«مناحي» الذي أدّى عرضه في السعودية إلى غضب المتشددين وحوادث متفرقة، كان
متميزاً ومدهشاً، وإن غالى صنّاعه في التهريج. الشريط هو ثاني الأفلام
السعودية التي أُنتجت بعد شريط «كيف الحال» وهما من إنتاج شركة «روتانا
استوديوز». يحكي العمل قصّة مناحي، الشاب السعودي من أصول بدوية (فايز
المالكي) الذي يتّسم بالبساطة والعفوية ويمتلك مزرعة صغيرة، لكنّه لم
يتأقلم مع مفردات الحياة المدنية التي تورّطه في العديد من المواقف المحرجة
والطريفة. وذات يوم، يقرّر السفر إلى دبي، حيث يتعرض للكثير من المواقف
الكوميدية الطريفة.
لكنّ التهريج الذي خيّم على الفيلم، هو آفة الكوميديا العربية من الماء إلى
الماء. مثلاً، نرى في أحد مشاهد العمل إلحاح مناحي على سؤال كل مَن يقابله
إن كان صينيّاً أو أميركيّاً، وقيامه بمغازلة النساء أمام بوّابة الفندق
وهن يغادرن سياراتهن، متناسياً أنه كان يتسوّل رواد الفندق! كما نرى
الكاميرا تغازل ــــ ولو على استحياء ــــ الأجساد البضّة. علماً بأنّ
المخرجين السعوديين يستعينون بالممثلات الكويتيات والبحرينيات في أعمالهم
لتعويض غياب تاء التأنيث السعودية! هنا، نتمنى ألا ينساق المخرج السعودي
وراء الجسد وإغراءاته بهدف الإثارة فقط أو إخفاء عيوب السيناريو الهشّ وضعف
الرؤية الفنية، إن لم نقل غيابها.
الجميل في الفيلم أنّه ينتصر للبساطة ونقاء الفطرة وقيم البداوة التي تلاشت
من حياتنا العربية مع التكالب على الماديات. وهذا ما تجلّى في حزن مناحي
لدى رؤيته المضاربات وقد وصلت إلى القبيلة، بعدما هجر عالم «البزنس». لكن
هناك بعض الأخطاء الإخراجية في العمل، فكيف تتوافر مكبّرات صوت وهواتف
خلوية في قبيلة صحراوية ليس فيها غير الغنم والخيام والنخيل في مشهد نرى
قنديلاً على طرف الخيمة وأم مناحي تسأل عن هاتفها؟
ما يستحق التنويه هنا أنّه أُشير في الفيلم، من خلال شخصيّة السائق الهندي،
إلى أنه لا يمكن العمل في دبي إلا إذا كان الشخص «غير عربي». لكن، للأسف،
جرى التعامل مع هذه النقطة بسطحية، مع طغيان كاريزما مناحي، البدوي، الساذج
و... الثرثار أيضاً.
أيضاً كانت لافتةً إدارة المخرج الاحترافية للممثلين، باستثناء شخصية مناحي
التي فقد السيطرة عليها، وباقي عناصر الفيلم. وهذا ما عكسه بناء المشاهد،
بكادراته وزوايا التصوير، والتنقل المرن للكاميرا بين المشاهد واللقطات، من
دون أن ننسى الموسيقى التصويرية المرهفة التي تتنوع مع التنوّع الجغرافي
للأماكن (الصحراء، القاهرة، دبي)، وكذلك الحالات النفسية للشخوص.
أمّا درة «مناحي» فهي الفنانة القديرة منى واصف (أم مناحي) التي تعاني
الزهايمر، والتي أسرتنا بأدائها وأمومتها وعفويتها.
الأخبار اللبنانية في
23/07/2009
تعليق:
أرسله
Yahya
يوم خميس, 2009-07-23 09:52.
تقويم جيد جداً لفيلم يصل إلى مرتبة الجيد من الأفلام ، إن لم نقل أقل.
هنالك مجهود ، مجهود ليس في تكوين الفيلم في صورته النهائية ، بل في فكرة
إنشاء فيلم سعودي متميّز. إذ أنيّ و بالصراحة ؛ قررت مقاطعة ما يسمى أفلام
كوميدية عربية (حتى لو تضمنت فقرات إبداعية في الضحك عند أحد أجزائها) ، و
هي التي تحولت إلى حركات و جمل هزيلة التركيب و هزلية التوجه ، إضحك لكن لا
تعرف عمّا تضحك ، القفز البهلواني ، النكات المكررة ، اللغة الكوميدية
الضعيفة.
كنت و لازلت من المؤمنين بأن الرغبة في الدخول إلى عالم السينما يكون من
الباب الراقي ، الذي يعكس هوية المجتمع ، تاريخه ، عواطفه المكبوتة ،
العلاقات بسطحيتها و عمقها بين أنسجة المجتمع. مع ذلك أستاذ هشام قلقي
الأكبر ليس فقط من الذي يحارب صناعة الأفلام ، بل من أولئك الذين يتسللون
إلى الفن السابع للتكسب المالي المحض.
يمكننا القول أن النقاش حول جدية مماشات الفنانيين و النقاد للشركات
المتكسبة لضمان الوصول و من ثم التغيير ، أو مواجهة الربح السريع على حساب
البناء المتكامل ؛ قد بدأ.
يحيى ب. ح. |