بين الإعلان والدراما التلفزيونية علاقة، ومصالح مادية جعلت للمعلن
اليد العليا في توجيه مسيرة الأعمال الفنية، واختيار أبطال المسلسلات،
وتكريس أسماء فنية تتكرر بشكل ممل على الشاشة الصغيرة، فما هي حقيقة دور
الإعلان في الدراما التلفزيونية؟ وكيف تدار أقطاب اللعبة، ومن المستفيد
منها؟
يقر معظم الفنانين بتدخل الدعاية والإعلان في تكريس أسماء فنية معينة
في الدراما، فالفنان سلطان النيادي الذي توجه نحو الإنتاج، يشير إلى أن
نجومية بعض الممثلين تسهم في دعم المسلسلات التي يشاركون فيها، فالعمل
الفني قائم على الأسماء، لأن المنتج حين يقدم مشروع عمله أول شيء يسأل عنه
هو أسماء النجوم المشاركين فيه، والمعلن هو تاجر بالدرجة الأولى، لذا يبحث
عن الأسماء الفنية التي تسهم في ترويج إعلانه وإنجاحه. ولكن الإعلانات ليست
دائما ناجحة مع النجوم المكلفين، إضافة إلى أن بعض الفنانين يرفضون
المشاركة في الترويج لإعلانات معينة، لذا فان الأعمال الفنية تفرض نفسها
ويكون أداء الفنانين واضحا سواء أكانوا أبطالا أم ممثلين لأدوار مساندة أو
ثانوية.
ويؤكد المخرج حسن رجب الذي يشغل حاليا منصب رئيس قسم المسرح والسينما
بوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، أن تدخل المعلن أصبح يتجاوز اختيار
الأسماء الفنية إذ يقول: أصبحت صناعة الدراما مسألة تجارية، لذا نجد المعلن
يتدخل في اختيار نوعية العمل الفني ومن يعمل فيه.
وبعض مؤسسات الإنتاج التلفزيوني تنصاع لرغبات المعلنين، خاصة حين
تتحول المحطات الفضائية إلى مؤسسات خاصة، بل أن بعض المؤسسات تبدو من
الخارج غير ربحية، لكنها في حقيقة أمرها لا تختلف عن المؤسسات الربحية في
شيء، وهذا الأمر جعلنا نجد أعمالا أصبحت ممجوجة ومل المشاهدون مشاهدتها
والسبب الوحيد لعرضها أنها مطلوبة لغرض الإعلان.
ولكن هذا لا يعني أن المواهب الشابة مهملة، فخلال عملي في الوزارة
وجدت توجها لرعاية المواهب ودعم الحركة الفنية، خاصة في المسرح ونحن نعرف
أن المسرح هو الرافد الذي يقدم الفنان للدراما التلفزيونية، لذا فان دعم
الحركة المسرحية إضافة إلى أيام الشارقة المسرحية التي كرست حضور المسرح
والأنشطة المسرحية على مدار السنة، قدمت نجوما مبدعين مسرحيا، وبالتالي
يمكن أن تكون لديهم خطوات واثقة باتجاه الأعمال التلفزيونية.
ويرى الفنان أحمد عبد الرزاق أن المنتج هو الأساس في تحديد مدى تدخل
المعلن في الأعمال الفنية، ويوضح عبد الرازق هذه الإشكالية بقوله: المسألة
برمتها تتبع المنتج الذي يضع في رأسه فكرة الاستعانة بنجوم كبار للمشاركة
في العمل حتى يستطيع الترويج لمسلسله، وللأسف صار المكسب المادي هو الذي
يحكم الدراما وأصبحت بعض المسلسلات عبارة عن محتوى إعلاني بثوب الدراما.
وفي رمضان نجد أن هناك عاملين يتحكمان في إنتاج المسلسل وإقبال
المعلنين عليه، أولهما أسماء أبطاله، وثانيهما توقيت البث، فهناك أوقات
ذروة للمشاهدة هي التي يطلبها المعلن، حيث تنسحب الإعلانات من المسلسلات
التي لا تبث خلال تلك الأوقات، ونجد أن إعلانات المسلسلات التلفزيونية تهتم
بتقديم البطل أو البطلة أكثر من التركيز على المحتوى لجذب المشاهد إليها،
وهي بالنتيجة تكريس لأسماء فنية وكأنها الوحيدة الموجودة في الساحة ولا
يوجد غيرها.
الدراما بين أهداف المنتج الربحية وصناعة النجم
تتسع صناعة الدراما لتفاصيل كثيرة، تجمع أقطابا مختلفة تتمثل في
القنوات الفضائية التي تنتج مسلسلاتها، والمنتجين المنفذين والمعلنين ثم
يأتي دور الفنانين في العمل تأليفا وإخراجا وأداء، وما لا يختلف عليه
اثنان، أن العوامل الاقتصادية لها دور كبير في التأثير على الدراما
التلفزيونية، لأنها وإن كانت عملا فنيا إبداعيا يعتمد على النص المبدع
والأداء الجميل والإخراج المحترف، تحتاج إلى الجانب المادي التمويلي لتظهر
بالصورة المناسبة التي نشاهدها على الشاشة الصغيرة.
ويناقش الفنان محمود أبو العباس صناعة الدراما العربية ودور الإعلان
فيها قائلا: من المعروف أن الدعاية والإعلام لهما أثر كبير في الجانب
الاقتصادي للعمل الفني، لذا يكون لها دور كبير في صناعة النجم، وللأسف لم
تتطور صناعة الدراما إلى المستوى المطلوب باستثناء مصر التي نجحت بسبب
التراكم الفني والبعد التاريخي للفن لديها، وقد سبقت مصر مثيلاتها من
البلدان العربية في هذا الجانب.
أما في البلدان العربية الأخرى فقد بدأت صناعة الدراما متأخرة. ولا
يمكن صناعة النجم في مدة قليلة، إلا إذا اجتمعت الجهود لتقديم عمل فني
جمالي وقصة خارجة عن المألوف، فإنها ستترك بصمة على الشاشة الصغيرة، لكن
المشكلة التي نجدها أن الأعمال الفنية أصبحت تركز على شخص أو اثنين من
الفنانين يصبحان وصفة متكررة في جميع المسلسلات التلفزيونية، ونحن نلقي
اللوم على الجانب الفني لأنه لم ينضج إلى الحد الكافي لصناعة دراما تعتمد
المقاييس الفنية ولا تخضع لسلطة الإعلان.
وفي تجربة الفنانة سميرة أحمد تميز واضح فقد اقتحمت عالم الإنتاج
وساهمت في تقديم أعمال ناجحة نتيجة خبرتها الفنية وحرصها على متابعة
مسلسلاتها بدقة متناهية، وهي تطرح وجهة نظر مغايرة عن تكريس الأسماء الفنية
قائلة: حين يبدأ المنتج بالتجهيز لعمل درامي فإنه يرفع أسماء المرشحين
للقنوات الفضائية.
وغالبا ما تكون أسماء فنية لها باع طويل في التمثيل، إذ أنهم كرسوا
جهودهم في أعمالهم واستطاعوا أن يحققوا نجوميتهم، وليس هناك ظلم للمواهب
الشابة، لأنهم يأخذون حقهم بالتدريج مع نمو تجربتهم وتطور امكانياتهم، وأنا
من أكثر المنتجين المشجعين للشباب لأننا إن لم نفعل لن يفعل غيرنا.
وقد قدمت في مسلسل «للحياة وجه آخر» اثنين من الممثلين الشباب قدموا
أداء متميزا، لأن الجميل في شبابنا أن لديهم تجارب في المسرح تسهل التعامل
معهم فالمسرح في الإمارات صقل مواهبهم وجعلهم مهيئين لتقديم الأعمال
الدرامية بحرفية عالية، فلا تهضم حقوقهم ولا يكون للمعلن تأثير كبير عليهم.
البيان الإماراتية في
13/07/2009 |