شهد العرض الأول
لفيلم «إحكي يا شهرزاد» للمخرج السينمائي المصري يسري نصرالله ازدحاماً
إعلامياً
شديداً وحضوراً واسعاً لعشرات المحطّات الفضائية، التي سعت كل
واحدة منها إلى
الحصول على انطباعات الحاضرين بخصوص الفيلم، علماً أن غالبيتهم من النقّاد
والصحفيين. وغاب الممثل أحمد حلمي، على الرغم من تأكيد البعض على حضوره
للردّ على
شائعات طالت زوجته الممثلة منى زكي بطلة الفيلم، وتعلّقت بـ«مشاهد
عري» لزكي، سمّيت
أيضاً «مشاهد ساخنة» قيل إنها وافقت عليها «لاستعادة بريق نجوميتها، الذي
تردّد
مراراً أنه خفت في العامين الأخيرين». لكن زكي أكّدت، في تصريح لـ«وكالة
الأنباء
الألمانية (د.ب. أ.)»، أن كل ما أثير حول «سخونة» دورها في
الفيلم وتقديمها مشاهد
لا تليق بها كزوجة «لا أساس له من الصحّة، لأن كل من أشاعوا تلك الأمور لم
يشاهدوا
الفيلم أساساً»، مضيفةً أنها لا تعرف مصدر الشائعة، ولا يمكنها التعليق على
كونها
صادرة عن الشركة المنتجة للفيلم بهدف الترويج له، أو غيرها من
الجهات؛ لكن ما
يهمّها كامنٌ في أن يكتشف الجمهور «كذب الإدعاءات كلّها، بعد مشاهدته
الفيلم.
عندها، يُمكن للجميع الحكم على دوري وإبداء
الرأي في كوني قدّمت مشاهد غير لائقة أم
لا».
نزاعات فردية
تؤدّي منى زكي دور مُقدِّمة برنامج حواري «توك شو» تبثّه
قناة فضائية مستقلّة، ويسعى زوجها الصحفي الكبير (حسن الرداد)
العامل في إحدى
المؤسّسات الإعلامية القومية إلى منصب رئيس التحرير. غير أن جرأة برنامج
زوجته
وهجومها على سياسات الحكومة تمنعه من ذلك، ما يدفعه إلى مطالبتها بالكفّ عن
إثارة
المشاكل، حتى يحصل على المنصب. ويقدّم الفيلم خمس قصص مختلفة تتناول كلّها
أحوال
النساء في المجتمع المصري: أولاً، هناك قصّة بطلة الفيلم مع
زوجها، ثم قصّة فتاة
تعيش «في وجهين متناقضين» (الفنانة التونسية فاطمة الناصر)، إذ تبدو في
النهار
أنيقة ومتبرّجة بسبب عملها في محل لبيع العطور ذات الماركات العالمية، في
حين أنها
تعيش، في الوقت نفسه، في منطقة عشوائية، تفرض عليها ارتداء الحجاب عند
عودتها إلى
منزلها. إن حالة الفتاة هذه، الملقّبة في الفيلم بـ«سلمى حايك
المصرية»، تدفع
المذيعة الشابة إلى التوجّه إلى النساء، لتقديم حالات تُظهر التناقض وتبرز
أن قضايا
المرأة مرتبطة أيضاً بالوضع السياسي، وأن الفساد الذي يسود في حال ينعكس
على
الأحوال الأخرى. ومن خلال قصّة امرأة أدّت الظروف إلى جعلها
قاتلة بعد موت والدها (رحاب
الجمل)، عندما اكتشفت أن أحد العاملين في محل والدها ضاجعها وشقيقاتها
الثلاث
فتقوم بقتله، تعرّي الصحافية واقعاً اجتماعياً مسكوتاً عنه، إلى جانب
المأزق
الاجتماعي الذي يحرم المرأة كثيراً من حقوقها، ويضعها تحت وطأة
تحكّم الرجل
واستغلاله لها. وهذه القصّة اعتبرها البعض الأكثر ثراءً في الفيلم، ونالت
إعجاب
غالبية المُشاهدين. هناك أيضاً شخصية عانس في الخمسين من عمرها، ترفض
الزواج لأن
الرجال الذين عرفتهم يبحثون عن المتعة الجنسية. وسيّدة أخرى
خدعها خبيرٌ اقتصادي
مرموق، يعيش على نهب ثروات النساء، قبل أن تفاجأ بتقلّده منصباً وزارياً في
الدولة.
بهذا المعنى، يُمكن القول إن الفيلم، الذي كتبه وحيد حامد، يُقدّم عدداً من
الأحداث الاجتماعية المعروفة في المجتمع المصري، منها تلك
القصّة الحقيقية عن حلم
رواه صحفي يعمل في صحيفة حكومية كبيرة لزميل له كان مُرَشّحاً لمنصب رئيس
التحرير،
فإذا بالحلم يثير أزمة كبيرة في الصحيفة. والنهاية الدرامية مؤثّرة، لأنها
تصوّر
تعرّض مقدّمة البرنامج للضرب على يديّ زوجها الصحفي الكبير،
الذي لم يحصل على
المنصب بسبب إثارة زوجته المشاكل، علماً أن هذا المشهد يذكّر بالحادثة التي
تعرّضت
لها مقدّمة البرامج السعودية رانيا الباز، التي ضربها زوجها وشوّه وجهها.
الزمن
الجميل
إلى ذلك، أشار تقرير «د. ب. أ.» إلى أن كثيرين ممن حضروا العرض الخاص
بالفيلم رصدوا تطويلاً غير مستحب في بعض أجزائه، علماً «أن
الخلاف الأساسي تركّز
على طول مدّة قصة الشقيقات الثلاث، التي كانت بمثابة فيلم داخل الفيلم
الأصلي، خاصة
أن المخرج عمد إلى الاسترسال في سردها من دون تقطيع، على نقيض سرده القصص
الأخرى».
وكشف التقرير نفسه أن الجميع أثنى على
الممثل الشاب حسن الرداد، الذي قدّم أول
بطولة سينمائية له في فيلم ضمّ عدداً كبيراً من الممثلين كضيوف
شرف، أمثال محمود
حميدة وسوسن بدر وحسين الإمام، إلى جانب وجوه جديدة وممثلين مغمورين برزت
أدوارهم
بشكل كبير.
من ناحية أخرى، نقل الزميل رياض أبو عوّاد، في تقرير نشرته «وكالة
الصحافة الفرنسية» مؤخّراً، آراء عدد من الصحافيين المصريين
حول الفيلم نفسه، كطارق
الشناوي الذي قال إن الفيلم «أثبت أن السينما المصرية قادرة على صناعة
سينما
حقيقية، وليس أفلاماً تُصنع لإرضاء النجوم»، وعُلا الشافعي التي رأت أن
«المباراة
بين كاتب السيناريو والمخرج جاءت متألّقة، وقدّمت فيلماً
يُعتبر الأفضل بين الأفلام
التي أُنتجت في السنوات الأخيرة، حيث جمع السياسي والاجتماعي والفردي في
جمالية
سينمائية برزت جليّة، بعد مشاهدتنا الأفلام التي عُرضت في هذا الموسم
السينمائي»،
وأشرف البيومي، الذي قال إن «إحكي يا شهرزاد» أعاد للسينما
المصرية «زمن الفن
الجميل»، مؤكّداً أن «الجميع كان ينتظر عمل المخرج يسري نصرالله مع كاتب
السيناريو
وحيد حامد، في أول تعاون بينهما في صناعة فيلم، وكل واحد منهما
متميّز في مجاله».
إلى ذلك، أكّد يسري نصرالله، الذي وصفه أبو عوّاد بكونه «معروفاً
بانتقائيته
الشديدة للسيناريوهات»، أن «السيناريو الذي كتبه وحيد حامد شدّني جداً»،
بسبب «حكاية القسوة التي تكسر الناس في السياسة،
كما يحصل بالنسبة إلى الفلسطينيين، أو
الفساد في الحالة التي نعيشها. وعلى الرغم من هذه القسوة، فإن
الشخصيات تقوم من
جديد، وتتمرّد على وضعها كضحايا، وتخوض تطوّرها البطولي، ما يجعلها ترتبط
بآفاق
متفائلة ضمن سياق الحياة».
السفير اللبنانية في
27/06/2009
رحيل فرح فاوست.. «ملاك
تشارلـي»
نديم جرجورة
ثلاثة أعوام متتالية
أمضتها في صراع يومي مع مرض سرطان القولون، الذي اكتُشف في العام 2006، ما
أدّى بها
إلى خوض مواجهة قاسية معه، انتهت في الخامس والعشرين من حزيران
الجاري، بموتها عن
اثنين وستين عاماً. ولئن بدا صراعها مع المرض نموذجاً حيّاً لمعنى الحياة
والتزام
نبضها، فإن الموت الذي أمسك بها في لحظة ما، هي دائماً اللحظة غير
المناسبة، جعلها
تستعيد شيئاً من نجومية أدركتها قديماً قبل أن تتحرّر من
سطوتها لألف سبب وسبب.
وبما أن الموت، عندما يقتنص إنساناً، يُعيده إلى الواجهة في الوقت نفسه،
وإن للحظات
قليلة أحياناً، فإن الممثلة، التي ظلّت طوال حياتها تصارع هذه النجومية
الممتنعة
عنها مراراً من دون أن تُسقطها من حسابها، حافظت على شيء من
حضور خفر، لأن اسمها
رافق أجيالاً، ولأن سيرتها كشفت عمق الحكاية المبنية على أقسى التناقضات
الممكنة.
قبل يومين اثنين، أُعلن عن موتها، بعد خمسة أعوام اعتزلت فيها الحياة
الفنية،
التي عرفت أثناءها نشاطاً ملحوظاً في المجال السينمائي، على
الرغم من أن شهرتها
الفعلية انبثقت من دورها التلفزيوني الشهير، بتأديتها شخصية جيل مونرو،
إحدى
الملائكة الثلاثة المعروفين باسم «ملائكة تشارلي» (ابتكار آرون سبيلينغ)
إلى جانب
جاكلين سميث وكايت جاكسون. غير أن فرح فاوست، زوجة الممثل التلفزيوني لي
مايجورز (الرجل الآلي في «رجل الستة ملايين دولار»)،
لم تصمد طويلاً في هذا المسلسل، الذي
عرفه العالم في العام 1976، لأن مشاكل جمّة وقعت بينها وبين
المنتجين، ما جعلها
تغادر «بلاتوهات سبيلينغ» بعد موسم واحد فقط ضمّ ثلاثاً وعشرين حلقة، من
دون أن
تقطع علاقتها بهذه المؤسّسة البوليسية المؤلّفة من ثلاث نساء يتلقّين
الأوامر من
تشارلي غير المرئي إطلاقاً (يتحدّث معهنّ عبر الهاتف دائماً)، الذي
يُكلّفهنّ
بمهمّات شبه مستحيلة، ينجحن في تأديتها على أكمل وجه، دائماً.
فهي عادت إلى المسلسل
نفسه في العامين 1979 و1980، مشاركة في ثلاث حلقات في كل عام فقط، علماً أن
العام
ألفين شهد الاقتباس السينمائي الأول للسلسلة التلفزيونية، عندما أخرج ماك
جي
«ملائكة
تشارلي»، متعاوناً مع الممثلات كاميرون دياز ودرو باريمور ولوسي لو،
اللواتي ظهرن في الجزء الثاني من «ملائكة تشارلي» بعنوان «اختناق كامل»
لماك جي
أيضاً، في العام 2003، وكان يُفترض بفرح فاوست أن تظهر فيه،
إلاّ أن أسباباً غير
معروفة تماماً حالت دون ذلك، وإذا بجاكلين سميث تحلّ مكانها.
دورها التلفزيوني
هذا منحها شهرةً لا مثيل لها، لكن الممثلة ارتضت التخلّي عنه، إما لأنها لم
تعد
قادرة على احتمال ضغط العمل، وإما لأنها شعرت باستحالة بقائها
محاصرة في دور
تلفزيوني واحد، ما جعلها تخوض تجربة العمل السينمائي، الذي أتاح لها فرصة
الاشتغال
مع مخرجين كبار، حتى قبل ظهورها هذا على الشاشة الصغيرة، إذ عملت بإدارة
كلود لولوش
في «رجل يُعجبني» في العام 1969، ومع مايكل سارن في «ميرا
بريكينريدج» في العام 1970، قبل أن يختارها ستانلي دونان في الجزء الثالث من «ساتوم» (1980)
وآلن ج.
باكولا في «أراك في الصباح» (1988) وروبرت دوفال في «الرسول» (1998) وروبرت
ألتمان
في «الدكتور تي والنساء» (2000)، الذي كان آخر فيلم سينمائي لها قبل
«الطعام
المُقدَّم في نزهة في الهواء الطلق» للانس ريفييرا في العام
2004، موعد مغادرتها
الشاشة الكبيرة، كتمهيد رمزي لمغادرتها شاشة الحياة.
لم تكن فرح فاوست ممثلة
متفوّقة على نفسها في تقديم الأدوار المختلفة، ولم تبلغ تلك المرحلة الصعبة
في
ابتكار أنماط شتّى من الشخصيات المتناقضة. لكنها، على الرغم من
هذا كلّه، أدركت أن
التمثيل مهنة، وأن حضورها التلفزيوني في «ملائكة تشارلي» منع عنها تأكيد
حضورها
الفني الإبداعي في مجالات أخرى وشخصيات متفرّقة، ما جعلها تسعى إلى الشاشة
الكبيرة
عبر عمل دؤوب صقلته، إلى حدّ ما، بتعاونها مع مخرجين كبار. واليوم، إثر
إعلان نبأ
رحيلها، استعادت ابتسامتُها الشهيرة في المسلسل نفسه صورتَها
الجميلة وحيويتها التي
أضفت على العمل الفني شيئاً من معنى العلاقة المُعلنة، على الأقل، بالحياة
ومساراتها.
السفير اللبنانية في
27/06/2009 |