تعدّ
المخرجة العراقية ميسون الباجه جي أحد أبرز الأسماء السينمائية في العراق
الآن. وهي سبق لها أن أخرجت تسعة أعمال وثائقية، منها «الرحلة الإيرانية» و
«المياه المرة» وحازت على جوائز عدة، وساهمت مع زميلها المخرج العراقي قاسم
عبد في إنشاء كلية بغداد للسينما التي تخرّج فيها سينمائيون شباب بات لهم
حضور في المشهد السينمائي، وظفر بعضهم بجوائز سينمائية. ونالت الباجه جي
جائزة IWC
للمخرجين
في منطقة الخليج في مهرجان دبي السينمائي الأخير. وهي تحضّر حالياً عملاً
سينمائياً كويتياً - عراقياً ضخماً، بالاشتراك مع المنتج الكويتي طلال
المهنا. وسيكون أول فيلم روائي طويل من توقيعها، ويحمل عنوان «كل شي ماكو»
ويتوقع أن يكون جاهزاً في أيار (مايو) من العام المقبل. وتقدر موازنته
بمليون دولار وفق ما يقول المنتج المهنا الذي يضيف أنه سيتم تأمينها بواسطة
مصادر إنتاجية كويتية وعراقية وأوروبية مشتركة. شاركت الباجه جي في كتابة
سيناريو الفيلم القاصة والإعلامية إرادة الجبوري، وكان النص قد فاز العام
الماضي في ترشيحات صندوق «سند» التابع لمهرجان أبو ظبي السينمائي. وتدور
أحداثه في بغداد في عام 2006 لتستعرض قصص الحياة العادية التي تجري داخل
البيوت والشوارع في ظل تلك الظروف الصعبة. مع الباجه جي التي سيجعلها هذا
الفيلم ثاني مخرجة عراقية للأفلام الروائية الطويلة، بعد خيرية المنصور،
كان هذا الحوار:
>
ما
المعالجة السينمائية التي ينطوي عليها الفيلم لا سيما أنه يمثل أول
تجربة لك مع الفيلم الروائي الطويل؟
-
في الأساس
أنا مخرجة أفلام وثائقية، وهذا هو فيلمي الروائي الأول، ولكن جذوره مواد
وثائقية، وشاركتني في كتابته الكاتبة والروائية والصحافية والناشطة في مجال
حقوق المرأة إرادة الجبوري، وقمت بتطوير ما لدينا من نص، إلى مشاهد وحوار
وقصص شهدناها أو سمعنا بها، عن أناس يحاولون أن يعيشوا حياتهم العادية في
بغداد، في ظل أحداث عنيفة وغير عادية عصفت في البلاد في عام 2006. من هذه
المواد ومن عناصر خيالية أخرى، أنشأنا شخصياتنا والقصة. الفيلم فيه الدراما
مع الفكاهة واللمسة الغنائية، لكن جذوره من مواد وثائقية، أضفت عليه جواً
من الحيوية، مع صعوبة القدرة على توقع الآتي، وأصالة الحياة الحقيقية. وعلى
رغم أنه فيلم خيالي فهو ليس ببعيد عن الهموم التي تشوب أفلامي الوثائقية
كافة.
>
إذا
كان الأمر كذلك، فما الرسالة التي تريدين إيصالها، لا سيما أن تداعيات
الأحداث التي يدور حولها الفيلم، ما زالت طرية إن لم تكن ساخنة، وتتجدد
يومياً في العراق؟
-
يعكس هذا
الفيلم الجهد اليومي، للمحافظة على الأمل الهش، في وجه الدمار الهائل. إنه
فيلم عن الشجاعة والمقاومة النفسية، فقد يكون من المهم بصفة خاصة، الإعراب
عن هذه الأمور، في الوقت الذي تقسو فيه الظروف، ويصعب فيه الحفاظ على الأمل
حياً، كما هي الحال في العراق وأماكن أخرى كثيرة، في العالم في الوقت
الحاضر.
>
وماذا
عن خياراتك على صعيد مواقع التصوير وهل ستكون داخل العراق أم خارجه
ولماذا؟
-
نحن في
بداية مبكرة للغاية، ولم نبحث بعد عن مواقع للتصوير، ولا نعرف حتى الآن أين
سيتم تصوير الفيلم.
>
هذا
يدعونا إلى السؤال عن أبرز أبطال الفيلم؟ وهل سيكونون من ممثلي الداخل
المحترفين أم الهواة؟ ولماذا؟
-
نأمل في
أن نعمل مع ممثلين عراقيين سواءً من المحترفين أم غيرهم. فالمحترفون ستكون
لهم مساهمة بالغة من حيث الحرفية والخبرة، لكن هذه التجربة واردة بكثرة في
المسرح، أما التمثيل السينمائي فشيء مختلف. وأما غير المهنيين فليس لديهم
هذه الحرفية، ولكنهم يمكن أن يضفوا عفوية وتلقائية على الأداء.. في النهاية
سنعمل مع من نجده مناسباً للقيام بالدور.
>
ومن
هي الجهات التي ستدعم الفيلم عراقياً وكويتياً؟ وهل سيساهم بإذابة
الجليد بين فناني العراق والكويت؟
-
أنا
عراقية والمنتج الذي أعمل معه طلال المهنا كويتي، ونحن نعمل معاً لأننا
نشعر بأننا منسجمان كفريق لهذا المشروع، وليس لأنني من العراق أو أن طلال
من الكويت. إن طلال هو أحد أفضل المنتجين في منطقة الشرق الأوسط، وإنه
ملتزم بالعمل مع المخرجين العرب، ويعمل مع مخرجين آتين من مختلف أنحاء
الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، ومن أوروبا، بما في ذلك مصر وفرنسا والجزائر
وألمانيا والعراق والكويت. أنا نفسي قد عملت أفلاماً في لبنان، فلسطين،
العراق، سورية، مصر، إيران والمملكة المتحدة. وتعاوننا هو مثال للمخرجين
العرب، الذين يعملون معاً عبر الحدود، حيث نقوم بمساعدة ودعم بعضنا بعضاً.
ونرى هذا آخذاً في الحدوث دوماً في وقتنا الحالي. وربما يكمن هنا التعاون
الحقيقي في المنطقة في مجال الفنون والثقافة. هذا الفيلم مستقل، وعليه فنحن
نتطلع للحصول على الدعم من المؤسسات الثقافية، والمنظمات غير الحكومية، ومن
القنوات التلفزيونية، على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومن منتجين مشاركين
في الشرق الأوسط وأوروبا.
التحدي الكبير
>
في
ضوء تجاربك وعلاقاتك وحضورك النوعي في المشهد السينمائي ما الذي
تراهنين عليه عبر هذا الفيلم؟
-
على رغم
أنني قمت بعمل مونتاج لأفلام قصصية من قبل، إلا أن هذا الفيلم سيكون أول
فيلم قصصي طويل، أقوم بإخراجه، وهذا يشكل تحدياً كبيراً ومثيراً بالنسبة
لي، وأتمنى أن أتعرف إلى المطالب الخاصة بالقص والحكايات، وما يمكن
الحكايات أن توصله في بعض الأحيان، وأتطلع كثيراً إلى اكتساب خبرة في العمل
مع الممثلين، وتصميم التصوير، وتسلسل اللقطات.
>
ما
كلمتك الأخيرة؟
-
آخر
أفلامي كان فيلماً وثائقياً عنوانه «عدسات مفتوحة في العراق» حول مشروع
للتصوير الفوتوغرافي، شاركت فيه ١٢ امرأة عراقية من مختلف الخلفيات
والأعمار، من خمس مدن مختلفة في العراق. هؤلاء النسوة جئن جميعاً لقضاء شهر
سوية، في منزل في دمشق، ليتعلمن التصوير الفوتوغرافي، وليحكين قصصهن لبعضهن
بعضاً ثم عدن إلى مدنهن في العراق، ليصورن قصص حياتهن، ثم أصبح عملهن
الرائع، معرضاً مشتركاً تجول في العالم كثيراً وواكبه كتاب.
الحياة اللندنية في
28/06/2013
أودري تاتو تفتتح اليوم مهرجان كارلوفي فاري
كارلوفي فاري (تشيخيا) - فيكي حبيب
أول ما يلفت النظر في الدورة الجديدة من مهرجان «كارلوفي فاري» التي
تُشرّع أبوابها بدءاً من هذا المساء على أكثر من مئة فيلم ترسم أحوال
العالم بتخبطاته وأزماته، هو ذاك الشعار المستوحى من الرقم «8»... وكأنّ
فيه تحية الى ديمومة السينما و «لا نهائيتها»، إن لم يكن فيه بوح بأن
السينما عصيّة على حسابات الزمن. فالرقم «8» الذي يحتضن من حيث الشكل
الهندسي الدورة 48 من المهرجان، ليس إلا إشارة الى اللانهاية، ولكن أيضاً
الى ما يشبه الساعة الرملية. وعلى هذا النحو، أراد المهرجان منذ البداية،
أن يضع مشاهديه على تماس مع فن خالد لا يريد أن يموت... وهو اليوم يثبت ذلك
بتنوعه، وجدّة أفلام مسابقته، وبمزيد من الانفتاح على العالم.
هذا ما تشي به أفلام المسابقة الرسمية الـ14 التي ترسم تخبطات الإنسان
في وحدته وعزلته، ولكن خصوصاً في انغماسه في وحول حروب لا رجوع منها، وإن
اختلفت المقاربات والانتماءات والهواجس. ولعل نظرة سريعة الى برنامج العروض
يمكن أن تقدم صورة وافية عن حجم التنوع في ملامسة المضامين السياسية، سواء
باختيار أفلام ذات بعد عقائدي أو أفلام ذات إطار تاريخي أو حتى ذات اهتمام
بالعامل الاقتصادي - الاجتماعي الذي لا تزال دول كثيرة ترزح تحت وطأته.
ففي الجانب العقائدي، يترقب جمهور كارلوفي فاري فيلم «مكان في الجنة»
للسينمائي الإسرائيلي جوزيف مادموني الذي يعود الى هذا المهرجان التشيخي
بعد سنتين من مكافأته على فيلم «ترميم» الذي نال عنه جائزة «الكرة
البلورية». وإذا بدا فيلمه القديم مشاكساً بعض الشيء لدنوّه من مسألة حساسة
ترصد جيلين: جيل قديم يُقدّس الذاكرة وآخر شاب يحاول أن يتجاوزها، فإن
الفيلم الجديد قد لا يقلّ مشاكسة عن الفيلم الأول إذا استندنا الى ملخص
القصة.
ومنذ القراءة الأولى، يمكن القول إننا أمام نسخة مضادة من الفيلم
السابق، أو بكلام آخر يطل في الفيلم الجديد صراع الجيلين مجدداً، ولكن هذه
المرة بطريقة معكوسة: جيل الآباء في اسرائيل متحرر من قيوده فيما جيل
الأبناء متمسك بها من خلال حكاية تدور قبل 40 سنة حول ضابط يهودي شاب يعود
الى قاعدته العسكرية ظافراً بعد مهمة حرجة. لكنّ بطولاته هذه، تجعله عرضة
لحسد كثيرين، ومنهم طباخ ملتزم دينياً، يؤمن في قرارة نفسه بأن هناك مكاناً
في الجنة محجوز للضابط الشجاع كونه عرّض نفسه للخطر من أجل إخوته اليهود.
ومقابل وجبة «شاكسوكا» يوقّع الضابط العلماني وغير المؤمن عقداً يمنح فيه
مكانه الموعود في الجنة للطباخ الناجي من الهولوكست. وسرعان ما تمرّ 40
سنة، ليجد المشاهد نفسه أمام الضابط غير العابئ بكل هذه المعتقدات وهو على
فراش الموت في المستشفى بعدما أصبح جنرالاً متقاعداً، لتكون الضربة
المسرحية بما آلت إليه أوضاع ابنه الملتزم دينياً، والذي يسابق الزمن
للعثور على الطباخ الذي اشترى مكان أبيه في الجنة، بهدف إلغاء العقد قبل
وفاة الوالد، وإلا سيكون مصيره النار
(!).
طبعاً لا يمكن الحكم على الفيلم من ملخصه فحسب وإن كان يشي بصورة
قاتمة عن أجيال شابة تنحو أكثر فأكثر نحو التشدد، في الدولة العبرية كما في
غيرها.
من إسرائيل الى ألمانيا
ومن اسرائيل تنقلنا المسابقة الرسمية الى ألمانيا حيث يلاحق المخرج
أوسكار روللر ثلاثة أجيال ترسم تاريخ ألمانيا من حقبة ما بعد الحرب حتى عام
1980، بالاتكاء على سيرته الذاتية مذ كان طفلاً غير محبوب لأبوين مفكرين
بوهيميين يمارسان الكليشيه السياسي الذي كان سائداً في سنوات الستين،
وصولاً الى تحوله الى شاب متحرر لا يرحم بتعريته المجتمع ونظرته الساخرة.
ولا تبتعد تعرية المجتمع عن الفيلم الإيسلندي «إكس أل» للمخرج مارتن
بورسون. فهو، وإن كان يصوّر سيرة نائب فاسد في البرلمان الإيسلندي، غارق في
ملذات الحياة، إنما يرسم أيضاً صورة بلد في أزمة.
أزمة من نوع آخر، يطرحها المخرجان الروسي يوسوب رازيكوف والإيطالي
روبرتو أندو. الأول يقترب في فيلم «عار» من عالم نساء بلا رجال ينتظرن في
قاعدة عسكرية في روسيا الشمالية عودة أزواجهن سالمين. والثاني يطرح في فيلم
«تعيش الحرية» أزمة حزب معارض في إيطاليا يختفي رئيسه بعد أن يُخفق في
الشارع. ولإنقاذ الموقف وتفادياً لأي إحراج، يقرر مستشار الحزب معالجة هذه
السقطة بإحلال شبيه له مكانه. ولكن، إذا كان البديل يشبه الأول في الشكل،
فإنه يبتعد عنه بأشواط في المضمون، ما يُكسب الحزب أصواتاً في الشارع بفضل
انفتاح «الرئيس» الجديد ومواقفه الشجاعة.
ولا يغيب شبح الحرب العالمية الثانية عن الفيلم الهنغاري «الكتاب
الكبير» للمخرج جانوس ساز الذي يصوّر يوميات توأم في الثالثة عشرة من
عمرهما، يُجبَران على تمضية السنة الأخيرة من الحرب مع جدّتهما في مكان
قريب من الحدود الهنغارية.
كما تطل الحرب الأهلية في انكلترا من خلال الفيلم البريطاني «حقل في
انكلترا» للمخرج بين ويتلي الذي يصوّر قصة هروب مجموعة من الرجال من إحدى
المعارك المستعرة، قبل أن يُلقى القبض عليهم ويجبرون على البحث عن كنز
مدفون في أحد الحقول، لتكون في انتظارهم مفاجأة كبيرة.
حرب من نوع آخر، نصادفها في الفيلم الفرنسي «11-6» للمخرج فيليب غودو
الذي يصوّر قصة حقيقية جرت أحداثها في ليون في فرنسا عام 2009. أما بطلها،
أو «اللابطل» فيها، فهو طوني موسولين الذي صار حديث الصحافة بعدما تحوّل من
عامل نموذجي لم يرتكب خطأ واحداً طوال عشر سنوات في عمله في نقل الأموال،
الى سارق مطلوب للعدالة بعد استيلائه على 11.6 مليون يورو من دون أي ضجة أو
عنف. ولا يكتفي هذا الفيلم بتصوير هذا التحوّل في مسيرة الرجل القابع خلف
جدران زنزانته، بل يرصد أيضاً تأثير الأزمة الاقتصادية، خصوصاً أن الأحداث
تدور في أوجّ الانهيار، ما جعل طوني يبدو بالنسبة الى كثيرين، روبن وود
جديداً بـ «سرقته أموال السارقين».
غارق في وحدته
ولا تقف أفلام المسابقة الرسمية عند تخوم السياسة فحسب، بل تدنو أيضاً
من إنسان المجتمعات الحديثة وهو يغرق أكثر فأكثر في وحدته. وهنا يطل الفيلم
اليوناني «أيلول» (من إخراج بيني بانايوتوبولو) الذي يسلط الضوء على فتاة
ثلاثينية، لا يهمها شيء في هذه الحياة سوى كلبها مانو. لكنّ حادثاً مفاجئاً
ينتشلها من وحدتها ويجعلها تتذوق طعم السعادة وتتمتع بدفء العائلة حين
تتعرف إلى «صوفيا» وعائلتها السعيدة لتكتشف حجم الفراغ الذي كانت تعيشه من
حيث لا تدري.
فراغ شبيه يعيشه الطبيب «ألفريدو» في الفيلم الإسباني «قيمة الوقت»
للمخرج خافيير بيرموديز بعد وفاة زوجته وهي صغيرة في السنّ. فالرجل الذي
أضحى عجوزاً لم يتوقف بعد 40 سنة من خسارة حبيبته عن الإيمان بالطب وبقدرته
على استعادتها، ولهذا لا يزال يحتفظ بجثتها مبردة... بما أن المسألة في
نظره ليست إلا مسألة وقت.
ولعامل الوقت دوره أيضاً في فيلم التشيخي جان هريبتش «شهر العسل» الذي
يصوّر زفافاً ينقلب رأساً على عقب عندما يخترقه شخص من غير المدعوين لتفسد
أشباح الماضي أكثر الولائم بذخاً وأكثر العلاقات تماسكاً.
ولا يبتعد الفيلم البولندي «بابوتزا» (من إخراج جوانا كوز كروز
وكريستوف كروز) عن تيمة الوحدة، وإن كان يصوّر سيرة الشاعرة الرومانية
المعروفة باسم «بابوتزا» والتي تعدّ إحدى أشهر الشاعرات في بلادها. فهذه
المرأة التي كانت حياتها حافلة بالغموض، سرعان ما نبذها قومها كونها «خانت
أسرار رومانيا القديمة، ثقافة وعادات».
ولا يكتفي المهرجان بالأفلام الجديدة، بل يقدم لجمهوره سلّة من
الأعمال التي سبقها صيتها الى هذه المدينة الساحرة، بعدما حظيت بالإعجاب في
مهرجانات دولية، مثل أفلام الإيراني جعفر بناهي والفرنسي فرانسوا اوزون
والصيني وانغ كار واي والإيطالي باولو سورنتينو والتشادي محمد صالح هارون.
ولا تغيب الأفلام العربية عن هذه الدورة، بل تحضر في 3 أعمال، هي:
«وجدة» للسعودية هيفاء المنصور و «عمر» للفلسطيني هاني أبو أسعد (يعرضان في
تظاهرة «رؤية أخرى» التي تضم 29 فيلماً) إضافة الى فيلم «الميراث»
للفلسطينية هيام عباس (يعرض في فئة «آفاق» التي تضم 31 فيلماً).
أما السجادة الحمراء، فتنتظر هذا المساء النجمة الفرنسية أودري تاتو
التي تقدم جديدها للجمهور التشيخي: فيلم «زبد الأيام»
لميشال غوندري، ليكون الختام بعد 10 أيام مع فيلم «خلف الشمعدان» لستيفن
سودربرغ والذي سبق ان حقق نجاحاً لافتاً في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان»
إنما من دون ان يحصد اية جوائز - راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة-.
الحياة اللندنية في
28/06/2013
قراصنة الصومال يصلون الشاشات العالمية
أمستردام – محمد موسى
انطلقت منذ أيام، في صالات بضــع دول أوروبية، عروض فيلم «اختطاف»
للمخرج الدنماركي توبياس ليندهولم. يأتي عرض الفيلم الروائي هذا، بعد
أسابيع على بدء العروض التجارية للفيلم التسجيلي «بِحار مَسروقة»، للمخرج
الأميركي الشاب باين ثامايا في الولايات المتحدة، وبعد أن عرض الأخير في
عدة مهرجانات سينمائية أوروبية نهاية العام الماضي. هناك الكثير الذي يجمع
بين الفيلمين، ليس فقط من جهة موضوعهما المشترك المتحدث عن القراصنة
الصوماليين والذي يقدمه العملان، ولكن أيضاً مــن جهة تقديمها واستلهامها
للأحداث الواقعية ذاتها، فالفيلم الروائي يُعيد –بتصرف- تقديم حادثـــة
اختطاف سفينـــة دنماركية من قبل قراصنة صوماليين وقعت في عام 2008، وهي
الحادثة التي يركز عليها الفيلم التسجيلي، الذي حصل على تسجيلات صوتية
أصلية للمفاوضات الطـويلة، التي جرت وقـتها بين الخاطفين من عـرض البحر،
ومدير الشركة الدنماركية التي تملك السفينة. كما إن كثير من الانتباه سيتجه
في الفيلمين لشخصية المفاوض الصومالي (اسمه الحقيقي علي، وقُدِمَ في الفيلم
الروائي تحت اسم عُمر)، والذي سيحمل مسؤولية تقديم خلفية اجتماعية ما،
للمجتمع الصومالي المنهار والغارق في الفوضى، والذي انطلقت منه عمليات
الخطف قبل بضعة سنوات، واستاثرت لأعوام على اهتمام دولي كبير.
من أجل تحقيق فيلمه، قضى المخرج الأميركي باين ثامايا ثلاث سنوات وهو
يتعقب قراصنة صوماليين، في واحدة من أشد مناطق العالم خطورة. هو نجح أيضاً
بإقناع بعض من هؤلاء القراصنة بتصوير تفاصيل حياتهم اليومية، عن طريق
كاميرات صغيرة وفرها لهم، كما رافق الفيلم «علي»، الأب الصومالي الأرمل،
الذي يتحدث الإنكليزية بطلاقة، والذي قاد عدة مفاوضات من البحر بين قراصنة
وشركات ملاحة غربية، من أجل ترتيب دفع مبالغ الفديات. كما قابل الفيلم
التسجيلي، بحارة غربيون أو من الذين كانوا يعملون في سفن غربية، والذين
عادوا أمام الكاميرا إلى تجارب خطفهم القاسيّة، والعنف الذي تعرضوا له،
والخوف الذي عاشوه لأيام وأحياناً لأسابيع. كما أفرد الفيلم مساحة للذين
قادوا المفاوضات في الدول الغربية، والذين كشفوا عن المهمات العسيرة التي
ألقيت عليهم، «بمفاوضة مجموعة من المجرمين» بحسب تعبير أحدهم، والضغط
النفسي الذي تعرضوا له وقتها، من قبل عوائل البحارة المختطفين والإعلام
الأوروبي الذي اهتم كثيراً بعمليات القرصنة تلك.
كابوس طويل
التفاصيل التي ميزت الفيلم التسجيلي «بحار مسروقة»، ستغيب عن الفيلم
الروائي «اختطاف»، إذ أخذ الأخير مقاربة مختلفة شديدة العتمة لتقديم محنة
ملاحي السفينة وشركتهم. فبعد المشاهد الافتتاحـــية التي قدمت «بيتر»، مدير
الشركة في الدنمارك، وطباخ السفينة «ميكيل»، في مواقع عملهما، سيبدأ كابوس
السفينة الطويل، عندما أجبرتها زوارق مسلحة لقراصنة صوماليين على تغييــــر
وجهتها، ثم تسليم مقاديرها لمجموعة الخاطفين. سريعاً سنتكشف إن المخرج
الدنماركي الشاب توبياس ليندهولم، غير مهتم كثيراً بالمشاهد «الكبيرة»
المتوقعة من هذه الفئة مـــــن الأفلام، فهو لم يصور تسلل الخاطفين للسفينة
واصدامهم الأول مــــع ملاحيها السبعة. بل إنه عوضاً عن ذلك، سيقدم مشاهد
عدة طويلة من الحياة اليومية للبحارة مع خــــاطفيهم. عادية المشاهد تلك،
والتي بدت مقتطعة بعشوائية من يوميــــات الخطف، ولا تشكل جزءاً من النسيج
الدرامي التصاعدي الشائع، ستتحول تدريجياً إلى ما يمنح هذا الفيلم الكثير
من قوته، فاللامعقولية التــي يشكلها فعل القرصنة ذلك، والقرب الجسدي بين
الخاطفين وضحاياهم، سيحمل بخوائه وغرابته قسوة غير متوقعة، كما إن الوقت
الذي سيمر بطيئاً جداً على المخطوفين، سينهش بقسوة أرواحهم، ويترك بعضهم
على شفير النهايات.
يمكن اعتبار فيلم «اختطاف» فيلماً ذكورياً بامتياز، ليس فقط لغياب
الشخصيات النسائية الفعالة عنه، لكن بسبب هيمنة الهواجس والإرادات الذكورية
على الفيلم، حيث ستكون السفينة وغرفة اجتماعات شركة الملاحة الدنماركية،
ساحة لصراع سيصوره الفيلم بين تلك «الإرادات». فمدير الشركة يرفض أن يتولى
شخص متخصص مفاوضات الفدية مع الخاطفين، هو يريد أن يوصل بنفسه بحاريه إلى
بر الأمان، لكن عليه أن يفاوض بحزم لأشهر على المبلغ الذي يجب أن تدفعه
الشركة للقراصنة الصوماليين، لتكون المفاوضات تلك، امتحاناً عسيراً شاقاً
لقدرة «بيتر» على مواجهة الضغط النفسي المحاصر به، لتحرير بحاريه بأي ثمن،
وأيضاً عن مسؤوليته بعدم تبذير أموال الشركة على مجموعة من المجرمين. في
المقابل هناك «عمر»، الصومالي، من السفينة المختطفة في عرض البحر، الشخصية
الغامضة، الذي يشعر بالمهانة عندما يطلق عليه الآخرين صفة «قرصان»، هو يصر
إنه مُترجم فقط، يعيش حياة طبيعية، وإن الذي يقوم به، هو عمل مرغم عليه،
على رغم أنه سيقود المفاوضات الطويلة بإخلاص كبير لجماعته، كما إن الفيلم
يقدم إشارات على مأزق «عمر» النفسي، فهو من جهة، يشعر بالخجل مما يقوم به،
لكنه لا يرفضه بالكامل، بل يحرص أن لا يغلب شخصياً في مفاوضات الفدية
الطويلة مع «بيتر».
على رغم أن «اختطاف» هو الفيلم الثاني للمخرج الدنماركي الشاب توبياس
ليندهولم، إلا إن الثقة التي أنجز بها فيلمه هذا لافتة حقاً، هو يَستلهم
روح حركة الدوغما السينمائية التي انطلقت من بلده، ولا يكاد يخلو الحامض
النووي لأي مخرج دنماركي شاب من تأثيراتها، من جهة تنفيذ المشاهد، التي
صورت بإضاءة طبيعة، وأيضاً بقرب مناخات الفيلم من الواقع الفعلي للحكاية
التي يقدمها (جرت الاستعانة ببعض البحارة الذين مروا فعلاً بتجربة خطف في
البحر وصور الفيلم في سفينة كانت مختطفة من قبل قراصنة صوماليين)، لكنه في
المقابل يقدم فيلماً درامياً يتضمن الكثير من الغوص النفسي، ويتحدث عن
تصادم شخصيات ذكورية، مركزاً على التعقيد الذي يلف تلك الشخصيات، وهلعها من
الفشل أو الهزيمة أو الموت.
الحياة اللندنية في
28/06/2013
جون ترافولتا:
«العودة» الأكثر إثارة للدهشة في تاريخ النجوم
في الوقت الذي لا تتميز هذه الدورة الجديدة من مهرجان كارلوفي فاري
بحضور ذي معنى للسينما الأميركية، يلفت النظر ذلك التكريم الثلاثي الذي
أعلن عنه ويتم خلال المهرجان، وذلك بالتحديد لأنه يطاول ثلاثة من
السينمائيين البارزين الأميركيين، والذين يمكن النظر الى واحد منهم على
الأقل بوصفه واحداً من كبار النجوم الذين عبروا العقود والسنين من دون أن
يتضاءل شبابهم. ونعني بهذا الممثل والراقص المبدع جون ترافولتا. وترافولتا
هو الممثل الوحيد بين المكرمين، فإلى جانبه هناك المخرج المخضرم جيري
شاتسبرغ الذي عرف في السبعينات على نطاق واسع بكونه واحداً من طليعيي
السينما المتمردة ولا سيما من خلال فيلميه «صورة لطفلة ساقطة» و «الفزاعة»...
ثم هناك بخاصة المخرج أوليفر ستون صاحب الأفلام السياسية وغير السياسية
الأكثر تمرداً في السينما الأميركية السائدة.
لا يمكن ان يقال عن ترافولتا انه ممثل مشاكس او متمرد بالمعنى الذي قد
نقصده حين الحديث عن المكرَّمين الآخرين... ولكنه في الوقت نفسه عرف كيف
يكون مشاكساً على الزمن وعلى تلك القاعدة السائدة في عالم النجوم، والتي
تجعل للنجم ومهما على شأنه وتضخم عدد معجبيه، عمراً افتراضياً واحداً تندثر
قيمته من بعده ليصبح إما جزءاً من الأسطورة أو جزءاً من التاريخ مركوناً في
إحدى زواياه. ولافت أن هذه القاعدة لم تسر على جون ترافولتا الذي بعدما برز
في أواخر سنوات السبعين من القرن العشرين في عدد من الأفلام التي حطمت
الأرقام القياسية بتدافع الشبان لمشاهدتها مازجة الرقص والغناء فيها
بالحكايات العاطرة، مثل «حمّى ليلة السبت» و «تشحيم»، غاب عن الساحة بعد
ذلك بشكل شبه تام الى درجة قال معها كثر انه انتهى تماماً. وبدا – إنطلاقاً
من ذلك – انهم كانوا على حق أولئك الذين منذ البداية اعتبروه «شكلاً» لا
مضموناً ورأوا في تمثيله ورقصه خفةً، ولا سيما منهم الذين رأوا في أفلامه
نوعاً من رد الفعل «الرجعي» على سينما أميركية كانت بدأت تمعن في ذلك الحين
في التصدي للقضايا الإجتماعية والسياسية... واعتبروها دعوة للشبيبة كي
تتلهى عن الإهتمام بالقضايا العامة بل الخطيرة التي كانت مطروحة في أميركا
بخاصة حينها.
لسنوات، بدا هذا الحكم صحيحاً واختفى اسم ترافولتا تماماً... ولكن
فجأة، ما إن اطلت سنوات التسعين من القرن العشرين حتى فوجئ الجمهور وأهل
السينما بترافولتا يطل من جديد، ليس كراقص متمايل بجسمه الرشيق وحركاته
المعبرة عن الأداء الجنسي «المبتذل» في رأي البعض، هذه المرة، وإنما
كمــمثل حقيقي. ولسس في أية أفلام وليس تحت إدارة اي كان... فالشاب الذي
كان ثلاثينياً في بداياته «التجارية» المتألقة عاد – في واحدة من أكثر «العودات»
إثارة للدهشة والتساؤل في تاريخ عالم النجوم -، خمسينياً واثقاً من قدراته
الفنية ومن تعابير وجهه ومن تماشيه مع شتى انواع الأدوار الـتي أعطاه إياها
مخرجون كبار مثل كونتن تارانتينو («بولب فيكشن»)، ومايكل مان («فيس/أوف»)
وجـــون وو («السهم المكسور») ونورا إيفرون («ميكائيل») ثم مايك نيكـــولز
في «ألوان أولية» قبل ان تكرّ السبحة وصولا الى كوستا غافراس («المدينة
المجنونة»)، بحيث لم يعد مجال لمتابعة اللائحة بعد بات ترافولتا من القيم
الراسخة في سينما لم تبخل عليه بالأدوار الجيدة اللافتة سواء أكان هذا في
أفلام ضخمة الإنتاج من النوع الرائج شعبياً أو في أفلام «مؤلفين» تتطلب قمة
في الحضور التمثيلي، أو حتى في أفلام من نوع خاص جداً سيقال انه إنما شارك
فيها انطلاقاً من قناعات أيديولوجية دينية تتعلق بانتمائه الى طائفة
«العلميين» - ساينتولوجيين-، بيد ان هذه حكاية أخرى. ومهما يكن من أمر فإن
ترافولتا راح يبدي في كل الحالات تميزاً، ويستقطب جمهوراً واسعاً حتى وإن
ظلت الجوائز الكبرى – مثل «الأوسكار» و«الغولدن غلوب» وبقية «السعف»
الذهبية – عصية عليه، على رغم ترشّحه لها مرات ومرات...
إذاً هذا هو جون ترافولتا «الجديد» الذي يكرّم اليوم في المدينة
التشيخية التي تعيش منذ اليوم عيداً سينمائياً حقيقياً... وهو يكرّم كما
اشرنا الى جانب شاتسبرغ ولكن ايضاً الى جانب ستون الذي عمل معه قبل عام في
واحد من آخر أفلام هذا الأخير «وحوش».
اما الفيلم الذي يعرض في كارلوفي فاري من تمثيل ترافولتا لمناسبة
التكريم فهو أخيره «موسم القتل» الذي حققه مارك ستيفن جونسون، ويشارك
ترافولتا في بطولته عملاق آخر من جيله هو روبرت دين نيرو.
الحياة اللندنية في
28/06/2013
التاريخ والسينما والمجتمع بين الفرجة والشهادة
الدار البيضاء – مبارك حسني
تُحب السينما تصوير العلاقات الرابطة كثيراً بما أنها بحسب المخرج
غودار «طفولة الفن». وهي تحبها بهدف معلن ترسخ بعد احتشام عقود البدايات،
وهو حيازة نبل المكانة في أولمب الفنون والأجناس الإبداعية، واللحاق بفنون
كانت موجودة قبلها. أي أن تكون مجال الإنتاج الرمزي الإنساني، وبالتالي
إنتاج المعنى الذي يجب تعقبه ودراسته.
ليست وظيفة السينما في حد ذاتها كصورة متحركة، وفقط أن تحكي قصصا من
أجل الإمتاع الجماهيري العام، بل أن تضخّ الدراسات النقدية السينمائية
المرافقة، لأن المعركة أصلاً أخذت منحى كتابة موازية بدونها كانت ستظل
السينما فُرجة عادية فقط. وهي لن تكون فقط ذلك الفن السابع المُكرس الذي
خلد تاريخ الحياة البشرية طيلة أكثر من قرن من الزمان المعاصر، أي شهادة
تامة كاملة موثقة عن أحداث وتفاعلات وتغيرات طاولت كل مناحي النشاط
الإنساني. هذه المناحي التي تناولتها السينما والنقد السينمائي في كل مرة
وكل حالة، لتأكيد الأثر أولاً وللفهم ثانياً. فالعلاقة الثنائية تروم معرفة
من أضاف إلى الآخر، وهل الإضافة متبادلة؟ ما يعنينا هنا هو التاريخ كنشاط،
أي كأحداث نراها بالضرورة كما وصلتنا من خلال السرود المختلفة والمتنوعة
وفق الغرض والغاية والغلبة، فالتاريخ كتابة أصلاً وحكي تكلف به المؤرخون
حسب الباحث المتخصص الفرنسي مارك فيرو.
السينما كفرجة تاريخية
تُحدد الفرجة عامة في التعريف الفرنسي
spectacle
بأنها مجال نشاط فني مرتبط بالعرض، مسرحياً كان أم
سينمائياً أم منوعاتياً أو ما شابه، ويتم عرضه أمام جمهور ما. السينما مجال
فرجة في مستواها المباشر بامتياز، ومن رحمها خرجت أول مرة، وبه ما تزال
مستمرة، بما أن أبرز خاصيتها أنها جماهيرية، وهي نقطة الضعف ونقطة القوة في
ذات الوقت. وكي تستمر كان لا بد لها من معين متعدد تنهل منه. «قصص» التاريخ
أولاً، وفق المعنى الشعبي المتداول ثم التاريخ الحاضر ثانياً، وهما ما وجدت
فيهما ضالة كي تؤكد الحضور بما لها من جاذبية القديم والعتيق والمتعالي
بحكم الزمن.
الحدث التاريخي الموسوم بـ «كان يا مكان في قديم الزمان» حين يتدثر
بالصور الحية يصير في السينما قريباً وحيّاً. وهو يتخذ مثلاً صفة المغامرة
الفريدة، أو سرد حياة الشخصية البطولية المتعالية الخوارق، أو يصبح واقعة
حية في الذاكرة بفعل التحيين المستمر، أي ما يؤكد وجود الحدوثة بوجود حكائي
سابق يتضمن كل توابل الحكي الصوري المأمول، كما يضمن الإثارة الكبرى للعين
المستعدة وللعواطف والتشويق اللازم، وأبرز مثال يجسده نوع «البيبلوم» أو
«فيلم الملابس التاريخية»، الذي يخص الفيلم التاريخي في جل الحالات، حيث
الفضاء والملابس تنتمي إلى غابر الأزمان، والحياة مغامرة على طول الخط، كر
وفر ودم.
الفرجة هنا نبيلة ومتعالية حين تمتح موضوعها من الأدب والمســـرح
والشعر والميثولوجيا والقصص الديني، وهي هابطة وتافهة حين تستغل ثيمة
القديم شكلياً من أجل إثــــارة النوازع الحسية والعنف بما لها من تأثير
على الجمــــوع. هنا، تتلخص بوضوح مسألة الشرعية الفنية للسينما مرة أخرى.
لكن في الحالتين معاً تتحقق السينما بما تظهره من ممثلين بجمال فائق
وأجســاد مثالية وفضـــاءات ساحــــرة جذابة وصراعات حول نـــوازع البطولة
والحب والحسد والسلطة، كما تتحقــــق عبر العملقة الديكورية واستنبات
العصور بشكل لم ينجزه أي فــــن من قبل، وبالتالي فالمرئي الممنوح هو ما
يستفز آلياتها. عربياً، يمكن ذكر شريط «عنترة بن شداد» و «القادسية» لصلاح
أبو سيف في هذا الصدد.
ذات الآليات تُستعمل في توظيف التاريخ الحاضر أو ما يُصطلح عليه بـ
«تاريخ الزمن الحاضر»l’histoire du temps présent
بأحداثه في كتابة سيناريوهات أفلام حركة في الغالب، وأبرزها الحروب
التي عرفها العصر الحديث. التاريخ الموظف يسعف السينما بالقصص المثيرة
للعواطف وبذات التوابل من شخصيات مختارة بعناية، لها الجمال والجاذبية
والقدرة على خلق التماهي الواجب للانخراط في الحكي المقترح. السينما كفرجة
لحظية هي التي تنتصر في آخر المطاف ولا يهم التاريخ طالما أن السيناريو
تجسد في فيلم ناجح جماهيرياً، ولا تعنيها الحقيقة في المقام الأول.
لكن من حسن حظ الفن السابع أن العقليات تطورت بفعل طغيان الصورة بشكل
شامل، ولكونها صارت مكوناً أساسياً في حياة الفرد المعاصر وبفعل تراكم
فيلمي ثري جعل من ذاكرتنا البشرية «ذاكرة صورية». تراكم أبدعه مخرجون حازوا
صفة الإبداعية والتأليف في منافحة ندية مع الكاتب أساساً. هنا تتم الإعادة،
والتجسيد المفكّر فيه، والتمثل بحسب فكرة سابقة، والقراءة المختلفة
المتعددة، ثم التسجيل. لأن كل فيلم يحمل «بصمة تاريخية» على حد قول مارك
فيرو، ووفق طرح هام لأنطوان دو باييك، وهو من محرري «دفاتر السينما»
المعروفين، فالسينما هي الفن الذي يمنح شكلاً للتاريخ، بما أنه يستطيع
إظهار واقع لحظة ما بوضع شذرات منه وفق تنظيم أصلي هو الإخراج. وبالتالي
تمكن من جعله مرئياً. السينما فن شكل للتاريخ يمكن الإحساس به، هذا الإحساس
النابع من التماس مع التاريخ في ذات الوقت». في هذا الإطار، أليس «الناصر
صلاح الدين» ليوسف شاهين علامة على الفترة الناصرية في مصر كـ «خطاب ظل»؟
يوسف شاهين وغيره من المخرجين المؤلفين المعروفين الكثر، وظفوا التاريخ
دراميا كإعادة قراءة أو كموتيف حكي يروم غير التاريخ لكن بواسطة التاريخ،
حدثاً أم شخوصاً أو فقط خلق فضاء أرحب لتصور خاص.
نماذج مغربية
مغربياً يمكن ذكر أشرطة «كيد النساء» لفريدة بليزيد و «عطش» لسعد
الشرايبي و «جارات أبي موسى» للتازي من جهة إعادة تركيب ملامح حقبة بأناسها
وفضاءاتها وسلوكات زمانها. وهي تجعلنا نرى بعضاً مما قلناه وقد وجد له بعض
تربة مغربية. وطبعاً، يجب قياس الفارق واعتبار ظروف إنتاج الأفلام
وإبداعها. لكن هذه لا تقلل من أهميتها كحوامل لخصوصية مغربية منظوراً إليها
من طرف مخرجين مغاربة. وهكذا، يمكن وضع شريط «كيد النساء» في خانة فيلم
«الثياب»، بما أنه اعتمد على اقتباس حكاية ألف ليلة وليلة بكل ما تحمل من
أجواء عيش وتبييء زمني قديمين لدى علية قوم. حكاية تحدي ومنافحة بين سلطان
وزوجته حول من يستطيع الانتصار على الآخر من خلال مقالب كيدية. هنا يبدو
التاريخي ذريعة لحكي واقعة مسلية ممتعة لا غير.
في شريطين مثل «جارات أبي موسى» و «عطش» نجد توجهاً من لدن المخرجين
لجهة قراءة زمن سابق بشيء من الانخراط الشخصي. في «جارات أبي موسى» نلاحظ
تطويع تجربة إخراجية جديدة وتحدي السينما وإمكاناتها وخلق فيلم تاريخي عبر
عملقة ديكورية حقيقية اعتماداً على رواية أدبية شهيرة. وفي ذلك تطبيق لما
أوردناه حول الفيلم التاريخي الملتزم برؤية حكائية تروم «تحققاً روحياً
تخلقه الصورة». أما شريط «عطش» فإنه من جهته تورط سينمائي جميل من لدن
المخرج في قراءة لحظة الاستعمار في منطقة صحراوية حٌبلى بالمغامرة الفنية
الجميلة، وذلك من خلال رؤيتي مُستعمر ومقاوم، مع اعتبار الجانب الإنساني في
كلتا الحالتين. لم يتوقف المخرج هنا عند اقتباس رواية موحى العيد، بل جعل
محكيها «تأريخاً» منظوراً إليه من زاوية تبيان علاقات في وضع تسلط، مع توخي
الموضوعية في وضع لا يسمح بذلك إلا بقدر من الحذر الشديد.
وإلى هذا لا نجد مفراً من ذكر نموذجين هامين، من بين أفلام مصطفى
الدرقاوي «مغامرات الحاج الصولدي» و «كازابلانكا باي نايث» وآخر عند عبد
القادر لقطع في فيلمه «بيضاوة» وهي معاً تنتمي إلى منتصف التسعينيات من
القرن الماضي، وبالتالي فلها قدر توثيقي هام من جهة تأريخها لمرحلة مفصلية
في التاريخ المغربي القريب، أي نهاية عهد الملك الحسن الثاني وبداية العهد
الجديد، وذلك من خلال الرؤية الشمولية والنقدية لما يعتمل في المجتمع
المغربي من هموم ومشاكل ومن طموحات تحت نظام سياسي حابل بتاريخ مكثف ومؤثر،
فهذه الأفلام هي في نهاية الأمر إضافة إلى فنّيتها، وثائق تاريخية بكل ما
تحمل هذه الكلمة من معنى.
الحياة اللندنية في
28/06/2013
هل تتنبأ أفلام الزومبي بنهاية ذات أنياب؟
«الموتى
ـ الأحياء» ملوثون راوغهم الحلم الأميركي طويلا
لندن: محمد رُضا
هل من الممكن أن يكون في مستقبل العالم زومبيز؟
حتى الآن، ورغم وجود حالات محدودة لبشر تم وصفهم بأنهم ناهشو أجساد أو
آكلو أبدان، فإن الزومبي هو غير ذلك على الإطلاق.. إنه، كما هو واضح في
فيلم «الحرب العالمية ز»
World War Z
(انظر النقد على هذه الصفحة)، ميـت - حي، إما تبعا لفيروس أو نتيجة تجارب
نووية تركت تأثيرا لا يمكن حده، أو، كما في بعض الأفلام، لأن جهنم امتلأت
بالبشر ولم يعد هناك بد إلا عودتهم إلى الدنيا. في بعض الأفلام خرجوا من
قبورهم، وفي أخرى لم يدخلوا تلك القبور أساسا.
«الحرب العالمية ز» (معروض في كل مكان حاليا) لا يمزح. كتبه ماكس
بروكس (ابن الكوميدي مل بروكس من زوجته الممثلة آن بانكروفت) في ثلاثة كتب
كل منها يصلح أن يكون فيلما منفصلا (وربما الغاية هي كذلك). لكن ما ميـز
الكتب هو شحنها بالمعالجات والآراء السياسية: عند ماكس بروكس الزومبيز هم
نتاج لما يعيشه العالم حاليا من اضطرابات وقضايا، وإن لم يكن نتاجا في كل
الأحوال، فهم عنوان عريض لفوضى سياسية مستشرية وإفرازات للحروب القائمة.
لكن عهد السينما مع الزومبيز (الذين ظهروا في نحو 2600 فيلم بدءا من
فيلم قصير أخرجه سنة 1929 من بين كل الناس والت ديزني بعنوان «بيت مسكون»)
بدأ قبل هذه الحروب. في الواقع روايات الجريمة والتشويق (وبينها روايات
الرعب) هي مجازات رائعة في شتى الأحوال. أفضل ما كتب من تعليقات اجتماعية
ترمز للأوضاع الإنسانية والسياسية العامـة كان فيما يعرف بـ«الأدب
البوليسي». أحيانا بين السطور وأحيانا في السطور ذاتها. تجد هذه التعليقات
في روايات رايموند تشاندلر وداشيل هاميت وإلمور ليونارد، ميكي سبيلان، جيمس
لي بورك، جون د. ماكدونالد ولورنس بلوك، وسواهم.
حين يصل الأمر إلى قصص الزومبيز فإنه من السهل إيجاد الرمز الذي يقصده
الفيلم إذا ما كان ذا قيمة. في عام 1932 قام ممثل الشر وأدوار الرعب الأول
حينها بيلا لاغوسي، ببطولة فيلم عنوانه «زومبي بيضاء» حول عالم يحول المرأة
المتمردة التي أحب إلى زومبي، ليتيح له ذلك السيطرة عليها. في حين لم يحمل
هذا الفيلم أي دلالات، سعى «مشيت مع زومبي» (إخراج جاك تورنور - 1943)
لاقتراح أن القبائل السوداء التي تسكن بعض جزر الخط الاستوائي هي المسؤولة
عن انتشار الزومبي. حينها لم يحتج أحد على هذا الموقف العنصري بالطبع،
والفيلم، بفضل حسن صنعته، تحول إلى واحد من كلاسيكيات سينما الرعب.
بعد ذلك لم يبد أن سينما الزومبيز كانت مثيرة لاهتمام أحد. حتى عام
1968 عندما قدم مخرج غير معروف، اسمه جورج أ. روميرو، فيلما بعنوان «ليلة
الموتى الأحياء»، لم يستول هذا الفرع من أفلام الرعب على أي اهتمام رغم
وجود حفنة أفلام سبقت ذلك التاريخ.
من بين ما ميز فيلم روميرو على الفور، لجانب رخص كلفته التي لم تؤثر
على قوة تنفيذه وتأثيره، أن الزومبيز كانوا بشرا من الشعب «الطبيعي» ذاته.
ليسوا غرباء وليسوا متحولين من مخلوقات أخرى أو مستنبطين من تجربة علمية
ما. شعب يائس يمشي بثقل، ويبدو كما لو أن الجامع الوحيد بينهم، لجانب حبهم
لنهش الأناس الأصحاء، أنهم مصابون بخيبة أمل في الحياة. يستطيع المرء أن
يقرأ بين قوسين خيبة أمل في الحلم الأميركي نفسه.
شيء آخر كشف عنه الفيلم ولو لماما، حقيقة أن الأسود (قاد الفيلم ممثل
أفرو - أميركي غير معروف اسمه دوان جونز ظهر في ستة أفلام أخرى فقط) لن
يسمح له بالقيادة. صحيح أن رصاصة البوليس الأبيض لم تكن عن سابق قصد
وتصميم، لكن الرجل الأسود كان الناجي الوحيد من هجوم الزومبيز على البيت
الذي لجأ هو وآخرون إليه وهو خرج رافعا يديه. لونه، يقترح الفيلم، دفع
«الشريف» لإطلاق النار عليه قبل التحقق من أمره.
أنجز روميرو، تبعا لنجاح هذا الفيلم نحو 110 آلاف دولار فقط. عدد آخر
من الأفلام المنتمية إلى سلسلته تلك، وكل منها حمل تعليقا ينتقد أحد أركان
الحياة العامة: العسكر، الإعلام، الأثرياء، فإذا بتصرفاتهم الاجتماعية دفعت
بالزومبيز لفعل انتقامي من مجتمع نبذهم أو أثقل عليهم. أحد أفضل هذه
الأفلام كان «أرض الموتى» سنة 2007. بعيدا عن منوال تحميل أفلام الزومبيز
مثل هذه الرموز، نجد أن نجاح هذه السلسلة دفع بمئات الأفلام المشابهة إلى
السطح. إنه كما لو كان كاتبوها وصانعوها يريدون التحذير من أن مستقبل
العالم سوف يسوده ناهشو لحوم الجسد. وفي الواقع أنه من بين ما يزيد على
1600 فيلم فيه زومبي على نحو أو آخر، هناك 120 فيلما تخرج من نطاق الحدث
الفردي للزومبي إلى تصوير هؤلاء على أنهم علامة أكيدة من علامات نهاية
العالم، بل في كثير منها مسببها الوحيد.
«الحرب العالمية ز» ليس، في نهاية المطاف، إلا واحدا من هذه الأفلام
التي تشمل، على سبيل المثال، بعض الأفلام التي نالت نجاحا تجاريا ملحوظا،
مثل «زومبي لاند» (روبن فلايشر - 2009) و«بعد 28 يوما آخر» (داني بويل -
2002) و«بعد 28 أسبوعا آخر» (جوان كارلوس فرسناديللو - 2007). الفيلمان
الأخيران من أفضل ما تم تحقيقه من أعمال في هذا الصدد.
لكن الأسئلة التي عادة ما يطرحها العديد منـا حيال هذه الأفلام هو: ما
سبب انتشارها ونجاحها؟ هل هي تعبير عن خوف ذاتي من مستقبل بمثل هذه
البشاعة؟ هل يكمن نجاحها في إدمان المشاهد على الأفلام الرخيصة؟
حسنا، كثير من هذه الأفلام ليست رخيصة و«الحرب العالمية ز» (إنتاجيا
كما مضمونا) ليس بالتأكيد فيلما رخيصا، لكن الصحيح أن الخوف من مستقبل غامض
يكمن في البال. وإذا لاحظنا فإن أفلام الرعب حتى مطلع السبعينات، لم تكن
تسعى لأن تجعل الخطر المحدق محلـيا. في معظمها كان الرمز المعني هو الخطر
الشيوعي في غمار ما عرف، من مطلع الخمسينات، بالحرب الباردة. العقرب استدار
ليشير إلى الداخل على أساس أن الخطر الوحيد قد يكون كل واحد في عالمه
وبيئته. هو المهدد أن يتحول إلى زومبي يهاجم أقرب الناس إليه.
هذا التحفيز على مثل هذا الشعور تبدى بنجاح مسلسل تلفزيوني قدمته خلال
الأعوام القريبة السابقة، ولا يزال، محطة «AMC» الأميركية تحت عنوان «The
Walking Dead» هذه المرة الزومبيز ضيوفك في البيت.
* آخر إنسان على الأرض
* هناك فيلمان يتعاملان وموضوع ما بعد نهاية العالم على أيدي الزومبيز،
وكلاهما من مصدر واحد: «آخر رجل على الأرض» من أعمال سنة 1964 من بطولة
فنسنت برايس وإخراج أوبالدو ب. راغونا، والثاني «أنا أسطورة» الذي قام
ببطولته سنة 2007 وول سميث تحت إدارة فرنسيس لورنس. أما المصدر فهو رواية
منشورة لريتشارد ماثيسون. في كلا الفيلمين هناك رجل واحد يجوب المدينة
المبادة وحيدا مع كلبه وليلا يختبأ في منزله حتى لا يكتشفه الوحوش.
بين الأفلام
(*2)This
is the End
* «متى ستقوم بتمثيل دور جيد يا رجل؟».
يسأل عابر سبيل الممثل سث روغن الذي يؤدي في فيلم «هذه هي النهاية»
دوره في الحياة، أي سث روغن. ولا تملك حيال السؤال إلا أن تردده باحثا في
بالك عن جواب. سث روغن من أسوأ ممثلي ومخرجي الأفلام الكوميدية لجانب شريكه
إيفان غولدبيرغ. وليس من المطلوب أن تذهب بعيدا. الفيلم الماثل «هذه هي
النهاية» يقدم الجواب على أكثر من نحو: لا الكتابة ولا الإخراج ولا المتوقع
من عمل سينمائي يدعي أنه كوميدي يتجاوز النسبة الأدنى من الجودة. معظم
ممثليه يلعبون أنفسهم، وهو التعبير المستخدم حين يؤدي الممثل دور نفسه، كما
الحال مع سث روغن وجيمس فرانكو، وهذا طموح كبير لفيلم يريد أن يلعب على حبل
من الواقعية حين يتحدث عن بضع شخصيات تشهد نهاية العالم بينما كانت تمضي
سهرة صاخبة. ما لا ينجح هو أن الفكرة لا تتبلور جيدا. سريعا ما تركبها
مناسبات مثل توظيف الحبكة لصالح الإتيان بمواقف هشـة ومجموعة مما يـطلق
عليه «نكات المراحيض»، أي تلك التي تناسب ذلك المكان وليس أذواق الناس، أو
- على الأقل - الكوميديا الراشدة.
(*4)Stories We Tell
* إذا كان المرغوب هو البحث عن ممثل يعكس ذاته الحقيقية، فليس هناك
أفضل من الفيلم التسجيلي «حكايات نرويها». الممثلة والمخرجة سارا بولي
اكتشفت أن والدها لم يكن من اعتبرته أباها منذ أن وعت الحياة. اكتشاف صادم
تعالجه سارا بولي، وقد أصبحت الآن في الرابعة والثلاثين من العمر، بمنتهى
النضج بعدما قررت كشف هذا الغطاء الساتر عن حياتها والبحث عن والدها
الحقيقي، لتكتشف، بالتالي، خيانة والدتها (وكانت ممثلة مسرحية كندية)
لوالدها. الفيلم ليس مصنوعا كمادة تندر أو لسهرة تلفزيونية من نوع «السوب
أوبرا»، وليست سارا بولي من الممثلات المشهورات بأي حال لكي تنجح في هذا
الصدد لو حاولت. إنما هو مصنوع كقراءة في تاريخ شخصي مقدمة على أساس من
البوح الذاتي تشترك فيه شقيقاتها وبعض معارفها الآخرين، لكنه يبدأ أفضل مما
ينتهي، من حيث إن ربع الساعة الأخيرة استعادة لما سبق وروده. على ذلك، يرصف
الفيلم حسنات أخرى، فهو بعيد عن روح المعاناة، بل تعالجه المخرجة بجو مناسب
من المرح.
شاشة الناقد
ذعر بعدد نبضات القلب
الفيلم:
World War Z
إخراج: مارك فورستر تمثيل: براد بيت، ميراي إينوس، دانييلا كرتيز،
فانا موكويينا.
رعب (مأخوذ عن رواية ماكس بروكس) - الولايات المتحدة (2013).
تقييم الناقد: (*4)(من خمسة).
هناك القليل جدا من أفلام الرعب التي تدور حول الزومبيز والموتى -
الأحياء التي تخرج منها، وأنت تنظر حولك مترقبا. آخرها، قبل هذا الفيلم،
كان فيلم داني بويل «بعد 28 يوما» الذي أنجزه سنة 2002 أثار الإحساس نفسه.
هذا الناقد خرج من صالة العرض في منطقة سانتا مونيكا في مدينة لوس أنجليس
ينظر حوله ويفكـر فيما إذا كان المستقبل ينضوي على مثل هذه النهاية
المفجعة: سقوط العالم في قبضة ناهشي الأجساد. «الحرب العالمية ز» ينقل
المرء إلى ما بعد هذه النقطة: المستقبل - يعتقد المشاهد - بدأ الآن.
مهما قيل في ملابسات وظروف الاستعانة بالمخرج مارك فوستر، وعن المصاعب
الإنتاجية التي حصدها هذا الفيلم في طريق إنجازه، فإن فوستر وضع على الشاشة
عملا يتميـز بمعالجة واقعية. حتى وإن اعتبرنا أن ما نراه خيالا، بل حتى إذا
كان من المستبعد كثيرا حدوثه، إلا أن معالجته لم تقصد أن تخرق المستحيل، بل
تطويعه ليصبح أقرب احتمالا. فجأة سيجد المشاهد نفسه شريكا فيما يدور من
زاوية أن الفيلم لا يسخر ولا يمزح ولا يفضي إلى درب من البطولات، وليس هدفه
تقديم فرضياته كخيال، بل ينقلها إلى حيز واقعي يجعل المشاهد غير مرتاح لما
يراه.
من اللقطات الأولى، براد بيت (في دور خبير سابق عمل لصالح الأمم
المتحدة) يتابع ما يدور على شاشة التلفزيون. لا نسمع تفاصيل الخبر الوارد،
لكنه ونحن ندرك أن هناك شيئا غير عادي يحدث. يحاول جيري (بيت) الإنصات لما
يدور، لكن زوجته والأولاد يمنعونه من ذلك عن دون قصد. إنهم يحضرون أنفسهم
لرحلة بسيارة العائلة التي - في المشهد التالي - نراها وسط زحمة سير لا
تبدو عادية. فجأة. الجموع تركض. انفجار بعيد. شاحنة تسحق في اندفاعها
الهارب السيارات الصغيرة، ثم ها هم الزومبيز يظهرون بين الناس يتسابقون على
نهش الموتى.
بعد أحداث مشوقة أخرى، يترك جيري زوجته وأولاده بعهدة مسؤول عسكري
(موكويينا) على ظهر بارجة (من غير المحتمل وصول الزومبيز إليها) وينطلق إلى
كوريا للبحث عن بعض الدلائل. الفصل الذي يقع في الثكنة العسكرية الأميركية
يضيف إلى الكابوس الذي ظلل الفيلم في بدايته: ها هم الزومبيز يهاجمون
العسكر تحت مطر شديد وظلمة ليل أشد. معالجة المخرج وفناني المونتاج روجر
بارتون ومات تشيس هي سير على نصل حاد. عيناك لا تستطيعان ترك لحظة تمر من
دون أن تشترك في استيعاب ما يدور. الوقع مفاجئ والتوقيت الزمني لكل لقطة
يشبه نبضات القلب كلا في مكانها.
بعد ذلك ها هو الفصل المهم الذي تقع أحداثه في القدس. السلطات
الإسرائيلية بنت جدارا عاليا (ولها أسبقيات في ذلك) ولو أنه من غير المبرر
متى استطاعت فعل ذلك. إلى المدينة المقدسة يفد فلسطينيون ويهود هاربون من
احتمال وصول الزومبيز. تشعر بأن مدينة القدس قد تصبح ملاذا مثاليا، لكن في
ومضة واحدة يكتسح الزومبيز الجدار (يبنون جسدا بشريا ويصعدونه ثم يقفزون
الجدار) والباقي متروك للخيال.
سنوات السينما
1935
فيلم تسجيلي عن النازية
* سنوات السينما: بالانتقال إلى عام 1935 نلحظ أن
السينما الألمانية، على وفرة إنتاجها آنذاك (نحو 30 فيلما) لم تعرف من
الأعمال التي استحقت مكانتها التاريخية سوى فيلم واحد هو «انتصار الإرادة»
للمخرجة ليني روزنتال. هذا الفيلم التسجيلي البديع حول حفلة الأولمبياد
التي انطلقت في مدينة برلين في العام السابق (1934) حققته المخرجة ليني
رايفنستول بدراية فنية مذهلة وبقدرة على الاحتفاء، ليس فقط بالحياة
الرياضية لبرلين ذلك الحين، بل للأسف بالنازية ذاتها. لذلك في حين أن
الفيلم من بين أفضل ما تم تصويره من أفلام تسجيلية إلى اليوم، هو أيضا
الفيلم البروباغاندا الذي لا تستطيع إلا مناهضته حتى مع قبول وجهة نظر
المخرجة أنها لم تحقق فيلما عن هتلر ولا عن النازية، بل عن الاحتفاء
بالألعاب الأولمبية، ذلك لأن ما على الشاشة يشي بذلك القدر من الإعجاب
بالقيادة التي سمحت للمخرجة بتصوير هذا الفيلم.
المشهد
في الفعل ورد الفعل
* عندما قرر جيم كاري، قبل أقل من أسبوع «بق
البحصة» والإعلان عن أنه لن يقوم بحملته الترويجية لصالح فيلم «Kick
Ass 2» كان لا بد للشركة المنتجة «يونيفرسال بيكتشرز» أن تتصرف سريعا.
فالممثل المعروف لم يمتنع في السر، بل علانية، وهو كشف عن السبب أيضا مثيرا
محاذير قد تضر باحتمالات نجاح الفيلم؛ إذ قال: «لست خجلا من الفيلم، لكن
الأحداث الأخيرة غيرت رأيي به، ووجدت أنني لا أستطيع أن أروج لفيلم بالغ
العنف مثل هذا الفيلم». وما قامت به الشركة، على لسان متحدث لها، هو عكس
المتوقـع وأذكى منه أيضا، عوض أن تهاجم كاري على موقفه، تحدثت عن سعادتها
وثقتها بالفيلم، وأنها لا تعتبر العنف الوارد في الفيلم جادا؛ لذا لا تراه
مضرا. في حين عبر الكاتب مارك ميلار عن تعجبه لتصريح كاري قائلا: «أحترمه
كممثل وأعلم أنه من المدافعين عن إصدار قانون الحد من السلاح، لكني لا أفهم
سبب ما قاله؛ لأن الفيلم هو تنفيذ للسيناريو، وهو قرأ السيناريو ووافق
عليه».
* هذا صحيح لولا أن كاري قال في إعلانه إنه حينما
قبل الدور لم تكن بعض حوادث العنف الأخيرة وقعت. كذلك هي ليست المرة الأولى
التي ينتقد فيها ممثل فيلما له. هالي بيري كانت هاجمت بضراوة فيلمها «كاتوومان»
(2004). شون بن لم يعجبه ما رآه من فيلم «شجرة الحياة» لترنس مالك، لكنه
انتظر إلى أن تنتهي عروض الفيلم حتى لا يحرج الإنتاج. والممثل شايا لابوف
انتقد أحد أجزاء سلسلة «ترانسفورمرز» التي يمثـلها بمعدل مرة كل عامين إلى
ثلاثة، ولو أن انتقاده لم يوقفه عن العودة إليها.
* المخرج زياد الدويري، في المقابل، لا يزال يتحدث عن فيلمه الجديد
«الهجوم» بإسهاب. الحديث إيجابي وليس سلبيا، وليست لدى المخرج أي مشكلة مع
مستوى العنف الذي في الفيلم؛ لأن الفيلم يخلو من العنف أساسا، وهو ليس من
النوع الذي يحتاجه. هو، كما سبق وورد هنا وفي أماكن أخرى، فيلم جاد عن ذلك
الجراح الفلسطيني الذي يعمل ويعيش في تل أبيب بنجاح، إلى أن يكتشف أن زوجته
«إرهابية». يقول لجون هورن من صحيفة «لوس أنجليس تايمز» بأن ممولا مصريا
وآخر من قطر طلبا منه سحب اسميهما من الفيلم تبعا لما أحدثه العمل من ردود
فعل سلبية عربيا؛ كونه صـور في إسرائيل. مع تفهم وجهة نظر المخرج في هذا
الموضوع، ومع الشك في أن مقاطعة عرض الفيلم في صالات السينما في بعض الدول
المانعة، سيفيد قضية ما أو سيضر بها، إلا أن الشكوى التي يتولى المخرج
تكرارها لم تعد تثير الاهتمام، خصوصا أن عروض الفيلم الأميركية محدودة
أساسا.
* ما هو أكثر ضراوة من كل ما سبق ردود الفعل على كل ذلك الدمار الذي
أصاب مانهاتن في نيويورك تبعا لأحداث فيلم زاك سنايدر «رجل من فولاذ».
تشارلز واطسون، من مؤسسة «واطسون للاستشارات التقنية»، قدر أن الخسائر في
الأرواح والممتلكات في ذلك الفيلم (لو أنه كان حقيقة) تتجاوز تريليوني
دولار، وأن قيمة المباني التي تم تسويتها بالأرض في ذلك الفيلم وحدها تصل
إلى نحو 700 مليار دولار، أي أن هذا أعلى بنحو 640 مليار دولار من الخسائر
الناجمة عن الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له المدينة سنة 2001.
* أن لا يعترف زاك سنايدر بأنه أخطأ في ارتكاب مجزرة من المباني
المهدمة في هذا الفيلم هو شيء، لكن أن يهاجم المنتقدين أيضا مستندا إلى أن
نجاح الفيلم دليل على قيمته، فهذا مرفوض. المشكلة هنا هي أن بعض أفلام
اليوم تبدو كما لو كانت تؤيد الإبادة الجماعية، و«رجل من فولاذ» الذي يسرد
حكاية كانت ذات مرة أكثر براءة، هو من أشدها تدميرا.
م . ر
الشرق الأوسط في
28/06/2013 |