في حوار منشور
على صفحات «نيويورك تايمز»، يمضي فرانسيس فورد كوبولا في تعقب أحلام خريف
العمر، إن
صح الوصف، ويقظة من يريد أن يصنع أفلاما ذاتية لها أن تكون متطرفة في تقديم
ما يحب،
واستبعاد ما يكره، من دون تدخلات الشركات المنتجة، وخضوع
الفيلم لما يعرف بـ «فوكاس
غروب»، وليكون حديثه على ارتباط وثيق مع فيلمه الأخير «تيترو» الذي عرض في
الدورة
الأخيرة من مهرجان كان -خارج المسابقة الرسمية- وصوره في بوينس أيريس
بالأبيض
والأسود.
يعتبر كوبولا أن الفيلم هو الثاني في المرحلة الثانية من مسيرته
السينمائية، إذ يضعه إلى جانب فيلم سبقه، حمل عنوان «شباب دون
شباب»، لهما أن يشكلا
حاملاً لكل ما يحب في السينما فهو يريد أن يقدم لقطات طويلة ومشغولة بشغف
بعيد عن
أية اعتبارات تجارية أو ترويجية، أو على هيئة تحية لمخرجين أحب فنهم، مثل
أكيرا
كوروساوا وانغمار برغمان، مستعيدا كما صرح منذ سنتين لجريدة «الإندبندنت»
أخوه الذي
كان يصحبه معه إلى السينما حين كان صغيراً.
ولن يخفى على القارئ فإن صاحب «العراب»
مسكون بالحنين، لا بل إنه يقول وقد وصل الـ70 «لم يعد هناك كثير من الوقت،
أريد أن أقدم السينما التي أحب»، ويضيف «أريد أن أكتب سيناريو
آخر
وأصوره».
على هذا النحو، ينهي حواره في «نيويورك تايمز»، بعد حديثه عن
الموسيقى الكلاسيكية وما تعنيه له، وعن انقطاع علاقته تماماً
مع «هوليوود» «من يأبه
بها، إنها صناعة سينمائية تقدم الأفلام نفسها مراراً وتكراراً، صناعة تحجب
عنا
التجريب»، وليمضي إلى أن الجمهور وتخليه عن الفضول والتجربة جزء من
المشكلة، «فبعد
جيلين من التلفزيون أصبح الجمهور يتوق لرؤية ما تعود عليه، صار
مثل الأطفال الذين
يرغبون في سماع القصة نفسها في كل ليلة».
كل ما تقدم شكل من استدراكات صاحب «القيامة
الآن» الذي يعتبر أن النجاحات المبكرة التي حققها حرقت مراحل النجاح
التدريجية التي يمر بها المخرج، فمع إخراجه «العراب» وحصده كل
تلك الأوسكارات، ولم
يكن قد تجاوز ال29 من عمره، أحس وهو شاب بأنه «مخرج في آواخر العمر»، فما
يجعله
المخرج طموحاً له، سرعان ما تحقق مع كوبولا وهو في خطواته الأولى.
يسعى
كوبولا أن ينفلت من أي شروط خارج فن السينما كما يراه، يمضي في «تيترو» من
خلال قصة
سفر شاب لملاقاة أخيه في الأرجنتين ما يشبه فيلم فيسكونتي «روكو
وإخوته»، معتبراً
أن كل الشخصيات التي يقدمها جزء منه، من تكوينه أو شخصيته، لا بل معتبراً
علاقته
معها تشبه إلى حد بعيد علاقة الكاتب المسرحي تينسي وليامز مع شخصية بلانش
الخالدة
في «عربة اسمها الرغبة»، ومما يذكر عن علاقة وليامز ببلانش
التي خلقها بأنه - كما
يورد في مذكراته- صار يتكلم معها ويردد عباراتها، كما لو أنها تقولها له،
متناسياً
أنه كاتبها، وعلى رأس تلك العبارة أشهرها قاطبة والتي مازالت تتردد على
خشبات
المسرح حول العالم «لطالما اتكلت على لطف الغرباء».
لم أشاهد بعد فيلم «تيترو»، لكن كما يوحي ما يصرح به كوبولا،
فإنه سيكون مختبئاً خلف كل شخصياته،
سيكون ظله مرمياً عليها، وعلى شيء ربما عالم اللغويات الذي قدمه في «شباب
دون شباب»
والذي يعكف على تأليف كتاب سيغير مصير
البشرية، وقصة حبه العاصفة مع امرأة لها أن
تقلب حياته، شيء من قدوم الأشياء متأخرة، والحلم بتغير العالم،
وربما الاستسلام لم
تمليه الأحلام والرؤى الشخصية كما حال كوبولا الآن.
الإمارات اليوم في
11/06/2009 |