على خلاف ما هو شائع اليوم في أفلامنا من إيقاع متسارع بسبب ومن دون
سبب، يتميز
فيلم «احكي يا شهرزاد» بإيقاع هادئ يدعو إلى التأمل ويثير
الذهن. وإذا كانت حكايات
«ألف ليلة وليلة» التراثية تحكيها شهرزاد لتسلية شهريار تحكي
حكايات شهرزاد الفيلم
عن أوجاع المرأة المصرية والعربية
المعاصرة، لتهز بعنف أفكار الرجل البالية عن
المرأة وعلاقته بها.
«منى زكي» مذيعة في التلفزيون تقدم برنامجاً اجتماعياً، تختار له نماذج
من
النساء تحكي كل منهن حكايتها مع الرجل. وكل حكاية منها تكشف عن
جانب من الجوانب
المريضة في علاقة الرجل بالمرأة في المجتمع
المصري/العربي المعاصر.
وبقدر ما تكشف الحكايات عن أنانية الرجل تكشف عن مأساة المرأة مع هذا
الرجل:
المرأة العانس سوسن بدر ترفض الزواج لمجرد الحصول على زوج يفرض
شروطه عليها لتعطيه
كل شيء وهو لا يعطي شيئاً غير أن يكون
زوجاً. ورحاب الجمل تقتل الشاب الذي أحبته
عندما تكتشف أنه غرر بها وبأختيها معاً بعد أن جعلنه شريكهن في دكان الدهان
الذي
ورثنه عن أبيهن. والطبيبة سناء عكرود حاول محمود حميدة الزوج ابتزازها على
رغم
مكانته الاجتماعية والسياسية الرفيعة فتجهض نفسها وتطلب الطلاق. وتتظاهر
منفردة في
الشارع رافعة لافتة تعترض فيها على اختيار الوزراء الذين كان زوجها واحداً
منهم.
وتبقى أخيراً حكاية المذيعة منى زكي التي تقدم برنامجاً سياسياً، يعترض
عليه الزوج
الصحافي حسن الرداد الذي يرى أنه يحول بينه وبين تحقيق طموحه في أن يصبح
رئيساً
للتحرير وذلك بسبب عدم رضاء المسؤولين عن البرنامج. وهكذا تغير برنامجها
السياسي
إلى برنامج اجتماعى يتناول مشاكل المرأة. لكن البرنامج لا يُرضي الرؤساء
أيضاً،
ويتم استبعاد الزوج عن المنصب فيحتد على زوجته ويحمّلها مسؤولية فشله
ويعتدي عليها
بالضرب الذي يسيل الدم على وجهها. وكان موعد برنامجها قد أزف فتظهر على
الهواء
وتكشف عن جروح وجهها لتحكي هي الأخرى حكايتها.
قوة البساطة
قوة السيناريو تكمن في بساطته واختيار نماذجه الشخصية الممثلة لمشاكل
حقيقية،
والحوار الواقعي المقنع. ومن أقوى مشاهد الحوار ما دار بين
سوسن بدر وحسين الإمام
المتقدم لخطبتها وانتهى برفضها للخطوبة.
ولم يكن هذا المستوى من إحكام السيناريو
غريباً على وحيد حامد عميد كتّاب السينما المصرية. حيث يأتي هذا الفيلم
إمتداداً
لحملته التنويرية التي تتجلى في معظم أفلامه خصوصاً الأخيرة منها.
لكن أقوى ما في الفيلم هو إخراج يسري نصر الله، الذي إليه يرجع الفضل
في ضبط هذا
الإيقاع الهادئ الفريد للفيلم بالتعاون مع المشاركين معه من
الفنانين والفنيين.
ويأتي عمل المخرج مع الممثل في المقدمة، حيث لا نجد ممثلاً
واحداً دون المستوى
المطلوب أو غير مقنع في أي مشهد من
المشاهد، ومنهم الممثلون المخضرمون أو الممثلون
الجدد: سوسن بدر بأدائها المميز و «يدعمه الماكياج» تقنعنا بمأساة العنوسة
من دون
ميلودرامية، هي التي لا ذنب لها إلا أنها أرادت أن تعيش كإنسانة مع الرجل
الذي تحبه
وليس كمتاع. ويؤدي حسين الإمام دور الخطيب بتلقائية لا تخلو من خفة الظل
المحسوبة
وهو يعرض عليها شروطه.
وبالإبتسامة والنظرة والمظهر الوجيه يعبر محمود حميدة في دور الرجل
رفيع
المستوى، عن الحب والحنان اللذين يحيط بهما الطبيبة وهو ينسج
شباكه حولها حتى يعقد
قرانه عليها ويعاشرها من دون زواج. ثم نراه
يعبر بالقوة نفسها عن الحالة المناقضة
عندما يفاجئنا ويفاجئ زوجته بإنكار انتساب ما في بطنها إليه مدعياً أنه
عقيم. ثم
يصل في تعبيره عن منتهى النذالة عندما ينحني عليها ليهمس إليها بكلمات
حاسمة وفي
برود أن عليها أن تدفع له مبلغاً كبيراً حتى لا يشهر بها.
وبالمثل عبرت منى زكى عن الحب والرغبة في التفاهم مع زوجها في البداية
بقدر ما
عبرت بصدق عن الإصرار والدفاع عن حقها في
ممارسة عملها في النهاية. ثم تحولت
بنظراتها وبحركاتها إلى نمرة شرسة وهي
تصارع الزوج الذي استطاع أن يقهرها جسدياً،
لكن وجهها الدامي الذي تظهر به على الشاشة ونبرات صوتها والوضع الذي تتخذه
أمام
الكاميرا، يؤكد هذا الإصرار حتى النهاية.
ولم يكن الممثلون الجدد من الشباب أقل قوة، أو بلاغة في تعبيرهم عن
أدوارهم، ما
يجعل منهم نجوماً بحق يضافون إلى نجوم الشاشة المصرية، وفي
مقدمهم حسن الرداد في
دور كريم الصحافي زوج منى زكي، ومحمد رمضان
في دور حسن العامل في محل الدهان، ورحاب
الجمل في دور صفاء القاتلة. وسناء عكرود في دور الطبيبة ناهد.
الشكل وجوهر المضمون
ويعمل المخرج يسري نصر الله على خلق الجو والأوضاع المشحونة بالدلالات
الموحية.
وهو ما يمنح الممثل أيضاً إمكانية أكبر في التعبير عن الموقف.
نضرب على ذلك مثلاً
موقف الحوار بين سوسن بدر وحسين الإمام حيث
يجري في مطعم والاثنان في مواجهة بعضهما
وبينهما المائدة فتعبر الصورة بأوضاعها الشكلية عن المواجهة بينهما التي
تنتهى
بالفشل في الارتباط.
ومن هذه المشاهد في البداية مشهد منى زكي وهي تمارس رياضتها في المشي
على مشاية
كهربائية ويقبل الزوج حسن الرداد فيحتضنها ويدور بينهما حوار
يبدو ودياً حول عملها
لكنه يرهص بالنهاية العكسية التي تؤكد لنا
حركتهما وهما يبدوان وكأنهما يسيران إلى
الأمام ولكن في وضعته «محلك سر».
وفي حوار مماثل أيضاً بينهما يرفع الزوج حسن زوجته منى إلى أعلى بعد
أن يطوقها
بذراعيه ويدور بها حول نفسه فتصبح هي كما لو كانت تدور حوله
بينما يمثل هو المركز.
وبذلك تمثل هذه الحركة شكلياً ما يعتمل في نفسه وإن كانت في
ظاهرها مجرد لهو زوجي
يعبر عن الحب. كما يمثل هذا الدوران الجسدي
(الظاهر) المعادل الموضوعي للتعبير عن
الدوران النفسي (الخفي) وهو يحاول إجراء عملية «غسيل مخ» للزوجة.
وعندما نرى محمود حميدة وهو يوجه حديثه المعسول الى الطبيبة من فوق
الحصان الذي
يمتطيه يعبر عن الزهو والفروسية لكن المشهد يوحي في الوقت نفسه
بسباق الخيل
والمقامرة عليها.
والحق أن كلاً من هذه المشاهد يعبر بالقوة نفسها عن المعاني المتضاربة
التي
يحملها. وقد يكون ما قدمناه عنها مقصوداً
من المخرج أو غير مقصود. وما قدمتاه من
تفسيرات لها قد يكون صحيحاً أو مفتعلاً،
ولكن يبقى لهذه المشاهد حيويتها وطرافتها
وبريقها الجذاب كصورة سينمائية. الأمر الذي لا نجده إلا في حالات نادرة من
الأفلام
على غرار هذا الفيلم لمخرجه الكبير يسري نصر الله.
الحياة اللندنية في
17/07/2009 |