"هذه صورتي وأنا ميت" عنوان صادم للفيلم التسجيلي الذي أخرجه المخرج
الفلسطيني الأردني محمود المساد. في هذا الفيلم الذي يبلغ زمن عرضه 81
دقيقة، يلتقط المساد خيطا دقيقا لشخصية من الشخصيات المنسية، من فترة
النضال الفلسطيني في السبعينيات، هي شخصية مأمون مربش، الذي كان أحد
المناضلين في صفوف المقاومة المسلحة في حركة فتح في بيروت.
هذا الرجل الذي ساهم في الكثير من عمليات المقاومة بل، وأشرف أيضا على
الإعداد لعمليات بطولية منها عملية المناضلة الشهيدة دلال المغربي كما يظهر
في الفيلم، أي مأمون مربش، ترصد له عملاء الموساد، إلى أن تمكنوا من
اغتياله في أثينا التي كان قد لجأ إليها بعد خروج المقاومة الفلسطينية من
بيروت عام 1982، وأطلقوا عليه الرصاص من مسافة قريبة وهو داخل سيارته عام
1983، وكان يجلس إلى جواره ابنه الطفل الذي لم يكن قد تجاوز سنواته الأربع
في ذلك الوقت.
ما حدث أن الرصاص الكثيف الذي انطلق من السلاح القاتل الذي تمكن من
اللحاق بالسيارة بدراجة نارية، أصاب أيضا الطفل "بشير"، ونقلت الأنباء
وقتذاك أنه قتل مع والده في العملية.
لكن بشير نقل الى المستشفى حيث تلقى العلاج، ونجا من الموت، وهو يعيش
بيننا اليوم بعد أن بلغ التاسعة والعشرين من عمره وأصبح هو بطل هذا الفيلم.
المخرج محمود المساد، يقتنص أولا بذكاء وفطنة كبيرتين، هذه الفكرة
التي ترتبط بالذاكرة، بالماضي، لكي يصنع منها نسيجا بصريا متشابكا مؤثرا،
حول زمن البطولة والتضحية والثمن الذي كان يتعين أن يدفعه الذين وهبوا
أنفسهم لقضيتهم الوطنية، وأيضا لكي يجسد أيضا الفرق بين ما كان في الماضي،
وما أصبحنا عليه اليوم، بين زمن النضال، وما انتهت اليه القضية اليوم من
اقتتال الشركاء، اي الفصائل الفلسطينية، وأساسا، فتح وحماس.
يتوقف المساد بكاميرته أمام الكثير من العلامات، ومن جوف الصورة تبرز
التساؤلات المعذبة القلقة حول كيف كان هذا ممكنا، وما الذي حدث، وما مغزاه،
وهل كان هناك خطأ ما، هل كان طريق النضال المسلح، طريقا خطا، وهل كان هناك
طريق آخر، وكيف يمكن أن يصل الوضع اليوم الى ما وصل إليه، وغير ذلك الكثير.
المدخل الدرامي إلى الفيلم هو حادث الاغتيال، ووجود الإبن الصغير
"بشير" في مقدمة الصورة. والصورة، أو تلك اللقطة تحديدا، وهي مصورة بالأبيض
والأسود، تتكرر كثيرا بالحركة البطيئة عبر الفيلم، باعتبارها اللقطة
المركزية التي تتدفق منها الذاكرة: ذاكرة بطلنا بشير الذي عاد اليوم لكي
يبحث عن تاريخ والده، من خلال التفتيش في ذاكرة أصدقائه: الحلاق والطبيب
والرسام وغيرهم.
في الفيلم صور وشهادات، مزيج من الخاص والعام، ومن الذاتي والموضوعي،
من الصورة الداخلية والحكايات الشخصية عن "مأمون البريش" الذي طويت صفحته
تقريبا منذ وفاته رغم كل ما قدمه للقضية من تضحيات هائلة، والبحث الشاق عن
المعرفة والتذكر من جانب الإبن "بشير" الذي يروي له الطبيب كيف أن والده
أنقذ حياة زعيم الكتائب اللبنانية خلال الحرب الأهلية عندما اعتقلته قوات
حركة فتح، لكنه أمر باطلاق سراحه، فنجا الجميل بذلك من الموت. وهي معلومة
مهمة لا يعلمها المشاهدون. وقد جاء موقف المأمون ردا على اطلاق بشير الجميل
سراحه في الماضي بعد أن وقع أسيرا في أيدي قوات الكتائب وكاد أن يلقى
مصرعه. هذه القصة نفسها تعكس مغزى انسانيا كبيرا عن فرقاء الحرب الذين
يكنون الاحترام لبعضهم البعض. وقد جاء الاسم الذي أطلقه الرجل على ابنه
فيما بعد، أي "بشير"، تيمنا باسم بشير الجميل الذي سيعود ويلقى حتفه في
عملية فدائية هائلة قيل إنها كانت من تنفيذ وتخطيط عناصر فلسطينية مسلحة.
أما اقتتال اليوم في غزة والفضة الغربية، فيبقى في الفيلم صورة مشبعة
بنوع من السيريالية أو التجريدية العبثية التي تدعوك إلى التشكك فيما آلت
إليه مسيرة النضال من أجل إقامة الدولة، حينما انتهت الى دويلتين محاصرتين
متصارعتين، وهي نهاية ما كان يحلم بها أكثر المناضلين تشاؤما في عصره!
ايقاع الفيلم متدفق يتسم بالقوة والتماسك، لكنه يسمح بنوع من التأمل
مع مساحة جيدة من الصورة التي تظهر في معظم الأحيان، في لقطات متوسطة
الحجم، صور مدهشة، وعلاقة خاصة بين الشخصية الرئيسة التي تستخدم لصنع
القالب "الدرامي" او المدخل "الروائي" إلى الفيلم إذا جاز التعبير، وقدرة
هائلة من جانب المخرج وفريق مساعديه على اقتناص الشهادت وتصويرها بكل تلك
التلقائية والتدفق مع التحكم في زوايا الصورة، واعادة بناء حادث الاغتيال
باستخدام الأسلوب التجريدي نفسه، بحيث تتكرر لقطة إطلاق الرصاص على الرجل
في السيارة، وتعود الينا بين حين وآخر، في سياق الشهادات ورحلة البحث عن
الحقيقة، ودون أن يتسبب الإخراج في إرباك الشهود الذين يقصون ذكرياتهم على
الإبن، ودون أن يبدو أننا نتفرج على مشاهد مصممة ومتفق عليها سلفا، حيث
يعتمد الفيلم على فكرة "اعادة التجسيد" مع الابقاء على المباشرة الحميمية
التي تميز أسلوب "سينما الحقيقة".
هذا الفيلم دليل آخر على قدرة السينما التسجيلية على تطوير نفسها،
والاستفادة من الأساليب الروائية، والاعلاء من شأن العنصر الدرامي في
الصورة، من أجل بلوغ أعلى تأثير ممكن على المشاهد، الأمر الذي يردنا إلى
التأمل في أصل السينما: ما هي، وكيف نشأت، وما الهدف منها، وكيف يعبر
السينمائي عن العالم من خلال الكاميرا، وما هي حدود قدرته على خدمة موضوعه.
وهي تساؤلات ممتدة بامتداد تاريخ الإبداع السينمائي نفسه!
حصاد ورشة النقد السينمائي بمهرجان الأقصر للسينما
الإفريقية
رامي عبد الرازق- الأقصر
أربع ورش فنية شهدتها الدورة الثانية لمهرجان الأقصر للسينما
الأفريقية والذي اختتمت فعاليته مؤخرا، حيث قامت ادارة المهرجان بتحديد
أربعة فروع للورش كان أهمها بالطبع ورشة السينمائي الأثيوبي الكبيرهايلي
جيريما الذي كان أحد المكرمين في الدورة الأولى العام الماضي. وقد عاد هذا
العام من خلال "ورشة صناعة الفيلم" مع ما يقرب من عشرين مخرجا وهاويا من
السينمائيين الشباب في ورشة استغرقت ما يقرب من الثمانية أيام قدمت بعدها
مجموعة الدراسين عدة مشاريع قصيرة عرضت خلال حفل الختام وإن اختلف البعض في
تقييم مستواها.
إلى جانب ورشة صناعة الفيلم كانت هناك ورشة "أسيفا" مصر للرسوم
المتحركة والتي استمرت لمدة سبعة أيام وضمت مجموعة من الشباب واستضافتها
كلية الفنون الجميلة بجامعة جنوب الوادي تحت ادارة الإتحاد الدولي للرسوم
المتحركةASIFAمتمثلا
في الدكتور محمد غزالة مدير أسيفا في مصر وهو الفرع الإقليمي للاتحاد
الدولي.
اما ثالث الورش فكانت ورشة مبادئ أفلام التحريك للأطفال وهي الورشة
التي من المفترض، حسب كتالوج المهرجان، أن تضم مجموعة من الأطفال يقومون
بإنتاج افلامهم الخاصة بتقنية الاستوب موشن وتشرف عليها الفنانة نيفين
فرغلي والفنانة عواطف صلاح من كلية الفنون التطبيقية جامعة حلوان وإن كنا
لم نرصد أي نشاط خاص بهذه الورشة خلال ايام المهرجان!
الورشة الرابعة التي تمثل محور اهتمامنا هي ورشة النقد السينمائي التي
اقيمت تحت اشراف الناقد السينمائي الفرنسي أوليفييه بارلييه وهو من مواليد
1952 وقد تخصص قبل عشرين عاما في السينما الأفريقية واصدر أكثر من كتاب
عنها مثل "سينما افريقيا السوداء" و"السينما الأفريقية في سنوات 2000"
بالإضافة إلى كونه مستشار السينما الافريقية ضمن أسبوع النقاد لمهرجان كان
الدولي ورئيس تحرير مجلة "افريكيلتير" المتخصصة في الثقافات الأفريقية.
المشاركون
بدأت فكرة الورشة تحت مسمى ملتقى النقاد الشباب ثم تغير إسمها إلى
ورشة النقد السينمائي على اعتبار أن "الورشة" مسمى أكثر رحابة يستوعب راغبي
التعرف على عوالم النقد السينمائي من غير المتخصصين أو من محبي الاستفادة
من تجارب الأخرين المتخصصين والمحترفين، كما أن التصنيف العمري به الكثير
من عدم الدقة العلمية خاصة مع عدم وجود كادر مادي خاص لاستضافة من هم حقا
يمارسون النقد وتنطبق عليهم صفة (الشباب)، نظرا لأن المهرجان أراد أن تضم
الورشة الصحفيين الحاضرين بالفعل والذين تمت دعوتهم دون عناء التكلف بإحضار
مشاركين للورشة خصيصا.
تفاوت المستوى
أولى مشاكل الورشة بالنسبة لنا هي المشاركون حيث أن إدارة المهرجان
كما ذكرنا ارتأت أن اتاحة الفرصة واجبة بالنسبة للصحفيين الفنيين المشاركين
في تغطيات المهرجان وبالتالي كان تفاوت المستوى ظاهرا ما بين النقاد
المحترفين، وهؤلاء لم يزد عددهم عن اثنين هما الناقد الشاب أحمد شوقي وكاتب
هذه السطور، أما بقية المجموعة والتي كانت تتراوح ما بين ثمانية إلى عشرة
مشاركين فكانوا جميعا من الصحفيين الفنيين المصريين باستثناء مشاركة وحيدة
من مراسلة أجنبية انجليزية الجنسية تدعى اليس مكماهون أعلنت منذ البداية عن
رغبتها في الانضمام للورشة وشاركت خلال الجلسات اليومية الخمس بكل حماس.
لكننا نستطيع أن نقول إن تفاوت المستوى بين المشاركين جاء في مجمله في
صالح عملية التلقي والتعاطي مع المنهج الذي اتبعه مسيو بارلييه، وهو منهج
يميل للتفكيك عبر طرح الأسئلة وتجنب الأحكام القاطعة.
صحيح أن تفاوت المستوى شكل عائقا في بعض الأحيان ضمن عملية استخلاص
النظري للكثير من الخبرات والأراء النقدية والتحليلية، والتي كانت تخلص
اليها المناقشات نظرا لضعف الخلفية النظرية فيما يخص الثقافة السينمائية
بشكل عام لدى بعض المشاركين، إلا أن الكثير من الأسئلة والتعليقات عكست حجم
الرغبة في التعرف على ذلك العالم المموه الذي يتصور الكثير من العاملين في
الحقل السينمائي خاصة من الصحفيين الشبان أنه مجرد إبداء الرأي بالسلب أو
الإيجاب في الفيلم اعتمادا على ما آثاره من مشاعر أو ما عكسه من انطباعات
أثناء المشاهدة.
في رأيي أن أكثر عناصر الورشة أهمية هي أنها منحتنا فرصة التعرف على
كيفية تعاطي عينة عشوائية من الصحفيين مع أيقونة النقد فالبعض يراها مقدسة
حد الرهبة والبعض الأخر يراها متاحة بقليل من الجهد والتذاكي و"الفهلوة".
إلا أن أحدا لا ينكر أن ثمة استفادة حقيقية لمسها الجميع إثر توالي
أيام الجلسات وزوال الرهبة الأولى وظهور شعور بالحميمية الإنسانية والعلاقة
الشخصية الواجب توافرها دوما لإنجاح مثل هذا النوع من النشاطات، والتي
تعتمد في تلقيها على الراحة الشعورية والصفاء الذهني الذي يمنحه صدق
المعلومة وسلاسة عرضها ووضوح زاويتها.
سؤال لم يطرح
الحقيقية أن أكثر الاسئلة قيمة وعمقا هو الذي لم يطرح بالفعل من بين
كل الأسئلة التي طرحت وأجيب عنها خلال أيام الورشة وهو: "ما الذي يدفع
الصحفي الفني لدراسة النقد؟ وهل هو في حاجه إليه؟" إن دراسة النقد أو
التعرف على مبادئه ليست شئ بديهي بالنسبة للصحفي الفني ولكنها في حقيقية
الأمر مسألة مطلوبة وواجبة من أجل الخروج به-أي الصحفي- من قصور الرؤية
فيما يخص التغطيات الخبرية الضيقة والموضوعات التي تدور أغلبها حول النجوم
ومشاكلهم وحضورهم أو غيابهم إلى رؤية أشمل وأعمق "لفن" الصحافة السينمائية
في قضاياه وإنتاجاته وطبيعته الأثيرية التي اختصرت بفعل التردي الفني
والحضاري العام في جملة معبرة اطلقها ذات يوم الصحفي المصري عمرو خفاجه
عندما أسماها (صحافة أين ترعرت سيدتي)!
ليس معنى هذا أن بضع جلسات في ورشة نقد على هامش مهرجان صغير يمكن أن
تصنع من هذا الصحفي الفني أو ذاك ناقدا ذي شأن أو حتى متوسط المستوى،
ولكنها لا شك يمكن أن تحرك في داخله تلك الغريزة التي تقتلها صحافة
المناسبات الفنية وحواديت النجوم، ونعني بها غريزة البحث عن الأسئلة وليس
الاكتفاء بطرحها وهو ما ينقلنا في الحديث إلى المنهج الذي اتبعه مسيو
بارلييه في التعاطي مع جلسات الورشة.
معضلات التواصل أو lost
in translation
لا شك أن اللغة وهي أداة التوصيل الأولى ما بين المرسل والمستقبل في
أوليات علوم الاتصال هي العائق الأساسي في حال تباينت الثقافات وجاء كل طرف
من لسان مختلف.
في أولى جلسات الورشة تجلت معضلة التواصل اللغوي بسبب أن مسيو بارلييه
وهو فرنسي الجنسية يحتاج إلى لغة سلسلة بالنسبة لذهنه كي يتمكن من استدعاء
المعلومات وشرح المنهج والإجابة على الأسئلة. ولما كانت الفرنسية غير متاحة
بالنسبة للكثيرين منا حاولت إدارة المهرجان توفير مترجمة للقيام بالمهمة
ولكنها للأسف لم تكن على قدر التخصص الذي يؤهلها للترجمة الفورية فيما
يتعلق بورشة نوعية تحتوي على مصطلحات سينمائية قد تكون معقدة أو مختلفة
التأويل عند انتقالها من لغة إلى أخرى حرفيا.
كانت الجلسة الأولى نموذجا لما يمكن أن نطلق عليهlost
in translation
توصلنا في النهاية إلى أن اللغة الأنسب سواء على مستوى الشرح أو
التحليل أو طرح الأسئلة هي الإنجليزية على أن يقوم كل من الناقد أحمد شوقي
وكاتب هذه السطور بمهمة الترجمة بشكل يضمن حرفية المعنى وروح اللغة وصواب
المصطلح عبر نظام ترجمة مذدوج يجتهد أن لا تفوت منه شاردة من حديث مسيو
بارلييه إلا وقد تم ترجمتها للجميع.
أثبتت التجربة أن الإلمام بحرفية النقد سواء على مستوى الدراسة العامة
أو التخصص يحتاج إلى إجادة الناقد لغة أجنبية واحدة على الأقل، فهناك من
الخبرات والمعلومات الهامة والأساليب المنهجية في التحليل أن من الصعب أن
نظل أسرى لغتنا في انتظار ترجمته.
ولنتصور لو أن الجميع كان على مستوى إجادة اللغة بالشكل الذي لا
يستدعي معه وجود ترجمة ألم يكن الوقت المستهلك فيها أحق بأن يتم توظيف
طاقاته في مزيد من المناقشات والتحليلات والخلاصات النظرية!
المنهج أو أين السؤال؟
بعد أن انتهى التعارف على خلفيات المشاركين في الورشة كان السؤال
الأول الذي اطلقته المجموعة: ما هو النقد؟ وهو السؤال الذي يعكس تلك الرغبة
في التأكد من مدى مطابقة وجهة نظرنا عن النقد في مستواه التجريدي وبين ما
نظن أننا نعرفه عنه.
قدم مسيو بارلييه من خلال عملية تعريف المصطلح لغويا- برده إلى أصله
اللاتيني- أولى ملامح منهجه التحليلي عندما قال: إن أصل كلمة نقد في
اللاتينية تأتي من جذر ذو معنيين الأول هو أن تحكم على الشئ والثاني هو أن
تشير إلى سلبيات شئ ما، ثم قال ان منهجه يعتمد دائما على أن دور الناقد هو
أن يشير إلى عيوب الفيلم ومميزاته وليس أن تحكم على الفيلم بل تحاول أن
تترك الحكم للقارئ والمتلقي من خلال المساحة الممنوحة له عبر تحليلك.
ثاني عناصر المنهج التحليلي بالنسبة له هو الإيمان بأن كل فيلم "جيد"
هو فيلم يطرح سؤالا وليس إجابة وبالتالي فإن دور الناقد هو البحث عن السؤال
الذي يطرحه الفيلم ويرصد محاولات الإجابة المحتملة سواء التي من الممكن أن
تكون قد وردت داخل السياق أو تحتاج إلى العالم الخارجي للإجابة عليه.
ثالث عناصر المنهج هو ضرورة أن يتوقف الناقد أمام عنوان الفيلم، كان
مسيو بارلييه يصر على كتابة إسم الفيلم دائما فوق لوحة الدرس والبدء منه
والتساؤل حوله والانطلاق من دلالاته المباشرة وغير المباشرة والوصول إليه
ثانية في نهاية رحلة التفكيك التحليلية، وفي بعض الأحيان كان يضيف إلى فكرة
تحليل العنوان أو اعتباره أحد مفاتيح قراءة الفيلم عنصر التطبيق المنهجي
للسيميائية والديناميكية فعلى سبيل المثال في إحدى الجلسات التي نوقش فيها
فيلم "كل شئ على ما يرام" للمخرجة الأنجولية بحث المشاركون كيف أن الفيلم
يتحدث عن الهجرة غير الشرعية والحرب الأهلية وأزمة البحث عن الهوية هي
الدلالات المباشرة التي تأتي من وراء تحليل الواقع الفيلمي وتحدث البعض عن
السخرية الظاهرة في العنوان التي لا يمكن استشفافها إلا بمشاهدته لبيان انه
لا شئ على ما يرام كما يدعي عنوان الفيلم قاصدا.
هنا أوضح مسيو بارلييه أن ما تحدثنا عنه في البداية فيما يتعلق
بالهجرة والحرب والهوية كلها قراءات سيميائية أما القراءات الديناميكية هي
كيفية تعبير المخرجة عن هذه الأفكار والعناصر فالسخرية الواضحة في العنوان
هي جزء من التوظيف الديناميكي لفكرة عكس الواقع وهي أحد عناصر الكوميديا
سواء السوداء او الهزلية.
هنا لفت المحاضر نظر المشاركين إلى أن التفكير النقدي يجب أن يتجاوز
مجرد الشعور بالدلالة إلى البحث عن كيفية حلولها سينمائيا في الواقع
الفيلمي أي ماذا استخدم المخرج من تقنيات التصوير والمونتاج والإضاءة
والدراما والتشخيص كي يعبر عن أزمات الهجرة والحرب والهوية.
نضيف إلى تلك العناصر اصرار المحاضر طوال الوقت على أن يذكرنا بأن
النقد مهما كان منهجه أو مدرسته يظل في النهاية سلوكا ذهنيا ونفسيا شديد
الذاتية لا من حيث كونه نشاطا وجدانيا نابعا من الموهبة الفردية والخلفيات
الثقافية والذائقة الفنية والمستوى العلمي للناقد ولكن أيضا فيما يخص
الإيمان بحرية التأويل وبراح القراءة والتجرد من وجهات النظر المسبقة أو
القاطعة أو التي لا تستند إلى أسباب من داخل الفيلم وليس من خارجه أو
المتأثرة بآراء الآخرين وتصوراتهم سواء كانت صحيحة أو خاطئة.
وقد لاحظنا أن مسيو بارلييه يصر على ضرورة أن يقرأ الناقد حول خلفيات
صناع الفيلم وكواليس إنتاجه وظروف المشروع الذي تمخض عنها في النهاية،
ولاحظنا أنه يبدأ في بعض الأحيان تحليله للفيلم من خلال الحديث عن مخرجه
وتاريخه الفني سواء كان قصيرا أم طويلا وكيف بدأت فكرة الفيلم ومن أين حصل
على التمويل ومن هو كاتب السيناريو وتاريخه وهل القصة حقيقية أم مقتبسة أم
مؤلفة.
في بعض الأحيان كان يتطرق إلى الحديث عن الشركات التي انجزت الأفلام
وعن أصول أموالها وكيفية تعاطيها مع المخرجين والمشاريع المقدمة لها، حتى
ولو لم يرد ذكر هذا في المقال أو التحليل المكتوب عن الفيلم. إنه امر أشبه
بدراسة البيئة التي يقوم بها الكاتب قبل الشروع في كتابة رواية أو سيناريو،
أو شئ أقرب للتعرف على تاريخ الشخصيات التي سوف تكون محور الحكاية، حتى لو
كانت ثمة معلومات من تاريخها لن يرد ذكره في السياق الدرامي.
باختصار إستطعنا أن نرصد كيف يتعامل بارلييه مع المقال التحليلي على
أنه عمل أدبي يحتاج إلى دراسة خلفيات الفيلم والتعرف عليها كجزء من التنوير
الذهني والنفسي قبل الشروع في تحليل ما جاء على الشاشة.
من الأمور الهامة أيضا التي يجب التوقف أمامها في منهج هذا المحاضر هو
قدرته على التجرد من الأحكام المؤدلجة والآراء القائمة على اختلاف الثقافات
وصدام الحضارات، فعل سبيل المثال كان يصر على رفض تطبيق المنهج المناهض
للفكر الاستعماري في تحليل الأفلام أي النظر إلى الفيلم على أنه فعل يؤسس
للنظرة الإستعمارية المستمرة من قبل الغرب إلى الواقع الأفريقي، وهي النظرة
التي تحصر الأفريقي في شخصية المتوحش البدائي العبد الذي تحتل الخرافات
والشهوات وتدني النظر للمرأة مجمل ثقافته وتمثل البدائية بيئته الطبيعية
التي لم تتغير منذ آلاف السنين.
كنا ندرك أحيانا حساسية موقفه كناقد غربي أبيض فرنسي متخصص في سينما
أفريقية جنوبية سوداء وعربية منخفضة التكلفة المادية والفكرية على حد سواء،
لكن مما لا شك فيه فإنه لم يكن برفضه للنظرة الكولونيالية يترفع أو يغض
النظر أو ينكر وجودها ولكنه كان بشكل غير مباشر يريد منا ألا نظل ونحن من
شباب النقاد والصحفيين الأفارقة أسرى تلك النظرة والتي بلا شك تحول دون
تحليل موضوعي أو رؤية متكاملة ومتجردة ونقية ربما تمنحنا قراءات أعمق وأكثر
تفكيكية من تلك الرؤية التي سوف تحدها بلا شك النظرة الغاضبة التي يتسبب
بها عادة هذا المنهج في التحليل.
الخلاصة
استطاعت تلك الورشة التي امتدت على مدار خمسة أيام أن تبلور الكثير من
الحقائق الهامة فيما يتعلق بضرورة وجود مثل هذه النشاطات على هامش
المهرجانات المصرية والعربية خاصة في مجال النقد السينمائي, ومهما كان ما
يقال عن أن النقد موهبة وحدس وتمرس وثقافة ونظرة متفردة وعميقة ومنهجية في
الأسلوب وقدرة على التحليل إلا أن حجم ما يحدثه الاحتكاك مع كل هذه العناصر
السابقة، سواء من قبل الصحفيين الفنيين غير المتخصصين أو من الراغبين في
التعرف على أساسيات الفعل النقدي لا شك له أثر ايجابي كبير في إجلاء
الذائقة السينمائية وتحفيزها وضخ الدماء في شرايينها المتصلبة من جراء
التكلس الناجم عن ممارسة الفعل الصحفي الإخباري بلا وجدان فني أو ذهنية
علمية، بالإضافة إلى أن تعاطي الصحفي الفني مع حقيقية المصطلحات السينمائية
وبيان معناها ودلالاتها لا شك سوف يختلف بعد هذا النوع من الورش والملتقيات
نتيجة شعور الصحفي بمسؤولية المصطلح وحساسيته وخوفه من أن يتهم بالجهل أو
عدم المعرفة.
إن الغرض الأسمى من هذه الورش ليس تفريخ نقاد جدد أو تلقين النقد على
اعتبار أنه مادة نجاح ورسوب ولكن خلق شرائح من الصحفيين الفنيين ذوي
الحساسية والذوق السليم والضمير الفني الحي الذي لا تحكمه فقط المصالح
وأرقام المصادر والنواحي الدعائية الزائفة في الحديث عن السينما.
أحمد بوغابة يدق ناقوس الخطر لمهرجان تطوان السينمائي
ينبغي دق الجرس بقوة هذه السنة حتى يسمعه المنظمون لأن "سوسة" تنخر
المهرجان من الداخل منذ ثلاث سنوات وهم عنها ساهون، أو غافلون لا أدري، مع
أن أهميتها كبيرة حتى لا يستفيقون وهم تحت أنقاض تظاهرتهم التي ناضلوا بكل
الوسائل والإمكانيات الجسدية والفكرية لكي تصمد وتصل إلى هذا البعد الدولي
والإشعاع فتذهب سدى. لا ينبغي على إدارة المهرجان أن تهتم بتفاصيل اختيار
الأفلام وضبط مسابقاتها الثلاث والندوات بجهد جهيد طيلة السنة لتنخر كل هذا
المجهود "سوسة" في غاية الخطورة كالسرطان إن لم يكن أخطر منه بكثير.
أبرمت مؤسسة المهرجان الدولي لسينما بلدان المتوسط مع شركة خاصة
إتفاقا على أساس أن تسهر هذه الشركة، طيلة الأسبوع، بالحفاظ على النظام في
أبواب القاعات والفضاءات التي تستقبل أنشطة التظاهرة، وكذا استقبال الضيوف
وتوفير ما يلزمهم من ضروريات العمل وتنسيق الأنشطة معهم وإخبارهم بها وخاصة
بمستجداتها وما يحدث من التغييرات فيها حتى لا يضيعوا في متاهة ما. وهذا
العمل الذي هو من البديهيات الأولية، والذي تقوم به شركات كثيرة في المغرب
باحترافية عالية، لم تستوعبه الشركة التي تعاملت معها إدارة المهرجان خاصة
في السنتين الأخيرتين. فهي بعيدة كل البعد عن الاحتراف بل لا تعرف ما معناه
في قاموسها ولا تدرك بأنها تصبح هي واجهة المهرجان وعيونه وأنه غير مسموح
لها بالخطأ إطلاقا وبصفة قطعية.
فقد اعتمدت هذه الشركة منذ وصولها إلى المهرجان، منذ سنتين، على عناصر
لم تخرج من طفولتها بعد وتخضع للتدريب والتمرين، ولا تفقه في خصوصية "دولية
المهرجان" وخصوصيته الثقافية والفنية وكأنها في مكتب الاستقبالات بأحد
المتاجر في غياب المؤطرين أصلا المفروض فيهم الحضور الفعلي. هنا تبدو
اللامسؤولية للشركة في ضمان ما إلتزمت به مع المهرجان. يتركون فتيات
مراهقات أمام مسؤوليات كبيرة عليهن ولا يعلمن كيف يتصرفن فيفضلن الانسحاب
والاختفاء خاصة في الفندق الذي يوجد به المدعوين الأجانب فندق "قبيلة". يتم
استقدام تلك الفتيات من المعهد العالي للسياحة أو مدارس خاصة بالمجان بحجة
تدريبهن وقد تدعي الشركة أنها تخصص لهن تعويضا ماليا وهو غير صحيح بتاتا،
فقط لضمها إلى الفاتورة النهائية.
وهذا يسري أيضا على السائقين الذين كانوا يعيشون في وضعية مزرية
بالمبيت في سياراتهم والاكتفاء بسندوتشات طيلة اليوم فيتصرفون بانتقام
تُجاه المدعوين كأنهم هم المسؤولون عن أزمتهم إلى حد توظيف شخص مريض كان
دركيا في السابق يهدد بعض الزوار بذلك، وهذا خطير جدا في عُرف المهرجانات.
ويرفضون التحرك بسياراتهم بدعوى انتظار التعليمات من مسؤولين غير موجودين
أصلا.
حين يجد بعض المدعوين، من جنسيات مختلفة، أنفسهم أمام بعض التساؤلات
التنظيمية واللوجيستيكية بدون أجوبة يخلق لديهم نوع من عدم الاطمئنان خاصة
لمن هم متعودين على مهرجانات كثيرة. فيتم خلخلة الصورة المغربية التي
تروجها وزارة السياحة في وصلاتها الإشهارية بالخارج.
إن على إدارة مؤسسة المهرجان، بكل أطيافها، استدراك هذه النقطة
السوداء في تنظيم المهرجان لأنها هي إحدى الصور التي يحملها معه الزائر في
الداخل والخارج. ينبغي على إدارة المهرجان أن تستوعب هذا الخلل لأنه ينخرها
من الداخل خاصة وهناك تواطؤ بين الشركة وبعض أعضاء إدارة المؤسسة نفسها
التي لها سوابق في الميدان حيث أتوفر على تصريحات مكتوبة وأخرى مسجلة
بالصوت لبعض المدعوين الأجانب وأيضا بالصور لهذا الخلل والتواطؤ.
استرجاع المهرجان
تبين بالملموس المحسوس أن مؤسسة المهرجان أساءت إلى المهرجان بتعاملها
مع تلك الشركة مما يلزم الآن وزارة الاتصال التي خلقت لجنة خاصة
بالمهرجانات أن تقف عن كثب عند مسؤولية تلك الشركة في تهديم واحد من أهم
المهرجانات في المغرب وأقدمها. كما نقترح على "جمعية أصدقاء السينما بتطوان"
التي تملك أحقية هذا المهرجان باعتبارها صاحبته شرعا وقانونا وثقافة
وسينمائيا وتاريخيا أن تحل "المؤسسة" وتسترجع وطنها السينمائي بنفس
الاستقلالية التي كانت لها من قبل ما دامت هذه المؤسسة لم تضفها جديدا أو
ترتقي بها بقدر ما جرَّت المهرجان إلى الوراء... وقريبا إلى الهاوية. فلا
يمكن ترك هذا المكتسب السينمائي "تلعب" فيه شركة "لا تملك إلا إسما فقط".
فهي تستقدم عند اقتراب المهرجان، كما قلنا أعلاه، فتيات بالمجان للاستقبال
دون تجربة أو وعي بأهمية "دولية المهرجان وليس عرسا عائليا ينظمه صاحب
الشركة الوهمية". كما يكتري سيارتين: واحدة من هنا وأخرى من هناك لأكثر من
150 مشارك. ونفس الشيء للميكروفونات التي لا تشتغل أغلبها. وغيرها من
الوسائل الضرورية للعمل بمهرجان متوسطي ببعد دولي. فهل يفهم ما معنى مهرجان
دولي؟؟؟
يمكن ل"جمعية أصدقاء السينما بتطوان" أن تستغني عن كل ما من شأنه
الإساءة لتاريخها وبخلق في المقابل شبكة من المتعاطفين معها والمساندين لها
في مختلف الأقطار المتوسطية وهم كثيرون وعلى كامل الاستعداد لمساعدتها بدون
حرج من جهة، ومن جهة أخرى أن تعتمد على الفعاليات المحلية من طاقات وكفاءات
كُفأة التي بإمكانها أن تحقق لها ما لم تنجزه تلك الشركة الوهمية التي
تنزفها ماليا وماديا ومعنويا فضلا عن الإساءة إليها.
إن الدورة المقبلة التي ستصل إلى رقم العشرين (20) ينبغي أن تكون دورة
التحول الفعلي نحو الأمام في التنظيم. أما البرمجة فلم تعد مشكلا للمهرجان
بقدر ما تتطور سنويا. فلا بد أن يسير على الطريق الصحيح ويتجاوز العطب في
التنظيم والإعاقة التي تسببها له الشركة المزعومة.
تأكد بدون جدل بإن "جمعية أصدقاء السينما بتطوان" قادرة على تنظيم
مهرجانها باستقلالية عن "المؤسسة" باعتمادها على تجربتها التي راكمتها
لأزيد من ربع قرن. وإلا ستكون مسؤولة هي بدورها في جر المهرجان إلى الهاوية
إذا لم تُجْرِ عملية جراحية استئصاليه للورم (السوسة) الذي ينخرها من
الداخل.
كتاب جديد حول سينما سعد شرايبي يصدره مهرجان الراشيدية
الرشيدية : أحمد سيجلماسي
اصدرت جمعية القبس للسينما والثقافة بالرشيدية في مستهل سنة 2013
كتابا جديدا بعنوان "سينما سعد شرايبي: بنياتها ودلالاتها" وذلك بمناسبة
تنظيمها للدورة الثامنة لمهرجان الرشيدية السينمائي من 3 الى 7 أبريل
الجاري.
ويتضمن البرنامج العام لهذا المهرجان السينمائي فقرة للتعريف بهذا
الكتاب السينمائي المغربي الجديد وتوقيعه بحضور المخرج سعد الشرايبي
والنقاد المساهمين في تحرير مواده وذلك في الخامسة من مساء السبت السادس
أبريل 2013 بقاعة فلسطين بالرشيدية.
وتجدر الاشارة الى أن هذا الكتاب هو في الأصل تجميع لأشغال ندوة علمية
نظمت في اطار مهرجان الرشيدية المذكور سنة 2012 حول التجربة السينمائية
للمخرج المغربي سعد الشرايبي ، أضيفت اليها شهادتان في حق الشرايبي الفنان
والانسان من توقيع أحمد سيجلماسي والراحل محمد سكري ومجموعة من صور
الشرايبي وشخصيات وملصقات أفلامه الروائية الطويلة.
يتضمن كتاب "سينما سعد شرايبي: بنياتها ودلالاتها " في شقه العربي
ثلات دراسات هي على التوالي " سعد الشرايبي :رهانات الالتزام واخفاقات
الواقع "لمحمد اشويكة و"سينما سعد الشرايبي وتعبيرية الانهيار" لحميد
اتباتو و"فيلم" نساء.. ونساء" أو الرغبة في تجريب جماليات بديلة "لمحمد
البوعيادي، كما يتضمن شهادتين هما: "سعد الشرايبي: المخرج السينمائي
والانسان" بقلم الراحل محمد سكري و"سعد الشرايبي الابن البار لحركة الأندية
السينمائية بالمغرب" بقلم أحمد سيجلماسي. أما القسم الفرنسي فيتضمن بدوره
ثلاث دراسات هي على التوالي: "الاجتماعي والسياسي والتاريخي في سينما سعد
الشرايبي "لبوشتى فرق زايد و"زكية وليلى وكلثوم وغيثة والأخريات "لمولاي
ادريس الجعيدي و"سعد الشرايبي: جمالية للعطش" ليوسف آيت همو.
مجموعة من منتجي السينما العرب يحاولون سرقة الضرائب
البريطانية!
عادل شكري
حكم بالسجن على منتجي فيلم محدود التكاليف low
budget بتهمة الاحتيال من أجل إختلاس 2.8 مليون جنيه استرليني (أكثر من
أربعة ملايين دولار) من أموال الضرائب البريطانية.
ونشرت مجلة "سكرين انترناشيونال" حوارا مع مخرج الفيلم، بول نايت،
تحدث فيه عن تجربته في العمل مع مجموعة من المنتجين العرب الذين أصدرت
محكمة سوذارك أحكاما بالسجن عليهم أخيرا.
فقد حكم على مديري شركة "إيفولفد" Evolved بشار العيسى بالسجن لمدة 6 سنوات و6 أشهر، وعلى شريكه أويفي مادن
بالسجن لمدة أربع سنوات.
وحكم على طارق علي بأربع سنوات، وعلى أسامة البغدادي (4 سنوات)، وإيان
شيروود (3 سنوات ونصف) لثبوت تورطهم في عملية الاحتيال ومحاولة الاختلاس.
وبرأت المحكمة مخرج الفيلم الي لم يثبت له أي دور في العملية.
وكانت هذه الشركة قد زعمت أنها أنتجت فيلم "منظر طبيعي من الأكاذيب" A Landscape of Lies بميزانية
تبلغ أكثر من 19 مليون جنيه استرليني (نحو 29 مليون دولار) وطالبوا مصلحة
الضرائب البريطانية باسترجاع 2.8 مليون جنيه استرليني زعموا أنهم دفعوها
كضريبة مبيعات. أما الفيلم، الذي يدور حول جندي بريطاني اشترك في حرب
الخليج الثانية وهو الآن يطالب السلطات البريطانية بإنصافه، وكان الإسم
الأصلي للفيلم "منظر طبيعي من الحياة" فقد تكلف 84 ألف جنيه استرليني فقط
(ما يوازي 128 ألف دولار)!
وقال مخرج الفيلم إنه لم يتقاضى أجره عن إخراج الفيلم. وأوضح أن
المنتجين طلبوا منه اخراج الفيلم مقابل أن يقوموا فيما بعد بتمويل أفلامه
الخمسة القادمكما وعدوه بإنتاج فيلم يخرجه عن قصة روبن هود.
وقد كشفت شركة متخصصة في مراجعة الحسابات أمر التزوير الذي قامت به
المجموعة العربية (معظمهم من الأردن) بالمبالغة الشديدة في ميزانية الفيلم
كما توصلت إلى أن معظم ما دونته الشركة من إيجار معدات وستديوهات هي أرقام
ومعلومات وهمية تماما.
عين على السينما في
03/04/2013
محمود حميدة:
كل اللى فوق الخمسين لازم يقعدوا فى البيت
حوار أميرة
عاطف
عشقه لأشعار فؤاد حداد، وإيمانه الشديد بالشعب المصرى، جعله أشبه
بفيلسوف قادر على قراءة الواقع وتحليله، فالفنان الكبير محمود حميدة يصمت
كثيراً، لكنه عندما يتحدث يكشف عما لا يراه الكثيرون. وفى حواره «مع المصرى
اليوم» يجيب محمود حميدة عن تساؤلات تشغل عقل ملايين المصريين البسطاء
الذين يعبر عنهم فى أعماله.
■
ما تقييمك للوضع السياسى فى مصر حالياً؟
- ليس هناك رأى يمكن أن يقال عن هذه الحالة، لأن كل واحد متمسك «باللى
فى دماغه وعايش فيه»، ولا يسمع الآخر، وحتى ليس لديه أن يتراجع خطوة عن
موقفه، وقلنا منذ بداية الثورة إننا سنشاهد دماً كثيراً وهو ما يحدث
حالياً.
■
وكيف نخرج من هذا الوضع المتأزم؟
- «لازم كل اللى فوق الخمسين يبتعدوا عن المشهد ويروحوا بيوتهم
ويسيبوا الشباب يشتغلوا»، والكلام عن أن الشباب تنقصهم الخبرة فيه مزايدة
على مخلوقات ربنا، فالشباب القادرون على العبور بنا من هذه الأزمة، وإذا
كان أى شخص من الموجودين على الساحة يعتقد أنه سيصحح الأوضاع وسيبنى
المستقبل، فإننى أقول له هذا لن يحدث أبداً، وبالتأكيد هو «واهم».
■
هل هذا يرجع لتفكير الجيل الموجود على الساحة فى مصلحته الشخصية؟
- ومن الذى لا يفكر فى مصلحته الشخصية؟، لابد أن يفكر كل شخص فى
مصلحته الشخصية ولكن بأى طريقة وبأى منطق، ولابد من وجود معادلة تحكم ذلك.
■
هل عبور المأزق الذى نعيشه مستحيل فى ظل سيطرة الإخوان الذين يرفضون وجود
أى فصيل آخر؟
لا أعرف الإخوان أو تفاصيلهم، كما لا أعرف الآخرين، لكننى لن أسمع أى
شخص تجاوز عمره ٥٠ سنة، لأننى متأكد أنه ليس لديه أى حلول.
■
وما الذى سيفعله الجيل القديم فى حالة تقاعده؟
- «يقعدوا ورا عيالهم» لمجرد المشورة، وحتى رأيهم غير ملزم، والقضية
أننا كآباء إذا لم نقتنع بأننا لا نصلح «يبقى كلامى كله فشنك»، كما لا يجوز
أن يسير الجيل القديم إلى جوار الجيل الجديد لأننا كلنا فاسدون بالضرورة، «واللى
فاكر نفسه مش فاسد يبقى ربنا يتولاه، وبما إننا كنا رجاله جامدين قوى
معملناش حاجة ليه»، فمنذ أن ولدت سنة ١٩٥٣ وحتى الآن، لماذا لم أفعل أى شىء،
«جاى دلوقتى لما بنتى نزلت الشارع وكسرت النظام، طالع أقول أنا أبوالبنت دى،
وأنا اللى معلمها».
■
هل ترى أن ما نمر به حاليا وضع منطقى بعد الثورة؟
- الناس تتعامل مع الثورة على أنها ثورة تقليدية رغم أنه ليس لها أى
مثيل فى التاريخ الإنسانى كله، وهذه الثورة استمرت ١٨ يوماً فقط، وما يحدث
حالياً كان لابد أن يحدث لأن اتجاهاتنا مختلفة وتعليمنا مختلف، وبالتالى
تفكيرنا مختلف عن بعض بمسافات بعيدة، ومن الضد للضد، من الشيوعى إلى الدينى
المتطرف أيا كان مسلماً أو مسيحياً، وكل واحد فيهم يرى أن الحل لديه.
■
لكن فكرة التوافق قد تكون حلا لما نواجهه من أزمات؟
- وكيف يتوافقوا؟، لو كانوا «هيتوافقوا كانوا عملوا كده»، وأعتقد أن
هذا لن يحدث، وثورة ٢٥ يناير من وجهة نظرى قامت لكى تجيب على سؤال: أنا
لماذا؟، وكل فرد فيها خرج بدافع هذا السؤال، لكن لم يكن هناك اتفاق على
توجه معين، وهذا يحتاج إلى «قعدة ونظر» ومن يفعلوا ذلك لابد أن يكونوا
شبابا.
■
ولماذا توارى الشباب من المشهد؟
- «عشان قرفانين مننا، يعنى هيروح الشاب يضرب أبوه ويبقى قليل الأدب»،
فلابد أن يترك الأب المهمة لابنه لأنه «مش نافع»، ولا يعرف حتى يستخدم
الكمبيوتر ولا يفعل أى شىء، واستمرارهم بهذا الوضع لا يحكمه إلا الأنانية،
وكل فترة نسمع عن حق الشهداء، «ولا حق شهداء هيجى» ولا ثورة مستمرة، لكن
هناك حالة فوضى مستمرة، وبلطجة مستمرة، وجريمة مستمرة، وكل الناس حاليا
تُخرج أسوا ما فيها، فنحن كسرنا السقف.
■
وكيف يسير الوضع فى الاتجاه الصحيح؟
- «معنديش فكرة، أنا قاعد فى نهاية الأتوبيس وفيه واحد سايق قدام»،
وكنت متوقعاً كل ما يحدث منذ بداية الثورة، ولكن ليس لدى سيناريو للخروج من
الأزمة لأننى لست محللا سياسيا، ولا أستطيع تقديم تقرير علمى، ولكنى أتحدث
عن حالة اجتماعية ورؤيتى لها، وكل شخص له رؤية لكن هذا لا يعنى أنه يصلح
للمشاركة فى بناء دولة أو نظام.
■
قلت إنك تجلس فى نهاية الأتوبيس، فما الوضع لو كان السائق «كفيف»؟
- «يبقى رحنا فى داهية»، ومضطر للبقاء لأن ليس لدى أى حل آخر، «خربت
آدى إحنا قاعدين، عمرت آدى إحنا قاعدين».
■
لكن المفروض أن يقاوم الفن ما يحدث؟
- لا أستطيع أن أشارك إلا بالأفلام، لست جنديا ولا فلاحاً، أنا ممثل.
■
هل حالة اليأس الموجودة عند الناس قد تٌصعب من عملية التغيير؟
- أنا لا أيأس أبداً ودائما متفاءل، وتفاؤلى يرجع إلى أنه لا أحد
يستطيع إيقاف مسيرة الشعب المصرى، وكما قال فؤاد حداد «إحنا الشعب المصرى..
أول سيرة الإنسان.. إحنا من صخر العزيق والصبر.. وإحنا من طل وندى
المواويل.. وزى ما تعود علينا النيل زى ما تعود علينا العطش.. يمكن خطانا
فى الزمان كان من سبيل الرحمة والحنية.. يصعب علينا فى يوم نفارق عيالنا..
ومجاش فى بالنا.. زى العرق الدم يبنى البيوت»، والشعب المصرى طوال تاريخه
لم يستكن.
■
إذن كيف تفسر بطء حركة التغيير؟
- هذه طبيعة الشعب المصرى، فالسمة الكبرى للعقلية المصرية هى الصبر،
فليس هناك شعب اعتنق ديانة لمدة ٧ آلاف سنة إلا المصريون.
■
قبل الثورة كنا نسمع عن احتمال حدوث ثورة الجياع، فهل من الممكن أن يحدث
ذلك؟
- نحن دخلنا فى أجواء هذه المرحلة من مدة، وممكن فعلا أن تحدث ثورة
جياع، ووقتها المشهد سيكون دمويا ورهيبا ولا يتحمله أحد.
■
هل لن يترك الإخوان الحكم إلا بالدم وثورة للجياع؟
- أنا أتحدث عن جيل كامل لابد أن يتنحى عن المشهد، ولا أتحدث عن سلطة
حاكمة، وأى فصيل آخر كان سيحكم كان سيفعل نفس الشىء، وفى علم الإدارة
النظام الذى أنتج مشكلة بالضرورة هو غير قادر على حلها، ولذلك الشركات
والمؤسسات تغير دمها وشكلها كل ٥ سنوات لكى يحدث لها قفزات، وأنا من جيل
وافق على النظام الفاسد سواء علما أو جهلا، أما من اعترضوا على النظام
وماتوا أو مازالوا على قيد الحياة، فهم قلة فى المجتمع ومغلوبون على أمرهم
بالضرورة.
■
ومن المسؤول عن الدم الذى يسقط كل يوم؟
- كلنا مسؤولون ولكى نغير الوضع لابد أن يتغير النظام، والنظام لم
يتغير.
■
هل من الممكن أن يحدث أخونة للفن؟
- لا أفهم الإخوان لأننى لم أقرأ أدبياتهم، ومن الممكن أن تحدث
الأخونة، لكن لن تستمر طويلا لأن الناس جميعا لا ينطلى الزور عليهم.
■
معنى هذا أن الفن سيستمر على يسار السلطة؟
- الفن المصرى لم يقف أبدا على يسار السلطة، وبعض الأفلام التى انتقدت
النظام قدمها عدد قليل من المبدعين، ولا يجوز أن نقول إن الفن كان على يسار
السلطة، فهو كان وسيظل مع السلطة.
■
بعيداً عن السياسة متى سيخرج مسلسل «ميراث الريح» إلى النور؟
- المسلسل بدأنا تصويره السنة الماضية، ونتمنى أن نستكمله هذا العام
حتى يعرض فى شهر رمضان المقبل، وأنا «مكنتش حابب اشتغل فى التليفزيون»
لأسباب كثيرة، ولكن إذا اقتنعت بعمل آخر من الممكن أن أكرر التجربة، رغم
أنى لا أصدق أن هناك من يجلس ليتابع ممثلاً معيناً لمدة شهر كامل.
■
ماذا عن مشروعاتك السينمائية الجديدة؟
- لدى مشروع مع المخرج فوزى صالح لتحويل فيلمه التسجيلى «جلد حى» إلى
فيلم روائى طويل، وأنا من الممثلين الذين سيشاركون فى البطولة.
■
هل تحمست لفوزى صالح لأنه زوج ابنتك؟
- إطلاقا، فهل أنا الذى قدمت له فيلمه الأول؟، بالتأكيد لا، لكنه
سينمائى فريد من نوعه، وهو من الجيل الذى كنت أقول عليه لأصحابى «إحنا
منعرفش عيالنا»، ومن هذا الجيل بناتى، لأن لكل واحدة فيهن شخصيتها
المستقلة.
■
ألا تتدخل فى اختيارات بناتك؟
- لا، لأن ذلك ليس من حقى، والأب الذى يظن أن ذلك من حقه يريد أن
يستعير حياة ابنه أو ابنته، ليعيش هو بدلا منهم، لكنه لا يستطيع أن يحلم
بدلا منهم أو يتصور المستقبل بدلا منهم .
■
هل تستشير بناتك فى أعمالك؟
- «لما آجى أعمل حاجة مبشورش على حد لأنى عايز أعيش»، والأفعال لها
دوافع، والوعى بالدوافع يأتى بعد خبرة حياتية، ولو كنت أريد القيام بعمل
لأنى أحتاج للمال «هاشور على حد ليه»، وهناك أفلام قدمتها ولو كنت أخذت رأى
أحد «مكنتش هاعملها».
«عن
يهود مصر»..
ليس فيلماً عن التاريخ بل عن الحاضر
رامى عبدالرازق
تقول المونتيرة روزاليندا ديلمر مونتيرة الفيلم الشهير «الأرض
الإسبانية» الذى كتبه هيمنجواى «إن السينما التسجيلية لا تستهدف كشف
الحقائق وإنما دعوة المتلقى إلى المشاركة» أى أن صانع الفيلم التسجيلى لا
يقف دوره عند حدود تقديم بعض المعلومات والأمور المجهولة بالنسبة للمتلقى،
ولكنه كلما استطاع أن يجعله متورطاً ذهنيا ونفسيا فى البحث عما وراء ما
شاهده على الشاشة كان فيلمه أكثر قوة وعمقاً وتأثيراً.
فى فيلمه التسجيلى «عن يهود مصر» يحاول أمير رمسيس أن يتخذ هذا الموقف
«التسجيلى» من أحد أكثر العناصر التاريخية حساسية فى تاريخ مصر الحديث وهو
فكرة «التعددية وتقبل الآخر» وذلك عبر موتيفة سياسية وتاريخية شديدة
الالتباس والخطورة وهى «اليهود المصريين». اسم الفيلم «عن يهود مصر» وليس
(يهود مصر) كما هو شائع لأن «عن هنا» تفيد تجزئة الرؤية أو عرض وجهة نظر
فهو لا يتحدث عن «كل» يهود مصر كما يدل العنوان المجرد ولكن عن «بعض» ما
يخص تاريخ اليهود فى مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين، وذلك للخروج
من هذا المثال السينمائى بما يمكن اعتباره رسالة أو إسقاطاً واضحاً على
دعاوى رفض الآخر - المختلف فى الدين - التى أصبحت جزءاً أساسياً من الخطاب
اليمينى والسلفى فى المجتمع المصرى ما بعد ثورة يناير وربما ما قبلها أيضا.
نحن لسنا أمام مجرد مادة تسجيلية تحكى جانبا من المسكوت عنه فى
التاريخ السياسى أو حتى الاجتماعى المصرى ونعنى به وجود اليهود كجزء من
نسيج المجتمع ما قبل ثورة يوليو ١٩٥٢ ولكننا أمام إعادة بناء مشهد تاريخى
لا يزال حيا فى الذاكرة حول مجتمع يمارس التعددية الدينية والسياسية
والاجتماعية بدون أمراض عنصرية أو فهم خاطئ لمفاهيم الليبرالية والعلمانية
وبقدر كبير من الشفافية والمصالح الإيجابية والتقبل النفسى والإنسانى الذى
كان يجعله بالفعل مجتمع متحضراً وراقاً، وهو نفس ما يجعل ذات المجتمع - عقب
نصف قرن أو يزيد بغياب تلك العناصر المهمة مجتمعاً متخلفاً ومتطرفاً
وعنصرياً يتخذ من النظرة الضيقة للدين – والسياسة - تاريخا بديلا يبدأ
بالأمس فقط، وكأن ما كان لم يكن، أو كأنه عصر من الجاهلية وما قبل الفتح «الدينى
أو السياسى».
يقسّم أمير فيلمه إلى أربعة أقسام القسم الأول هو عرض سريع موجز
لطبيعة التواجد اليهودى فى مصر خلال القرنين الأخيرين وحتى قيام الثورة
وبداية الصراع العربى الإسرائيلى وهو ما يأتى فى شكل لقاءات مع عدد من
المؤرخين والمهتمين، ثم ينتقل إلى شهادات حية من اليهود المصريين سواء
الذين هاجروا بعد حرب السويس أو فى بداية الستينيات أو الذين بقوا وأصروا
على «مصريتهم»، ويتعامل أمير مع هؤلاء بصريا خلال الفيلم باستخدام أسلوب
البورتريه حتى إنه مونتاجياً يقوم بتثبت الكادر على الشخصية «اليهودية»
التى تتحدث عن نفسها وتاريخها وعلاقتها بمصر، وكأنه يلتقط لها صورة
فوتوغرافية وقد أفادته هذه التقنية فى صياغة هارمونى بصرى مع كم الصور
الفوتوغرافية التى تمثل البدن البصرى الحقيقى للفيلم أو المعادل التصويرى
لما يقال من شهادات وحكايات ومعلومات عن موضوع الفيلم.
ثم يعقب هذا الجزء بالحديث عن التاريخ خاصة فيما يتعلق ببداية أزمة
الصراع العربى الإسرائيلى وجذوره وتأثيره على وضع اليهود فى مصر قبل وبعد
الثورة ويعرج على إضافة بورتريهات تاريخية عن أهم الشخصيات اليهودية التى
كان لها أثر مهم فى تاريخ الحركة «الوطنية» المصرية.
ولا ننسى الجزء الخاص بسفر الخروج أو كيف خرج اليهود من مصر، فحسب
شهادات «الخارجين» أنفسهم أو أبنائهم فإن التحول السياسى الذى شهدته مصر
بعد يوليو ١٩٥٢ والذى اتسم نتيجة الظروف التاريخية لظهور الكيان الصهيونى
بكثير من العنصرية والشوفونية وقصر النظر والتشدد هو السبب الرئيسى فى
«موت» جزء حضارى حى فى النسيج المصرى ولا نقصد به اليهود ولكن فكرة قبول
الآخر - المختلف دينيا وسياسياً - وهو فى رأيى الجزء الذى يمثل الذروة
الحقيقية للطرح الفكرى والسياسى والإنسانى للفيلم من الناحية الدرامية
البحتة، وهو ذاته الجزء الذى يعيدنا إلى الفرضية التى طرحناها فى البداية،
إن المخرج يذهب إلى مثال شديد التطرف - والقوة - لمواجهة أفكار ورؤى ظلامية
هى الأخرى متطرفة وحانقة على كل ما هو متنور وحضارى، ولكنه تطرف محمود من
قبل هذا السينمائى الشاب، إنه ليس فيلما عن التاريخ بل عن الواقع، المحتقن
فقط هو من سيظن أن الحديث عن رؤوس الأموال اليهودية المصرية ومشاركة اليهود
المصريين فى الحركة الوطنية ورفضهم للصهيونية، وعن حنين من خروجوا لبلد
المنشأ، وعن أمنيات العودة المستحيلة أو رفض المغادرة إلا بالموت - المحتقن
من سيظن- أن الفيلم يحتوى على دعاوى «تطبيع» أو دعوة للسلام العالمى أو
مغازلة للغرب «اليهوى» - نسبة إلى يهوه إله اليهود - ولكن المادة الفيلمية
فى تداعياتها وأسلوبها واختيارتها تعكس قلقاً على مجتمع تفشت فيه العنصرية
والتطرف والعبوس فى وجه الآخر من غير أهل الملة.
إن المخرج يقارن بين ما حدث عقب ١٩٥٢ ما يحدث عقب ثورة ٢٥ يناير ليس
على المستوى السياسى ولكن على المستوى الحضارى والاجتماعى، فالسياسة عام ٥٢
هى الدين واليهود ما بعد يوليو قد يكونوا المسيحيين أو الليبراليين أو
العلمانيين ما بعد يناير، ولهذا كان من الذكاء والجرأة أن يستعرض المخرج
جانبا من تاريخ الإخوان مع اليهود المصريين قبل ٥٢ وبعد قيام الكيان
الصهيونى مستشهدا بالوقائع التاريخية المتمثلة فى جرائد تلك الفترة وصور من
واقع حرق حارة اليهود وتدمير المتاجر الكبرى لليهود المصريين الذى لم يكن
لهم اى علاقة بما حدث فى فلسطين واختيار الإخوان ليس تشهيراً بهم، ولكنه
ربط فنى وتاريخى بين حقبتين تجمعهم صفات مشتركة وتلميح درامى إلى الواقع
الحالى بتداعياته سواء على الساحة السياسية أو فى الشارع المصرى نفسه.
نتصور أن بعد المتابعة المكثفة للجمهور المصرى للقنوات الفضائية خلال
العامين الأخيرين سوف تجعل من أسلوب الفيلم وجبة سهلة التناول فى دور
العرض، وهى أكبر إنجاز يحققه صناعه، صحيح أن بعض النقاد يصنف مثل هذا
الأسلوب على أنه سينما الكراسى أى أن جزءاً كبيراً من شهاداته وآراء ضيوفه
تأتى عبر جلوسهم أمام الكاميرا على الكراسى للحديث والبوح، ولكن لا ننسى
أنه إنتاج مستقل لا تقف وراءه إمكانيات مالية ضخمة تتيح أسلوباً بصرياً
وسردياً مختلفاً يخرج به من نطاق البرامجية الضيق إلى أفق السينمائية
الواسع.
المخرج كان جريئا فى استعراض تاريخ الإخوان مع اليهود المصريين قبل ٥٢
المصري اليوم في
03/04/2013 |