»عشت طول عمري أحب الناس.. كل الناس.. لا أكره أحدا.. ولا أحقد علي أحد.. لا أشرب.. ولا أدخن.. أحب الحياة.. وأرتفع فوق الأحزان.. أركب أجنحة وأطير فوقها .. وبهذا استطعت أن أري الدنيا حلوة«.

هذه هي كلمات صباح »الشحرورة« .. التي قالتها لي عندما كنت ألتقي بها كل يوم في أحد فنادق القاهرة التي تنزل فيها حينما تجيء إلي مصر لأكتب مذكراتها.

إن من يري صباح يحس بالبهجة والإقبال علي الحياة.. وحين كرمناها في إحدي دورات مهرجان الإسكندرية.. كانت تملؤها السعادة والفرحة حين استقبلها الناس علي مسرح الأوبرا ورقصت بشكل استعراضي .. فأضفت سعادة علي الحاضرين مما أغضب إحدي المكرمات في المهرجان!

وبالرغم من حياتها التي تبدو مرحة.. فقد مرت صباح بكثير من الأحزان التي لا يتحملها بشر.. وذلك حين قتلت أختها جولييت برصاصة طائشة حين كان اثنان يتشاجران حول ميراث أرض.. »رحلت جولييت قبل أن تعيش حياتها.. وساءت صحة أمي.. وأصبحت أخشي الخروج من البيت خوفا من ذلك الرصاص الطائش الذي يصيب الأبرياء دون تمييز. كان جسدي يقشعر من شدة الرعب كلما أسمع مشاجرة.. أما جولييت السمراء فارعة القوام فلم تكن تبارح عقلي الصغير.. وأنتفض من النوم مذعورة عندما أراها قتيلة ممددة فوق الأرض تنزف منها الدماء بغزارة.

»وماتت أمي مقتولة أيضا.. ولكن بيد من؟ شقيقي المراهق الصغير الذي كان يتصور أنها علي علاقة بأحد الأقارب الذي كان يزورنا.. وذلك بعد أن أوحي له زملاؤه في المدرسة بذلك.. لقد أمسك أخي بيده السكين وطعنها في صدرها وفي بطنها.. وفر هاربا لم نعرف له طريقا.

»أصبح بيتنا كئيبا بعد رحيل أختي وأمي.. ولم يعد عازف العود يحضر كعادته.. ولا عازف القانون.. ولم نعد نسمع غير البكاء.. ولا نري سوي ملابس الحداد«.

< < <

كانت صباح تجلس إليِّ تتحدث كصديقة حميمة ترتاح لها.. وبجرأة غير مألوفة خاصة بالنسبة للفنانين.. فهذه هي شخصية .. صباح.. حياتها كتاب مفتوح. قد لايعرف البعض أن اسمها الحقيقي جانيت فيجالي.. لكن الجمهور المصري هو الذي أطلق عليها اسم صباح حين نشرت صورتها ضمن مجموعة صور من الوجوه الجديدة بدون أسماء في مجلة اسمها »الصباح«.. فأطلقوا عليها اسم صباح.

لقد حاولت من خلال مذكراتها أن ترسم الطريق الصعب بالجهد والإصرار والعمل الشاق.. إن دموعها ومتاعبها التي حفرت بها صخور هذا الطريق تختفي وراء ابتسامتها الدائمة.. تعرضت صباح لكثير من الحروب.. حين فقدت صوتها مرة بعد شرب فنجان شاي.. ولقنتها إحدي المطربات المنافسات علقة ساخنة في بروفة لعبد الوهاب.. لكن عبد الوهاب ظل جالسا علي كرسيه دون أن يحاول إنقاذها.

< < <

جاءت إلي القاهرة وعمرها 14 عاما.. ففي رأيها أن القاهرة هي هوليوود الشرق.

قالت لي صباح هذا السر الذي لم يعرفه أحد.. وهو أنها رفضت الزواج من أنور وجدي وذلك بعد أن رشحت أمامه لتمثيل فيلم »القلب له واحد«.. في دور الابنة التي تعيش مضطهدة من زوجة أبيها.. إنها قصة »سندريللا«.

وخلال العمل في هذا الفيلم تأكد تعاطف أنور وجدي وتشجيعه لي فهو أول فنان مشهور أمثل أمامه.. وهو أول من عرض عليِّ الزواج.. لكن أهلي لم يوافقوا علي فكرة الزواج لصغر سني.

< < <

تزوجت صباح ست مرات.. وفشلت في كل زيجاتها.. أما أتعس أيامها في الزواج فكانت من الاثنين الأولين. نجيب شماع رجل الأعمال الذي يكبرها بـ 26 عاما ووافق أهلها كما وافقت هي لتخرج من حصار الأب والأم لتقع في حصار أشد وأقوي.. أنجبت منه ابنها صباح.. وكان الزوج يغار عليها لدرجة إذا وجد فستانا جميلا عليها يمزقه.. وفي إحدي المرات أخرج مسدسا من جيبه ووجهه ناحيتها »إما أن تتركي الفن أو أقتلك.. وبالطبع تم الطلاق لتتزوج من عازف الكمان الحزين أنور منسي وأنجبت منه ابنتها هويدا.. ولكنه كان يسهر كل ليلة في لعب الطاولة والقمار ونسي زوجته وابنته.. وكان الطلاق.. وقد حرمها الزوجان من رؤية أبنائها.. واستمرت القضايا أمام المحاكم سنين طويلة حتي مات أنور منسي.. وكبرت هويدا لكن ظلت هذه الفترة عالقة في عقلها الباطن. ثم تزوجت بأحمد فراج بحكم ترددها علي الإذاعة.. وأقنعته بالتمثيل في فيلم »ثلاث رجال وامرأة« لكن فراج كان مشغولا ببرنامج »نور علي نور« الذي وجد نفسه فيه أكثر من السينما.

»كان أقصر زواج في العالم هو زواجي من رشدي أباظة الذي لم يستمر أكثر من 24 ساعة.. وذلك حين التقيت به في بيروت أثناء أزمة السينما في مصر مما جعل الفنانين يهجرون منها إلي بيروت للعمل. فهو رجل بمعني الكلمة »جنتلمان«.. لم أكن أعرف علاقته الحقيقية بسامية جمال بسبب عدم الذهاب إلي مصر.. وتصادف أن سافرت في ذلك اليوم إلي المغرب للاشتراك في إحياء عيد ميلاد الملك الحسن.. وطلبت الطلاق في اليوم التالي حين اتصلت بي أختي سعاد من بيروت من أجل سامية جمال التي تعاطف معها الجمهور.

ملحوظة: »سمعت أنها صرحت في إحدي القنوات الفضائية بأنها خانته في المغرب.. فهل يتم ذلك خلال 24 ساعة.. وفي رأيي أنها صرحت بذلك بناء علي إقناع المذيع لها.. فهذه القناة معروفة بالفضائح.. إلا إذا كان ذلك هو »خرف الشيخوخة«.

تزوجت بعد ذلك بالمليونير جو حمود رجل الأعمال المعروف والنائب بالبرلمان.. تقول عنه إنه شهم وكريم.. لكنه انشغل عنها بالسياسة.. وافترقا أصدقاء..

أما الاثنان الآخران فقد تزوجا منها زواج مصلحة..أحدهما هو وسيم طبارة المخرج والممثل المسرحي الذي لم يعرف هنا إلا من خلالها.. وذهبا معا إلي عمان ليقدما عروضهما .. في نفس الوقت قامت الحرب في لبنان وحصدت الكثير من الأرواح.. وعادت صباح لتجد أن بيتها قد حرق.. وأن ملابسها التي نجت من الحريق قد سرقت.

حمدت الله حين وجدت أقاربي وأصدقائي مازالوا عايشين.. واكتشفت صباح علاقته بامرأة أخري.. قررت صباح بعد ذلك أن تكون نهاية تجاربها ويكفيها أنها عانت من تجارب زوجية فاشلة.. لكنها التقت بشاب مغمور صاحب فرقة استعراضية كان يصغرها بكثير.. وأسمته فادي لبنان.. واستمر هذا الزواج 12عاما وهي أكبر فترة زواج.. واكتشفت أنه يعرف فتيات صغيرات وتم الطلاق ليعود فادي لبنان شابا مغمورا.

< < <

تقول صباح: » في إحدي المرات اتصلت بي هويدا تقول إن تذكرة الطائرة ضاعت منها وأن البوليس قبض عليها.. وذهبت لكي أنقذها من السجن.. وبدأت أعالجها من الإدمان في إحدي المصحات لكن بدون فائدة عادت ريمة لعادتها القديمة إنني إذا مت سيكون بسبب هويدا التي دللتها«.

وسألت صباح عن أخيها الهارب قاتل أمه.. قالت : مرت سنوات طويلة لم نعرف عنه شيئا إلي أن التقيت به بالصدفة في البرازيل وقد تدهور حاله وقال إنه أخذ عقابه من السماء.. فهو عاطل وإذا عمل لا يكسب.. وإذا أمسك بالذهب تحول إلي تراب.

كانت آخر مرة التقيت فيها مع صباح في مهرجان دمشق الذي كرمها العام الماضي.. لقد فقدت الكثير من حيويتها .. كما فقدت ابتسامتها وبريقها وإشراقها بالرغم من أنها لاتزال مهتمة بصباح وعايشة لها.. وأحد المنظمين يمسك بيدها لتصعد إلي المسرح.. تغيرت وبدا علي وجهها الأسي.. وأحسست أنها تعاني من حالة اكتئاب بعد أن انفض من حولها الأصدقاء.. تحدثنا عن الطرب والسينما وقالت: »لقد انتهي زمن الطرب وأصبحت كل الأصوات متشابهة«.

قلت لصباح: بعد كل هذه المآسي.. هل تجدين الحياة حلوة؟

قالت : والله الحياة حلوة.. وحسب عقلنا ما يوجهنا .. هناك أناس لاتري إلا ماهو أسود.. أنا بشوفها حلوة رغم كل مايحدث للإنسان.

آخر ساعة المصرية في

08/07/2009