عُرضت أفلام مهرجان الفيلم الفرنسي العربي الخامس عشر، على مدى أسبوع،
في صالة مركز الحسين الثقافي. حيث كان الجمهور على موعد مع باقة من الأفلام
العربية الجديدة لمخرجين عرب من سورية ولبنان والجزائر والعراق وتونس
والمغرب وتونس، إضافة إلى أفلام أنجزها مخرجون مهاجرون، مثل فيلم أذان
الناطق بالفرنسية، من إخراج رباح عمور من الجزائر.
وقد خطفت الممثلة الفرنسية الشهيرة كاثرين دونوف الأضواء، منذ اللحظة
الأولى التي ظهرت فيها في باحة مركز الحسين الثقافي في عمان، حيث كان
مقرراً أن تحضر هذه النجمة حفل افتتاح المهرجان، وعرض الفيلم اللبناني
التسجيلي بدي أشوف من إخراج جوانا حجي توماس وخليل جورج، وتمثيل اللبناني
ربيع مروة الذي رافق دونوف في جولة لمعاينة الدمار الكبير الذي خلفه
العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف العام 2006، ابتداء من البيوت المهدمة
كلياً في الضاحية الجنوبية، وصولاً إلى قرية بنت جبيل التي ضاعت فيها معالم
القرية، حتى إن مروة لم يستطع أن يحدد موقع منزل جدته. وكانت دونوف ترى
وتسمع، لكن دون أن تعلق بشيء.
ولا شك أنها كانت مبادرة دعائية، وربما سياسية، لامعة، استضافة هذه
النجمة المحبوبة، التي أوضحت دونما إثارة أسباب موافقتها على الظهور في
الفيلم قائلة أمام الجمهور وبإنجليزية لا بأس بها، إنها تواصل تقليداً
فرنسياً في التعاطف مع الشعب اللبناني. وقبل أن تبدأ جولتها نسمع حواراً
بينها وبين رجل لعله مسؤول في السفارة الفرنسية ببيروت، ينصحها بعدم القيام
بالرحلة حتى لا تدخل في السياسة، أو شيء من هذا القبيل، لكن دونوف أصرت
المرة تلو المرة على قول: ولكن! بدي أشوف . وهكذا، رافقتنا كاميرا المخرج
من الضاحية الجنوبية، باتجاه الجنوب عبر الطريق الساحلية، وصولاً إلى بنت
جبيل، حيث كانت دونوف طيلة الوقت جالسة في سيارة يقودها مروة، يتحدثان
حيناً، ويصمتان حيناً. ودونوف تشعل سيجارة وراء أخرى طوال مدة الرحلة التي
زادت على الساعتين.
بهذا، يكون فيلم بدي أشوف نصراً إعلامياً ودعائياً للبنان، وللقضية
اللبنانية، وهذا هو الجانب الذي طغى على الاعتبارات الفنية للفيلم الذي كان
تسجيلياً عادياً تخللته دقائق طويلة من الملل عندما لم يجد مروة ودونوف ما
يقولانه، والحقيقة أن الفيلم مبني على حضور دونوف، ولو أنها لم تكن موجودة
لما كان هناك فيلم أصلاً.
من الأفلام العربية التي عُرضت خلال المهرجان: حسيبة لريمون بطرس،
أيام الملل لعبد اللطيف عبد الحميد، سمعان بالضيعة لسيمون الهبر، في شقة في
مصر الجديدة لمحمد خان، الأرض للراحل يوسف شاهين، وقد عُرض تكريماً لذكرى
السينمائي الكبير. كما أن هناك أفلاماً كانت جديرة بالمشاهدة، مثل الفيلم
العراقي فجر العالم لعباس فاضل، الذي أشاد به الكثيرون، والفيلم الجزائري
مسخرة لإلياس سالم.
حرص بطرس، المعتد بحلبيته، على إهداء فيلمه حسيبة إلى روح نزار قباني،
وبهذا يكون الفيلم نوعاً من أنشودة حب إلى دمشق القديمة وإلى نسائها
اللواتي يرى المخرج أنهن بكّرن في اجتراح مبادرات عملية، كتعلم الخياطة
والنسيج، لمواجهة الحياة دون اللجوء إلى الرجل.
يحكي الفيلم قصة ثائر التحق بالثوار في الجبال أيام المقاومة ضد
المستعمر الفرنسي (طلحت حمدي) ترافقه ابنته حسيبه (سلاف فواخرجي) التي
تتقلب بها الأيام بعد وفاة والدها. الفيلم قوي، ويمكن ملاحظة الجهد الذي
بذله المخرج على مدى أربع سنوات حتى رأى الفيلم النور، لكن هناك ملاحظات،
منها مثلاً أن زواج حسيبة من أحد أقارب والدها جرى بصورة ميكانيكية سريعة
دون تمهيد، وهذا ما يتعارض مع صلابة الوالد الثائر الصموت، ومع شخصية حسيبة
نفسها التي كانت معه في الجبل، وتحمل بالضرورة جينات الرفض والممانعة. كما
أن المخرج التزم إلى حد كبير بالرواية التي بني الفيلم عليها، وهي للروائي
خيري الذهبي.
في فيلم أيام الملل ، يعود المساعد مصطفى من الجيش السوري إلى بلدته
في الشمال، ملفوفَ الرأس بالضمادات، حيث انفجر به لغم أدى فقدانه بصره
وإحدى يديه أثناء عملية تسلل قام بها مع مجموعته ضد إحدى المستوطنات
الإسرائيلية على الحدود. ويصادف رجوعه إلى البيت وجود اثنين من الطبالين مع
زمّار كان شقيق زوجته (معن عبد الحق) قد أحضرهم ليسلّوا أولاده الأربعة
أثناء غيابه المديد في مهمات التسلل. ولدى وصوله يصمت الجميع لهول اللحظة،
لكن هذا الوطني الشجاع يطلب من الطبالين أن يستمروا، وبقوة روحية فذة
يتسامى المجند على مأساته ويبدأ في الرقص.
يمكن عدّ الفيلم نوعاً من نوستالجيا سينمائية عن سنوات الوحدة بين مصر
وسورية، بخلفية أحداث كبرى رافقت الوحدة، كاستدعاء الرئيس اللبناني الراحل
كميل شمعون للأسطول السادس الأميركي إلى شواطئ لبنان، وحدوث انقلاب عسكري
عراقي بقيادة عبد الكريم قاسم أطاح بالملكية في العراق.
إذن نحن أمام أسرة المساعد مصطفى، الفلاح القادم من الشماال مع زوجته
(ريم زينو) وأولاده الأربعة الذكور، حيث يأخذهم معه أثناء خدمته في مناطق
الجولان، تم يسفّرهم إلى قريته في الشمال بعد أن اشتعلت جبهة الجولان
عسكرياً وأصبحت خطرة.
بروح شاعرية، وبمعرفة حقيقية بأسلوب الفلاحين في التعامل، ضمن إطار
فكاهي شفاف، يثبت عبد اللطيف عبد الحميد أنه شاعر الحالة الفلاحية لسورية
الكبرى بكل مكوناتها. فيلم جميل ينطوي على نوستالجيا عميقة إلى تلك الأيام
القومية المجيدة، حيث كان الانتماء إلى فلسطين نضالاً وتضحيةً، أمراً
بديهياً بالنسبة للشباب العربي.
أما سمعان بالضيعة ، فهو فيلم تسجيلي للمخرج اللبناني سيمون الهبر، عن
عمه الكهل المزارع سمعان الذي يترك عمله في المعاملتين ليعود إلى قريته في
منطقة جبل لبنان، واسمها عين الحلزون ، التي هجرها جميع سكانها المسيحيين
أثناء الحرب الأهلية في لبنان التي اندلعت في العام 1973. هذا الكهل ليس
تقليدياً، بل يبدو معاصراً إلى حد بعيد، بقامته الرشيقة وجسمه المتين،
وبلمسة شبابية تتمثل في إطلاقه جديلة من الشعر خلف رأسه.
سمعان يعود إلى القرية وحيداً، ولا أحد معه من سكان القرية الذين
هاجروا إلى بيروت وغيرها بسبب الحرب الاهلية، فكأنه يضرب مثالاً نادراً في
التشبث بالمكان الأول، حتى لو أصبحت ظروف الحياة فيه شبه مستحيلة. لكن
سمعان ليس وحيداً تماماً، فله عدد من الأبقار يرعاها ويجلبها، بالإضافة إلى
حصان وكلب وعدد من الدجاجات. سمعان يتحدث ويتذكر، لكن بروح عالية، نافياً
أنه يحس بالملل، إذ إن لديه دائماً برنامج عمل يشغله طول الوقت، بالإضافة
إلى التلفزيون وبعض الزيارات المتقطعة التي يقوم بها أقارب وأصدقاء له من
أهل القرية.
فيلم جيد مؤثر، يعكس بطريقته الخاصة الروح الوطنية اللبنانية، التي
تزداد أهميتها هذه الأيام كمَخرج، قد يكون وحيداً، لمتاهة السياسة التي
تشترك أطراف إقليمية ودولية مختلفة في دس أنوفها فيها.
الرأي الأردنية في
17/07/2009 |