مئات البالونات الملونة تطير في الفضاء. المغامرة لا معقولة. والبيت يرسو
بعيداً
على حافة شلالات الجنة في موقع من أكثر المواقع سحراً في
العالم. انه الفيلم الذي
يؤكد مخرجه أن الأحلام المستحيلة من الممكن تحقيقها فيه بأبسط الوسائل.
طالما أن
هناك فيضاً من الحب فقط علينا أن نشغل مفتاح الخيال.
حين حاصرت الأزمة العم كارل راح يحادث حبيبته الراحلة متسائلاً: ماذا أفعل
يا
إيلي؟ بات البيت، موطن ذكرياته كلها مهدداً بالاجتياح من قبل
شركة التعمير في تلك
الناحية الغارقة في السكون. وحين اعترض على اقتحام أحد العمال صندوق البريد
الخاص
به، هدده المقاول بالإبلاغ عنه لمركز رعاية المسنين؟ أية رعاية؟ يتصفح
العجوز
المذكرات الخاصة لحبيبته الراحلة فيجد العبارة المفتاح ممهورة
باسمها «ابدأ مغامرة
جديدة».
يحدث هذا في فيلم «فوق» وهو ثمرة اجتهاد المخرجين بيتر دوكتر وبوب بترسون
وعملهما مدة خمس سنوات كاملة، انطلاقاً من الرغبة في تصوير
شخصيات إنسانية لكل
منهما أمنية يريد تحقيقها فيخوض مغامرة في بيئة ساحرة خلال سرد ثري مليء
بالقيم
والمعاني النبيلة. وهذا الفيلم بعد أن افتتح به مهرجان «كان» دورته الأخيرة
يعرض
هذه الأيام في أنحاء العالم بالتزامن مع العرض الأول في
الولايات المتحدة.
في مقدمة الفيلم يتم تكثيف ستين عاماً من حياة العم كارل بائع البالونات
(لاحظ
أن اللعب بالبالونات يحقق حلم الأطفال في الطيران وهم بعد على
اليابسة). منذ طفولته
إلى أن يتقدم به العمر يرتبط الطفل كارل بصداقة الطفلة الشقية «إيلي»
المتشوقة
دوماً للمغامرة. تصحبه ايلي إلى عالمها الخاص في بيت خشبي صغير يصبح في ما
بعد عش
الزوجية وهناك تطلعه إيلي على دفتر مذكراتها حيث تحفظ صوراً
وأخباراً عن نجمها
الراحل المغامر تشالز مونتز الذي جاب الآفاق في منطاد حتى وصل إلى شلالات
الجنة في
أميركا اللاتينية، ومن يومها سكن ذلك الموقع خيال الطفلة، وبات حلمها أن
تذهب يوماً
إلى هناك. وعليه فقد استحلفت كارل أن يبني لها بيتاً على قمة
الجبل بجوار
الشلال.
تتسع مقدمة الفيلم أيضاً لزواج الحبيبين وحياتهما الخشنة في البيت المتواضع
حيث
يغمرهما دفء العاطفة فيستلقيان على العشب فوق ربوة ليستمتعا
بتشكيلات السحب. وتمتد
مقدمة الفيلم إلى أن يتقدم بهما العمر وترحل الحبيبة فلا يجد كارل من سلوى
سوى تصفح
مذكراتها حيث توصيه أن يبدأ مغامرة جديدة.
أكثر من مفاجأة
يستهل الفيلم بنقرات على الباب تعلن عن دخول راسيل فتى الكشافة الظريف،
حياة
العم كارل مثيراً الابتسام لبدانته من فرط أكل الشيكولاته.
يطلب
الكشاف أن يقدم
خدمة أو مساعدة للعم كارل حتى يستكمل وشاحه المرصع بشارات التميز من دون
شارة
معاونة المسنين التي تؤهله لتحقيق أمنيته في الحصول على وسام
الكشاف المكتشف. وهكذا
لا تمر مقدمة الفيلم من دون أن يقدم المخرجان تحية لحركة الكشافة مؤكدين
دورها في
تنمية الوعي الاجتماعي لدى الفتيان.
وهنا يلاحقنا المخرج بالخبطة التي تزلزل حياة العم كارل حين يقتحم الناحية
فريق
العمل مهدداً العجوز بإيداعه مركز رعاية المسنين فلا يجد العم
غير طلب المشورة من
حبيبته الراحلة! بعد ذلك بدقائق قليلة يصاب فريق العمل بصدمة حين تزلزل
الأرض خالعة
البيت الخشبي عن قاعدته لتحلق به مئات البالونات في الفضاء.
وهكذا على هدى الخريطة وبرفقة الكشاف الطريف يأخذ البيت وركابه إلى شلالات
الجنة. هناك يلتقي العم كارل بالرحالة مونتر وهو واحد من جيل
المغامرين الأوائل
الذين دأبوا على انتهاك الطبيعة البكر وإبادة الكائنات التي تعيش فيها.
فيدور صراع
عنيف بينهما ينتهي بفك أسر طائر البكاسين البديع، ذلك الطائر الذي يأنس
لفتى
الكشافة حباً في الشيكولاته، وفي النهاية يأتي ختام الفيلم
بمفاجأة إضافية حين تدفع
الرياح البيت لتطيّره بالبالونات إلى أعلى قمة الجبل وتحقق أمنية العزيزة
الراحلة
ويفوز فتى الكشافة بشارة التميز.
يزخر الفيلم بعدد من المشاهد البديعة بداية من مشهد إقلاع البيت ومشهد
العاصفة
الرعدية، فضلاً عن مشهد الصراع بين طرفي الصراع في الفيلم كارل
ومونتر.
فيلم «فوق» لبيتر دوكتر يعرض بسخاء ضفيرة من القيم والمعاني النبيلة برقة
بالغة
بداية من تفعيل الخيال، للوفاء بالوعد وصولاً الى احترام
مفردات الطبيعة إضافة
لتحية حركة الكشافة. فضيلة الفيلم أنه منزه عن العنف المفروض هذه الأيام
على شاشات
العرض، ما يؤهله للعرض على الأسرة.
الحياة اللندنية في
26/06/2009 |