«أنا على يقين من أن الأمل في طرح قضايا جادة تؤرقني هو أمر مستحيل. فمن
سيسمح ومن سيهتم؟!».. كان ذلك أحد تصريحات المخرج علي بدرخان في حوار
لـ«الشرق الأوسط» الأسبوع الماضي، والتي تلاها بهجوم شرس على المخرج خالد
يوسف وسينماه، حيث قال عن يوسف: «شاهدت له «حين ميسرة» و«الريس عمر حرب»
لكنه مخرج مبالغ جدا ويطرح القضية أو المشكلة على المشاهد وكأنه لم يكن
يعرفها إلا من خلال الفيلم. أعمال خالد يوسف بلا عمق في تقديري وقد نقول
إنها فقط محاولة أو اجتهاد. خالد يوسف لم يتعلم من يوسف شاهين سوى التكنيك
فقط، وأنا على يقين من أنه لم يتعلم شيئا آخر». من جانبه رفض خالد يوسف
الاصطدام مباشرة مع آراء بدرخان فيه إذ قال لـ«الشرق الأوسط»: «نقطة ضعفي
أمام المخرج علي بدرخان ناتجة من أن يوسف شاهين كان يقول لي إن هناك اثنين
لم يقترب أحد من قلبه بقدر قربهما وهما علي بدرخان وأنا». وأضاف يوسف «لكني
أتفهم جدا رأي المخرج الكبير علي بدرخان لأنه يعبر عن إحباط مفهوم أسبابه،
ونحن جميعا مسؤولون عنه، ويجب أن نعاقب عليه تجاه هؤلاء المخرجين الكبار،
فالسوق طرد هؤلاء العملاقة من أمثال بدرخان وداود عبد السيد منذ أكثر من 10
سنين».
وأشار خالد يوسف إلى أنه «من هنا جاءت آراؤه (بدرخان) التي تعبر عن إحباط
شديد في أعمالي وفي السوق، ولكن بالطبع يستثنى من ذلك يوسف شاهين الذي ظل
يعمل حتى آخر أيامه، فلم يكن لديه ثقافة الإحباط وكان لديه إصرار عجيب،
فكان يقول لي هم يقولون عني عبقري ولكن أنا «ولا عبقري ولا حاجه.. أنا فقط
أتفهم جيدا ثقافة العمل الجاد والشاق».
ويختلف يوسف مع بدرخان في أن الأمل في طرح قضايا جادة أمر مستحيل قائلا:
«قد لا يسفر طرح قضايا جادة، بخاصة في الظروف الحالية عن ايجابيات، لكن على
الأقل هو أمر متاح ويعطي فرصة لأشياء جيدة قد تحدث من جراء طرحها الآن، أو
في المستقبل، ومع ذلك ففيلم «حين ميسرة» مثلا سلط الضوء بشدة على
العشوائيات وجاءت تصريحات رسمية متتالية بعد عرضه تؤكد بحث الدولة عن حل
للمشكلة، ولكن بالنسبة لي لا أعاني من مشاكل السوق لأن الجمهور منتصر لي،
لأني أستطيع التواصل معه جيدا، فكلمتي هي العليا».
أما بالنسبة للمبالغة في أعماله قال يوسف لـ«الشرق الأوسط» «أنا أعرف جيدا
ما هو مبالغ فيه، وما ينفر منه الجمهور ولا يطيقه لا أتعرض له، فمثلا لم
أتعرض لمشكلة زنا المحارم الموجودة في العشوائيات والتي تتحدث عنها الجرائد
كل يوم لأنها لو عرضت على الشاشة لن يطيق الناس أنفسهم، وعموما اتهام
المبالغة يأتي من أننا مجتمعات تخشي الوقوف عرايا أمام المرآة».
أما بالنسبة لافتقار أفلامه إلى العمق، قال يوسف «إن مسألة العمق مسألة
نسبية، فمثلا هناك مشهد في «دكان شحاتة» أراه غاية في العمق في حين رآه بعض
النقاد أنه مباشر وغير عميق، وهو عندما قال محمود حميدة لابنه «هات صورة
عبد الناصر نخبي بها الشرخ ده». فهذا المشهد بسيط ولكنه يعبر عن الشرخ الذي
حدث في الشخصية المصرية في الثلاثين سنة الماضية، وفي ظل نظام حكم واحد،
وعموما الأعمال تظهر قيمتها مع الزمن فـ«حين ميسرة» الذي لاقى هجوما عنيفا
وقت ظهوره الآن يلقى إشادة بالغة، بل صنفه البعض على أنه أسس لمرحلة جديدة
في صناعة السينما».
اختلف يوسف أيضا مع علي بدرخان في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» بأنه يتحفظ على
إلغاء الرقابة في حالة التسيب التي نمر بها اليوم إذ يقول يوسف «لابد من
إلغاء الرقابة ونحتكم إلى ضمير المبدع ووجدان الناس وبلا شك قد يؤدي إلغاء
الرقابة إلى عمل شطط، ولكن لكي نتقدم لابد من دفع ضريبة، فلا تقدم بلا
ضرائب، فأنا مثلا أكثر واحد ملسوع من عدم وجود رقابة على الصحافة، ومع ذلك
يستحيل أن أسجن صحافيا حتى لو أهانني على مستوى السمعة لأني بقدر احترامي
للتجربة بقدر تحملي لضريبتها».
وعلى الرغم من هذا يتفق يوسف مع بدرخان في أنه كان سبب نقلة نوعية في حياة
سعاد حسني. وقال يوسف «اثنان مثلا المرحلة المؤسسية في حياة سعاد، هما صلاح
جاهين وعلي بدرخان، فقبلهما كانت ساذجة وليس لديها مشروع فني مؤسسي، في حين
امتلكت موهبة خارقة للعادة على عكس فاتن حمامة التي كانت كيانا مؤسسيا،
فجاء جاهين وبدرخان ليثقلا موهبة سعاد حسني بثقافة ورؤية وأسلوب حياة
مختلف».
الشرق الأوسط في
03/07/2009 |