تشهد السينما الإيرانية موجة جديدة تتجاوز الموجة الأولى التي تميزت بها
تلك السينما منذ أوائل التسعينيات، وهي الموجة التي نسج مخرجوها على منوال
الأب الروحي للفيلم الإيراني الحديث، عباس كياروستامي. الموجة الجديدة لا
تنشغل كثيرا بالبعد الاجتماعي على صعيد رمزي، باستخدام الأطفال بدلا من
النساء، بل بكسر ذلك "التابوه" الذي كان قائما عند تناول العلاقات
المتشابكة بين الرجل والمرأة، وتقترب في الكثير من الأفلام الجديدة التي
ظهرت خلال العامين الأخيرين منذ ظهور فيلم "إنفصال"، من التجريب.
ليس المقصود بالسنيما الإيرانية الأفلام التي تنتج فقط في الداخل
الإيراني فقط، بل وفي المهجر أيضا، أي خارج إيران من جانب السينمائيين
الإيرانيين الذين يعيشون خارج بلادهم، وهم على كل المستويات- الفكرية
والجمالية- أكثر تحررا - دون شك- من أقرانهم الذين يعيشون في الداخل.
من هذه الأفلام الأخيرة فيلم "من طهران إلى لندن" (70 دقيقة). هذا
الفيلم بدأت المخرجة مانيا أكبري في تصويره في إيران تحت عنوان "النساء ليس
لديهن صدور"، لكنها لم تستطع أن تستكمله بعد اعتقال عدد من زملائها في
طهران فكان أن غادرت إيران إلى العاصمة البريطانية لندن، حيث إستكملت
الفيلم هناك وقامت بتغيير عنوانه.
قامت مانيا أكبري بكتابة وإخراج الفيلم والقيام بالدور الرئيسي فيه
أيضا، ويمكن إعتباره فيلما تجريبيا بامتياز، سواء في موضوعه الجريء الذي
يعالج للمرة الأولى على هذا النحو من الوضوح والصراحة، المشاكل "الداخلية"
بين الرجل والمرأة، ويجمع بين الثنائي التقليدي في مشاهد ولقطات قريبة دون
وجود طرف ثالث كما تنص الرقابة الإيرانية، من خلال التركيز على العلاقة بين
زوج وزوجة من الطبقة الوسطى في طهران، يقيمان في فيلا فخمة في ضواحي
المدينة، تطل على منظر طبيعي مبهر. الزوجة "أفا" (التي تقوم بدورها مانيا
أكبري) شاعرة وكاتبة، في حين أن زوجها أشكان رجل أعمال ثري مثير الأسفار.
لا توجد في الفيلم "أحداث" أو خدث يتطور من خلال الصور وتعاقب اللقطات
والمشاهد، بل موقف درامي يفجر الكثير من التداعيات، وبالتالي فالفيلم عمل
ذهني أكثر منه عمل حركي.
يدور الفيلم تقريبا في مشهد واحد داخل حمام الفيلا الفخمة، حيث تقوم
الزوجة بوضع مساحيق التجميل، في حين يحلق الزوج ذقن أمام المرآة. ومن خلال
الحوار الطويل المتبادل بين الزوجين، يتصاعد إيقاع الفيلم، وتصل المبارزة
اللفظية بينهما في لحظات مختلفة، إلى ذروة التعقيد، لكي تنفرج قليلا، وتترك
المشاجرة مساحة لتبادل بعض كلمات التقدير والود ولكن سرعان ما ينكشف هذا
النفاق المبتادل الذي يرغب كلا الطرفين في استخدامه للحفاظ على علاقتهما
الزوجية، لكي يعود الصراع مجددا بين الزوجين من خلال ذلك الاشتباك اللفظي
الذي لا يتوقف أبدا بل ويصل إلى ذروة لا يبدو أنها يمكن أن تهبط مرة أخرى
فالفيلم يعكس لحظة تجسدي لاستحالة العلاقة بين الزوجين.
الزوجة مهتمة بالفن والجمال والشعر، والزوج يشكو دائما من إهمالها له
واهتمامها بكل شيء فيما عدا تقديم ما يريده، وهي ترفض بالطبع نظرته السلبية
إلى المرأة- الزوجة باعتبارها مجرد "خادمة" يجب أن تعمل على راحة مخدومها،
لكنه يأخذ في التبرير والشرح وترد هي عليه لكي يصل الاشتباك بينهما مرة
أخرى إلى نقطة اللاعدوة.
خلال ذلك يجرح الزوج ذقنه، بسبب توتره، وتفشل الزوجة في وضع ما كانت
تريده من لمسات تجميل، ومع مواجهتهما لبعضها البهض يواجه كل منهما نفسه
أيضا.
الإثنان يستعدان للسفر في رحلة معا إلى خارج البلاد.. لكن الشد والجذب
القائم بينهما يهدد بعدم تحقق هذا الهدف أي الرحلة المنشودة.. شكوى الزوجة
تتصاعد من أنانية الزوج.. وهي تهدد بالامتناع عن الذهاب في حين يصيح هو
شاكيا من ضياع كل التكاليف وتبخر العطلة التي أخذها خصيصا من عمله للقيام
بالرحلة.
تستعين الزوجة "أفا" بالفتاة التي تقوم على خدمتها في المنزل "مريم"..
الشابة الجميلة الهامسة، في حين يغيب الخادم رحيم الذي يبحث عنه أشكان طول
الوقت، عن المشهد.
أفا تشعر بالتوتر الشديد بسبب عجزها عن التفرغ لما تحبه أي لعالم
الشعر والإبداع، وعدم تفهم زوجها لاهتماماتها ومشاركتها إياها، ويتصاعد
تعبيرها عن الشعور بالوحدة، في حين يشعر أشكان أيضا بالوحدة بسبب انفصاله
(روحيا) عن زوجته وعدم رضائه عما تفعله.
تغيب مريم الفتاة الجميلة التي تعول عليها أفا كثيرا في مساندتها
والتخفيف من وحدتها عن المشهد في النصف الثاني من الفيلم، هنا يتصاعد إحساس
أفا بالوحدة بل وبالحصار من جانب أشكان الذي لا يكف أيضا عن التساؤل عن
رحيم الغائب.. تحضر شقيقتها "رويا" التي تعيش بدون زواج وتشعر بوحدة شديدة
بسبب ذلك.. إنها الشقيقة التي تعتمد عليها أفا في دعمها معنويا.. في
مشاركتها جموحها الفني وتطلعاتها وأحلامها، لكن رويا تنصح أفا بالمحافظة
على زواجها والإبقاء على علاقتها بزوجها. أفا حملت للمرة الثانية كما نعرف
لكنها أجهضت نفسها لأنها تعتقد أن علاقتها بأشكان يمكن أن تنتهي في أي
لحظة.. تحين لحظة المواجهة لكن الأمور تنتهي إلى لاشيء.. يستمر الوضع
الراهن... تستمر العلاقة الزوجية السطحية المزيفة. يرحل الزوجان معا ولكننا
لسنا واثقين من أنهما سيعودان مرة أخرة إلى استئناف حياتهما معا كما كانت.
ربما لا يوجد جديد في الموضوع: استحالة التعايش بين زوجين بسبب تناقض
شخصيتهما، لكن الجديد هو أسلوب معالجة الموضوع.
يعتمد الفيلم على ثلاثة عناصر: الحوار والميزانسين والتمثيل. الحوار
يتدفق بتلقائية وفي إيقاع سريع يصل أحيانا إلى الذروة، مكتوب ببراعة،
وتستخدمه المخرجة كدليل للانتقال من لقطة إلى أخرى. وهي تدير الأداء داخل
المشهد بتحكم تام مع مجموعة الممثلين الأربعة (وهي من بينهم).. كما تلعب
الإضاءة والتفاصيل الخاصة بالصورة (الخلفية.. الضوء.. استخدام المرايا..
اللقطات المنعكسة..إلخ) دورا بارزا في إضفاء أجواء السجن على الفيلم..
فالشخصية الرئيسية أي شخصية أفا Ava
تعاني من الشعور بالوحدة الخانقة، بالعجز عن التحقق، بالحصار، بالإحباط.
ويتم التعبير عن هذه المشاعر كلها من خلال حركة الكاميرا التي تحصرها في
لقطات قريبة
close up
معظم الوقت، وتنتقل في حركات عصبية من وجهها إلى وجه أشكان ثم بالعكس
مما يزيد الإحساس بالتوتر وتصاعد الاشتباك بينهما.
الإضاءة طبيعية تماما.. إننا نتقبل أحيانا التطلع إلى الطبيعة المزهرة
في الخارج، لكننا نشعر معظم الفيلم، بالفضاء الضيق للحمام.. بردهات المنزل
الضيقة.. بتحليق السقف فوق الشخصية وهي تتحدث نتيجة اختيار زاوية التصوير
من أسفل.
ويستخدم المصور المتمكن، علي محمد قاسمي، الكاميرا المحمولة الحرة
بحيث يتمكن من اقتناص التعبيرات المباشرة على وجوه الشخصيات.. ويتمكن من
التحرك بسهولة مع تلك الحركة العصبية المستمرة للشخصية الرئيسية (أفا) بحيث
يجعل الفيلم كله يبدو كما لو كان رحلة بالكاميرا داخل شخصية مهتزة تشعر
بالتمزق بين ما تريده وما تعيشه. إنها تلك الحالة العصابية
neurosis
التي تصيب المرأة عادة بعد أن تتجاوز حاجز منتصف العمر.
ليس هناك أي نوع من الغمزات في الشأن السياسي على عادة الكثير من
الأفلام الإيراني، فمن دلائل إخلاص مخرجة الفيلم لموضوعها أنها تجرده كثيرا
من الواقع الخارجي.. من البعد السياسي.. من سطوة المجتمع الخارجي
وانعكاساته. إنها تريد أن تتعامل مع "حالة" ذهنية ونفسية أكثر مما تتعامل
مع حالة إجتماعية، فهي لا تناقش مثلا التناقضات الاجتماعية أو وجود تلك
الطبقة الجديدة داخل مجتمع "الحكومة الإسلامية" مثلا، بل تميل إلى عزل
شخصياتها عن المحيط بل وعن الخلفية البصرية من خلال تلك اللقطات القريبة
والقريبة جدا وأحيانا المتوسطة في مساحتها على الشاشة، لكي يكون التركيز
على الانفعالات، وعلى المشاعر دون أن يترك لنا كمشاهدين مساحة كبيرة
للتحليل والتأمل.
إن فيلم "من طهران إلى لندن" تجربة سينمائية وبصرية ممتعة رغم ما قد
يسببه للمشاهد غير المدرب من إرهاق.
الجزيرة الوثائقية في
25/04/2013
سينــاء أرض الفيروز الغائبة فنياً
اعد الملف : اية رفعت \ سهير عبد الحميد \ محمد عباس
على الرغم من أن سيناء هى الجزء الأغلى على قلب مصر والتى ضحت بالكثير
من رجالها وجنودها من أجل أن تظل فى حضنها فإن أرض الفيروز التى خضنا من
أجلها الحروب تعانى من التجاهل ويشعر أهلها بالغربة ويظهر ذلك جليًا فى
الأعمال الفنية التى تجاهلت هذا الجزء العزيز ولم يتناولها سوى القليل من
المبدعين مما جعل كثيرًا من الأجيال لا تعرف حقيقة أرض الفيروز وكم دفعت
مصر لاستردادها. صناع السينما حاولوا الدفاع عن أنفسهم وقالوا قدمنا الكثير
من الأعمال التى تناولت الحرب والسلام من بينها «إعدام ميت» و«زمن حاتم
زهران» و«الرصاصة لاتزال فى جيبى» و«فتاة من إسرائيل» وغيرها من الأعمال
التى تناولت جزءًا مهما من تاريخ مصر لكن لم تمنح سيناء حقها الكافى
بوسى:
سيناء مليئة بــ«الحكايات» ولم تأخذ حقها فى السينما
أكدت الفنانة بوسى أن أهل سيناء لم يأخذوا حقهم كاملاً فى السينما
والدراما المصرية موضحة أن سيناء غنية بالحكايات التى يمكن أن تقدم فى عمل
سينمائى يتحدث عن كفاح شعب سيناء فى جلاء الاحتلال الاسرائيلى من مصر
ومساهمتهم فى حرب الاستنزاف وعلاقتهم الطيبة ببعض واضافت بوسى أنه يجب على
الدولة أن تقوم بتعمير سيناء حتى يتعرف عليها العالم وليس المصريون فقط
وبعد ذلك سيذهب الكثير إلى هناك ويتعرف على سيناء بأكملها وعن دورها فى
فيلم «اعدام ميت» الذى قدمته مع الفنان محمود عبد العزيز والفنان يحيى
الفخرانى قالت دور «سحر» لم يكن إساءة للشعب السيناوى ولكن كان توضيحاً
لفكرة الاحتلال التى لم يكتف باحتلال الأرض فقط بل يقوم باحتلال الأشخاص
وفكرهم أيضا موضحة أن هذه البنت تربت فى وقت الاحتلال واصبح انتماؤها للعدو
أكثر من أرضها وهذا ما نجح الفيلم فى تقديمه للمشاهدين حيث اهتمت الدولة
بعد ذلك بسيناء للحفاظ على مواطنيها من تأثير العدو الإسرائيلى عليهم وانهت
بوسى حديثها متمنية أن تقدم عملاً وطنياً آخر عن مصر وشعبها حيث تفخر بأنها
احد ابناؤه ودعت بوسى الدولة الاهتمام بالمناطق الحيوية فى مصر حتى لا تضيع
من أيدى الدولة.
ممدوح الليثى:
السينما التجارية سبب إهمال سيناء فنيا
ارجع الكاتب والمنتج ممدوح الليثى عدم حصول سيناء وأهلها على حقها فى
أفلام السينما والدراما التليفزيونية إلى العصر السينمائى الردى الذى نمر
به حاليا والذى يعتمد إلا على التجارة فقط فالكثير من المنتجين يحلمون أن
يقوموا بتنفيذ أكثر من عمل عن سيناء ولكن تخوفهم من عدم تحقيق الايرادات هو
السبب فى تراجع المنتجين عن تنفيذ اعمال عن سيناء واوضح الليثى أنه قدم
أكثر من 50 فيلماً تسجيلياً عن سيناء وكفاح شعبها وقدم أكثر من 20 أوبريت
فى احتفالات أكتوبر عن سيناء ولا ينقصنا سوى تقديم فيلم سينمائى طويل عن
كفاح شعب سيناء ومشاركتهم فى تخليص سيناء من الاحتلال الاسرائيلى ومساهمتهم
فى عودة سيناء لمصر ويجب على الدولة أن تتكفل بهذا حيث قمت بعمل فيلم
سينمائى بعنوان «وبدأت الضربة الجوية» عن الحرب ومشاركة أهل سيناء فى حماية
مصر واجريت الكثير من المفاوضات مع قطاع الانتاج للموافقة على تقديم هذا
العمل حتى يرسخ تاريخ اهل سيناء فى عقول الجيل المقبل والحالى واستنكر
الليثى ما يقدم حاليا فى الأفلام السينمائية عن المواطن السيناوى وظهوره فى
شكل تاجر مخدرات موضحا أن سيناء بها الكثير من الكفاءات وأن المواطن
السيناوى لا يختلف عن القاهرى أو السكندرى فهم مواطنون مصريون لهم نفس
الحقوق وعليهم نفس الواجبات ووعد الليثى بانه فى القريب العاجل سوف يقدم
عملاً سينمائياً عن سيناء وأهلها.
عزت العلايلى:
«القبلية» سبب اغتراب سيناء عن باقى المحافظات
يرى الفنان عزت العلايلى أن حالة الاغتراب التى حدثت بين أهل سيناء
وباقى محافظات مصر مسئول عنها أهالى سيناء أنفسهم وذلك لعيشهم داخل حالة
«القبيلة» المنغلقة على نفسها دون الانفتاح على باقى الوطن.. وأضاف قائلا:
«هناك العديد من القصص البطولية لأهالى سيناء سواء قبل أو بعد حرب أكتوبر،
فلقد لعبوا دورًا كبيرًا فى تحرير وطنهم، لكن المشكلة هى انغلاقهم على
أنفسهم الذى تسبب فى حالة من عدم المعرفة لهذه البطولات.. فيجب أن يخرجوها
لوسائل الإعلام المختلفة ويتحدثوا عن إنجازاتهم ويساعدوا باقى الشعب على
التعرف عليهم والتأقلم معهم.. ولكن المشكلة هنا أن الفكر المتطرف الذى يتهم
الفن دائمًا بتشويه صورتهم ولكن هذا الفكر ليس عادلًا، لأنه لا يوجد كاتب
يستطيع التعبير عنهم إلا منهم فأنا متعجب من عدم ظهور أدباء وكتاب منهم
يقومون بسرد تاريخهم وبطولاتهم، وذلك ليس تقليلاً منهم بل على العكس فهم
يتمتعون بخصائص «القبيلة» التى تجعلهم منفصلين فى العادات والتقاليد عن
باقى المجتمع. وأفضل من يعبر عنهم يكون أحد أفراد هذه القبيلة.
وألقى العلايلى باللوم على أجهزة الإعلام أنها قامت بإهمال الأعمال
البطولية التى أصبحت لا توليها الاهتمام مثل باقى الأنواع الدرامية
والسينمائية الأخرى، وأضاف قائلا: «هناك إهمال إعلامى بخصوص أعمال البطولات
بشكل عام فلا يتم تناولها حتى سينمائيا منذ الثمانينيات من القرن الماضى
ولم أقصد بالبطولات هنا التى تخص أهالى سيناء فقط، ولكن هناك العديد من
البطولات التى حدثت قبل وأثناء حرب أكتوبر تم إهمالها مثل سلاح المشاة
والطيران والمدفعية والمدرعات وغيرها.
على عبدالخالق:
الإنتاج الحكومى تجاهل مسلسلاً عن «منظمة سيناء»
أكد المخرج على عبدالخالق أنه كان يستعد لتقديم عمل درامى حول بطولات
أهالى سيناء تحت عنوان «الأشباح» قبل ثورة يناير من تأليف إبراهيم مسعود..
وعن تفاصيل العمل قال: «هذا العمل يعد العمل الوحيد الذى كتب عن أهالى
سيناء وبطولاتهم وقت حرب الاستنزاف وقد تمت كتابة أحداثه بعدما قرر الرئيس
الراحل جمال عبدالناصر تشكيل مجموعات من أهالى سيناء وتدريبهم بالمخابرات
الحربية المصرية للتسلل إلى أرض إسرائيل وتنفيذ بعض العمليات الصعبة هناك
من تفجير ثكنات عسكرية ومدرعات ونقل الصواريخ وتدمير مقرات عديدة.. وقد
قامت المخابرات الحربية باختيار عدد من شباب القبائل بسيناء وتم تدريبهم
على أعلى مستوى وأطلقوا عليهم «منظمة سيناء» وحققوا نجاحات فى العديد من
العمليات التى اشتهر بها الكثير من القوات.. ومن كثرة انتشار صيتهم فى هذه
الفترة قام موشى ديان وقتها بإبداء استيائه منهم حتى أنه أطلق عليهم اسم
الأشباح لأنه لا يجرؤ بشر للدخول لبعض المناطق العسكرية ذات الطبيعة
الجغرافية الصعبة.وقال عبد الخالق أنه فوجئ بعدم اهتمام شركة صوت القاهرة
بإنتاج مثل هذا العمل الجيد والذى يدافع عن صورة أهالى منطقة سيناء بعدما
ظل الفن ينظر لهم بنظرة الخائن والمتعاون مع اليهود والإسرائيليين.
فيصل ندا:
تعامل الدولة مع سيناء كمنطقة محظورة منعنا تناولها
برر السيناريست فيصل ندا صاحب فيلم «الوفاء العظيم» عدم تقديم اعمال
عن سيناء وأهلها وبطولاتها بعدم توافر المعلومات الكافية عن هذه البقعة
العامة والتى يتم التعامل معها بحساسية شديدة خاصة من ناحية الأمن وأعطى
مثال أنه عندما كتب مسلسل «الأزبكية» منع عرضه بسبب تطرقة للخلايا
الإرهابية الموجودة فى سيناء التى تعتبرها أجهزة الأمن خطاً أحمر يجب عدم
المساس به وعندما نحاول الحصول على معلومات عن مشاكل أهل سيناء وحياتهم لا
نجد معلومات تفيدنا حتى الاعلام يتعامل بنفس المنطق والذى يتجاهل الحديث عن
سيناء بتوجيه من الأنظمة وكأنها ليست جزءاً من مصر.
وقال ندا: معظم الأعمال التى قدمت عن حرب أكتوبر وما قبلها من أحداث
صورت المواطن السيناوى إما تاجر مخدرات أو خائن وهذا ظلم واضح لأنه لولا
مساعدة البدو للجيش المصرى لما انتصر فى حرب اكتوبر لكن لا يتم اظهار ذلك
وعندما يتم تقديم بحوث عن أهل سيناء من جانب مركز البحوث يتم وضعها فى
الأدراج وهذا للاسف يولد الانفجار لدى المواطن السيناوى ويجعل البعض يلجأ
للطرف الآخر وهو إسرائيل والتعامل معها وأنا بالنسبة لى ككاتب اتمنى اظهار
الوجه الحقيقى لأهل سيناء واتناول مشاكلهم وحياتهم حتى يتعرف أهل المدن
الأخرى على سيناء الحقيقية وهذا مرتبط بالمعلومات واشار ندا إلى أن كل
الأنظمة التى حكمت مصر ظلمت سيناء عن عمد لأنهم لا يريدون الاهتمام
بتعميرها على حساب المدن الأخرى على الرغم من أن تعميرها سيكون له عائد
اقتصادى كبير على مصر.
وفاء الحكيم:
الدولة ظلمت سيناء وأهلها عن عمد
أكدت الفنانة وفاء الحكيم أن أهل سيناء دائما خارج اهتمامات الدولة
وليس الفن فقط وأن الثمن الذى دفعوه من دمائهم جنت ثماره محافظات أخرى وهذا
ما تم تناوله فى فيلم «زمن حاتم زهران» الذى شاركت فيه مع نور الشريف وبوسى
وجسدت فيه زوجة أحد الأبطال الذين استشهدوا فى حرب أكتوبر وجاء شقيقه وحصد
مكافأة استشهاد شقيقه اخوه حتى زوجة البطل وابنه لم يحصلوا سوى على القليل
من التكريم والاهتمام وهذا حال أهل سيناء.
وأشارت الحكيم إلى أن تهميش سيناء وأهلها ليس توجها شخصيا بقدر ما هو
توجه دولة لا ترى سيناء جزءاً فعالاً منها يمكن أن يتم استغلاله اقتصادياً
بشكل جيد ولا يتم التعامل مع البدو من أهل سيناء على أنهم مواطنون مصريون
يستحقون الرعاية والاهتمام وبأن نوفر لهم كل ما هو آدمى من تعليم وصحة
وثقافة وفن فهل يعقل أن سيناء بمساحتها وتاريخها لا يوجد بها دور عرض
سينمائية ترفه عن أهلها أو ثقافة جماهيرية يتم من خلالها اكتشاف المواهب كل
هذا دور دولة وليس دور اشخاص.
وطالبت الحكيم وزارة الثقافة والسياحة والحكومة بصفة عامة أن تنظر
لسيناء وأهلها بأن تشجع المشروعات التنموية فى هذه البقعة الغالية من مصر
والتى دفع ثمن استردادها اهلها من دماء ابنائها وتمنت اقامة مهرجانات فنية
هناك على الأقل لتشجيع السياحة وزيادة مصادر الدخل هناك وأن الفن بمفرده لن
يستطيع أن يحل مشاكل أهل سيناء لأنه يركز فقط على المشاكل والقضايا اما
الحلول فهى وظيفة النظام.
روز اليوسف اليومية في
25/04/2013
هند هيثم في سباحة حرة مع فيلم "على جثتي":
"الدكر" في غيبوبة!
هند هيثم
للأسف، مرت شهور ولا فيلم يُشجع على الذهاب إلى قاعات السينما،
والدراسة تُحكم بقبضتها على كُل مناحي الحياة، وتُغرِق المرء يوماً بعد يوم
في ما يُشبه جحيم دانتي، حيث يترك المرء وراءه كُل أمل. ولأنني قد تركتُ
كُل أمل، فقد خطر لي أن أشاهد فيلم "على جثتي" (2013)، الذي كتبه تامر
إبراهيم - الذي يكتب روايات رُعب في العادة - وأخرجه محمد بكير. العُنصر
الأهم في الفيلم كان الممثل الرئيسي فيه، أحمد حلمي، ورغم أنّه يُفترض
بالأفلام أن تُنسَب إلى مُخرجيها، إلا أنّه ثمة ممثلون معروفون - خصوصاً في
المجال الكوميدي - تُنسَب الأفلام لهم، ويُقرأ مكانها من سيرتهم الفيلمية.
أحمد حلمي اليوم واحدٌ ممن يُقال إنهما فرسا الكوميديا في مصر، مع
أحمد مكي.
قد يدفع البعض بوجود اختلافٍ بين مكي وحلمي، حيث أن مكي أكثر التصاقاً
بالشخصية التي يؤديها، على غرار محمد سعد وشخصيات اللمبي وعوكل، فقد اشتهر
- مكي - في البداية بشخصية هيثم دبور، ثم انتقل إلى أداء عدة شخصيات في
فيلم واحد، ثم التصق بشخصية الكبير قوي، وهو صورة مُبالغ فيها لعمدة صعيدي
يُرهِب أتباعه عن طريق إجبارهم على "مسك السِلك عريان"، ويحل كُل مشاكل
قرية المزاريطة لأنّه يفهم عقلية أهلها المتحجرة. شخصية مكي الأخرى في
سلسلة "الكبير قوي" هي الشاب الأمريكي جوني، وجوني نسخة أكثر أمريكية وأكثر
استغراقاً في الذات من هيثم دبور، ثم هناك شخصية "حزلقوم"، الشاب المدلل
عند والدته، القادم من حي شعبي، وله شعرٌ غريب، ووجه مليء بالدمامل. (كُل
شخصيات مكي لديها شعرٌ غريب، باستثناء الكبير قوي، الذي له عمامة، بطبيعة
الحال). بالمُقارنة، يبدو أن حلمي في وضعٍ أفضل وأكثر "فنية"، فمسيرته لا
تنقسم إلى عدة شخصيات، وإنما إلى "مراحل فنية"، وبذلك يكون في خطٍ يختلف عن
خط مكي.
غير أن العامل المُشترك الأكبر بين كوميديا حلمي ومكي أنها كوميديا
"مضروبة" من أفلامٍ أجنبية، ولا تُقدم أي جديد. بالطبع، أفلام مثل "طير إنت"
لمكي وفريقه و"1000 مبروك" لحلمي وفريقه مُقتبسة بشكلٍ جيد، غير أن
المُشكلة تبقى في كون مُعظم أفلامهما إمّا تمصيراً لأفلام أمريكية، أو
استعادة لأفلام عربية قديمة على طراز "جعلتني مجرماً" و"لا تراجع ولا
استسلام". هذه الأفلام تُعتبر جيدة من حيث كونها أفضل المتوفر في السوق
المحلية للأفلام، فحسب.
الصنعة
وإذن، لدينا فيلم "على جثتي"، الذي يكتبه تامر إبراهيم ويخرجه محمد
بكير في أول تعاون لأحمد حلمي مع الاثنين. حلمي معروف بالتجديد في شخصياته
ومواضيعه بين فيلمٍ وآخر - وإن كانت تبقى مُقتبسات - وموضوع "على جثتي"
يوحي بالتجديد - بغض النظر عن كونه "مُقتبساً" عن فيلم أجنبي، غير أن كُل
عناصره الفنية تُعَد نكوصاً عن الأفلام السابقة.
بالرغم من كُل ما يُمكِن قوله عن أفلام مكي وحلمي، يُميز أفلامهما أن
"الصنعة" الفيلمية ليست فاسدة. المكياج معقول، التسلسل الزمني للفيلم منطقي
- في سياق الفيلم، المونتاج مضبوط، الصوت مضبوط، والكاميرا مضبوطة.
غير أن المونتاج في فيلم "على جثتي" يُعَد نكوصاً إلى مرحلة "السيد
أبو العربي وصل" و"غبي منه فيه"، وغيرها من الأفلام التي قضت على هاني
رمزي. حيث فهم منطق الأحداث، وإيجاد سياق لما يُعرض على الشاشة مسؤولية
المُشاهِد، وعليه أن يستخدم خياله إلى أقصى حدوده ليملأ الفراغات
والاختلالات في سرد الفيلم، أو أن يقبل استغباء الفيلم له.
والمُخرج يُكمل ما فعله المونتاج بخياراته غير الحصيفة في تقديم
المشاهِد، فمثلاً، يختار أن يصور سيارة تغطس في الماء، من خلال تتابع قطع
بدائي وغير منطقي، ثم يقطع إلى مشهد حلمي في مكانٍ غريب، لا يصلح لأن يكون
تصوراً للجنة، وليس حديقة غناء، ولا حتى يصح لأن يكون جحيماً، أو إشارة له،
أو للمطهر. إنّه مكان عادي، بلا شخصية، ويبدو لي أنّه أحد الأحياء الثرية
في القاهرة.
غير أن هذه المُلاحظات لن تُفهَم من دون الحديث عن القصة، وما يجعلها
رديئة.
السيد شنبو
أحمد حلمي هو المُهندس رؤوف عبد الحميد - يبدو لي أنّه مُهندس ديكور -
الذي يملك ويُدير معرض موبيليا في حيٍ راقٍ. رؤوف ليس كاسمه، فهو عصبي،
عدواني، سيء المزاج دائماً، وهو مُصابٌ بالبارانويا. في الواقع، لو كان
النص مكتوباً بشكلٍ أفضل، لكان الفيلم جيداً، فمفتاح الفيلم بارانويا رؤوف،
ومع ذلك، يركز المخرج والكاتب على كل شيء آخر، ويحاولان أن يُضللا المُشاهد
طوال الوقت - على طريقة الأفلام "الأمريكاني" ، لكنهما يفعلان ذلك بطريقة
ساذجة، ويحلان العقدة بطريقة ساذجة أيضاً.
بارانويا رؤوف واضحة في كُل مكان، فمعرضه مليء بكاميرات الفيديو التي
تنقل له تحركات الموظفين إلى مكتبه، وهو حريص على مُراقبة تحركاتهم بدقة.
كما أنّه يستخدم مُكبر صوتٍ للحديث إليهم، واستدعائهم إلى مكتبه. ثم، مع
تقدم الفيلم، يُلاحِظ المُشاهد أن بيته أيضاً مُلغم بالكاميرات.
هُنا، قد يحلو لأي ناقد "هلّاس" الحديث عن ثيمة الرقابة التي تُسيطر
على الفيلم، وكيف أن الفيلم "ينجح في نقل شعورٍ بالحصار عن طريق كاميرات
المُراقبة التي تُراقب الموظفين والعائلة في كُل حركة وسكنة، وتجعلهم رهائن
الأخ الأكبر، كُلي العلم، كُلي القُدرة". حضور كاميرات المُراقبة في كُل
مكان يوحي بهذا، بالفعل، لكنني لن أقول هذا عن فيلم "على جثتي" أبداً،
احتراماً لمهنة النقد السينمائي التي قد تعرضت للكثير من الابتذال على أيدي
النقاد "الهلاسين". الفيلم أكثر تواضعاً فنياً بكثير من أن يكون له خطاب
على هذا المستوى الدلالي.
الفكرة، ببساطة، أن رؤوف مُصابٌ بالبارانويا، ويُحِب مُراقبة الجميع،
وهو رجلٌ غاضب وضئيل القد، مما يزيد من غضبه ورغبته في التحكم فيمن حوله.
وهذه الرغبة تجعل الجميع يكرهه سراً، وهو يعرف في أعماقه أن الجميع يكرهه،
مما يملأه بالمزيد من الشك والارتياب ناحيتهم.
في البداية، يظهر أن حلمي يعيش في عالمٍ مليء بخيالاته هو التي
يُسقطها على الواقع، ويتصرف بناء عليها. وهذا فرضٌ مبدأي مُثيرٌ للاهتمام،
وكان يُمكِن أن يصنع فيلماً أفضل بكثير من الفيلم الذي انتهى إليه "على
جثتي". وخيالاته هذه تُنبئ عن شخصٍ لا يُعاني من جنون ارتيابٍ فحسب، بل عن
شخصٍ حسود، يكره أن يستمتع الآخرون بحياتهم، ويُريد التحكم في الآخرين،
وابقائهم رهائن عنده.
حين تطلب منه موظفة أن ينقلها إلى قِسم الأسرة، فإنّه يتخيلها مع
موظفٍ آخر في وضعٍ مُشين، فينتفض غضباً، وهو لا يغضب لأنّه "حِمِش" ويرفض
الخطيئة، بل لأنّه لا يُريد أن يفعلاها على "سرايره". الأصل هُنا
"الملكية"، السرائر ملكٌ له، وهو يُقرر ما يحدث عليها. وهذا ليس سيئاً في
حد ذاته، فهو لا يستطيع أن يحكم سلوك الآخرين خارج نطاق ملكيته. السيء أنّه
يفترض السوء بالموظفة، ثم يفترض الأمر نفسه بالموظف الذي يطلب نقله إلى قسم
الدواليب. هو يعرف أن الموظفين يُحبان بعضهما البعض - أو مُرتبطان بشكلٍ
ما، ولو كان ذا طبيعةٍ خّيرة، لساعدهما على الزواج فيُلغي بذلك فكرة
الخطيئة من أساسها.
والغريب، أنّه، حين "ينصلح" حاله في نهاية الفيلم، فإنّه ينقل الموظف
المعني - رغم غبائه الشديد - ليكون مُدير أحد فروع معرضه، وينقل معه
الموظفة المعنية لتعمل تحت إمرته، وبذلك يُعطيه فُرصة أكبر لارتكاب
"الخطيئة" مع الموظفة، هذه المرة ليس من مبدأ التساوي (موظفان يتسللان
بعيداً عن المُدير)، وإنما من مبدأ المُدير والموظفة، مما يجعل المرء يُفكر
في الميم الشعبي: "كلمني أكتر عن الشرف يا سِي الحِمش."
أمّا ما يكشف كونه حسوداً، مُحتاجاً لأن يعيش الآخرون على "فضلة
خيره"، فحين يطلب منه موظف آخر زيادة في مُرتبه لمواجهة احتياجات الحياة،
فيتخيله يشتري سيارة جديدة، ويستمتع بوقته فيها. وإذا اشترى سيارة جديدة؟
ما المُشكلة؟ أليس يعمل عملاً وينال عليه أجراً ويحق له فعل ما يشاء به؟
غير أن الفيلم يُلمِح إلى أن المُهندس رؤوف يُبقي موظفيه على الكفاف، فهذا
الموظف يظهر في خيالٍ آخر وهو يبيع مُنتجاتٍ أخرى في المعرض ليكسب المزيد
من المال لأجل "عياله". أي أن شخصية المهندس رؤوف تعي جيداً أن الرجل
"بحاجة"، وقد "يشحت" أو يلجأ لأساليب ملتوية للكسب. وهذا لا يُهمه كثيراً.
وفي البيت - الفاخر، بطبيعة الحال - فإن السيد شنبو يُرهِب زوجته
بشدة، فيأمرها بالتقاط صورٍ لنفسها وهي في البيت ليتأكد من أنها فيه حقاً.
وحين يكتشف - على مائدة العشاء - أنها قد ذهبت إلى مدرسة ابنه من دون أن
تخبره، فإنّه يوبخها بشدة، ويتخيلها تقفز بسعادة في فِناء المدرسة. أي
شخصية مريضة وحسودة قد تتضايق من أن يشعر إنسانٌ آخر ببهجة بريئة في فِناء
مدرسة؟
ومن ثم، فإنّه يوبخ ابنه الوحيد بشدة لأنّه نقص درجتين في امتحانٍ
مدرسي، ويُرسله إلى غرفته. تنكسر فازة في المنزل، فيتخيل أن ولده قد كسرها
مُتعمداً، ويُعاقبه على هذا الأساس عقاباً عبثياً بأن يُجبره على إعادتها
من جديد إلى حالتها السابقة. وفي الطريق، فإنّه يُصادر منه كُتبه وعدة
الشطرنج، ويوبخه لأنّه قرأ مائتي صفحة من البُحتري في يومين، بينما كان
يُمكِنه أن يُكمله كاملاً في تلك المُدة. (يُخيل لي أنهم اختاروا البُحتري
لأن اسمه غريب، ويوحي بالقِدَم. شخصياً، أعتقد أن من يقرأ هذا الكم من شعر
البُحتري وشرحه يُصاب بعاهة مستديمة في ذائقته، فللبُحتري قصائد معدودة
جميلة، فحسب. لكنها علامة جيدة على شخصية المهندس رؤوف المتزمتة).
ثم يختلي بزوجته، ويتضح أنّه ينام في سريرٍ مُنفصل، كما في الأسر
الأمريكية في الخمسينيات، لشدة الفضيلة. ويُهدي زوجته بلوزة قبيحة تفرح
بها، تعويضاً عن توبيخه المُستمر لها. تطلب منه زوجته أن يسمح لها بإدارة
قسم للأطفال في معرضه، فيتخيلها تجلس على مكتبٍ فاخر، وترتدي ملابس قصيرة
وكاشفة، وحولها من الجنبين كتيبة رجال، يُشعلون لها السجائر، ويخدمونها.
إنها صورة تخلط السُلطة بالفجور، وتكتمل بأن تظهر له بالونات في صدره
ومؤخرته. ومثل هذه الصورة لا يحتاج إلى تفسير.
لسببٍ ما، يجد المُهندِس رؤوف كلبه غارقاً في الدم، فيذهب لإنقاذه في
جُنح الليل، وتسقط سيارته في الماء، وتنتهي مرحلة الإعداد الجدية للفيلم،
ليدخل المُشاهِد أرض الاستهبال.
السيد شنبو في غيبوبة
في البداية، لا يعرف المُشاهِد ما إذا كان السيد شنبو حياً أم ميتاً.
ثم يلتقي بالمُستشار نوح (حسن حسني)، الذي يخبره إنّه فارق الحياة، ويحاول
مُساعدته على معرفة من يكون. حسن حسني حسنة الفيلم الوحيدة، فحضوره على
الشاشة طريف.
في بداية الفيلم، يكون رؤوف قد صور لمعرضه إعلاناً يظهر فيه مع جميع
موظفيه، وتظهر وراءه صورته العملاقة التي يحتفظ بها في مكتبه. من الإعلان،
يعرف المستشار من يكون رؤوف، فيدله على من يكون، ويذهبان معاً إلى معرضه،
حيث الكُل يدعو عليه "مِنه لله رؤوف"، وتكون فرصة لبعض الإيفيهات. الجميع
يتقاعس عن العمل، ويستمع للموسيقى بصوتٍ عالٍ، ولا يُشغلون القرآن إلا
حينما يرد اتصال من منزل رؤوف، فيذهب هو والمستشار إلى بيته، وهناك يلتقون
بالكلب، الذي لا يعرف المشاهد طوال الفيلم ما إذا كان حياً أو ميتاً أو "اشتغالة".
يجد رؤوف أن زوجته ترتدي ملابس لا يوافق عليها، وترقص الغانغام ستايل
احتفالاً بوفاته، ولا تُبدي أي مظاهر حِداد إلا حين يأتي مُحاميه للحديث
معها. مُحاميه يكرهه أيضاً. وهنا مُشكلة الفيلم الرئيسية: هل ما يراه رؤوف
حقيقي أم أنّه يُهلوِس كعادته؟ ما يدعم فكرة الهلوسة أنّ ما يراه يسير في
نفس خط خيالاته الخاصة مُنذ بداية الفيلم، وما يدعم فكرة الروح الزائرة
أنّه لا يعرفهم في البداية.
يتضح أن رؤوف غير ميت، وإنما في غيبوبة، في مُستشفى يبدو أنها في
عمارة سكنية، رغم أنّه رجل أعمالٍ مرموق، وانتُشِل من سيارة غارقة. (الغريب
أن الفيلم لا يحتوي أي إشارة إلى حادثة رؤوف في الإعلام، مع أن انتشال رجلٍ
من سيارة غارقة خبرٌ هام، فكيف إذا كان الرجل رجل أعمالٍ؟)
تتضح وحشة رؤوف، فليس له أصدقاء، ولا أقارب، ولا أحد يسأل عنه أو
يكترث به. حتى عائلته، في غيبوبته، تبدو مُرتاحة لغيابه. ويظهر رجلٌ غامض
يبدو له أنّ زوجته تُقيم علاقة معه.
يستفيق من الغيبوبة، ويُقرر القيام ببعض الإصلاحات، فيُعطي زوجته
توكيلاً لتُدير الأمور في غيبته، ثم تعمل البارانويا من جديد، فيتخيلها
بملابس لا يوافق عليها، تشرب البيرة مع خالد أبو النجا، وتعود إلى البيت
معه، وهي تتطوح. كما يتخيلها وهي تقول إنها لم تكن في البيت أبداً من قبل،
وإن كُل الصور التي تُرسلها له لنفسها في البيت هي صورٌ قد أخذتها من قبل،
بملابس مُختلفة، لطمأنته.
من جهة، هذا وارد، فهو يستحق، ولا يوجد نظامٌ غير قابل للكسر. من جهة
أخرى، شخصية مثل شخصية رؤوف لا تحل المشاكل بالاتفاق، بل بالمزيد من
الحصار، وهو يتخيل، لأنّه "دكر"، ولأنّه "كبير العيلة"، أن امرأته ستفجر في
غيابه، وابنه سينحرف. هو لا يرى أن أحداً قادرٌ على أن يكون خيراً وفاضلاً
في ذاته، وأنّه لا بُد من وجوده بوصفه سُلطة ضبطٍ وعقاب فوق رؤوس الجميع.
فيقرر التراجع عن قراراته السابقة، ويأخذ نصائح قانونية من صديقه
المستشار نوح حول الكيفية التي يُمكِن بها أن يسحب قراراته السابقة،
ويُلغي التوكيل الذي أعطاه لزوجته، ويُضيق الخِناق على شركته وموظفيه.
وفي المرحلة بين الغيبوبة والصحو، ينسحب من المُناقصة التي كان قد
دخلها، ويوصي بمنافسٍ له في مكانه. لكن، من غير الواضح متى حدث هذا، فزمن
الفيلم غير مضبوط أبداً، والأحداث مُركبة بشكلٍ غير منطقي.
ومن ثم يُخاطِب رؤوف كُلي العِلم وكُلي القُدرة موظفيه من المُستشفى،
عن طريق جهاز آيباد. آبل تقول إن جهازها قادرٌ على الإتيان بالعجائب، لكنها
لم تجرؤ أبداً على وصفه بأنّه جهازُ شمولي، يُمكِنه أن ينقل الصوت والصورة
من وإلى المُستشفى، ويُمكِن أن يتحدث المُدير عبره كأنّه رئيس البلاد في
فيلم "في فور فنديتا".
وهنا يتخذ سلسلة من القرارات "التصالحية"، لكن غير المُبررة في سياق
الفيلم نفسه، فيسمح لزوجته بإدارة قسم الديكور، ويوكل إدارة أحد فروع معرضه
لموظفٍ عنده قدمه الفيلم في البداية على أنّه غير كفء، وقرر زيادة في
المُرتب للموظف الذي طلب منه هذه الزيادة في البداية.
ثم، يُقال إن السيد شنبو قد مات، وسيفصلون عنه الأجهزة في الساعة
السادسة. لا أعرف شيئاً عن النظام الصحي في مصر، لكنها كارثة إذا كان قرار
فصل المريض عن أجهزة الإعاشة راجعاً إلى الأطباء، لا إلى أُسرة المريض،
ويُمكِن للأطباء فصل أجهزة الإعاشة في غضون ساعات من اتخاذهم قرار التخلص
من المريض.
هكذا، سيفصلون جهاز الإعاشة عن السيد شنبو، رغم أنّه حي، فيلجأ إلى
الكلب، ويُرسله إلى المُستشفى - ما زلنا لا نعرف ما إذا كان حياً أو ميتاً،
وكيف يُمكِن أن يكون حياً إذا كان المُشاهد قد رآه مذبوحاً في بداية الفيلم
- بتنفيذٍ رديء للغاية، يعود إلى مرحلة "السيد أبو العربي وصل"، للأسف.
وطبعاً، فلا بُد من القول إنّه إذا كان الكلب يستطيع دخول المُستشفى
بسهولة، فإن هذه علامة مُقلقة حول طبيعة النظام الصحي في مصر.
هكذا، تُقرر زوجة السيد شنبو وموظفوه تهريبه من المستشفى، في تتابع
يُهين عقل المُشاهد، ويقرر أن يُنهي الفيلم "سبكي-ستايل"، حيث الدنيا "زيطة"،
والمستشفى أقرب إلى حي شعبي. ثم يختبئ الجميع في بيت خالد أبو النجا، الذي
يتضح أنّه مُنافس السيد شنبو الذي حول المُناقصة إليه، ويُريد رد الجميل!
ولا تكون هذه آخر الأثافي في الفيلم، فأحمد حلمي يذهب لزيارة المستشار
نوح، ويتضح أن المستشار لم يمُت، وهو باقٍ على أجهزة الإعاشة مع أنّه لا
أقارب مباشرون له. (إشمعنى؟) ومن ثم، فجأة، بقدرة قادر، يحيا من جديد،
وينتهي الفيلم به يجلس على قمة إعلان مع أحمد حلمي كما في الأفلام
الأمريكاني.
(لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله وتضغط لايك وشير).
مع ذلك، ثمة طرافة في المشهد النهائي، فالمستشار شخصية كئيبة ونرفوزة،
مثلما هي صورة المُستشار المُعتادة، والتناقض الحاد بين المُستشار الذي من
لحم ودم، وبين روح المُستشار المرحة كان طريفاً.
الخُلاصة
ليس في الفيلم أي زوايا تصوير مميزة، أي تتابع مونتاج مثير للانتباه،
ولا أي كادرات. كذلك، ليس في الفيلم اتزانُ درامي، أو منطق يحكم الأحداث،
والحسنة الوحيدة له هي الطريقة التي رسم بها شخصية السيد شنبو في بدايته.
التمثيل في الفيلم كان مقبولاً، ورغم أن الانسجام بين أحمد حلمي وحسن حسني
كان بادياً، إلا أنّ هذا لم يُساعِد في رفع مُستوى التمثيل في الفيلم. ومن
ذلك أن الموظفين في الفيلم هُم ممثلو صف ثانٍ مجتهدون، مثل إدوارد، لكنهم
لم يظهروا إلا بمظهر الكومبارس. كما أن للمُخرِج تصرفاً فريداً في تقديم
شخصية الدادة عواطف، فحين يوبخ السيد شنبو ولده رفعت - على اسم رفعت
إسماعيل، الشخصية الشهيرة في سلسلة "ما وراء الطبيعة" - تظهر في الخلفية،
بشكلٍ ضبابي - لأن تركيز البؤرة على المُهزِئ والمُهزَأ - وهي تجلس بطريقة
عجيبة، وترتدي جلابية، وتربط رأسها بالطريقة المميزة لربات البيوت في
الأحياء الشعبية، وكأنها تمثالٌ مُحنط. لوهلة، خُيِل إلّي أن السيد شنبو قد
يحتفظ بتمثال مُحنط لعينة من الأحياء الشعبية لتخويف ولده، لكنني هززتُ
رأسي بأسف، فهذا القدر من الغرائبية ما بعد الحداثية له ناسه، على أي حال.
فعل المُخرج ذلك لسببين: إمّا أنّه يُريد أن يغرس وجود شخصية الدادة في ذهن
المُشاهد مُبكراً حتى لا تظهر فجأة بعد ذلك، أو أنّه نسيها هناك وهو يصور
المشهد.
ويُثير القلق أن الكثير من المُراجعات التي تحدثت عن الفيلم لم تجد في
شخصية السيد شنبو أي مُشكلة، فهو يحرص على زوجته ونجله، والاضطهاد الذي
يُمارسه عليهما ليس إلا "عناية أبوية"، كما أن مُعاملته المُهينة للموظفين
هي معاملة "جيدة"، خصوصاً وأنّه يُظهرهم معه في إعلانه. هل سألهم عمّا إذا
كانوا يُريدون الظهور في الإعلان؟ وهل أظهرهم لأنّه يكترث بهم حقاً؟ لقد
أظهرهم حوله كالمُرافقين، كما كان يتخيل زوجته بالضبط وحولها الرجال. من
دون أي احترامٍ لكرامتهم واستقلالهم الفردي، وحقهم في اتخاذ قراراتهم
بأنفسهم.
مثل هذه التعليقات ممن يُفترض أنهم "الطبقة المُستنيرة" في مصر تجعل
السؤال: "لماذا فشلت الثورة؟" سؤلاً غير ذي أساس! أي ثورة يتحدث عنها
البعض، ما دام السيد شنبو المُرتاب يُمثل "العناية الأبوية"، ويكترث
بموظفيه. وما دام رُهابه من أن "تفجر" زوجته وينحرف ولده إذا غاب أمراً
طبيعياً.
ومن ذلك العقلية التي تحكم العلاقات الاجتماعية، فتجد في المواقع
الاجتماعية في مصر من تشتكي من أن زوجها "لا يشبع من البحلقة في الرايحة
والجاية"، فيكون الرد بأن تكف عن مرض الغيرة، وإنّه لا يستطيع أن يكف عن
النظر طالما أن أمامه "لحماً معروضاً". (وكأن مصر صارت "بلاج" مفتوحاً). أو
تجد فتاة تشتكي من أنها لا تحترم خطيبها لأنّه كان على علاقاتٍ غير شرعية
بالكثير من الفتيات قبلها، وهي تُريد رجلاً مثلها، لا علاقات سابقة له،
فتجد الرد بأن عليها أن تحمد الله لأنّه "اختارها" و"اصطفاها" لتحمل اسمه.
(ماذا قدم للإنسانية صاحب الاسم العظيم؟)
لا يوجد احترامٌ لآدمية الأفراد واستقلالهم، ولا احترامٌ لإنسانية
النساء في أي مكان. وهذا لن يؤدي إلى خيرٍ أبداً، ما دام الكُل مُقتنعاً
بهذا الشكل بأن المُجتمع مُحتاج إلى السيد شنبو المُرتاب. ومن ذلك أغنية
فريق كايروكي، "مطلوب زعيم"، التي تُلخِص مواصفات زعيم مصر بأنّه "دكر".
السيد شنبو المُرتاب "دكر"، والجمهور سعيد ومُنسجم معه، والفيلم مليء
بالاستهبال والاستسهال لأن الشخصية الرئيسية فيه تعني الكثير للجمهور،
وصُناع الفيلم يعرفون أن الجمهور سيبقى يُحِب الشخصية الرئيسية مهما حدث،
فهي الأب والحامي و"الدكر" أبو دم حامي. مع ذلك، فبسبب رداءة اقتباسهم، لم
ينجحوا في الابتعاد عن الأصل الذي "ضربوا" الفيلم منه، فكانت النتيجة
خليطاً مائعاً ماسخاً.
عين على السينما في
25/04/2013
فيلم "أحمد زبانه":
مراوحة بين التأريخ وغياب التوابل السينمائية
عبد الكريم قادري
بعدما وضعت الكتابات الصحفية أوزارها، وخفت الزوبعة التي أثارتها
العديد من الجهات الفنية والتاريخية، حول فيلم "أحمد زبانه"، لمخرجه السعيد
ولد خليفة، وكاتب السيناريو عز الدين ميهوبي، أظن بأنه حان الوقت الذي أكتب
فيه على ما أسميه قراءة مهنية في هذا الفيلم.
وربما يكونالأمرالذي منعني من الكتابة رغم مرور شهور على تاريخ أول
عرض للفيلم، هو ردود الفعل التي أثارها قبل وبعد انجازه، من صناع السينما
أو ممن عايشوا حقبة الشهيد "أحمد زبانة" الذي يدور في فلكه هذا الفيلم، إذ
انقسم الرأي ما بين مؤيد له ومعارض، أرجع وأقول بأن السبب الذي منعي هو
خوفي أن أتأثر برأي من هذه الآراء، على حساب الفيلم، وهذا ما سيؤثر بشكل أو
بآخر على "ريبارتوار" السينما، لذا تريثت علني أفلح وأنصف.
حرب الذاكرة أو كتابة التاريخ من زاويتين
دائما ما يصاحب الأفلام التارخية التي تدور أحداثها حول الثورة
الجزائرية، أو أحد رجالتها، حرب موازية لهذه الأفلام، بين فرنسا والجزائر
من جهة، ومن جهة أخرى بين الجزائريين، لكنها حرب لا تستعمل فيها البنادق
والمدافع والطائرات الصفراء، بل هي حرب تأريخ وذاكرة، حرب من يصنع التاريخ
ومن يكتبه، من يحتفظ بالأرشيف الورقي الموثق، وبين من يعتمد على الأرشيف
الشفوي.
ولكي لا تختلط الأمور على الباحث عن الحقيقة التاريخية من أي بلد كان،
خاصة الذين يأخذونها من شاشات السينما، وما أكثرهم، اتخذت الحكومة
الجزائرية إجراءات عملية كي تخفف من حدة النقاشات التي لا تغني الذاكرة
بشيء، إذ أقر برلمانها قانونا حول السينما صوتت عليه الأغلبية، ومما جاء
فيه أن أي فيلم تاريخي يتناول الثورة الجزائرية يجب أن يأخذ موافقة من
وزارة المجاهدين قبل أن توافق على دعمه وزارة الثقافة أو أي جهة حكومية
أخرى.
لكن رغم هذا فقد حدثت العديد من النقاشات التي صاحبت عروض فيلم حول
الشهيد "أحمد زبانه"، وهو أول شهيد نفذت فيه فرنسا حكما بالإعدام بواسطة
المقصلة.وأهم تلك الانتقادات، هي التي صدرت من طرف الجمعية الوطنية لقدماء
المحكوم عليهم بالإعدام، والبالغ عددهم 2050 عضوا، على لسان رئيسها السيد
مصطفى بودينة، الذي قال إن الفيلم يقدم مغالطات تاريخية، لا أساس لها من
الصحة، ويبرئ فرنسا ويصور الشهيد أحمد زبانه على أنه إرهابي وقاطع طريق.
السقوط في فخ الدراما الوثائقية
رغم توفر جميع العناصر المهمة من ميزانية وفريق تقني فرنسي محترف
وممثلين، ليخرج الفيلم في أبهى حلة له، إلاأن المخرج السعيد ولد خليفة سقط
في فخ الدراما الوثائقية، حينما غيب جوانب مهمة و ضرورية في بناء مشاهد
وحيثيات الفيلم، ليظهر في مجمله جافا، تنقصه التوابل السينمائية، التي تخلق
روابط روحية بين المتلقي والفيلم، وتلامس البعد الإنساني فيه، ليتحول بطل
فيلم "أحمد زبانه" والذي أدى دوره الممثل الشاب عماد بن شني، إلى رجل آلي،
لا يستمتع بشروق الشمس ولا بغروبها، لا يتحسس أوراق الأشجار، ولا يسمع خرير
الماء، ليست له أحلام يمتطيها عندما تستقل البلاد، لا يطلق النكات، جاد في
طباعه وملامحه، وكأنه مبرمج لغاية معنية.
كل هذه التفاصيل، أو ما تعرف بالحبكات الثانوية،ساهمت بشكل ما، في
التقليل من أهمية الفيلم، رغم القامة الكبيرة التي عالجها، خاصة وأن الشهيد
أحمد زبانه يعد صاحب قيمة ثورية كبيرة، ويكتسب رمزية تاريخية، بوصفه أول
من يعدم بالمقصلة، ومن الذين عانقوا هذه الفكرة وتفطنوا لها هو الإعلامي
والناقد السينمائي نبيل حاجي، الذي قال "بأننا لم نلامس روح ووجدان "زبانه"
في رحلته النضالية والحربية، موطن ضعف فيلم "زبانه" يكمن في أن كلا من
ميهوبي وولد خليفة تورطا في البحث التاريخي والمصادر القليلة عن شخصية "زبانة"
الذي عاش أياما بعد اندلاع الثورة، وأهملا الحياكة السردية والبناء
البصري.. التي يتطلبها أي فليم سينمائي، وهو الذهاب بالمتفرج في أجواء من
السحر يعانق الحقيقة".
وأرجع وأقول إنه رغم التجارب السابقة للمخرج السعيد ولد خليفة (أخرج
أربعة أفلام)، واهتمامه بالنقد السينمائي، وقد كنت من المعجبين بمقارباته
السينمائية، إلا أنه لم يستغلها بطريقة جيدة، وأغفل أشياء مهمة في الفيلم،
ولو تداركها في حينها، لكانت الصورة مغايرة تماما، خاصة الحبكات الثانوية
التي تتماشى مع الموضوع الرئيس كما سبق وقلت.وتقول الخبيرة ومستشارة كتابة
النصوص في هوليوود: ليندا سيجر، " تؤدي الحبكة الجيدة عدة وظائف، وهي أن
تضيف بعدا للنص، حين يكون البطل الرئيس يصنع القصة، يكون منشغلا بالأحداث،
ولكن الحبكات الثانوية تعطي البطل فرصة أن يشم الزهور، وان يحب، وأن يستمع
بهوايته".
لذا نرجع ونقول إن العمل كان فيلما دراميا وثائقيا أكثر منه فيلم
روائي، ويرجع هذا للأسباب والمعطيات التي سبق ذكرها، نختصرها في غياب
الانسجام والروح والفنية اللازمة، والتعويل على المشاهد التسجيلية.
نقاط القوة تتحول إلى نقاط ضعف
لم يستغل المخرج سعيد ولد خليفة، وكاتب السيناريو عز الدين مهوبي،
الشهرة العالمية التي إكتسبها أحمد زبانه، والمعطيات الضرورية المتوفرة،
لصناعة فيلم بحجم الشهيد.
ومن أهم تلك المعطيات، الرسالة المؤثرة التي كتبها الشهيد قبل إعدامه،
والمقصلة بوصفها آلة إعدام جديدة، وزبانة أول ضحاياها، وتعطلها مرتين أثناء
تنفيذ الحكم، والعلاقة القوية التي كانت تجمع الشهيد مع عائلته، هذه
الأخيرة مغيبة تماما طوال مئة وأربعين دقيقة مدة الفيلم، أقول إن هذه
المعطيات كانت ستكون حلقات قوة في الفيلم، لكن سوء استغلالها حولها إلى
نقاط ضعف، ولو توفر نصفها لدى مخرج من هوليوود، وكانت الشخصية غربية، لصنع
فيلم من الطراز العالمي، وتحول زبانه إلى " تشيجيفارا".
وعندما نبحث جيدا في تاريخ السينما العالمية نجد أن هناك العديد من
الأفلام التي تدور حول السير ذاتية، استطاع منتجوها أن يحولها إلى رموز
عالمية، ومنها فيلم وليام والاس الذي أدى دوره الممثل الكبير "ميل جيبسون"،
هذا البطل- أقصد والاس- الذي يتشابه كثيرا مع أحمد زبانه، خاصة وأن كلامها
يبحث عن استقلال بلاده، وناشد الحرية، وكافح المستعمر، لتكون النهاية إعدام
كل واحد منهما، ولاس بالشنق وزبانه بالمقصلة، لكن الفرق بينهما أن فريق
الأول من منتج ومخرج وكاتب سيناريو استطاعوا أن يحولوا بطلهم إلى شخصية
تحررية عالمية، بعدما نسجوا خيوط حب وود بينهم وبين الفيلم، وردموا الهوة
والفاصل بينهم وبين المتلقي، ليدخل فيهم ويتوحد، بسبب الاحترافية الكبيرة،
على عكس فريق فيلم أحمد زبانه باستثناء الفريق التقني، حيث أعاد إعدام
الشهيد أحمد زبانه مرة أخرى حسب تعبير سمير مفتاح حسب تصريحه لجريدة "
الفجر" الجزائرية.
من الأدب الإستعجالي إلى السينما الإستعجالية
على العموم ليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها فيلم جزائري هذه
الانتقادات والمناقشات، فقد سبقه فيلم ثوري أخر يحاكي حياة الشهيد "مصطفى
بن بولعيد"، لمخرجه أحمد راشدي، لكن لا يجب أن يستغل دعم الدولة للأفلام
الثورية بشكل سلبي، بل بالعكس يجب تدوير هذه العقارب في اتجاهها الصحيح، من
أجل التأسيس لسينما جزائرية رزينة ومميزة، ونسج علاقة متينة مع المتلقي،
بدل السقوط في متاهة السينما الاستعجالية، حسب تعبير الروائي الجزائري
الطاهر وطار عن الأدب الإستعجالي، وعدم استهانة المخرجين بالتفاصيل
الصغيرة، لأنها هي من يكمل الصورة الكلية للفيلم، مثل فيلم " أحمد زبانه"
وهو موضوعنا الرئيسي، لم يعطيمخرجه الكثير من الأشياء حقها، وتعامل بشكل
غير مسؤول مع أشياء لا يجب إغفالها، مثل تسريحة شعر مؤدي دور زبانه، ولحيته
التي لم تتغير مع باقي سجناء " بربروس"، ومحافظته على نفس الملامح طوال
فترة الفيلم تقريبا، والمبالغة في بعض المشاهد، ككثرة ثغاء الغنم والماعز
وهيمنة أصواتها على السوق لكن الصورة تبرز عكس ذلك، وتصوير السجن العريق
والمشهور "بربروس" سابقا و"سركاجي" حاليا، كمكان نقاهة وراحة، حيث لم يظهر
أجوائه وقسوة حراسه مثلا، والحميميات التي تطبع يوميات المساجين، وكيفية
تمضيتهم للوقت، حتى أن أمر السجن عندما استدعى المساجين في الساحة لم
يتجاوز عددهم 12 مسجونا، وهذا ينافي الحقيقة، كما أن أقمصة المساجين
الداخلية البيضاء نظيفة دائما، لا توجد بها ولا قطرة عرق واحدة، هي ملاحظات
وأخرى، أهملها المخرج وكاتب السيناريو على السواء، لأسباب مجهولة، لكن
المعلوم هو أن الفيلم جاء من أجل سد ثغرة في السينما الجزائرية، فحفر أخرى
أشد اتساعا.
عين على السينما في
26/04/2013 |