوحيد الذى لا يزال على قيد الحياة ممن تغنت
بأشعارهم أم كلثوم وهو اللبنانى جورج جرداق 90 عاما -أمد الله فى عمره-
الذى رددت له أم كلثوم قصيدته «هذه ليلتى» بتلحين محمد عبد الوهاب بعد أن
كتبها مباشرة بتكليف منها يعيش أيضا نفس المأزق، وهو أن الناس لا تعرف عنه
سوى أنه صاحب «هذه ليلتى» وفى كل لقاءاته الصحفية والتليفزيونية يريدون منه
أن يسمعهم فقط قصة «هذه ليلتى»!
هذا الموقف يعبر أيضا عن وجه آخر للصورة وهو الكسل، لأن الناس تعودت
فى تلقيها للفنون على الاستسهال، كما أن أغلب النقاد يميلون أيضا إلى
اختصار بعض المبدعين فى عمل فنى واحد.
على الفنان فى كل الأحوال أن يتعلم كيف يواجه الفشل، كما أن عليه
ترويض النجاح، يحيى الفخرانى مثلا كان من الممكن أن يظل أسير دوره الأثير
«سليم البدرى» فى «ليالى الحلمية»، ولكنه حرص على أن يقفز بعيدا، ودائما ما
يعبر حاجز النجاح من رمضان إلى رمضان. مأساة النجاح تجسدت بقسوة مع صفية
العمرى «نازك السلحدار» فى «الحلمية»، حيث إنها وصلت إلى نجاح جماهيرى غير
مسبوق فى الشارع ليطلق اسمها لأول مرة على أفخر أنواع البلح فى رمضان، بل
إن ماركة من السيارات صار اسمها «عيون صفية»، ولا تزال صفية حتى الآن تحاول
عبور حاجز «نازك»!
أتذكر أن الراحلة القديرة سناء جميل كثيرا ما كانت تعزف عن إجراء
الحوارات الصحفية بسبب تكرار سؤالها عن دوريها نفيسة فى «بداية ونهاية»
وحفيظة فى «الزوجة الثانية»، كانت تشعر بألم نفسى عندما ترى بعض الزملاء
يحاولون اختصار مشوارها العظيم فقط فى نفيسة وحفيظة. حمدى أحمد أيضا صارت
لديه عقدة من دوره محجوب عبد الدايم فى فيلم «القاهرة 30».
تجاوز النجاح يصبح أحيانا أصعب بكثير من مواجهة الفشل، ولدينا نجوم
كانت آفتهم هى النجاح لا النسيان، كما يقول أديبنا نجيب محفوظ «آفة حارتنا
النسيان».. يبدو أن حارة المبدعين آفاتها هى أن الناس على العكس لا تريد أن
تنسى!
صوت مصر وضوؤها!!
طارق الشناوي
9/2/2013 4:26 ص
كان صوت شادية بأغنيتها «يا حبيبتى يا مصر» هو الضوء الذى سرى فى
وجدان الثوار مع بداية ثورة اللوتس وعاد صوتها مجددا بعد عامين فى نفس
التوقيت، ليضمد الجراح فى بورسعيد وهى تقول «أمانة عليك أمانة يا مسافر
بورسعيد لتبوس لى كل إيد».
أمس كان عيد ميلادها، ليست هناك احتفالية خاصة تقيمها الفنانة
الكبيرة، ولكننا نطل على صفحات من حياتها بعد أن آثرت هى الابتعاد.
تفضل شادية دائما الهدوء، وليس هذا الأمر مرتبطا بقرار الاعتزال الذى
اتخذته قبل أكثر من ربع قرن. شادية بطبعها عزوفة عن أجهزة الإعلام، ولن تجد
فى أرشيفها المقروء والمسموع والمرئى إلا القليل جدا.
وعندما اعتزلت كانت حريصة على أن لا تتورط مثل عدد من الفنانات اللاتى
أعلن أن الفن حرام وتبرأن من أعمالهن الفنية. فقط اعتزلت بلا ضجة ولم تتبرأ
من أى فيلم أو أغنية.
آخر مرة استمع فيها الناس إلى صوت شادية فى أثناء الثورة، حيث إن إحدى
القنوات استغلت مشاعر شادية كأم بل وجدة حتى لو لم تعش تلك المشاعر فى
الواقع، لأنها لم تنجب، إلا أنه قد تم استغلالها لتوجه نداء إلى الشباب
للعودة إلى بيوتهم، هناك من أراد استخدام شعبية شادية لتحقيق مكاسب سياسية،
فهى لم تكن يوما صوتا لأى نظام، بل هى دائما صوت لمصر، فقط أرادت أن توقف
نزيف الدماء فى ميدان التحرير فتصورت أن عودة الشباب إلى بيوتهم هى الحل.
نعم كان صوتها يشد من أزر الثوار طوال 18 يوما حتى رحيل الطاغية، إلا
أن الغناء الوطنى يعبر عن وجه واحد فقط من ملامح شادية.. جمعت شادية بين كل
الأطياف والألوان الغنائية، فسكنت أغانيها القلوب، فمن ينسى صوتها الضاحك
«يا دبلة الخطوبة»، أو صوتها الشجى «ليالى العمر معدودة»، أو صوتها الوطنى
«يا حبيبتى يا مصر»، ثم تناجى الله قبل الاعتزال «خذ بإيدى».. دائما هى
حاضرة معنا فى حياتنا، نعيش معها الحب بكل أطيافه لله والوطن والبشر.
شاركت العديد من كبار المطربين فى أفلامهم محمد فوزى، فريد الأطرش،
عبد الحليم حافظ، كمال حسنى، كان اسمها أكبر من عبد الحليم، ورغم ذلك
ساندته فى أول أفلامه «لحن الوفاء»، وشاركت الوجه الجديد كمال حسنى بطولة
فيلمه الوحيد «ربيع الحب»، لم تتنازل عن القمة، وكانت تقول على الفنان قبل
أن تودعه الأضواء يودع هو الأضواء.. وقدمت عشرات الأفلام التى دخلت ذاكرة
الناس ومن بينها «أغلى من حياتى»، شاركت صلاح ذو الفقار البطولة، وقدما
دورى أحمد ومنى، وانتقل هذان الاسمان من الشاشة إلى الشارع، ودائما ما يردد
الناس فى الشارع تعبير أحمد ومنى على العمل الفنى الذى يقدم علاقات
رومانسية بين حبيبين.
طموح الممثلة شادية لم يعرف الحدود.. كل المطربين والمطربات الذين
سبقوها كانوا حريصين على أن تتخلل أفلامهم أغنيات، ولكن شادية حطمت هذا
القيد بداية من «اللص والكلاب» للمخرج كمال الشيخ الذى قدمته فى مطلع
الستينيات.
مع كمال الشناوى عشنا أهم دويتو عرفته الشاشة المصرية أسفر عن 33
فيلما، وقال لى الفنان الراحل كمال الشناوى إنه ظل حتى سنواته الأخيرة
يتلقى خطابات من معجبين يسألونه عن شادية باعتبارها زوجته، لأنهم صدقوا ما
تقدمه الشاشة، والغريب أن كمال كان قد تزوج من شقيقة شادية السيدة عفاف
شاكر.
ابتعدت شادية عن الفن، ولكنها لم تجرمه أو تحرمه مثل العديد من
الفنانات اللاتى أعلن ذلك، وأتذكر عام 1995 أن مهرجان القاهرة السينمائى
الدولى قرر تكريم شادية ووافقت بعد أن اتصل بها الراحل سعد الدين وهبة رئيس
المهرجان، أبدت شادية موافقة مبدئية، ولكن فى اللحظات الأخيرة تراجعت،
وتردد وقتها أن الشيخ محمد متولى الشعراوى أقنعها بالاعتذار، فاكتفت
بالصمت.
وسوف تلاحظ أن الصمت هو واحد من معالم شادية فى مشوارها الفنى والشخصى،
ولكنها خرجت عن صمتها قبل ثلاث سنوات عندما تردد أن هناك من يسعى إلى تقديم
مسلسل عن مشوارها، وقالت لا أريد لأحد أن يقدم قصة حياتى، وتوقف تماما هذا
المشروع!!
شادية الممثلة أمام الكاميرا تصبح نغمة مرئية، وعندما تغنى تحيل كل
الأحاسيس المرئية إلى نغم يستقر فى الوجدان.. شادية كل سنة وأنت طيبة.
اختفاء وزير الثقافة!!
طارق الشناوي
8/2/2013 3:10 ص
الصحيح أن تقول اختفاء وزير الثقافة فى ظروف غامضة وليس استقالته، ما
فعله الوزير هو أنه أغلق تليفونه المحمول ولم يرد حتى على من يطرقون باب
منزله، يريد إرضاء كل الأطراف ثوارا وإخوانا.. هل حقا استقال صابر عرب من
الوزارة احتجاجا على سحق المواطن حمادة صابر معلنا رفضه حكم الإخوان أم أنه
طلب دعما ماديا من رئيس الوزراء وعندما رفض قرر الاستقالة؟ أم كما قال رئيس
الوزراء تقدم بمذكرة لإعفائه لأسباب صحية؟ هل هو بطل قومى أم أنه كعادته
يقدم إلى المعارضة شقلباظا يرضيها بعد أن كان الشقلباظ الأول لصالح
الإخوان؟ الصمت المريب للوزير يفتح الباب أمام كل الاحتمالات.
عدد من المثقفين قرروا إقامة زفة، فصنعوا منه بطلا، هؤلاء أول من
يعرفون أن صابر ليس هو هذا الرجل الذى ينتفض غضبا لما هو أبعد من مصالحه،
كل مواقفه السابقة تؤكد أنه يسارع باختيار الموقف الذى يحقق مكاسبه إذا وجد
أن المؤشر يقتضى البقاء على الكرسى، فهو لن يتنازل عنه ولو بالطبل البلدى،
وإذا كانت مصلحته تدفعه إلى الاستقالة يفعلها.. سبق واستقال من موقعه كوزير
قبل ثمانية أشهر عندما اقترب موعد إعلان جوائز الدولة التقديرية التى كان
مرشحا لها وشعر بالحرج أن يتسلم الجائزة وقدرها 200 ألف جنيه بينما هو وزير
للثقافة، وللتذكرة فقط الذى يمنح جائزة الدولة عن طريق التصويت هو المجلس
الأعلى للثقافة ورئيس المجلس الأعلى للثقافة هو أيضا وزير الثقافة، أى أن
صابر عرب هو الذى يمنح الجائزة لصابر عرب، ولهذا بعد أن اطمأن على أن
الجائزة آتية لا ريب فيها تقدم باستقالته، وفور حصوله على الجائزة بذل كل
مساعيه لكى يعود مجددا إلى موقعه وزيرا.
الوسط الثقافى يعرف كل ذلك وأكثر، ولكننى أشعر أن المثقفين فى بلدنا
يبحثون عن واحد منهم يتحدى السلطة. الحقيقة أنهم لم يعثروا على هذا الرجل
حتى الآن إلا قليلا، فعلها وزير الثقافة الأسبق د.عماد أبو غازى عندما
استقال من الوزارة قبل عام ونصف العام معلنا رفضه ممارسات الحكم العسكرى
وانتظروا أكثر من مرة أن يفعلها صابر عرب رافضا حكم الإخوان، ناشدوه
وأصدروا بيانات تحثه على تقديم استقالته ولكن تقول لمين، مثلا نقابة
السينمائيين وجبهة الدفاع عن حرية الإبداع أصدرتا كل منهما بيانا قبل شهرين
تطلبان من الوزير على اعتبار أنه صوتهما الرسمى لدى النظام أن يتقدم
باستقالته احتجاجا على طبع مسودة الدستور الإخوانى على حساب الوزارة، ولكن
هيهات، الوزير كعادته التزم بما تمليه عليه حكومة الإخوان وما تفرضه عليه
مصالحه الوقتية، ولهذا طبع المسودة وبدأ فى تبرير موقفه.
فى ختام مهرجان القاهرة السينمائى الدولى -قبل شهرين- أعلن أكثر من
فنان رفضه مصافحة الوزير، لأنه صدى للدولة الإخوانية، مما اضطره إلى إلغاء
الحفل حتى لا يجد نفسه فى مرمى نيران غضب الفنانين والمثقفين، وتصبح فضيحته
بجلاجل، ولكنه أبدا لم يتخذ موقفا، ولم نسمع له رأيا فى وقت كان ينبغى فيه
أن يقول رأىه. عاصر صابر نظام مبارك كرئيس للهيئة العامة للكتاب وأكمل بعد
الثورة وزيرا فى أثناء الحكم العسكرى وانتقل وزيرا فى حكم الإخوان، ودائما
الرجل جاهز لكل الأنظمة، هو فقط يعيد ضبط موجته على التردد الجديد للسلطة.
يقول نجيب محفوظ فى رائعته «أولاد حارتنا»: «آفة حارتنا النسيان»، ولا
أتصور أن المثقفين الذين يمطرون صابر عرب الآن بكل عبارات المديح آفتهم هى
النسيان. المؤكد أنهم يتذكرون تراجعات وشقلباظات صابر، وكيف أنه حصل على
جائزة الدولة التقديرية بعد أن صمت على ترشحه لها وهو وزير، ثم بعد أن
أينعت وحان وقت قطافها الذى تواكب مع موعد تغيير الوزارة، وجد أنه
باستقالته المبكرة أسبوعا أو اثنين لن تفقده شيئا، بل يستطيع اقتناص
الجائزة من دون أن يلحظ أحد. وهو ما يكرره الآن، فهو يرى المظاهرات الغاضبة
التى تطالب بتغيير الوزارة، كما أنه بعد انتخابات مجلس النواب سوف يتم طبقا
للدستور تشكيل وزارة جديدة، فهو ماشى ماشى، ولهذا يتقدم بالاستقالة، بينما
الوسط الثقافى وجدها فرصة لصناعة كذبة كبيرة يصدقونها، وبطلا من ورق يهتفون
باسمه!!
طبيب يقول للعليل عيان وداوينى!!
طارق الشناوي
7/2/2013 4:18 ص
ودعنا أمس آخر ملوك الموال فى عالمنا العربى الفنان الكبير محمد
العزبى. كان الموال هو ترمومتر الغناء فى القرن العشرين، وأغلب الكبار
كانوا يحرصون على اجتياز هذا الامتحان حتى من اشتهروا بالغناء العاطفى مثل
عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم لديهم مواويلهم.
آخر عمل فنى من الممكن أن تتذكره للفنان محمد العزبى هو دويتو «جرح
الحبيب» مع المطربة اللبنانية ديانا حداد.
تغير المذاق الفنى والمزاج العام، وبدأت الأضواء تنحسر، وعشاق الفن
الشعبى الأصيل يتناقصون، حتى جاءه طوق النجاة قبل عشر سنوات بـ«جرح الحبيب»
التى كتبها مصطفى مرسى ولحنها وليد سعد بهذا المذاق الشعبى. فتذكره الناس
ولكن بعد ذلك لم تتكرر التجربة مع أى مطرب آخر وأتصورها سببت له جرحا.
العزبى هو واحد من الدُرر القليلة فى الغناء الشعبى الأصيل، العمل
الفنى يكمن فى التفاصيل وأداء الموال بتلك التفاصيل الدقيقة هى التى تكشف
قدرات المطرب.
بدأ العزبى المشوار فى نهاية الخمسينيات بعد ربع قرن من تتويج محمد
عبد المطلب رائدا للغناء الشعبى والموال، وهكذا بدأ مقلدا له حتى إن
الإذاعة المصرية أرادت اختبار المستمعين وأذاعت أغنية «ودع هواك» بصوتى عبد
المطلب ومحمد العزبى، وسألت عن الأصل والصورة فكانت النتيجة هى أن الجمهور
انقسم وتساوت الكفتان، ولم تمض سوى سنوات ويخرج العزبى من معطف الأستاذ
الكبير محتفظا بمذاقه الفنى الخاص، إلا أنه ظل حريصا على أن يواصل التعلم
فى مدرسة الأستاذ، التى كان من معالمها أن يبدأ الغناء بالموال. امتلك
العزبى ذاكرة تحتفظ بالعشرات من المواويل، وكم تمنيت أن يتنبه أحد إلى
أهمية أن يتم توثيق هذا التراث، ولكن لا أحد كالعادة أعار هذا الأمر
اهتماما.
الحياة منحته صدفتين، الأولى هى أن فرقة «رضا للفنون الشعبية» كانت
تبحث عن مطرب وذلك فى بداية تكوينها مطلع الستينيات، حيث كان المطرب كارم
محمود هو مطرب الفرقة الأول، ولكنه كان يجد صعوبة فى الأداء الاستعراضى،
فكان لا بد من البحث عن مطرب رشيق يستطيع الأداء الحركى بليونة، فكان
العزبى هو هذا المطرب الذى توفرت فيه كل الشروط، واحتفظت له الذاكرة
البصرية باستعراضات مثل «فدادين خمسة»، وأفلام مثل «أجازة نص السنة»،
و«غرام فى الكرنك»، ورددنا معه «لُقْصر بلدنا بلد سواح فيها الأجانب تتفسح/
وكل عام وقت المرواح بتبقى مش عايزة تروح».. طبعا تبدلت الأيام ولم يعد أحد
الآن يذهب إلى الأقصر.
الصدفة الثانية جاءته عندما اعتذر محمد رشدى فى اللحظات الأخيرة عن
غناء «بهية وعيون بهية»، كان رشدى قد غنى عديدا من الأغنيات الشعبية التى
تتغزل فى النساء بداية من «وهيبة» و«عدوية» وصولا إلى «نجاة» و«نواعم»
وغيرها، ولاحظ أن النجاح لم يصادف «نجاة» و«نواعم»، وخشى أن تلقى «بهية»
نفس المصير فتراجع عنها، وعلى الفور قرر بليغ حمدى ملحن الأغنية أن يرشح
لها صوتا شعبيا آخر وهو محمد العزبى، الغريب أن عبد الحليم حافظ عندما
استمع إلى اللحن تمنى أن يقدمه بصوته، وله تسجيل بصوته يسأله الإذاعى وجدى
الحكيم عن الأغنية التى كان يتمنى غناءها فقال له «بهية» بلا جدال.
انتشرت الأغنية فى نجاح غير مسبوق، وصارت مرادفة لاسم العزبى، ما إن
يراه الناس حتى يطالبوه بغناء «بهية».. النجاح الطاغى صار عقدة، لأن الناس
لم تعد تريد أن تستمع إلى أى لحن آخر، فقرر أن يلجأ إلى التراث الموسيقى،
واختار واحدة من أجمل الأدوار وهو «قمر له ليالى» لداوود حسنى، هذا الملحن
المصرى اليهودى ورددها له الناس ولكن ظل لديهم شغف بـ«بهية»، ولجأ إلى هذه
الحيلة وهى أن يرد على «بهية» بالوجه الآخر للملحمة «ياسين»، وبدأت الكلمات
التى كتبها عزت الجندى ولحنها إبراهيم رأفت «قالوا كتير عن بهية/ احكى لنا
عن ياسين»، ولعبت دورا عكسيا، حيث إنها كانت تذكرهم بالجزء الأول «بهية
وعيون بهية»، وكلما شارك فى حفل وغنى «ياسين» اكتشف أنهم ينتظرون أن ينتهى
من «ياسين» على وجه السرعة من أجل «بهية».
ورغم ذلك فأنا على المستوى الشخصى أحن أكثر لمواويل العزبى وإليكم
هذه: «طبيب يقول للعليل عيان وداوينى/ قال العليل للطبيب وأنا مين يداوينى/
أنا جايلك يا صاحب الدوا علشان تداوينى/ أتاريك فى جرح الهوى بتقولى داوينى/
قوم يالله بينا سوى/ نزرع تقاوى دوا يشفيك ويشفينى»! كأنه يصف حالتنا بين
الطبيب والعليل.. جبهة الإنقاذ والنظام الإخوانى!
أحمد حلمى لم يُخط العتبة!!
طارق الشناوي
2/2/2013 4:44 ص
فى السنوات الأخيرة نرى أحمد حلمى وهو يتمرد على القيود التقليدية
التى تكبل نجوم الشباك.. الحقيقة أنه بقدر ما يبدو أن النجم الجماهيرى
يتمتع بحرية فى اختيار السيناريو والأبطال المشاركين وأسلوب الدعاية وحتى
من يعمل فى بوفيه الشاى فإنه مقيد تماما بهاجس اسمه الإيرادات. الرقم هو
الذى يفرض سعره فى السوق، ولهذا يحرص النجوم عادة على تقديم نفس البضاعة
المتعارف عليها للجمهور حتى يضمنوا ذهابه إليهم.
حلمى هو أكثر نجوم هذا الجيل قدرة على التنوع فى الاختيار لأن بداخله
يكمن ممثلا يتوق إلى أن يسترد حريته وينطلق ويمثل.
أفلامه الأخيرة لو استبعدنا «بلبل حيران» سنجد أنه يختار الفكرة التى
تحمل ثراء إبداعيا مثل «آسف على الإزعاج» و«ألف مبروك» و«عسل أسود» و«إكس
لارج».
رأيناه يمتزج فى فيلمه «إكس لارج» 2011 مع المخرج المخضرم شريف عرفة
ويضع طوال الأحداث «ماسك» على وجهه ويأتى إلى فيلمه الأخير «على جثتى»
ليقدم مخرجا سينمائيا لأول مرة محمد بكير الذى شاهدنا له العديد من
المسلسلات الدرامية الناجحة وقدم أيضا المؤلف تامر إبراهيم الذى شارك فى
كتابة أكثر من مسلسل، النجم يتحمل المسؤولية فى الاختيار خصوصا أن حلمى
يشارك أيضا هذه المرة فى إنتاج الفيلم فهو المسؤول أدبيا وماديا.
إنها مغامرة بكل المقاييس أن يقدم دور رجل ميت أو على وجه الدقة مصاب
بغيبوبة ويعيش فى رحلة بين الحياة والموت ويبدأ خلال ذلك اكتشاف نفسه،
الكثير من الأفلام تعرضت لتلك الحالة سواء أكان البطل انتقل بالفعل إلى
الرفيق الأعلى أم لا يزال يقف فى منتصف الطريق، شاهدت مثلا قبل 14 عاما
فيلم «الحاسة السادسة» بطولة بروس ويلز وإخراج نايت شيام آلان وكان الفيلم
مرشحا لأكثر من جائزة أوسكار.. تلك الأفلام تلعب فى مساحة داخل الإنسان وهى
الرغبة فى اكتشاف العالم الآخر، السينما الأجنبية لا تخشى أن نكتشف فى
النهاية أن البطل ميت وتبدو علاقة هؤلاء بالحياة أنهم يتابعون الناس ولكن
لا أحد يراهم، بينما السينما المصرية تعمل ألف حساب للجمهور الذى لا يرضى
عادة بموت أبطاله.
إنها تبدو مثل الدور الثانى أو الملحق فى الامتحان عندما تفشل فى
تحقيق الدرجة فى عمرك الزمنى الأول تشعر برغبة فى تحسين المجموع، هكذا أرى
بطل الفيلم أحمد حلمى رجل الأعمال مهندس الديكور الذى يخاصم روح الحياة
مصاب بداء الشك، لديه إحساس أن الجميع لديهم أطماع وأهداف أخرى دنيئة
ويريدون استغلاله وهو دائما مكروه من الدوائر القريبة منه لأنه لا يجيد
التعامل مع الآخرين إلا باعتبارهم مجرد أدوات لتحقيق مصالحه، فهو لا يصنع
أبدا جسورا للحب والتواصل معهم كما أنه داخل أسرته الصغيرة المكونة من
زوجته التى أدت دورها غادة عادل وابنه الصغير يبدو أشبه بآلة صماء بلا
مشاعر.
الفيلم لا ينسى بالطبع أن الجمهور قطع التذكرة من أجل أن يضحك وبين
الحين والآخر تجد بالفعل ضحكة تأتى أحيانا على حساب عمق الفكرة، الحياة فى
العالم الآخر تفتح الباب للخيال لكى يضيف الكثير لما نراه عادة فى الأفلام
التى تجرى أحداثها على أرض الواقع، ولكن السيناريو يبدو أمامنا وهو يستسلم
للحلول التقليدية، كان عليه أن يقدم عالما موازيا ولكنه فى الحقيقة استسلم
تماما لعالم الواقع وبدا الأمر وكأن ما نراه فى السماء مجرد امتداد لما
عشناه على الأرض.
الفكرة تنبئ تفتح شهيتنا لمغامرة ولكن السيناريو لم يستطع أن يرنو إلى
تفاصيلها، نشاهد مثلا تكرار البصق على صورته أو ضربه بالأحذية من قبل
العاملين معه وتلك الصفعات التى ينهال بها كلما أفاق من الغيبوبة على ابنه
وزوجته تبدو فقط مجرد إيفيه لإثارة الضحك وبعضها زادت فيه الجرعة وفشل فى
إضحاك الجمهور.
العاملون فى شركته قدمهم السيناريو بلا ملامح وكأنهم مجرد ديكور.
أتوقف بإعجاب أمام أداء المخضرم حسن حسنى ونضجت غادة عادل كثيرا فى شخصية
الزوجة الخاضعة الراضية المستكينة.
«على جثتى» مغامرة أخرى لحلمى لم تكتمل عناصرها فلم يتواز الديكور
والموسيقى والتصوير والإضاءة والمؤثرات لخلق هذا العالم السحرى، حلمى وقف
على الباب ولم يتخط العتبة!!
قبل الفاصل
الإخوان والرقص على إيقاع دوللى!!
ماذا لو امتد بهم العمر؟
طارق الشناوي
1/2/2013 4:30 ص
كثيرا ما أسأل نفسى ماذا لو امتد العمر بهؤلاء المبدعين الذين غادروا
دنيانا وكنا ننتظر منهم المزيد، أتذكر أننى سألت الموسيقار الكبير كمال
الطويل عن الراحل عبد الحليم حافظ، وكان الإعلام يحتفل بعيد ميلاد عبد
الحليم السبعين، فلقد رحل عام 77 عن عمر 48 عاما. قال لى الطويل «من المؤكد
إنه كان سيقدم الفيديو كليب بأسلوب حليمى المذاق»، أدلى الطويل بهذا الرأى
عام 99 فى عز الهجوم الضارى الذى كان يشنه الإعلام على تلك الأغنيات وكان
يصفها بالبورنو كليب. كمال الطويل كانت لديه القدرة أن يقرأ كيف يفكر عبد
الحليم الذى لا يمكن أن يخاصم الزمن. وأضاف «أتصور أن اللون الغنائى الذى
يقدمه كاظم الساهر الآن كان عبد الحليم سيطوره ليصبح لائقا عليه». وسألته
عن الملحنين الذين سيتعاون معهم أجابنى «سيأخذ أنغاما من رياض الهمشرى
وصلاح الشرنوبى ومحمد ضياء وزياد الطويل»، أضاف «عبد الحليم كان يبحث دائما
عن النبض الجديد الذى يحمل قدرة على الانتشار».
كثير من المبدعين رحلوا فى ذروة العطاء، سيد درويش مثلا لم يتجاوز 32
عاما بعد أن أحدث ثورة غنائية لا تزال تشكل حجر زاوية فى الإبداع الموسيقى
الشرقى، الشاعر التونسى أبو القاسم الشابى، 28 عاما، صاحب بيت الشعر «إذا
الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر»، الذى كان بمثابة الوقود
الذى حرك الشعوب العربية لتنتزع حريتها فى ثورات الربيع. موتسارت رحل وعمره
32 عاما وترك لنا كل هذا السحر، مارلين مونرو 36 عاما، عاطف الطيب، 49
عاما، أحمد زكى، 55 عاما، وغيرهم من المبدعين الكبار، كثيرا ما نعتقد أن
هؤلاء لم يكتمل بعد مشوارهم الفنى وكان بداخلهم رسالة إبداعية لم يمهلهم
القدر استكمالها. الفنان يولد وبداخله طاقة إبداعية مرتبطة بمرحلة زمنية
يقدم من خلالها كل ما لديه، ويأتى بعد ذلك الرحيل أو الانطفاء، ولهذا نجد
أن البعض يتوهج فنيا فى سنوات مبكرة من عمره وبعدها يخبو الوهج ويتضاءل
الإشعاع ويخفت البريق.
الرحيل المبكر يلعب دوره فى تجسيد الأسطورة، وهكذا مثلا تبقى مارلين
مونرو وجيمس دين وأسمهان وحليم فى ملامح الشباب.
قرأت قبل أيام تحقيقا عن سعاد حسنى التى أتمت يوم 26 يناير عامها
السبعين، وبهذه المناسبة سأل محمد علوش محرر مجلة «الكواكب» عددا من كتاب
السيناريو عن سعاد، وما الدور الذى كانت ستلعبه؟ كل منهم اقترح دورا وبعضهم
قال إنه سيترك سعاد تختار، الحقيقة أن سعاد كانت تفكر جديا فى الابتعاد آخر
أفلامها «الراعى والنساء» لم تكن راضية تماما عن الشاشة برغم أنها حصلت
وقتها على جائزة مهرجان الإسكندرية عن دورها. سعاد لم تكن أبدا من الفنانين
الذين يحرصون على البقاء فى الخريطة الفنية لمجرد الوجود، كما أنها كانت
حريصة على أن تظل هى سعاد التى نعرفها وربما آثرت الاختفاء فى سنواتها
الأخيرة والإقامة فى لندن لتبتعد عن عيون الناس، بعد أن كان الزمن قاسيا
على ملامحها، ولهذا لا أتصور أنها كانت تفكر فى العودة إلى الشاشة.
الفنان ينضج داخليا مع الأيام هذه حقيقة، ولكن البعض لا يصالح الأيام،
سعاد أرادت أن يتوقف بها الزمن، بينما أحمد زكى على الجانب الآخر تصالح مع
الزمن، عند رحيله كان قد اتفق على بطولة خمسة أفلام منها «رسائل بحر»
و«المسافر»، الذى كان اسمه فى البداية «من ظهر راجل»، وكان يفكر أيضا فى
أداء شخصية عبد الحكيم عامر وغيرها، الفنان يقاوم بالفن، الخوف من انتهاء
الرصيد يدفعه إلى المواجهة بالمزيد من الأحلام الفنية، وهكذا مثلا أحمد زكى
كان حريصا حتى اللحظة الأخيرة على أن يتحدى اقتراب النهاية بالوقوف مجددا
أمام الكاميرا.
أحمد على النقيض من سعاد كان متوافقا مع الزمن، وسيؤدى كل الشخصيات
التى من الممكن أن نقرأ من خلالها عمره الزمنى.
ماذا لو امتدت بهم الحياة؟ عبد الحليم مثلا كان سيصبح عمره 84 عاما،
وديع الصافى تجاوز التسعين ولا يزال يغنى، عبد الحليم لم يكن سيكتفى
بالغناء ولكنه سيتطلع لشاشة السينما من أجل أن يلاحق الزمن ليلعب بطولة
فيلم يصوَّر بتقنية الأبعاد الثلاثية؟!
التحرير المصرية في
01/02/2013 |