منذ وفاة المخرج ستانلي كوبريك عن سبعين سنة في عام 1999 وأفلامه
تعاود الإطلال على شاشات السينما حول العالم. هذا أكثر وقعا وحدوثا مما كان
الحال عليه إثر وفاة مخرجين كبار آخرين من مستواه مثل إنغمار برغمن ومايكل
أنغلو أنطونيوني وأكيرا كوروساوا. طبعا التظاهرات المختلفة حول العالم
وأسطوانات العرض المنزلي كثيرا ما تأتي على منح هؤلاء المبدعين ما يستحقونه
من تخليد لدى جيلين واحد قديم كان اعتاد على مشاهدة أعمال هؤلاء وسواهم من
الثمانينات وما قبل، وآخر جديد لم يألفهم على الشاشات الكبيرة من
الثمانينات وما بعد.
أفلام كوبريك قلما غادرت صالات السينما في مدن أميركية رئيسة مثل
نيويورك وشيكاغو وبوسطن لوس أنجليس أو كندية مثل تورونتو ومونتريال، أو في
عواصم أوروبية مثل فيينا وباريس ولندن التي تعرض له حاليا فيلمين يتحديان
تقلّبات الأهواء والمتغيرات هما «كلوكوورك أورانج» الذي أنجزه سنة 1971
و«سترة معدنية واقية» في عام 1987.
فيلمان مهمان لكن كذلك حال كل فيلم آخر أنجزه كوبريك باستثناء أول
عملين له وهما «خوف ورغبة» (1953) و«قبلة القاتل» (1955). الأول ليس مهما
لأنه ليس فيلما جيّدا ولو أن بعض منابع أفكار كوبريك حول الحروب وموقف
الإنسان منها، أخلاقيا ووجوديا، متأصل فيه. كوبريك نفسه آثر اعتبار فيلمه
الأول هذا عملا غير ذي قيمة. وهو دار حول أربعة مجنّدين خلال الحرب
العالمية الثانية يخططون للعودة إلى فرقتهم بعدما وجدوا أنفسهم معزولين
وراء خطوط العدو. تعترض الرحلة أزمة ناتجة عن القبض على فتاة من سكان
المنطقة، ومحاولة أحدهم اغتصابها ثم تأثير الأجواء والظروف على شخصيات
الفيلم. اللبنة ذاتها التي ألفت لاحقا مضامين أفلام كوبريك المعادية للحروب
(خصوصا «سترة معدنية كاملة» - 1987) والساعية لإظهار تأثير الحرب على الذات
البشرية، لكن المشكلة بالطبع هي عدم تجسيد ذلك على نحو واضح في دوافعه
وجيّد في معالجته الظروف الصعبة لشخصياته.
بعده، جاء «قبلة القاتل»، فيلم تشويقي أفضل شأنا من «خوف ورغبة» على
صعيدي التنفيذ والسياق الروائي وانضباطه تحت قبضة أجواء وأسلوب مناسبين.
حكاية ملاكم (فرانك سيلفيرا) يود إنقاذ جارته (إيرين كان) من الرجل الذي
يعنفها لكن حتى يفعل ذلك عليه مواجهة الشرير ورجاله.
الفيلم الثالث «القتل» (1956) هو أول معبّر حقيقي عن سينما كوبريك
التي نعرفها: عصابة تم تكوينها من داخل وخارج مؤسسة لسباق الخيل يقودها
خريج من السجن (سترلينغ هايدن) الذي يريد ضربة واحدة وأخيرة تمنحه مستقبلا
رغيدا. لكن كل العوامل المضادة تدخل على الخط، من ضعف أحد أعضاء العصابة (أليشا
كوك) أمام زوجته المخادعة (ماري ونسدور) التي تبوح بالخطّة لعشيقها ما ينتج
عنه معركة بين عصابتين، إلى نهاية الفيلم حيث تطير الغلة المسروقة من ميدان
السباق في هواء مدرج الطائرة ذات المراوح التي تستعد للإقلاع وبذلك يتبخر
حلم هو غير مشروع قانونا لكنه لا يزال نتيجة عوامل تحفل بالمواقف الإنسانية
الداعية.
سيكون هذا آخر فيلم بوليسي لكوبريك. بعده ستجذبه أفلام حرب وتاريخ
وخيال علمي كما فيلم رعب واحد. في عام 1957 قام بتحقيق «ممرات المجد» حيث
ساق اتهامه إلى صف المسؤولين العسكريين الفرنسيين خلال الحرب العالمية
الأولى. بناء على قوّة هذا الفيلم رشحه الممثل كيرك دوغلاس (الذي كان من
بين ممثلي «ممرات المجد» الرئيسين) لتحقيق «سبارتاكوس» (1960) وأصرّ عليه.
«لوليتا» (1962) كان دراما عاطفية عن رواية بالعنوان نفسه وضعها فلاديمير
نابوكوف (وقام ببطولتها جيمس ماسون وابنة السادسة والستين سنة اليوم التي
انسحبت من السينما بعد أربعة عشر فيلما فقط سو ليون).
لم يحضّر أحد من متابعي كوبريك آنذاك نفسه لنقلة كوبريك التالية:
كوميديا ساخرة من الحرب ومنتقدة لانتشار الرؤوس النووية وردت في صميم الحرب
الباردة بين الروس والأميركيين هو «دكتور سترانجلف أو: كيف تعلمت التوقف عن
القلق وحب القنبلة» وصورة الممثل المساند سلْيم بيكنز، المشهور بأدواره في
أفلام الوسترن، وهو يركب صاروخا نوويا أفلت من الطائرة المقلة ليضرب موسكو
ما زالت ماثلة لجانب قيام بيتر سلرز بتمثيل أكثر من دور منفصل في هذا
الفيلم.
الفيلم الآخر عملاق بين كل أفلام كوبريك وهو «2001: أوديسا الفضاء»
(1968) الذي شبع عرضا وتحليلا ولا يزال يستحق المزيد متناولا تاريخ الحياة
كما يراها المخرج و«تاريخ المستقبل» في آن معا. «كلوكوورك أورانج» أتى بعد
«أوديسا الفضاء» ضمن منظومة مستقبلية أخرى ليقدم خيالا فانتازيا مختلفا في
موضوعه وحكايته. البريطاني مالكولم ماكدووَل قائد زمرة من الشبّان في
مستقبل قريب تمارس كل رذيلة وجريمة ممكنة إلى أن يقع في قبضة المسؤولين
ويتحوّل إلى فأر اختبار. لا يستطيع هذا الفيلم اليوم إلا وأن يبدو كانزا
لعناصر اختلافه وما أحدثه من إثارة وقرارات منع. في المقابل، يبدو شاخ
قليلا عما كان عليه. أفضل منه في هذا المجال (وأقل منه شهرة) «إذا…» فيلم
آخر من بطولة مالكولم ماكدووَل أخرجه في الفترة ذاتها لندساي أندرسن.
«سترة معدنية واقية» (بعد فيلمين آخرين هما «باري ليندون» الساحر و«المبرق»
المخيف) عودة إلى الحرب (الفيتنامية هذه المرّة) وكيف تبني المؤسسة
العسكرية رجالها قبل أن تبعثهم غير مؤهلين إنسانيا لخوض غمار القتال.
كوبريك كان سيّد لعبته المفضلة: احتواء المشاهد عبر نقله لعالم غير
مألوف ضمن توليفة معهودة. هذا ما صنع من «المبرق»
The Shining سطوته: حكاية تنتمي إلى نوع الرعب استوحاها من كتابة لستيفن كينغ
ليستخرج منها رعبا من نوع آخر غير مألوف بين سينما النوع.
* أفلام غير محققة
* كان في نية كوبريك تحقيق فيلم خيالي علمي مستقبلي عنوانه «ذكاء
اصطناعي» لكنه تخلّى عن الفكرة لستيفن سبيلبرغ الذي صنع منها فيلما جيّدا
سنة 2001. حين حقق سبيلبرغ «قائمة شيندلر» نُقل عن كوبريك عدم إعجابه
بالفيلم وهو كان لديه مشروع مؤجل حول محنة اليهود في الحرب لكنه لم يقدم
عليه. كذلك كان يحلم بتحقيق فيلمه عن «نابليون» ولنا أن نتخيل اختلاف
نابليون تحت إدارة كوبريك عن أي نابليون ظهر في السينما حتى اليوم.
المشهد
بعد ألف سنة.. أي حياة على كوكب الأرض
عناصر اهتمام كثيرة في الفيلم الجديد «بعد الأرض»
After Earth تبدو واضحة حتى من قبل مشاهدة الفيلم للحكم له أو عليه. مثلا هو فيلم
جديد للمخرج م. نايت شيامالان الذي حقق أفلاما واعدة في البداية أيام
«الحاسّة السادسة» (1999) ثم تعثر بعد سنوات عندما تصدّى لتحقيق «السيدة في
الماء» (2006) و«الحدث» (2008) وThe
Last Airbender العابر. «بعد الأرض» يعد بأن يضع شيامالان على المدرج الصحيح
لانطلاقة جديدة وحكايته مثيرة: إنها الأرض بعد أن هجرها سكّانها قبل ألف
سنة وها هي مركبة فضائية يقودها أب وابنه (ول سميث وابنه في الواقع جادن
سميث) تحط على كوكب الأرض بسبب خلل طرأ عليها.
* كيف يمكن أن تكون الحياة على كوكب الأرض بعد
1000 سنة من رحيل سكان الكوكب عنه؟ مخيّلة صانعي الفيلم (السيناريو من
شيامالان وغاري ويتا والفكرة من ول سميث نفسه) ربما اهتدت إلى صورة مناسبة.
«التريلر» يوحي بذلك: الأرض ما زالت خضراء جميلة لكن سكّانها من الحيوانات
الشرسة وهي تشكل خطرا على الأب وابنه اللذين عليهما حل مأزق علاقة عائلية
مبعثها عدم ثقة كل منهما بالآخر. تفعيلة لا تبدد الخطر الماحق وهما يحاولان
الاستنجاد بالفضاء لعل أحدا وينقذهما. إلى أن يتم ذلك، والقول لا يزال
للتريلر المبثوث على الإنترنت، ليس أمامهما سوى الدفاع عن نفسيهما ضد
الحيوانات والوحوش الكاسرة والطيران بأجنحة سوداء تشبه أجنحة الوطاويط
(نكاية بباتمان؟).
* قبل سنوات قليلة جلب فيلم «صدام التايتنز» للمخرج لويس لترييه صداما
مع النقاد الذي هاجموا الفيلم بضراوة (مصير مشابه ينتظر فيلم شيامالان
أعلاه). تلك النسخة المنفذة غالبا على الكومبيوتر مقتبسة عن الفيلم
الكلاسيكي الذي حققه دزموند ديفيز سنة 1981 مع مؤثرات يدوية الصنع من شغل
الراحل راي هاريهاوزن، أخفقت في در الإيرادات فأنجزت 492 مليون دولار
عالميا الأمر الذي حسن وضع لترييه على مشارف فيلمه الجديد «الآن تراني»
الذي تطلّب قليلا من المؤثرات وكثيرا من الدراما لتعزز فكرة جديدة إلى حد:
مجموعة من السحرة الماهرين (بينهم وودي هارلسون وجيسي أيزنبيرغ وإيسلا
فيشر) يبدأون عمليات سطو على المصارف مستخدمين قدراتهم السحرية. هناك مشهد
يتم فيه توزيع المال على جمهور كبير من الناس الشاكين من البطالة والضرائب.
مشهد قد يحمل البعض منا نحن المشاهدين على التفكير بكم هو أمر جميل إذا ما
كنت سائرا بهمومك في يوم ما فإذا بالسماء تمطر مالا.
* مهرجان أدنبره في نسخته السابعة والستين (ولد قبل «كان» بسنة؟)
سيقام ما بين التاسع عشر والثلاثين من الشهر المقبل (يونيو/ حزيران) ومديره
الفني كريس فوجيوارا كشف اللثام عن 146 فيلما مشتركا جمعها من 53 بلدا من
بينها أربعة عشر فيلما تعرض عالميا للمرّة الأولى. من بين معروضاته «نسرق
أسرارا: حكاية ويكيليكس» لنواح بومباخ و«لهؤلاء المعرّضون للخطر» الذي شوهد
في قسم «أسبوع النقاد» في مهرجان «كان» الأخير. كذلك من «كان» يستعير «أدنبره»
فيلم صوفيا كوبولا «ذا بلينغ رينغ» الذي استقبل بفتور هناك. وأحد الأفلام
التسجيلية التي لم تعرض من قبل هو «نار في الليل» حول الكارثة النفطية التي
وقعت في البحر الشمالي سنة 1988.
* «غود بزنس.. غود زيونيزم». هذا كان كلام محافظ مدينة القدس الغربية
نير بركات خلال زيارته إلى هوليوود التي تمت قبل عشرة أيام بدافع ترويج
المساعي الجديدة لجذب الرأسمال الهوليوودي لفكرة التصوير في إسرائيل.
الخطة، تقول مجلة «ذا هوليوود ريبورتر» نقلا عن بركات، مستوحاة من تلك التي
وضعتها مدينة نيويورك مؤخرا وحوت على دوافع ونقاط جذب مادية من شأنها تسهيل
مهام التصوير في المدينة لقاء الإعفاء الضريبي. أمر يريد بركات تطبيقه إذا
ما قامت استوديوهات هوليوود باختيار إسرائيل مكانا للتصوير واعدا بإعفاء
يصل إلى نحو 400 ألف دولار عن المشروع الواحد. هذه ليست المحاولة الأولى
لمسؤولين إسرائيليين لترويج البلاد كمكان تصوير للأفلام الأميركية. لكن
المحاولات السابقة لم تنجح وربما يكون ذلك مصير المحاولة الجديدة أيضا.
صالة لواحد
ما الذي حدث لرؤية يودوروفسكي؟
الفيلم:
Jodorowsky›s Dune
إخراج: فرانك بافيتش تسجيلي | الولايات المتحدة 2013 تقييم: ثلاثة (من
خمسة).
على المشاهد حيال هذا الفيلم التسجيلي قراءة ومعرفة تاريخ سينمائي
اسمه أليهاندرو يودوروفسكي كان والده هاجر من روسيا إلى تشيلي حيث وُلد
المخرج هناك وبدأ تحقيق الأفلام من عام 1968. تلك المعرفة ضرورية للتواصل
مع لب هذا الفيلم الذي يتحدّث فيه يودوروفسكي عن تاريخ فيلم كان يريد
تنفيذه هو «كثبان» (Dune) وكيف حضّر لذلك طويلا قبل أن تخطف هوليوود ذلك المشروع وتسنده إلى
المخرج المستقل ديفيد لينش الذي حقق منه الفيلم المعروف بالعنوان نفسه سنة
1984 بالنسبة إلى يودوروفسكي، فإن «كثبان» كما تصوّره كان آيلا ليصبح «أهم
فيلم في تاريخ السينما» حسب قوله.. وأكبر من «أوديسا الفضاء» لكوبريك كما
يقول للكاميرا التي تستمد منه ذكرياته عن ذلك المشروع.
يضيف: «طموحي كان فائقا للمعتاد» و«لم أرد تحقيق فيلم سينمائي، بل عمل
منفرد وحر ويفتح العقل» ويضيف في مكان آخر من حديثه: «حين شاهدت فيلم ديفيد
لينش فرحت.. فرحت لأنه فشل». وفي لحظة من تلك اللحظات يبلغ به الهيام
بالحديث بهذا المشروع إلى حد يشرف فيه على البكاء.
«كثبان» هو رواية خيال علمي وضعها الأميركي فرانك هربرت (1986 - 1920)
في خمسة أجزاء نشرت في الستينات وتناول فيها أحداثا عاصفة تقع بعد مئات
السنين وتجسّد الصراع السياسي والديني وما ستؤول إليه العلاقة بين الاثنين.
في هذا الشأن كانت الرواية قراءة في مستقبل قريب (بل وحاضر دائم) أيضا.
فيلم بافيتش الذي شوهد في قسم «نصف شهر المخرجين» في «كان» يترك للمخرج
يودوروفسكي الحديث عن خلفيات كثيرة لم يكن أحد اطلع عليها. والمقابلات تشمل
كذلك مصممي إنتاج ومنتجين (بينهم منتجه الفرنسي المستعد لتمويل أي فيلم
يقدم عليه يودوروفسكي وهو ميشال سيدو) يمنحون الكاميرا شهادات نيرة بحق
مشروع قام المخرج ومن معه بتصميمه لقطة لقطة ووضع الصفحات المرسومة في ملف
سميك قبل أن يبدأ يودوروفسكي وسيدو مشاوير مكوكيّة بين استوديوهات السينما
في هوليوود: «كلهم أحبوا الفيلم. كلهم كانت لديهم مشكلة واحدة اسمها
أليهاندرو يودوروفسكي»، يقول المنتج بصراحة.
«كثبان حسب يودوروفسكي» فيلم ينجح في إطلاعنا لا على خفايا مشروع لم
يتم على يدي مؤسسه، بل على شغف ذلك المخرج الكبير به. لكن من هو يودوروفسكي
تحديدا ولماذا، إذا ما كان مخرجا كبيرا وفريدا، لم يحقق ما أنجزه آخرون من
أترابه؟
أثار يودوروفسكي اهتماما ونجاحا لافتا في فيلميه «إلتوبو» (1970)
و«الجبل المقدّس» (1973) خصوصا في عروضهما الفرنسية. من البداية أبدى
المخرج نزوعا قويا نحو الشخصيات الناشزة (سلوكا ومظهرا) والمواضيع الحادة
في نقدها للمجتمعات وللدين المسيحي في وقت واحد. هذا يتّضح في «دم مقدّس»
(1989) حامل أفكار مجنونة متوفّرة بخيال مثير للاهتمام. هذا الجنوح أثار
اهتمام النقاد والمثقفين لكنه كان أصعب من أن ينجز للمخرج مكانا بين
المخرجين الناجحين. لهذا السبب فضّلت هوليوود عدم التعامل معه محققة نسختها
الخاصة من الرواية ذاتها.
فيلم آخر في موازاة هذا الفيلم، عرض «نصف شهر المخرجين» لفيلم جديد من
إخراج يودوروفسكي هو الأول له منذ نحو عقدين عنوانه «رقصة الواقع» يتناول
فيه حكاية صبي أراد والده الستاليني الميول إعادة تقويمه ليصبح رجلا. هناك
قدر من سذاجة المواقف، لكن ما يغفر للمخرج جرأته في إنجاز الفيلم الذي يريد
هو، ولو أن ما يريده هو لم يعد جديدا في منواله حتى بالنسبة للملمّين به.
وقد تكون لنا عودة له.
بين الافلام
* الناقد والدولار
* الناقد الأميركي رتشارد روبر ربما خلف الناقد
الراحل روجر إيبرت رسميا كناقد صحيفة «شيكاغو صن تايمز» السينمائي لكن هل
بإمكانه أن ينجح في مسعاه الوصول إلى مرتبة زميله الراحل إذا ما رش بهارات
على كل فيلم يراه؟ طبعا تتفاوت الآراء، لكن أن لا تبلغ مستوى الغرابة عندما
يمنح الناقد أربعة نجوم لفيلم في رداءة «سريع وهائج 6» لجوستين لين؟ روبر
وجد أن المسلسل «صاحب المليار دولار من الثروة، يواصل إنجازه ليقدّم جزءا
هو الأسرع والأكثر غرابة إلى اليوم». منذ متى للنقد علاقة بالدولار ومنذ
متى كانت السرعة (أو البطء) مقياسا للقيمة الفنية؟
* الناقد هو واحد من نقاد أميركيين كثيرين أعجبهم عمل بلا روح. فيه
ثلاث خصال غريبة: عضلات دواين جونسون التي تبدو مثل أفعى كوبرا التهمت
وليمة كبيرة أمام كاميرا «ناشونال جيوغرافيك»، واستخدام كلمة «كبير» بمعدل
مرّة كل مشهدين، ثم لقطات لا تستمر الواحدة لأكثر من ثلاث ثوان قبل أن
تليها أخرى. هذا فيلم بلا روح لأنه من بطولة السيارات. أما الشخصيات
البشرية فتبدو كما لو كانت ملحقة بها: دوّاسات بنزين أو عجلات عريضة أو
مصابيح جانبية. هي أيضا تتحدّث كما لو كانت تقرأ عن شاشات «تويتر». وحين
يصل الأمر إلى فين دييزل يكفيه أن الرجل يريد إيهامك بأنه «كول» للآخر..
إلى درجة أنه بلا روح. المشكلة التي يعانيها أن صوته يشبه محرك «ألفا
روميو» يعاني من كثرة الاستهلاك!.
* على شاشة أخرى توجد كوميديا إضافية، تحت عنوان «العرس الكبير» لمخرج
آخر اسمه جوستين هو جوستين زاكهام، لمن لم يشبع بعد من حكايات العائلات
المبنية خطأ. الصحافة النقدية البريطانية اجتمعت على منحه نجمة واحدة كما
لو كان الموقف اتخذ في اجتماع حاسم. نجمة من ناقدة «ذا غارديان» كاثرين
شورد ومثلها من أنطوني كوين في «ذا إندبندنت» وثالثة من فيليب فرنش في «ذ
أوبزرفر» وأخرى من كريس توكي في «ذا دايلي مايل». ليس أن الصحافة الأميركية
(الفريق المرموق منها) كانت أكثر رأفة هذه المرّة. في التفاصيل وفي الإجمال
هذا الفيلم يستحق جائزة أسوأ فيلم للسنة ولو أننا ما زلنا في نصفها الأول.
سنوات السينما: 1934
* امرأتان مختلفتان هذا هو العام الذي مات فيه
المخرج الفرنسي جان فيغو وولد فيه فيلمه الأخير «أتلانتيس». ختم الموت
المبكر رحلة قصيرة بدأت بفيلم تسجيلي بعنوان
Propose de Nice سنة 1930 وانتهت بفيلم جيّد الصنعة حول ميشال سيمو الذي تزوّج من
ديتا بارلو ونقلها للعيش فوق سفينة صغيرة باسم «أتلانتيس» ليحرّم عليها
النزول منها. لكنها تنسل لزيارة باريس فيغضب الزوج ويأمر بإقلاع سفينته
تاركا إياها في مدينة غريبة عليها. لكن الندم سيأكل أطرافه فيسعى للعودة
باحثا عنها. لكن لا خوف على مارلين ديتريتش في فيلم آخر ناجح من صنع تلك
السنة هو «الإمبراطورة القرمزية» لجوزف فون شتينبورغ، فهي تستطيع أن تُتيه
الرجال وتعرف مصلحتها حين تتزوّج ابن إمبراطور روسي لثروته ولو أن الحب
لسواه سريعا ما يلسعها. ديتريتش اللعوب هنا هي ديتريتش في كل فيلم آخر.
الشرق الأوسط في
31/05/2013
«روك
القصبة»: لا أحد يريد غزة!
باريس - ندى الأزهري
صورة لا تزعج أحداً للوضع في غزة تلك التي يقدمها الفيلم الأول
للإسرائيلي اريف هورفيتز تحت عنوان «روك القصبة». وهذا الفيلم يعرض حالياً
في دور السينما الفرنسية ويمكن القول إنه على رغم التحفظ المسبق والحذر
الأكيد الذي لا بد من التمترس خلفهما لدى مشاهدة الأفلام الإسرائيلية (شعور
حتمي لا مفر منه) فـقد شكل الفيلم مفاجأة ما.
يشكل الصراع العربي - الإسرائيلي وبالأخص الجانب الفلسطيني منه جزءاً
من السينما الإسرائيلية المعاصرة منذ الثمانينات، وتثير بعض الأفلام جدلاً
في المجتمع الإسرائيلي بسبب ما يتلمس فيها من «كشف» لخبايا السياسة
الإسرائيلية، أو «انحياز» ما للفلسطينيين.
وبعيداً من المخرجين المكرسين كعاموس غيتاي، يبرز منذ الألفين جيل شاب
يتطرق إلى هذا الصراع من وجهة نظر أكثر خصوصية، ويحاول أن يطرح رؤيته من
خلال قصص إنسانية في ظل واقع سياسي شديد التعقيد موجهاً نظرة انتقادية إلى
المجتمع الإسرائيلي وأكثر إلى قياداته.
على سبيل المثال يعالج عِران ريكليس في «العروس السورية» صعوبة تواصل
أهل الجولان المحتل مع أهلهم في سورية، وفي «شجرة الليمون» يتعاطف مع
فلسطينية يسعى جيش الاحتلال للاستيلاء على أرضها بحجة الأمن أو بناء
المستوطنات. اما فيلمه الأخير «زيتون» فهو يحكي صداقة بين طفل فلسطيني لاجئ
وطيار إسرائيلي.
ويناقش عِران كوليرين في «زيارة الجوقة الموسيقية» التطبيع «الإنساني»
المصري - الإسرائيلي، فيما يكشف آري فولمان في فيلم الرسوم المتحركة «فالس
مع بشير 2008» تورط إسرائيل في مجزرة صبرا وشاتيلا.
ولعل فيلم «الشرطي» (2011) هو أحد أقوى الأفلام التي تنتقد المجتمع
الإسرائيلي الذي تسيره هواجس أمنية وتتحكم فيه نزعات عدوانية و أدان فيه
المخرج عنصرية الدولة وعدوانيتها.
هذه الأفلام التي إن لم تدن صراحة الوجود الإسرائيلي على الأرض
الفلسطينية، فهي تطرح تساؤلات في شأنه وفي شأن تداعياته الخطيرة على تركيبة
المجتمع الإسرائيلي وحتى على وجوده، وإن أظهرت في بعض الأحيان تعاطفها مع
الشعب الفلسطيني (أو غيره من سوري ولبناني) ومع معاناته، فهذا التعاطف لم
يتجاوز المشاعر إلى صلب الموضوع اي الحق في الأرض.
ليس في مكانه
في «روك القــصبة» نــجد الجـــندي الانطوائي «تـومر» يجول في دورية
مع رفاقه المجندين الإسرائيليين في غزة. يستدرجهم طفل فلسطيني إلى الحواري
والأزقة الضيقة كي تنهال عليهم أحجار الصغار والشبيبة وأيضاً غسالة من علو
تقتل أحدهم. النتيجة أوامر القائد بتمركز خمسة مجندين على سطح بيت العائلة
الفلسطينية التي هطلت الغسالة من عليه في محاولة لرصد «القاتل».
يتمركز المجندون من شروق الشمس وحتى غروبها على سطح البيت غير مكترثين
باحتجاج أصحابه. هم محاصرون بتوتر الحرب وبكراهية السكان وبالشمس الحارقة
و«مجبرون» على التحمّل، فكيف لوقتهم أن يمضي وكيف لمشاعرهم أن تتحول في ظل
هذا الوضع غير الاعتيادي؟ بين ملل وحلم بالخروج مع الخطيبة، وتدخين سجائر
الحشيش والاستماع إلى موسيقاهم المألوفة ومنها أغنية شهيرة (روك القصبة
لفرقة The clash)،
وترداد أغنية «هذا الذي مات لن يعود يرى شيئاً». يخشون مصير رفيقهم،
ويتساءلون «ماذا نفعل هنا؟!» في غزة التي «لا يريدها أحد» حيث كل صغير
فلسطيني هو «مشروع ارهابي» برأي أحدهم، وحيث كل ساكن يشعرهم بكرهه لهم
ورفضه لوجودهم، إنهم أمام «جيش» سلاحه الحجارة والحركات الهازئة والشتائم
وايضاً الغسالات والحمير المرسوم عليها العلم الإسرائيلي! وهم ليسوا
«بملائكة» لاحتمال كل هذا وكان ممنوعاً عليهم في بداية الانتفاضة استخدام
الطلقات الحقيقية، وكان لا بد للتحولات في المواقف والأفكار من الظهور.
مقاومة ما
الفيلم الذي قد يكون سيرة للمخرج الشاب (ساهم في كتابة السيناريو)،
يقدم كل طرف كما هو وكأنه فيلم وثائقي يعطي صورة عن الواقع بشخصياته التي
تعبر عن وجهات نظرها ومواقفها بصورة واقعية، عن أجواء غزة والتوتر في
شوراعها، ملتقطاً أدق تفاصيل الحياة اليومية وتعقيدات الوضع الإنساني
والعقائدي للصراع. بدا الطرف الفلسطيني في الفيلم على حقيقته معترضاً بعنف
(المرأة والشباب) أو محتجاً بهدوء (صاحب البيت الخمسيني) شجاعاً مبتكراً
لكل وسائل المقاومة (الصغار والشباب) مكدساً في أحياء ضيقة بكثافة عالية...
لقد أتاح لجوء المخرج إلى الماضي (1987) حرية في التعاطي مع قضية
شائكة ليطرح تساؤلاته، ومواقفه ونظرته التي قد ترضي الطرفين فكل منهما ضحية
(والسؤال البديهي هنا، من أجبر الجيش الإسرائيلي على احتلال المكان؟!)، لكن
يمكن اعتباره صوتاً آخر يضاف ليشي بعبثية الوضع الذي لا يرى أحد نهاية له.
أيضاً المهم في الفيلم، إضافة إلى الصورة الواقعية التي ظهر عليها
الفلسطينيون، هو التحول الذي طرأ على نظرة «تومر» الذي كان يتابع بعيون
يقظة كل ما حوله، في البدء لم يكن «في مكانه» كما يحاول الشرح لقائده، بيد
أن الحرب لا تترك مجالاً لمشاعر من هذا النوع إنها تستدرج حتى الطيبين
لجحيمها وهذا ما أبرزه السيناريو المتين الذي عالج تعقيدات الوضع والمواقف
المتناقضة والنفسيات بعيداً من التبسيط ولاحق تحولات المشاعر الإنسانية في
ظروف كهذه ليؤكد عبث هذا الصراع، ولكن في غزة فقط!
خالد أبو النجا في نابلس لتصوير فيلم فلسطيني وسط تكتم
رام الله – بديعة زيدان
علمت «الحياة» أن النجم المصري خالد أبو النجا يصور في الأراضي
الفلسطينية، تحديداً في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، هذه الأيام دوره
في الفيلم الروائي الفلسطيني «عيون الحرامية» للمخرجة نجوى النجار.
وأكدت مصادر مطلعة على كواليس العمل لـ«الحياة»، أن حالة تكتم شديد
ترافق تصوير الفيلم، الذي يجسد أبو النجا بطولته برفقة نخبة من الفنانين
الفلسطينيين، من بينهم: عرين عمري، وإيمان عون، ووليد عبد السلام، وخالد
المصو، وخالد حوراني، وسهيل حداد، وآخرون، وأن الفيلم مستوحى في جزء منه،
وبتصرف، من حادثة قنص شاب فلسطيني لجنود الاحتلال عند الحاجز العسكري
الإسرائيلي الذي يحمل اسم العمل، قبل أكثر من عشر سنوات.
وفي وقت رفضت فيه المخرجة نجوى نجار وعدد من الفنانين المشاركين في
الفيلم، الحديث عن أي من تفاصيله أو الإدلاء بأي تصريحات قبل انتهاء
التصوير بنهاية هذا الشهر، علمت «الحياة» أن ثمة حالة من الانسجام بين فريق
العمل وبين النجم أبو النجا، الذي تدرب على اللهجة الفلسطينية، وتُشْرِف
خبيرة لهجة متخصصة على مخارج الحروف بالنسبة إليه، من دون معرفة سبب
استبدال فنان فلسطيني بالفنان أبو النجا ليقوم بدور البطولة.
وأشارت مصادر «الحياة» إلى أن أبو النجا نسج علاقات جيدة مع الفنانين،
وأنه لا يجد صعوبة في التعاطي مع اللهجة الفلسطينية ومع تفاصيل الفيلم،
«خاصة أنه فنان متواضع، ومثقف، وعلى علم كبير بتفاصيل عديدة عن القضية
الفلسطينية»، لافتة إلى أن تصوير الفيلم يتم في مدينتي نابلس وبيت لحم، وأن
أبو النجا، الذي اشتهر كأحد الفنانين الداعمين لثورة 25 يناير ضد نظام
الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، سيغادر الأراضي الفلسطينية فور
انتهاء تصوير المشاهد الخاصة به في الفيلم.
وأشارت المصادر إلى أن السلطة الفلسطينية، ممثلة بالأجهزة الأمنية
والدفاع المدني وغيرها، توفر الدعم اللازم لنجاح تصوير الفيلم في مدينة
نابلس، مشيرة إلى أن نابلس بالعديد من فعالياتها الرسمية والأهلية تحتضن
طاقم الفيلم، وتقدم لهم الدعم المعنوي الكبير، وخاصة «الى النجم المصري
خالد أبو النجا، «وفي ذلك دليل كبير على «عشق الفلسطينيين للحياة، رغم
الظروف الصعبة التي يعيشونها جراء الاحتلال، وعلى شغفهم بالسينما ومختلف
أنواع الفنون، التي من شأنها أن تنقل قضيتهم إلى العالم».
وختمت المصادر ذاتها، بأن فريق العمل الفلسطيني يجد في مشاركة خالد
ابو النجا أهمية خاصة، نظراً لتميز وموهبة النجم المصري، ولما يمثله ذلك من
خطوة هامة على طريق انفتاح السينما الفلسطينية على النجوم العرب.
من الجدير بالذكر أن الفيلم ينتج بتمويل من الصندوق الأردني لتمويل
الأفلام، أحد إنجازات الهيئة الملكية للأفلام، ومنحة تمويلية من معهد
صندانس الأميركي، فاز فيها الفيلم من بين أكثر من ثلاثة آلاف مشروع
سينمائي، إضافة إلى صناديق تمويلية من دبي، والدوحة، وألمانيا، وفرنسا،
وغيرها.
اليأس الفلسطيني يتفجر مجدداً في «إن شاء الله»
أمستردام – محمد موسى
حاز فيلم «إن شاء الله»، للمخرجة الكندية أنييس باربو – لافيته، على
جائزة الجمهور في الدورة الأخيرة لمهرجان برلين السينمائي عندما عرض في
تظاهرة «بانوراما». من الممكن الإسهاب في دلالات هذا الفوز، وما يعنيه أن
يحصد فيلم يُقدم قصة قاسية عن القنوط الفلسطيني ويرافق شخصيات فلسطينية إلى
لحظة انفجارها العنيف المدوي، على إعجاب جمهور العاصمة الألمانية. الأمر
المؤكد إن التغيير، وعند الحديث عن مواقف ومشاعر من الصراع الفلسطيني
الإسرائيلي، أصاب منذ أعوام مزاج الجمهور الأوروبي، إلى الدرجة التي يحصد
فيلم يتبع مسار شخصيات تتحول تدريجيا بفعل الظروف المحيطة وانسداد الأفق
إلى أقصى حدود التطرف، على جائزة الجمهور، في واحد من أكثر مهرجانات أوربا
السينمائية جذباً للمشاهدين.
فيلم «إن شاء الله» والذي وصل الصالات الهولندية أخيراً، هو الثاني
الذي يعرض تجارياً خلال هذا العام، ويتعرض لموضوعة الصراع الفلسطيني
الإسرائيلي، ويحمل توقيع مخرجة من بلد بعيد جغرافيا من الشرق الأوسط، فقبله
عرض فيلم المخرجة الفرنسية لورين ليفي «ابن الآخر». يتشابه الفيلمان
برغبتهما بالوقوف على مسافة واحدة من الصراع المعقد، فالقصص تبدو مقسمة
بعناية بين طرفي الخلاف، كما يسعى الفيلمان إلى إفراد اهتمام متساو
لشخصياته المتنازعة على الشاشة، فـ «ابن الآخر» هو عن عائلتين، فلسطينية
واسرائيلية، تدفعهما حادثة غريبة لكي تَصطدم إحداهما بالأخرى، حيث إن خطأ
المستشفى بتبديل الطفلين اللذين ولدا للتو، والذي حدث قبل عقدين من الزمان،
سَيَخلق الدراما، التي تسعى بجوهرها للتشكيك والهزء المبطن من معتقدات طرفي
الصراع «الحاسمة» ويقينهما من مواقفهما.
المسافة الممكنة
ينقسم وقت الطبيبة الكندية «كلوي» في فيلم «إن شاء الله» بين قرية
فلسطينية وإسرائيل. هي تعمل النهار كله في مشفى لعلاج النساء الحوامل في
قرية فلسطينية تقع في الضفة الغربية، على الحافة تماماً منها، يحدها الجدار
الإسرائيلي العازل، وتعود كل مساء إلى شقتها في إسرائيل. بين نهارات
الطبيبة المجهدة في العيادة الشعبية المزدحمة، ومساءاتها الهادئة في
المدينة الإسرائيلية، سيمضي معظم وقت الربع الأول من الفيلم. الطبيبة
الكندية الشابة محاطة أيضاً بالشخصيات من جانبي النزاع، هي صديقة وجارة
لجندية إسرائيلية تؤدي خدمتها أحياناً على الحاجز الإسرائيلي الأخير قبل
الدخول للضفة الغربية، وستتقرب الطبيبة في زمن أحداث الفيلم من امراة
فلسطينية حامل من ناشط فلسطيني ينتظر عقوبته في السجن الإسرائيلي.
الفيلم الذي بدأ كمراقب لما يجري حوله، ملاحقاً الطبيبة الكندية التي
تكتشف العالم من حولها، سيغوص في نصفه الثاني في وحل الصراع، كما إن
الشخصيات العربية التي بدت في النصف الأول صعبة المراس، منغلقة على ذاتها،
مجروحة إلى درجة العطب، بسبب طول النزاع وأثمانه البشرية والنفسية الكبيرة،
ستكشف في النصف الآخر من الفيلم عن مكامن ألمها وتاريخه، فعائلة المرأة
الفلسطينية ستطلب من الطبيبة مساعدتهم للوصول إلى قريتهم المدمرة منذ عام
1948، التي تقع الآن في إسرائيل، على الجانب الآخر من الجدار العازل. لكن
الرحلة التي بدت في البداية كنزهة صيفية، ستستدعي سريعاً جراح العائلة
كلها، وتنتهي بغضب جديد يضاف إلى ما تحمله أصلاً.
حرب من ؟
«إنها ليست حربك»، تهمس الجندية الإسرائيلية لصديقتها الطبيبة الكندية،
لكن الآوان فات للأخيرة، فهي صارت في منتصف هذا النزاع وانتهى الأمر.
الفيلم أراد لها أن تحمل مسؤولية ما، أن ترمز لعالم خارجي يراقب هذا الصراع
منذ عقود من دون أن يتدخل. يتغير مناخ الفيلم إلى السوداوية الشديدة في
ربعه الأخير، ويضيق الأفق حقاً على شخصياته الفلسطينية، لكن هذا لا يبرر
الخيار الأخير الذي اتخذته الكندية الشابة بالإقدام على الفعل الذي يقدمه
الفيلم، والذي كان صادماً حقاً، ولا ينسجم مع التقديم الأول للطبيبة كامراة
متوازنة، تعرف دورها في المنطقة التي اختارتها لعملها الخيري التطوعي.
صوِّرَ عديد من مشاهد الفيلم قرب الجدار الإسرائيلي العازل، وهو -أي
الجدار- الذي صار بعد أعوام على بنائه يرمز لأشياء عديدة، إنه نهاية
الجغرافيا لفلسطينيي الضفة، جدار الأحلام لبعضهم، مكب النفايات الإسرائيلي.
الفيلم يُصور كل هذا بجمالية لافتة، مركزاً على الحياة التي تكوّنت على
جانب الجدار، الأطفال المشردون الذين يقتلون الوقت قريباً منه، رسومات
الحرية عليه، والتي يقع أغلبها فوق أكوام النفايات والطين المُتجمع على
حَوافه.
الحياة اللندنية في
31/05/2013 |