من خلال هذا اللقاء الذي جمعنا بالإعلامي و الناقد السينمائي المصري
''أشرف البيومي'' سنعود إلى تفاصيل المشهد السينمائي أيام ثورة يوليو 1952
مرورا بأهم الإنتاجات التي أثرت المكتبة السينمائية حينها بفضل محاولات
الكتابة والإخراج وصولا إلى واقع الإنتاج السينمائي الوثائقي بعد ثورة 25
يناير 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس محمد حسني مبارك وأعلت كلمة الفرد
المصري، و حققت المهم والأهم رغم تأثر الإنتاج السينمائي -المنقسم لكتلتين-
الذي أعلن عن ميلاد جيل جديد من المخرجين، وفي حديثه للجزيرة الوثائقية
أشاد ''البيومي'' بالدور الكبير والريادي الذي قامت به الجزيرة و نجاحها في
نقل أحداث الثورة و تأريخها فيلميا وتأسيس مرجعية توثيقية لأحداث الربيع
العربي وثورة مصر جزء من ذلك.
·
في البداية كيف انعكست ثورة
يناير 2011 على المشهد السينمائي بمصر الذي يتميز بتجاذبات سياسية
وإيديولوجية تؤثر على أهل الفن ؟
التأثير السلبي الذي انعكس على السينما المصرية بعد ثورة شباب 25
يناير2011، أدى إلى إغلاق دور السينما مما نتجت عنه خسائر فادحة لشركات
الإنتاج السينمائي التي تأثرت أيضا بسبب أحداث كنيسة القديسين في
الإسكندرية قبل الثورة مباشرة، و بعدها جاءت ثورة شباب يناير لتزيد من
خسائر إيرادات الأفلام، حيث قدرت غرفة صناعة السينما خسائر الفن السابع
المصري في هذه الفترة بنحو 20 مليون دولار أمريكي، إلا أن هذه الخسائر التي
تكبدتها السينما المصرية لا تقاس أمام المكاسب والنتائج الطيبة المشرفة
التي حققتها الثورة، وتفاعل معظم السينمائيين مع أهدافها واشتراكهم الفعلي
في تحقيق نتائجها الإيجابية كان أكبر، فلم تنفصل السينما يوما عن ممارسة
الحقوق المشروعة للشعب المصري، وتأييد ثورته سواء بالاشتراك الفعلي في
حوادثها أو بإنتاج الأفلام التي تدعو إليها، أو تلك التي تبرز أحداثها
وتصور وقائعها، ذلك أن القطاع السينمائي هو الجزء المجسد للأحلام الشعبية
بصورة مرئية على الشاشة، فثورة يوليو 1952 لم تكن مجرد ثورة فقط ولكنها
امتدت بين 1952- 1970 كمرحلة كلاسيكية، وقد شاركت السينما المصرية فيها
بأنماط تعبيرية تعكس أوضاع المجتمع المصري في ذلك الوقت.
·
بعد أن أنجبت ثورة يوليو 1952
خيرة السينمائيين هل سيقود التغير الآني في المجتمع المصري إلى ميلاد جيل
جديد من السينمائيين بعدما أرخ السابقون لتلك المرحلة من تاريخ مصر
سينمائيا ؟
نعم بالطبع، فقد ولد مع الثورة جيل من السينمائيين بأفلامهم مثل يوسف
شاهين، كمال الشيخ، عاطف سالم، حلمي حليم، توفيق صالح و السيد بدير حسين
كمال وحسام الدين مصطفي إضافة إلى انضمام مجموعة من الضباط الشبان من قادة
حركة الضباط الأحرار إلى صناع السينما مثل عائلة ذو الفقار ويوسف السباعي
لتشهد السينما حينها بداية مرحلة الوعي السياسي بأعمال تؤكد حدوث تغييرات
في المجتمع المصري حتى في الكوميديا وأهمها أفلام فطين عبد الوهاب، حيث كان
الفيلم السياسي وقتها يعتبر المنهج الوحيد للتعبير عن تغيرات المجتمع
المصري فظهرت أفلام فتوات الحسينية سنة 1953، وصراع في الميناء 1956
ليوسف شاهين وأرضنا الخضراء 1956 لأحمد ضياء الدين، كما عرفت السينما
المصرية بمشاركة كبار الكتاب والمؤلفين المشهورين وعلى رأسهم الراحلان يوسف
السباعي وإحسان عبد القدس ونجيب محفوظ إنتاج العديد من الأفلام التي عبرت
عن هذه الثورة وقام بإخراجها مخرجون كبار وهنا أذكر فيلم "الله معنا"
للمخرج أحمد بدر خان وفيلم رد قلبي1957 للمخرج عز الدين ذو الفقار وفيلم
في بيتنا رجل لهنري بركات ويعد من الأعمال المتميزة حول بطولات الشباب
المصري المدني في مقاومة الاستعمار، وقد ركزت هذه الأفلام علي فساد الحكم
الملكي الذي قامت ضده الثورة، لإيصال عدة رسائل لكل فئات الشعب المصري
المختلفة حول مزايا الجمهورية الوليدة
.
شهدت تلك المرحلة حركة لنقد كل ما حدث مع نظام الحكم الملكي المصري
قبل ثورة يوليو، قبل أن ينقلب أنور السادات سينمائيا ثم ينقب سياسيا على
نظام عبد الناصر بعد موته بصورة مباشرة من خلال مجموعة من الأعمال التي
أصبحت من علامات السينما المصرية مثل " الكرنك "1975 للمخرج علي بدرخان، عن
قصة لنجيب محفوظ، وسيناريو وحوار ممدوح الليثى، ومن بطولة مجموعة من نجوم
الصف الأول كسعاد حسني وكمال الشناوي وفريد شوقي، و أعطي صك النجومية لكل
من نور الشريف، ويونس شلبي ومحمد صبحي. ويحكي الفيلم عن حالة الاستبداد
السياسي والفكري، والتعتيم الإعلامي الذي انتهجه عبد الناصر، وعلى درب
الكرنك كانت هناك أفلام أخرى مثل "احنا بتوع الأتوبيس" 1979، الذي تدور
أحداث الفيلم حول التعذيب الذي كان يحدث في مصر خلال حقبة الستينات، وهو عن
قصة حقيقية في كتاب "حوار خلف الأسوار" للكاتب الصحفي جلال الدين الحمامصي،
وفيلم "وراء الشمس" 1978 الذي يؤرخ لفترة ما بعد الهزيمة العسكرية المروعة
في يونيو 1967، ويبدو أنه من السمات الأساسية لسينما الجمهورية المصرية
الأولي هو إساءة رؤساء هذه الجمهورية لمن سبقهم حيث يشجع نظام حسني مبارك
صناع السينما على الإساءة إلى السادات ونظام الانفتاح الاقتصادي بل
والترويج إلي الآثار السلبية لانتصارات مصر في حرب أكتوبر 1973 ومن أبرز
هذه الأعمال " البريء" 1986 الذي يتحدث عن الحرية بمعناها الشامل، وذلك
عن طريق إظهار لمحات من الفساد السياسي في مصر بعد سياسة الانفتاح،
وبالتحديد خلال الفترة المسماة بانتفاضة 17 و18 يناير 1977، كما أن الفيلم
يتحدث عن فكرة تحول الإنسان إلى آلة مبرمجة من أجل خدمة سلطة معينة.
·
بالانتقال إلى ثورة 25 يناير
2011 ترى أن هذه الأخيرة ليس لها أب واضح حتى الآن هل هذا الرأي راجع إلى
الانقسام في الإنتاج السينمائي الوثائقي والعمل التوثيقي ؟
بالفعل هناك انقسام في الأفلام المصنوعة عن ثورة يناير إلى كتلتين
أساسيتين، الأولى تضم الأفلام التي أنتجتها شركات إنتاجية سينمائية تُعنى
بالأفلام الروائية أو الوثائقية ومؤسسات العالمية على رأسها المحطات
التلفزيونية و بعدها تأتي الصحف المعروفة والهيئات الحكومية، و الكتلة
الثانية تضم الأفلام "المستقلة" التي أنتجها أفراد سواء كانت فقيرة انتاجيا
أو توفر لها تمويل جيد عبر شركات إنتاج سينمائية، و الاختلاف بين هذين
الكتلتين لا يقتصر على مدى حجم الانتاج واحترافيته، و هنا يجب المقارنة بين
الكتلتين.
فالأفلام الروائية لا يمكن ذكر الكثير عنها لأنها معدودة ومحدودة
الطموح حتى الآن فهي حاليا لا تعد على أصابع اليد الواحدة، أبرزها ''18
يوما'' وهو عبارة عن 10 أفلام لعشر مخرجين و''بعد الموقعة'' والعملين عرضا
في مهرجان كان السينمائي الأول في اطار قسم خاص للسينما المصرية والثاني
أعاد مصر إلى المسابقة الرسمية للمهرجان بعد غياب أكثر من 20 عاما، كذلك
لأول مرة تقريبا يعرض فيلم وثائقي طويل مكون من ثلاثة أفلام قصيرة في دور
العرض السينمائي العامة، المخصصة للأفلام الروائية، مع العلم أن دور العرض
العامة تشهد أحيانا عرض بعض الأفلام الوثائقية في إطار مهرجان، أو حدث
ثقافي ما، ولكن المختلف هنا هو أن الفيلم الذي يحمل عنوان "الطيب والشرس
والسياسي" لتامر عزت، أيتن أمين وعمرو سلامة، أنتج خصيصا لهذا الهدف وهو
العرض العام، كما أن منتجه محمد حفظي واحد من منتجي الأفلام الروائية
المعروفين في الساحة السينمائية المصرية الآن، أما بالنسبة للأفلام التي
أنتجتها هيئات حكومية مثل هيئة الاستعلامات أو المركز القومي للسينما في
مصر فليس هناك ما يمكن ذكره، فقد أثبتت هذه الهيئات الرسمية خصومتها للثورة
وولائها المطلق للنظام المخلوع منذ اليوم الأول لقيامها، وحتى بعد شهور
طويلة من سقوط النظام. ومن المذهل أن نعرف أن كلا الهيئتين لم ترسلا
كاميراتها إلى الميادين لترصد أهم حدث في تاريخ مصر الحديث!
·
هذا الكلام يقودنا حتما للحديث
عن دور الإعلام، قلت في العديد من اللقاءات والمحاضرات التي ألقيتها أن
''الجزيرة الوثائقية'' كانت السباقة و الرائدة في التعامل مع ثورة يوليو
أليس كذلك ؟
صحيح و إلى جانب أفلام "الجزيرة الوثائقية"، هناك ''البي بي سي''،
والتلفزيون المصري، فالجزيرة كانت أكثر القنوات اهتماما بتغطية الثورة في
مصر يوما بيوم، ساعة بساعة، وبالإضافة للمواد التي صورها مراسلوها شارك عدد
كبير من المشاهدين بإرسال مواد إلى القناة لبثها، و هذا جعلها تمتلك أرشيفا
كبيرا من المواد المصورة التي تؤرخ للأحداث القديمة والمعاصرة، هذه الغزارة
من الصور، والقدرة الإنتاجية الكبيرة والطريقة التي تعمل بها قناة "الجزيرة
الوثائقية" من شراء ودعم الأفلام التي تنتجها شركات صغيرة مكنها من تنفيذ
مشروع شبه متكامل لتغطية الثورة المصرية فيلميا، من خلال تقسيمها إلى
موضوعات ووحدات وأفكار هي الأقدر حتى الآن على استيعاب هذا الحدث العظيم،
مع العلم أن حدثا بحجم الثورة المصرية لا يمكن لأي فيلم مهما بلغ زمنه أن
يستوفي كل جوانبها، ولا حتى عشرات الساعات والأفلام، ومن المعروف أن كل
فيلم يحتاج إلى بؤرة مصغرة وخيطا أساسيا تلتف حولهما المشاهد واللقطات، وهي
الفضيلة التي غابت في معظم الأفلام التي شاهدتها عن الثورة، خاصة المستقلة،
و بالتالي الخبرة والاحترافية التي تتسم بها أول قناة وثائقية ناطقة باللغة
العربية ساهمت في إنقاذ الأفلام التي أنتجتها من هذا الفخ، لا يعني ذلك أن
كل إنتاجها على نفس المستوى من الجودة الفنية أو التماسك البنائي، لكن على
الأقل من ناحية الشكل والبناء العام للأفلام فهي الأكثر تماسكا وجودة، وهنا
يجب أن أشير أيضا إلى واحد من أوائل الأفلام التي صنعت عن الثورة، وهو
التقرير الفيلمي "الثورة الضاحكة" الذي أنتجته قناة "بي بي سي العربية" بعد
أيام من تنحي مبارك، فبالرغم من أنه تقرير إخباري تلفزيوني من الناحية
الوظيفية إلا أنه أقرب لطبيعة الفيلم الوثائقي النموذجي أكثر من كثير من
الأفلام التي صنعت عن ثورة يناير.
·
هل هذا يعني أن ''الجزيرة''
تعاملت مع الثورة المصرية بالكم والكيف وأوفتها حقها؟
كيف لا و "الجزيرة" أنتجت أزيد من ثلاثين فيلما عن الثورة المصرية
منها عشرون فيلما في شكل أجزاء أو حلقات متصلة بعنوان "يوميات الثورة
المصرية"، وفيلم من ثلاثة أجزاء بعنوان "الطريق إلى التحرير"، وفيلما من
جزئين بعنوان "من سيحكم مصر" عن انتخابات الرئاسة المصرية، و أفلام أخرى
تتحدث مثلا عن دور النساء في الثورة أو تأثير الفيس بوك عليها، ومن أهم
الأعمال التي يجب ذكرها «الطريق إلى التحرير» للمخرج «محمد ممدوح» و فيلم
«يوميات الثورة المصرية» الذي يتوزع على عشرين مخرجا، هي أعمال بمستويات
متفاوتة، لكن فيلم «الطيب والشرس والسياسي» من أفضل الأعمال إضافة إلي فيلم
«مولود في 25 يناير» لمخرجه «أحمد رشوان» الذي يعد من أفضل الأفلام في هذا
المجال أيضا، وهنا أذكر أيضا بعض الأفلام التي أنتجت و عبرت عن ثورات
الربيع العربي انطلاقا من «موقف البوعزيزي» في تونس، ولكن الكتب حول هذه
الأفلام لم تصدر بعد وصدرت مقالات متعددة نشرت في المواقع والصحف وأحيانا
نوقشت هذه المقالات في بعض الندوات والمهرجانات السينمائية، ضمن منشورات
مهرجان الإسماعيلية للأفلام الوثائقية والقصيرة في دورته رقم 15 هذا العام،
فقد صدر كتاب «أفلام الثورة» للناقد السينمائي «عصام زكريا»، غير أن هذا
الكتاب له علاقة ببعض الأفلام التي أنتجت في مصر فقط، لكن تبقى الحاجة ملحة
لتعميم مثل هذه المبادرات على المستوى العربي لتشمل أفلام أخرى رغم قلتها،
فنتمنى أن تكون هناك في المستقبل كتب أخرى تتطرق إلى أفلام الثورة وتفيها
حقها من خلال التعامل مع الأفلام أولا ثم التعامل مع القارئ ثانيا.
الجزيرة الوثائقية في
14/03/2013
السينما العربية القادمة من المهجر.. إلى أين ؟؟
صلاح سرميني ـ باريس
في بداية الثمانينيّات، كان الكثير من السينمائيّين العرب ينجزون
أفلامهم في إطار "الفرانكوفونيّة"، أو اتفاقيّات التعاون السينمائيّ ما بين
فرنسا ـ وأوروبا بشكلٍّ عام ـ والدول العربية، وقتذاك، كُنا نتحدث عن
إنتاجٍ مُشترك لسينمائيين يعيشون فترةً مؤقتةً في بلدان الهجرة، أو
بالتناوب ما بين إحدى الدول الأوروبية، وبلدانهم الأصلية.
خلال التسعينيّات، وبعد أن كبر أبناء المهاجرين القُدامى، ظهر جيلٌ
جديدٌ من السينمائيين الذين وُلدوا في أوروبا، واخترقوا عتبات المشهد
السينمائيّ الأوروبيّ بصفتهم مواطنين، وليسوا مهاجرين...ولكن، في نفس
الوقت، اكتسبت أفلامهم ـ بدون أن يسعوا إلى ذلك ـ جنسيات البلدان الأصلية
لعائلاتهم بعد أن استقطبتها المهرجانات العربية كأمرٍ واقعٍ أمام قلّة
الإنتاج السينمائيّ العربيّ.
وبعد مداخلاتٍ نقدية خجولة، ومتباعدة، فرضت تلك الإنتاجات نفسها، حتى
بدأنا نتغاضى، أو نتناسى جهة التمويل، ونمنح أفلاماً إسرائيلية ـ أو
بمُساهمةٍ إسرائيلية ـ جنسية المخرج الأصلية : إيليّا سليمان، ميشيل خليفي،
علي نصار، توفيق أبو وائل،....
ومع أنّ البعض حسم هذا الالتباس منذ زمن، إلا أنني لم أستطع التعايش
معه بعد، ومازلتُ مُقتنعاً بجنسية الفيلم انطلاقاً من مصادر تمويله
الرسميّة، بغضّ النظر عن الوضع الحاليّ للمخرج، أو أصوله العرقيّة، ويكفي
بأن تكون كلّ العقود، والاتفاقيات موجودة بكاملها في بلد الإنتاج الغربيّ،
ولن نعثر على وثيقة رسمية واحدة تُثبت مساهمةً ما من البلد الأصليّ للمخرج،
أو بلد عائلته، وأجداده،....وتأريخاً، سوف تُدرج تلك الأفلام في قوائم بلد
الإنتاج الحقيقيّ.
وبما أنّ الإنتاج السينمائيّ العربيّ يتناقص يوماً بعد يوم، فقد رضيّ
السينمائيّون، والنقاد، وصُنّاع السينما العربية ـ عن مضضّ، أو اقتناع ـ
بالأمر الواقع .
ولو كان الإنتاج السينمائيّ الوطنيّ في حالة ازدهارٍ مستمر، لما بحث
مدراء المهرجانات، ومنظمّوها عن انتاجاتٍ أجنبية لمخرجين من أصولٍ عربية كي
يدرجوها في مهرجاناتهم.
ومن خلال هذا الاختطاف والتدوير، والتحوير، فقد منحنا السينما العربية
امتيازاتٍ لا تستحقها، وقدمنا لها أفلاماً لم تسعَ أبداً إلى إنتاجها،
ولكنها تبنتها بدون أن تكون طرفاً فاعلاً في ظهورها إلى النور.
ويكفي اليوم بأن نفتح دليل أيّ مهرجان عربيّ، ونُحصي عدد الأفلام
المُنتجة أوروبيّاً مقارنةً مع تلك القادمة فعلاً من البلدان العربية، كي
نكتشف حجم المصيبة التي تُعاني منها السينما العربية، وما سوف تُعانيه
مستقبلاً .
إعادة التدوير هذه لصالح السينما العربية، تقدم لنا أكثر من استنتاجٍ،
وأكثر من تساؤل
:
ـ تعكس صورة جميلة، وخادعة للمشهد السينمائيّ العربيّ.
ـ تحوّل أنظارنا عن واقعه الحقيقيّ.
ـ تُظهر صورة خادعة عن حجم إنتاجه، ومستواه النوعيّ.
ـ
تمنح بعض الخدر، والاكتفاء.
ـ
تُفقدنا الرغبة بالتمرّد على الأوضاع السائدة.
ـ تُلهينا من الحديث عن واقع السينما العربية.
ـ تُوهمنا بأنها في أوج ازدهارها، ونشاطها.
وعندما نتساءل عن مصادر التمويل، سوف يتكشّف لنا بأنّ السينما العربية
الوطنية لا تُنتج نصف العدد الذي تقترحه المهرجانات العربية.
وأمام الإحباط المُتواصل للسينمائييّن العرب في الداخل، تصبح الهجرة
السينمائية حلاً مؤقتاً، أو دائماً، وتتوجّه أنظار آخرين نحو أيّ تمويل،
وسنةً بعد أخرى، يتسرّب الإبداع السينمائيّ إلى الخارج، وتبدأ المؤسّسات
الغربية، الحكومية، والخاصّة، بدعم، ومساندة المشاريع السينمائية المُلائمة
فكرياً لتوجهاتها، وسياساتها الثقافية، التعليمية، التربوية، الأخلاقية،
والدينية...
صحيحٌ، بأنّ بعضها يفلتُ من شروط الغربلة، ولكنّ الواقع العمليّ يُقدم
لنا الكثير من الأفلام المُنجزة وفقاً لسياسةٍ غير مُعلنة، وتتجلى في أبسط
صورها، في لجان الاختيار نفسها، والمُكوّنة عادةً من أوروبييّن من الطبيعيّ
بأن يختاروا دائماً ما يُناسب أذواقهم، وقناعاتهم الشخصية، فكرياً،
وجمالياً، وهي القاعدة الجوهرية لأيّ لجنة اختيار، أو تحكيم
.
ولكن، الأكثر خطورةً في آليات إنتاج السينما العربية المُهاجرة، هي
عولمتها، فمنذ سنواتٍ، كانت الأفلام، ومازالت، تنتسبُ إلى بلدان إنتاجها،
ومصادر تمويلها الحقيقية، واليوم، بدأت تقترب من الأصول العرقية لمخرجيها،
وتضاءلت، بشكلّ، أو بآخر، أهمية الانتماء الجغرافيّ، أو أاستبعد، أو تمّ
التغاضي عنه، وهي حالة كلّ السينمائيين من أصولٍ عربية، أولئك الذين لم
يولدوا في بلدان أجدادهم، ولا يعرفونها أصلاً، ولا يُجيدون حتى لغتها،
وبمعنى آخر، اختفت أهمية الهوية الوطنية لصالح أخرى افتراضية، وبدل أن
ينخرط، ويندمج الجيل الجديد من السينمائيين ـ أبناء المهاجرين القُدامى ـ
في المجتمعات التي يعيشون فيها، تشدّهم السينما العربية مرةً أخرى إليها،
وإلى أوطان وهميةٍ فانتازية...وتُعيد إليهم جنسيات أجدادهم، وكأنهم بلا
جنسية، وتجعلهم يتأرجحون من جديدٍ ما بين بلد المولد، والنشأة، والحاضر،
وبلد العائلة، والأجداد، والماضي، والأهمّ، لم ينطلق الاستقطاب، والجذب من
رغبةٍ حقيقية بربط أبناء المهاجرين مع بلدانهم، وثقافاتهم الأصلية، ولكن،
فقط، لأنّ السينما العربية الوطنية غير قادرة على توفير أفلام نوعيّة تكفي
لمُسابقةٍ في مهرجانٍ، وبرمجةً إعلاميّة
.
مازالت السينما العربية تتمسّك بأفلام "مرزاق علواش" الفرنسية،
وتمنحها الجنسية الجزائرية، أيضا مع أنّ موريتانيا لم تشهد حركة إنتاج
سينمائي (ما عدا بعض المُبادرات الخجولة)، إلاّ أنّ السينما العربية تصرّ
على موريتانية أفلام "عبد الرحمن سيساكو"، و"محمد عبيد هوندو"، وتتباهى بـ"دانييل
عربيد" كمخرجةٍ لبنانيّة شابّة، بينما هي تُنجز أفلاماً أوروبية الإنتاج.
والأكثر خطورةً، بأنّه لم يعد بالإمكان تجاهل السينمائيين
الفلسطينييّن الذين يعيشون الاحتلال، وينجزون أفلامهم بمعوناتٍ إسرائيلية
رسمية، وفي الوقت الذي نتفاخر بهم، وبإنجازاتهم، تعبر السينما الإسرائيلية
حدودنا، وتُزيّن شاشات صالاتنا، ونحن نصفق، ونمنح الجوائز
.
ومن المثير للاهتمام ـ بعد أن أصبح الأمر مألوفاً ـ أصبحت فرنسا،
ألمانيا، بلجيكا، سويسرا، والولايات المتحدة،..تمتلك حصةً معتبرة في معظم
الأفلام، وخاصةً تلك التي يُنجزها مخرجون من المغرب العربي، لبنان،
وفلسطين، بينما تفرض أفلام أخرى نفسها أنجزها مخرجون، ومخرجات يعيشون خارج
أوطانهم، أو ولدوا، وعاشوا في الغرب .
وإذا دققنا في مصادر تمويل بعض الأفلام، سوف نجدها من إنتاج أجنبيّ
خالص (بدون أيّ تمويلٍ عربي) مثل الفيلم الروائي القصير "كن هادئاً" لمخرجه
الفلسطيني "سامح الزغبي"، أو الفيلم الروائي الطويل "بلديون" لمخرجه
الجزائري "رشيد بو شارب"، بينما ينحصر الإنتاج المحلي الخالص في الأفلام
القادمة من مصر، البحرين، الإمارات، الكويت.
وبعد أن اعتمدت السينما المغاربية في الثمانينيّات على الإنتاج
المشترك، تلتها بعض الأفلام الفلسطينية، واللبنانية، ومن ثم المصرية،
وبحسبةٍ بسيطة لمصادر تمويل إنتاج الأفلام المتنافسة في المسابقات العربية،
سوف يتضح بأن الأفلام المُمولة بكاملها من بلدانها الأصلية قليلة جداً، إلى
الحد الذي يجعلنا نتوقع بأن السينما العربية في سنواتها العشر القادمة، سوف
تصبح أجنبية التمويل، يُنجزها سينمائيّون ولدوا في الغرب، أو يعيشون فيها
منذ أمد طويل.
ما هي الخطورة من هذا التحول ؟
سوف يتوجه المخرجون إلى الغرب للبحث عن مصادر تمويل لأفلامهم، وسوف
يجدون بسهولة، أو بصعوبة إمكانياتٍ ما لتنفيذها، وتدريجياً، سوف يتخلون
تماماً عن مصادر التمويل العربية الوطنية، وتصبح أفلامهم أجنبية خالصة، وهو
ما خطط له الغرب منذ الثمانينيّات بأن يكون حاضراً في الثقافة العربية،
ومنها السينمائية.
وهكذا نجد السلطات السينمائية الفرنسية (وزارة الخارجية الفرنسية،
المركز الوطني للسينما، قنوات التلفزيون، مؤسسة يونيفرانس، وشركات الإنتاج
الخاصة) تبتهج، وتحتفي باشتراك أفلامها في مسابقات المهرجانات العربية،
وحصولها على الجوائز أيضاً، بينما تلك الأفلام أوروبية (وفرنسية بشكل
خاصّ)، ومعظمها يمتلك الحصة الكبرى من الإنتاج.
وبحسبةٍ بسيطة أيضاً، سوف نعثر على عدد كبير من المخرجين من أصول
عربية، أيّ أولئك الذين ولدوا، وتربوا في الغرب، هؤلاء، وأولئك الذين سوف
يكبرون خلال العشر سنوات القادمة سوف تضاف أسماؤهم، وأفلامهم إلى المشهد
السينمائي العربي، أو المُستقطب ليكون عربيا، ولن تفخر المهرجانات العربية
إلاّ بأصول هؤلاء المخرجين الذين سوف يشقون طريقهم حتماً في البلدان التي
ولدوا، وعاشوا فيها : فرنسا، بلجيكا، سويسرا، ألمانيا، السويد، الولايات
المتحدة...
وفي منافسة غير عادلة ما بين الإنتاجات العربية الخالصة، وأفلام أولئك
الذين يعيشون في الغرب، ويعتمدون على مصادر تمويل سخية، لن تكون المنافسة
من صالح أولئك الذين يعيشون في بلدانهم العربية، ويعتمدون على مصادر تمويل
شحيحة.
كما سوف تكون هناك فجوة إبداعية واسعة تحول دون المنافسة، أو
المقارنة، وفي حال اختيار أفلام لمهرجان سينمائي عربي، لن نجد أفلاماً
عربية ملفتة للانتباه، وقابلة للعرض المهرجاناتي وسوف تتجه الأنظار
تلقائياً، وبحكم الأمر الواقع، نحو تلك الأفلام الأجنبية المُنجزة من قبل
مخرجين من أصول عربية قريبة، وحتى بعيدة تعود أصولها إلى أجيالٍ عدة.
الجزيرة الوثائقية في
14/03/2013
الجنائني تحفة مخملباف البصرية
عدنان حسين أحمد
خلق محسن مخملباف على مدى ثلاثين عاماً تقريباً عالماً سينمائياً
خاصاً به يمتد من الواقعية إلى السوريالية، ومن اللوحات المصغّرة إلى
المشاهِد البانورامية الكبيرة مُوظِفاً فيها تفاصيل مخيلته الفنتازية
المتشظيّة دائماً التي تعبِّر عن قراءته الثاقبة ورؤيته السينمائية
والفكرية في آنٍ معاً. لقد وصف النقاد فلمه الموسوم "الجنائني"، موضوع
دراستنا، بأنه "غير طبيعي" وجريء، ومكمَن الجرأة فيه أنه يتمحور على ثيمة
غير مطروقة من قِبل المخرجين السينمائيين الإيرانيين في الأقل وهي
"البهائية"، الديانة التوحيدية التي أسسّها ميرزا حسين علي نوري "بهاء
الله" في القرن التاسع عشر، أي قبل "170" سنة من هذا التاريخ، ولكن أتباع
هذه الديانة تعرضوا للسجن والقتل والنفي والتشريد بما في ذلك بهاء الله،
مؤسس هذه الديانة الذي سُجن في طهران ثم نُفي إلى بغداد ومنها إلى إستنبول
ليستقر في عكا ويموت فيها لاحقاً عن عمر يناهز الخامسة والسبعين عاماً.
قد يتساءل القارئ الكريم ما الشيء غير الطبيعي في الفلم؟ هل هو في
الثيمة أم في الأسلوب، أم في الاثنين معاً؟
لا شك في أن المتتبعين لأفلام مخملباف يعرفون أجواءه الخاصة به،
ومقارباته الأسلوبية التي يستعملها في غالبية تجاربه البصرية ذائعة الصيت
التي تمتد من "البائع المتجول" و "زمن الحُب" و "خبز ومزهرية"، وتمرّ بـ
"حكايات من كيش" و "طعم الديمقراطية" و "قندهار"، لتنتهي بـ "أبرد من
النار" و "جنس وفلسفة" و "الرجل الذي جاء مع الثلج" وغيرها من أفلامه
المعروفة التي أثارت جدلاً واسعاً لم تنتهِ تداعياته حتى الوقت الراهن. إن
منْ يشاهد فلمه الوثائقي "Gabbeh"
و "صمت" يكتشف من دون لأي أن مخملباف يعتمد في فلم "الجنائني" على التقنية
نفسها، أي أنّ الأسلوب في هذا الفلم لم يكن جديداً، لكن التأمل، والدقة،
وإطالة النظر إلى عمق الأشياء هي العناصر المشتركة التي تطبع هذا الفلم
بطابع فلسفي يغوص في جوهر الأشياء حتى وإن كان هذا الشيء مادياً مثل سجادة
"گبة" الفارسية التي تحوكها أيادٍ مدرّبة يفعِّلها خيال متوقد وخلاق. وربما
ينطبق نفس الشيء على فلم "صمت" حيث يُؤخذ الطفل البصير بالموسيقى والأصوات
ويعرف بدقة أن الطارق على الباب هو مالك المنزل، كما يعرف صوت النحلة
الخارجة من خليتها، أو خرير الماء من النهر المجاور لمكان عمله. هذه الدقة
نجدها عند "الجنائني" البهائي الذي نظّم الحدائق والزهور على وفق منظور
هندسي قلّ نظيره عند أتباع الديانات الأخرى السماوية أو الوضعية. وهذه
الدقة اللافتة للانتباه هي التي جعلت مخرج الفلم مخملباف وابنه ميسم وبقية
الشخصيات المساهمة في الفلم، تغوص في عالم مماثل من التأمل، والاستغراق في
التفكير العميق على مدار الفلم الذي امتد على "87" دقيقة مرّت على المتلقي
مثل حلم سريع كان يتمنى في داخله أن يطول كي يمتصّ كل هذا الجمال الكامن في
الحدائق البهائية الخالبة للألباب.
إذاً، نخلص إلى القول بأن أسلوب مخملباف في هذا الفلم الوثائقي ليس
جديداً تماماً على الرغم من أهمية المقاربات والمعالجات الفنية فيه، لكن
جدَّته تكمن في ثيمته وجرأة المخرج في الإقدام على تناول عقيدة محرّمة من
جهة، والذهاب إلى إسرائيل لتصوير وقائع هذا الفلم من جهة ثانية، فإيران،
كما هو معروف، لا تعترف بدولة إسرائيل وتمنع مواطنيها من زيارة هذا الكيان
الذي اغتصب الأراضي الفلسطينية. لقد فعل مخملباف شيئاً غير مسبوق حينما زار
هو وابنه ميسم إسرائيل ليصور وقائع فلمه في عكا وحيفا والقدس مُركزاً على
دور العبادة البهائية التي تحيطها الحدائق الجميلة اللافتة للأنظار، فلَمْ
يسبق لمخرج سينمائي إيراني أن زار إسرائيل في ظل الحكومة الإسلامية
الإيرانية، الأمر الذي شكّل صدمة للكثيرين وجعلتهم يتوقون لمعرفة التفاصيل
الدقيقة التي شكّلت متن هذا الفلم الذي يبحث في تاريخ إيران وقمعها للديانة
البهائية.
تقوم قصة هذا الفلم الوثائقي على سياقين سرديين بصريين ينتهيان عند
مصب واحد وهو الحديقة البهائية حيث يذهب الابن ميسم إلى القدس ليصور "حائط
البراق"، و "المسجد الأقصى"، وبعض الكنائس المسيحية في إشارة إلى أن جوهر
الأديان واحد مهما اختلفت طرق التعبد ووسائل التقرّب إلى الله الواحد
الأحد، أما مخملباف فإنه يبقى في واحدة من الحدائق الغنّاء متتبعاً "الجنائني"
الذي يعتني بحديقته، ويتواصل معها بطريقة روحية أخاذة تكشف عن تعلّقه
الروحي بالورود والأشجار التي يعتقد أنه يتخاطب معها كما يتخاطب مع أي
مخلوق بشري. لقد روى لنا المخرج الإيراني المبدع محسن مخملباف، وأرانا هو
وابنه، الجانب الآخر من القصة التي لم يرها الآخرون، ولم يتأملوها عن كثب
كما فعل مخملباف الذي قدّم لنا شخصيات بهائية من مختلف أرجاء العالم مثل
ريفيرا إيّونا مابي، باولا أسدي، غوالمه ناياغتير، تيجيرا جيتيندرو
جيّسغادو، إيان ديفيد هوانغ وبال كوماري غورونغ. ينطوي فلم "الجنائني" على
معلومات كثيرة وأفكار عديدة حاول مخملباف أن يجسدها بغية إحاطة المتلقي بها
وهي مستمدة أصلاً من الذاكرة الجمعية للناس في كل مكان من هذا العالم مثل
"الشجرة المثمرة تلقي ثمارها على الناس الذين يرجمونها بالحجارة" أو أن
"أوراق الأشجار لا تتزاحم في عليائها، وإنما هي تريد الوصول إلى الضوء".
الدعوة إلى التأمل ليست جديدة تماماً، فغالبية الأديان تحض على الخلوة
إلى النفس، وتدعو إلى تأمل الوجود. ربما تكون آراء ميسم، ابن المخرج،
انتقادية وحريفة، إذ قال ما لم يقله الأب بصدد "الإمام الخميني الذي كان
يتحدث عن الحرية، وحينما وصل إلى سدة الحكم زج بالمعارضين في السجون
والمعتقلات". يعتقد ميسم بعدم حاجة الناس المعاصرين إلى الأديان، بينما
تفصح إحدى النساء بضرورة نمو الإيمان في قلب الإنسان مثل نمو الوردة!
المُلاحَظ أن بعض الشخصيات التي تتعبد من خلال الزراعة أو التأمل أو صيانة
الحدائق يقنع المُشاهِد إلى حد ما بأنه يشعر بالله، ويراه في الناس
الآخرين، ولذلك فهم مرتبطون به في معظم الأحيان. ختم مخملباف فلمه بمشهد
المرآة التي كان يحملها الجنائني لتعكس جمال الورود، ثم حملها مخملباف نفسه
لكي يبرهن على انعكسات الورود حينما يمر بقربها أي إنسان وكأنها تتخاطر معه
أو تهمس في أذنيه محفزة إياه على التأمل والاستغراق في التفكير. حينما يعود
ميسم من القدس يكتشف أن أباه منهمك في العناية بالزهور فيداعبه قائلاً: هل
أنت بهائي يا بابا؟ فيرد عليه: "كلا، أنا مسيحي، مسلم، بوذي، يهودي،
زرادشتي، لا دين لي!" في إشارة واضحة إلى وحدة الخالق، ووحدة الأديان التي
تحض كلها على الخير والمحبة والسلام.
الجزيرة الوثائقية في
14/03/2013
يهدف إلى تربية الطفل على ثقافة الصورة
مكناس تستضيف عمالقة سينما التحريك في مهرجانها الدولي
خالد لمنوري | المغربية
تحتضن مدينة مكناس من 22 إلى 27 مارس الجاري، الدورة 12 للمهرجان
الدولي لسينما التحريك، بمشاركة 36 فيلما في المسابقة الرسمية، التي تبلغ
قيمة جائزتها الكبرى 300 ألف أورو.
وأوضح المنظمون، في ندوة صحفية عقدت، أول أمس الثلاثاء بالدارالبيضاء،
لتقديم البرنامج العام للمهرجان، أن الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية
اختيرت من بين 180 فيلما، وستتبارى على 5 جوائز، هي الجائزة الكبرى، وجائزة
لجنة التحكيم، وجائزة أحسن فيلم طويل، وجائزة أحسن فيلم قصير، وجائزة
الجمهور.
وقال المنظمون إن الدورة اختارت موضوع "سينما التحريك ببلجيكا" محورا
لفعالياتها، بمشاركة أسماء كبيرة في سينما التحريك٬ ويتعلق الأمر بفانسان
باتار، وستيفان أوبيي من بلجيكا٬ وبنجمان رينر من فرنسا، مخرجي فيلم "أرنيست
وسيليستين"، الحائز على سيزار 2013 لأفضل فيلم لسينما التحريك٬ والمخرج
ميشيل أوسو، والمخرج البريطاني بيتر لورد، الحائز على أوسكار 2013 لأفضل
فيلم تحريك.
وأضافوا أن الدورة ستتميز بتقديم دروس حول تقنيات سينما التحريك،
سينشطها مخرجون وتقنيون كبار في عالم التحريك، أمثال البريطاني بيتر لورد٬
الذي يعد من أبرز مؤسسي أكبر استوديوهات سينما التحريك ببريطانيا، مع تقديم
عروض عبر مجموع شبكة المراكز الفرنسية بالمغرب البالغ عددها 11 مركزا٬ فضلا
عن تنظيم لقاءات مع مخرجين ومهنيين متخصصين في سينما التحريك، وعروض
للأطفال.
وقال محمد بيوض، المدير الفني للمهرجان، إن المهرجان يهدف إلى تربية
الطفل على ثقافة الصورة، وإلى جعل مكناس مركزا عربيا وإفريقيا مهما لسينما
التحريك، مشيرا إلى أن مشاركة أسماء عالمية ستمنح للمهرجان إشعاعا خاصا،
وستتيح لعشاق هذا اللون السينمائي فرصة التفاعل والاستفادة من تجارب
سينمائية مختلفة المشارب.
وأبرز بيوض أن المهرجان يشكل نافذة حقيقية لهواة سينما التحريك
للانفتاح على العالم، والتعرف على مختلف التجارب السينمائية الرائدة،
ومناسبة للتكوين والتبادل الفني بين الشباب المبتدئين والمحترفين٬ من خلال
برمجة لقاءات مباشرة ومفتوحة، بشراكة مع قناة "كنال فرانس" الدولية، في
إطار مشروع المعرفة الذي أطلقته القناة.
ومن أقوى لحظات الدورة 12، المنظمة من قبل المعهد الثقافي الفرنسي
بمكناس ومصبرات مكناس- عائشة، بشراكة مع مندوبية فيدرالية ولوني بروكسيل،
فقرة نزهة عائلية، ستقدم للأطفال أربعة عروض فيلمية بين أحضان الطبيعة،
وفقرة "مكتبة المهرجان"، وفقرات أخرى تشمل العرض الأول لعدد من الأشرطة٬
والدورة الرابعة للمسابقة الدولية لأفلام التحريك القصيرة٬ وجائزة مصبرات
مكناس-عائشة لسينما التحريك٬ وندوات ولقاءات مناقشة، وورشات ودروس الماستر
كلاس.
الصحراء المغربية في
14/03/2013
في ظل حالة الكساد.. ووقف الحال
الفنانون واجهوا البطالة.. بالبرامج والبيزنس
رفيق أمين
وسط استمرار حالة الشلل التي يعيشها الفن المصري الفترة الماضية. أصبح
من الصعب بل والمستحيل علي مجموعة كبيرة من الفنانين الاعتماد علي الأعمال
الفنية وحدها كسبيل لكسب الرزق كما كان في السابق. ليعاني مجموعة كبيرة من
الفنانين من "البطالة" بسبب قلة الأعمال الفنية المعروضة عليهم. وكذلك
تخفيض أجور الفنانين إلي النصف كحالة طبيعية لركود سوق الفن المصري.. لذلك
لجأ البعض إلي المشاركة في بعض المشاريع التجارية لضمان مصدر آخر للرزق.
وسبقهم البعض الآخر قبل "الانتكاسة" الفنية الحالية في تملك أحد المشروعات
مثل "الكافيهات" و"المطاعم" و"محلات الملابس" تحسبا لمثل هذا اليوم. ليلجأ
جزء آخر إلي تقديم البرامج الفنية. والسياسية. بل وبرامج المسابقات أيضا..
كنوع من أنواع "السبوبة أو تقليب الرزق".
لنجد مجموعة كبيرة من البرامج التي "طلت" علينا من خلال شاشات
التليفزيون والتي يقوم بتقديمها مجموعة من الفنانين مثل برنامج "الليلة مع
هاني" الذي يقدمه الفنان هاني رمزي. والذي أكد أنه يتعجب من الانتقادات
التي توجه للفنانين الذين يقومون بتقديم البرامج التليفزيونية. واعتبر أنها
تجارب مفيدة لشاشات الفضائيات نفسها قبل أن تكون في صالح الفنان لأنه
يستطيع زيادة نسب المشاهدة للقنوات الفضائية وبالتالي زيادة نسبة
الإعلانات. وبرر رمزي تقديمه لبرنامج "الليلة مع هاني" بأنه يحاول أن يقدم
ما يدور في خاطر الشارع المصري بطريقة كوميدية وساخرة كنوع من أنواع إلقاء
الضوء علي المشكلات الحالية وتوضيحها للمسئولين.
وكذلك برنامج "حلمي أون لاين" الذي قدمه النجم أحمد حلمي قبل عدة أشهر
ولكن عن طريق شبكة الإنترنت من خلال تعاقده مع أحد المواقع العالمية التي
استغلت ظهوره معها في مزيد من الدعاية لها. والتي قامت ثلاث شركات
بالمشاركة في إنتاج البرنامج ودفع قيمة تعاقد أحمد حلمي لتقديم البرنامج.
الذي كان يتناول بعض القصص التي يرويها حلمي عن نفسه بدون مشاركة أحد له.
نفس التجربة خاضها الفنان هشام سليم الذي صرح قبل ذلك بأنه يعاني من
قلة الأعمال الفنية المعروضة عليه بعد ثورة يناير بسبب تصريحاته ومواقفه
المساندة للثورة. ليقوم بعدها بالتعاقد مع قناة "سكاي نيوز" لتقديم برنامج
"حوار القاهرة" الذي يغلب عليه الطابع السياسي والذي تم بدء عرضه في
الأسابيع القليلة الماضية. خاصة وأن سليم قد حاول من قبل الدخول في أحد
المشروعات التجارية قبل الثورة لتدر عليه دخلا آخر بخلاف الفن إلا أنه اضطر
إلي بيع نصيبه فيه بعد خسارته حيث كان مشاركا من قبل في إحدي القري
السياحية في مدينة الغردقة. لكنه لم يستطع تحقيق أي أرباح تذكر فاضطر لبيع
نصيبه فيه.
الفنان أحمد آدم هو الآخر قام بتقديم موسمين من برنامجه "بني آدم شو"
الذي تم إذاعته علي مدار العامين السابقين في شهر رمضان. ليتعاقد مرة أخري
مع قناة الحياة لتقديم موسم ثالث من البرنامج الذي تم عرضه مع أواخر الشهر
الماضي.
إلي جانب برنامج الفنان محمد هنيدي الذي يخوض تجربة تقديم البرامج
لأول مرة منذ دخوله عالم الفن من خلال برنامج المسابقات "لحظة شك" الذي قام
بتقديمه أول السنة الحالية. والذي صرح بأنها ليست المرة الأولي التي يعرض
عليه فيها تقديم برامج. إلا أنه كان يرفض في كل مرة بحثا عن الوقت المناسب
والفكرة الجديدة التي يقدم من خلالها علي تلك الخطوة. حتي استقر علي برنامج
لحظة شك الذي رأي أنه فرصة لإبعاد جمهوره عن السياسة التي تحاصره من كل
جانب علي حد تعبيره.
وإلي جانب المجموعة الكبيرة من "الكوميديانات" التي اقتحمت عالم
البرامج. استقر الفنان إبراهيم نصر علي برنامجه الجديد "حكاية وضحكاية"
للبدء في تصويره خلال الأيام القادمة. بعد تأجيله لمدة تجاوزت العامين بعد
رفض نصر البدء في تصوير البرنامج أكثر من مرة بسبب عدم وضوح المشهد السياسي
وأوضاع الشارع المصري. حيث تدور فكرة البرنامج حول الأوضاع السياسية
الحالية في إطار كوميدي ساخر. وهو الأمر الذي واجه صعوبة في تقديمه -
والكلام مازال لنصر - من بعد قيام الثورة. مرورا بفترة تسلم المجلس العسكري
لزمام الأمور. انتهاء بحكم جماعة الإخوان الآن.
مشاريع النجوم
وإلي جانب البرامج التي تعتبر المتنفس البديل لمجموعة من النجوم. أقدم
مجموعة من الفنانين للمشاركة في بعض المشاريع التجارية الخاصة بهم بعيدا عن
الفن. سواء من قبل الثورة أو بعدها مثل الفنان أحمد السقا المعروف عنه حبه
لقيادة السيارات. والذي قام بمشاركة أحد أصدقائه في معرض سيارات في منطقة
مصر الجديدة. والذي يقوم بالإشراف عليه بين الحين والآخر في فترات توقف
تصوير أعماله الفنية أو في فترة الإجازات بين العمل والآخر. ليتجه الفنان
أحمد حلمي إلي نوع آخر من "البيزنس" رغم انشغالاته الفنية الكثيرة وإنشائه
لشركة إنتاجه السينمائي الخاصة "شركة شادوز" والتي تشارك في إنتاج أفلامه.
إلا أنه قرر ممارسة العمل التجاري أيضا من خلال افتتاحه "كافية
praecingo" في منطقة الزمالك. والذي افتتحه قبل أشهر قليلة من ثورة يناير.
ليكون هو المكان الذي يقوم بمقابلة أصدقاءئه فيه. ويعقد فيه أحيانا جلسات
العمل أيضا. والذي يمتلكه مشاركة مع أصدقائه تامر هاني عزيز وبيشوي فايز
وتامر الزناتي.. الفنان طلعت زكريا من الفنانين الذين أنقذهم اعتماده علي
مشروع خاص إلي جانب عمله بالفن. بافتتاحه ل "كافيه قهوة بلدي" في منطقة
المهندسين. حيث كان مصدر رزقه الوحيد خلال ثورة 25 يناير بعد موقفه المعادي
للثورة. ووسط تخوف المنتجين من مشاركته في أي أعمال فنية جديدة بسبب فقدانه
لقدر كبير من شعبيته وقتها.. بل تردد أنه استعان بحراسة مشددة بعدما هدد
عدد من الجمهور بحرق الكافيه بعدما أهان شباب الثورة.
وهو الأمر الذي جعله يقيم في الكافيه إذ يخشي تدميره بعدما أصبح مصدر
رزقه الوحيد.
أما الفنان هاني سلامة فيملك هو الآخر منذ فترة أحد المطاعم المتخصصة
في صناعة الأطباق الإيطالية في منطقة الزمالك بمشاركة مجموعة من أصدقائه.
والذي كان كفيلا نجاحه بضمان الترويج بأنه مملوك للفنان هاني سلامة..
الفنان مصطفي قمر يعتمد أيضا علي مشروعه التجاري الخاص بامتلاكه لمطعم "لوكيشن"
في شارع جامعة الدول العربية. والذي يباشر العمل به بين الحين والآخر. أما
الفنان الشاب تامر هجرس فسخر امتلاكه لمشروعه التجاري للاستفادة به أيضا في
أعماله الفنية. ليقوم بوضع "أفيشات" آخر أعماله الفنية داخل الكافية الخاص
به الذي يمتلكه في "جنينة مول" في مدينة نصر كنوع من أنواع الدعاية
لأفلامه.. النجم الكبير عادل إمام يشارك هو الآخر في امتلاك أحد الكافيهات
في منطقة المهندسين. والذي اختار له اسم "سلطانة" والذي ينتظم علي الذهاب
إليه بين الحين والآخر لمتابعته. والذي رفض أكثر من مرة التقاط الصور
التذكارية مع رواده الذين يذهبون خصيصا لرؤية النجم الكبير. مبررا منع
الطبيب له من التعرض لضوء الكاميرا الفوتوغرافية. النجم العالمي عمر الشريف
أيضا لا يعتمد علي الفن وحده كمصدر لرزقه. فالمعروف عنه امتلاكه لعدد كبير
من المشاريع داخل مصر وخارجها.. والتي واجه مشكلة مؤخرا بسبب زيادة إيجار
محلات الملابس التي يملكها. من 70 ألف جنيه في الشهر إلي 140 ألف جنيه..
الأمر الذي اضطره إلي تغيير مكان محلاته. والتي تقوم بعرض مجموعة من
الملابس التي تصنع في مصانعه شخصيا.. والذي يشرف عليها جميعا ابنه طارق
الذي يباشر أعماله بصورة مباشرة.
الفنانات اتجهن للأزياء
ولم تقتصر المشاريع الاستثمارية علي الفنانين فقط. بل هناك عدد من
الفنانات اتجهن إلي مشاريع تجارية بعيدة تماما عن الفن. منهن فيفي عبده
التي تمتلك مطعما للأسماك في مدينة 6 أكتوبر ويشاركها فيه زوج ابنتها
الكبري. وغالبا ما تدعو أصدقائها الفنانين لتناول الأسماك هناك.
أما الفنانة سمية الخشاب فعشقها للأزياء جعلها تفتتح "أتيليه" خاص بها
وتشرف عليه بنفسها بمساعدة والدتها.. والتي تعشق تصميم الملابس وكل جمهورها
من سيدات المجتمع ونجمات السينما والتليفزيون. أما عبير صبري فتملك هي
الأخير محل ملابس بأرض الجولف. وهو نفس الأمر الذي أقدمت عليه الراقصة دينا
التي تمتلك محلا للملابس في شارع جزيرة العرب في المهندسين.
أما غادة عادل وزوجها مجدي الهواري فيمتلكان معرض سيارات ويُكثر مجدي
من تواجده في المعرض لإدارته والمحافظة علي مصالحه وأمواله وقد جاءت فكرة
هذا المشروع عندما اقترحت غادة علي زوجها إنشاء معرض سيارات ويكونان شريكين
فيه لتأمين مستقبل أبنائهما الخمسة وهو ما حدث بالفعل.
ليل ونهار
فبراير الأسود!
بقلم :محمد صلاح الدين
يرتبط تطور العلم بتطور المجتمع الذي فيه.. هذه حقيقة معلومة بالضرورة
لأنه حصيلة لممارسة العملية الاجتماعية.. وحتي لو انتسبت بعض النظريات
لعلماء بعينهم.. فهي أيضا ثمرة لما تمارسه المجتمعات البشرية وما تحققه من
منجزات.. يعني ببساطة المجتمعات الفاشلة هي في العلم أيضا فاشلة!!
ومن روعة فيلم "فبراير الأسود" للمخرج محمد أمين صاحب التجارب القليلة
المتميزة أنه يتناول موضوع العلم والعلماء في دراما تعرض وسط هم اجتماعي
وسياسي كبير. كفيل بألا يعرف يعني إيه علم؟ ولا يعني إيه علماء؟ وكأننا
نعود إلي الوراء خطوات لا أن نتقدم سنتميترات!
ففي كوميديا إنسانية ولكنها تشبه الكوميديا السوداء نري أسرة العالم
حسن "خالد صالح" الذي يقنع بأهمية دوره ودور أسرته والتي تشتغل بالعلم أيضا
برغم عدم رعاية الدولة لهم فيما قبل ثورة 25 يناير وبالطبع بعدها ولكن
المخرج الذي هو نفسه كاتب النص السينمائي اختار هذه الفترة ليحلل بها ظاهرة
يصعب حلها بسهولة إلا بثورة حقيقية ولكنها ليست كثورة 25 يناير وإنما أشد
منها تأثيرا تبدأ بالتعليم الذي هو أساس الملك مثله مثل العدل تماما..
وكلاهما غائب للأسف!!
هذه الأسرة تتعرض لحادث في الصحراء في شهر فبراير كان مثيرا بصريا
برغم ضعف الإمكانات حيث يتعرضون لرياح رملية بشعة كادت تودي بحياة كل من
كان في الرحلة وحين حاولت الداخلية إنقاذ بعضهم فضلتهم من هم في المراكز
السيادية. وتركت الباقي وهم العلماء للكلاب التي أنقذتهم مصادفة بدلا من
نهشهم في فانتازيا كسر بها المخرج نسبيا ايهام المشهد البليغ الذي يشي
بالكثير!
ندخل بذلك إلي اللعبة الطويلة والتي شابها بعض الملل من محاولات رب
الأسرة المستميتة للارتباط بمن هم في السلطة حتي لا يهانوا إلي الأبد علي
حد قوله.. ويترنح الإيقاع صعودا وهبوطا مع المحاولات البائسة ونري معه صراع
الممثلين الشيق في المنافسة علي التشخيص والإجادة ليبرز بجانب صالح طارق
عبدالعزيز وياسر الطوبجي وسليمان عيد وأحمد زاهر وإدوارد كما تتنافس
الأدوار النائية رغم قلة مساحتها فنري أمل رزق وألفت رام وميار الغيطي في
أفضل حالاتهن.
إن تجاهل الوطن للعلم والعلماء واتخاذهم كمطية لأعمال الساسة والسياسة
جريمة تدفع ثمنها الأجيال.. وجميل من السينما بالذات التي هي فن شعبي من
الدرجة الأولي.. أن تنبه إلي هذه الجريمة.. فالعلم صناعة وطنية كبري..
للأسف ضاعت في صناعات الوطن الصغري.. وهي المسماة بالاستحقاقات السياسية..
تلك التي لا تثمن ولا تغني من جوع!!
Salaheldin-g@hotmail.com
الجمهورية المصرية في
14/03/2013
مهرجان "أيام بيروت السينمائية" في دورته السابعة:
السينما المحمولة على الظهر تواصل شقاءها في عاصمتنا
هوفيك حبشيان
12
سنة مرت على الدورة الاولى من مهرجان "أيام بيروت السينمائية".
كانت الانطلاقة الاولى في ربيع 2001، قبل أشهر قليلة من هجمات "11 أيلول"
المشؤومة التي غيرت العالم. "العيال كبرت" والعالم صار مكاناً خطراً ولبنان
انحدر. 12 سنة لم تعقد خلالها الا ست دورات، والسابعة على الأبواب. لم
يستطع القائمون على المهرجان (مجموعة سينمائيين تابعين لجمعية "بيروت دي سي")،
تحويله مؤسسة راسخة في اللحظة الثقافية البيروتية، فبقي في اطار المغامرة
ذات الولادة الصعبة تأتينا مرة كل عامين، بكل مستجد ومثير من الدول
العربية، المجاورة والبعيدة. تبدلت أشياء معينة في التظاهرة التي تبدأ مساء
غد في "متروبوليس" بفيلم "وجدة" للسعودية هيفاء المنصور، ولعل ابرزها
الأيادي التي تنظمها وتحركها، ويتزامن هذا مع وصول بعض الرعاة الأجانب
الذين يدعمون موعداً سينمائياً، لا تتجاوز موازنته قيمة سيارة يابانية
جديدة. تغيّر ايضاً موعد "الأيام"، من تشرين الأول الى آذار. الأسباب
المعلنة منطقية: ازدحام نهاية العام بمهرجانات عربية، ما يقلل فرصة "أيام"
في الحصول على افلام عربية مهمة. مع كل الصعوبات والتحديات التي يمثلها
تنظيم مثل هذا الحدث في مدينة يخطفها الجهل والتعصب، فإن هذا الموعد كان،
على امتداد العقد الماضي، الأهم قيمة والأكثر قدرة على مخاطبة العقل
اللبناني، من خلال طرح هموم يجد نفسه فيها، لا بل يتوحد معها أحياناً.
نحن امام دورة غنية ومتنوعة، مغاربية الهوى (اربعة افلام طويلة من
المغرب). سلة عروض تتضمن أكثر من 50 فيلماً سينمائياً، من الأصناف الثلاثة:
روائي، وثائقي، قصير. هناك ايضاً ندوات وجلسات تواصل، بعضها للجمهور وبعضها
للمهنيين. كثر من السينمائيين سيواكبون الحدث وسينتقلون الى بيروت لتقديم
أفلامهم أمام الجمهور: آن ماري جاسر، هالة لطفي، ابرهيم البطوط، فوزي
بنسعيدي، الخ. نحن في "النهار"، وخلال جولاتنا في المهرجانات العربية، سبق
ان اتيحت لنا مشاهدة معظم الأفلام المعروضة، وسبق ان قدمنا مقاربات نقدية
لها. ويمكن القول ان البرنامج مثير، والعناوين المختارة تعبّر الى حدّ كبير
عن مجمل الصناعة السينمائية في المنطقة، طبعاً مع إهمال قسري او اختياري
لبعض الاكتشافات التي كان من الممكن ان تضفي قدراً اكبر من الحيوية على
البرنامج. بيد ان للمهرجان خطّه التحريري والسياسي والايديولوجي والفني،
ككل مهرجان آخر. الأهم، ان هذا كله يتيح للسينما "المحمولة على الظهر"،
بتوقيع سينمائيين شباب من مصر والمغرب وفلسطين، لقاء الجمهور، بعيداً من
حسابات الموزعين وطغيان السينما السائدة. سينما تواصل شقاءها في عاصمتنا.
hauvick.habechian@annahar.com.lb
"وجدة"
لهيفاء المنصور: حقّ الوجود على الشاشة
فكرة ان هيفاء المنصور أول مخرجة سعودية، استثمرت الى حدّ الملل
احياناً. في فيلمها السابق، "نساء بلا ظل"، ناقشت المنصور قضية المرأة في
المجتمع السعودي، وعلاقتها بالرجل، والاشكالات الثقافية والفكرية، وموقف
الدين من قضيتها، كما يتناول المسائل المتصلة بعمل المرأة وقضايا الاختلاط
والزواج وحرية الاختيار. أتاحت المخرجة الكلام لنساء لا يحق لهن الظهور
والتعبير عن أنفسهن، وأثارت مسألة صعوبة تصوير الواقع. لكن ما الذي دفع
بهيفاء المنصور التي نالت شهادة في الادب الانكليزي الى تبنّي الكاميرا
أداة للتعبير، في مجتمع تحيط بالصورة فيه مفاهيم خاطئة جداً؟ الجواب ربما
في "وجدة"، فيلمها الروائي الطويل الأول، الذي عُرض في مهرجان البندقية
الأخير. وجدة فتاة حالمة، مثلها كثيرات في الرياض ومدن أخرى. فهل تنجح
المنصور في رهانها: اقتحام خصوصية المجتمع السعودي، بعيداً من كل
الممنوعات؟
من خلال "وجدة"، تمنح المنصور المرأة السعودية حقّ الكلام والوجود على
الشاشة، في دولة تمنع عنها أبسط الحقوق: قيادة سيارة. على صعيد السينما،
كلّ شيء يبدأ من الصفر في المملكة، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بتعميم
الثقافة السينمائية والانتقال من النظري الى التطبيقي. نظرة مخرجتنا هنا
تبقى مسجونة في اطار لعبة كشف المستور وادانته بطريقةٍ، هي وحدها تعرف كيف
تبرره. حينما تتعلق المسألة بالحديث عن وضع المرأة في بلدان مثل السعودية،
تكمن المشكلة في تغلب التيمة على سائر العناصر، فيتحول المشروع برمته الى
محاكمة، لا تخرج منها الا جملة شخصيات "معطوبة" تنال حصة الأسد من العتب
واللوم، في حين يكون "المرض" والعاهة في أماكن أخرى لا تلقى أي اهتمام من
جانب المخرج.
فيلم المنصور ليس بعيداً من هذا كله، فهو يذهب الى منتصف الطريق، قبل
ان يعود ادراجه، سواء عندما يكون عليه الغوص في اعماق الشخصية أو في اظهار
الجانب الظلامي المتجسد في "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". يبقى
"وجدة" فيلم وجدانيات، يحمل نبلاً نسوياً خاصاً لا يُترجم بأفكار سينمائية
طليعية، تحتاج إليها السعودية. يحاول الشريط أن يكون قفزة نوعية الى مكان
آخر من سيرة "السينما السعودية" التي لم تبدأ بعد. والحكم للمُشاهد.
نبيل عيوش عن "يا خيل الله": العنف ليس استعراضاً
انجز المخرج المغربي نبيل عيوش "يا خيل الله"، راصداً سيرة منفذي
انفجارات 16 أيار 2003 في الدار البيضاء، التي تسببت بـ"تروما" حقيقية
للمغاربة.
·
¶
تطلب منك نحو تسع سنوات لتنقل تفجيرات الدار البيضاء الى السينما. هل
كنت في حاجة الى أخذ مسافة من الحدث كي ينضج في رأسك؟
-
كوني سينمائياً، عليَّ أن أبقى على مسافة من الحدث، خلافاً
للعمل الصحافي الذي يقتضي ان تكون في قلب ذلك الحدث. لكن يجب أن أقول ان
ردّ فعلي كان اسرع من ذلك، لأنني انجزتُ فيلماً وثائقياً من 15 دقيقة غداة
التفجيرات. وكان عليّ أن أنجز هذا الوثائقي لأصبح على يقين بأنني أخطأتُ
ولم اتناول القضية الا من زاوية واحدة. في تلك المرحلة لم أكن قد أدركتُ
بعد أن الضحايا من الجانبين. هؤلاء الشباب الذين يخضعون لغسل دماغ ثم
يرسلونهم ليفجروا أنفسهم لقتل الأبرياء، هؤلاء اعتبرهم ضحايا ايضاً.
·
¶
ما لفتني في الفيلم انك تعرّف الارهاب كشيء عادي، كشيء يمكن ان يغوي
شباناً لا يختلفون كثيراً عن أي شبان آخرين. هنا الخطورة ربما...
-
لا اعرف اذا كنت فعلاً اقدم الارهاب كشيء "نورمال". في كل حال،
انا اريه كشيء من صنيع البشر. حتى الآن، اعتدنا ان نرى الارهاب كأنه من
صناعة آلة. الآت حربية ونظامية مدججة بالايديولوجيا والتدريب في المعسكرات.
هذه ليست حقيقة. على الأقل، ليست حقيقتنا نحن، بالنسبة إلى ما حصل في 16
أيار 2003. كنا نتوقع أن يكون الفاعلون ارهابيين محترفين تدربوا في
افغانستان أو ايران، لكن فوجئنا بأنهم مجرد صبيان يعيشون في عشوائيات على
بُعد كيلومترات من مكان اقامتي. هذا هو الذي استدرجني الى هذا الفيلم.
خلافاً لما حصل في "11 أيلول" أو في اعتداءات باريس ولندن، حيث كان
للارهابيين سجلات طويلة، لم يكن الفاعلون هنا سوى صبيان مساكين عانوا ما
عانوه في حياتهم، وفجأة وجدوا أنفسهم في مسألة تتجاوزهم. سينمائياً، كان
أكثر اثارة أن تظهر كيف حوصر هؤلاء الشباب في أتون العنف، من ان تقترح
العنف كاستعراض بصري. العنف ليس استعراضاً. على كل حال، ولادة العنف ليست
استعراضاً. في النهاية، هذا فيلم عن الشرط الانساني.
·
¶
ألم يشكل هاجساً أخلاقياً بالنسبة اليك أن تقدم الانتحاريين باعتبارهم
ضحايا؟
-
لم أردهم لا ضحايا ولا ابطالاً، كنت اريدهم بشراً عاديين. كنت
اريد أن اضع وجوهاً على اسمائهم. كنت اريدك ان تراهم يكبرون. تعاطف المشاهد
كان ضرورياً اذا اراد أن يفهم الحكاية. اذا اردنا الابتعاد من معادلة "بؤس
= كاميكاز"، من الضروري ان تكون عندنا صحوة ضمير تجعلنا نعتبر هؤلاء الشباب
شباباً قبل أن نعتبرهم أي شيء آخر، قبل أن نعتبرهم انتحاريين. لا توجد
مصادفة في الموضوع. بطريقة أو بأخرى، للمجتمع دورٌ ما في تحولهم ارهابيين.
¶ "يا خيل الله"، 21 آذار الساعة 22:00.
"بيع
الموت" لفوزي بنسعيدي:
الحمامة
البيضاء... سوداء!
سعيد المزواري
مَن يتأمل مسار فوزي بنسعيدي منذ شريطه القصير الأول "الجرف" (1999)
إلى فيلمه الطويل الثالث "بيع الموت" (2011)، يخرج بخلاصة أولية مفادها أن
الرجل يتماهى مع قصص أفلامه وعوالمها مما يجعل القبض على أسلوب محدد لديه
(على الأقل في الوقت الراهن) مهمة صعبة. لكن المرء يخرج مقتنعاً بأن
الإخراج عند بنسعيدي ينهل قبل كل شيء من مرجعية سينيفيلية، بحيث يستعين في
"بيع الموت" بمفاتيح الـ"فيلم نوار"، ليجسد قصة ثلاثة أصدقاء شبان يسعون
الى الخروج من وضعية اجتماعية صعبة داخل فضاءات تطوان التي اتشحت، تحت سلطة
الإخراج، بالسواد، بعيداً من صورتها السياحية ولقب "الحمامة البيضاء".
اللافت في السيناريو هو البناء المحكم لشخصيات الثلاثي الرئيسي وفق
منطق التباين: مالك، الرومنطيقي الحالم؛ علال، الواقعي الفظ؛ وسفيان الساذج
المتصوف. هذا التباين هو ما يمنح العلاقة بينهم ديناميكية دائمة، وقودها
التجاذب تارة والتنافر طوراً. ثلاثة مقومات أساسية في الفيلم تحضر تباعاً
لتؤجج الصراع الدرامي وتقرّب الثلاثي شيئاً فشيئاً من النهاية المأسوية:
فتاة الهوى دنيا التي تخلب فؤاد منذ النظرة الأولى، مفتش الشرطة الفاسد
(يضطلع بدوره فوزي بنسعيدي) الذي يحاول تقديم الشبان قرباناً لخبطة أمنية
مفبركة، ثم عملية السطو التي نجح المخرج - المؤلف في أن يجعل منها محل
تقاطع رغبات كل الشخصيات التي ذكرناها. برغم تباين تلك الشخصيات، مما يدل
على أن سيناريو الفيلم محكم البناء على المستوى الهيكلي على الأقل،
فالشيطان، كما يقال، يحلو له الاختباء خلف التفاصيل، وهنا تكمن خطيئة
الفيلم الصغرى في رأينا. أبرز الهنات التي حملتها التفاصيل وأضرّت إلى حدّ
ما بتماسك الحكي، هو الاستسهال الذي طبع كل المشاهد التي تحضر فيها عصابة
تجار المخدرات والتهريب، بدءاً بالملهى الليلي، مروراً بعملية التسليم مع
مالك، وصولاً إلى شاطئ البحر برفقة دنيا. مشاهد أخرى شكلت نشازاً مع مرجعية
الفيلم الواقعية، هي تلك التي نرى فيها سفيان يقوم بعملية نشل، فيبدو أن
سكان تطوان قد خرجوا جميعهم لتعقبه قبل أن يقبض عليه تلامذة في صف
الاعدادية، ويحملوه في غياب أي رقيب إلى الغابة وينكلوا به بوحشية بالغة!
ومن دون أن نغفل الغموض الذي لفّ شخصية مفتش الشرطة وخلفياتها. لكن ما
يجعلنا نستسيغ حبة الدواء (بحسب تعبير أصدقائنا الفرنسيين) هو براعة
بنسعيدي في خلق تصور جمالي بديع ومتسق تظل أبرز تجلياته حركات الكاميرا
العمودية التي أهدت إلينا لقطات لن نبالغ إذا قلنا إنها من بين أرفع ما
تحقق على امتداد تاريخ السينما المغربية. تندرج هذه الحركات داخل تصور عام
ينبني على ثنائية الصعود ـ النزول التي تعبر الفيلم برمته على شكل خيط
جمالي ناظم، محيلة على الجدلية بين الرغبات التي تضمرها الشخصيات من جهة
(الصعود) والإخفاقات التي تعترضها من جهة أخرى (النزول). فمالك ودنيا لم
يهنآ بعد بخلوتهما الحميمة على سطح الفندق حين يطردهما المتعهد بأمر من
مفتش الشرطة. وسفيان الذي صعد إلى قمة الجبل بحثاً عن التصوف يواجه بمعارضة
علال ومالك لمخططه مباشرة بعد نزوله. يبلغ هذا التصور ذروته في المشهد
الختامي الذي يُظهر مالك، وهو يترجل مصدوماً من وقع الخيانة، قبل أن تتحرك
الكاميرا عمودياً مرة أخرى لكن بشكل مقلوب هذه المرة، ليبدو مالك معلقاً ـ
كخفاش متلحف بالسواد ـ رأساً على عقب بين السماء والقعر، وهي استعارة بليغة
عن وقع الخيانة على قلب الشخصية الحالمة، حين تفرغها من كل رغبة في التسامي
وتقلب تصور المثاليات داخلها.
النهار اللبنانية في
14/03/2013 |