لا أشاهد الأفلام السينمائية المعروضة في الفضائيات إلا مضطرا وأفعل
ذلك بحالة مشاهدة متقطعة، فلا أرى منها إلا أجزاء متناثرة، وأتعمد في معظم
الأحيان أن لا أشاهد نهاية الفيلم إما لعدم الاهتمام أو لأن نهايات غالبية
تلك الأفلام معروفة مسبقا. ثمة بالطبع، أفلام جيدة الشكل والمضمون تعرض أو
حتى ممتازة لكنها تضيع وسط زحام الأفلام السطحية الشكل والمضمون كما غالبا
ما تفقد متعة مشاهدتها بسبب الفواصل الإعلانية.
واحد من هذه الأفلام السطحية التي شاهدتها مؤخرا يدور حول شاب مهووس
بتشجيع فريق كرة أمريكية، وكانت له حبيبة ظلت طوال الفيلم تحاول تخليصه من
هذا الإدمان بشتى الوسائل ومنها أن تحضر معه المباريات وتتحمس مثله وتصرخ
مشجعة كلما تحقق هدف. بشكل عام بدا لي الفيلم مجرد تفاهة سأشعر شخصيا
بالخجل من نفسي لو تابعتها.
تلا ذلك الفيلم آخر بدا لي منذ المشاهد الأولى انه لا يقل تفاهة عن
الأسبق، وهو فيلم يفضح منذ البداية حكايته، حيث يدور حول مجموعة شبان
مهووسين برياضة التجديف لكنهم فاشلون فيها لذا يقضون وقتهم في المقهى
يحتسون الجعة. ذات يوم تدخل المقهى فتاة فتجحظ عيونهم لمرآها كما ينظر
نحوها أحدهم نظرة تهدف إلى إغوائها. وسرعان ما يتبين أنها مجذفة ماهرة وهي
تتطوع، مستخفة بنواياهم تجاهها، لتدريبهم كي يصبحوا ماهرين مثلها...
ويفوزوا!
كثير من الأفلام التافهة من هذا النوع يضطلع ببطولتها ممثلون وممثلات
يوصفون بأنهم نجوم، وفي أفلام أخرى ممثلون وممثلات عاديون سيحظون ذات يوم
بلقب النجوم، وهو لقب كثيرا ما يوزع على الممثلين جزافا بدون وجه حق، ومع
ذلك يتكرس اللقب عبر وسائل الدعاية ووسائط الإعلام، ويتكرس أيضا في وعي
الناس.
ثمة الكثير من النجوم، خاصة نجوم السينما الأمريكية باعتبارهم الأكثر
ترويجا، ممن لا أرى فيهم أية موهبة تمثيلية مميزة ولا أستطيع أن استوعب
لماذا يعجب الناس بهم، وهم يكررون نفس الاداء والتعابير والحركات فيما
يشاركون فيها من أفلام متنوعة.
يعتبر النجوم عادة أنهم فنانون، أميل إلى وصف غالبة هؤلاء النجوم
بأنهم طلاب رزق (إضافة إلى الشهرة)، عن طريق التمثيل في الأفلام، وإلا كيف
يقبلون، من حيث المبدأ، أن يتورطوا في مثل هذه الأفلام التافهة، ولا يكتفون
بذلك بل لا يتورعون عن محاولة إجادة التمثيل عندما يجسدون شخصيات تافهة ضمن
أفلام تافهة. ولا استبعد من صفة طلاب الرزق حتى الممثلين البارعين فعلا
والذين، بسبب طلب الرزق، أو الشهرة عن طريق الانتشار، يبخسون قدر موهبتهم،
وقدر أفلام مهمة شاركوا فيها ومنحتهم سمعة حسنة، بالتمثيل في أفلام تافهة
لا تليق بمكانتهم.
بدأت بمثال النجوم لأنهم واجهة الأفلام وصلة الوصل الأولى مع
المشاهدين، ولكني لا استثني بقية المسؤولين عن صناعة الأفلام والترويج لها
وعلى رأسهم كتاب السيناريو والمخرجين وما يتبعهم من الإعلاميين على اختلاف
مواقعهم ومنابرهم وصولا إلى جماهير الأفلام المستلبة، ولا أنسى، قبل أولئك
جميعا، كبار الممولين و المنتجين والموزعين المنضوين تحت لواء شركات إنتاج
ضخمة، بات من المعروف للجميع أنها كانت ولا تزال تعمل برؤوس أموال يهودية
وتخدم، أهدافا صهيونية سياسية. هذه الملاحظة الأخيرة هي ما جعلت فكرة كتابة
هذه التداعيات تلح علي وتتأسس على موقف سياسي، إضافة إلى الموقف السينمائي،
وذلك على الرغم من أنني أعرف مسبقا أن ما أقول سيرفضه الكثيرون وسيعتبرونه
كلاما متطرفا.
كنت ذات يوم صرحت ضمن تحقيق صحافي شارك فيه مجموعة من المثقفين من
مختلف الاختصاصات حول سر نجاح مثل هذه الأفلام التافهة شعبيا، حيث استشهدت
بقول لناقد سينمائي أوروبي ذكر أن مثل هذا النوع من الأفلام يوجه عادة نحو
جمهور متوسط الغباء، ثم صححت من عندي مضيفا: أو متوسط الذكاء، ورد علي في
نفس التحقيق متخصص في علم الاجتماع مستنكرا ما قلت مؤكدا أن ليس هكذا تقاس
ردات فعل الناس على الأفلام.
عندما قرأت رده بعد نشر التحقيق فكرت أنه، علمياً، محق في اعتراضه على
ما قلت، أما”سينمائيا” فثمة ما يمكنني ذكره في تبرير ما قلت.
“الجمهور عاوز كدة” جملة اشتهرت نقلا عن المخرج
المصري الراحل حسن الإمام، وما قاله حسن الإمام لا ينطبق على جمهور أفلامه
فقط، بل على جمهور الأفلام السطحية في مختلف أرجاء المعمورة، خاصة الجمهور
الواقع تحت تأثير آليات صناعة السينما الأمريكية والذي تشكل ذوقه السينمائي
واستجاباته السينمائية نتيجة لها.
الخليج الإماراتية في
11/07/2009 |