نعم، وودي ألن في فيلمه الجديد «ياسمين أزرق» (الذي بوشر بعروضه
الأميركية في الأسبوع الأخير من يوليو (تموز) وينطلق في الأسبوع المقبل في
كل مكان) يعود إلى الحكاية المفضلة: الشخصية التي تكتشف بعد مرور سنين
طويلة أنها لا تحب شريك حياتها كما كانت تعتقد أو أنها كانت تحبه من قبل
ولكن لكل شيء نهاية، فإذا بها تتحول إلى حب جديد حالما تجد الفرصة. الشخصية
هذه المرة متمثلة بالزوج (أليك بولدوين)، لكن علاقته العاطفية الجانبية
تبقى سرا إلى أن تكتشفها الزوجة (كيت بلانشيت). رد فعلها يحتل حيزا كبيرا
من الحكاية هنا، فالزوج فر منها إلى سان فرانسيسكو وكل ما بقي لديها، بعد
الإحساس بالألم والإحباط، هو الشعور بأن الحياة يجب أن لا تنتهي عند هذا
الحد. هناك أمل مستمر.
إنه الفيلم الخامس والأربعون منذ أن تقدم ذلك الشاب النحيف المتأثر
بالكوميديا الصامتة ليقف وراء الكاميرا لأول مرة سنة 1966 ليحقق «ما
الجديد، تايغر ليلي»، أحد أسوأ أفلام الفترة. الفارق النوعي بين هذا الفيلم
والفيلم الثاني له، «خذ المال واهرب» (1969) كبير. آنذاك، كان منوال المخرج
تقديم أعمال كوميدية مباشرة مع أفكار نيرة تجمع بينها شخصية رجل يبحث عن
هوية في عالم غير ثابت ويفشل. هو اللص الذي لا حنكة له في «خذ المال
واهرب». والمتهم بأنه ثوري لاتيني مرة وأميركي قبيح مرة أخرى في «موز»
(1971) والمنتقل من عالم اليوم إلى عالم مستقبلي غريب عنه في «سليبر»
(1973). قمة هذا البحث عن هوية، دينية وفكرية، تبدت في «زيليغ» (1983) الذي
ينتقل خلاله من شخصية اليهودي إلى شخصية المسيحي ليكتشف في النهاية أنه
ملحد. وحتى حين لم يخرج أحد أشهر أفلامه في تلك الحقبة، وهو «الواجهة»
The Front
(بل قام بذلك الراحل مارتن رت سنة 1976) كان عليه أن يلعب دور كاتب فاشل
عليه أن يمثل شخصية كتاب سيناريو ناجحين ليوقع عنهم أعمالهم ويبيعها إلى
هوليوود تحت كنف الفترة المكارثية.
سنة 1977 انتقل ألن من حقبة الأفلام الكوميدية السريعة والمباشرة وذات
الأفكار ذات السمة الفانتازية إلى مرحلة جديدة قوامها دراميات شخصية معالجة
دراميا في أحيان وكوميديا في أحيان أخرى. كان تعرف وأحب الممثلة المنطلقة
دايان كيتون خلال تصوير فيلم لم يخرجه بعنوان «اعزفها ثانية يا سام» (هربرت
روس - 1972) وبعد عام طلب منها أن تمثل أمامه في «سليبر». لكن فيلمهما
الثالث معا، «آني هول» (1977) هو الذي منح كل منهما الحضور الصحيح لثنائي
عاطفي مثير للاهتمام، كما هو الفيلم الرصين الأول (كوميديا) من بين أفلامه
كمخرج.
بحثا عن الشريك المناسب! «آني هول» بالإضافة لما سبق من مواصفات، هو
فيلمه الأول الذي على أسسه انطلق وودي ألن ليكتب ويخرج معظم أعماله
اللاحقة: العلاقة العاطفية التي ظن طرفيها أنها متينة والتي تهتز عندما
يدركان أن أحدهما يبحث عن ملاذ عاطفي جديد. في القرار هو ذلك البحث الدفين
في داخل وودي ألن عن الهوية، مع اختلاف أن هذه الهوية باتت الآن عاطفية. هو
يحب المرأة التي يتعرف عليها (أو التي كان يعرف قبل بدء الفيلم)، ثم أحدهما
يقع في حب طرف ثالث، فيسعى الآخر للبحث عن علاقة جديدة مع طرف رابع، غير
مدرك أن هناك شخصية خامسة تكن له إعجابا كبيرا. هذه الخيوط ليست حبكة «آني
هول» (الذي يدور حول الثنائي الذي وصل، باكرا في الفيلم، إلى نهاية علاقته
فانطلق يبحث عن علاقات جديدة) وحده، بل حبكة الكثير من أفلامه الأخرى، بما
فيها أعماله الأخيرة مثل «ماتش بوينت» (2005) و«فيكي كريستينا برشلونة»
(2008) و«سوف تلتقين بغريب داكن» (2010) و«منتصف الليل في باريس».
قلق وودي ألن الوجودي من الحب والحياة معبر عنه بكثافة في «دواخل»
(1978) الذي عمد فيه، وفي «سبتمبر» (1987) إلى معالجة رغمانية شبه كاملة.
كما في أفلام أخف ثقلا مثل «مانهاتن» (1979) و«هانا وشقيقاتها» (1986)
و«امرأة أخرى» (1988) كما «جرائم وجنح» (1986) والكثير من أعماله الأخرى.
والفترة التي مثل فيها ذاته عاكسا كل ما يجول في نفسه من أفكار
وسلوكيات أمام دايان كيتون، والتي شملت خمسة أفلام، انتهت عمليا مع فيلم
«مانهاتن»، ولو أنها عادت سنة 1993 بفيلم «غموض جريمة مانهاتن». الفترة
التي تلتها، والتي شهدت كذلك ذات الانعكاس لما يجول في نفسه وباله، تولتها
ممثلة رقيقة الحاشية اسمها ميا فارو لاعبة أمام ألن في ستة أفلام أولها
«ستاردست ماموريز» (1980) وآخرها «هانا وشقيقاتها» (1986).
لكن سواء أكان الفيلم من بطولة دايان كيتون أو ميا فارو أو أي من
الممثلات اللواتي ظهرن في بطولات أعماله لاحقا فإن أرضية هذه الشخصيات لم
تتغير. نساء وودي ألن قويات حتى حينما يكن رقيقات ورومانسيات. تتدرج هذه
القوة تبعا للتفاعل العاطفي الذي يشغل القلب حيال الأزمة التي تم بها. ما
لا يتغير أيضا هو الدور الذي يؤديه وودي ألن من فيلم لآخر: المحب الذي قد
ينقل فؤاده ما شاء من الهوى. تستطيع دائما أن تتخيله وهو يتحدث برذاذ من
الكلام والكثير من إشارات الأيدي وقدر من التأتأة متسائلا عن أبسط الأمور.
إنه رجل قلق، يخشى على نفسه من نفسه ومن سواه. وحتى المرة الوحيدة التي
وجدناه فيها بعيدا تماما عن هذه الصورة، وكانت في فيلم نال تقديرا أقل مما
كان يستحق وهو «ظلال وضباب» (1991) نجده متهما بريئا (كما كانت حال أعماله
الأولى) تعيد إلى الذاكرة بحثه الأساسي حول هويته الوطنية أو الدينية.
عندما توقف أساسا عن التمثيل مبررا ذلك بأنه لم يعد يصلح ليقبل
الفتاة، حدث أمران موازيان: بدأت مرحلة تعدد الممثلات اللواتي يلعبن في
أفلامه من دون تكرار وجه دائم كما كان الحال سابقا، وانعكاس شخصية ألن
القلقة وتصرفاته ومسالكه على الشخصيات الرجالية التي يؤديها ممثلون آخرون.
هو في جون كوزاك في «رصاص فوق برودواي» (1994) وغريغ ماتولدا في «نجوم
مجتمع»
Celebrity عام 1998، وأوان مكروغر في «حلم كاساندرا» (2007)
كما في أوون ولسون في «منتصف الليل في باريس» (2011) وأليك بولدوين في
فيلمه الجديد «ياسمين أزرق».
وودي ألن (77 سنة) سينمائي فذ ولو أنه يكرر نفسه وحبه للمرأة ذات
الوجوه المتعددة يذكر بحب فدريكو فيلليني وانغمار رغمن وأبطاله للمرأة رغم
أن لكل واحد من الثلاثة منهجه وطريقته في تفسير وتشخيص ذلك الحب.
* الكوميدي اللاذع
* بعض حوارات ألن لا تنسى وتعكس قيمة الكوميدي الذي فيه.. التالي
بعضها:
«عندما خطفت، بادر والداي إلى العمل فورا: أجروا غرفتي».
«ذات مرة دهستني سيارة كان رجلان يقومان بدفعها من الخلف».
«في البيت أنا الزعيم، أما زوجتي فهي تأخذ القرارات».
لشقيقته: «لو اعتنق والدانا المسيحية قبل نصف ساعة من ولادتك لما نشأت
يهودية».
بين الأفلام
The Worlds End (2*)
(من خمسة)
* «نهاية العالم» هو اسم الحانة التي تنتهي رحلة أبطال هذا الفيلم عندها.
كوميديا تعكس حالة خمسة رجال (من بينهم سايمون بغ ومارتن فريمان وإيدي
مارسن) يلتقون بحثا عن معاني الماضي والحاضر ليجدوا أنفسهم مطالبين بحماية
المستقبل والسعي للبقاء أحياء. سيناريو خفيف مع تنفيذ مناسب لا يخلو من
أفكار جيدة لكن معظم الفيلم يمضي في اتجاهات غير خلاقة مع عين على عروض
عالمية مجزية (عروض: دولية).
2
Red (2*)
(من خمسة)
* الأخيار ضد الأشرار في هذا الفيلم القائم، كما أن الجزء الأول سنة
2010 على فكرة تمكن شخصيات تجاوز معظمها، سن الخمسين، بما يستطيع الشباب
القيام به من مطاردات وإثارة وحركات أكشن. بروس ويليس ما زال زعيم الفريق
الذي يستند إلى خبرة الأمس ضد تكنولوجيا اليوم والمغامرة تنطلق صوب مدن
جديدة فمن باريس إلى لندن ومنها إلى موسكو. مورغان فريمان يغيب وبن كينغسلي
يحضر وجون مالكوفيتش لا يزال يؤمن بنظريات المؤامرة في حين أن انفجارا
نوويا قد يقع في أي لحظة وعلى هذه المجموعة الوصول إليه قبل الكارثة، طبعا.
(عروض: دولية).
Un Flic (4*)
(من خمسة)
* هذا ليس أفضل أفلام الفرنسي جان - بيير ملفيل بالمطلق، لكنه بعيد
جدا عن أن يكون رديئا. يبدأ بمشهد صامت طويل لعصابة تسرق مصرفا في بلدة
ساحلية خلال عاصفة مطرية وينتهي عند بوابة فندق سبلنديد بالقرب من «قوس
النصر» في الشانزليزيه. بينهما ألان ديلون يبحث عن مرتكبي السرقة الأولى
(ثم سرقة ثانية بعد ذلك) ليكتشف أن صاحب الملهى الذي يتردد عليه (الأميركي
رتشارد غرينا) هو الرئيس الفاعل. هذا فيلم بوليسي مشوق من سنة 1972 عمد
إليه ملفيل بكل ما عرف عنه من رصانة ودقة تنفيذ (DVD).
شاشة الناقد
أنا بدينة… انظروا إلي!
الفيلم:
The Heat
إخراج: بول هيغ تمثيل: ساندرا بولوك، ميليسا مكارثي، داميان بشير،
مارلون وايانز النوع: كوميديا - الولايات المتحدة - 2013 أفلام الخيال
العلمي، أو تلك الخيالية بالكامل، هي كثيرا ما تكون أكثر واقعية من الأفلام
الكوميدية التي تقع أحداثها على الأرض. هذه هي الحال حين مقارنة «الحرب
العالمية ز» مثلا بـ«البوليس». هذا فيلم من المفترض، ولو نظريا، أن يستمد
من الواقع نكاته ومواقفه وشخصياته. لكن الكتابة هنا مستوحاة من لا فن
الكتابة المتوفر في أفلام كوميدية أخرى من هذه التي تصنعها الفبركة
المعتادة.
طبعا لا بد من مجال للجنوح طلبا لإثارة الضحك، لكن الجنوح هنا متواصل
لحد أن المرح المنشود يتحول إلى عدد من المشاهد المتباعدة عن بعضها البعض.
يقع الواحد منها وينتهي (وأثره) سريعا، ثم تنتظر إلى أن تتفتق مخيلة
الكاتبة كاتي ديبولد عن موقف آخر.
نحن في بوسطن وسارا (ساندرا بولوك) هي موظفة إف بي آي تعيش وحدها لا
يزورها أحد سوى قطة من الجيرة. لا تستطيع أن تقول إنها سعيدة بحياتها على
هذا النحو، لكنها رصينة وواثقة من خطواتها ولن تنشد التغيير. من ناحيتها
تؤدي ميليسا مكارثي شخصية شانون: امرأة شرطة قوية الجانب وذات سلوك عدائي
ولسان يغلي بالشتائم لزوم المرأة العصرية. وداعا للمرأة - الأنثى إذا؟
من هذه البداية السقيمة ندلف إلى الحبكة التي تبدأ بتعاونهما على
الإمساك برئيس عصابة مخدرات. على السيناريو، تبعا لتقاليد حديثة، أن يكون
مهينا، ناشزا، عدائيا لكل فرد (وأساسا لمن في الصالة) وخاليا من الذوق.
الناقد الأميركي ركس ريد كتب في «ذ نيويورك أوبزرفر» نقدا طويلا لاذعا
للممثلة مكارثي بمناسبة هذا الفيلم، مفاده أن بدانتها تثير الاشمئزاز
وتمثيلها متخلـف. والرجل محق فيما ذهب إليه وإن كان يستطيع استبدال الكلمات
الجارحة بأخرى. مكارثي ممثلة بدينة وهي تعرف ذلك وتعرف أن الاستوديو يعرف
ذلك وتوافق على استغلال هذه البدانة لتقديمها في صورة سلبية للمرأة. هي
راضية، لأن بدانتها هي التي تعيلها (أجرها الآن عن الفيلم الواحد مليونا
دولار). في أحد المشاهد نراها تحاول الخروج من السيارة التي أودعتها في
مكان ضيق ومحشور. في مشهد قبله تسقط فوق حاجز خشبي بينما كانت تطارد شخصا.
هل تضحك كما هو مأمول منك أن تفعل أو تشعر بالأسى لأن الممثلة لا تجد ما
تقوم به لكي تنجح سوى مثل هذه الحركات السخيفة؟
الناحية الأنثوية لا تتوقف عند حد أن المرأة مهانة هنا إذ تمثلها
ماليسا مكارثي، وللأسف ساندرا بولوك، بل في حقيقة أن الفيلم لا يختلف مطلقا
عن أي فيلم بوليسي - كوميدي من بطولة ثنائي من الرجال. ما يعني أن نساءه
بلا مزايا خاصة أو ملامح أنثوية حقيقية وغير شكلية، ما يعني أن عمق هذه
الشخصيات لا يزيد على سنتيمتر واحد. بولوك ومكارثي مرغمان على الانسياق في
هذا التداول غير المجدي والدخول في حوارات مثرثرة لا تنتهي تستنفذ ضحكاتها
الصغيرة لكنها تستمر حتى الزهق.
المعنى القاموسي للعنوان هو «الحرارة»، لكن المشتق العامي هو
«القانون» أو «البوليس»، لكن هذا الفيلم يخلو من الأول ويسخف الثاني.
سنوات السينما * 1936
تشابلن لا يزال صامتا
* بالانتقال إلى سنة 1936 يطالعنا فيلم تشارلي تشابلن «أزمنة معاصرة» كأحد
أفضل عشرة أفلام تم تحقيقها في ذلك التاريخ. كان مر على نطق السينما ثماني
سنوات، لكن تشابلن أصر على تحقيق فيلمه هذا صامتا إذ أراد القول إن
الكوميديا الأفضل هي تلك التي تعتمد على الحركة والتعبير الصامت وليس على
النطق وكان له ما أراد. فيلمه حط في المركز الثالث بين أنجح أفلام العام
بعد فيلمي «سان فرانسيسكو» إخراج وفان دايك و«زيغفيلد العظيم» لروبرت ز.
ليونارد. فنيا، أنجز الفيلم ما هو أعلى قيمة: كوميديا حول تشارلو المحبوب
يواجه متاعب الحياة والعصر ولا ينتصر. الفيلم مؤلف من فصول كل فصل منها
مرتبط بخيط واه مع الفصل السابق، لكنها جميعا شكلت الفيلم الذي حمل فيه
تشابلن على الصناعة والتكنولوجيا والقانون المنفرد.
المشهد
قروش طائرة
* إذا قدت سيارتك على الطريق السريع 405 الذي يحاذي البحر من جنوب لوس
أنجليس إلى باقي المدن والبلدات الواقعة على الساحل بطول 116 كلم، لا بد أن
تنتابك أفكار خيالية قد يصلح بعضها لأفلام رعب خصوصا إذا ما حط الليل وأنت
ما زلت تبحث عن فندق على الطريق ترتاح فيه من عناء الرحلة. هذا حدث معي،
لكني وجدت الفندق الذي أريد قبل أن تتحول رحلتي إلى فيلم سينمائي.
* المخرج أنطوني فيرانتي وجد ما يبحث عنه عندما قرأ سيناريو بعنوان «شاركنادو»
Sharknado
وقام بجزء من هذه الرحلة ليستشف الأجواء المطلوبة بالفعل. النتيجة مصورة في
فيلم رعب مستقل تم عرضه في صالات مختارة في ليلة واحدة من هذا الشهر على
سبيل التجربة، فهو لا يزال بلا موزع. ومفاده أن عاصفة بحرية عملاقة هبت على
ساحل لوس أنجليس وخلفت وراءها نوعا من أسماك القرش الذي يستطيع أن يطير من
الماء إلى أسطح المنازل وشوارع الأحياء ليلتهم البشر.
* توظيف الخيال العلمي لتسريب علاقة بين الوحوش والطبيعة وانتقاد
الإنسان على سوء معاملته ليس جديدا. كل أسطورة «غودزيللا» السينمائية قائمة
على أن ذلك الوحش العملاق تكون من الانفجارات النووية وتلويث البيئة. كذلك
أفلام تسجل فعل التلوث ذاك في مملكات النمل والفئران وأسماك البيرانا
وسواها ما يجعلها تهاجم العدو المشترك المسمى إنسانا.
* هذه الأفلام دائما ما كانت مثيرة للخيال. تعلم حين تجلس إليها أنها
لا تقع، لكنك - إذا ما كنت تحب الفانتازيا أكثر من ولعك بالواقع - تريد أن
تخشى وقوعها على أي حال والطريق إلى ذلك مشاهدتها وهي تنتقم من الأخيار
والأشرار على حد سواء. وسواء أكان المناخ البيئي وتلويثه مسؤولا أو بريئا
من المسؤولية، فإن فكرة خروج وحوش من البحر أو قدومهم من باطن الأرض أو
هبوطا من الفضاء ستبقى مثيرة لابتسامات قلقة.
الشرق الأوسط في
02/08/2013
أسئلة الحاضر والماضي الإسرائيلي الذي لن يمضي
كارلوفي فاري (تشيخيا) - فيكي حبيب
لا يُلمّع الفيلم الإسرائيلي «مكان في الجنة» تاريخ الدولة الصهيونية
الاستيطاني في المنطقة ولا يدينه، بل ينشغل برسم صورة «علمانية» لمؤسسي
دولة إسرائيل في مقابل صورة دينية متشددة لجيل السبعينات وما بعده. فما بين
«إسرائيل القائمة على سواعد جنرالات قادتهم نزعة قومية- صهيونية» وإسرائيل
«الصامدة في صناديق اقتراع أفرزت طبقة سياسية يمينية»، يسأل السينمائي
الإسرائيلي جوزيف مادموني في فيلمه الذي شهدت مدينة كارلوفي فاري التشيخية
عرضه الأول عن سبب هذا التحوّل.
«أولئك الذين أسسوا دولة إسرائيل كانوا ملحدين. ثاروا ضد الدين (من
خلال ارتكاب عملية قتل الأب مجازياً) واستبدلوا الإله بنظام إيماني إلحادي
يشبه الدين في حضوره»، يقول مخرج «مكان في الجنة» لنشرة مهرجان كارلوفي
فاري، ويضيف: «تنامي النزعة الدينية بدأ في السبعينات، وهي الفترة التي
اخترتها لنشأة أحد بطلي الفيلم (الابن في مواجهة الأب). فإذا كان الخط
الأول لـ «مكان في الجنة» هو المجابهة بين جيل الآباء وجيل الأبناء، فيما
الخط الثاني هو المجابهة بين الإيمان والإلحاد، فإن الخط الرئيس هو ذاك
الذي يدمج الخطين السابقين معاً ليخلق موضوعاً واحداً عنوانه المجابهة بين
الإنسان ومصيره. ولهذا فإن كل شخصيات الفيلم تثور ضد ماضيها، لكنّ هذا
الماضي (الأب/الإله) يأبى أن يفارقها، بل يطاردها مثل ظلها الذي لا مفرّ
منه».
الأساس الديني
في هذا الشريط الذي يمتد لساعتين من الزمن لا يقدم جوزيف مادموني
أجوبة، بل يكتفي بطرح الأسئلة حول 40 سنة من تاريخ دولة إسرائيل. أما
المشاهد الذي لا بد من أن يُفاجأ بنسف الفيلم للأساس الديني في نشأة هذه
الدولة، فيحيله البحث إلى المؤتمر الصهيوني الأول الذي كان مزمعاً عقده في
ميونيخ، لكنّ المعارضة الشديدة للتجمّع اليهودي هناك وممانعة الحاخامية
حالت دون ذلك، فانتقل إلى مدينة بازل في آب (أغسطس) 1897 حيث عقد برئاسة
تيودور هرتزل، مؤسس الفكرة الصهيونية تاريخياً، الذي حدد أن الهدف هو وضع
حجر الأساس لوطن قومي لليهود. ثم جاءت وثيقة إعلان الاستقلال التي نصّت على
أن «إسرائيل دولة قومية لليهود مقامة على أسس ديموقراطية».
أسس لا يتبناها الفيلم ولا يُعارضها، خصوصاً أن مادموني الذي يجاهر
بعلمانيته يبدو مهتماً بالتحولات التي طرأت في المجتمع الإسرائيلي وآثار
الحروب المتتالية، أكثر من اهتمامه بتبييض صفحة إسرائيل. وهو يقول في
النشرة: «لم اختبر يوماً الحرب، لكنّها عنصر أساسي في الفيلم بمقدار ما هي
أساسية في تاريخ إسرائيل الحديث. ذلك أن المكان الوحيد الذي يمكن للبطل أن
يكون فيه أباً هو ساحة المعركة. أما في حياته الشخصية، فيفشل بالكامل.
وبهذا المعنى، تلغي الرسالة التي يقوم عليها الفيلم أهمية الحرب، بما أن
المعركة المعنوية الحقيقية التي يخوضها الأهل أو أي فرد في حياته اليومية
لا تكمن في الظروف الاستثنائية. ذلك أن البطولة الحقيقية موجودة في الروتين
اليومي لا في زمن الحرب».
انطلاقاً من هنا، تبدو الحرب في الفيلم، الإطار العام الذي يحدد الزمن
الذي تعيش فيه شخصيات جوزيف مادموني أكثر منها البطل الذي يسيّر الأحداث.
ولهذا، ربما، ارتأى المخرج أن يستهل فيلمه من النهاية، أي من اللحظة التي
يُطلق فيها مجهول النار على البطل (بامبي)، فيرديه قتيلاً. ثم لا يلبث
المخرج أن يقفز عن طريق الـ «فلاش باك» إلى الأيام الأولى لنشأة دولة
إسرائيل، مسلطاً الضوء على «إنجازات» «بامبي» العسكرية ضد أصحاب الأرض، ما
يؤهله ليتبوأ مراكز مهمة في القيادة العسكرية، ولم لا في القيادة السياسية.
لكنّ نجاح هذا «البطل» في «مهماته الوطنية» ومحاربته العنيدة ضد الحق
الفلسطيني لا يوازيهما نجاح مماثل في حياته الشخصية، فزوجته الجميلة لم
تُنجب له إلا فتيات، ولذلك وعلى رغم خطورة الإنجاب مجدداً على صحتها، يبقى
البطل مصرّاً على ضرورة أن يكون له صبي. وبالفعل يكون له ما يريد ولو على
حساب خسارة الزوجة التي تحقق حلمه. لكنّ سخرية القدر، تأتي لتلعب دورها في
علاقة الأب وابنه، فالصبي الذي كلّف «بامبي» حياة زوجته، لن يكون ذاك الذي
حلم به. وأكثر من هذا إذ خلافاً للجنرال الذي لا علاقة له بالدين، يسلك
الفتى درب الإيمان، وينضم إلى جماعات متشددة، وكأنه يريد قتل الأب في داخله
بكل ما يمثله من «بطولات» في الخارج و «إخفاقات» في الداخل. ويزداد الفتى
شراسة حين يُدخل الأب إلى البيت زوجة جديدة لا تعتنق اليهودية.
«أناه» الآخر
جوزيف مادموني الذي أهدى فيلمه إلى والده ينفي أن يكون الفتى «أناه»
الآخر، ولكن من دون أن ينكر شعوراً بالألفة تجاهه: «سلكت الدرب العكسي
للفتى. فبينما اكتشف هو الدين وهجر بيتاً ملحداً، تركت أنا الدين بالمعنى
الأورثوذكسي للكلمة، ما نتج منه ثورة في المنزل الذي ترعرعت فيه. وعلى رغم
هذا التناقض أرى أننا إن نظرنا في العمق، سنجد أن هجر الدين أو العودة إليه
يستغرقان الرحلة الروحية ذاتها».
رحلة هي التي تشكل على أي حال حبكة الفيلم الرئيسة وهي تبدأ منذ
اللحظات الأولى للفيلم حين يطالعنا الابن وهو في حالة هستيرية سرعان ما
يتضح للمشاهد سببها. فالجنرال الذي أردته رصاصة من مجهول لن يكون له مكان
في الجنة طالما أنه تنازل عن ذلك المكان قبل 40 سنة لطباخ المعسكر الذي كان
يخدم فيه، مقابل صحن يومي من وجبته المفضلة. وبديهي ان مثل هذا الفعل ستكون
عواقبه وخيمة بنظر الابن المنغمس في شؤون الدين، فالآن، إذ مات الأب لا بد
للابن من أن يسعى كي يضمن له مكاناً في الجنة. وهذا المكان لا يمكن الحصول
عليه إلا من طريق تقفي أثر الطباخ القديم كي يستعيد منه ذلك المكان
الفردوسي الذي كان الأب قد تخلى له عنه قبل عقود؛ حيث أن خلاص روح هذا الأب
لن يتحقق بغير ذلك.
وكل هذا يحدث كما أشرنا أول الفيلم وتكون ذروته مشاهد تعبر عن سخرية
الطباخ من الابن ولكن إذ يبدو الطباخ ساخراً من الفتى في اللقطات الأولى
على هذا النحو وغير مبال بتهديداته، تحيلنا اللحظات الأخيرة من هذا الشريط
إلى المشهد الأول هذا، حيث نفاجأ بالطباخ يقع أرضاً بفعل سكتة قلبية مباشرة
بعد لقائه الفتى، لتطل سخرية القدر مجدداً، بموت الجنرال والطباخ في اليوم
ذاته، فيلتقيان في مكان ما، ويتبادلان الحديث حول الدين والإيمان.
ويبقى المشهد الأكثر مباشرة في الفيلم هو ذاك الذي يتكرر في النهاية
حين يقع الجنرال أرضاً برصاصة مجهول، ليحيلنا المخرج إلى مشهد قديم يعود
إلى أيام «فتوحات» البطل حين يُعدم ببرودة أعصاب ومن دون أن يرف له جفن
شاباً فلسطينياً أعزل يطلب منه الرحمة بكلمات عربية، ولكن من دون جدوى.
ولعل مادموني في عودته في نهاية الشريط إلى هذا المشهد الذي افتتح به
فيلمه، واستتباعه بمشهد إعدام الفلسطيني، أراد أن يقول أن تاريخ إسرائيل
الملطخ بالدماء لا يمكن إلا أن يؤثر على حاضره... وبهذا المعنى يبدو أن جلّ
ما شغل مادموني في هذا الفيلم الذي استغرق إنجازه أكثر من 7 سنوات من
العمل، ليس إلا فكرة الماضي الذي لا يمضي، وبالتالي الماضي الذي سيظل
يُطارد الإسرائيلي أينما حلّ.
الحياة اللندنية في
02/08/2013
فوريست ويتاكر:
أسخّر شهرتي للدفاع عن المظلومين
باريس - نبيل مسعد
عمل النجم الهوليوودي الأسود فوريست ويتاكر تحت إدارة أشهر
السينمائيين، من أمثال مارتن سكورسيزي وأوليفر ستون وباري ليفينسون وجيم
جارموش، ونال جائزة أفضل ممثل في مهرجان «كان» 1988 عن دوره في فيلم «بيرد»،
من إخراج كلينت إيستوود، والذي أدى فيه شخصية الموسيقي الراحل تشارلي باركر،
إضافة إلى فوزه بأوسكار أفضل ممثل أيضاً في 2007 بفضل أسلوبه الدرامي الفذ
في تقمص دور زعيم أوغاندا الراحل عيدي أمين دادا في فيلم «آخر ملوك
اسكتلندا» للسينمائي كيفين ماكدونالد.
وشارك ويتاكر في حفل اختتام مهرجان «كان» 2013 من طريق تقديم آخر
أفلامه «زولو» للفرنسي جيروم سال والذي تدور أحداثه في جنوب أفريقيا.
وزار ويتاكر باريس أخيراً حيث أحيا سهرة في مقر منظمة اليونيسكو، عرض
فيها فيلم «النهوض من الرماد»، وهو عمل تسجيلي أنتجه ويتاكر إضافة إلى
أدائه شخصية الراوي فيه. وفي هذه المناسبة التقته «الحياة» وحاورته.
·
حدثنا عن فيلم «النهوض من
الرماد» التسجيلي ومدى تدخلك في تنفيذه، ولماذا؟
-
أنا سفير منظمة يونيسكو للصلح والسلام منذ أربعة أعوام، الأمر
الذي يدفع بي إلى التدخل في مشروعات إنسانية وفنية تدافع عن حقوق الإنسان.
وقد وقفت وراء مشروع فيلم «النهوض من الرماد» في محاولة لخلق وحدة أفريقية
حول الرياضة، لأن هذه الأخيرة يمكن اعتبارها بمثابة القاسم المشترك بين
هوايات الشعوب الأفريقية، كما أنها تسمح بتحقيق إنجازات ترفع معنويات
الشعوب وتمنحها ثقة في نفسها وفي قدراتها على تحقيق ذاتها. ويتبع الفيلم
بطل سباق الدراجات الأميركي المتقاعد جوك بواييه الملقب بجوناثان بواييه،
في رحلته الأفريقية وتدريبه الرياضيين الأفريقيين في رواندا وتأسيس فريق
رواندا لسباق الدراجات. الفيلم أخرجه تي سي جونستون، بينما توليت شخصياً
المشاركة في إنتاجه وأديت دور الراوي الصوتي فيه.
·
إذاً، أنت تستغل شهرتك من أجل
إنجاز مشروعات إنسانية؟
-
أنا أميركي من أصل أفريقي أسود، وأعرف معنى الظلم والعبودية
والفقر والأشياء المأسوية كلها التي تعاني منها القارة الأفريقية، وذلك على
رغم أنني ولدت في الولايات المتحدة عقب إلغاء العبودية فيها، لكنني أهتم
بتاريخ الإنسان وأقرأ وأطلع وأحضر الندوات وأشاهد الأفلام التي تخص هذا
الموضوع بالتحديد. وللرد على سؤالك نعم أسخر شهرتي في خدمة الدفاع عن حقوق
الإنسان المظلوم.
·
أين سيعرض هذا الفيلم على
المستوى الدولي؟
-
لقد اقتنته شبكات تلفزيون كثيرة في الغرب والشرق وفي أفريقيا
بطبيعة الحال، إضافة إلى أنه سينزل إلى صالات السينما هنا وهناك، ثم على
شكل أسطوانات DVD.
وأعرف أن هناك بعض القنوات التلفزيونية الدولية المختصة في بث البرامج
الرياضية تنوي اقتناء حقوق استغلاله، وهذا شيء جيد جداً.
الفرار من العدالة
·
أنت حضرت حفل اختتام مهرجان
«كان» السينمائي الأخير بفيلم «زولو» الذي أخرجه الفرنسي جيروم سال. حدثنا
عن تجربتك الخاصة بهذا العمل؟
-
كنت قد رأيت فيلم «لارغو وينش» الذي أخرجه جيروم سال ثم الجزء
الثاني منه الذي مثلت فيه شارون ستون، وأعجبت بالأسلوب العصبي الذي يعتمده
سال في تنفيذ أفلامه وكذلك بالإيقاع الذي يميز كل فيلم من الفيلمين
المذكورين. وبالتالي عندما تسلمت عرض تولي أحد الدورين الرئيسين في «زولو»
لم أتردد في الموافقة، خصوصاً أنني وجدت حبكة السيناريو مثيرة عل الصعيد
البوليسي، لكن أيضاً شيقة في كونها تروي التعاون بين رجلي شرطة أحدهما أسود
والثاني أبيض، من أجل القبض على مجرم خطير في جنوب أفريقيا. فالفيلم يتعرض
في خلفيته إلى العنصرية والفقر والتصرفات الفاضحة التي يرتكبها بعض أصحاب
الثروات الطائلة لمجرد أن أموالهم تعطيهم النفوذ اللازم من أجل الفرار من
العدالة. وبما أنني أحب الأعمال الفنية المتضمنة رسالة إنسانية، أعطيت ردي
الإيجابي لجيروم سال، كما سررت أيضاً بالتمثيل إلى جوار أورلاندو بلوم الذي
أدى دور الشرطي الأبيض، فهو صار على مدار السنوات العشر الأخيرة من أفضل
نجوم الشبان في هوليوود.
·
لقد نلت جائزة أوسكار أفضل ممثل
عن دور عيدي أمين دادا في فيلم «آخر ملوك اسكتلندا»، فكيف عشت تقمصك
السينمائي لشخصية هذا الزعيم الأفريقي؟
-
لا يدخل هذا الفيلم، بطبيعة الحال، في إطار الأفلام التسجيلية
أو النشاطات التي قد أمارسها كسفير للسلام لدى منظمة اليونيسكو. إن «آخر
ملوك اسكتلندا» هو عمل سينمائي روائي وإن كان يستند إلى وقائع تاريخية وإلى
حياة عيدي أمين دادا الحقيقية. لقد سعدت بأداء دور هذا الرجل المتقلب
والمتعدد الوجوه من ناحية شخصيته. فكلما كان الدور جنونياً ازدادت قوته
وإثارته، وعثر فيه الممثل على عنصر شيق يدافع عنه ويسخر له طاقته الفنية.
أما عن حكاية جائزة الأوسكار فقد اعتبرتها مكافأة عن جهدي، مثل التلميذ
الذي ينجح بتفوق في امتحان نهاية السنة الدراسية.
·
هل اطلعت قبل التصوير على مراحل
حياة عيدي أمين دادا؟
-
نعم، إلى حد ما، لكن بلا مبالغة، بما أن كاتب السيناريو كان قد
تولى هذه المهمة من قبل ذاكراً أدق تفاصيل كل مشهد من الفيلم في النص. وأنا
بالتالي تمعنت في قراءة هذا النص أكثر مما فعلته في شأن المستندات الرسمية
التي تخص حياة عيدي أمين دادا، وعلى عكس ما حدث عندما أديت دور الفنان
الموسيقي تشارلي باركر في فيلم «بيرد» لكلينت إيستوود. وأعني بذلك أنني قبل
بدء العمل في «بيرد» تعلمت عن ظهر قلب كل صغيرة وكبيرة في شأن باركر وشاهدت
عشرات التسجيلات الحية التي تخص تسجيل أسطواناته وعروضه فوق أكبر المسارح.
ذلك أن السيناريو لم يزخر بتفاصيل مفيدة على هذا الصعيد واكتفى بسرد
الأحدات والحوار بين الشخصيات المختلفة.
·
لقد فزت عن كل واحد من الفيلمين
المذكورين بجائزة، وإذا كان «آخر ملوك اسكتلندا» قد جلب لك الأوسكار، فقد
حصدت جائزة أفضل ممثل في مهرجان «كان» عن «بيرد». هل يعني الأمر أن الأدوار
المستوحاة من حياة شخصيات حقيقية تجلب لأصحابها الجوائز أكثر من غيرها؟
-
ربما في حالات معينة لمجرد أنها تكون قوية وتتطلب التحضير أكثر
من غيرها بهدف احترام مقومات الشخصية الأصلية التي يتقمصها الممثل. لكن
هناك الكثير من الممثلين يفوزون بجوائز عن أدوار خيالية بحتة.
العالم العربي والغرب
·
انتهيت حديثاً من المشاركة في
فيلم عنوانه «طريقة عدوانية» أخرجه الفرنسي الجزائري الأصل رشيد بوشارب.
فما هي نظرتك إلى هذا العمل؟
-
سؤالك يسرني إلى أبعد حد لأنني أحتفظ عن تصوير هذا الفيلم
بذكريات حلوة جداً على الصعيدين الفني والإنساني، ورشيد بوشارب في رأيي رجل
يميل إلى إدخال رسالة إنسانية في كل فيلم من أفلامه، كما أنه يحترم دائماً
الحقائق التاريخية والاجتماعية المحيطة بالحبكة التي يرويها وبالشخصيات
التي تعيش أحداث هذه الحبكة. لقد رأيت كل أفلامه وأجدها هائلة وتربط دوماً
بين العالم العربي والغرب، أو على الأقل بين الجنوب والشمال، مثلما الحال
في «طريقة عدوانية» حيث يتعرف المتفرج إلى رجل قضى سنوات طويلة وراء
القضبان في الولايات المتحدة ثم يسعى، عقب خروجه من السجن، إلى تكوين نفسه
مرة جديدة، إلا أن المجتمع لا يسمح له بتحقيق أمنيته ويظل ينظر إليه على
أنه مجرم لا بد من حرمانه من أبسط حقوق أي مواطن. ومهما فعل الرجل سيجد
نفسه محط أنظار رئيس شرطة يسعى بشتى الوسائل إلى إعادته إلى الزنزانة بل
ربما إرساله إلى الكرسي الكهربائي هذه المرة. وتدور أحداث الفيلم على
الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، في هذا المكان الذي شهد بناء سور في
عهد جورج بوش، من أجل منع مرور المكسيكيين إلى الجانب الآخر، الأمر الذي
سمح لبوشارب بإدخال مشاكل الهجرة في قلب الحبكة. والشيء الآخر الذي أعجبني
في هذا الفيلم هو قيام النجم الأسطوري هارفي كايتل بأداء شخصية الشرطي الذي
يلاحقني، بمعنى أنني عملت في مواجهته، وهذا الشيء وحده عبارة عن تحدٍّ
بالنسبة إلى أي ممثل، مهما كان يحمل من جوائز أوسكار أو غيرها.
·
إن «طريقة عدوانية» مأخوذ عن
فيلم آخر فرنسي أنجزه جوزيه جيوفاني في السبعينات من القرن العشرين عنوانه
«رجلان في المدينة» من بطولة آلان ديلون، فهل رأيت هذا العمل؟
-
لا أنا لم أشاهده حتى الآن، وأعرف أن بوشارب استوحى منه فقط في
خطوطه العريضة، لكنه لم يعد إخراجه حرفياً. وقد سرني القيام بدور أداه آلان
ديلون في الماضي، فهو أيضاً من النجوم الأسطوريين.
·
ما هي مشاريعك المستقبلية؟
-
العمل مجدداً تحت إدارة رشيد بوشارب في فيلم يتناول حكاية
الثورة الفرنسية.
الحياة اللندنية في
02/08/2013
من الشغف بالتاريخ إلى أخلاقيات الفيلم الوثائقي
القاهرة - أمل الجمل
السينما بالنسبة إليه وسيلة للمقاومة، علاج نفسي، من خلالها يحاول أن
يفهم المجتمع. وحتى إن لم ينجح في العثور على حلول فهو في نهاية الأمر يصنع
أفلاماً. مهموم بتحليل هذا الموزاييك الخاص بالمجتمع اللبناني، نسيجه
التاريخي وتركيبته الطائفية. يضع جمهوره في مواجهة الذاكرة الحية سواء
أكانت بعيدة أم قريبة. الجانب التهكمي والساخر ليس فقط سمة مميزة لأفلامه
ولكنه أيضاً جزء من طبيعة شخصيته وتكوينه. بدأ حياته متطلعاً الى الروائي،
لكنه سرعان ما تصالح مع الوثائقي. قدم أعمالاً متنوعة الطول منها: «بيروت
وجهات نظر»، «لاجئون مدى الحياة»، «حرب السلام»، «أصداء شيعية»، «أصداء
سنية»، «درس في التاريخ»، «تاكسي بيروت»، و «مرسيدس». ويعمل الآن على تصوير
«كمال جنبلاط... الشاهد والشهادة». إنه المخرج اللبناني هادي زكاك الذي
يقول عن بداية تجربته مع السينما:
-
بدأت منذ المراهقة وأثناء حرب لبنان. كانت مشاهدة الأفلام
المنفذ شبه الوحيد لي، فأصبح عندي ولع شديد بأن أشرب وآكل الأفلام. كانت
غذائي الأساسي منذ كان عمري 14 سنة، ثم استمرت في مرحلة الجامعة في لبنان
وبعدها درست في الخارج وحصلت على دورات في السينما خصوصاً بلجيكا وفرنسا
وألمانيا. كان همي دائماً أن أصنع أفلاماً، في وقت أتساءل لماذا تدور رحى
الحرب في بيروت؟ ما الذي أوصلها إلى تلك الحالة؟
·
على رغم تلك الرغبة في صناعة
الأفلام اتجهت الى التدريس وألفت كتاباً سينمائياً، فما هو الدافع؟
-
وأنا في الجامعة كان التدريس باللغات الأجنبية وكان التوجه
غربياً بدرجة كبيرة، فصارت لدي رغبة في أن أُطور الموضوع العربي أكثر،
كتاريخ السينما في لبنان، وحتى أتعلم من تجارب الآخرين فبدأت في إعداد
الكتاب أثناء دراستي ثم انتهيت منه قبل التخرج، وكان إعادة تأريخ للسينما
في لبنان من عام 1926 وحتى 1996. طوال إعدادي له تعرفت إلى مخرجين من أجيال
مختلفة، وهو ما سمح لي بأن أطلع على المعاناة والعقبات التي واجهت السينما،
والى أي نوع من السينما أريد أن أتوجه. وكان عندي أيضاً هاجس تأريخي مع
الذاكرة والطائفية في بلد ومنطقة عندها مشكلة مع الذاكرة ومع النسيان.
فالسينما لها دور كبير في محاربة النسيان.
عقدة الروائي
·
بدأت بفيلم التخرج «ألف ليلة ويا
ليالي» عن الصراع العربي - الإسرائيلي بأسلوب ساخر يستخدم شخصيات «ألف ليلة
وليلة» وكان مزيجاً بين الوثائقي والروائي. لماذا فضلت أن تستمر مع
الوثائقي، فغالبية المخرجين يبدأ مسيرته بالوثائقي كجسر يعبر من خلاله إلى
الروائي؟
-
بصراحة ليست عندي عقدة المرور على الفيلم الروائي، ولا أعتبر
الوثائقي مرحلة للوصول الى الروائي. أشعر أن الوثائقي فيلم له هدف بكل معنى
الكلمة ويشبهني في اهتماماتي وثقافتي ومطالعتي إلى درجة كبيرة، الوثائقي
يجمع بين اثنتين من أولوياتي؛ صناعة الأفلام والتاريخ، يجمع بين السينما
كلغة وأسلوب قادر على توصيل الأشياء التي أحبها وبين التاريخ كهاجس وخوف
دائم أن نعود لخوض حرب أو حروب. الوثائقي تذكير بالصوت والصورة، ومشكلتنا
في الشرق أننا نقلد الغرب ونحاول أن نثبت أننا قادرون على إنتاج الروائي
مثلهم، وفي الوقت نفسه نضيع ولا نفكر في الوثائقي الذي يُمكننا أن نخترعه.
وأنا في هــــذا الفيلـــم كنت أختبر إلى أين أحب أكثر أن أسير؟ مع فيلمي
التالي «بيروت وجهات نظر» تأكدت رغبتي في صناعة الوثائقي، بعدها مــررت
بتجربة طويلة لأختبر الفيلم الوثائقي المرتبط بالتليفزيون مع قنوات محلية
ثم فضائيات عربية منها الجزيرة الوثائقية، وصولاً إلى محاولة إخراج أفلام
مستقلة.
·
هل أعمالك التي قدمتها بإنتاج
تلفزيوني تُرضي طموحك بقدر أعمالك المستقلة نفسها؟
-
في تجربتي مع التلفزيون كانت عندي حرية كبيرة، لكن رغماً عني
هناك أشياء تتعلق بطول الأفلام والقيود الخاصة بالتسليم ومنها مثلاً أن نضع
في الاعتبار أن الفيلم سيكون لجمهور أوسع، بينما الفيلم المستقل درجة
المخاطرة به أعلى، لكنه يسمح لي بجرأة أكبر في المضمون وفي الشكل. في
النهاية الفيلم عندما يتم بإنتاج معين أو قناة معينة لا بد من أن ذلك يجعل
المخرج يُفكر من داخله في مدى ملاءمة ذلك للجهة المنتجة حتى لو منحته تلك
القناة «كارت بلانش» في الحرية أو غيره. فمثلاً «درس في التاريخ» كانت فيه
مقاربة نقدية كبيرة للواقع اللبناني، بينما الأفلام التي صورتها خارج لبنان
فيها أكيد نظرة الأجنبي للواقع أكثر من النظرة الداخلية.
أفلام يسقطها الوقت
·
هل قدمت أعمالاً للتلفزيون تشعر
الآن أنه يُمكنك تقديمها في شكل أفضل بالإنتاج المستقل؟
-هناك أفلام مع الوقت لا أعترف بها، ميزتها الوحيدة أنني تعلمت من
خلالها. أفلام لها علاقة بالمجتمعات الدينية، الأقباط أو الشيعة في العالم
العربي، وكانت خاضعة لقيود التلفزيون كأن تدور في ساعة بكل تفاصيلها
ومشاكلها وهذا طبعاً شيء عبثي جداً لأنه لكي تتناول موضوعاً محدداً بأكمله
تحتاج إلى ساعات، وإلا سيكون الأمر أشبه بالرؤية مثلاً من طائرة تحلق فوق
القاهرة، بينما إذا نزل المرء إلى القاهرة ومشى في كل شارع، وتشمم الروائح
وشاهد الناس وتبادل الحكي معهم فستختلف الرؤية والنتيجة. وهذه الأفلام
أستخدمها الآن في التعليم مع طلابي، بحيث يستفيد الشخص من أخطائه ويُعلم
الآخرين. كذلك صوت المعلق كان من أسوأ الأمور.
·
لماذا تلجأ إلى «الكاستنغ» في
الوثائقي؟
-
اختيار الشخصيات أمر مهم لأنه مرتبط بمضمون الفيلم، وبما أُريد
أن أقدمه للمتلقي، لذا أبحث عن الشخصيات الملائمة القادرة على تحقيق هدف
الوثائقي، من هنا عملت «كاستنغ» مثلاً لاختيار سائق التاكسي أو الأولاد في
المدرسة، فقبل تصوير «درس في التاريخ» شاهدت أكثر من 100 ولد.
·
تتبنى التزاماً ومسؤولية أخلاقية
مع شخصياتك حتى التي تختلف معها في الرأي؟
-
طبعاً. خصوصاً أنني لا أكذب عليهم أو أدعي أنني لست مختلفاً
معهم في الرأي. لكن في الوقت نفسه لا أكون في حالة عدائية معهم لأنني أرغب
في أن يفتحوا باب الحوار والحكي، فغالباً أكون في موقع الشخص المنصت الذي
يبدو وكأنه لا يعرف، وذلك حتى أعرف وجهة النظر، حتى لو كنت مع أكثر إنسان
راديكالي أنا مستعد أن أستمع إليه لأفهمه.
·
وهذا الميثاق الأخلاقي يبقى معك
في حجرة المونتاج؟
-
المونتاج أكيد له دور، فالمخرج يمسك كل خيـــوط اللعبة، ويوجد
كثير من الأخلاقيات، لأن هناك أموراً تقولها الشخصيات أثناء التـصـــوير أو
بعده أو خارج التصوير لكنهم لا يرغبون في أن تظهر، وهناك أمور يتكلمون فيها
وعنها ثم يُغيرون رأيهم فيطلبون عدم استخدامها، لكن أيضاً هناك أمــور
يمتنعـــون عن الحكي عنها، وفي هذه الحالة إذا لم يحكوا عنها يبدو الأمر
وكأن المخرج هو الذي تفاداها، فهنا، كل حالة لها وضـــع مختلف. هناك شخصية
صورت معها وكانـــت لا ترغب في أن تحكي عن مرحلة مـــن حياتها، وإذا فعلت
هذا فستُحتسب عليَّ وكأني أغفلتها، وهنا عليَّ أن أخلق الاتفاق لجعل الصورة
أوضح، لأنني لا أعمل الفيلم للشخص ولكن عن الشخص. هنا صار فيه خلاف مع
الشخص وليس مع الفيلم. كان الشخص يرفض الكلام عن مرحلة طويلة من حياته،
وكان هناك سؤال طرحته فرد قائلاً: «أنا ما بدي أحكي عن هذا الموضوع»...
فاستخدمت هذه الجملة، وهو استاء جداً لكـــن أنا كنـــــت مُجبراً بسبب
النظرة الأوسع. مـــن ناحـــية أخرى أحياناً الأخلاقيات تعرّض الشخصيات
نفسها للخطر. فيه شخصيات متـــعصبة صورتها لكن أنا عندي مسؤولية علـــى
حياتها، لأن تصريحاتها بالفيلم ممكن تعــــرض حياتها للخطر، فهنا عليَّ
كصانع فيــلم أن أتنبه الى هذه الجزئية وأحذف ما يُساهم في هذا.
·
هل تنتهي من كتابة سيناريو مكتمل
قبل بدء التصوير؟
-
أعتمد على رحلة بحث طويلة جداً في الكتب واللقاءات مع شخصيات،
والنزول إلى أرض الواقع، ثم أكتب
سيناريو أتخيل فيه ما يحدث. أحياناً أتصور سقوط مطر أو شباك يقع،
فيسألونني: كيف يمكن أن يحدث هذا؟ أنا أكتب ما يشبه خريطة الطريق أو
الاتجاهات الأساسية للفيلم، وعندما نكون في الموقع نبدأ كتابة جديدة لأن
أثناء التصوير ممكن تحدث أشياء كثيرة غير متوقعة، فإذا صورت كل شيء ممكن
الفيلم يضيع ويروح في كل الاتجاهات. مثلاً في «مارسيدس» السيارة تعطلت في
أحد المشاهد. عندما أخدناها على البحر مرضت ونحن تفاعلنا مع مرضها. فهناك
تحديد أولي أننا سنأخذها على البحر، فلو لم نأخذها الى البحر لما تم المشهد
كم حدث. فالتصوير بمثابة كتابة ثانية، ثم تأتي الكتابة الثالثة للمونتاج
وهي أروع كتابة عندي. قبل أن أبدأ المونتاج أقوم بعملية تنظيف لكل اللقطات،
وترتيبها مستعيناً بالسيناريو الأولي. أقوم بهدم القديم وتكوين بناء جديد.
بعدها أطلب من المونتير أن يساعدني في التخلص من الأشياء التي لا يكون عندي
الشجاعة كمخرج أن أتخلص منها، وذلك من أجل مصلحة الفيلم.
السينما وتغيير الواقع
·
أنت لا تُؤمن بأن في امكان
السينما تغيير الواقع؟
-
السينما لن تغير الواقع لكنها قادرة على جعلي أنا قادراً على
الصمود في وجه الواقع، ذلك الواقع القادر على تغييري، هنا تأتي السينما
وتجعلني لا أخضع للواقع ولا أتغير، فتساعدني في المقاومة والصمود.
·
ولماذا لم تفكر في أن تترك لبنان
حتى تتخلص من تلك الضغوط؟
-
لأنني أحب أن أكافح، وأحب عملي في السينما، فمناقشة الموضوعات
في أفلامي كأنني أنشر غسيلاً، وكأنني أسعد بتنظيف بعض هذا الغسيل، ويظل
هناك أمل في تحسن الأوضاع حتى لو كان أمل طفيف، أو في أن أمنح بعض الناس
الإحساس بأهميتهم وآدميتهم، حتى لو كان ذلك بالحكي عن الفيلم الوثائقي
وأهميته، حتى لو بتصوير المجتمع.
·
ربما أيضاً ما يمنعك من السفر هو
أن تلافيف ذاكرتك مشبعة بالتفاصيل اللبنانية، فعلى أي شيء سوف تعمل إن تركت
كل هذا؟
-
صحيح. هنا القضية والمنبع. ذاكرتي عن لبنان وفلسطين ثم تتسع
لتشمل الدول العربية. لكن لو سافرت سأفقد منبع الكنز، فهذا العالم الذي
أعيش فيه أخذت منه هويتي وانتمائي.
·
ماذا عن مشاريعك الحالية
والمقبلة؟
-
عندي اهتمامات بالسيرة الذاتية. هناك فيلم عن جدتي سأبدأه
العام المقبل، عندي فيلم أجهز له عن الهجرة والعودة إلى لبنان في
الثمانينات، وموضوع عن النكبة الفلسطينية، وكلها يتم تناولها عبر التاريخ
لمناقشة الموضوعات التي تهمني سواء كانت عن الطائفية أو الهوية. حالياً
أعمل على مشروع «كمال جنبلاط». هو مرحلة تاريخية تمتد على القرن العشرين،
فهناك حادث اغتياله شديد الحساسية، وعلاقته بالعلمانية والطائفية. هنا
أتذكر ما قاله أمين الريحاني سنة 1936: «الطائفية هي خيانة وطنية...»
ومشروع جنبلاط كان إقامة دولة علمانية متحررة من كل قيود الطائفية. مع فشل
هذا المشروع كان فتح إعادة تكوين كل المجتمعات الطائفية في لبنان، وكأن
نهاية جنبلاط كانت نهاية حلم. فالفيلم كأنه محاولة لإعادة إحياء حلم.
الحياة اللندنية في
02/08/2013
كيف ستقاوم السينما منافسة تحف الشاشة الصغيرة؟
أمستردام – محمد موسى
على رغم أن الممثل الأميركي الراحل جيمس غاندولفيني ظهر في حفنة من
الأفلام السينمائية، إلا أن الدور الذي تَصدر وهيمن على أخبار نعيه، وفحوى
المقالات الاستعادية لسيرته الفنيّة، والتي نشرت في الصحف والمواقع
السينمائية الغربية، بعد وفاته المفاجئة قبل أسابيع قليلة، كان دوره في
مسلسل «السوبرانوز» التلفزيوني (عرض بين عامي 1999 - 2007). لعب جيمس
غاندولفيني شخصية «توني سوبرانو»، رجل المافيا والعائلة المليء بالأضداد.
شخصية «البطل - الضد» هذه، تحولت وعلى رغم حداثة المسلسل إلى «أيقونة»
ثقافية واجتماعية شهيرة. بل إن المسلسل ذاته، أصبح علامة فارقة في
التلفزيون الأميركي والعالمي في العقد الأخير، وفاصلاً بين حقبتين، فهو
الذي سيُشار له عندما يجري الحديث عن المسلسل الأكثر تأثيراً، الذي غيّر
وجه التلفزيون الأميركي إلى الأبد، وهو العمل الذي كان على قمة موجة
المسلسلات التلفزيونية التي اقتربت من عالم السينما، من جهة القصص المقدمة،
والتركيبة التي تقترب كثيراً من البناء الفيلميّ، والجرأة الأسلوبية
والشكليّة التي تتضمنها هذه المسلسلات، والتي لم تكن شائعة على الإطلاق في
عالم التلفزيون.
إلى الشاشة الصغيرة
وحسبنا هنا أن نذكر كيف روى المخرج السينمائي البريطاني مايك فيجيز
(رُشح فيلمه «مغادرة لاس فيغاس» لجائزة الأوسكار للإخراج والسيناريو في عام
1996) لبرنامج «الصف الأول» الإذاعي الثقافي البريطاني، عن ذكريات عمله
المشترك مع جيمس غاندولفيني، عندما أخرج إحدى حلقات مسلسل «السوبرانوز»،
وأشاد بثقافة «غاندولفيني» السينمائية، واطلاعه على أكثر تيارات السينما
تجريبية. مايك فيجيز هو أحد المخرجيين السينما المعروفين الذين أخرجوا حلقة
أو حلقات معدودة من المسلسل. مخرجو السينما الفنيّة أو سينما المؤلف
ونجومها من الممثلين والممثلات، سيتوجهون منذ بداية هذه الألفية، بأعداد
غير مسبوقة إلى التلفزيون، ولم يَعد سؤال مثل: «مَن مِن المخرجين أو
الممثلين السينمائيين المعروفين يعملون في التلفزيون؟»، يُعبر عن واقع
الحال، ليكن السؤال الأصلح والأكثر واقعية: «أي من أسماء السينما المعروفة،
لم تعمل لحد الآن في التلفزيون؟».
ولفهم هذه الشعبية الجديدة القوية للتلفزيون، وبالخصوص في مجال إنتاج
الأفلام السينمائية المخصصة للعرض التلفزيوني، والمسلسلات المنجزة بالروح
السينمائية، يجب التعرف إلى النموذج الاقتصادي الذي يقدمه التلفزيون في
السنوات الأخيرة. فنجاح موجة المسلسلات الفنيّة على شاشات القنوات المنتجة،
جاء بالغالب متوافقاً مع نجاح مماثل لعرضها في دول عدة حول العالم، هذا مع
بيع، غير مسبوق شعبياً، لأسطوانات رقمية لهذه المسلسلات، إذ تحولت مشاهدة
المسلسلات عبر الأسطوانات الرقمية هذه، إلى طقس اجتماعي، يُشكل اليوم جزءاً
من تقاليد الفرجة المعاصرة. النجاح الاقتصادي يعود أيضاً إلى عائدات بيع
حقوق مشاهدة المسلسلات عبر خدمات «المشاهدة حسب الطلب»، المتوافرة عبر
القنوات التلفزيونية أو مواقع الإنترنيت. هذه النجاحات الاقتصادية، عندما
تقدم جنباً إلى جنب، مع مساحة للمؤلف في تطوير شخصياته وقصصه، وتوزيعها على
حلقات طويلة، والتي توفرها له القنوات المنتجة، مع حرية فنيّة، يصارع من
أجلها دائماً معظم مخرجي السينما، يُصبح من الصعب كثيراً رفض عروض
التلفزيون.
من الثرثرات الحوارية والصور النمطية التقليدية التي سادت المسلسلات
التلفزيونية لعقود، والتي كانت تتوجه في معظهما إلى جمهور من ربات بيوت (ما
زالت هذه الروحية هي الغالبة في معظم المسلسلات العربية)، إلى مشهديات
تلفزيونية جماليّة فريدة في مسلسلات من العقد الأخير، يبدو أن رحلة
التلفزيون قد وصلت إلى محطة جديدة، لكنها وكما يخبرنا تتبع مسار التلفزيون
في العقدين الآخرين، لن تسكن طويلاً، فهو، أي التلفزيون، تفاعل مع انتشار
الشاشات التلفزيونية الكبيرة الحجم، فقدم أعمالاً تناسب هذه الشاشات، كما
استجاب بدوره للمنافسة الحادة بين القنوات التلفزيونية ودخول الإنترنت،
فاتجه إلى صناعة أعمال تلفزيونية تخاطب جيل كان ينظر إلى التلفزيون
باحتقار، كوسيلة ترفيه «غبية»، لا تتفاعل مع متغيرات العصر وتعقيده. لكن
التفاعل والتأثر مع السينما، غيّر من أسلوبية كثير من المسلسلات
التلفزيونية، كما ساهمت التكنولوجيا الحديثة، في التقريب بين السينما
ومسلسلات التلفزيون الفنيّة، فالنوعان يصوران وينفذان بالكاميرات والمعدات
نفسها تقريباً، علاوة على أن الذين يخططون لهذه المسلسلات هم في معظمهم من
عالم السينما. والأهم من كل ذلك، هو الموازنات المخصصة لمسلسلات التلفزيون،
فمعدل تكاليف حلقة تلفزيون ية واحدة يزيد على ثلاثة ملايين دولار أميركي،
أي أكثر قليلاً عن معدل المبالغ المخصصة لإنتاج أفلام مستقلة في الولايات
المتحدة الأميركية وأوروبا.
تسهيل الانتقال
ليس تبادل المواقع من السينما إلى التلفزيون هي الظاهرة الفنيّة
الوحيدة في العقد الأخير، هناك هجرة معاكسة، تحدث من مخرجي التلفزيون، إلى
السينما، يُعد من أبرز أسمائها «ج.ج. أبرامز»، والذي لفت أنظار المخرج
الأميركي المعروف ستيفن سبيلبرغ، بموهبته عندما أخرج مسلسل الخيال العلمي
«ضياع» (عرض بين 2004 و 2010)، ليَسند إليه إخراج فيلم «سوبر 8»، وليتحول
في بضعة أعوام، إلى واحد من أشهر مخرجي سينما الخيال العلمي في العالم
(أخرج الجزء الأخير من سلسلة «ستار تريك» ويُقال إنه سيُخرج الجزء الجديد
من سلسلة «حرب النجوم»). والمؤكد أن تطور فئة مسلسلات الخيال العلمي، سيجعل
من اليسير التنقل بين السينما والتلفزيون في الأعوام الأخيرة، كما ستجعل
رصانة ومستوى مسلسلات التحري والجريمة التلفزيونية، الانتقال إلى السينما،
أمراً هيناً، ولا يشترط سنوات من الخبرات في صناعة هذه الفئة من الأفلام.
وإذا كانت سينما الاستديوات الكبيرة في هوليويود، والأفلام الضخمة
الإنتاج، لم تواجه المنافسة التلفزيونية الحادة في شكل كبير، فالحال تختلف
بالنسبة للسينما الفنيّة، وبالأخص الأميركية المستقلة، والتي تبدو أنها
مُقبلة على سنوات صعبة وغامضة. فالمسلسلات التلفزيونية الفنيّة من العقد
الأخير، باختلاف أنواعها وأساليبها، باتت قادرة على توفير بديل عن السينما،
إذ إنها تقدم فناً يثير أسئلة شائكة عن الحياة والعالم، وتطرح تحديات على
صعيد الصورة والشكل والبناء، كما أن التلفزيون وباجتذابه لأبرز أسماء
السينما الفنيّة، بات يستحوذ على وقت هؤلاء، ويُعطل مشاريع سينمائية لهم.
فالمخرجة النيوزلندية جين كامبيون (صاحبة أفلام: «بيانو» و «نجمة ساطعة»)،
مثلاً، والتي انضمّت أخيراً إلى قائمة المخرجين الذين اتجهوا للتلفزيون،
ستكون مرتبطة لفترة طويلة مع مسلسلها الجديد الرائع «أعلى البحيرة»، وستمر،
ربما سنوات، قبل أن نشاهد جديدها السينمائي.
شعبية مسلسلات التلفزيون الفنيّة في العقدين الأخريين، قادت إلى ظواهر
عدة، بعضها يرتبط بالسينما وبطقوس مشاهدتها، فبعض المسلسلات الناجحة تحولت
إلى أفلام سينمائية حصدت نجاحات شعبية وتجارية متفاوتة، لكن الظاهرة
الأبرز، هو عرض بعض حلقات المسلسلات الختامية في الصالات السينمائية.
فالحلقة الأخيرة من مسلسل «بريكينغ باد»، ستعرض في الهواء الطلق في لوس
أنجليس بعد شهرين. وإذا كان جمهور هذه العروض هو من قبيلة المعجبين الأشد
تطرفاً، إلا أن فعل المشاهدة الجماعيِّ نفسه، يشير إلى أهمية لا يمكن
تجاهلها لطقوس المشاهدة التي توفرها الصالة السينمائية.
نجحت السينما دائماً في التغلب على تحديات منافسة فنون أخرى، وقاومت
الأفول أو الانتهاء، فهناك من تبنأ بنهايتها بعد ظهور الراديو، وعانت
كثيراً من «التلفزيون»، واشتدت المعاناة، بعد شيوع أشرطة الفيديو، ثم بدا
أن الإنترنت والقرصنة سيقضيان عليها، لكنها حافظت كل مرة
على مكانة مهمة، كفن جماعيّ يخاطب جمهوراً واسعاً. لكن تحديّ
التلفزيون الأخير، بتقديم مُنتج يُشبه بنية السينما نفسها، وليس مختلفاً
عنها كثيراً، يُمثل لليوم، التحدي الأكبر للسينما، والذي ربما يقود إلى
نهاية السينما، كفن يقدم الأفلام، بالأطوال والبناء الذي نعرفه، كما من
الممكن اعتبار المسلسلات التلفزيونية الفنيّة التي تغزو شاشاتنا، تطوراً
طبيعياً لفن السينما، وأن أي نهاية أو تحوّل مقبل، والذي شَكل كابوساً لكل
عشاق السينما، ربما سيكون طبيعياً ومرضيّاً لكثيرين منا!
الحياة اللندنية في
02/08/2013 |