انتهى الممثل روبرت داوني جونيور من تمثيل دوره في فيلم يحمل اسم “شرلوك
هولمز” ويدور حوله من إخراج جاي ريتشي
المشاهد القليلة المتوفّرة في بعض مواقع الإنترنت تفيد بأنه فيلم يخرج عن
إطار كل أفلام شرلوك هولمز التي عرفتها الشاشة، وهي عرفت أكثر من مائة فيلم
من بطولة هذه الشخصية الكلاسيكية الشهيرة. بداية، فإن اختيار الممثل روبرت
داوني جونيور في دور التحري الأشهر يبدو غريباً من حيث إن الصورة المحفوظة
عن ظهر قلب لشخصية التحري كما كتبها آرثر كونان دويل وكما مثّلها عدد كبير
من الممثلين السابقين، في مقدّمتهم حسب صلاحيتهم البريطاني الراحل باسيل
راثبون، هي صورة رجل في منتصف الأربعينات، طويل القامة، نحيف البنية،
تميّزه ملامح وجهه الدقيقة كما ملابسه المحافظة وقبّعته الصغيرة ومظلّته
الطويلة التي لها وظائف أخرى غير صد رذاذ المطر.
أما روبرت داوني فهو قصير القامة، معتدل البنية ولا يملك تلك الخصائص
المميّزة في الملامح التي أصبحت أقرب الى شرط نجاح لتقمّص تلك الشخصية.
والغريب أيضاً هو اختيار جود لو لشخصية الدكتور واتسن، فهذه الشخصية أيضاً
تختلف في الرواية وفي الأفلام الأولى عن تلك التي يستطيع الممثل “لو”
توفيرها. ففي الأصل هي لشخص أكبر من شرلوك هولمز سنّاً، أقل منه لياقة
بدنية وأكثر منه بدانة.
هذه المشاهد المبثوثة كمقدّمة لما سنشاهد حين يحط الفيلم مع نهاية هذا
العام، تفيد أن الطبيب واتسن لم يعد المصاحب الأمين وكاتب المذكّرات الحريص
بل هو شريك في المغامرة الى حد بعيد. أما شرلوك هولمز نفسه فيتعرّى ليمارس
الحب ويدخل حلبة ملاكمة عنيفة.
المفهوم المترسّب بعد متابعة دقائق يسيرة من المشاهد تعكس ما في الفيلم من
متغيّرات تمس كل ما هو نمطي وتقليدي في أفلام هولمز وشخصيته، هو أن المخرج
وهوليوود حوّلا التحري المعروف بدقّة ملاحظاته وذكائه غير العادي، الى
انديانا جونز جديد مزوّد بكل ما يحتاجه الفيلم هذه الأيام من مشاهد خارقة
للعادة ومعالجة عصرية قد ترضي فريقاً من المشاهدين لكنها بالتأكيد تنبذ
القسم الغالب منهم.
شرلوك هولمز كما حفرت الروايات والأفلام القديمة صورته في البال جاء
مبنيّاً على مرجعية أدبية حاولت السينما في معظم الأحيان نقلها بأمانة
كونها مهمّة لنجاح عملية النقل هذه. المؤلّف، آرثر كونان دويل وضع 56 رواية
طويلة و4 قصص قصيرة من بطولة شخصيّته هذه، وذلك ما بين سنة 1887 ومنتصف
العقد الأول من القرن العشرين.
ولد المؤلف سنة 1859 ومات سنة 1930 وانتمت اعماله الى تلك الحقبة
الكلاسيكية الأولى من روايات التحري، تلك التي شاركه مقامها كل من أغايا
كريستي (1890-1976) وإيرل در بيجرز (1884- 1933).
في الفيلم الجديد سنشاهد إذاً شرلوك هولمز في صورة جديدة يجيد فيها استخدام
فنون القتال الشرقية. في الرواية الأصلية كان يجيد بعضها بالفعل، لكن ليس
على الطريقة التي يمارسها روبرت داوني في الفيلم المستخلصة من دوره السابق
واللاحق في سلسلة “آيرون مان”.
سام رايمي من “العنكبوت” إلى
“الذبابة”
حين قرر المخرج سام رايمي تعليق ملابس “سبايدر مان” على شمّاعة والالتفات
الى حب قديم كان يشغله ويشتاق إليه، اختار سيناريو كتبه وشقيقه إيفان
بعنوان “جرّني الى جهنّم” وتوجّه به الى شركة يونيفرسال التي كانت مشتاقة
لأن تتعامل مع مخرج حقق لشركة منافسة (كولومبيا) بعض أكثر أفلامها رواجاً.
ويونيفرسال لابد نظرت الى ميزانية “جرّني الى جهنم” وضحكت في سرّها، فهي لم
تتجاوز الستة عشر مليون دولار، أجر خمسة أيام عمل في واحد من تلك الأفلام
العملاقة.
الآن، وقد أصبح “جرّني الى جهنّم” في الأسواق، فإن المسألة ما عادت مرتبطة
بنوايا الشركة من وراء التعامل مع واحد من أنجح مخرجي السنوات الخمس عشرة
الماضية، بل بنوايا المخرج الذي يعود بالفعل الى إطار الأفلام الصغيرة
لكنها عودة خاسرة. اولئك الذين يرفضون الأفلام المكلفة فقط لأنها مكلفة
وجدوا فيلم رايمي الجديد منعشاً وكل من كتب عن الفيلم بإعجاب لم يفته القول
إنه يتناقض مع افلام المخرج السابقة ذات الميزانيات العالية كما لو أن هذا،
بحد ذاته، أمراً يحسب لصالح سينمائي ما او ضدّه. قصّة “جرني الى الجحيم”
تبدأ بمشهد تمهيدي يقع سنة 1969 حيث نرى فيه عائلة مكسيكية تحمل ولدها
الصغير وتأتي به الى دار امرأة ربما كانت تعمل طبيبة بلا إذن رسمي. تكتشف
أنه سرق قلادة من عربة غجر وسريعاً ما تفاجأ وباقي العائلة بأن هذه اللعنة
سوف تخرج على هيئة أشباح وأياد وسوف تنشق الأرض وتخرج النيران من تحتها
وتمتد أيدي من فيها لتسحب الصبي الذي انتهى دوره في الفيلم عند هذا الحد.
الآن ننتقل الى الزمن الحالي وها هي كرستين براون (آليسون لومان) تعمل في
مصرف وعينها على المكتب الشاغر أمامها. مكتب مساعد مدير البنك وهي تشعر بأن
مدير البنك سيفضّل عليها زميلا لها لا تطيقه انضم قبل فترة وجيزة الى
العمل. لكن حين يخبرها مدير البنك (ديفيد بايمر) بأنها هي الأقرب الى
احتلال هذا المنصب تشعر بالسعادة. سعادة مؤقتة جدّاً فقبل ذلك كانت عجوز
غجرية طلبت منها أن تساعدها على حل مشكلة مع المصرف الذي يرفض إعطاءها منحة
جديدة وسيضع يده على منزلها. لكي تبدو صارمة أمام مديرها، رفضت ولو مضطرة،
هذا الطلب فلعنتها الغجرية، ثم انتظرتها في المرآب بعد الدوام وهاجمتها
بعدما تسللت الى سيّارتها (لا علم لنا كيف أدركت أن هذه السيارة تحديداً هي
سيارتها). داخل السيارة تقع معركة كبيرة بين المرأتين قبل أن تختفي العجوز
وقد نزعت من سترة غريمتها زرا. وحسب قارئ كف هندي اسمه رام جاز (ديليب راو)
فإن السحرة يأخذون شيئاً من ممتلكات الضحية لأنهم عبر هذا الشيء يستطيعون
النيل منها. الى الآن عرفنا كل شيء غير صحيح عن الغجر مغلّفاً -في صميم
الموضوع- بعنصرية متآكلة منذ أن كان الأوروبيون القدامى يحمّلون الغجر كل
عارض سيئ يصيبهم. ازدراء الآخر يتحكّم في علاقة فوقية تنتقل في الملامح
البعيدة لهذا الفيلم.
إنه فيلم رعب من حيث الرغبة والانتماء النوعي، لكن ليس من حيث القدرة على
إثارة الخوف فعلاً. فما يثيره هذا الفيلم هو قدر من الانزعاج مصحوباً بقدر
من الأنفة خصوصاً حين تتحوّل أسنان الغجرية المستعارة الى تفصيلة عمل
فنراها تخرج من فم الغجرية وتدخله مثل شارع مزدحم باتجاهين، او نتابع فيه
ذبابة تدخل من أنف كرستين وهي نائمة ثم تصر على دخول فمها والاستقرار في
معدتها. ليس أن الفيلم يتوقّف عند هذا الحد من الأفكار “الجحيمية” بل يواصل
مساعيه لاختبار قدرتنا على الاكتراث لما يحدث على الشاشة. ما يعتبر لصالح
المخرج هي نوعيّة التنفيذ، وما ليس لمصلحته هو المعالجة الكليّة لذلك
التنفيذ.
قبل العرض
كاثرين أوهارا وجدت المخرج
المناسب
تعتبر الممثلة كاثرين أوهارا نفسها وُلدت سينمائياً من جديد حينما وافقت
على بطولة فيلم “بعيداً نمضي” للمخرج سام مندس. وتوضح السبب بقولها: “شاهدت
أفلام مندس كلّها قبل أن ألتقي به، وسمعت ما قاله الممثلون عنه من أنه
أستاذ في مجال إدارة الممثلين، لكنني لم أتوقع أن يكون عملي معه مجالا
لخبرة لم أتمتع بها من قبل”.
الفيلم دراما اجتماعية حول زوجين شابّين يجولان في أنحاء أمريكا بحثاً عن
المكان المناسب لبناء عائلة. سام مندس مخرج “جمال أمريكي” و”طريق ثوري”.
أفلام القمّة
ليلة على القمّة
كما كان متوقّعاً انطلق فيلم الأنيماشن “فوق” الى فوق بالفعل فاحتل المركز
الأول بنحو 68 مليون دولار بينما هبطت إيرادات “ليلة في المتحف” الى نحو 24
مليون دولار ما جعله يتراجع الى المركز الثاني، لكنها نتيجة أفضل من تلك
التي سجّلها الفيلم الجديد “جرّني الى الجحيم” إذ اكتفى بستة عشر مليون
دولار والتزم المركز الرابع بعد “خلاص ترميناتور” في المركز السادس. “ستار
ترك” في الخامس بعد أربعة أسابيع من العروض ونحو 104 ملايين دولار في
المجموع.
نقدياً، حظي “فوق” بأعلى نسبة من الإعجاب يليه فيلم “جرّني الى الجحيم”.
بيلي جاك يحارب لأجل الحرية
*** Billy Jack (1971)
في العام 1971 اكتشفنا في العالم العربي بيلي جاك وأحببناه: رجل في
الثلاثينات من عمره، نصفه أبيض ونصفه من قبيلة من مواطني أمريكا الأصليين،
يجيد الكارتيه والكونغ فو ويدافع عن حق القبيلة في حياة بلا أذى. والمؤذي
هم البيض الذي يعتدون على مجموعة من الطلاب والطالبات الهنود من دون أي
سبب. يتدخل بيلي جاك ويلقن العنصريين الشباب درساً في الضرب لن ينسوه. وحين
يأتي والد أحدهم، وهو من أثرى شخصيات المدينة، يقول له بيلي جاك “سأرفع
حذائي الى رأسك وأضربك به ولن تستطيع أن تفعل شيئاً” و..يفعل.
بيلي جاك من بطولة وإخراج ممثل اسمه توم لفلن سبق له أن مثّل وأخرج أفلاماً
صغيرة. لكن النجاح غير المتوقّع لهذا الفيلم كان بداية نهايته. حقق بعده
بسنوات قليلة “بيلي جاك يعود” ثم بعد سنوات أخرى “بيلي جاك يذهب الى
واشنطن”، لكن الفيلم لم يذهب في أي اتجاه وكان ذلك نهاية السلسلة.
أوراق ناقد
المؤلّف في سينما المؤلّف
في المقابلة التي أجراها الزميل هويك حبشيان مع رئيس مهرجان “كان”
السينمائي ونُشرت في صحيفة “النهار” اللبنانية أولاً، أتى جيل جاكوب على
ذكر أن الدورة الأخيرة تميّزت -بين ما تميّزت به- بتقديم الأفلام المنتمية
إلى سينما المؤلّف. هذا في نظره بالطبع السبيل الذي يرى أن “كان” سيمضي فيه
والدور الذي عليه أن يلعبه.
في القانون الفرنسي، وفي قانون الاتحاد الأوروبي، المخرج سيبقى دائماً
“مؤلف الفيلم” أو أحد مؤلّفيه. فهو الذي أوجد الفيلم وكوّنه كقطعة فنية،
كما الموسيقار وكما المؤلّف الروائي وكما المسرحية، ولا يجوز سحب هذا
الاعتراف منه. طبعاً هذا في الدول الأوروبية لكنه ليس في الدول ذات
الصناعات التجارية الكبيرة عالمياً او إقليمياً كالسينما الأمريكية
والمصرية والهندية، ولا في عدد كبير من الدول النامية خارج أوروبا حيث
السينما ما زالت تنمو منذ ثمانين سنة او نحوها (لبنان، سوريا، الدول
الإفريقية، الخ....). وهو حق مهم ينتزعه المخرج في أوروبا منذ الخمسينات
عندما أخذ هذا التعبير يتردد بفضل نقاد “الكاييه دو سينما”، المجلة
الفرنسية التي حررها تروفو وشابرول وغودار ورومير قبل أن يصبحوا مخرجين
نموذجيين لما تعنيه تلك العبارة.
المقابل- الضد للمخرج مؤلّفاً هو المخرج منفّذاً. ضمن هذا المنظور تم
لهؤلاء تقسيم المخرجين الأمريكيين في تلك الفترة، فاعتبر هوارد هوكس
وسامويل فولر وألفرد هيتشكوك مؤلّفين، بينما تم اعتبار العديد الآخر من
المخرجين الأمريكيين (جيدين وغير جيّدين) منفّذين، أي أنهم جزء من الصنعة
السينمائية التي يقدمون عليها منفّذين -عبر السرد واختيار العناصر الفنية
وكيفية معالجتها- ما يودّه الاستديو ومن يديره من المنتجين. في هذا الصدد،
إذا أرادت وورنر من ملين ليروي تحقيق فيلم من بطولة جيمس كاجني في واحدة من
شخصياته البوليسية الشريرة، فإنه يتبع بذلك وصفة تجارية منصوصة يعلمها
الجميع. هذا لا يعني أن ملفين ليروي مخرج رديء ولا يعني أن جيمس كاجني ممثل
رديء، ولكن يعني أن ليروي ليس مخرجاً مؤلّفاً مستقل الأسلوب سواء كان
الفيلم الذي يقدّمه من إنتاج الاستديو الكبير او مجرد شركة صغيرة.
لكن هناك مشاكل غير محلولة ضمن نظرية سينما المؤلّف. وحين أقول غير محلولة
لا أعنى أن المخرجين الفرنسيين او الأوروبيين بالإجمال تجنّبوها او أنها هي
غير قابلة للحل. واحد من هذه المشاكل هي دور كاتب السيناريو في العملية
التأليفية.
أنصار سينما المؤلف اعتبروا أن المخرج هو الكلمة الفاصلة في مسألة الفيلم
وأن السيناريو يؤول اليه ويكتسب حرفته ويخضع لأسلوب عمله. وهذا صحيح، لكن
هذا لا يجيب تماماً على نسبة الإبداع التي مارسها كاتب السيناريو خصوصاً
إذا ما كان السيناريو غير مقتبس من مادّة أصلية. معارضو النظرية استندوا
الى هذا الشرخ ليقولوا إن سينما المؤلف تسقط في التطبيق. البعض، كالناقد
البريطاني الراحل رايموند دورانت، الذي كان من أبرز نقاد ومنظّري زمانه
(الخمسينات والستينات والسبعينات) مضى معتبراً أن الفيلم ينتمي الى جميع من
يعمل فيه. هو لم يرد أن ينفي أهمية سينما المؤلّف بل أراد التذكير بأن
إرجاع التأليف لشخص المخرج وحده بينما الفيلم مؤلّف من عناصر عدّة يغبط حق
الباقين.
الى هذا الاختلاف، هناك حقيقة أن الموقف المؤيد لسينما المؤلف هو، الى حد
كبير، موقف سياسي، كذلك الذي تعارضه تلك السينما.
وللحديث بقية.
م.ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
07/06/2009 |