أحداث عدة ميزت العهد المنتهي في ايران قبل ايام للرئيس الإيراني
محمود أحمدي نجاد سينمائياً، لعل أكثرها شهرة الحكم الصادر بحق المخرج جعفر
بناهي. لكن ثمة أحداثاً أخرى أقل شهرة ونتائجها أكثر تأثيراً على الوضع
الذي آلت إليه السينما الإيرانية وقد يكون أهمها قرار إغلاق نقابة
السينمائيين «دار السينما» في طهران.
كان بناهي قد أعتقل في آذار (مارس) 2010 لمدة ثلاثة أشهر لاتهامه
بالمشاركة في «تجمعات مناهضة للنظام والدعاية ضده» كما لتنفيذه سراً فيلماً
عن الاحتجاجات الشعبية التي رافقت إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية
الإيرانية 2009. صدر الحكم النهائي نهاية العام بمنعه من العمل وإجراء
المقابلات الصحفية لمدة عشرين عاماً. بيد أنه احتفظ بحرية الحركة في
مدينته. فالوضع السياسي في إيران أعقد من أن يتم تحديد المسؤول (على الأقل
سينمائياً) ببساطة، حيث ان السلطة التنفيذية ممثلة باسفنديار رحيم مشائي
مدير مكتب الرئيس الإيراني سعت للتمايز عن السلطة القضائية التي أصدرت
الحكم. وصرح مشائي بأنه «لا يقاسم قضاء بلده الرأي في منع بناهي من العمل
لمدة طويلة»، وأكدَ أن لرئيس الجمهورية الموقف نفسه: «السيد بناهي أوقف من
قبل السلطة القضائية ولم يكن هذا بتعليمات من رئيس الجمهورية ولا الحكومة».
أما المنع فيثير علامات استفهام عدة، إذ تمكَن صاحب «هذا ليس بفيلم» من
تنفيذ فيلمين هو بطلهما خلال أقل من ثلاثة أعوام وتمَ تسريبهما للعرض في
المهرجانات الدولية التي تتلقف بحماسة شديدة كل ما يصدر عن هذا المخرج
المعارض لنظام الملالي.
منعطف
ويمكن القول إن احداث ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009
شكلت منعطفاً في تاريخ السينما الإيرانية، فقد فرضت أسلوباً جديداً في
التعامل ما بين المسؤولين والسينمائيين. وتم تصنيف البعض من العاملين في
السينما بعد تأييدهم لمرشح الإصلاحيين في خانة «المعارضين»، تمييزاً لهم
عن» الموالين» الذين يحظون بمعاملة مختلفة. وعلى سبيل المثال لا الحصر جرى
التقييد على فاطمة معتمد آريا بعد انتخابات 2009 بعد أن جهرت بتأييدها
لموسوي ولبست الاسوارة الخضراء في مهرجان كان، وتوالت عليها المضايقات
فمنعت فترة من السفر، ثم ومنذ أكثر من عامين، لا يسمح لها بالظهور «الفني»
من دون أن يكون هناك «قانون» ما يمنعها من التمثيل، إنما أفلامها لا تعرض
بحكم «عرف» ما. وتصف تلك الممثلة الملتزمة وضع السينما الإيرانية بالصعب
لأنها «تعيش ظروفاً غير طبيعية وتحاول فقط البقاء على قيد الحياة».
بعد فترة مزدهرة عاشتها السينما الإيرانية في عهد الرئيس خاتمي (رغم
الرقابة)، استقبل السينمائيون وصول أحمدي نجاد إلى الحكم وبالتالي
المحافظين بشيء من الحذر، واتسمت علاقتهم مع السلطة في الفترة الأولى من
حكم أحمدي نجاد بنوع من البرود. كان كل طرف يقبل بالآخر على مضض ويعترف
بوجوده مرغماً. وبدا في فترة الحكم الثانية لأحمدي نجاد أن العلاقة بين
الجهتين تتجه نحو القطيعة. واستقبلها ستة وأربعون من كبار مخرجي السينما
المستقلة في إيران، ومنهم كياروستامي وفرهادي وبيضائي وبني اعتماد،
بالتعبير عن قلقهم لما آلت إليه أحوال هذه السينما التي صنعت شهرة السينما
الإيرانية عالمياً، واستنكروا في رسالة جماعية ظروف العرض السيئة لأفلامهم
وما تعانيه من رقابة ومنع متزايد. وقد تفاوتت المواقف المعلنة من المسؤولين.
ففيما أوعز معاون وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي للشؤون السينمائية جواد
شمقدري بعقد اجتماع مع ممثلين عن موقّعي الرسالة لبحث «هموم هؤلاء المخرجين
المتميزين»، التي قصرها على الفيلم المستقل «ذو الحظوظ القليلة بالنجاح»
متغاضياً بذلك عن المنع والرقابة، وصف مدير مكتب التحقق من الأفلام
الرسالة» بالدعائية» بسبب توقيتها.
مؤشر
وكانت السنة التالية للانتخابات مؤشراً لما سيؤول إليه وضع السينما
الإيرانية. فمن توقيف المخرجين جعفر بناهي ومحمد رسولوف، ومقاطعة مهرجان
فجر (شباط 2010) من قبل العديد من السينمائيين الإيرانيين بسبب مواقف
الحكومة من المعارضة، مروراً بتصريحات كياروستامي المتعددة حول عدم رغبته
في صنع أفلام في إيران لأنه لا يرغب بلقاء مسؤولي السينما الإيرانية الذين
يأملون باختفاء السينما المستقلة في إيران، ووصولاً لهجرة آخرين لعدم
تمكنهم من العمل بحرية (وإن نسبية) في إيران مثل بهمن قبادي... بدا المسار
صعباً.
ونتيجة لازدياد الرقابة والمحظورات، بدأت مشاركة المخرجين المستقلين
والمعروفين عالمياً تقل تدريجياً في مهرجان «فجر» الذي يخصص مسابقة للسينما
الوطنية، كما انتشرت ظاهرة التصوير من دون الحصول على تصريح رسمي (مانيا
أكبري، سامان سالور...) أو تعديل السيناريو الموافق عليه (رضا سركانيان،
محمود غفاري..)، أو التوقف نهائياً عن صنع الأفلام في إيران بسبب عدم
«توافر الأمان المهني»... وباتت المضايقات تلاحق حتى المخرجين الذين كانوا
حظوا إلى ذلك الوقت بالرضى الرسمي، فسحب مثلاً تصريح العمل من المخرج أصغر
فرهادي أثناء تصويره «انفصال نادر وسيمين»، بعد أن ألقى كلمة قصيرة في عيد
«دار السينما» (ايلول 2010) تمنى فيها بأن يكون بناهي ورسولوف (في الإقامة
الجبرية حينها) حاضرين للاحتفال في العام التالي، ما أثار غضب المسؤولين في
وزارة الثقافة.
واعتبرت «دار السينما»، وهي هيئة مستقلة تضم السينمائيين الإيرانيين
بمختلف مؤهلاتهم، مكاناً لتجمع المناهضين للسلطة بسبب هذا النوع من
الاجتماعات والمواقف. وقرر النظام الإيراني الذي اتهم بالتحكم بالأحزاب
والصحف وكافة أنواع الفنون والناس، فرض رقابته على «دار السينما». وقد قامت
وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي بحلَها في بداية 2012 بأمر من وزير
الثقافة وذلك بسبب «مواقفها المنتقدة للرئيس». وكان شمقدري معاون الوزير
لشؤون السينما قد اتهم الهيئة بإثارة المشاكل مع القسم السينمائي في
الوزارة، وبدعوتها السينمائيين لمقاطعة مهرجان فجر الأخير سواء بالحضور أم
بأفلامهم. تماماً كما حدث بعد الانتخابات الثانية مباشرة، كما أخذ معاون
الوزير على الدار عدم الاعتراف بالمجلس الأعلى للسينما الذي يرأسه أحمدي
نجاد والذي قام بتشكيله. وقد بادر معاون الوزير بإنشاء هيئة أخرى بدلاً من
«دار السينما» مؤلفة من مؤيدين للحكومة، ودعا إلى وضع محتويات المبنى
القديم تحت تصرف النقابة الجديدة وهو ما أثار حفيظة السينمائيين الإيرانيين
الذين تجمعوا أخيراً في طهران أمام مبنى دار السينما وطالبوا بإعادة فتحها.
فالدار، التي تنظم عمل السينمائيين الإيرانيين، تعتبر بحق أهم تجمع يرعى
حقوقهم ويساعدهم في إنتاج الأفلام.
زيادة انتاج
ولكن على رغم كل ما سبق، لم ينخفض الإنتاج السينمائي السنوي بل على
العكس، إذ بات يقارب المئتي فيلم بعد أن كان حوالى المئة في الفترة الأولى.
لكن البعض يضع الكثير من الأفلام المنتجة في خانة «الدعاية للحكومة وللنظام
الإسلامي» من نوع الأفلام التاريخية وأفلام الدفاع المقدس وأفلام الأنبياء،
كما في فئة الأفلام التجارية الهزلية التي تحظى بموافقة فورية من الرقابة.
أما آخر منجزات المعاون (السابق) لوزير الثقافة لشؤون السينما جواد
شمقدري فكانت طلبه من مدير متحف السينما في طهران ازالة القسم المخصص
للمخرج الإيراني محسن مخملباف المقيم في لندن، وذلك اعتراضاً على مشاركة
هذا الاخير في مهرجان القدس للفيلم وعرض فيلمه «الحارس» في المركز العالمي
للبهائية (الممنوعة في إيران) في حيفا. مخملباف الثوري السابق الذي انقلب
على الثورة الإسلامية بعد أن كان مؤمناً بها، أخرج أكثر من عشرين فيلماً
وغادر إيران عام 2005 قليلاً بعد وصول أحمدي نجاد للحكم.
هذا الخلط بين «تاريخ السينما الإيرانية» وبين «السياسة» لم يرق
بالطبع لسينمائيين إيرانيين ومنهم المخرج فريدون جيراني الذي كتب في رسالة
مفتوحة لشمقدري يقول: «ان ازالة كل هذه المتعلقات لن يقود ابداً إلى ازالة
اسمه (مخملباف) وجوائزه من التاريخ المكتوب».
ثمة ترقب اليوم في طهران انتظاراً لقرارات المسؤولين الجدد عن
السينما، لا سيما من قبل هؤلاء الذين قدموا تلك السينما التي تلمس مستويات
عالية من الفن والشعور الإنساني.
الحياة اللندنية في
09/08/2013
«المول»
يُرجع السينما إلى بغداد...
وصالات العرض التاريخيّة «مغلقةٌ» للبضائع
بغداد – علي السراي
كان السينمائيون العراقيون، والمهتمون بالفن السابع، يُقرّعون المؤسسة
الرسمية على إهمالها صالات العرض في بغداد، العاصمة، والمحافظات. وذلك لأن
عدداً كبيراً منها تحوّل، في نهاية المطاف، إلى مخازن تجارية، ومكاتب شركات
محلية وأجنبية. أما ما بقي على قيد العمل، فمتهالك يعرض أفلام «بورنو»
قديمة. من هنا، فإن الصحافة المحلية بذلت الكثير للضغط على وزارة الثقافة،
ودوائر البلدية، لإحياء تلك الدور، لكن أعمال العنف أرجأت استئناف الحياة
فيها، ولما استقر الوضع الأمني، نسبياً، في عام 2008، صرف القطاع الخاص
أموالاً طائلةً لافتتاح الصالات، محالَّ ومخازن تجارية.
وفي الوقت نفسه لم تجد دعوات النخبة الثقافية في البلاد، لإعادة
الحياة إلى الثقافة السينمائية، واكتشاف جمهور الفن السابع من جديد، من
يسمع. حتى إن محاولات فهم حاجة ذلك الجمهور إلى أي نوع من الأفلام كانت شبه
غائبة.
العراقيون الذين يتحدثون عن صالات السينما، وعصرها الذهبي هم في
الغالب تعرفوا إلى ذلك الحضور المهم في سبعينات القرن الماضي. وقد لا نكون
هنا في حاجة إلى أن نذكر أن ذاكرة الأشخاص بالنسبة لهذه الأمكنة تتعلق
دائماً بمناخ منفتح وعروض سينمائية محلية وعالمية وفرجة أنيقة عائلية في
أحيان كثيرة.
لكن الأجيال اللاحقة تعرفت إلى الصالات بصفتها أمكنة لتفريغ الكبت
الجنسي، فمنذ أن بدأت الحرب العراقية - الإيرانية، مروراً بالحصار
الاقتصادي في التسعينات، كانت الصالات مركزاً جاذباً للمراهقين الباحثين عن
أفلام الـ «بلاي بوي»، بينما تنكفئ الأسرة إلى المنزل.
شارع الرشيد كان يحفل بصالات «الوطني»، «السنترال»، «روكسي»، «علاء
الدين»، «الزوراء» و«الرشيد». وفي شارع السعدون، كانت هناك، أيضاً، صالات
معروفة، ومنها «بابل»، «النصر»، «سميراميس»، «النجوم»، «أطلس» و
«السندباد». وفي مركز العاصمة التجاري، الباب الشرقي، تمركزت صالات
«غرناطة»، «ميامي» و «الحمراء» المتجاورتين، وإلى خلفهما صالتا «الرصافي» و
«شهرزاد». وفي أحياء بغداد الأخرى، كانت هناك صالات قريبة من المناطق
السكينة، كما في صالة «البيضاء»، وفي مدينة الصدر كانت هناك صالتا «علاء
الدين» و «الرافدين» المغلقتان حالياً.
ثم أتت سنوات ما بعد عام 2003 لتشهد ازدهار المخازن التجارية ولكن، في
المباني والأماكن نفسها التي اعتادت أن تشغلها دور السينما القديمة.
واللافت أن التجار لم يغيروا شيئاً من شكل الصالات وواجهاتها في بغداد، بل
كدسوا بضائعهم فيها كما هي، وعلقوا على بواباتها إعلانات ضوئية تروج لمصالح
تجارية.
أما بالنسبة إلى ما تبقى من صالات لم تفقد فقط بريقها وجمالها، بل
فقدت كذلك سمعتها الأخلاقية، فقد ظهر فيها فجأةً جمهور مختلف للسينما.
ولكن، سرعان ما حدث تطور لا يخلو من الأهمية. ففي الوقت الذي ارتفعت
الأصوات بالشكوى من هذا الموت المرعب للفرجة السينمائية كان موظفون كبار
يحتفلون في حي المنصور، وسط بغداد، بافتتاح مول كبير في الحي. وكانت
المفاجأة حين راح مدير إداري في المول، يشرح للصحافيين، وبعض رجال الأعمال
الذين تجمعوا في الحفل، المميزات التي حاز عليها المجمع التجاري الجديد،
مهتماً كثيراً بالحديث عن صالة للسينما. أكد افتتاحها في المول مضيفاً أنها
مجهزة بمعدات حديثة.
وكانت تلك إشارة نبهت إلى أن تلك الصالة ليست الوحيدة اليوم في العراق
إذ مثل ثمة العشرات التي بدأت تظهر في بغداد، ومدن إقليم كردستان العراق،
ويبدو أن مستثمرين اكتشفوا، أخيراً، أن السينما تدر أموالاً طائلة، بعد أن
كان العمل في هذا القطاع يثير التردد، لأسباب عدة، من بينها قلة الخبرة.
مع هذا، فإن «صالة السينما العراقية» ربما تكون أول دار عرض حديثة
بالمواصفات العالمية وذات أناقة، تشاد وتفتتح في بغداد، وهي انطلاقاً من
هذا بدأت من فورها تجذب جمهوراً من الشباب والبنات، على غير العادة، وبعد
سنوات من الاضطراب السياسي والاجتماعي.
وفي المقابل يمكن أن نقول اليوم إن ثمة بالأحرى مشهد صالة سينمائية
نضج متأخراً في بغداد، بالنسبة لأربيل، عاصمة إقليم كردستان. فتجربة
الاستثمار وانتشار المولات، كانت في المنطقة الكردية أبكر من غيرها.
لكن ما يلفت الانتباه في الصالات الجديدة، ليس المعدات المتطورة، أو
مواكبتها الأفلام الحديثة، وحسب، بل إنها تمكنت، إلى حد ما، من جعل
العائلات العراقية تحضر أفلاماً خارج المنزل. إذ خلال السنوات السابقة كان
من المحال أن تشاهد امرأة تقطع تذكرةً في صالة سينما وسط بغداد. هذه
الأمكنة، منذ حوالى عقدين كانت تحولت إلى مكان لجذب المراهقين و «الزعران»
من كل الأنواع الذين يرتادونها لغايات لا علاقة لها بالعروض السينمائية على
الإطلاق. مع هذا، نعرف أنه إذا كانت الصالات قد اختفت على هذا النحو فإن
السينما والأفلام لم تختفيا، حيث منذ ذلك الوقت، راح العراقيون يكتفون
بحضور الأفلام العربية والأجنبية في منازلهم، وعلى غرار هذا التحول نشط
كثيرون في تجارة أقراص الـ «دي في دي».
أما الآن، فمن الواضح أن توافر الصالات السينمائية في بغداد وكردستان،
يمكن اعتباره فرصة ذهبية لعشاق الفن السابع لاكتشاف جمهور السينما من جديد.
خصوصاً بعد أن بات كثير من النقاد والمراقبين في البلاد يرون أن مثل
الجمهور اختفى بسبب أعمال العنف والقلق، من استهداف المتطرفين.
مع ذلك، ثمة من يعترض على إعادة الحياة للسينما، في بيئة استهلاكية،
تضيع فيها تقاليد الفن السابع، كما هي الحال في «المولات».
لكن مجرد عودة الجمهور إلى طقوس المشاهدة، يعد بمنزلة درس لتقاعس
المؤسسة الرسمية في حماية دور العرض التاريخية في بغداد، بذريعة أن سكانها
لا يكترثون للسينما بسبب أوضاع البلاد المضطربة.
الحياة اللندنية في
09/08/2013
في «دمعة رجل» الفنان يصنع نجوميته
بغداد - عبد العليم البناء
من المؤكد أن دنيا حافظ القباني تشكل إضافة جديدة إلى المخرجات
السينمائيات في العراق، هؤلاء اللواتي لا يزيد عددهن على أصابع اليد
الواحدة، فإذا كانت خيرية المنصور، أول مخرجة سينمائية عراقية، قد كرست
وجودها بإخراج عدد من الأفلام الروائية والقصيرة والوثائقية المثيرة للجدل،
فإن دنيا حافظ القباني تواصل مشوارها بدأب ومثابرة منذ ولوجها عالم السينما
دراسةً وعملاً ميدانياً مباشراً، عبر ممارستها مختلف الاختصاصات
السينمائية، ومع نخبة من أبرز المخرجين السينمائيين في العراق، لتصبح واحدة
من مخرجات السينما المعروفات، فضلاً عن أنها عاشت وسط أسرة إعلامية معروفة،
ضمت اثنين من أهم مذيعي العراق وأبرزهم، والدها الراحل حافظ القباني
ووالدتها أمل القباني... وأخرجت أفلاماً عدة، بينها: «إعلامي من وطني» و «بيتى
على موقع غوغل» و «براءة اختراع» و «فرسان النداء»، فضلاً عن كتابة
سيناريوهات روائية قصيرة وطويلة...
والقباني انتهت مؤخراً من إخراج فيلمها الروائي القصير «دمعة رجل»،
الذي جاء ضمن سلسلة أفلام بغداد عاصمة للثقافة العربية 2013، ومعها كان هذا
الحوار:
·
فيلمك يدور حول رجل، وكان
المتوقع وأنت امرأة من بين رهط المخرجين العراقيين الذكور، أن تتناولي
موضوعة تخص المرأة تحديداً؟
–
نعم، العنوان يدور حول رجل، وهذا يعني أن اهتمامي لا ينصبّ فقط
على مواضيع المرأة ، بل أنا أُعنى بالاثنين، فهما محط اهتمامي كونهما
بشراً، وكل له أوجاعه، وأنظر إليه من زاوية يتم التركيز عليها، وفق
الموضوع، وبالتالي يكون العمل رسالة إنسانية للمجتمع..
·
إذا كان الأمر كذلك، فما الذي
يميز قصة وسيناريو فيلم «دمعة رجل» عن باقي أفلامك؟
-
ما يميزه، وفق اعتقادي، هو آلية اشتغال السرد الحكائي، وأترك
التقييم للمتلقي، ومستوى وعيه السينمائي، أو لمزاجيته في التلقي. لكن من
موقعي ككاتبة نص ومخرجة، أستطيع القول إني استفدت من أساسي التنظيري في
تفعيل النص، كمسرد حكائي مقبول على مستوى البنية الصورية.
بعيداً من الأسوار المغلقة
·
على ماذا تراهن دنيا القباني وهي
تغادر أسوار الستوديوهات المغلقة إلى البيئة والأماكن الطبيعية؟
-
الموضوع يتخطى المراهنة، وذلك لافتقارنا إلى الاستوديوهات
الفنية ذات المواصفات التقنية المتكاملة، فالبيئة التي اخترتها جاءت هنا
عينةً داعمة لشخصيات النص التي تنحدر من بيئة معينة، كون المواضيع مرتبطة
ارتباطاً كلياً بالمكان وحدثه..
·
في ضوء خياراتك على صعيد
الممثلين، لم ألحظ وجود نجوم، بل كان الجميع من ذوي التأثير المحدود حتى في
الدراما التلفزيونية، مع انعدام أي تجربة سينمائية لأي منهم.
-
أنا بطبيعتي لا أحب الحلول الجاهزة، بل أحب البحث عن النجوم
البعيدة التي تتلألأ ولها حيز فضائى!!… فالمخرج يمتلك أدوات عدة للتعبير عن
نتاجه الفني، من خلال تسخيرها تقنياً وفنياً، ومن أهم أدواته الممثل،
وبإمكان المخرج الاختيار وتطويع النجم أو غير النجم لمفهومه، وفق مفردات
النص. والنجم -بتقديري- هو من يحقق مفهوم النجومية من خلال مهارته بأبسط
المساحات، وبتعبير أدق هو من يصنع نجوميته من خلال أدائه، حتى لو كان ظهوره
على الشاشة لثوانٍ، فضلاً عن عدم وجود مؤسسات تقوم بصناعة النجم في بلدنا،
كما هو معروف في البلدان المتقدمة بصناعة السينما، وللأسف لدينا طاقات
كثيرة، وشخصيات متميزة، لكننا نفتقر لهذا النوع من المؤسسات!
·
في ضوء ذلك كله، ما التحديات
التي واجهتها دنيا القباني وهي تخوض تجربة صياغة «دمعة رجل»؟
-
لا تحديات تذكر غير ظروف العمل، التي يتعرض لها أي فرد يعمل في
هذا الميدان.
·
إذا كان الأمر كذلك فماذا عن
تحديات ربما أفرزتها «سطوة الرجال» على معظم مراحل العمل السينمائي في
العراق؟
ليست قضية أجناس
-
الموضوع ليس موضوع تحديات، وسطوات، ومواجهات.. أنا في صدد عمل
فني بحت، ولم أنو الدخول في حرب..
·
إذا عدنا إلى الفيلم على ماذا
تراهنين؟ وما الرسالة التي ينطوي عليها فيلمك أو تريدين إيصالها؟
-
أعتقد أن الموضوع يتعلق بطبيعة المرأة وانشغالاتها والظروف
التي تقع على الإنسان، وهي كفيلة بتحديد ماهيته ومكانته عملياً واجتماعياً.
هناك أناس يختارون أعمالهم على وفق ما يتوافر لهم من ظروف مساندة، فيقدمون
ويبدعون ويستمرون أو يتوقفون عن العطاء. وهذا ليس محصوراً بالرجال أو
النساء، بل هي اختيارات، وقرارات، وظروف تتحكم بالإنسان، والتي ينحدر منها
الفنان...
·
وكيف تنظرين إلى دعم وزارة
الثقافة للإنتاج السينمائي بالتزامن مع مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية
عام 2013؟ وهل سيحقق هذا لوحده عودة الروح للسينما العراقية؟
-
أعتقد أنه اللبنة الأولى لأساس متين البناء على المستوى
الثقافي في حال الإصرار على استمراره وجعله ضرورة..
الحياة اللندنية في
09/08/2013
مي المصري تبدأ تصوير روائيّها الأول «3000 يوم» في الأردن
بيروت - «الحياة»
بعد سنوات، طالت أكثر مما يجب، من العمل التحضيري الذي تزامنت فيه
كتابة السيناريو مع تدبير شؤون الإنتاج، وإمكاناته، بدأ مشروع الفيلم
الروائي الطويل الأول للمخرجة الفلسطينية مي المصري، يتبلور بصورة عملية
أخيراً. فالفكرة التي ولدت لدى صاحبة «جبل النار» و«أطفال شاتيلا» خلال
أواسط العقد السابق، وفحواها تحقيق فيلم روائي طويل أول من كتابتها
وإخراجها وإنتاجها، بعدما كان متنها السينمائي الأساسي متناً وثائقياً، هذه
الفكرة سترى النور خلال بدايات العام المقبل بعد أن قررت المصري البدء في
تصوير المشاهد الأولى للفيلم في العاصمة الأردنية عمان بدءاً من شهر آذار
(مارس) 2014 حيث سيستغرق التصوير الأردني أسابيع عدة يتم خلالها إنجاز
المشاهد الداخلية.
وهي المشاهد التي تدور في غالبيتها العظمى داخل سجن من المفروض أنه
يقع داخل فلسطين المحتلة. وإلى هذا ستصور مي المصري، بقية مشاهد الفيلم،
ومعظمها خارجي، في مناطق متعددة من الداخل الفلسطيني.
يحمل الفيلم عنواناً ربما يكون موقتاً هو «3000 يوم» والعنوان هو
إشارة إلى فترة سجن تمضيها مناضلة فلسطينية داخل معتقل إسرائيلي بعد أن
يقبض عليها وهي حامل بطفلها الأول. لكن حملها لا يشفع لها عند السلطات
الإسرائيلية.
ولا يشفع لها الوضع كذلك، إذ إنها - وهذه هي الحبكة الأساس في الفيلم
- تضع وليدها داخل الزنزانة لتجبرها الظروف إثر ذلك على أن تبقيه معها هناك
بصفته «أصغر أسير فلسطيني».
وطبعاً لن نستطرد هنا في تفصيل حكاية الفيلم وأحداثه المتتالية ولكن،
نذكر أن صاحبته قد استندت في كتابته إلى حادثة حقيقية فوجدت الفرصة أمامها
سانحة للانتقال من هواها السينمائي المتأصّل لديها في تحقيق الأفلام
الوثائقية إلى خوض غمار السينما الروائية ولكن، كما تؤكد «في منظور لا
يبتعد ميلمتراً واحداً عن سينما الواقع والحقيقة».
ويعرف متتبعو سينما مي المصري على أية حال أنها حتى في سينماها
الوثائقية التي كانت حققتها بإبداع استثنائي خلال العقدين الأخيرين - أولاً
مع زوجها المخرج اللبناني المعروف جان شمعون، ثم وحدها ليعمل هو معها
منتجاً كما تتولى هي في المقابل إنتاج أفلامه الخاصة - حتى في أفلامها تلك
كان «المزاج السينمائي» لدى المصري، ولا سيما في تعاملها مع الأشخاص الذين
تختار تصويرهم في أفلامها، مزاجاً لا يبتعد كثيراً عن مزاج السينما
الروائية. من هنا، كان متوقعاً، بل بدهياً أيضاً بالنسبة إلى متتبعي هذه
السينما أن تصل المخرجة إلى السينما الروائية الخالصة ذات يوم وها هي فعلت
أخيراً.
بقي أن نذكر أن هذا المشروع الذي شاركت فيه صاحبته، طوال السنوات
الماضية في الكثير من ورش العمل، لا سيما في إحدى ورش دورات مهرجان «كان»
السينمائي في الجنوب الفرنسي قبل سنوات، نال دعماً إنتاجياً من أطراف عربية
ودولية متعددة، وكان آخرها الدعم الذي ناله من جانب الهيئة الملكية للأفلام
في الأردن حيث كان في مقدمة ثمانية مشاريع اختارها محكمون انتدبتهم الهيئة
لذلك لينال دعماً ارتبط على أية حال بتصوير معظم مشاهد الفيلم في الأردن.
الحياة اللندنية في
09/08/2013
الكاتب في السينما على خطى خ.ل. بورخيس
الدار البيضاء – مبارك حسني
لا تتحقق الكتابة في عالم الفن السابع وحوله انطلاقاً من موقف نقدي
مسبق. قبل التحقق هنا، تتوجب الكتابة أصلاً بما هي قدرة على التعبير، وهي
إبداعية بالضرورة بما أنها تخضع لقواعد كتابة، وإلا لما كان النص الخلاق
وُجد عيانياً. هنا على الورقة الخام (الرخيصة الثمن) وهناك على الشريط
الخام (الغالي الثمن)، وما نصطلح عليه بالناقد ليس إلا صفة من الصفات،
وجهاً من أوجه التحقق، فمن يكتب بخصوص الفن السابع كاتب فرضاً، أي متوافراً
على قابلية تصوير الأشياء بالحروف والجمل وقولبتها في سياق «سردي»، في الحد
الأدنى كتوصيف وبناء يرومان خلاصةً ما جامعة مُنهية لطرحٍ ما، ومفتوحة في
الآن نفسه على التأويلات المتعددة كما قابلة كي تشد قارئها شداً، تماماً
مثل أي نص إبداعي، قصة على الخصوص.
كل الفنون حين تتم الكتابة عنها وحولها تتطلب وجود هذا المعطى، كي
يكتمل النص وكي يتجسد هذا الفن مكتوباً. والسينما بما أنها جُماع فنون
سابقة عليها، تُجلي ذلك بوضوح تام، لأنها تجعل هذه الفنون موجودة عن قرب
ومحايثة، مستدعية للاختراق والمشاركة، فعالة بعنصر من عناصرها المميزة لها.
وحين تتجسد الكتابة عنها، بخاصة في قراءة شريط معين، يجد الكاتب نفسه،
يستدعيها بدوره في ما يدبجه، بالضرورة وليس بالاختيار. وإلا لكان نصه
ناقصاً، غير مكتمل الصياغة، ومحدود الأثر، هذا إن لم تعقه عناصر الابتداء
الواجب.
من هنا، الطرح الأساسي الذي يقول إن الذي يكتب باستمرار وبتواتر في
المجال الإبداعي الصوري المتحرك، في مستواه الفني الرفيع، لا بد أن يكون
مبدعاً قبل أي شيء. وليس غريباً هنا أن جل النقاد قصاصون وروائيون ورواد في
الكتابة الأدبية إلى جانب تعاطيهم الكتابة في مجال السينما. فهذه تظهر
مجالاً لتتحقق الكتابة هذه قبل أن تكون نصاً على نص إبداعي هو الفيلم، أي
أنها كوكب للتوظيف والاستغلال في مجال أرحب هو كون الكتابة اللامتناهي. وفي
هذا المقام يحضر الكاتب العملاق خورخي لويس بورخيس الذي نستشهد به في تعضيد
كلامنا. فهو كان يكتب باستمرار في الثلاثينات والأربعينات عن أفلام زمانه
كـ «المواطن كين» لأورسون ويلز و «كينغ كونغ» وأفلام تشارلي تشابلن
الشهيرة. وحين سُئل ذات يوم عن كيفية مراودته القلم برؤى جريئة حول هذه
الأفلام، أجاب بسخرية معهودة قائلاً إنه قرأ كل شيء ورأى كل شيء، من الأتفه
إلى الأروع. وهذا هو في الواقع الجواب ذاته الذي نجده متفرقاً حين يتحدث عن
روائعه الأدبية. ولا يمكننا إلا أن نستشف أن صاحب «المتاهة» و«الواحد
المتعدد والمضاعف» و«الزمن المتوقف الخالد»... وجد في الفن السابع التجسيد
القريب الموازي الصارخ لكل هذه الثيمات المدهشة. بالتالي كان طبيعياً
وعادياً أن يقارب هذا الفن الجديد في زمانه هو السابق على كل الأزمنة عبر
الكتابة. نظن أن وجود شخص كهذا في المجالين معاً دليل جميل ومفحم. وللتدليل
أكثر نورد ما قاله بصدده صديقه الأديب الكبير الأرجنتيني الآخر، أدولفو بوي
كازاراريس: «في ذلك الزمن، كنا نتحدث كثيراً أنا وهو عن الكتب والأفلام، مع
التركيز على النسج الحكائي والحبكات في الروايات والأفلام وحتى في القصائد
الشعرية. لقد كان السينماتوغراف دوماً فناً مهماً لديه، وأفترض أنه لو كان
بإمكانه وضع لائحة تضم الروائع التي أثرت فيه بعمق، لأورد بالتأكيد عدداً
لا بأس به من الأعمال السينمائية».
الفيلم الحقيقي
طبعاً، حديثنا هنا، بعد كل المشاهدات الفيلمية الممكنة، يتعلق بالفيلم
الإبداعي الحقيقي الذي يخرجه مؤلفون سينمائيون لا مخرجون تقنيون بلا معرفة
ولا تصور ولا أفق خلاق يلوح لهم كلما هموا ببناء عالم تخييلي صوري متحرك.
مخرجون مبدعون نجد في ما أخرجوه سينما تتعالق مع الكتابة في بوتقة حداثة
بورخيسية بامتياز، بما أنها تروم الشكل والمضمون، عبر الحاملين الرئيسين
اللذين هما النص والذات. مثلاً، تاركوفسكي ليس هو أياً كان من حاملي العدسة
في «طفولة إيفان»، أو يسري نصرالله في رائعته «مرسيدس» أو إنغمار برغمان في
كل أعماله الاستبطانية النفسية الغائرة في هواجس النفس، أو كيروساوا في «ديرسو
أوزالا» وأورسون ويلز في «سيدة شنغهاي» وفي إعادة قراءتهم روائعَ شكسبير أو...
فالذي يكتب في السينما وعن الأفلام، لا يأتي من فراغ معرفي وإبداعي،
ولا من أرض تقنوية سطحية. لهذا السبب بالذات، هو ليس ناقداً بمعناه الذي
يجعله تابعاً، خانعاً، ينتظر السيد المخرج، كما يحدث في عالمنا العربي
المبتلي باستيهامات لا قبل لها في الفن من طرف من يدعون أنهم صانعو صور
وحكايا بلا روح ولا تصور ولا أفق، ينتظره كي «يُخرج» علبة سلولويد أو شريط
«دي في دي» كي يشحذ أدواته... لا، هو أفضل وأكبر من أن يلتزم ركناً قصياً
في قاعة الانتظار كي يكتب... هو يكتب لأن الابتلاء الأصلي أتى وترعرع ونما
أدبياً وكتابياً بالموازاة مع الولوج المتكرر للقاعات المظلمة في زمنها
الذهبي العربي قبل أن تندثر أو تتحول إلى مراتع فارغة.
لا يكتب إلا كاتب. هي الحقيقة الأزلية البسيطة، خصوصاً حين يلتقي
الناقد والقاص في الشخص نفسه، الناقد والأديب كما هي حال النقاد العرب
المعروفين منذ عقود طويلة.
الحياة اللندنية في
09/08/2013
موسم مزدحم بالمهرجانات الكبرى
مهرجان القاهرة يدخل مرحلة جديدة بإدارة واعدة
دبي: محمد رُضا
هناك حركة مثيرة للترقب تصاحب مهرجان القاهرة السينمائي الدولي كل سنة
حتى من قبل شرارة «ثورة الربيع» قبل عامين. هذه الأزمة سماها: من يدير
المهرجان المصري الأول الذي بدأ سنة 2009 مثل مركب فوق عاصفة بحرية زادت
رياحها سنة 2010 ثم ارتفعت أكثر وأكثر في كل عام منذ ذلك الحين. اليوم تصل
الأخبار أن إدارة المهرجان رست، بعد تداول طويل، على الناقد والمعلق
السينمائي سمير فريد الذي قبل المهمة على الرغم من المدة القصيرة المتبقاة
على إطلاق الدورة في نهايات شهر نوفمبر (تشرين الثاني) وبداية ديسمبر
(كانون الأول) من هذا العام.
اختيار في مكانه تماما لكنه يلي اختيارا سابقا عندما أبرمت وزارة
الثقافة قبل أكثر من شهر عقدا مع ناقد آخر هو أمير العمري الذي تم انتقاد
قبوله الفوري بالمنصب الجديد ما دعاه للدفاع عن موقفه في مقال على شكل بيان
ذكر منتقديه فيه بأنه لم يقبل خنوعا أو رجوعا عن مواقفه الانتقادية لوزارة
الثقافة بل لأن قبوله بالمنصب يفيد المهرجان ويمنعه من السقوط في أيدي أخرى
قد تنقصها الخبرة.
ما حدث خلال الأسابيع القليلة الماضية هو إعادة تعيين وزير الثقافة
صابر عرب، الذي استلم الوزارة في زمن «الأخوان»، في منصبه من جديد. التعيين
ذاته هو أمر منفصل، لكن الوزير القديم - الجديد بادر سريعا إلى أبطال مفعول
التعاقد مع الناقد العمري نظرا لهجوم شديد قام به الناقد ضد الوزير علنا
خلال العام الماضي وجزء من هذا العام. الموقف مفهوم: الوزير ليس بوارد
تسليم مهام أهم وأكبر مهرجان سينمائي مصري إلى ناقد اتخذ منه موقفا عدائيا
لدودا ولا يزال.
* حول العالم
* تأتي هذه التطورات بعد أن شهدت تلك الإدارة مشكلات جمة، فثورة 2011
لم تنجح في الإتيان بتغيير كبير على قمة ذلك المهرجان، فبقي - بعد تردد
طويل - تحت إدارة الطاقم ذاته الذي أداره لسنوات طويلة متمثلا بالممثل عزت
أبو عوف ونائبته سهير عبد القادر التي شغلت منصبها هذا منذ أيام رئيسه
الأسبق الراحل سعد الدين وهبة (في حين شغله أبو عوف لسنوات أقل). كذلك تأتي
في وسط موسم المهرجانات والجوائز الذي انطلق بمهرجان لوكارنو السويسري (من
السابع وحتى السابع عشر من هذا الشهر) ليليه ساراييفو في السابع عشر من
الشهر أيضا وحتى الرابع والعشرين.
في هذه الآونة ينطلق مهرجان مونتريال، الذي وإن كان يبدو بالمقارنة مع
المهرجانات الدولية الأخرى، منسيا إلا أنه من أضخمها. وهو يستمر حتى الثاني
من سبتمبر (أيلول). خلال فترة إقامته ينطلق مهرجان فينيسيا السينمائي في
دورته السبعين من الثامن والعشرين من الشهر الحالي وحتى الثامن من سبتمبر.
قبل نهايته يدخل على الخط مهرجان تورنتو السينمائي الدولي الذي ينطلق في
الخامس من الشهر المقبل وينتهي بعد إحدى عشر يوما حافلا.
هذا ما يضع العالم السينمائي أمام سان سابستيان الإسباني الذي يحتفل
بدورته الواحدة والستين (وكان يوما منافسا أولا لمهرجان «كان» وهو يبدأ
أعماله في العشرين من سبتمبر وينجزها في الثامن والعشرين منه.
هناك فترة راحة ما بين نهاية شهر سبتمبر والتاسع من أكتوبر (تشرين
الأول) اليوم الذي ينطلق فيه مهرجان لندن السينمائي الدولي. هذا إلا إذا
أردنا تعداد نحو عشرين مهرجانا صغير الحجم منتشر ما بين الولايات المتحدة
وأوروبا وجنوب شرق آسيا وتقع ما بين منتصف سبتمبر ومنتصف أكتوبر. لندن هذا
العام يحتفي بدورته السابعة والخمسين التي ستنتهي في العشرين من الشهر،
لتبدأ دورة مهرجان أبوظبي السادسة بعد أربعة أيام وهي تستمر حتى الثاني من
الشهر التالي نوفمبر (تشرين الثاني) أي قبل أيام من المهرجان المصغر عن
العام الماضي الذي تقيمه «مؤسسة الدوحة السينمائية» لتليها مباشرة أيام
مهرجان مراكش السينمائي في دورته الثالثة عشرة.
مهرجان القاهرة، إذا ما أقيم، سيتداخل مع أواخر أيام مراكش وما إن
ينتهي حتى ينطلق مهرجان دبي السينمائي الدولي الذي يفتتح دورته العاشرة في
السادس وينتهي في الثاني عشر من ديسمبر (كانون الأول).
* ملتقيات
* تقليديا، وحتى عقدين من الزمن، تعاملت مهرجانات السينما العالمية مع
الأفلام المنجزة وحدها. تختارها وتقدمها ومع هذا التقديم توفر للحضور طاقم
الفيلم المنتخب من مخرجين وممثلين ومنتجين. لكن في السنوات العشرين الأخيرة
أو نحوها أخذت بعض المهرجانات تتوسع فيما تقرر القيام به. بالتدرج الحثيث
أصبحت مختبرا كاملا ينشط في عمليات ترويج مراحل الفيلم المختلفة من كتابة
السيناريو إلى الإنتاج والتوزيع. ملتقى للسينمائيين المخضرمين ومجمع لهؤلاء
القادمين الجدد. بكلمات أخرى، بات عدد كبير من المهرجانات العالمية (عربية
ودولية) مكانا لرصد أصعدة ومراحل العمل السينمائي المختلفة وسوقا لترويج ما
لدى المخرجين والكتاب من مشاريع من الفكرة وحتى العرض.
طموح ضخم ومفيد يترك بعض المهرجانات التي لا تتمتع بالقدرات الإدارية
أو بالميزانيات الكبيرة في وضع فريد. أحد هذه المهرجانات هو مهرجان القاهرة
ذاته. ففي الماضي لعب دور العارض ولو أنه حاول إشراك موزعين ورجال أعمال في
مصيره، لكن مشكلات السوق المصرية والعربية الأخرى، وسوء إدارة المهرجان في
أكثر من مناسبة وحقل عرقل تحقيقه هذه الغاية أو أي غاية أعلى من مجرد عرض
الأفلام المنتقاة. وحتى هذا المستوى الطبيعي والتقليدي ناوأته الظروف
والأخطاء فإذا به ينجز دائما أقل ما يعد به أو أقل مما وصل إليه عندما
ترأسه في الثمانينات سعد الدين وهبة.
لكن ليس صحيحا أن كل مهرجان عليه أن يلعب دور الأخ الأكبر للسينمائي
فيقيم له الورش السينمائية ويحاول فتح الأبواب في وجه مواهبه وترويج
أعماله. إذا ما قام مهرجان القاهرة بدوره الأساسي كعارض رئيس لأهم ما شهده
العالم من أفلام ولبعض جديده غير المعروض من قبل فإنه قام بالدور الكلاسيكي
الذي كان على الكثير من المهرجانات اتباعه. وتحت إدارته الجديدة يستطيع أن
يلتقط الخيوط الصحيحة لكي يتبوأ مركزه السابق الذي تحتاج مصر إليه كما
العالم العربي.
.. ويوسف شريف رزق الله
* بعد رحيل سعد الدين وهبة استلم الممثل حسين فهمي إدارته حتى عام
2001 ليخلفه الإعلامي شريف الشوباشي حتى سنة 2005 قبل أن يأتي دور الممثل
عزت أبو عوف. خلال هذه الحقب الطويلة وبينما قامت سهير عبد القادر بمنصب
نائب المدير، أشرف الناقد يوسف شريف رزق الله على الاختيارات ومهام الإدارة
الفنية وأبلى بلاء حسنا ما أوعز بأنه سيكون الرئيس الجديد للمهرجان المصري
بعد ثورة 2011 لكنه استبعد ليعاد إحياؤه بطاقمه القديم حتى جرت التعيينات
الأخيرة.
شاشة الناقد
ذئب في الغربة
الفيلم:
The Wolverine
إخراج: جيمس مانغولد تمثيل: هيو جاكمان، وتاو أكاموتو، وول يون لي،
وبرايان تي.
النوع: أكشن | الولايات المتحدة - 2013 تقييم: (*3)(من خمسة)
عندما انطلقت سلسلة «رجال إكس» التي كان من بين شخصياتها «ذا وولفرين»
سنة 2000 كانت الرسالة المراد بثها هو أن يفخر الرجال والنساء المختلفون عن
السائد بأنفسهم وقدراتهم غير الطبيعية. لا تخجل منها بل مارسها حين تقتضي
الحاجة وفي الوجهة الصحيحة. حافظ على كبريائك وكن واثقا وقويا. صحيح أن
الفيلم دار عن مجموعة من الأبطال ذوي التشويهات الجسدية أو الذهنية التي
تنقلب إلى قدرات غير طبيعية، إلا أن هذه الرسالة تصب في كل خانة تتجمع فيها
أقلية ما وهذا ما تعزز وضعه في الأجزاء اللاحقة فإذا بالأجزاء الثلاثة
الأخرى تمعن في النطق بلسان حال «المستضعفين» بخلاف أنهم ليسوا مستضعفين
على الإطلاق حين يطلقون العنان لقدراتهم غير المحدودة.
وولفرين، كما أداه دائما هيو جاكمان، كان واحدا من هذه المجموعة لكن
في عام 2009 تم سحبه من الفريق وتخصيصه بفيلم شائك عنوانه «أصول رجال إكس:
وولفرين» أخرجه كفن هود بنجاح كبير. الفيلم الجديد هو الجزء الثاني من هذا
العمل المنشق وهو أفضل فنيا من الفيلم السابق وربما سيحقق نجاحا جماهيريا
موازيا في أضعف الاحتمالات.
لكن الرسالة هنا تختلف: وولفرين هو شخص وحيد وحزين حين لا يجد حوله
ذلك الفريق الذي شاركه المغامرات السابقة. وهو أكثر تذمرا حين يأتي الأمر
إلى خوض مغامرة في بلد بعيد، اختيرت لتكون اليابان. لكنه قبل دعوة صديق
قديم كان خاض وإياه الحرب العالمية الثانية (وولفرين لا يشيخ) ليكتشف أن
المسألة تتعدى مجرد الزيارة والحديث عن الذكريات وتوديع الصديق الذي يشارف
على الموت، إلى السقوط في شبكة من المصالح التي لا يمكن أن تتم إلا بإزهاق
الأرواح - وروحه من بينها.
الياباني العجوز (يؤديه هاروهيكو يامانوشي) لديه ابن غامض (هيرويوكي
سانادا) وحفيدة مخلصة (تاو أوكاموتو) ورجل مهام تشوبه المحاذير اسمه هارادا
(ول يون لي) وسريعا ما يجد وولفرين نفسه في حرب ضروس لم يكن يرغب بها مع
مقاتلي النينجا. لكن المقاتل - البطل الذي عادة ما كان سعيدا بالمواجهات
(طريقة أبطال الثمانينات وما قبل) ليس ظاهرا في هذا الفيلم. لأن وولفرين،
كما ذكرنا، حزين ويعاني من الغربة والوحدة ويتذمر من طول البقاء. لكن ما
يساعده على طلب الحياة تلك السكاكين التي تخرج من بين أصابعه: عشرة نصال
حادة يستطيع استخدامها في دكان الجزارة أو بديلا لآلة قطع الأوراق أو في
مصنع نجارة. لكنه بالطبع يستخدمها للقتال عوضا عن السيوف والخناجر. ولا بد
لرجل مثله أن يكون مل سماع أصوات تلك النصال كما تتردد في الفيلم - لكن ما
بيده حيلة.
دائما ما كان السؤال المنطقي هو أين تختفي تلك النصال عندما لا يكون
وولفرين بحاجة إليها؟ طبعا نراها تخرج وتدخل من باطن يده. كيف إذن لا تجرحه
أو تقطع شرايينه؟ لكن الفيلم، ككل الأفلام السابقة، وبل كالفكرة الواردة في
مجلات الكوميكس أساسا، تتحاشى جوابا على سؤال تعتبره ساذجا. ما نراه هنا
يبقى أكشن جيد التنفيذ من المخرج جيمس مانغولد. يستفيد من المواقع
اليابانية وثقافة البلد ويمزجها بثقافة الشخصية ومصدرها الأميركي. الحكاية
تبقى مبعثرة الأوصال، لكن الإخراج، كحرفة، يغطي الكثير من هذه النواقص.
بين الأفلام
*
Fat Shaker
* هناك منهجان لاستخدام الكاميرا في هذا الفيلم:
محمولة ومحمولة ومهزوزة. وليس في المقابل أي دواع فنية. إنه فيلم للإيراني
محمد شيرفاني يتمحور في ساعة وخمسة عشر دقيقة حول رجل بدين جدا يعامل ابنه
الشاب الأطرش بقسوة شديدة. لا يستطيع أن يضرب أو يرفع السوط كونه بالكاد
يستطيع أن يتحرك، لكنه يعنفه ويؤذيه كلما كان ذلك بمقدوره. يرصد الفيلم تلك
الشخصية طويلا وعلى نحو مضجر. أحيانا ما تتبدى من ذلك التطويل مفادات في
مكانها (مثل أن الأب رمز للسلطة، ومثل المشهد الذي يحقق فيه رجل بوليس معه)
لكن ذلك لا يكفي لصنع فيلم جيد ولا حتى مقبول (عروض: مهرجانات)(*2)
*
Foxfire
* هذا هو الفيلم الذي كان على صوفيا كوبولا مشاهدته قبل تحقيق فيلمها
الأخير «عصبة الجواهر»، فهو إذ يتناول قصة حقيقية أخرى عن عصابة شابة من
الفتيات نشطت في الخمسينات في الولايات المتحدة، يتجنب الفيلم السقوط في
اللامبالاة ويحرص على بث حرارة في أوصال ما يعرضه وهو ما لم تنجزه صوفيا.
المخرج هنا هو لوران كانتي صاحب السعفة الذهبية عن فيلمه الأسبق «الصف»
(عروض: أوروبية).(*3)
*
The Driver
* مشاهدة فيلم «وولتر هيل» الكلاسيكي (الذي لم يحظ بمكانته التي يستحق
والذي أخرجه سنة 1978) من جديد بمثابة تأكيد على كم من الأفلام الرائعة مرت
تحت رادار النقاد عموما. رايان أونيل في دور سائق سيارة الهروب لعصابات
السطو على المصارف، وبروس ديرن (الذي التقط هذا العام جائزة أفضل ممثل من
مهرجان كان) هو رجل البوليس الذي في أعقابه. لكن الأمور ليست أبيض وأسود
والإخراج متقن وغير قائم على الإيقاعات النطناطة. يكاد يكون تحفة (DVD).(*3)
سنوات السينما : 1936
فيلمان لكيوكر
* حظي المخرج جورج كيوكر بفيلمين في هذا العام.
أخرجه «كاميل» عن رواية ألكسندر دوما الابن، كما أخرج نسخة من «روميو
وجولييت» عن مسرحية ويليام شكسبير. في العملين تمتع هذا المخرج بطاقم من
أبرز نجوم السينما في ذلك الحين: غريتا غاربو، روبرت تايلور وليونل باريمور
في الفيلم الأول ونورما شيرر ولسلي هوارد وجون باريمور في الفيلم الثاني.
لكن الاقتباسات الأدبية لم تكن من بين أبرز ما تم إنجازه في ذلك
العام، والنجاحات الفنية الأفضل والأهم كانت لأفلام مكتوبة خصيصا أو أن
مراجعها أقل شهرة من دوما وشكسبير مثل «هيجان» لفريتز لانغ و«جريمة الدكتور
لانغ» لجان رنوار و«تخريب» لألفرد هيتشكوك كما «الغابة المرعبة» لمجهول
اليوم اسمه آرشي مايو.
المشهد
أبطال الأمس المستهلكون
* في مطلع التسعينات، وفي منزل واحد من المنتجين
اللبنانيين الذين عرفتهم هوليوود مثل طيور موسمية هو إيلي سماحة، قال
الممثل سلفستر ستالون لهذا الناقد إنه عرض على أرنولد شوارتزنيغر أن يعملا
معا في فيلم: «اتصلت به منذ فترة قريبة وقلت له: علينا أن نمثل فيلما معا
قبل أن نصبح مسنين». سألته: «ماذا كان جوابه؟» رد قائلا: «إننا لن نصبح
مسنين قريبا وإنه يفضل الانتظار».
* لم تتحقق رغبة ستالوني إلا بعد سنة 2010 عندما
قام ستالون بكتابة وإخراج والمساهمة في إنتاج «المستهلكون» أو (The
Expendables) حينها كان دور شوارتزنيغر التي انتهت تذكرته
كحاكم ولاية كاليفورنيا، قصيرا. قام به كما لو كان مرغما. بعد عامين وسع من
رقعة مشاركته في الجزء الثاني بعدما أنجز الجزء الأول نجاحا لافتا. والآن،
وبعد إخفاق فيلم شوارتزنيغر الصولو «الوقفة الأخيرة» يتابع خطوات ستالون
الحثيثة لإنتاج وتقديم جزء ثالث.
* سلسلة «المستهلكون» أشبه ما تكون بلعبة مفادها أن مجموعة من أبطال
أفلام الأكشن في الأمس (ستالون، شوارتزنيغر، جان - كلود فان دام، تشاك
نوريس، بروس ويليس، جت لي، دولف لندغرن مع زمرة من أبطال اليوم جايسون
ستاذام، تيري كروز، ليام همسوورث) يلتقون لتصفية عصابات أقوى من القانون
التقليدي. هذا هو أيضا ما بني عليه فيلم «أحمر» و«أحمر 2» (مع بروس ويليس،
هيلين ميرين، جون مالكوفيتش وأنطوني هوبكنز) إذ يلتقي هؤلاء الذين تجاوزوا
الخمسين من العمر لينجزوا مغامرة لا يقوى على إنجازها سواهم.
* قرار ويليس الاستقالة من «المستهلكون الثالث» الذي سينطلق للتصوير
قريبا يأتي بسبب أنه لم يشأ أن يمثل دورين في سلسلتين بمفهوم واحد. لكن
الخليفة (هاريسون فورد) ليس من القطيع ذاته. لم يكن يوما من أبطال الأكشن
ذاته ما يدفعني للتساؤل حول ما إذا كان ستيفن سيغال دعي للانضمام، وهو الذي
يتمتع بشروط المجموعة وزيادة، ولم يقبل أو أنه لم يدع على الإطلاق.
الشرق الأوسط في
09/08/2013 |