تشن كايجي يصنع الآن أفلاماً درامية بعيدة عن المساس بالممنوعات الصينية،
وزانج ييمو استدار صوب حكايات فنون القتال الشرقية وأساطير الحروب الغابرة،
وزانج يوان قليل الإنتاج
محكوم على أفلامه بمحدودية توجّهاتها أساساً. أما تيان زوانجزوانج فهو
غالباً لا يعمل بسبب أنه حقق أفلاماً وجدتها السُلطة الصينية تستدعي المنع.
لا منعها فقط، بل منعه هو أيضاً.
من يبقى من الجيلين الخامس والسادس للسينما الصينية أكثر إثارة للاهتمام
اليوم من جيا زانكي؟ ورغم ذلك هو أقل المخرجين شهرة وأفلامه لا تُرى،
عالمياً، إلا في المهرجانات. وُلد قبل 39 سنة في مدينة أسمها فنيانج وحين
شاهد فيلم تشن كايجي الشهير “الأرض الصفراء” وقع في حب السينما وقرر
دراستها والعمل فيها.
من 1994 إلى 1996 أخرج ثلاثة أفلام طلابية. من 1997 إلى اليوم أنجز أفلاماً
محترفة منها القصير والطويل، والوثائقي والروائي، الجمهور العالمي أحب ما
شاهده منها خصوصاً فيلمه الرائع “حياة ساكنة” سنة 2006 وفيلمه الأخير إلى
الآن “مدينة 24”.
مجموع أفلامه المحترفة إلى اليوم ثلاثة عشر فيلماً من بينها ثلاثة روائية.
والحكم على هذا المخرج من قِبل نقاد السينما تم بناء على مشاهدة اثنين منها
هما الفيلمان المذكوران قبل قليل. هذه إشارة واضحة لولادة مبدع سينمائي
حقيقي لم يتطلّب الزمن طويلاً لكي يبرهن عن جدارته وجودة أسلوبه الذي يجاور
جودة أساليب آخرين يميلون إلى ذات الأسلوب التأمّلي الطويل في الحياة
وأوجهها.
جيا زانكي ملاحظ من الصنف الأول ولديه موضوع يتكرر في كل أفلامه تقريباً:
مراقبة المتغيّرات التي تطرأ على الحياتين الريفية والمدنية في المجتمعات
الكبيرة على حد سواء، وحسب ما يتيحه كل فيلم على حدة. إنه كمن يريد أن
يودّع مناظر يعرف أنها ستغادره. ستنتقل من مكانها بفعل الهدم أو التحضّر أو
التغييرات البيئية أو الاقتصادية المختلفة.
وهذا لم يتبلور معه بل نشأ معه.
في 1997 أخرج أول فيلم روائي له بعنوان “زياو وو” (اسم الشخصية المركزية في
الفيلم) وهو فيلم عُرف عالمياً بعنوان “النشّال” لأنه يدور حول نشّال في
مدينة فنيانج، حيث وُلد المخرج. همّه لم يكن تقديم شخصية في إطار قصّة ذات
قواعد تقليدية، بل مراقبة التحوّلات التي تعرّضت اليها مدينته منذ أن وعى
عليها صغيراً.
في ذلك الحين، كان زانج ييمو وتشن كايجي بدآ بالانسحاب من قضايا العصر ورمي
أثقالهما ورحال أفلامهما في الماضي البعيد السابق للفترات الشيوعية بأسرها.
البعض من النقاد لا يزال يعتبر أن مواضيعهما ستار لمحاكاة عصرية، والبعض
يضيف أنهما معذوران في هذا الاتجاه، لكن المهم هنا هو أن زانكي وجد المساحة
شبه خالية فأقدم بحماسة على محاولة تأريخ الحياة الصينية التي كانت بدأت
تتقلّب أمام عينيه.
نستطيع أن نأخذ فيلمه الرائع “حياة ساكنة” كمثال واضح.
إنه حول رجل اسمه سانمينج (يؤديه ممثل اسمه هان سانمينج شوهد من قبل في
فيلمين سابقين لزانكي هما “منصّة” و”العالم”) يترك قريته لأول مرّة ليبحث
عن زوجته التي غادرتهما (هو والقرية) منذ ستة عشر عاماً. نتعرّف إلى الرجل
وهو فوق مركب يعبر نهراً عظيماً. الكاميرا تراقبه ثم تراقب ما يراقبه هو:
متغيّرات على ضفّتي النهر تجعله يبدو كما لو كان جوفاً تاريخياً خرج للتو
وسط حياة لا تتنفس. حياة ساكنة بالفعل.
حين ينزل من المركب ينضم لفريق من العمّال ويمضي الفيلم ردحاً من وقته في
ملاحظة حياة هؤلاء الذين يحاولون التكيّف مع المتغيّرات. من صلب هذه
المتغيّرات أن العنوان الذي حصل عليه من زوجته قبل سفره هذا تغيّر بدوره.
طمس السد الذي أقيم في أعلى نهر يانجتزي البلدة بأسرها. يقرر أن ينتظر
معلومات أكثر حول مكان إقامتها الجديد وفي غضون ذلك سنراه يعمل مع العمّال
القادمين، مثله، من قرى وبلدات بعيدة، ليشتغلوا في عملية طحن الحياة
السابقة. إنهم عمّال هدم يعملون فوق رقعة أرض يكشفها الفيلم لاحقاً كما
يكشف المرء عن وحش ميكانيكي قابع في أرض لا يجرؤ دخولها.
في المقابل، هناك قصّة بحث آخر بطلتها امرأة تعمل في مصنع اختفى زوجها منذ
عامين لكن في حين تطلب من زوجها حين تجده الطلاق، يطلب سانمنيج من زوجته
العودة. المصير سيبقى غامضاً وحزيناً كالحياة التي تحيط بشخصيات المخرج.
في “مدينة 24” نجده يعالج المتغيّرات بذات الروح النوستالجية السابقة، لكنه
يضيف جديداً هنا. من خلال رصده لمراحل حياة مصنع كبير آيل إلى الهدم كان
بُني في الخمسينات كمصنع أسلحة، وتحوّل إلى الصناعة الخفيفة في الثمانينات.
ليس فقط المصنع كحجارة وآلات ومكان، بل وعلى الأخص للمتغيّرات التي أصابت
العاملين فيه بعضهم منذ عقود طويلة.
لكن إلى جانب الموضوع فإن ما يضيفه المخرج هو مزيج فني ثري: هناك المعالجة
الوثائقية والحس الدرامي ممتزجان. كذلك فإن الصورة شعرية وفي ذات الوقت
تستمد جماليّتها من التشبه باللوحة المرسومة. إنه مزيج يثري الفيلم ويقدّم
للعين بقعاً ضوئية على التناقضات التي تعيشها الصين اليوم.
أفلام القمّة
الجمهور يقبل “العرض”
بعد غياب عامين، تعود الممثلة ساندرا بولوك في فيلم جديد من إنتاجها
وبطولتها اسمه “العرض” وتحقق به المركز الأول هذا الأسبوع. في الفيلم تؤدي
شخصية امرأة غير أمريكية مهددة بالترحيل رغم وظيفتها الإدارية الكبيرة،
والحل الوحيد المتاح هو الزواج من أمريكي وتختار للغاية رجلاً يناقضها
تماماً كونه الوحيد الموافق.
إلى المركز الثاني يهبط “اثار السهرة” وهو أيضاً كوميدي (ولو بخيط من
الغرائبيات). الفيلم الكرتوني المسلي “فوق” يبقى ثالثاً. وهناك فيلم جديد
آخر في القائمة هو “العام واحد”: كوميدي آخر لكن مصيره آيل إلى الفشل
يستحقه.
DVD
Dr. Stranglove -2008
فيلم ستانلي كوبريك لعام 1964 يحاكي حين مشاهدته اليوم على أقراص الحاصل
بين اليمين الأمريكي المتطرّف الذي يرى في كل ما يدور (بما في ذلك وصول
باراك أوباما إلى الرئاسة) مؤامرة شيوعية وأوباما شيوعي مستتر (والبعض يقول
إنه شيوعي إسلامي) يريد إعادة النظام الماركسي إلى العالم بدءاً بزرعه في
التربة الأمريكية.
فيلم كوبريك آنذاك تحدّث عن جنرال (أدّاه سترلينج هايدن بجدارة نادرة) يأمر
بطائرة تحمل سلاحاً نووياً لا يمكن إيقافها عليها أن تضرب موسكو الشيوعية
التي تخطط للسيطرة على البيت الأبيض والحياة الأمريكية بكاملها.
قبل العرض
صدمة زوجين
تقوم الممثلة كاثرين هيجل ببطولة فيلم بعنوان “الحياة كما نعرفها”. الفيلم
دراما ذات موضوع إنساني يتعلّق بزوجين شابّين (لم يتم اختيار الزوج المفترض
للدور الذي تؤديه هيجل) يصدمان بموت زوجين صديقين ويقرران حضانة طفلهما.
المشروع ليس جديداً، بل هو كُتب على أساس أن يرى النور قبل ثماني سنوات لكن
الشركة المنتجة آنذاك تداعت وتم شطب المشروع.
الكاميرا تلعب بأبرياء تحت
الأرض
من بين كل المخرجين الذين يحبّون اللعب بالكاميرا وتقديم اللقطة في فن من
العدسات والبؤر والتحريك اللاحق في المعامل والمختبرات، يبرز المخرج توني
سكوت كأكثرهم دراية بما يريد تحقيقه وهو تحديداً إيجاد تناسق بين التصوير
وتصنيع الصورة من ناحية، وبين الموضوع الذي يسرده من ناحية أخرى.
في أحد مشاهد فيلمه الجديد “اختطاف بلهام 123” (المأخوذ عن فيلم بنفس
العنوان أخرجه جوزف سارجنت سنة 1974) حديث حول عصابة من خمسة أفراد تختطف
مقطورة من قطار مترو وتحتجز الركاب مطالبة بفدية قدرها عشرة ملايين دولار.
السيناريو الجيّد لبرايان هوجلجلاند يدور حول مسؤول اتصالات في مركز مترو
الأنفاق يسيّر ويحل المشاكل على شاشة كمبيوتر بعرض الحائط (دنزل واشنطن)
وبين رئيس العصابة الذي يعرف تماماً ما يريد وكيف يطلبه ويهدد بقتل راكب
إذا لم يتم تسليم الفدية خلال ساعة (جون ترافولتا). الأول متاعبه وراءه
(قبض رشوة من عملية بيع آليات يابانية) والثاني متاعبه أمامه من حيث إنه لا
يملك خطّة أخرى في حال فشلت خطّته. ربما القالب ليس جديداً، لكن المخرج
يحقق هنا ما حققه في أفلامه السابقة بنجاحات أقل. مثلاً في أحد المشاهد
العامّة للمدينة نرى صورة ذات مظهر مطحون كما لو كانت صورة في صحيفة طويت
وحشرت ثم تم فتحها من جديد. فوق هذه الصورة لقطة لمروحية تبدو كما لو كانت
لعبة صغيرة في فضاء من الغبار. الطائرة تتحرّك سريعاً بينما الخلفية شبه
ساكنة.
إنها ليست مجرد فذلكة تصويرية بل يستطيع المتأمل قراءة نص تعليقي حول
المدينة التي يقول عنها الممثل جون تورتورو لاعباً دور التحري في مشهد آخر
للمدينة من فوق “أنظر إلى المدينة من هذا المستوى. مدينة تستحق الدفاع
عنها”.
مدير التصوير هو توبياس شليسلر الذي عمل مع توني في تصوير إعلانات من قبل
(لكنه صوّر أفلاماً سينمائية عديدة في السنوات العشر الأخيرة). وحين قصده
المخرج ليدرسا المشروع من زاوية التصوير البحتة، استمع شليسلر إلى اقتراح
المخرج تصوير الفيلم بكاميرات رقمية، لكن شيسلر ارتاب، وقد استخدم الكاميرا
الفيلمية كما الرقمية من قبل، صلاحية الرقمية في مشروع إنجاز “النظرة” التي
يريدها المخرج لفيلمه. النتيجة قرارهما بتصوير مشاهد تجريبية بالكاميرتين.
الفيلم ليس مجرّد تقنيات (وهناك الكثير مما يمكن ذكره هنا) لكنه أيضاً
أبعاد تتعلّق بوضع يجد فيه نيويوركيون أبرياء يجدون أنفسهم محتجزين تحت
الأرض حيث لا مهرب. حياتهم رهينة بنجاح او فشل محادثات ومتى سيقدم رئيس
العصابة على تنفيذ تهديده. وهناك أيضاً حديث يُعتبر من توابع ما بعد الحادي
عشر من سبتمبر/ أيلول. فالمتفاوضون على جانب القانون ينفون تكراراً أن
العملية إرهابية. أمر يسجّل لصالح محاولة نفي أن كل جريمة تقع على نطاق
واسع هو عمل إرهابي مصدره الآخرون.
أوراق ناقد
إعلان أمل
ستحذو بريطانيا حذو فرنسا من حيث انها ستخصص يوماً في السنة يستطيع فيه كل
بريطاني أو زائر الذهاب إلى السينما مجّاناً. هذا التقليد الذي تتبعه
بريطانيا لأول مرّة في الخريف المقبل (لم يتم تحديد اليوم بعد ولكنه سيكون
في شهر أكتوبر/ تشرين الأول) سيشكّل حافزاً لدى كل شخص للذهاب إلى السينما
لكي يشاهد الفيلم الذي يريد، بل الأفلام التي يريد.
وإذا اعتبرنا أن العديد منا يود مشاهدة أكثر من فيلم، فإن المرء في ذلك
اليوم يستطيع أن يخرج من فيلم ويدخل آخر ثم ثالثاً إذا أراد من دون أن يدفع
بنساً واحداً.
هذه هي الخطّة التي تشرف عليها مؤسسة الفيلم البريطاني برغبة من محافظ
مدينة لندن وقد تتبدّل بعض التفاصيل، لكن الأساس سيكون واحداً: تشجيع الناس
على مشاهدة الأفلام.
في أزمنة سابقة، توقّع بعض النقاد والسينمائيين موت السينما في أي وقت.
أول المتوقّعين كان أحد مبدعيها: أوجوست لوميير الذي صرّح بعد سنة من قيامه
وأخيه لوي لوميير بأن السينما ستخبو قريباً ولن تستطع الاستمرار.
غيره عبّروا عن هذا التصوّر طوال كل عقد من عقودها. كان هناك شك في
استمرارها من عشرينات العقد الماضي حين تم اختراع الصوت (رغم أنه اعتبر
اضافة مهمّة حينها). ثم حين دخلت أمريكا سنوات اليأس الاقتصادي في
الثلاثينات. وفي الخمسينات حين تم اختراع التلفزيون الذي كان، كما تقول لنا
الوثائق المحفوظة، عبارة عن صورة مستديرة صغيرة في مطلع الأمر ثم اتسعت
لتشمل طول وعرض الشاشة (التي بقيت صغيرة).
السينما برهنت على استمرارها او بالأحرى على أن دوافع بقائها أقوى بكثير من
دوافع اختفائها. ملايين البشر كل يوم يدخلون الصالات، وملايين من هؤلاء
يدخلونها لأول مرّة او يعودون لزيارتها للمرّة الثانية. بعض الصناعات تأثرت
بالأزمة الاقتصادية اليوم لكن السينما تبدو نشطة كما عادتها، أما إيراداتها
فبازدياد.
ما انتهى هو عصر ذهبي للمخرج اطلق كل تلك الفورة الرائعة من مخرجي الستينات
والسبعينات، لكن يقولون لك إن الأمور قد تعود فنحن في حلقة تدور حول نفسها
وربما كنا على قاب قوس أو أدنى من وضع جديد. بالتأكيد هناك اليوم مخرجون
جدد يقودون السفينة وإذا ما قارنا الاهتمام بهم والاهتمام بالسينما بسببهم
بما كان الحال عليه في الماضي، فإن القليل تغيّر في هذه الناحية.
م.ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
29/06/2009 |