في افتتاح مبكر نسبياً لأفلام الصيف الضخمة، انطلق نهاية الأسبوع الماضي
عرض الجزء الثاني من فيلم المغامرات "المتحولون"
Transformers.
ويبدو جلياً من العرض الدعائي له أن وجبة ثقيلة العيار من الأكشن والمؤثرات
البصرية الباذخة بانتظار مشاهدي الفيلم. ويزول العجب إذا عرفنا أن المخرج
والمنتج "ستيفن سبيلبرغ" يقف وراء الفيلم منتجاً وداعماً، والمخرج "مايكل
باي" ربيب "سبيلبرغ" فنياً والذي يعد أحد العلامات المهمة في إخراج أفلام
المغامرات وأحد أسياد شباك التذاكر هو من يقف وراء الكاميرا. اقتبست أحداث
الفيلم من سلسلة الرسوم الهزلية "الكوميكس" بذات الاسم، ويعد الاقتباس بحسب
محبي هذا الصنف من الفنون أحد أنجح التحويلات السينمائية من "الكوميكس" إلى
التصوير الحي مع الاحتفاظ بأجواء الرسوم الهزلية وإشباع ذائقة متابعيها حول
العالم.
تدور أحداث الجزء الثاني حول محاولة القوى الشريرة خطف "سام ويتويكي" الشاب
الذي اكتشف في الجزء الأول حقيقة أصل المتحولين. ما ينذر بوقوع ملحمة حربية
ثانية بين جيوش الغازين للأرض وبين حماة الكوكب. وإذ تبدو القصة تحمل نفساً
طفولياً إلا أن مدى منطقيتها من عدمه سيكون في ذيل اهتمامات المشاهد
المأخوذ بصرياً بجودة التنفيذ وضخامة الإنتاج المتواصل على مدى ساعتين ونصف
الساعة هي زمن الفيلم الطويل بالنظر لكونه فيلم مغامرات. وبنظرة خاطفة على
آراء النقاد والمشاهدين نلحظ انخفاضاً نسبياً في مدى قبول الجزء الثاني من
العمل مقارنة بجزئه الأول، فعلى مستوى النقاد تبدو ردود الفعل قاسية إذ وصف
الفيلم بالكثير من العبارات التي ترى فيه عملاً سيئاً للغاية. وأقتبس أحد
عبارات النقاد حيث يقول واصفاً الفيلم: "ببساطة، لقد أخذ الجزء الثاني من
"المتحولون" أسوأ ما في الجزء الأول المنتج قبل عامين، وقام بتضخيمه بشكل
يصم الآذان!".ولكن لا يبدو أن المشاهدين حتى وإن علق كثر منهم عبر مواقع
الانترنت عن خيبة أمل بعد انتظار دام عامين، إلا إن مئتي مليون دولار هي
مبيعات تذاكر الفيلم خلال أسبوع واحد تأكيد لمدى جماهيرية الفيلم وإقبال
الجمهور عليه.يعد مخرج الفيلم "مايكل باي" الذي أثرى السينما التجارية بعدد
من أهم أفلام الإثارة وأكثرها نجاحاً عادت عليه وعلى شركات الإنتاج بعشرات
المليارات من الدولارات، متخصصاً في هذا النوع من الأفلام، حيث صرح أثناء
تصوير فيلمه "بيرل هاربر": "الكثير من المخرجين لا يفضلون الضغط المترتب
على عمل ضخم مثل هذا، لكني أجد نفسي في هذه النوعية من الأعمال".
ويعرف عن "باي" تركيزه الكبير على أماكن التصوير وحركة الكاميرا أكثر من
الشخصيات أو أحداث القصة. بدأ "باي" حياته المهنية كمخرج للإعلانات
التجارية والفيديو كليب، ما أوصله لأبواب هوليوود سريعاً. ومن النجوم الذين
أخرج لهم "باي" أعمالاً غنائية: "ليونيل ريتشي"، "ميت لوف" و"تينا تيرنر".
بالإضافة إلى تعاونه مع كبريات الشركات التجارية عالمياً لتنفيذ إعلاناتها
الضخمة الإنتاج. ما منحه بعد ذلك فرصة العمل كمخرج لفيلم "فتية سيؤون"
Bad Boys
العام 2005 بمقابل مادي متواضع لم يزد عن مئة ألف دولار. ومع النجاح المدوي
الذي حققه الفيلم، انطلق "باي" محققاً سلسلة من أفلام الصيف الضخمة على
غرار "آرمجدون" و"بيرل هاربر" و"فتية سيؤون 2" و"الجزيرة" وأخيراً
"المتحولون" بجزئيه. تجدر الإشارة إلى أن "باي" أحد أكثر مخرجي هوليوود
ربحية، حيث بلغ حجم ما تقاضاه عن فيلم "بيرل هاربر" على سبيل المثال خمسة
وعشرين مليون دولار منافساً بذلك أبطال الفيلم ونجوم الشباك.
الرياض السعودية في
03/07/2009
النافذة السابعة
فيلم بلا نهاية
إعداد: عبدالله آل عياف
الزمان: سبتمبر-ديسمبر 1976م
المكان: غابات في الفلبين
الحدث: أواخر فترة تصوير فيلم (القيامة الآن)
Apocalypse Now
عندما بدأ المنتج والمخرج فرانسيس فورد كوبولا تصوير فيلمه (القيامة الآن)
بعدما كتب سيناريوه هو وجون ميلوس معتمدين بشكل طفيف فقط على القصة الشهيرة
(قلب الظلمات
Heart of Darkness) للروائي جوزيف كونراد فإنه لم يكن يظن أن
التصوير سيطول به أكثر مما يجب وبأن هذا الفيلم سيجلب الكثير من المتاعب
والمشاكل خصوصاً وكوبولا لم يعرف سوى النجاح آنذاك في أفلام العرّاب
(بجزئية الأول والثاني) وفيلم المحادثة وكلها حصدت جوائز كبرى ونجاحاً
نقدياً وجماهيرياً هائلاً.
فالسيناريو الجديد يتناول حياة ضابط أمريكي يتم ارساله لأدغال فيتنام لكي
يقضي على قائد أمريكي ترك الجيش وكوّن له جيشاً من الأتباع الفيتناميين
الذين أصبحوا يقدسونه كقائد عظيم. تصوير الفيلم في غابات الفلبين كان بحضور
طاقم كبير ومكلف ويكفي أن نذكر أن ما تقاضاه مارلون براندو وحده عن دوره
القصير جداً والذي لا يستغرق عمل شهر له كان يقارب الثلاثة ملايين ونصف من
الدولارات وهو مبلغ لم يسبق أن تقاضاه ممثل على أي فيلم سابقاً آنذاك.
كانت فترة التصوير مضنية وطويلة حيث بدأت في شهر مارس من عام 1976م واستمرت
لأكثر من ستة أسابيع بعد الموعد المخطط له للتوقف وبتكلفة إضافية تتجاوز
المليوني دولار بسبب ظروف عدة مثل هطول الأمطار الشديدة التي أوقفت التصوير
عدة مرات ومثل عدم رضا كوبولا عن مناسبة الممثل هارفي كيتل للشخصية
الرئيسية للفيلم مما جعله يوقف الفيلم ليعود لأمريكا ويختار مارتن شين
بدلاً منه.
بعد عودة كوبولا في نهاية العام شاهد ما تم تصويره ولم يرض عنه فعاد في
بداية السنة التالية 1977م ليعاود التصوير وليواجه المزيد من الصعوبات
كالأزمة القلبية التي تعرض لها مارتن شين خلال التصوير، لكن المصيبة الأكبر
هي الزيادة الكبيرة في وزن مارلون براندو مما جعله لا يناسب الشخصية
المكتوبة. لم يجد المخرج حلاً سوى أن يستعيض بممثل بديل أطول وأخف وزناً
كما قلل من ظهور براندو مكتفياً بإجلاسه في الظلمة وظهور وجهه فقط دون
جسمه. سرت شائعات لاحقاً بأن الفيلم تم تصوير خمس نهايات له بسبب تردد
كوبولا، وهو أمر لم ينفه كوبولا ووضح لاحقاً أن زيادة وزن براندو منعته من
تصوير المشهد الختامي الذي خطط له بالسيناريو وهو الأمر الذي بعثر جميع
أوراقه ككاتب ومخرج للفيلم.في بداية صيف 1977م تم الإنتهاء من التصوير
بالكامل تقريباً وكان لدى الفريق خطة بوضع وتركيب الصوت في أربعة أشهر لكن
عدم وضوح فكرة النهاية قد يسبب ارباكاً للجميع حيث لم يكن كوبولا قد جزم
بعد فيما إذا كان سيستخدم التعليق الصوتي طوال الفيلم أو لا، فعدم استخدام
التعليق يعني أن يضطر لتركيب الأصوات الإضافية في مدة قد لا تقل عن عشرة
أشهر!. وقلبه مليء بالشك من استطاعته إنهاء الفيلم بسلاسة، استطاع كوبولا
إقناع مدراء شركة يونايتد ارتيست بتأجيل موعد العرض الأول للفيلم من مايو
1978م إلى أكتوبر. وعندما عرضت النسخ التجريبية الأولى للفيلم أظهر الجمهور
عدم الراحة لبعض المقاطع كما كان هنالك شبه إجماع على أن نهاية الفيلم
مرتبكة ولا تتناسب مع بقية العمل وبسرعة اتصل كوبولا بالكاتب مايكل هير
طالباً مساعدته فقدمها الآخر وخاض مع كوبولا مرحلة طويلة أعادا فيها تشكيل
الفيلم وكتب فيها هير التعليق الصوتي الكامل للفيلم بطريقة تسهل على
المشاهدين فهم الأحداث.
شارك الفيلم في مهرجان كان السينمائي لعام 1979م ودخل المنافسة على جائزة
أفضل فيلم رغم أنه كان مصنفاً في المهرجان ك(فيلم لا يزال العمل جار عليه)
أي فيلم غير منته. رغم الصعوبات التي واجهها الفيلم وكثرة هجوم الصحف
والإشاعات عليه خلال فترة التصوير، استطاع الفيلم –الغير مكتمل- حصد أهم
جوائز السينما في العالم، جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان بالمشاركة مع
فيلم "طبل الصفيح" الألماني. كما ترشح الفيلم لاحقاً للأوسكار والغولدن
غلوب لأفضل فيلم وفاز الفيلم بالعديد من الجوائز في العديد من المهرجانات
العريقة عالمياً. اليوم و بعد مرور ما يقارب الثلاثين عاماً على ظهوره
يعتبر أحد أهم الأفلام في تاريخ السينما الأمريكية حيث اتفق غالبية النقاد
على اعتباره تحفة فنية، وفي استفتاء لمجلة صوت وصورة الشهيرة بتخصصها
السينمائي عام 2002، جاء فيلم (القيامة الآن) متصدراً الجميع ومحتلاً
المرتبة الأولى كأهم فيلم ظهر خلال الخمس والعشرين السنة الأخيرة.
عليكم –أعزائي القراء- أن تتأكدوا عند مشاهدتكم هذا الفيلم الرائع من
النسخة التي ستشاهدونها، واعلموا أنها نسخة واحدة من عدة نسخ ظهرت من
الفيلم مع تعاقب السنوات واختلاف النهايات له، حيث ظهر الفيلم بنهايات
مختلفة خلال مراحل المونتاج ومشاركاته في عدد من المهرجانات. شخصياً شاهدت
الفيلم بنسخته المسماه
Apocalypse
Now – Redux والتي تم طرحها على أقراص ديفيدي عام 2001م وضمت 49 دقيقة إضافية
كانت قد حذفت من الفيلم الأصلي عند طرحه. وبغض النظر عن أي النسخ ستشاهدون،
فأنتم موعودون مع فيلم سيذهلكم بجماله البصري وسيصدمكم بصدقه وشاعريته
وعمقه.
الرياض السعودية في
03/07/2009 |