في بلد بنى حضارته الطويلة عن طريق مهنة الزراعة، تعاملت السينما
المصرية بتنميط وسطحية مع «الفلاح» منذ فيلم «زينب» لمحمد كريم سنة 1930،
وحتى فيلم «عصافير النيل» للمخرج مجدي أحمد علي سنة 2010.
وظل الفلاح المصري شخصية هامشية في السينما منذ انطلاقها وحتى ثورة 23
يوليو 1952، من خلال بعض الأدوار المساعدة داخل أحد القصور الموجودة في
الريف والتي تدور فيها بعض أحداث تلك الأفلام.
ولم تخرج على تلك القاعدة سوى بعض الأفلام القليلة أهمها فيلم «زينب»
الذي يستعرض حياة فلاحة بسيطة وقعت في قصة حب وأرغمتها التقاليد على الزواج
من رجل آخر، وعلى الرغم أن الفيلم لا يتعرض لحياة الفلاحين بصورة عميقة إلا
أنه استعرض بعض العادات الريفية.
إلا أن الفيلم الأهم عن حياة الفلاح في تلك الفترة هو فيلم «ابن
النيل» الذي أخرجه يوسف شاهين عام 1951، والذي يستعرض قصة فلاح تمرد على
أوضاعه وهاجر تاركاً القرية وانغمس في حياة العاصمة قبل أن يعود لينقذ
زوجته التي تركها بعد أن خرج من السجن.
وتشير التقارير الإحصائية إلى أن عدد الأفلام التي تناولت الفلاح
والريف المصري بلغ على أفضل تقدير 2.4% من حجم الإنتاج السينمائي في تلك
الفترة، في حين كانت الأفلام التي تناولت حياة الليل تشكل 35% من إجمالي
عدد الأفلام.
تغير الحال كثيراً بعد ثورة يوليو، حينما أرادت الدولة التحكم في
صناعة السينما وتوجيهها لتحقيق أهداف دعائية تخدمها، لتقدم السينما أفلاماً
مثل «الوحش» لصلاح أبو سيف 1954 و«صراع في الوادي» ليوسف شاهين 1954
و«أرضنا الخضراء» لأحمد ضياء الدين 1956 و«أدهم الشرقاوي» لحسام الدين
مصطفى 1964 و«الحرام» لبركات 1965 و«الزوجة الثانية» لصلاح أبو سيف 1967 و«البوسطجي»
لحسين كمال 1968 و«شيء من الخوف» لحسين كمال 1969 و«الأرض» ليوسف شاهين
1970.
ويبدو واضحاً خلال فترة الخمسينيات والستينيات حرص السينما على توضيح
الظلم والقهر الذي تعرض له فلاح ما قبل الثورة من خلال الإقطاع والطبقة
الحاكمة.
وتبقى أفلام «شيء من الخوف» و«الأرض» و«الزوجة الثانية» أهم أفلام تلك
الفترة، حيث استعان الأول برمزية الأرض والفلاح ليهاجم السلطة في ذلك الوقت
الذي عانى فيه من الكبت، بينما استعرض الثاني حياة الفلاحين بكامل تفاصيلها
الدقيقة بصورة لم يسبق تقديمها في السينما المصرية من قبل، وكان الثالث
الأكثر إنسانية وواقعية ولهذا اعتمدت شخصياته ممثلة للريف المصري حتى وقتنا
هذا رغم تغير الأوضاع كثيرا، ولم تعد مكونات المجتمع الريفي هي ذاتها التي
صورها صلاح أبو سيف عام 1967.
لكن ما يميز تلك الفترة أن نسبة الأفلام التي تناولت الفلاح المصري
وصلت لـ 6.9% ، وهي زيادة ملحوظة عن المرحلة الأولى.
ومع انتصاف السبعينيات واتجاه الدولة إلى الانفتاح الاقتصادي، عاد
الفلاح ليحتل مكانه الهامشي في خلفية الصورة، ليكتفي بدور المهاجر الساذج
الذي يصل إلى القاهرة لينبهر بما فيها، ويقع في مفارقات مضحكة، مثل فيلمي
«المتسول» و«عنتر شايل سيفه» لأحمد السبعاوي سنة 1983، أو من خلال الفلاح
الساذج الذي يتم تجنيده من خلال فيلم «البريء» لعاطف الطيب.
وتعود نسبة الأفلام المنتجة في الثلاثين عامًا الأخيرة إلى أقل من
معدلات المرحلة الأولى، وتصل تقريبًا إلى 2.3% من حجم الأفلام المنتجة.
وتنكر السينما رغماً عنها ولثقافة صناعها القليلة بالريف المصري بعض
العادات الاجتماعية المهمة للفلاحين، مثل الأسرة الممتدة، وهي الأسرة التي
تضم ثلاثة أجيال يعيشون في بيت العائلة الكبير، وكذلك رغبة الفلاح الدائمة
في ألا يرث أبناؤه مهنته، فيحرض على تعليمهم وإلحاقهم بوظائف أخرى بعيداً
عن «عار الفلاحة».
ولكن السينما كانت أكثر صدقاً مع الفلاح المصري فيما يخص التعليم، حيث
استعرضت في كل مراحلها اكتفاءه بالكُتّاب، وحلمه بعالمية الأزهر من خلال
أفلام مثل «شباب امرأة» لصلاح أبو سيف سنة 1956، لكنها دائما ما كانت قضية
هامشية وغير رئيسية في موضوعاتها، لكنها لم تهتم نهائيًا بالموضوعات
الحياتية الأخرى مثل الصحة والسكن، لدرجة أن الحكومة المصرية اصدرت قراراً
عام 1947 يمنع تصوير منازل الفلاحين، ونصَّ على ذلك صراحةً لتدني مستواها.
حتى على مستوى التدين، اهتم السينمائيون بإبراز الجانب الأسطوري في
علاقة الفلاحين بالأديان وتصديقهم بالجان والسحر وخضوعهم التام للشيوخ،
وأغفوا الجوانب الأخرى في حياة الفلاح الدينية.
لكن كانت خطيئة السينما الكبرى في تشويه العلاقة بين الرجل والمرأة في
الريف، حيث أبرزت السلطوية الكاملة للرجل، على الرغم من أن المرأة في الريف
تكاد تكون مسؤولة وحدها عن إدارة الحياة، واقتصر دور الرِّجال في بعض الأسر
على مجرد العمل بالحقل وكسب المال ومجالس الرجال، ويبدو هذا واضحًا وجليًا
للغاية في صعيد مصر.
وكما أنكر المجتمع فلاحيه أنكرتهم السينما، وكما تتقلص مساحة الأرض
الزراعية في مصر تتقلص نسبة الأفلام التي تهتم بصُناع حضارتها في الماضي،
وكما تجتاح حوائط الطوب الأحمر خضرة الأرض الزراعية التي تم تجريفها خصيصًا
من أجله، ينسحب الفلاح من السينما المصرية معتمدًا على الدراما التي حوّلته
إلى «إكليشيه» ثابت لا يتغير ولا يشبه الحقيقة نهائياً.
وفاة الفنان شعبان حسين عن 73 عامًا..
وصلاة الجنازة بمسجد مصطفى محمود الخميس
حاتم سعيد
قال الفنان عبدالله مشرف إن الفنان شعبان حسين توفى بعد ظهر الأربعاء
عن 73 عامًا، مشيرًا إلى أن صلاة الجنازة ستقام الخميس بمسجد مصطفى محمود
بالمهندسين.
ولد شعبان حسين في 24 نوفمبر 1940 وتخرج في كلية الزراعة قبل أن يحصل
على بكالوريوس فنون مسرحية.
عمل الفقيد في مسرح الدولة بداية الستينيات، ونجح في عدد من الأدوار
مما جعل له باعا كبيرا في الأعمال المسرحية والتليفزيونية خاصة مع الفنان
محمد صبحي، ومن أشهر أعماله المسرحية «تخاريف»، «وجهة نظر»، «لعبة الست»،
ومن أشهر أعماله التليفزيونية مسلسل «يوميات ونيس».
المصري اليوم في
22/05/2013
وفاة الفنان شعبان حسين.. وصلاة الجنازة غدًا من مسجد مصطفى محمود
سارة نعمة الله
توفى منذ قليل، الفنان شعبان حسين، عن عمر يناهز الـ73 عاماً، وذلك
حسبما أكد الفنان سامح الصريطى، وكيل نقابة المهن التمثيلية.
وأكد الصريطى أن الوفاة طبيعية، وأنه من المقرر أن تقام صلاة الجنازة
غداً بعد صلاة الظهر من مسجد مصطفي محمود.
وتميز الراحل بتقديم العديد من الأعمال الكوميدية مع الفنان محمد صبحي
من بينها مسرحيات تخاريف، وجهة نظر، لعبة الست، وسلسلة مسلسل "ونيس".
22-5-2013 | 18:02
بين السينما والتليفزيون والمسرح.. الراحل شعبان حسين ألمع نجوم الصف
الثانى
سارة نعمة الله
صحيح أنه لم يمنح لقب ممثل "السوبر ستار" لكنه استطاع أن يترك بصمة في
عالم الكوميديا، وخلق لنفسه منطقة خاصة تميز بها عن غيره من الفنانين الذين
عملوا بنفس منطقه، هو شعبان حسين ذلك الفنان الذى تميز بابتسامة خاصة وأداء
مختلف جذب فيه أنظار الكثيرين رغم تميزه كنجم لامع في الصف الثاني.
انطلاقة شعبان الفنية لاشك أنها ولدت على يد صديق عمره، ورفيق كفاحه
الفنان محمد صبحي، والذى كان يلازمه في جميع أعماله، بل أنه كان تفرض له
مساحة خاصة في كل دور يشاركه به.
فرغم عمل حسين في مسرح الدولة منذ فترة الستينيات، إلا أن نجوميته
لمعت وانتشرت من خلال الأعمال المسرحية التى قدمها مع النجم محمد صبحي.
وكانت من بين الأعمال التى قدموها معاً، مسرحيات تخاريف، وجهة نظر،
لعبة الست، مسرحية ونيس، ماما أمريكا، سكة السلامة.
كما اشترك مع صبحي في تقديم عدد من المسلسلات التليفزيونية كان في
مقدمتها، سنبل بعد المليون، يوميات ونيس، فارس بلا جواد.
ولعل مسلسل "ونيس" والذى قدم مطلع التسعينيات من القرن الماضي، أفرد
مساحة أكبر لنجومية شعبان، حيث قدم من خلاله شخصية صديقه المليونير المغرور
الذى يتباهى بكل ما يملكه واشتهر بإفيه "3" في إشارة لامتلاكه لثلاثة أشياء
من كل مقتنياته.
تألق حسين في مجموعة من الأعمال الدرامية التى قدمها مؤخراً، خصوصاً
مع الفنانة يسرا حيث دوره في مسلسل "خاص جداً" في دور الطباخ الخاص لها،
ومسلسل "شربات لوز" والذى قدم فيه شخصية زوج شقيقة زوجها، فبرغم أن الدور
كان يبتعد كثيراً من الكوميديا الخالصة، حيث وجود مشاهد "لايت" إلا أنه كان
يحمل أداء درامياً مميزاً منه، حيث الزوج الذى يعانى مرارة التعامل مع
زوجته ويلجأ للزواج من أخرى بل يعرف عليها أبنائه ويقعون في حبها.
كذلك قدم حسين عدداً من الأدوار المميزة كما في مسلسلات "شمس الأنصارى"
و"عرفة البحر" و"الزناتى مجاهد".
ولم يبتعد حسين عن السينما في أعوامه الأخيرة حيث قدم أفلام "جواز
بقرار جمهورى"، و"الرجل الغامض بسلامته"، "الكبار"، "صعيدى رايح جاى"،
"ناصر 56".
رحل شعبان حسين تاركاً وراءه عشرات من الأعمال التى يصل عددها إلى ما
يقرب من 83 عملا، تنوعت ما بين الدراما والكوميديا وتميزت بالتوازن بين
العمل في السينما والمسرح والتليفزيون، حيث إنه من الفنانين القلائل الذين
لم يتركوا فرصة لأنفسهم للاستمرار في مجال معين على حساب الآخر.
22-5-2013 | 18:04
تغيير مكان جنازة شعبان حسين إلى "السيدة نفيسة".. والعزاء بمسجد أسد بن
الفرات
سارة نعمة الله
استقرت أسرة الفنان الراحل شعبان حسين على إقامة صلاة الجنازة بمسجد
السيدة نفيسة بعد أن كان من المقرر إقامتها في جامع مصطفى محمود غداً عقب
صلاة الظهر.
كما قررت أسرة الراحل إقامة العزاء بعد غد بمسجد أسد بن الفرات
بالدقي.
بوابة الأهرام في
22/05/2013
في ظل الأخونة إلي أين تسير الثقافة ؟
حسين فهمي: مصر تمر بمرحلة انحطاط وهناك مؤامرة لتدمير
الوطن
تحقيق: سهام العقاد
من الدكتور علاء عبد العزيز وزير الثقافة الجديد؟ انه السؤال الذي
أثار حفيظة المصريين جميعا وليس المثقفين أو الفنانين أو المهتمين بالشأن
الثقافي وحدهم، خاصة إنه لم يسمع أسمه من قبل في المحافل الثقافية أو
الأدبية أو الفنية!!
ما السبب وراء تعيينه في هذا المنصب الحساس الذي شغله من قبل قامات
ثقافية شامخة مثل الدكتور ثروت عكاشة، والدكتور عبد القادر حاتم، والدكتور
بدر الدين أبو غازي، والأديب يوسف السباعي، والفنان فاروق حسني، وغيرهم.
وما مؤهلاته العلمية والثقافية التي أهلته للحصول علي منصب وزاري
رفيع؟ غير أنه كتب مقالا في جريدة الإخوان “الحرية والعدالة” يسخر فيها من
الثوار ويتهكم علي التيارات المدنية، ويدافع عن سياسات الرئيس المنتخب!!
وهل انحسرت مؤهلات سيادته في أنه موال لأفكار الجماعة، فبات بقدرة
قادر وزيرا لثقافة مصر! وهل هانت الثقافة المصرية إلي هذا الحد؟ أم أنها
بداية لأخونة الثقافة والمجتمع معا؟
بعيدا عن الفضائح الجنسية والأخلاقية التي طالت الوزير، لأننا لن نخوض
في العلاقات والحريات الشخصية، وما يعنينا فقط هو الكفاءة التي فشل د. علاء
في إثباتها في عمله كمدرس مونتاج بأكاديمية الفنون.
تري ما وقع تقلد د. علاء عبد العزيز منصب وزير الثقافة علي المثقفين؟
وما رد فعل أساتذة أكاديمية الفنون التي يعمل بها الوزير؟
احتكار المناصب
المفكر والمناضل والأديب شريف حتاتة يقول: أشك أن وزير الثقافة الجديد
له علاقة بالثقافة أصلا، إن لم يكن ضد الثقافة، إن اختياره لا يختلف عن
اختيار الوزراء الآخرين، الإخوان يمضون في طريقهم للسيطرة علي مفاصل
الدولة، وأجهزة القمع، هم يريدون احتكار جميع المناصب وإقصاء الآخرين،
والكارثة التي أراها بوضوح أن اتجاهات الإخوان تميل نحو التعصب، والتفرقة،
وإعادة المرأة إلي عصر البادية، بالإضافة لنظرتهم للفن والثقافة القاصرة.
خاصة أن الاتجاهات الرجعية لا تحتمل الفكر ولا الإبداع ولا الثقافة،
والإخوان يرون أنهم لن يستطيعوا الاستمرار في الحكم دون تلك الأجهزة التي
تمنع الفكر! وأري أن الإخوان خطر علي مستقبل مصر، إنهم أعداء للفكر الحر،
وللثقافة الحقيقية، لجميع مجالات الإبداع، وما يدل علي كلامي، أننا لم نسمع
قط عن سينمائي أو روائي أو مفكر أو مثقف كبير بين صفوف الإخوان، باستثناء
من انفصلوا عنهم.
وأؤكد أن أخونة الدولة التي يسعون إليها لن تتحقق، لأن هناك مقاومة من
قبل الأحزاب والمثقفين، ومن المواطنين الذين أدركوا خطورة الإخوان علي
بلدهم، كل الفئات سوف تتصدي لمقاومة أخونة الدولة، باستثناء الطبقات
الرأسمالية الكبري، لذا نري تحالف الإخوان مع بقايا النظام القديم..
ومستقبل مصر يتوقف علي حصيلة الصراع بين القوي المستنيرة والإخوان، وسوف
ننجح في مقاومة التخلف والجهل.
شرايين الثقافة
قال الناقد السينمائي دكتور رفيق الصبان: إن الدكتور علاء عبد العزيز
لا يمتلك أي خبرة في مجال الثقافة، و كل المؤشرات تدل علي أننا مقدمون علي
نوع من التعصب الأعمي، خصوصا أن مثل هذا المنصب يتطلب إنسانا بارعا ملما
بكل خبايا الحياة الثقافية في مصر..
أضاف الصبان أن الدولة تمضي قدما نحو أخونة كل المؤسسات والهيئات
والوزارات، لكن ما أخشاه بقوة هو تفتيت الثقافة، خاصة أن وزارة الثقافة
تمتلك شرايين الثقافة كلها في مصر، وأي خلل يصيب الوزارة، سوف يسبب انسداد
الشرايين، الذي يؤدي حتما إلي الوفاة.
أكد الدكتور محمد عناني أن وزارة الثقافة يجب أن تكون خاصة بالمثقفين
وحدهم أسوة بالمجلس الأعلي للقضاء، أي أن يختار المثقفون وزيرهم، لأنه لا
يجوز أن يكون وزير الثقافة خاضعا لهوي تيار بعينه، كما أنه يجب أن تكون له
رؤية واضحة، وقدرة علي التخطيط، وان يكون قادرا علي الإقناع، لأنه من
المفترض أن يخدم الثقافة والمثقفين. خصوصا أن الثقافة في مصر، علي مر
العصور يصنعها أبناؤها، ولا تصنعها الحكومة، فنحن نصنع الثقافة علي الرغم
من الحكومة، الشعب هو منبع الثقافة وليست اللحية أو الجلباب الطويل، نحن
نتميز بالإنسان الذي بني الأهرامات، وأبدع تمثال نهضة مصر، وبهرنا العالم
بلوحات محمود سعيد وبيكار وأحمد صبري وغيرهم، نحن لدينا عمالقة في عالم
الفن والأدب، وعمل المثقفين في أحلك الساعات علي إعلاء الثقافة.
الولاء للجماعة
الفنانة عايدة عبد العزيز تقول إن الإخوان المسلمين هم من يتحكمون في
البلد، مع العلم بأنهم لا يفقهون شيئا في أمور السياسة، ولا في التعليم ولا
الثقافة ولا الفن، لذلك نحن في وضع متخبط، و نسير نحو الهاوية، ووقعنا
فريسة لوزراء متحرشين ووزراء موالين للجماعة، والمؤسف أن المسئولين لا
يعترفون بالكفاءات، وأري أن ما يجري علي أرض الوطن في منتهي الخطورة، ومكتب
الإرشاد يحكم مصر من المقطم، لذا فانا مذهولة و”مرعوبة” علي البلد.
أخونة الدولة
في السياق نفسه وفي أول رد فعل لأساتذة أكاديمية الفنون، عقدوا مؤتمرا
أعلنوا فيه رفضهم القاطع للوزير، وأصدروا بيانًا أكدوا فيه الدور التنويري
للفن المصري الذي سيظل دائما متوهجا، واعتبروا أن الثقافة المصرية تمر
حاليا بكارثة، ويتهدد الخطر حرية الإبداع، رافضين خطة الإخوان المسلمين في
أخونة الدولة، وأكدوا رفضهم القاطع لتولي د. علاء عبد العزيز حقيبة وزارة
الثقافة المصرية، الأمر الذي يؤكد قصور رؤية النظام الحاكم للثقافة
والإبداع.
كرسي الوزير
قال الفنان حسين فهمي المتحدث الرسمي باسم نقابة الفنانين والممثلين
في المؤتمر الذي عقدته أكاديمية الفنون، لقد درست في هذه الأكاديمية عقب
عودتي من انجلترا لمدة 12 عاما، ما يؤكد بأني ابن لهذه الأكاديمية العريقة،
وابن لوزارة الثقافة، مشيرا إلي ابرز الوزراء أمثال الدكتور ثروت عكاشة،
يوسف السباعي، وقال كرسي الوزير أهم وأكبر كثيرا ممن يجلس عليه الآن!!
مشيرا علي أن مصر مرت بمراحل انحطاط كثيرة وتجاوزتها، وأضاف إننا
اليوم نمر بمرحلة انحطاط ثقافي، وانحطاط أخلاقي وتعليمي أيضا، مؤكدا أن
هناك مؤامرة ضد هذا الوطن من أجل تفتيته وتدميره، خاصة أن الفن والثقافة
هما الأساس الداعم لهذا الوطن، وهناك مخطط لتدميرهما، ويوجد أيضا مخطط
لتدمير الجيش المصري، مثلما حدث في الدول العربية الشقيقة، وقال إن
المؤامرة ضد العالم العربي كله ومصر في القلب منه، مؤامرة للقضاء علي
الثقافة والفن، لذا أري أنه يجب علي جميع الفنانين والكتاب والأدباء أن
يقفوا صفا واحدا لمواجهة تلك الهجمة الإخوانية.
المعايير الأخلاقية
قال الدكتور سامح مهران في بيان مجلس الأكاديمية إن آلة القمع تتحرك
عبر أسوأ العناصر، مطالبا بإقالة الدكتور علاء عبد العزيز وزير الثقافة
لانعدام المعايير الأخلاقية والثقافية فعودة الدكتور علاء عبد العزيز إلي
الأكاديمية جاء بحكم قضائي لخلل في الإجراءات.
وقال مهران لا يجوز بحال من الأحوال أن يعتلي منصب وزير ثقافة مصر من
لا تاريخ له، وأضاف أما فيما يخص الـ
CD
فقد أحضره لي أحد أصدقاء الدكتور علاء عبد العزيز، وقمنا بإحالته إلي
الدكتور صابر عرب وزير الثقافة السابق، وكنا بصدد التحقيق معه من قبل
الدكتور عبد الناصر الجميل، كما أن الدكتور علاء عبد العزيز قد تم التحقيق
معه بسبب تهشيم سيارتي وبغض النظر عن الأشياء السلوكية فإن اختياره غير
مقبول.
جبهة الإبداع المصري:
سنواجه محاولات تشويه الثقافة المصرية
كتب: خالد عبدالراضي
أعلنت جبهة الإبداع المصري ،عن تدشين حملة تحت شعار”مصر مصرية”،
لمواجهة أخونة وزارة الثقافة وسالبي هوية الشعب المصري ومشوهي تراثه
والساعين لأسر مستقبله وشق وحدة صفه،حسبما جاء في بيان تدشين الحملة ،الذي
وقع عليه عدد من المثقفين.
ووجهت الجبهة الدعوة اجموع المبدعين المصريين في القاهرة والأقاليم
للمشاركة في فعاليات الحملة ، لرفض سياسات النظام، وبدأ الإعداد لمؤتمر
“مستقبل الثقافة والإبداع في مصر”، ليبدأ أعماله منتصف شهر يونيو القادم،
وتشكيل لجنة لإعداد تقرير رصدي موثق يحمل عنوان “توثيق قمع الثقافة والفنون
في ظل حكم مرسي والإخوان”، كما أعلنت الجبهة عن تضامنها مع كل الفعاليات
الثقافية والفنية الرافضة لسياسات الحكم في مصر.. واضاف البيان أن “اختيار
وزير للثقافة الحالي لا يرقي لمستوي التعليق ولا يستحق حتي الرفض لأنه
اختيار يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أننا أمام جماعة حكم لا تدرك حجم الوطن
الذي تحاول السيطرة عليه ولا تعي قدر الثقافة المصرية، ولا يدل اختيارها
إلا علي أنها تسعي لوأد الحياة الثقافية المصرية بإسناد الأمر إلي غير
المؤهل وعيا وسيرة ومسيرة وهو اختيار طبيعي لا يعكس إلا مواصفات الجالس علي
كرسي الحكم والاختيار”.
وأشار البيان، إلي أن كل مخاوف المبدعين المصريين التي أعلنوها في
مؤتمر تأسيس الجبهة “يناير 2012″، قد تحولت إلي واقع في ظل حكم تيارات
الإسلام السياسي لمصر بل فاقت في حدود تهديداتها ومخاطرها كل عقل وخيال،
مؤكدين أن الحكم القائم في مصر حالياً لم يلتفت لأي من مطالب ممثلي القوي
الناعمة المصرية وصناع الوعي بل تجاوزها ليقدم أسوأ صور القمع الفكري
والاستبداد السياسي والامتهان الإداري.
وقررت الجبهة، عدم الاعتراف بـممارسات حكم الرئيس محمد مرسي لأنه حنث
بما أقسم عليه أمام الله و الشعب وأخلف ما وعد به بعض النخبة والقوي
السياسية وخان أمانة وطن ومواطن حين انحاز لأجندة تنظيمية علي أولويات
الوطن والثورة.. من جانب آخر أعلنت أمانة العمل الجماهيري بخزب التجمع عن
تضامنها الكامل مع مثقفي مصر ضد أخونة الثقافة.. وأعلنت فتحية العسال ،
أمينة الإتحاد النسائي التقدمي بحزب التجمع ، عن تنظيم عدد من الفعاليات
احتجاجا علي أخونة وزارة الثقافة المصرية ، والمطالبة بإقالة الوزير
الاخواني الذي جاء محملا بأفكار الجماعة لتنفيذ مخططاتها ، وتشويه تراث
الشعب المصري ، وأضافت : ” كل مؤهلات الوزير علاء عبد العزيز ،هي كتابة
موضوعان لتمجيد الرئيس محمد مرسي في جريدة الحرية والعدالة التي تصدرها
جماعة الإخوان المسلمين.. جدير بالذكر أن الجبهة قامت بتنظيم ، وقفة
إحتجاجية أمام مركز الهناجر بدار الأوبرا المصرية ، يوم الثلاثاء 14 مايو ،
بمشاركة عدد من المثقفين والمبدعين، وتوجه المحتجون في مسيرة حاشدة إلي
وزارة الثقافة بشارع شجرة الدر بالزمالك، للمطالبة بإقالة الوزير الإخواني.
الأهالي المصرية في
22/05/2013
«سانست
بوليفار» لبيلي وايلدر:
ما الذي يبقى من الأسطورة؟
إبراهيم العريس
ذات يوم كان لا بد لهوليوود أن تبدأ بالحديث عن نفسها والتأريخ
لأوضاعها وأخلاقياتها، ليس في كتب من تلك التي كثر انتشارها منذ الأعوام
الأولى لولادة فن السينما، ثم منذ الأيام الأولى لولادة هوليوود نفسها
كمركز رئيس لإنتاج أفلام هذا الفن في العالم كله، وليس في ألوف المقالات
والدراسات التي راحت تصدر منذ اكتشف الباحثون الجادّون أن السينما ونجومها
مادة يمكن الكتابة بجدية عليها، بل في أفلام تقدّم ما صار يعرف لاحقاً باسم
«سينما عن السينما». وكذلك، في السياق نفسه، كان قد آن الأوان لكي تنظر
هوليوود إلى ماضيها وحاضرها بشيء من النقد الواقعي، لا عبر نظرة تقدير
الذات المفرط، التي كان سبق لهوليوود أن نظرت بها إلى نفسها. ولكي تتمكن
هوليوود من هذا كان عليها أن تنتظر مجيء ذلك المخرج ذي الأصل النمسوي،
والذي مرّ في برلين، قبل أن يحطّ رحاله في عاصمة السينما، ليصير، ككاتب
سيناريو ومخرج، واحداً من أقطابها، حتى وإن لم يكن أي من أفلامه يحتسب في
خانة أعظم الأفلام في تاريخ السينما. وهذا المخرج كان بيلي وايلدر، الذي
حين انتقل إلى هوليوود، نقل معه بعض أساليب السينما التعبيرية الألمانية
التي كان عايشها في شكل جيد، كما كان نقل معه لغة الاستبطان السيكولوجي حتى
وإن كان ما يرويه عن لقائه الأول مع فرويد في فيينا، ليس فيه ما يسر خاطر
هذا الأخير. ثم لأن بيلي وايلدر كان في الأصل كاتباً وصحافياً قبل أن يخوض
غمار الفن السابع، كان لا بد لكل تلك السمات في شخصيته، ولكل تلك الإضافات
التي أتى بها، من أن تثمر. وفي يقيننا أنه إذا كان ثمة من بين أفلام وايلدر،
الراحل عن عالمنا قبل أعوام، فيلم يجمع ذلك كله، فإن هذا الفيلم هو «سانست
بوليفار» المأخوذ عنوانه من اسم أحد الشوارع السكنية الرئيسة في هوليوود،
حيث ومنذ البداية، توجد فيلات النجوم ومواطن عيشهم.
>
إذاً، منذ عنوانه يضع هذا الفيلم نفسه، تحت مظلة الحياة
الهوليوودية... ويعد بأنه سيروي لنا شريحة من حياة هوليوود. غير أن الذي لا
يعد به منذ البداية، إنما هو كونه سينظر بكل تلك القسوة إلى هوليوود وبعض
أشهر أساطيرها: من النجوم إلى الأخلاق إلى الصورة الزاهية التي عبرها تقدّم
الأفلام نفسها. لقد جاء «سانست بوليفار» ليقول إن ذلك كله كان مزيّفاً وإن
النجوم ليسوا أساطير، وإن هوليوود تقف في نهاية الأمر خارج المنظومة
الأخلاقية التي بُني عليها الحلم الأميركي. بل إن هذا الفيلم يقول لنا إن
حلم النجاح الأميركي الذي جسدته هوليوود إنما كان وهماً وسراباً، منذ
بدايته. وها هو الوجه الآخر للميدالية يؤكد لنا هذا.
>
والغريب في الأمر أن الوجه الآخر للميدالية يرسم لنا في هذا
الفيلم من طريق جثة. وهذا البعد الذي أتى به وايلدر من عالم التعبيرية
الألمانية كان جديداً على السينما الأميركية... خصوصاً أن الفيلم يبدأ
مشاهده عبر تصوير تلك الجثة طافية فوق ماء حوض في حديقة منزل سنعرف بسرعة
أنه منزل نجمة هوليوودية أكل الدهر عليها وشرب. صاحب الجثة هو كاتب يدعى جو
جيليس (وليام هولدن)، ما إن تحط الكاميرا عليه وهو ميت حتى يبدأ برواية
حكايته وحكاية موته لنا... وهذه الحكاية هي التي تستغرق زمن عرض الفيلم.
>
تدور الحكاية في زمن تصوير الفيلم، أواخر أربعينات القرن
العشرين، في هوليوود طبعاً... والرجل الذي مات بعد أن مزقت رصاصات عدة
جسمه، يروي لنا كيف أنه كان كاتب سيناريو شاباً عاطلاً من العمل حين ارتبط
بحكاية غرامية مع نجمة من نجمات السينما الصامتة، تعيش الآن وقد اكتهل بها
العمر، في تلك الدارة التي تملكها في ذلك الحي الهوليوودي الراقي... إنها
تعيش على أمجادها القديمة غير مصدقة أن زمنها ونجوميتها قد انتهيا، بل لا
تزال مؤمنة بأن المجد سيعود ليقرع بابها من جديد، فتستعيد مكانة - بالكاد
تصدق أنها فقدتها - والحال أن ارتباط تلك النجمة وتدعى نورما دزموند (غلوريا
سوانسون) بالكاتب الشاب، وهي التي تبلغ سنها ضعفي سنه، يدفعها إلى التوهم
أيضاً أنها لا تزال شابة ومرغوبة، غير دارية أن جو جيليس لم يصاحبها إلا عن
انتهازية وعن أمل في أن يعرف هو بعض المجد من طريقها أو من طريق ما تبقى
لها من صداقات. إنها حياة وهم وعلاقة وهم... وما يزيد الطين بلة هنا هو أن
زوج نورما السابق، المخرج ماكس فون مايرلنغ، الذي بدأ نجمه يأفل هو الآخر،
لا يزال على اتصال بها، مغذّياً إحساسها بديمومتها مراهناً هو الآخر على
بعض بريق المجد القديم. هكذا، إذ ترتبط نورما بجو، تعتمد عليه لكي يكتب
سيناريو العودة التي تريدها وتتصورها كبيرة حاسمة. وهي من أجل ذلك تلتقي
بالمخرج سيسيل ب. دي ميل (الذي يلعب دوره دي ميل نفسه في الفيلم)، ويكون
هذا اللقاء دافعاً آخر إلى تمسك النجمة بأهداب الأمل، إذ إن دي ميل - لمجرد
التخلص منها، ومن دون أن تتنبه هي إلى ذلك - يشجعها على ما تريد فعله. غير
أن الأمور التي بدت براقة وتبشر بالمستقبل المتجدد الواعد، سرعان ما تسوء
حين يشعر الكاتب الشاب، فجأة بالقرف من ذلك كله، ويقرر أن يرمي أخيراً
القناع رافضاً مواصلة الطريق... وهنا بعد مشادة يقول فيها جو لنورما كل
رأيه الحقيقي فيها، تتناول مسدسها وترديه قتيلاً، ليسقط في الحوض، فيما
تصاب هي بمسّ من الجنون يدفعها إلى الاعتقاد، حين تكتشف جريمتها وتخرج من
الباب محاطة بأفراد الشرطة، أن كل هؤلاء الناس المتجمعين لكي يروها معتقلة
مجرمة، إنما هم جمهورها الذي أتى إلى هنا ليحييها مرحّباً بفيلم عودتها إلى
الشاشة، مظفرة ناجحة. وفي أثناء ذلك يكون ماكس منهمكاً في تصوير ذلك المشهد
مستخدماً إياها كـ «بطلة» لفيلمه الأخير للمرة الأخيرة في حياتها.
>
لقد نُظر إلى هذا الفيلم دائماً على أنه أكبر عملية فضح
لازدهار هوليوود واندحارها. بل في الأحرى لازدهار واندحار أسطورة هوليوود
وأسطورة نجومها... ومما يروى في هذا الصدد كيف أن دور نورما عرض على عدد من
نجمات هوليوود، قبل أن تقبل به غلوريا سوانسون، لكنهن رفضنه جميعاً، إذ
أدركن حقيقة مغزاه إذ تبدت كل واحدة خائفة على نفسها وعلى سمعتها. والمدهش
هنا هو أن سوانسون قبلت الدور، مع أن في حياتها جزءاً من سماته هي التي
كانت انطلقت أيام السينما الصامتة ثم غرب مجدها وباتت تعيش حقاً في عزلة،
بعدما أدارها إريك فون شتروهايم في فيلم «الملكة كيلي». وشتروهايم نفسه كان
هو الذي استعار منه وايلدر ملامح شخصية فون مايرلنغ - الدور الذي في لعبة
مرايا حقيقية لعبه شتروهايم نفسه - وهذا ما جعل الحقيقة والسينما تتداخلان
بقوة في فيلم أسّس لتيار سينمائي قوي جعل من هوليوود وحياة نجومها موضوعه
الأثير والقاسي إلى حد لا يطاق أحياناً...
>
ولد بيلي وايلدر، الذي شارك في كتابة السيناريو بنفسه، في عام
1906 في فيينا، وهو اتجه إلى الصحافة والأدب في بداياته، وعاصر الحلقات
العلمية في المدينة وكتب الكثير من المقالات والتحقيقات التي لفتت إليه
الأنظار (وسيكون لشخصية الصحافي دور أساس في بعض أفلامه لاحقاً). وهو بدأ
حياته السينمائية في برلين ككاتب سيناريو، ثم حقق فيلمه الأول في باريس
بعنوان «البذرة الفاسدة»... بعد ذلك انتقل إلى الولايات المتحدة حيث بدأ
يخوض الإخراج منذ عام 1942، وحقق حتى رحيله بعد ذلك بستين عاماً، حوالى
ثلاثين فيلماً نال معظمها شعبية كبيرة ولا سيما منها تلك الأفلام التي أعطت
مارلين مونرو وجاك ليمون وأودري هيبورن، أجمل أدوارهم، ومنها «البعض يحبها
ساخنة» و «سابرينا»
و «7 سنوات من التألق» و «فيدورا»
و «الشقة» و «إرما
العذبة» وغيرها.
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
22/05/2013
ميكائيل كولهاس لفون كليست:
عن الظلم الذي يخلق العنف والإرهاب
إبراهيم العريس
من بين العروض اللافتة التي تقدم خلال دورة هذا العام، 2013، لمهرجان
«كان» السينمائي الذي يقام في هذه الأيام في مدينة كان في الجنوب الشرقي
الفرنسي، الفيلم الذي حققه المخرج آرمان دي باليير من بطولة النجم
الدنماركي مادس ميكلسن الذي كان فاز العام الفائت في الدورة السابقة
للمهرجان نفسه، بجائزة التمثيل الرجالي عن فيلم «الصيد» من إخراج مواطنه
توماس فينتربرغ الذي يعود بدوره هذا العام كرئيس لإحدى لجان التحكيم.
موضوعنا هنا لا يتعلق على أية حال بكل هذا ولا بالمهرجان، بل إنه يتعلق
بالرواية التي اقتبس عنها باليير فيلمه مستعيراً له العنوان نفسه، «ميكائيل
كولهاس». فلئن كان كثر من الأوروبيين، الشماليين خصوصاً، يعرفون هذه
الرواية، بل إن كثراً منهم يدرسونها منذ الصفوف الابتدائية، فإنها تبدو غير
ذات شهرة كبيرة في أنحاء أخرى من العالم، بل ولا حتى في فرنسا التي ينتمي
إليها مخرج الفيلم ومنها أتت الأموال التي أنتجته، حتى وإن كان مؤلف
الرواية معروفاً في العالم أجمع بصفته صاحب واحد من الأسماء المرموقة في
الآداب الكلاسيكية الأوروبية: هينريش فون كليست والذي اشتهر بأعمال مسرحية
مدهشة ولا تزال تُقدم على المسارح الأوروبية منذ عقود طويلة ومنها «أمير
هامبورغ». أما السؤال هنا والذي لا شك سيطرحه كثر على أنفسهم لمناسبة
استعادة السينما الفرنسية نصَّ «ميكائيل كولهاس» شبه المنسي في مناطق كثيرة
من العالم فإنه سؤال مشروع... ناهيك بأنه يشكل هنا بالنسبة إلينا، تزامناً
مع عرض الفيلم في «كان»، مناسبة للعودة إلى هذه الرواية وكاتبها، وربما
لتحري الأسباب التي تجعل من نصّ فون كليست نصّاً تكتشفه السينما وتكتشف
راهنيته ما يشكّل جواباً ما على السؤال الذي يمكن طرحه.
> «في ثلاث صفحات فقط من قصته القصيرة «متسولة لوكانو» حكى فون
كليست حكاية كان كاتب مواطن له هو هوفمان، مثلاً، في حاجة إلى مئتي صفحة
ليحكيها». هذه العبارة التي تناول بها ناقد من القرن العشرين، أسلوب فون
كليست في الكتابة، يمكن اعتبارها أفضل وصف لأسلوب هذا الكاتب ودقة تعابيره،
وحسّ الاختزال العالي لديه، أكثر من اعتبارها مجرد مدح له. والحال أن معظم
الذين كتبوا عن فون كليست توقفوا عند ذينك الاختصار والدقة لديه، وربطوهما،
غالباً، بكونه متحدراً من أسرة عسكرية، ما يعني نزعة الدقة واختيار الدروب
الأسهل والأقصر التي ميّزت العسكريين دائماً، ولا سيما في بروسيا، التي
ينتمي فون كليست إليها. ومع هذا لا بد من أن نلاحظ أن فون كليست، سليل أسرة
العسكريين، لم ينجح أبداً في حياة عسكرية ألحق بها باكراً وأوصلته إلى رتبة
ملازم. فترك الجندية ليتحول إلى الكتابة حيث حقق نجاحاً هائلاً، وحيث لم
يفت واحداً من كاتبي سيرته أن يذكر كيف أن معظم كتاباته كان يبدو دقيقاً
دقة التقارير العسكرية.
>
لكن هذا لم يكن الميزة الوحيدة التي تميز أدب فون كليست.
فالميزة الحقيقية التي يمكننا أن نقول هنا إنها تميّز أدبه، أعمق من هذا
بكثير: كان صاحب العمل الذي نحن في صدده هنا، كاتباً انتفض ضد الظلم،
منتصراً للعدالة والبراءة في كتاباته. وهذا كان لديه وفي جميع كتاباته
أمراً يعبر عنه في أسلوب وسياق علنيين واضحين. غير أنه ومن طرف خفي - من
ناحية أخرى - فإن كليست تعمّد في الكثير من كتاباته أن يعبّر عن تمسكه
بالمبادئ والقيم التي أرساها مؤسس البروتستانتية مارتن لوثر. ولئن كان ثمة
من بين أعمال فون كليست عمل يجمع بكل وضوح هذه العناصر كلها، فإن هذا العمل
هو روايته القصيرة ميكائيل كولهاس التي تعتبر الأكثر شهرة بين أعماله إلى
جانب «أمير هامبورغ» و «الجرة المكسورة». وإضافة إلى هذا فإن قصة «ميكائيل
كولهاس» وأهم نص غير مسرحي كتبه خلال حياته القصيرة، إضافة إلى أن ميكائيل
كولهاس كانت من آخر ما كتب فون كليست من نصوص قبل انتحاره في عام 1811 عن
عمر لا يزيد عن 34 سنة، إذ إن «ميكائيل كولهاس» كتبت ونشرت في عام 1810.
>
في شكلها الخارجي تبدو رواية «ميكائيل كولهاس» رواية مغامرات.
ولا بد أن نذكر هنا أن جورج لوكاتش، الناقد المجري الكبير صاحب كتاب
«الرواية التاريخية»، تحدّث كثيراً في هذا الكتاب كما في دراسات كثيرة أخرى
له عن هذه الرواية بصفتها نموذجاً للرواية التاريخية. غير أن هذا لا يمنع
من اعتبارها، وفي الدرجة الأولى، رواية سياسية. وهو أمر سنتلمسه في السطور
التالية ويشكل بالتأكيد لبّ راهنية الرواية وعودتها «الحتمية» إلى الواجهة
اليوم من خلال الفن السابع...
>
بطل الرواية ميخائيل كوهلهاس، هو في الأصل بورجوازي مزدهر
ومتنور يمتلك مزرعة للخيول ويعيش حياة مطمئنة وادعة. ولكن، ذات يوم يحدث أن
الإقطاعي الحاكم في إقليم ساكس (وهو في الوقت نفسه ناخب من ناخبي
الإمبراطور)، يسمح لواحد من رجاله بأن يسرق حصانين مميزين من أحصنة ميكائيل
كولهاس ويؤذي حارسهما في شكل صارخ. فتكون النتيجة أن يغضب ميكائيل غضباً
شديداً، لكنه يؤثر أول الأمر أن يكتفي بأن يشكو ما حدث أمام المحاكم
الساكسونية، لعل العدالة تعيد إليه الحصانين وتقتصّ من الجاني. لكن المحكمة
ترفض دعواه تحت ضغط حاكم الإقليم. فيسعى ميكائيل مسعى آخر: إنه يرسل زوجته
لتشكو الأمر أمام أمير براندنبورغ. لكن حراس هذا الأخير يعاملونها في شكل
سيّئ وباحتقار، ما يقتلها ما إن تعود إلى زوجها راوية ما حدث. هنا، يقرر
ميكائيل أنه سيحقق العدالة بيده طالما أن السلطات ظالمة.
>
هكذا، يشكل صاحبنا عصابة تتألف من عدد من مناصريه. وإذ يصبح
على رأس تلك العصابة يبدأ بالتحول من رجل يريد الانتقام لزوجته والحصول على
حصانيه، إلى زعيم يسعى إلى محاربة القهر ونشر العدالة. هكذا، يتحول الخاص
إلى عام، وينشر ميكائيل ورجاله العنف والحرائق في بيوت أعدائه في
المنطقة... ولكن، من دون أن يظلم بريئاً... وهو أمر سنتبينه بوضوح من خلال
مشهد رائع يزور خلاله ميكائيل المصلح الديني البروتستانتي مارتن لوثر في
مقره، حيث يدور حوار بين الاثنين حول العدالة والقيم، ما يعطي الرواية
أبعاداً جديدة... سياسية خالصة هذه المرة، إذ إن لوثر كان في ذلك الحين
يخوض معركته الإصلاحية ضد الكنيسة الرومانية وضد الحكّام في آن واحد.
والحال أن هذا المشهد يكشف بروتستانتية ميكائيل كولهاس (وبروتستانتية كليست
بالتالي)، ويحوّل الرواية إلى بحث فائق الجاذبية والجمال والقوة، حول
الأخلاق والعدالة، ثم بخاصة حول التنابذ والترابط - وفق وجهة النظر - بين
العدالة والعنف، موضحاً موقف البطل الذي حوّله الظلم من طالب عدالة مسالم،
إلى ثائر عنيف.
>
ومن الواضح أن هذا البعد في «ميكائيل كولهاس» هو البعد الأهمّ،
بالنسبة إلى دارسي أعمال كليست وحياته - كما اليوم بالنسبة إلى السينما
التي تقتبسه - خصوصاً أن السؤال الأساس الذي يتبادر إلى الذهن هنا هو: إذا
كان ميكائيل ثار لأسباب شخصية، لماذا وكيف تراه تمكّن من استقطاب المئات من
حوله فشاركوه ثورته مضحّين بوقتهم وحياتهم الهادئة؟ من هم هؤلاء؟ إنهم في
رأي كليست «الرعاع الذين حررتهم معاهدة السلام مع بولندا - في ذلك الحين -
من خوفهم». لكن هذا الجواب لا يبدو واضحاً أو مقنعاً، إذ علينا ألا ننسى
هنا أن أحداث الرواية تدور في القرن الخامس عشر حين كانت ألمانيا تعيش
ثورات اجتماعية ودينية لا تهدأ. وكان فكر مارتن لوثر يشق طريقه الإصلاحية
الثائرة.
>
ونعرف على أية حال هنريش فون كليست (1777 - 1811) وضع معظم
أعماله، القصصية والمسرحية في خدمة فكرة العدالة والثورة على الظلم، هو
الذي كتب خلال حياة قصيرة عدداً لا بأس به من مسرحيات لا يزال معظمها حياً
ويمثل حتى اليوم، ومنها: «أمير هامبورغ» و «الجرة المكسورة» إضافة إلى قصص
مثل «مركيزة أو» أو «كاترين».
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
23/05/2013 |