أكد الفنان الكوميدي أحمد مكي، سعادته بنجاح فيلمه الجديد "سمير أبو
النيل" ونفى أن يكون الفيلم أقل من المستوى المطلوب، وأستشهد بردة فعل
الجمهور التي رصدها خلال العروض الخاصة بالفيلم التي حضرها بنفسه، وأشار أن
الفيلم تطرق إلى قضية مهمة وهي قضية فساد الإعلام وتأثيره على الرأي
العام.
ونفي مكي في حوار خاص لموقعCNN بالعربية، أن يكون قد أراد الإسقاط على شخصيات إعلامية بعينها من
خلال "الإفيهات" والنماذج التي قدمها، وقال "إنها نماذج لكثير من
الإعلاميين في مصر والعالم العربي ولم أقصد أشخاصاً محددين."
وتطرق مكي إلى قضية قرصنة الأفلام واعتبرها "سرقة" على حد وصفه، وقال
"إن القرصنة تؤدي إلى قطع أرزاق مئات من العاملين وراء هذه الصناعة." وأشار
أن عملية الإنتاج السينمائي ليست عملية سهلة ومرحه كما يظن البعض، بل تحتاج
إلى مشقة ومجهود كبيرين.
فيما يلي نص الحوار:
·
نبدأ معك بدورك في فيلم "سمير
النيل"، قدمت شخصية البخيل التي تحدث تحولات على حياته، ما الذي جذبك إلي
العمل؟
- بصفة عامة أكثر شيء أركز فيه قبل اختيار الشخصية التي سأقوم
بتجسيدها هو موضوع العمل، وأسلوب طرحة والقضية التي يتناولها، أنا لا أحب "الفورما"
التقليدية في الأعمال، شخصية "سمير" في العمل مركبة ورغم أن شخصية البخيل
التي قدمتها تم تقديمها في أعمالاً كثيرة، إلا أن جوانب حياة "سمير ابو
نيل" جديدة ومختلفة ومواكبة للأحداث الراهنة في مصر، حرصت على تقديم الدور
بطريقة لم تقدم من قبل، وساعدني في ذلك "الخلطة" الفنية التي قدمها المؤلف
أحمد بهجت قمر.
·
هل كنت تطمح إلى تقديم رسالة
معينة من خلال الفيلم؟
- قدمت في الفيلم العديد من الرسائل، أهمها تأثير الإعلام الفاسد في
الرأي العام، وكيف يمكن أن يرفع إنسان أو يُحط به.
·
ماذا عن أغنية "الضمير" التي
قدمتها في الفيلم؟
- هذه الأغنية قدمت أيضاً كل الرسائل المراد توصيلها.
·
تم التهكم على بعض الشخصيات
الإعلامية في الفيلم، هل كانت تقصد أشخاصاً بعينهم، وألم تخش من ردة فعل
الإعلاميين؟
- لم نقصد أشخاص بأعينهم لكننا ناقشنا القضية ككل، انتقدنا أوضاعاً
عامة، النماذج التي قدمتها قد تكون قريبة من أسلوب إعلاميين كثر في التعاطي
مع الأحداث، ما جعل البعض يسقطون الشخصيات على بعض الإعلاميين.
·
هل أنت شخصياً تتقبل النقد؟
- نعم أتقبل النقد البناء، لكن النقد لمجرد النقد مضيعة للوقت
والمجهود.
·
بما أننا نتكلم عن النقد، هناك
أراء أشارت إلى أنك لم تكن موفقاً في اختيار هذا الفيلم؟
- لا أود الإشادة بالفيلم، فشهادتي مجروحة، لكن ردود الأفعال التي
تلقيتها منذ طرح الفيلم كانت إيجابية وأشاد الجمهور بالعمل ككل، ورصدت ذلك
بنفسي من خلال العروض الخاصة التي حضرتها، المشكلة أن هناك أشخاصا يمكن أن
ينتقضوا الفيلم دون رؤيته بناءً على ما سمعوه من غيرهم.
·
بعد أن قدمت دور المذيع في
الفيلم، هل تنوي أن تقدم برنامجاً في المستقبل؟
- لا أرى نفسي في هذا المجال، لكن إن جاءتني فكرة "مطرقعة" مختلفة
يمكن أن أفكر في الأمر، لكن لن أقدم برنامجاً عادياً.
·
هل لديك أي مشاريع سينمائية
قريبة؟
- لا، في الوقت الحالي أنتظر حتى أستعيد طاقتي وأجد فكرة جديدة.
·
نرى أنك تحرص على أن تكون أعمالك
مواكبة لما يحدث في الساحة السياسية المصرية!
- نعم أفضل أن تكون أعمالي مواكبة للأحداث الاجتماعية أو السياسية أو
أي ظاهرة جديدة في المجتمع.
·
هل الإيرادات من وجهة نظرك تحدد
نجاح الفيلم؟
- بصورة شخصية لا أهتم بحجم الإيرادات ولا أعتبرها المقياس الوحيد
لنجاح الفيلم، بخاصة أن عمليات القرصنة تضر بنسبة الإيرادات.
·
كيف ترى وضع السينما المصرية في
المرحلة الحالية؟
- الأوضاع سيئة.
·
هل لديك رؤية للحل؟
- لابد أن يكون هناك حل لأزمة قرصنة الأفلام، فذلك يؤدي إلى خسارة
الشركة المنتجة، ما يعرقل حركة الإنتاج، الناس تظن أن العملية التمثيلية
عملية ترفيهية ليست مرهقة، بخاصة بعد بدء القنوات وشركات الإنتاج عرض "making
"off"
والذي تظهر فيه لحظات الترفيه في أثناء التصوير بعيداً عن المشقة الحقيقية
للعمل، ما يجعل البعض يستحل ذلك، لكن الحقيقة أن توقف العملية الإنتاجية
سيؤثر على مئات الأسر، فالعمل الفني ليس فنانين أمام الكاميرا فقط بل عملية
تفتح بيوت المئات وهذه القرصنة تقطع رزق كثيرين في أشد الحاجة إلى
رواتبهم.
·
بعد نجاح ألبومك الغنائي، هل
ستكون لك تجارب أخرى؟
- بالتأكيد، فأنا لن أتوقف عن الغناء، بخاصة أن الجمهور أحب الأغنيات
التي قدمتها، وبالتأكيد ستكون لي أغان وألبومات أخرى.
·
هل سيكون هناك جزء ثالث من مسلسل
"الكبير أوي" في رمضان المقبل؟
- نعم
·
ألم تخش أن يمل الجمهور من عدة
أجزاء للعمل نفسه؟
-حقق العمل نجاحاً كبيراً في الجزئين الأول والثاني، وتقديم أكثر من
جزء ليست فكرة جديدة سواء في مصر أو العالم، مادام لكل جزء رؤية وقصة بعيدة
عن الملل، والجزء الجديد من المسلسل سيكون مواكب للأوضاع في مصر، بخاصة أنه
سيكون في صورة حلقات متصلة منفصلة، واستعنت بمخرجين حتى يتم إنجاز العمل
سريعاً، وسننتهي من تصوير العمل إنشاء الله. وسأقدم 3 شخصيات في هذا
الجزء.
·
لكن أعتقد أن ذلك مجهد لك!
- هذه حقيقة، لكني مستمتع في الوقت ذاته، بخاصة أنني سأقدم شخصية
"الكبير قوي" و"جوني" اللذان قدمتهما في الجزء الأول والثاني، إضافة إلى "حزلقوم".
·
لماذا أنت مُقل في لقاءاتك
الإعلامية والصحفية؟
- لست مقلاً، لكني أفضل الحديث فقط حين يكون لدي عمل جديد أو شيء
أقوله للجمهور، بدلاً من تكرار نفسي.
·
لكن هذا يجعل البعض يصفك
بالغرور؟
- إطلاقاً أنا لست مغروراً والمقربين والبعدين يعرفون ذلك، لكن لكل
إنسان أسلوبا في التعامل.
بوابة الأهرام في
27/05/2013
«ناشفيل»
لروبرت آلتمان:
الحلم الأميركي إذ تحوّل كابوساً
إبراهيم العريس
مهما حاول أعداء أميركا و «نمط العيش الأميركي» أن يعرّوا مجتمع
الولايات المتحدة من الخارج، فإن أياً منهم لن يصل في مشروعه إلى ربع ما
يصل إليه المبدعون الأميركيون الحقيقيون في هذه التعرية نفسها. وليس فقط
لأن هؤلاء يرون الأمور من الداخل ويتحدثون عما يعيشون ويعايشون، بل في شكل
أكثر تحديداً ووضوحاً، لأن الغالبية العظمى من منتقدي أميركا ومشروع عيشها
وأدوات هذا المشروع، إنما تنطلق في ذلك من أفكار أيديولوجية مسبقة، مبنية
على تصورات نمطية تغلب السذاجة على معظمها إذ نجدها نابعة من بقايا صراعات
الأفكار خلال الحرب الباردة، مضافاً إليها نمط شديد التبسيط من العداء
المسبق والبدائي لكل ما هو أميركي. وفي هذا الإطار يمكن القول من دون
احتمال خطأ كبير إن الأيديولوجية الأميركية التي تُهاجَم و «تعرّى» على هذه
الشاكلة تطلع هي الرابحة في نهاية الأمر، إذ بمقدار ما يكون المهاجمون
مفرطين في سذاجتهم، و «كليشياتهم» بمقدار ما يحس الأميركي المتوسط، والذي
غالباً ما يكون هو المستهدف محرّضاً على سلطاته، بأن من حقه أن يرفض كل تلك
المحاججات ما يوقفه في نهاية الأمر في صف سلطاته، مقارناً إياها بأعدائها.
ولعل أسطع دليل على هذا ما اتُّهم به مايكل مور (صاحب «فهرنهايت 11/ 9») من
قبل اليسار الليبرالي الأميركي المتنور، من أنه من دون أن يعرف إنما لعب في
فيلمه هذا، لعبة الرئيس جورج دبليو في الوقت الذي كان يخيّل إليه أنه يسعى
إلى هزيمته. فالفيلم أتى يومها من السطحية والامتلاء بالكليشيهات بحيث أدى
إلى مفعول عكسي لأن الأميركي المتوسط، الذي كان مستعداً لخذلان بوش لو أن
ما يقوله الفيلم أقنعه، وجد أنه في الخيار بين بوش، على علاته، وبين ما
يعده به مايكل مور، من الأفضل له أن يقف إلى جانب بوش. وما أوجد هذا الشعور
هو أن مور، إنما تعامل مع الأيديولوجيا والسياسة الأميركيتين، تعاملاً من
الخارج وليس من الداخل.
>
المهم أن في مقابل مور وأمثاله من الذين يبتدعون أساليب تلو
أخرى لتعرية «الأيديولوجيا» الأميركية، ثمة من هم أعمق بكثير، وبالتالي
أكثر فاعلية بكثير. واللائحة هنا تطول إذ يمكن أن تشمل القسم الأعظم من
المفكرين والكتّاب والفنانين الأميركيين. ومن بين هؤلاء روبرت آلتمان،
المخرج السينمائي الذي رحل قبل سنوات، ما شكل مناسبة للحديث عنه بصفته
واحداً من أكثر الفنانين فضحاً، بقوة وذكاء، لأيديولوجيا الحلم الأميركي
الكاذب. ولقد ذكر للمناسبة كيف أن آلتمان، وعلى خطى أسلاف كبار له من
السينمائيين الأميركيين، أمضى القسم الأكبر من سنوات حياته الأخيرة في
المنفى الأوروبي.
>
لكن روبرت آلتمان، قبل سلوك درب المنفى، كان حقق عدداً لا بأس
به من أفلام، شعبية ومسلية بالتأكيد، وهوليوودية في شكل أو في آخر، ولكنها
كانت الأقسى، كمجموعة، في التصدي لمعظم تلك الأساطير التي صاغت الحلم
الأميركي، وزينت «نمط العيش الأميركي». بالنسبة إلى آلتمان، من الواضح أن
نمط العيش هذا ليس على المثالية التي تصوَّر، أما الحلم فهو في حقيقته أقرب
إلى أن يكون، وفق توصيف هنري ميلر «كابوساً مكيّفاً». هذا الأمر عبّر عنه
آلتمان في أفلام عدة، عرّى في بعضها الحروب الأميركية لا سيما حرب فيتنام
(ولو بالواسطة مستخدماً الحرب الكورية في «ماش»)، وفي بعضها الآخر أسطورة
الغرب والبطل راعي البقر («ماكيب ومسز ميلر»، ثم «بوفالو بيل»)، وفي البعض
الثالث خرافة تحرر المرأة الأميركية («ثلاث نساء») وفي غير ذلك خرافة
النظافة وتفكك العائلة... وصولاً إلى السياسة ثم الخزعبلات الكامنة خلف
شعبية الموسيقى والمغنين وثورتهم المزيفة، مروراً بالإعلام وتسيّده حياة
الناس. وهذه الأمور الأخيرة نجدها مجتمعة في فيلم واحد لروبرت آلتمان، هو
من أفلامه الباكرة، ومن أفلامه التي حظيت بنجاح جماهيري كبير، ونعني به
فيلم «ناشفيل».
>
حقق روبرت آلتمان فيلم «ناشفيل» في عام 1975، أي في زمن كانت
لا تزال ذكريات تجمّع «وودستوك» (أكبر تجمع للاحتجاج من طريق موسيقى الروك
في تاريخ العالم)، ماثلة في الأذهان. وما «ناشفيل» في نهاية الأمر، سوى
صورة ساخرة معكوسة لوودستوك. فهنا أيضاً لدينا تجمّع، ليس لهواة الروك
وغيره من أنواع الغناء الأميركي الشعبي، ولكن لهواة الغناء الساعين إلى
الشهرة أنفسهم من الذين تجمّعوا، في الفيلم، في تلك المدينة الأميركية -
النموذجية في أميركيتها لخوض مسابقات في الغناء يحضرها المنتجون وتبدو فيها
فرص النجاح ممكنة.
>
من هنا، يمكن القول إن المدينة (ناشفيل) والتجمّع الموسيقي
فيها، هما مركز الفيلم الذي ليس فيه بطل وحيد على غير ما يحدث عادة في
السينما الأميركية... ففي «ناشفيل» ما لا يقل عن 24 شخصية رئيسة، بين
سياسيين ومغنين ومنتجين وإعلاميين، وهؤلاء جميعاً تجمعوا هنا لمناسبة
المهرجان الحافل. لكن المهرجان الصاخب في مدينة الموسيقى هذه، يتزامن أمام
أعيننا مع حملة سياسية يقوم بها في المدينة نفسها، مرشح للانتخابات
الرئاسية. وبهذا عرف روبرت آلتمان كيف يقيم التوازي بين الصخب السياسي
والصخب الموسيقي، مضيفاً إليهما بالطبع الصخب الإعلامي الذي بات لا مفر
منه. في وسط ذلك المناخ، إذاً، ثمة أمامنا شخصيات عدة تبحث كل واحدة منها
عن مصيرها، ضمن خريطة ما يعتبره الكل حلماً أميركياً بالنجاح السريع
والمؤكد. لكن هذا الحلم الذي قد يبدو مشروعاً في أي فيلم من هذا النحو،
يتحول أمام كاميرا روبرت آلتمان إلى كابوس حقيقي. ذلك أن السعي المحموم
والذي يسيطر عليه طابع استعراضي، سرعان ما يبدو مثيراً للشفقة، قاسياً،
بائساً، وعلى الأقل بالنسبة إلينا نحن المتفرجين الذين نعيش تواطؤاً بيّناً
مع المخرج، في الوقت الذي تبدو شخصيات الفيلم ساهية عن السخف الذي تعيش كما
عن الإحباط المرسوم لها في الأفق، والذي سينتهي الفيلم عليه بكل وضوح. فمن
هي هذه الشخصيات؟ هي بالتأكيد نمطية: من صحافية لا تتوقف عن ارتكاب
الهفوات، ومكتشف مواهب له سمات النصّاب الحقيقي، ووكيل أعمال دائم الحركة
لكنه لا يوحي بأي ثقة، ورجل لا نعرف ماذا يفعل أول الأمر سوى أنه يتجول على
دراجته السخيفة ذات العجلات الثلاث، ورجل آخر يقف عند مستديرة المدينة
الرئيسة عارضاً امام الملأ علبة الكمان، من دون أن يبدو أن عرضه سيثير
اهتمام أحد... وحول هؤلاء جميعاً، وحول نماذج أخرى تشبههم، يتحلق المعجبون
في هذيان لافت، ويتجمع الطفيليون بالكاد يسألون أنفسهم عما يحدث هنا،
والزائرون الآتون لا يعرفون لماذا أتوا، وسكان المدينة الناظرون إلى كل هذا
الرهط باحتقار واستغراب... ثم الإعلام الذي يحيط بذلك كله، ولا سيما بطفلين
أصمّين من الواضح أن الشيء الأساس هنا، أي الموسيقى، لا يعنيهما في شيء.
وإذا كان لا بد وسط هذا الحشد كله من حدث، طالما أن ليس ثمة حتى الآن حدث
ولا يحزنون، فإن الحدث سيطل في النهاية:
قتل مخبول مغنيةً. ومن الواضح أن هذه الجريمة إذ تضع حداً لحياة الصبية
وأحلامها، ستبدو في النهاية مآل كل الحلم، وليس حلم الفتاة: الحلم الأميركي
نفسه وقد تحول كابوساً.
>
يأتي «ناشفيل» إذاً، علامة أساسية في سينما روبرت آلتمان (1925
- 2006)، السينما التي جعلت همها الدائم نزع الهالة الأسطورية عن حلم كاذب،
وتفريغ نمط عيش مخادع من كل الهالات التي أحيط دائماً بها. والحقيقة أن
روبرت آلتمان برع في هذا إلى درجة أن الأمر انتهى بهوليوود إلى أن تناصبه
العداء، ليس لأنه سخّف أساطير الحلم الأميركي، بل خصوصاً لأنه أيضاً سخّف
في طريقه أساطير هوليوود، وحسبنا أن نذكر هنا فيلمه «اللاعب» الذي يتحدث عن
منتج ارتكب سلسلة من الجرائم في قلب هوليوود، بدت للوهلة الأولى جرائم في
أفلام، قبل أن تختلط الحقيقة بالسينما. ولا بد من أن نذكر هنا أن آلتمان
الذي أمضى العقدين الأخيرين من حياته ومساره المهني في أوروبا، عاد قبل
رحيله بفترة إلى هوليوود حيث كرّم متأخراً، وردّ هو التحية بفيلم أخير له
بدا كمصالحة مع أميركا، هو الذي عرض باسم «رفيق البيت البري».
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
27/05/2013
فرانك جاردنر يعود الى السعودية
محمد موسى
عَمِل فرانك جاردنر في السعودية لسنوات كمراسل متخصص في الشؤون
الأمنية لصالح هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي). في عام 2004، وبينما
كان مع رفيقه المصور التلفزيوني سايمون كامبرز، يقومان بجولة مسائية في
إحدى ضواحي العاصمة السعودية الرياض، فتحت مجموعة مسلحة، يُعتقد بأنها
تنتمي لتنظيم القاعدة، النار على البريطانيين. إحدى عشرة طلقة أصابت فرانك
غاردنر، وتركته مطروحاً في الشارع هناك، يصارع للبقاء على الحياة، فيما قتل
الاعتداء في الحال رفيقه المصور البريطاني. فرانك جاردنر، عاد للسعودية هذا
العام، ولأول مرة منذ الحادثة، لينجز فيلماً تسجيلياً عن المملكة. الفيلم
عرضته القناة الثانية في "بي بي سي" وحمل عنوان " فرانك جاردنر يعود الى
السعودية".
للذين لا يعرفون فرانك جاردنر ولم يسمعوا عن الحادثة، ستحمل المشاهد
الأولى من الفيلم التسجيلي التلفزيوني صدمة ما، فبعد أن افتتح المراسل
البريطاني الدقائق الأولى من الفيلم بصوته فقط، ليتحدث عن البلد الذي عرفه
جيداً، وسيمر في تعليقه على الاعتداء الإرهابي الذي نجا منه بمعجزة، يظهر
بعدها على الشاشة، في نصفه الأعلى فقط، والذي بدأ سليماً وممتلئاً بالحياة
والطاقة، لكن عندما تبتعد الكاميرا لتصور فرانك جاردنر عن بعد، سيتكشف إن
الحادثة خلفت أثاراً في جسده ستبقى معه حياته كلها، فهو عاد الى السعودية
على كرسي متحرك، بسبب الشلل الذي أصاب نصفه الأسفل بفعل تلك الطلقات.
لكننا بالكاد سنلاحظ الكرسي المتحرك في الفيلم، فالمراسل البريطاني
سيتحرك بمرونة وحماس شاب في مقتبل حياته، وسيزور مع كرسيه مناطق نائية
جغرافيا في السعودية، كما سيصل مراراً الى الصحراء، لمقابلة شباب وكهول، من
السعوديين، في محاولة لرصد المناخ الإجتماعي والنفسي في البلد، والبحث عن
أي تأثيرات لثورات الربيع العربي، كما سيسجل سابقة إعلامية لفيلم أوربي في
مقابلة أمير سعودي، لوضع مجموعة من الأسئلة الملحة والجدليّة عن بلده،
والتي أجاب عنها الأمير بشفافية لافتة.
الفيلم سيبدأ بالحديث عن ظاهرة الإنترنيت ومواقع التواصل الإجتماعي في
السعودية، وكيف نقلت هذه الوسائط النقاش الإجتماعي والسياسي في السعودية من
خلف الابواب المغلقة الى فضاء الشبكة العنكبوتية. يلتقي الفيلم شبابا
ناشطيين على "توتير"، والذين تحدثوا عن مستوى الحريات المرتفع على موقع
التواصل الاجتماعي للرسائل القصيرة، والتي لا يوجد مثيل لها على وسائل
الإعلام التقليدية السعودية من صحف ومحطات تلفزيون. البرنامج سيوجه
الانتباه لظاهرة توجه مجموعة من المبدعين السعوديين لإنجاز أفلام (أغلبها
ساخرة) على موقع "اليوتوب"، تلاقي منذ سنوات رواجاً كبيراً. الهوة بين هذه
الأفلام، وما ينتج ويعرض على القنوات التلفزيونية السعودية من جهة المواضيع
المقدمة والحريات الممنوحة، جعلت أفلام اليوتوب تحظى بشعبية جارفة (أحدها
شاهده 15 مليون سعودي )، حوّلت السعودية الى ثالث دولة بنسبة عدد المشاهدين
لموقع اليوتوب في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل.
"الحرية المتوفرة على الإنترنيت، لا يوجد مثيلها في الشارع او
في الحياة اليومية للناس"، هكذا عبر الناشط السياسي السعودي وليد أبو
الخير، وزوج الناشطة السعودية سمر بدوي، في لقاء لهما في الفيلم. ثم يتوجه
فرانك جاردنر الى مناطق مختلفة من المملكة، ويقابل سعوديون سيشكون من إهمال
الدولة لهم لدرجة التفرقة بسبب إختلافهم الطائفي، وهو الأمر الذي اعترف به
ضمنيا الامير السعودي عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز وأضاف أن بلده
تحتاج إلى أن تعيد النظر في بعض سياساتها الداخلية وتحسن تعاملها مع كل
أطياف المجتمع السعودي.
ولأن المجتمع السعودي مكون بثلثيه من الشباب تحت الخامسة والعشرين
عاما، سيتجه كثير من وقت الفيلم لهم، فيذهب المراسل البريطاني الى الصحراء
ليقابل شباب وهم يمارسون هوايات التسابق بالدرّاجات النارية، كما سيصوّر
رقصة جماعية لمجموعة من الفتية خارج أحد مراكز التسوق. لكن الحياة ليست
حفلة طويلة للشاب السعودي، فهناك من حَذر من أزمة إقتصادية قادمة، بدأت بعض
ملامحها تتجسد في الواقع، وحذّر آخرون في الفيلم، من مشاكل الشباب السعودي،
ووضعه الهش، خاصة أن الرخاء الاقتصادي الحالي مرتبط بعائدات النفط، والتي
يمكن أن تتضاءل بالمستقبل، كما أفرد الفيلم مساحة لمشكلة البطالة التي
يعاني منها سعوديون شباب، والذين ترفض بعض الشركات السعودية تشغليهم، بسبب
ارتفاع رواتبهم، وعدم جديّة بعضهم، كما وصف رئيس شركة سعودي شاب.
تنظيم القاعدة الذي كان ينهي حياة فرانك جاردنر في عام 2004، يتجه في
السعودية لأن يكون حكاية من الماضي، فالأجهزة الأمنية السعودية قضت تقريبا
على كل وجود له، وجففت منابع تمويله الإقتصادية والمعنوي في المملكة، لكن
التحديات الأمنية مازالت ماثلة، فاليمن التي تغلب عليها الفوضى اليوم، ومنذ
ثورتها قبل عامين، تحولت الى مصدر قلق للأمن السعودي، لذلك يقابل الفيلم
مسؤولين سعوديون سيكشفون عن أبعاد الانفلات الأمني عند الجارة اليمن في
بلادهم، والذي يتمثل في تهريب السلاح للسعودية.
وإذا كانت أسلوبية التحقيق التلفزيوني هي التي تهمين على " فرانك
جاردنر يعود الى السعودية "، إلا أن هناك لحظات تجاوز فيها خطاب التلفزيون
وحلق في فضاء الوثيقة التسجيلية السينمائية التي ستدوم لسنوات، كما ساهم
التوليف الذكي في ربط موضوعات الفيلم العديدة في وحدة سينمائية لا ينقصها
القوى ومحملة دائما بطاقة لافتة، والقادمة في معظمها من المقدم نفسه وحماسه
الكبير. الفيلم الذي قدم صورة بدت متكاملة عن المملكة العربية السعودية
اليوم بدأ وكأنه إحدى نتائج سياسية الإنفتاح للمملكة، فالسماح بتصوير
الفيلم يعد لوحده خطوة بالإتجاه الصحيح، هذا وإن إشتكى المراسل البريطاني
من حضور الأمن السعودي معه، والذي أعاق بعضا من خططه للفيلم.
يعود فرانك جاردنر الى غرفة المستشفى السعودي، والتي قضى فيها قبل سبع
سنوات شهر تقريبا بين الحياة والموت، كما يقابل مدير المستشفى ويتجول على
كرسيه في الغرفة، يتذكر عندما صرخ بزوجته، بعد أن فاق من غيبوبته بإنه لا
يشعر بالأمان في هذا البلد، ويرغب بمغادرته حالاً، تنفجر دموع فرانك جاردنر،
عندما يستعيد ذكرى صديقه المصور البريطاني سايمون كامبرز الذي قُتل في
حادثة الاغتيال تلك. لكن المراسل البريطاني لا يرغب أن يشارك حميمة تلك
الذكرى مع مشاهديه،هي لحظات خاصة له، لا يريد حتى للكاميرا أن تكون شاهدة
عليها، فيلتفت مع كرسيه الحديدي للوراء ليواصل البكاء..
الجزيرة الوثائقية في
27/05/2013
إجهاض مشروع مهرجان سينمائي في الإمارات:
شهادة من الداخل
محمد موسى*
كنت أحسب، وبعد ما يقرب من عقد كامل من التنظيم الناجح لمهرجانات
سينمائية مثل: دبي، والخليج، والسنوات الثلاث الاخيرة من مهرجان أبو ظبي،
وعدد آخر من النشاطات الثقافية في دولة الإمارات، إن المؤسسات تلك أسست
لتقاليد صارمة في العمل، ورفعت سقف الإحتراف الى عِلوّ يجعل من الصعب
والمسيء تماما إرتكاب أخطاء مريعة ومخجلة، كالتي وقعت فيها الدورة الإولى
من مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي لأفلام البيئة، والتي عقدت الشهر
الماضي. الدورة تلك أثبتت ان ذهنية التخلف والتي تهمين على الثقافة والفنون
في بعض الدول العربية، وحتى على نشاطات سينمائية بتنظيم عربي في دول
أوربية، مازالت حاضرة وتطل برأسها عندما تحين الفرص، ولازالت تحصد الضحايا،
وإنها الشهر الماضي لم تجهض فقط على مهرجانا سينمائيا جديداً في أبو ظبي،
بل إنها أساءت للبيئة، لتكون الأخيرة ضحية جديدة للآمبالاة والتخلف الفكري
والتنظيمي.
من الصعب البدء بتعداد مشاكل مهرجان أبو ظبي السينمائي للبيئة، فهي
كثيرة ومتداخلة ومتشعبة وتكاد تشمل كل تفصيلة في المهرجان. بعض هذه المشاكل
خطيرة للدرجة التي تجعل ذكر مشاكل أخرى يُعد ترفا. لكن يمكن البدء مع
الجمهور، روح أي مهرجان سينمائي وعصبه، هذا الجمهور غاب بشكل كامل عن
المهرجان، ف 70% من عروض المهرجان لم يحضرها أي جمهور على الأطلاق، وبقية
العروض كان عدد الجمهور الحاضر أقل من عشرة اشخاص للعرض الواحد، علما إن
جميع العروض كانت مجانية، المهرجان أيضا، أساء كثيراً بلامبالاته وفوضاه
وفشل إدارته، لعلاقة يجب أن تكون محترمة بينه وبين شركات الإنتاج
السينمائي، وصانعي الأفلام، فهو وعوضا عن دعم هؤلاء، خاصة إن معظمهم يعمل
بموارد شخصية او ضمن المنح التي تقدمها الهيئات الفنية الاوربية لإنتاج
الأفلام التي تخص البيئة، تجاهلهم المهرجان بشكل كبير، الى الحد الذي إتهم
فيه مخرجين وشركات سينمائية المهرجان بخديعتهم. الأمر الذي ألحق عطباً لا
يمكن إصلاحه بسهوله بين هذه الشركات والمهرجان، وكرس صور نمطية سيئة عن
تقاليد العمل في هذه المنطقة في العالم، وإخرى عن العرب وجديتهم في تنظيم
حدث يتعلق بالسينما والبيئة.
التعثر واللامبالاة والفشل رافق وكما ذكرت كل تفصيلة من تفاصيل
المهرجان الإخرى، فالكتالوغ والذي كان من المفترض أن يكون جاهزاً قبل أيام
من بداية المهرجان، وكما يحدث في كل مهرجانات العالم، وزع قبل حفل الإختتام
للمهرجان بساعات، كما تأخرت عروض معظم الأفلام وصاحبت المشاكل التقنية عرض
كثير منها، وتم الخلط بين النسخ المخصصة للمشاهدة لإدارات المهرجانات
والنسخ الصالحة للعرض الجماهيري، فعرضت أحيانا في الصالات أفلام وعليها
تحذير بأن هذه النسخ غير صالحة للعرض الجماهيري !، كما إن إدارة المهرجان
قامت بعد أيام من بدايته بتغيير فيلم الإختتام بسبب عرض الفيلم الذي تم
إختياره في وقت سابق تجاريا في الصالات السينمائية في الإمارات، وهو يخالف
قوانين المهرجان، رغم إن الخطأ كان يمكن تلافيه بسهوله عند عقد الإتفاق مع
الشركة المنتجة، والتي تعرف بالتاكيد مواقيت عروض أفلامها دوليا.
كما غلبت الأخطاء والبدائية موقع المهرجان على شبكة الإنترنت، والذي
أبرز مشكلة جوهرية في ذهنية إدارة المهرجان، وهي الفقر الفكري وغياب
الأبداع والخيال، وهذا يتكشف في التفاصيل الصغيرة مثل النصوص السطحية التي
كتبت عن المهرجان، الى الإختيارات الفنية للأفلام، والتي بالإضافة الى
قدمها، وكما سأفصل لاحقا، كان عدم ملائمة قسم منها للعرض في مهرجان للبيئة،
وهو الأمر الذي إشتكت منه لجنة تحكيم الأفلام القصيرة والطويلة.
غياب الخيال ذلك، جعل الإنجاز الأكبر للمهرجان، والذي روجت له إدارة
المهرجان بشكل كبير إعلامياً، هو حضور ممثلتين مصريتين هما ليلى علوي
ويسرا، رغم إن مهرجانا بيئيا يعد الأول في الإمارات يحتاج لمقاربة خاصة،
بخاصة لعلاقته من الجمهور الموجود في المدينة والبلد الذي يقام فيه، والذي
يتألف في قسم منه من الأجانب وغير العرب، والذين لا يعرفون ولا يهتمون
لحضور ممثلتين مصريتين، حضور هاتين الممثلتين لم يدفع بجمهور جديد للصالات،
وكانت الممثلتين اللتين تحولتا للتلفزيون في السنوات الاخيرة وحيدتين
أحيانا في صالات فارغة.
التجربة الشخصية
إنضممت لفريق العمل في المهرجان في شهر يناير من هذا العام وبعد
إتفاقي مع الصحفي المصري محمد منير مدير المهرجان، وكانت مهمتي المساعدة في
إيجاد أفلام للمسابقتين الطويلة والقصيرة، بالإضافة الى إستحداث برامج
جانبية في المهرجان، بالنسبة للشق الاول، إقترحت مجموعة من العناوين
الجديدة والمتنوعة، بعضها لم يدخل دائرة المهرجانات السينمائية من قبل،
وبعضها من نتاجات القنوات التلفزيونية الاوربية المهمة وغير المعروفة حتى
للجمهور المتخصص. سريعا عرفت إن مهتمي ستكون صعبة بل مستحيلة، فالإختيارات
التي رشحتها لم يتم الأخذ بمعظمها، ليس بسبب إختلاف وجهات النظر ( كان من
الرائع لو كانت هناك أي وجهة نظر في المهرجان على الاطلاق)، لكن اللامبالاة
نفسها كانت العائق الوحيد، فمجموعة الأفلام التي اختارها الإدارة الفاشلة
والتي وجدتها عند التحاقي بالمهرجان، كانت في معظمها من نتاجات أعوام 2011،
بل إن بعضها من عام 2009 ( للتذكير نحن في عام 2013)، وعندما حاججت بإننا
يجب أن نأخذ الأفلام الحديثة، بخاصة إن أفلام البيئة والتي تستند على بحوث
علمية تَقدّم بسرعة قِدّم تلك البحوث، جاء الجواب بأن الأفلام الحديثة،
والتي بذلت جهود كبيرة لإقناع أصحابها بإرسال نسخ منها، سيتم إختيارها
للدورة القادمة، خوفا من أن تختفي أفلام البيئة الجديدة من نتاجات العام
القادم ولا تجد الدورة القادمة ما تعرضه !!. هذه الذهنية هي التي كانت تخطط
وتدير مهرجانا سينمائيا يفترض إنه يتابع ويلاحق الجديد!!
بالنسبة للبرامج الخاصة، فلقد أقترحت ثلاثة برامج هي : الغذاء، الفقر،
والاحتفال بالطبيعة (والتي جذبت أفلامها الجمهور الأكبر في المهرجان)،
وبدأت العمل عليها رغم المصاعب الجمّة، والتي كانت في مجملها بسبب الإدارة
الفاشلة للمهرجان، فبعد أن أتفق مع شركة سينمائية على عرض فيلم ما، مقابل
دفع رسوم مشاهدة قليلة، تعتبر معروفة لكل المهرجانات السينمائية، أسمع
لاحقا بأن المهرجان غير قادر على دفع 250 دولار رسم المشاهدة، الأمر الذي
سبب إحراجات كبيرة مع الشركات المنتجة، ولإني لم أتدخل في الشأن المالي
للمهرجان، ولا أعرف ميزانيته، لن اتوسع بموضوع تحديد الأوليات او عن الجانب
المالي بشكل عام.
ما حدث للبرامج الخاصة، إنه وبعد الإتفاق مع مجموعة المخرجيين
والشركات على عرض أفلامهم ( وكل هذا موثق في رسائل)، ونشر معلومات عن
الأفلام في موقع المهرجان على شبكة الإنترنيت، لم يتضمن دليل العروض او
الموقع ذاته أي معلومات إخرى عن تواقيت عرض هذه الأفلام او أسماء الصالات
السينمائية، وحتى نهاية فترة المهرجان، الامر الذي وضعني مجددا في مواقف
محرجة مع المخرجيين والمخرجات، والذين كانوا يطلبون وأحيانا يتوسلون للحصول
على مواقيت عرض أفلامهم لينشروه على مواقعهم الالكترونية وعلى صفحاتهم على
مواقع التواصل الإجتماعي.
مواقف محرجة
وعن المواقف المحرجة، هناك منها الكثير، لكن أكثرها إيلاما، تلك التي
حدثت مع المخرجيين الذين حضروا مع أفلامهم الى المهرجان، فبعد أن كلفت من
إدارة المهرجان، وبعد اليوم الأول من إنطلاقه، بإدارة الحوارات بين الجمهور
والمخرجين ( الأتفاق جاء كمفاجاة لي وجزء من الفوضى العامة فالمهرجانات
المحترفة تنظم هذه التفاصيل قبل أشهر من إنطلاقها )، واجهنا مشكلة غياب
الجمهور، فلا يوجد أحرج من أن تدخل مع مخرج ما الى صالة فارغة ما بدون
جمهور، هؤلاء المخرجون والمخرجات الذين قضوا أشهر وسنوات لإنجاز أفلامهم
كانوا في أبو ظبي في صالات فارغة. في النهاية، وفي سابقة لكل مهرجانات
العالم، إشتركت لجنة التحكيم، والتي كانت تحضر العروض الجماهيرية، في
الحوارات مع المخرجين، بالإضافة الى المخرجيين الآخريين الذين حضروا
المهرجان.
لا شك إن ضعف الحضور الجماهيري يُشكل إحدى مشاكل المهرجانات
السينمائية في الدول العربية، لكن كان يمكن ببعض الجهد والإخلاص جذب جمهور
مختلف، مثل طلاب اكاديمية "مصدر" للعلوم في أبو ظبي، او طلبة من كافة
الإختصاصات، او من العاملين في منظمات البيئة في أبو ظبي وما أكثرها هناك.
لحسن الحظ إن هؤلاء لم يحضروا، فحضورهم ربما كان يعني نهاية علاقتهم بإي
نشاط سينمائي عن البيئة في أبو ظبي، فصف الطالبات الإماراتيات والذين حضرن
مع مدرستهن في اليوم الثالث للمهرجان لمشاهدة الفيلم الروماني " شيرنوسايوريوس
" تركن الصالة بعد خمس دقائق فقط، بسبب سوء الفيلم الفني والتقني وعدم
صلاحيته للعرض. الأمر الذي يُفجر حسرة حقيقة، فمن يقنع هؤلاء الطالبات
بحضور مناسبة مشابهه في المستقبل؟ هي خسارة حقيقية للجميع.
طبعا لا يعرف مدير المهرجان او إدارته بهذه التفاصيل، من أين لهم أن
يعرفوا وهم لم يضعوا قدما واحدة في اي صالة سينمائية أثناء المهرجان، من
أين لهم أن يعرفوا أن المخرجة الهولندية ستيلا فان فورست فان بيست تركت
الفيلم المعروض وذهبت الى للتعرف على أول مشاهد يدخل أي عرض من المهرجان (
المشاهد الأول شرف في اليوم الثالث من المهرجان)، ومن أين للإدارة أن تعرف
حنق المخرجة التركية روا أرزو كوكسال كودو (فاز فيلمها بالجائزة الاولى في
المهرجان) على المهرجان بسبب ما وصفته بالاحتيال الذي حدث لها، فهي طلبت
أن تحضر عرض فيلمها في المهرجان لتكون حاضرة في الحوار الذي يدور بين
المخرج والجمهور، لكن الإدارة ردت عليها وقتها بأن الفيلم لن يعقبه اي
حوار وان دعوتها للمهرجان ستكون في اليوميين الآخريين فقط من المهرجان .
طبعا لم أجروء أن أخبر المخرجة التركية المعروفة، بأن فيلمها لم يحضره أي
جمهور على الأطلاق.
الجانب الصحفي
وحتى الجانب الصحفي، والذي كان من المفترض أن يتميز عن الجوانب الاخرى
بسبب خلفية مدير المهرجان محمد منير الصحفية، غلب عليه الفوضى والخفّة،
فيمكن أن يغفر أن يقوم المهرجان بتهويل حجم نشاطاته، وبأن يصور الصفوف
الأمامية لحفل الافتتاح والختام وعدم تصوير القاعة الخالية، لكن لا يمكن
غفران التسطيح الذي غلب على إداء القسم الصحفي للمهرجان، والذي أصدر بيانات
صحفية لا تنسجم أبداً مع طبيعة المهرجان السينمائي، بيانات مثل " ليلى علوي
تزور كورنيش أبو ظبي"، او "يسرا تتقدم الحضور في حفل الإفتتاح "، وكأن
القضايا التي تقدمها افلام المهرجان لا تَصلح أن تجذب الجمهور، أو إن
الجمهور والصحافة بهذه السطحية والتفاهة، الذي يمكن أن تحركه ممثلة مصرية
لكي يتجه الى صالة تعرض أفلاماً تسجيلية.
كما كرس المهرجان تقاليد سيئة من علاقة المهرجان مع المادة المكتوبة
عنه، والتي تغلب على كثير من المهرجانات السينمائية العربية، فهو وجه دعوة
الى مجموعة من الصحفيين (جلّهم من المصريين)، لكن هؤلاء لم يحضروا عرضا
واحدا من عروض المهرجان، وعندما إشتكيت الى إدارة المهرجان بأننا نحتاج
وجودهم في الصالات من أجل أن لا تبقى الصالات خالية بالكامل، كما يمكن أن
يثروا الحوار مع المخرجيين بعد العروض، جاء الرد من أحد العاملين في
المهرجان، بأن المهم أن يكتب هؤلاء عن المهرجان، وليس مهما كثيرا أن
يحضروا العروض!!
هذا الشخص والذي يحمل لقب مدير عمليات المهرجان (لاحظوا فداحة
المهمة)، لا يقرأ على الأرجح تلك التغطيات الصحفية، وبالتاكيد لا يعرف
أهمية المادة الصحفية المبدعة في إلهام القراء على التفاعل مع نشاطات فنية
وثقافية. أحد الصحفيين المصريين الذين كانوا من ضيوف المهرجان ولم يحضر
عرضا واحدا من أفلام المهرجان، كتب في صحيفته المصرية، التي كانت ذات يوم
منارة في الشرق قبل أن تتحول لنموذج لكل أمراضه، مادة بالعنوان التالي
"بمشاركة مصرية كبيرة.. إنطلاق فاعليات أبوظبي الدولي لأفلام البيئة"، طبعا
لا أحد من الصحيفة قرأ المادة الخبرية السيئة، ولن يقرأها كثير من القراء،
ولا أحد سيحاسب الصحفي ويسأله عن أي مشاركة مصرية كبيرة يكتب وهناك فيلم
واحد لمصر في المهرجان، إعتبر كل من شاهده بان موضوعته لا تنسجم مع طبيعة
المهرجان.
ليس الفشل المدوي هذا هو نتاج قلة خبرة او يندرج تحت مصاعب الدورة
الأولى، هي مشكلة ذهنية وإخلاص وحب للسينما وتفاني للموضوعة التي يهتم بها
المهرجان، وليس هناك أملاً كبيراً بأن المهرجان سينضج يوما مع وجود
المجموعة التي خططت للدورة الاولى خلفه، فالعقلية الإدارية البدائية
ومجموعة الفاشليين الذين نظموا الدورة الاولى أنجزت عملها بأسلوب " رفع
العتب"، اي عندما يكون العنوان أهم من المحتوى، والضجيج للتغطية على الخواء
الفكري، وحضور "ليلى علوي" أهم من موضوعات الأفلام الجديّة، عندها لن يكون
من المهم أبدا أن يتم إدراج أفلام حديثة الإنتاج مرتبطة بأهداف المهرجان،
او يتم الإهتمام بجذب جمهور. هذه الذهنية والتي قتلت السينما والثقافة في
بلدان عديدة هي نفسها كانت موجودة في مهرجان أبو ظبي الدولي لأفلام البيئة.
وأخيرا وإذا أخضعنا المهرجان برمته لمقايسس النجاح والفشل والربح
والخسارة، وأعتبرنا إن المهرجان يحقق اهدافه عندما يجذب جمهورا، ويحرك
نقاشا مهما عن البيئة في المدينة، وإذا قسنا ذلك مع التكاليف التي صرفت على
إقامته، من مبالغ الجوائز ودعوات الصحافة والمخرجيين ومكيفات الهواء التي
كانت تحرق الطاقة في صالات السينما الفارغة، نصل الى نتيجة مؤلمه بأن
مهرجانا كهذا، والذي يَحمل شعار زيادة وعي الجمهور بقضايا البيئة، إنتهى
بتحوله لمهرجان عدو وملوث للبيئة.
* ناقد سينمائي من العراق يقيم في هولندا
عين على السينما في
27/05/2013 |