دمشق- بعد فوز فيلمه المميز "الليل الطويل" بالجائزة الكبرى في الدورة
الأخيرة لمهرجان مدينة تاورمينا السينمائي الدولي في صقلية الإيطالية،
وحصوله على تنويه خاص من مهرجان الفيلم العربي في روتردام بهولندا، أكّد
المخرج السوري البارز حاتم علي، على أهمية دور الثقافة والفن عموماً
والسينما خصوصاً في تنمية الوعي السياسي وحفز المجتمع على التفكير بأوضاعه
الاجتماعية والسياسية والإنسانية حاضراً ومستقبلاً.
وعن فيلمه الجديد الذي يعالج قضية سياسية شائكة في سورية، قال حاتم علي
"عندما صنعنا الفيلم لم يكن السؤال الملح أين يمكن عرضه، وعملنا على قضية
سياسية وإنسانية بطريقة إبداعية وفنية، ولم نكن مهتمين بموقف الرقابة من
هذا الفيلم، لأنه حتى لو تم منعه ستبقى هناك منابر ووسائل بديلة لإيصاله
للجمهور، كالمهرجانات وشاشات التلفزيون وغيرها، فقد كان هدفنا أن نصوغ هذه
الحالة السياسية الإنسانية صياغة فنية دون أن نحولها إلى خطابات أو
شعارات". وأضاف "أعتقد أن البعد الإنساني هو الذي يجعل أي قضية صالحة لأن
تتحول إلى موضوع فني"، وأوضح أن الفيلم "يتناول قضية آنية تتعلق بالمعتقلات
وأسلوب التعامل مع المعارضين السياسيين"، مشدداً على ضرورة عدم فصل دور
الفن السابع عن الحياة السياسية في المجتمع.
وفيلم "الليل الطويل" الذي أخرجه علي من تأليف المخرج السوري المخضرم هيثم
حقي، تناول ليلة طويلة يتم فيها إطلاق سراح ثلاثة من السجناء السياسيين من
السجون السورية واستعداداتهم للخروج للعالم بعد سنوات طويلة قضوها خلف
القضبان وردود أفعال عائلاتهم.. حيث يخرجون بشروط سياسية مذلة، وبعد
مساومات على الفكر والحياة.. أما السجين الرابع فيبقى حبيس الجدران دون أن
يُتاح له المجال كي يرى النور... ويتناول الفيلم هذه الليلة الطويلة بصمتها
وصرخاتها، ويرصد الفيلم حالة سياسية متشابكة حيث يتحكم الأمن في مصائر
البشر بمن فيهم المثقفين والمبدعين.
وحول أهم العناصر التي ميّزت فيلمه الأخير وكانت عاملاً في فوزه بالجائزة
الكبرى في إيطاليا قال "لقد شاهدت بعض أفلام المسابقة في مهرجان تاورمينا،
وقرأت ما كُتب عن بعضها الآخر، وكان لدي فكرة مسبقة عن معظمها، وهي في
حقيقة الأمر أفلام مصنوعة بإمكانيات سينمائية أكبر بكثير من تلك التي
نمتلكها، على الأقل من ناحية تقنية، وهذه الأفلام تنتمي إلى بلدان لها
عراقتها في صناعة السينما، كفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وحتى تركيا ومصر".
وأردف "لهذه العوامل لم يكن متوقعاً بالنسبة لي أن يفوز "الليل الطويل"
الفيلم المصنوع بإمكانيات بسيطة، وبكاميرا غير سينمائية أصلا، حيث تم
تصويره بكاميرا رقمية وتم فيما بعد نقله إلى شريط 35 مم، وبإمكانيات
إنتاجية بسيطة تنتمي إلى القطاع الخاص في سورية، هذا القطاع الذي كان
متهماً بشكل دائم بمسايرته للذوق السائد" وفق تعبيره.
وحول أهمية هذه الجائزة قال صاحب مسلسل "التغريبة الفلسطينية" وفيلم
"سيلينا" "على المستوى الشخصي، كانت هذه الجائزة أمر في غاية الأهمية، وكنت
أحتاجها بشدة لسبب مهني، ذلك لأني في الأساس من المخرجين الذين اشتغلوا
سنوات طويلة بالإخراج التلفزيوني، وبعد فيلمي الأخير "سيلينا"، وُجّهت لي
تهم كثيرة من النقاد أو من المشتغلين في السينما بسورية، وطالتني شخصياً،
مبنية أساساً على أن المخرج التلفزيوني عندما يعمل في السينما عادة يحمل
معه عيوب العمل التلفزيوني، ويفتقر بطريقة أو بأخرى إلى اللغة السينمائية
التي يحتاجها الفيلم السينمائي.. ومثل هذه الجائزة هي رد غير مباشر كنت
أحتاج إليه بالفعل في وجه مثل هذه الانتقادات والاتهامات، التي أراها غير
منصفة".
وعن فرق تجليات الإبداع في العمل التلفزيوني والسينمائي قال "نحن من جيل
عمل دائماً في التلفزيون وكانت عينه على السينما دائماً، وكنا نعتبر العمل
في التلفزيون خطوة إلى الوراء من أجل خطوتين إلى الأمام". وأوضح "إن الوضع
السينمائي في سورية وضع صعب كما هو معروف، والقطاع العام، وهو المعني
الأساسي بالإنتاج السينمائي لا يُنتج في العام سوى فيلم أو فيلم ونصف وفي
أحسن الأحوال فيلمين، وبالتالي ليست هناك فرصة لعدد كبير من المخرجين كي
ينجزوا فيلماً قبل أن يُحالوا إلى التقاعد أو يخطفهم الموت أو الملل،
وبالتالي كنا نعمل في التلفزيون ـ وهو المتاح على الأقل ـ بطريقة سينمائية،
وهذا السبب الذي جعل من الدراما التلفزيونية السورية صناعة ناجحة، لأن
هؤلاء المخرجين استطاعوا أن يقدموا اقتراحا بصريا جديدا ومختلفا".
وتابع "قد يكون التلفزيون وسيلة انتشار هامة، على الأقل في بلداننا العربية
التي تعاني أصلاً من إشكالات كبيرة في مجال صناعة الفيلم السينمائي، وفي
نفس الوقت فإن العمل بالتلفزيون محكوم دائماً بشروطه القاسية التي تبدو في
كثير من الأحيان أنها غير فنية وغير إبداعية، تلك الشروط التي تنبع من
طبيعة هذا الجهاز نفسه بناء على عدة اعتبارات، منها أنه جهاز ملحق بوزارات
الإعلام العربية التي تتعامل معه كجزء من المنظومة الإعلامية والإيديولوجية
لهذه الأنظمة، كذلك لأنه جهاز محكوم بأن يكون وسيلة تسلية لجمهور عريض وغير
منسجم، حيث تسود نسب أمية مرتفعة جداً في بعض البلدان العربية". وقال "لهذا
يجد المخرج نفسه في التلفزيون مرهوناً بذائقة تبدو متدنية في أحيان كثيرة،
وبالتالي فإنه يعمل على تبسيط سرده الفني، عداك عن أنه محكوم بشروط رقابية
تبدو متشددة كثيراً، وبالتالي يصبح من المحرم عليه مناقشة الكثير من
القضايا الهامة، فضلاً عن أن طبيعة الإنتاج التلفزيوني هي طبيعة قاسية
واستهلاكية إلى أبعد الحدود وتجافي منطق البحث والتجريب وحتى التفكير"، على
حد قوله.
العرب أنلاين في
29/06/2009 |