الحسين وفيلادلفيا وبسمان ورغدان والخيام وزهران وغيرها، كلها أسماء لدور
السينما في عمان باتت أبوابها موصدة اليوم بعد أن هجرها روادها ومحبوها,
بعد أن كانت مكتظة في الأيام الخوالي في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن
الماضي بالمشاهدين.إذ تجد أقفالا كبيرة على معظم أبواب هذه الدور، وقد
تراكم عليها غبار الأيام، أو تحولت إلى دور عرض مهملة تعرض أفلاما آسيوية
وأمريكية قديمة مقابل أسعار تذاكر زهيدة أملا في جذب بعض المتعبين أو
المتطفلين من المارة.
العصر الذهبي
ويتذكر سميح عبد الله، السبعيني الذي عمل 44 عاما بلا كلل في السينما، بألم
وحسرة ما أسماه "العصر الذهبي" لهذه الصالات.
ويقول عبد الله الذي بدأ عمله في السينما لأول مرة عام 1959 في سينما
"البتراء" وسط عمان كمساعد مشغل أفلام، إلى أن أصبح مديرا لسينما
"فيلادلفيا" حتى إغلاقها عام 2003؛ بسبب ضعف الإقبال، يقول: "كنا نعرض أحدث
الأفلام، وكان الناس يعشقون السينما إلى حد كبير حتى كانت هناك أيام خاصة
للعائلات، ومن شدة الإقبال والازدحام كانت هناك تذاكر تباع في السوق
السوداء".
وأضاف لوكالة فرانس برس: "كانت المقاعد التي تتجاوز الـ500 تمتلئ بالحضور
في أجواء رائعة، والمشاهدون كانوا ينتظرون بولع وشغف بدء الفيلم، كانت
السينما أحد الطقوس الاجتماعية والعائلية المحببة للناس".
ولا يزال عبد الله حتى الآن ورغم تقدمه في السن يحفظ عن ظهر قلب أسماء
عشرات الأفلام العربية وأفلام رعاة البقر (الكاوبوي) الأمريكية والأفلام
الهندية وأسماء ممثليها التي كانت تعرض آنذاك.
لكن عبد الله ينظر بأسى إلى حال السينما هذه الأيام، ويقول: "كل شيء تغير
اليوم، والأفلام باتت تباع بأبخس الأثمان على الطرقات، وباستطاعة المرء
مشاهدتها وهو جالس على أريكة ومرتاح في منزله".
ورأى أن "ظهور الفضائيات وأجهزة دي في دي والأقراص المدمجة لعبت دورا حاسما
في انكماش دور السينما التي تراجع عملها ثم أغلق أبواب معظمها؛ بسبب خسائر
خلفها ضعف الإقبال وقلة الواردات".
ومن نحو 45 صالة سينما معروفة في عمان، لم يبق اليوم سوى 5 صالات تعمل في
أوضاع اقتصادية صعبة.
وتعرض معظم هذه الصالات أفلام عنف وإثارة آسيوية أو مصرية قديمة في العاصمة
التي يتجاوز عدد سكانها 2,6 مليون نسمة.
طابور طويل
ويشاطر علي راغب (53 عاما) الذي يعمل مشغل أفلام في سينما "فلسطين" في شارع
بسمان وسط عمان منذ 29 عاما زميله عبد الله الرأي، ويؤكد أن "كل شيء اختلف
في الوقت الحاضر".
ويضيف وهو يهم بتشغيل فيلم "ذي بيغ بوس" لبروس لي الذي أنتج في سبعينيات
القرن الماضي: "كنا نفتخر بأننا نعمل في هذا المجال، الناس كانت تحترمنا،
أما اليوم فلم نعد نحظى بذلك الاحترام والتقدير".
ويستذكر راغب الذي لا تزال جدران صالته تمتلئ بملصقات الأفلام التي كانت
تعرضها وأغلبها هندية وأمريكية: "أيام زمان كان الناس يقفون في طابور طويل
على أمل الحصول على تذكرة دخول واحدة، حين كانت السينمات في أوج عطائها
تعرض أفلاما جميلة وممتعة حتى ساعات متأخرة من الليل".
وتابع وهو جالس في غرفته؛ حيث تكدست عشرات الأفلام التي غطاها الغبار:
"كانت المقاعد ودرجات وأسعار التذاكر تختلف من درجة إلى أخرى، أما اليوم
فقد تغير الحال ولم يعد يأتينا سوى 25 إلى 30 شخصا في صالة تتسع لأكثر من
500 شخص، أما الدخل فحدث ولا حرج".
من جانبه، يقول محمد، وهو مهندس في الخمسينيات من العمر كان ينظر بحسرة إلى
ملصق إعلاني قديم لفيلم هندي أنتج في ثمانينيات القرن الماضي، وعلق على باب
السينما: "كم كان بودي أحضر أحد هذه الأفلام اليوم".
ويتابع: "أتذكر في الثمانينيات كيف كنت أقف في طابور طويل كي أقطع التذاكر
في هذه السينما لأشاهد هذا الفيلم ذاته".
وخلص إلى أن "الحياة تعقدت، وأصبح هم المواطن الوحيد البحث عن مصدر لرزقه،
والسينما أصبحت شيئا من الماضي".
ويقول مواطن آخر: "لقد كنت أتجول بين دور السينما بحثا عن أفلام جديدة، أما
اليوم فلا أجد متسعا من الوقت كي أشاهد فيلما على شاشة التلفاز في منزلي"،
قبل أن يتابع: "الحياة تغيرت وتغير كل شيء معها".
وأوضح أنه يتذكر أنه ارتاد صالة السينما مع رفاقه لآخر مرة منذ أكثر من
عشرين عاما.
بدائل أرخص
وبحسب الناقد السينمائي الأردني عدنان مدانات، فإن "سبب ما آلت إليه أوضاع
صالات السينما تلك هم الموزعون الذين لم يواكبوا تطورات الزمن وظلوا بنفس
العقلية القديمة معتمدين ومراهنين على جمهور درجة ثالثة يبحث عن أفلام درجة
ثالثة من مغامرات وإثارة وعري وما شابه".
وأضاف أن "هذا الجمهور صار عنده بدائل أسهل وأرخص في الـ"سي دي" ثم الـ"دي
في دي" وما كان يبحث عنه في السينما صار بإمكانه الحصول عليه بسعر أرخص، في
حين لم يجد أصحاب السينمات بدائل أخرى ظلوا في جمود حتى تجاوزهم الزمن".
وأوضح أن صالات السينما بقيت على قدمها "واستهلكت مع السنين"، وصارت تكلفة
صيانتها مرتفعة اليوم.
في مقابل ذلك، ظهرت في الآونة الأخيرة دور سينما داخل المراكز التجارية
الضخمة في محاولة لجذب الجمهور الذي تستقطب الأفلام الحديثة عنصر الشباب
منه على وجه الخصوص.
ويؤكد مدانات أن هذه الصالات التي لا تعتمد المفروشات الفخمة "وتضم من 100
إلى 150 مقعدا نجحت في استقطاب الشباب المقتدرين ماديا وباتت تمثل نمطا
جديدا أصبح شائعا في العالم".
إسلام أنلاين في
05/07/2009 |