تبدأ، بعد ظهر اليوم،
العروض التجارية المحلية لأفلام عدّة، منها «قطار بلهام 123» لتوني سكوت
(تمثيل:
دنزل واشنطن وجون ترافولتا) في صالات «سينما سيتي» (الدورة) و«أمبير دون»
(فردان)
و«إسباس» (زوق) و«أمبير سوديكو» (سوديكو سكواير) و«غالاكسي» (بولفار كميل
شمعون)
و«سيتي كومبلاكس» (طرابلس)؛ و«فوق» لبيت دوكتور وبوب بيترسون (فيلم تحريك)
في صالات «زوق»
و«سانت إيلي» (أنطلياس) و«أبراج» (فرن الشباك) و«سيتي كومبلاكس» و«أمبير
دون»
بنسخ عادية، و«سينما سيتي» بنسخة ثلاثية الأبعاد.
قطار بلهام
في لائحة
الأفلام السينمائية التي بدأ بإنجازها منذ العام 1969، حين قدّم «ذكرى
محبّبة» باسم
أنتوني سكوت (مواليد نورثمبرلند، بريطانيا، 21 حزيران 1944)، هناك عددٌ لا
بأس به
من الأفلام المميّزة شكلاً ومضموناً، خصوصاً على مستوى التشويق والعنف
المرتكزين،
إلى حدّ ما، على قراءة درامية معمّقة للحالة الإنسانية المرتبطة بهما. فهو،
باتّخاذه جانباً مشابهاً للنمط السينمائي الذي اعتمده شقيقه المخرج ريدلي
سكوت،
حاول أن يصنع لنفسه مكانة خاصّة به، بسعيه إلى ابتكار سلوك إبداعي جمع قوّة
الحركة (مطاردات
بوليسية، أعمال أمنية واستخباراتية، عالم الجريمة وتورّط العصابات بأعمال
عنف قاسية، إلخ.) بملامح انفعالية وعشق إنساني جميل. وهو، بتنوّع نتاجه
داخل إطار
واحد عنوانه «التشويق السينمائي»، حقّق معادلة البُعدين الدرامي والجمالي
والنسق
التجاري إلى حدّ معقول وجماهيري.
بعد انطلاقه في عالم الفن السابع باسم أنتوني
سكوت، اختار مخرج «قصّة حبّ حقيقية» (1993)
و«تيّار قرمزي» (1995) و«الهاوي»
(1996)،
أن يختزل اسمه إلى توني، منجزاً به «روائع» متفرّقة لا تزال حاضرة في الوعي
الشبابي المرافق لسيرته السينمائية منذ
الثمانينيات، عندما قدّم واحداً من الأفلام
الأولى لتوم كروز بعنوان «توب غان» (1986) ألحقه بـ«أيام الرعد» (1990)،
متعاوناً
معه ككاتب سيناريو أيضاً. هناك أفلامٌ عدّة ظلّ يُنجزها سكوت في وقت واحد
واشتغاله
التلفزيوني، علماً بأنه خاض تجربتي التمثيل والإنتاج، وصولاً إلى «قطار
بلهام 123» (ترجمة
غير حرفية للعنوان الإنكليزي:
The Taking Of Pelham
مع الثنائي دنزل واشنطن
وجون ترافولتا (في ظهوره السينمائي الأول بعد فاجعة موت ابنه).
والفيلم، إذ
يعتمد على قصّة عادية للغاية لا تخلو من نقد واضح لأنماط العيش في مدينة
نيويورك
بلغة غاضبة، برهن مجدّداً على البراعة الفنية لتوني سكوت في جعل التشويق
أحدّ وأجمل
في تعبيره عن منطق الصراع بين الخير والشرّ، إذا أراد المشاهد إيراد هذه
الثنائية
في تفسيره الحياة وتفاصيلها. فعلى الرغم من أن رايدر (ترافولتا) يتفوّه،
غالباً،
بعبارات موحية بلغة دينية مسيحية (كاثوليكية تحديداً)، فإن غريمه والتر
غاربر (واشنطن)
يوازن خطابه بالتزامه اللاديني (إذا صحّ التعبير)، بل الأخلاقي المبطّن.
ذلك أن الأول متمرّد على غدر السلطات المحلية له (يُمكن الاسترسال إلى أبعد
من هذا،
بالقول إنه متمرّد على إيمان وتقوى اختبرهما ذات مرّة في حياته)، باستيلائه
على
قطار وبأسره أبرياء (هل هناك أبرياء في هذا العالم المعجون بالعنف والأخطاء
الآيلة
إلى ارتكاب معاصّ وخطايا؟) للمطالبة بفدية مالية لها مردود مالي أكبر بكثير
من
المتوقّع. والثاني محاصر بوظيفة (مراقب في إدارة القطارات) أصغر من سابقتها
(مندوب
لشراء قطارات)، إثر إشاعة قاسية حول تقاضيه رشوة لقاء توصيته بشراء قطارات
يابانية.
لكن العلاقة التصدامية بينهما لم تكن مقصودة: اتصل الأول بإدارة القطارات،
فردّ
عليه الثاني. صدفة بحتة انفتحت على تشريح قاس لجوانب العيش في هذه البقعة
الجغرافية، وعلى تحليل عميق للبنى الاجتماعية والأخلاقية والسياسية
والمالية
المتحكّمة بالناس. وهذا كلّه في إطار حبكة درامية عادية للغاية، لكنها
مشغولة
بحرفية واضحة في جعل التشويق متماسكاً، والنصّ مفتوحاً على العوالم
الإنسانية
والسلوك الأخلاقي والتفاصيل الحياتية.
إذا أبدع توني سكوت في إمساكه خيوط
اللعبة التشويقية منذ جينيريك البداية، فإن الأداء المتنوّع
لممثلين مختلفي الأنماط
(هناك، إلى جانب واشنطن وترافولتا، جون تورتورو وجيمس
غاندولفيني وآخرين) حافظ على
نسق قريب من النفسيات المتناقضة للشخصيات.
ولعلّ جون ترافولتا أكثرهم غضباً وتوتراً
وحنقاً، لأن رايدر مغبون وضائعٌ في متاهة العيش وسط كمّ هائل من الفوضى
والفساد
والتسلّط، من دون التغاضي عن مبالغة ظهرت واضحة، أحياناً، في أكثر من حالة
أو مشهد؛
على النقيض التام لدانزل واشنطن، إذ إن والتر غاربر أكثر انزواء وبساطة (في
الشكل
على الأقلّ) بسبب الاتهام المبطّن وغير المثبت، من دون تناسي إمكانية أن
يعتمل
الغضب في ذاته بقوّة أكبر من رايدر، فآثر الرجل، المتزوّج والساعي إلى
إدخال ابنه
إلى جامعة محترمة، أن يضبط غضبه ويتّخذ شكلاً هادئاً أمام الجيمع. أما
تورتورو،
فأدّى دور المحقّق كامونيتّي المتخصّص بالمفاوضات مع محتجزي الرهائن، فظلّ
عادياً
للغاية، تماماً كعمدة المدينة غاندولوفيني.
من الناحية التقنية، بدا الفيلم
متماسكاً بشدّة، ومثيراً لحالة من الضغط النفسي، قد تجذب
مهووسين بهذا النمط من
التشويق. لكنها حالة غير مبتكرة، وإن حافظت
على أدواتها وجمالياتها؛ وصورة غير
جديدة عن نفسيات وعقليات متناقضة ومتصادمة، وإن رُسمت بحرفية متينة. بهذا،
استعاد
سكوت أدواته القديمة، شكلاً ومضموناً: تشويق مغلّف بأسئلة وجودية وأخلاقية
وإنسانية
وحياتية لا تزال معلّقة، أقلّه بالنسبة إلى كثيرين.
فوق
تستمرّ شركة «بيكسار»
(تأسّست في العام 1986 بفضل ستيف جوبز، رئيس ومدير عام «بيكسار» والمؤسّس
الشريك لـ«آيبل»، الذي اشترى قسم «انفوغرافي» في شركة «لوكاس فيلم» بعشرة
ملايين
دولار أميركي، معمّداً إياه باسم «بيكسار») في تغذية صناعة السينما
التحريكية
بأفلام ذات مستوى إبداعي راق وجميل، غالباً. سيرتها مرتبكة إلى حدّ ما،
لأنها
تعاونت مع «ديزني» مرات عدّة، وانفصلت عنها مرات أخرى، قبل أن تلتقيا
مجدّداً
وتتّفقا معاً على إنتاج فيلم تحريك واحد كل سنة لكل منهما: تهتمّ «بيكسار»
بإنجاز
أفلام ذات صُوَر «سينتازية»
(Images De Synthese)
وتحافظ «ديزني» على النمط
التقليدي في صناعة هذا النوع السينمائي، من خلال «والت ديزني لأفلام
التحريك».
من ناحية أخرى، فإن لائحة أفلام التحريك الخاصّة بـ«بيكسار» في الأعوام
القليلة
الفائتة ضمّت، بمستويات متشابهة في الإبداع الدرامي والجمالي، عناوين
بديعة، بدءاً
من «قصّة لعبة» بجزئه الأول (1995) لجون لاسيتير («أوسكار» خاص)، وهو
المخرج نفسه
الذي تبوّأ منصبا مسؤولا في «شركة والت ديزني»، والذي أنجز «حياة بقّة»
(1998)
والجزء الثاني من «قصّة لعبة» (1999) الفائز بجائزة «غولدن غلوب» في فئة
أفضل فيلم
موسيقي أو كوميدي، و«سيارات» (2006) الحائز جائزة «غولدن غلوب» في فئة أفضل
فيلم
تحريك. هناك أيضاً: «شركة الوحوش» (2001) لديفيد سيبرمان ولي أنكريش (مخرج
الجزء
الثالث من «قصّة لعبة» في العام المقبل) وبيت دوكتور، الذي تعاون وبوب
بيترسون في
إخراج «فوق» (2009)، الذي اختير لافتتاح الدورة الثانية والستين (13/ 24
أيار
الفائت) لمهرجان «كان» السينمائي؛ بالإضافة إلى «البحث عن نيمو» (2003)
لأندرو
ستانتون وأنكريش («أوسكار» أفضل فيلم تحريك)، و«راتاتوي» (2007) لبراد بيرد
وجان
بيناكافا («أوسكار» أفضل فيلم تحريك) و«وال ـ إي» (2008) لستانتون أيضاً («أوسكار»
أفضل فيلم تحريك).
بدا الجزء الأول من «قصّة لعبة» أفضل من تابعه، بصرياً
ودرامياً وجمالياً. ومع أنه شكّل منعطفاً
في مسار التقنيات الخاصّة بصناعة أفلام
التحريك، فإنه ساهم في إطلاق مرحلة جديدة
من تاريخ شركة «بيكسار»، التي تفوّقت على «والت
ديزني» التقليدية والعريقة في صناعة أفلام الرسوم المتحرّكة. غير أن
أفلاماً
أخرى تجاوزت الجماليات الفنية والدرامية والإنسانية التي عرفها هذا الجزء،
خصوصاً «البحث
عن نيمو» و«راتاتوي»، قبل أن يفرض «وال ـ إي» نفسه كطرح ثقافي وإنساني في
العالم المستقبلي الخاضع إلى سلطة الآلات، أو بالأحرى الذي ناقش تفاصيل
العيش في
فضاء جغرافي مصنوع من الآلات الممتلكة مشاعر إنسانية في عالم ما بعد الخراب
المطلق
للكرة الأرضية.
أُنجز «فوق» (أو «إلى فوق» في ترجمة عربية ثانية للعنوان
الإنكليزي «Up”)
في سياق تاريخي عاديّ للشركة وطروحاتها الفنية والدرامية. وعلى
غرار الرسائل، المبطّنة أو المباشرة، التي تبثّها أفلام الشركة، سياسياً
وأخلاقياً
وإنسانياً، بدا «فوق» معبّأ بدلالات متعلّقة بالأرض والوطن والإيمان،
بالإضافة إلى
النزاع بين منطقين متناقضين (الخير والشرّ، مثلاً)، الذي أكّد الفيلم على
أن
الانتصار النهائي حكرٌ للخير والمدافعين عنه في وجه الأشرار الذين سحقتهم
آلة
السلطة والإعلام، جاعلة منهم، إلى حين، أبطالاً. هنا أيضاً يُمكن القول إن
ماضي
الشخصيتين المتنازعتين، العجوز كارل فريدريكسن (صوت إد آزنر) والمستكشف
الكذّاب
شارل مونتز (صوت كريستوفر بلامر)، دفعهما إلى خياراتهما الآنيّة: فالأول
مواجه شرس
لوحش الرأسمالية واللوبي العقاري والسياسة العمرانية، بتمسّكه الحادّ
بمنزله
المتواضع وسط إعمار حداثوي لناطحات سحاب عصرية، وبطيرانه بمنزله هذا إلى
أميركا
الجنوبية لتخليد ذكرى زوجته الحبيبة الراحلة. والثاني متمرّد على سلطات
جعلته بطلاً
في الاستكشاف، قبل أن يسقط في متاهة الكذب والهوس بالحيوانات المنقرضة
والعزلة في
أقاصي الأرض تحضيراً (قذراً) للعودة إلى بلده منتقماً ممن أذوه ورموه في
النسيان.
إنهما غاضبان لأسباب متباينة، قبل أن يلتقيا صدفة فيقع الصدام بينهما.
لم يشأ
بيت دوكتور وبوب بيترسون تحويل فيلم تحريك كهذا إلى خطاب أخلاقي وإنساني
فقط، لأن
صناعة التحريك (وقبلها الرسوم المتحرّكة) محتاجة إلى عناصر ترفيهية وجميلة
وهادئة،
ولا بأس ببعض الرسائل الموجّهة إلى الكبار، إذ إن التحريك لم يعد محصوراً
بجمهور
الصغار. لذا، أدخل المخرجان شخصية الصبي راسل (صوت جوردان ناغاي)، الذي
أصرّ على
مرافقة العجوز في رحلته الغريبة؛ ورسما معالم جغرافية مليئة بحيوانات غريبة
وأشكال
طبيعية مختلفة؛ وضمّنا السياق رحلة ومغامرات وعلاقات إنسانية بين صبي مصدوم
بسلبية
والده وعجوز متفهّم (وإن بعد وقت) مأزق الولد ومحبته له. كما أن جدّية
الطروحات
المتنوّعة لم تسيطر، كلّياً على النصّ الدرامي، إذ عمل الثنائي دوكتور
وبيترسون على
تضمين الحكاية مواقف مضحكة ومسلّية وغريبة، بالمعنى الإيجابي للكلمة.
السفير اللبنانية في
11/06/2009 |