«نهاية تليق بأسطورة».. هكذا وصفها البعض. لذلك، وعلى الرغم من مرور ثماني
سنوات على رحيل السندريلا سعاد حسني، لا يزال لغز وفاتها في مدينة الضباب
مثار جدل واسع في الأوساط الإعلامية والصحافية، جدل استفز مشاعر المخرج
الكبير علي بدرخان، زوجها السابق، الذي رفض كل أشكال المتاجرة بسيرة
الراحلة، قائلا «ارحموها، فقد ماتت، ولا يجوز عليها الآن إلا الرحمة». ويصف
بدرخان شعوره وقد مرت على وفاة سعاد حسني ثماني سنوات، بقوله: أزداد حزنا
عليها كل يوم، خاصة مع استمرار استغلالها ونهش لحمها بكل الطرق في الوسط
الإعلامي. لقد كثر الحديث عنها، ما بين القتل والانتحار، ومهاترات وأقاويل
ليس لها داع الآن. وكل ما أستطيع قوله هو إن سعاد تم استغلال شهرتها
وماضيها المشرف في الفن وتعلق الناس بها. وما يجري الآن هو، باختصار، «شغل
حرامية».
وحول ارتباطها بالسندريلا لأحد عشر عاما، هل يمكن تصور أن تُقبِل سعاد حسني
على الانتحار، قال: رحمها الله، كان زواجي منها حدثا سعيدا في حياتي، لا
أحب تعكيره الآن بكلام مستهلك ومكرر. أفضل أن نتركها تنعم بالجنة. اليوم لا
يجوز عليها سوى الرحمة، فسواء كانت قتلت، أو انتحرت، ما فائدة معرفة ذلك
بعد رحيلها؟، يكفي محاولة الإعلام استغلال حادث وفاتها، بدعوى الاهتمام بها،
والرغبة في نقل تاريخها كقيمة إنسانية، غير أن ما قاموا به هو أمر بعيد
تماما عن القيم والأخلاقيات.
وعن تجربة الاكتئاب التي مرت بها سعاد حسني أثناء زواجهما، يقول علي بدرخان:
لم يحدث ان اصيبت باكتئاب. قد تغضب وتثور، مثلها مثل أي إنسان آخر.. صحيح
أن غضبها مضاعف، نظرا إلى رقتها وحساسيتها الشديدة تجاه كل شيء، ولأنها
كانت عطوفة مع الجميع، فكانت تتألم حينما يخذلها أي إنسان سبق وتعاملت معه
بحسن نية وتلقائية.
ويرفض المخرج علي بدرخان كل الأعمال الدرامية التي تدور في فلك السير
الذاتية، كون هذه النوعية من الأعمال تخرج الفنان من إطاره السينمائي
والفني إلى إطار بعيد عنه تماما، وهو التاريخ، حيث يسهل خلط العام بالشخصي.
كما أن المبدع يفترض أن يكون هدفه تقديم قيمة إنسانية، وليس نقل بعض
المعلومات من حياة فنان، وأنه قام بكذا، وفعل كذا. ربما يمكن أن نتفهم
الأمر، لو قام به مؤرخ. لهذا السبب، أنا كنت ضد مسلسل سعاد حسني الذي
تهافتت على إذاعته القنوات الفضائية. هذا العمل ظلم سعاد حسني بقدر ما غابت
فيه حقيقة شخصيتها. واسألوا أي مشاهد عربي، ستكون إجابته «هذه ليست سعاد
حسني».
فسعاد ليست بهذه الصورة المشوشة على الإطلاق، وللأسف الشديد.. كل مَنْ
قاموا بصناعة هذا العمل «المشوه» أصدقاء لي أنا وسعاد، وكان بيننا «عيش
وملح»، ولكنهم خانوا كل شيء. في النهاية هذه رؤيتهم، وأنا ليس لي دخل بها،
لكنهم لم يستأذنوني في طرح شخصيتي على الشاشة، ومن جانبي رفضت حتى مجرد
الاعتراض.
وأكد بدرخان أنه تلقى اتصالات من معظم صناع العمل، حيث قال: كلهم تقريبا
اتصلوا بي. لكن أكثر ما أضحكني أن كل مَنْ حدثني يقول إنه تبرأ من المسلسل.
وأنا أسألهم.. أيجوز بعدما فعلتم فعلتكم أن تتركوا المسلسل بدون نسب،
وتعاملوه كأنه ابن الخطيئة؟!.
ونفى علي بدرخان خيانته لسعاد حسني عطفا على ما أظهره مسلسل «السندريلا»
وقال: لم أخن سعاد حسني على الإطلاق، وكل ما حدث أنهم أرادوا إعطاء جرعة
بهارات للعمل الدرامي، أما بالنسبة للضعف الذي تتحدثون عنه، فأنا لم أضعف
من قبل أمام أي امرأة، حتى أمام سعاد حسني نفسها، واختياري لسعاد كانت على
أساس أبعاد عديدة، وليس جمالها فقط، بل عقلها ومشاعرها، وانسجامنا معا.
وعن أول ما لفت نظره في سعاد قال: أول لقاء جمعنا كان في فيلم «نادية»، حيث
كنت مساعد إخراج لوالدي المخرج أحمد بدرخان، وأعجبت جدا بها، لأنها نجمة ـ
ولا تزال ـ تريد أن تتعلم؛ فتسأل، وتبحث، وهذه ميزة كبيرة وسط صخب مدعيي
العلم والمعرفة بيننا.
وعن الحديث عن علاقاتها السابقة للزواج به قال المخرج المصري: كثر الحديث
عن علاقتها وماضيها وزواجها العرفي، لكن كل هذا لم يؤثر على مشاعري أو
موقفي تجاهها، فما كان يخصني ليس ماضيها، بل حاضرها معي.
وعن مساحة الغيرة التي كانت في علاقتهما يقول: كانت موجودة، لأنها دليل
الحب، لكن لم تصنع بيننا أي مشاكل، وحينما نشعر أن مشكلة ما ستقع بيننا؛
على الفور يهدِّئ حبنا من روعنا.
ويرجع بدرخان أسباب الانفصال بينهم رغم هذا الحب بالفتور الذي يمر
بالعلاقات، وهو ما حدث بينه وبين سعاد، فتوترت العلاقة جدا، «وقررنا
الانفصال في هدوء، وصرنا صديقين».
ويرى بدرخان أن تأثيه في حياة سعاد حسني كان على نحو أنه نقلها من عالم إلى
آخر، «كانت تعيش وسط عالم من البسطاء، قد لا يجيدون القراءة والكتابة،
فنفضت عنها كل هؤلاء، وأصبحت تعيش معي في وسط مرموق يفكر بطريقة مختلفة،
مثل يوسف شاهين، وحسن فؤاد، وصلاح جاهين، وغيرهم من نخبة الوسط الإعلامي.
أما تأثيري عليها في الجانب الفني، فيكفي أنها قدمت معي سلسلة من أنجح
أفلامها».
وعن مشاهد الاغتصاب في فيلم «الكرنك» الذي اعتبرته لسعاد حسني من أصعب
مشاهدها. يقول بدرخان: لا بد أن يكون هناك فصل تام بين المشاعر والعلاقات
الشخصية، وبين العمل. كانت سعاد في «البلاتوه» مثلها مثل أي فنانة أخرى،
فنحن في الاستوديو نعمل لـ14 ساعة متواصلة، أي أننا لا نمزح، ولا نسجل
«قفشاتنا» الضاحكة ونعرضها على المشاهدين، إنما ثمرة مجهود شاق لا يتحمل
مشاعر شخصية وخواطر إنسانية.
وعن غيابه اليوم وهو المخرج الكبير عن الساحة الفنية، فيقول: لأني لا أريد
التواجد في عمل سينمائي لمجرد القول إن بدرخان موجود، كما أني لا أرغب في
إضاعة وقتي في أعمال تعاني من «عقدة الخواجة»، وتسقط في فخ «التقليد
الأعمى»، وهما من أبرز عيوب الفن السينمائي اليوم. وحول ما إذا أتيحت له
فرصة إخراج عمل سينمائي، وله حرية مناقشة القضية التي يريدها، فما هي أبرز
القضايا المسكوت عنها التي يرغب في طرحها، يقول: المشكلة ليست في الطرح، بل
في المناقشة والتحليل، والوقوف على أبعاد القضية نفسها.. فالقضية لا تتوقف
عند مستوى نقل الواقع إلى شاشة السينما. عندما نقدم أمورا يعرفها المشاهد،
ربما حتى أكثر من صُنّاعها، يكون السؤال المشروع: ما هي الإضافة إذن؟!. من
جانبي أريد أن أتناول وأناقش وأحلل كل ما يتعلق بالفساد بكل مستوياته، في
التعليم، والصحة.. وحتى القمح المغشوش الذي يُصنع منه رغيف العيش.. فمصر
بها سبعون مليون مواطن، والدولة لا تهتم فقط سوى بمليون، وهذا شيء يبعث على
التشاؤم.
وهم من وصفهم بمَنْ يمتلكون القصور والفيلات.. وحمامات السباحة، والسيارات
الفارهة، ورواد مارينا، وشرم الشيخ، والمدن الجديدة، وهذا ما يجعلني على
يقين من أن الأمل في طرح قضايا جادة تؤرقني هو أمر مستحيل. فمَنْ سيسمح،
ومَنْ سيهتم؟! وأكد بدرخان أنه لا يخشى الرقابة وقال: أنا كفيل بها، لكنني
أتحدث عن الإنتاج. لا يوجد اليوم منتج، خاصة في ظل التكتلات الجديدة التي
فرضتها الدولة علينا في عالم صناعة السينما، يتحمس لآراء لا ينتمي إليها.
وحول مطالب الكثير من صناع السينما بإلغاء الرقابة على المصنفات الفنية.
قال: لو أن مَنْ يعملون بالفن جادّون.. يكفي ذلك، ولو أن ضمائرهم تحكمهم،
فأنا مع ضرورة إلغائها. أما في حالة التسيب التي نمر بها اليوم، فأنا أتحفظ
على إلغائها.
وعن آخر أعماله قال انه أبدى موافقة مبدئية لإخراج فيلم عن الرئيس محمد
نجيب، وهو مجرد مشروع، لكن ليس هناك أي تفاصيل بشأنه، وستكون موافقته بعد
قراءة السيناريو.
وعن أعمال المخرج خالد يوسف وتشخيصها للواقع المصري قال: شاهدت له «حين
ميسرة»، و«الريس عمر حرب»، لكنه مخرج مبالغ جدا، ويطرح القضية أو المشكلة
على المشاهِد، وكأنه لم يكن يعرفها إلا من خلال الفيلم. أعمال خالد يوسف
بلا عمق، في تقديري. وقد نقول فقط إنها محاولة، أو اجتهاد. خالد يوسف لم
يتعلم من يوسف شاهين سوى التكنيك فقط، وأنا على يقين من أنه لم يتعلم شيئا
آخر.
وبعيدا عن الفن يعيش المخرج علي بدرخان كما يقول «في فيلتي ومكتبتي التي
أنشأتها داخل الفيلا نفسها بالتعاون مع مجموعة من الأصدقاء، وهي المكتبة
الوحيدة بشارع الهرم، كما أن نشاطها لا يقتصر فقط على بيع الكتب
واستعارتها، بل نقيم ندوات شعرية وثقافية، ونستضيف أدباء وفنانين، ونعرض
أيضا بعض الأفلام السينمائية ذات الطابع الثقافي. نرجو أن نسهم في النهوض
بمستوى تذوق هذا الفن، لأن السينما الآن تجارية أكثر من اللازم. أقول هذا،
وإنْ كنتُ لست ضد الأعمال التجارية، لكنني ضد أن يكون ذلك على حساب قيم
الفن والثقافة».
الشرق الأوسط في
26/06/2009 |