تؤكد السينما المصرية موسماً بعد الآخر انها في حاجة ان تجدد شبابها
بالأفلام المثيرة للجدل. وقد أثبت الجمهور خلال هذا العام انه يعشق الأفلام
التي تعيد اليه الحيوية والنشاط. ومن خلال الحوار مع الشاشة.. الحوار
القائم علي صراع الأفكار خاصة في الأفلام ذات البعد السياسي مثل "واحد صفر"
و"دكان شحاتة" و"إبراهيم الأبيض" وفي الطريق "بوبوس" و"بصرة"
.. هل عادت السياسة إلي الشاشة أم انها لم تذهب حتي تعود؟
.. هل ما نشاهده الآن من أفلام تنتمي للسياسة بالاسم فقط؟
ولماذا لا تدور النقاشات حول مضامين تلك الأفلام. بينما نسمع اعتراضات حادة
حول فساتين هيفاء ومشهد المرجيحة وقبلات عمرو سعد؟! ويتركون القتل والجرح
والاعتداء وغياب الأمن وغيرها من الصور الأكثر سخونة؟!
* للباحث السينمائي شكري الشامي دراسة متميزة عن "جماليات الفيلم السياسي
المصري" حيث يحدد سمات الفيلم السياسي ويقول: أن يكون المضمون الفكري
للفيلم واضحا وان تتوفر المصداقية في شخصيات الفيلم من حيث الواقعية
والجرأة في التناول ونقد الأوضاع القائمة والمعالجة التي تجسد وجهة نظر
تقدمية أو محاكاة التقرير الصحفي الجاد واستخدام المشاهد التسجيلية الحية
للتوضيح وشيوع الكلمات والعبارات ذات الدلالة السياسية وتوافر عنصر التشويق
الدرامي والاثارة ومحاولة استجلاء الواقع واستشراق المستقبل.
ويقدم الباحث العديد من النماذج المتميزة للأفلام السياسية المصرية مثل:
فيلم "الأرض" للمخرج يوسف شاهين 1969. و"المتمردون" للمخرج توفيق صالح.
و"القضية 68" للمخرج صلاح أبوسيف. و"ميرامار" للمخرج كمال الشيخ و"غروب
وشروق" لنفس المخرج والذي يتناول خلاله الفساد السياسي قبل ثورة يوليو من
خلال شخصية رئيس البوليس السياسي. وفيلم "العصفور" ليوسف شاهين الذي يتعرض
لتحليل الظروف التي أدت إلي هزيمة يونيه 1967. و"زائر الفجر" للمخرج ممدوح
شكري عام 1975 الذي يقدم صرخة احتجاج ضد القمع السياسي. وفيلم "الكرنك"
للمخرج علي بدرخان الذي يقدم إدانة واضحة لمراكز القوي وفيلم "البداية"
للمخرج صلاح أبوسيف الذي يتعرض بأسلوب الكوميديا لنقد الديكتاتورية
وتأييداً للديمقراطية.
دكان شحاتة
* وهذا الصيف قدم المخرج خالد يوسف فيلم "دكان شحاتة" عن سيناريو لناصر
عبدالرحمن الذي كتب له من قبل "هي فوضي" و"حين ميسرة" وأثار الفيلم ضجة
كبيرة كان أعلاها صوتاً الاعتراض علي بعض مشاهد مغنية الفيديو كليب هيفاء
وهبي في حين اعترض البعض علي المضمون السياسي للفيلم. وفريق ثالث اعترض علي
المستوي الفني للاخراج ومنهم الناقد السينمائي د. أحمد يوسف الذي يقول:
"نحن في حاجة لأن نعيد تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية. لأن "دكان شحاتة"
لا يمثل السينما السياسية لكن يمكن اعتباره تجسيدا لرؤية المخرج خالد يوسف
لاستخدام السينما في التعبير عن المشاكل السياسية من وجهة نظره. ليس يكفي
أن يحذر من الطوفان القادم في نهاية الفيلم لكي يثبت أنه يفهم في السياسة
كما انه ليس هناك معني لاقحام أحداث وقعت في السنوات الأخيرة علي حدوث
الفيلم التي ليس لها أي علاقة لا بحريق قصر ثقافة بني سويف ولا باعتصام
نادي القضاة ومن الممكن حذف هذه الاشارات دون ان تشعر كمشاهد بانك تفقد
شيئا من محتوي الفيلم فأسلوب الفيلم جاء شديد التقليدية علي العكس تماما من
الرسالة السياسية التي يزعم المخرج بأنه يقدمها يحاول الفيلم ان يستدرج بعض
السياسيين والمثقفين لتصور ان هذه هي السينما السياسية وهذا غير صحيح
بالمرة".
اهتزاز القيم
* وقد شهد هذا العام عرضاً واحداً من انجح الأفلام السياسية علي المستوي
الجماهيري والنقدي وهو فيلم "واحد صفر" للمخرجة كاملة أبوذكري التي تقول:
ليس بالضرورة ان يكون الحدث الأساسي في الفيلم حدثاً سياسياً مباشراً ولكنه
يوجد في خلفية الأحداث وقد يكون هذا الوضع له تأثير علي المشاهد أكثر بكثير
من الكلام المباشر في المشاكل السياسية التي نعيشها. لأنني مع كاتبة
السيناريو مريم ناعوم قدمنا 8 شخصيات حقيقية من المجتمع الذي نعيش فيه.
وكلها تعبر عن حالة التروي العام واهتزاز القيم في المجتمع المصري. كما
أشرنا إلي العجز الواضح عن مواجهة المشاكل دون البحث عن حلول جذرية لما
نعانيه وهو ما أوصلنا الي المعاناة والشكوي في حين ان انتصارنا علي الاحباط
ليس مستحيلا.
الكوميديا السياسية
* أما كاتب السيناريو لؤي السيد فقد قدم فيلم "رامي الاعتصامي" وهو ينتمي
إلي الكوميديا السياسية ويقول:
عندما تتصفح مواقع الانترنت ومجموعات "الفيس بوك" للشباب سوف تكتشف ان
المشاكل السياسية هي الطاغية والمسيطرة علي نسبة كبيرة من اهتمام الشباب
ومن هنا جاءت فكرة فيلم "رامي الاعتصامي" ولكن في اطار ساخر فالبطل لا
علاقة له بالسياسة ولكنه تعامل مع الاضرابات وكأنها "موضة" جديدة ومن
خلالها تعرف علي التيارات السياسية الموجودة في المجتمع والتي كان يجهلها!
ويضيف: من المستحيل ان تتجاهل السينما الواقع السياسي الذي نعيشه ولكن
المشكلة في أسلوب تناول هذا الواقع فاستخدام الكوميديا قد يساعد أحيانا في
التحايل علي الرقابة الي جانب ان الجمهور يفضل الكوميديا لأنها تخفف عليه
ما يعيشه من أحداث أما النجاح الجماهيري للفيلم فهو يختلف من موضوع لآخر
لأن هناك أفلاماً تعتمد علي نجومية البطل وأفلاماً تعتمد عل شهرة المخرج
وأخري تعتمد علي جمال البطلة. ولكن النجاح في النهاية له أسبابه الواضحة
وهي عدم الاستخفاف بعقل المشاهد والتعامل بجدية مع السينما لانها فن يعيش
سنوات وسنوات وليس مثل أغاني الفيديو كليب تنساها قبل ان تنتهي!
حرية التعبير
* أما المخرج أحمد رشوان الذي قدم فيلم "بصرة" وهو واحد من الأفلام
السياسية الجادة وحصل به علي جائزة اخراج العمل الأول من المهرجان القومي
الأخير فيقول:
ما يهم المخرج قبل أي شيء هو حقه في حرية التعبير عن فكرته من خلال الفيلم
سواء كان الفيلم سياسيا أو غير ذلك فيلم ناجح علي المستوي الجماهيري مثل
"دكان شحاتة" الا انك تجد مستوي النقاشات حوله تدور حول دور هيفاء وهبي
ومشاهد الحب بينها وبين عمرو سعد ومشهد المرجيحة في مولد الحسين. ولكن
للأسف الشديد تدور المناقشات الجادة حول الفيلم بين شريحة ضيقة من المثقفين
والنقاد والجمهور غارق في مشاهد هيفاء وهبي وحدها وهذه كارثة بالفعل. فيلم
يتحدث عن الأوضاع السياسية خلال السنوات التي نعيشها اليوم ويقدم نبوءة
بالمستقبل وتجد الكلام عن فستان هيفاء وهبي وكيف انه غير محتشم ولا يناسب
بنت صعيدية طيب ما رأيك في الطرح السياسي للفيلم؟!
ويضيفك المشكلة أيضا اننا لا نكتفي بالنقد الأخلاقي لملابس البطلة بل نطالب
بمنع الفيلم بسبب ذلك؟! وكأن الفيلم أغنية خليعة وليس قصة وأحداثاً ورؤية
مخرج تختلف أو تتفق معها لقد هبط الحوار إلي أدني مستوي وأخشي ان نكون
فقدنا قدرتنا علي مشاهدة الأفلام. لأننا نقطع المشاهد من سياقها الفني
والدرامي. ونتعامل معها وكأنها هي الفيلم. في حين ان الفيلم وحدة واحدة من
أول مشهد وحتي كلمة النهاية.. فلماذا نتجاهل كل هذا.. سواء اتفقنا معه أو
اختلفنا!
الجمهورية المصرية في
11/06/2009 |