في فيلمه التسجيلي الطويل يعيد
د.»مدكور ثابت« في فيلمه (سحر ما فات في كنوز المرئيات)
قراءة تاريخ الوطن
منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتي يومنا هذا وذلك من خلال تلك
الوثائق السينمائية
التي اجتهد في الحصول عليها،
ليصنع بها عملا مثير للجدل،
وفيلما وثائقيا مختلفا
عما عرفناه في هذا المجال، حيث أنفلت من فكرة الاخبارية التي تتصف بها السينما
التسجيلية، ليقدم لنا بناء روائيا لمادة وثائقية، يستخدم أسلوب الحكي،
الذي
يصبح فيه صوت المعلق علي شريط الصوت، بل
هو المخرج نفسه،
فيتجلي الأمر وكأنه
سيرة ذاتية تعتمد علي مذكرات شخصية تنطلق من عشق خاص للصورة كوثيقة تمنح
صاحبها
امكانية رصد التطور الحادث في الحياة،
وربط المادة الوثائقية برؤية مبدعها بشكل
مباشر، مما يلغي الحيادية المزعومة للفيلم التسجيلي.
هو شهادة علي عصر
النهضة في مصر، بكل عمليات صعود وتخلخل حركة هذه النهضة، التي شملت الفكر
والعلم والأدب والفن والحياة الاجتماعية بأكملها،
وعرف الناس وقتها السينما كفن
صورة يسجل الواقع بزوايا خاصة،
ويفجر سحرا لدي مشاهده لم يكن يعرفه من
قبل.
من هذا السحر يعمل الفيلم علي صياغة صورة كلية لزمن فات،
وعبر اعادة
تنظيمه للوثائق السينمائية بالمونتاج الخلاق، يمنح الصور المرئية دلالات جديدة
بتحاورها مع الصور السابقة واللاحقة عليها، وبإعادة قراءاتها يعيد اكتشافها،
ويعيد اكتشاف التاريخ ذاته، فينطلق الفيلم من كوبري قصر النيل، الذي أنشأه
الخديوي »اسماعيل«،
ومن فوقه مرت أحداث جسام، كما مرت أسفله مياه كثيرة،
ورصدت السينما العديد من تفاصيلها، واندفعت عكس التيار لتكشف لنا عن تلك
المحاولة الأولي لانشاء مستوطنة صهيونية ضخمة علي ضفاف النيل،
وأمسك فيلمنا بتلك
الصور التي التقطت لمياه النهر العظيم، منعشا ذاكرتنا بالقول بأن زمن تصويرها هو
»نفس
سنوات هرتزل الذي نادي بهذه المياه لتأسيس اسرائيل الكبري من النيل الي
الفرات«، وتم انشاء المستوطنة الصهيونية في منطقة (كوم أمبو)
بصعيد مصر،
عقب زيارة »هرتزل« للقاهرة في مارس
٣٠٩١، واستمرت المستوطنة لسنوات أربع،
يجلب اليها اليهود الفلاحين من داخل وخارج البلاد، حتي تم تركيز اتجاه الهجرة
اليهودية الي فلسطين عام
٧٠٩١.
لم تعد لقطات الأمس، في فيلمنا هذا، مجرد
لقطات مقتطعة من سياقها التاريخي،
بل راح باحثنا المخرج المدقق،
يكشف عن
التفاصيل الغائبة عن الصور المعروضة أمامنا، مفتشا في كتب التاريخ والسياسة
والاقتصاد، راصدا التحولات الجذرية التي مرت ببنية المجتمع، وقادت وطنا
لطريق
المقاومة والتطور والوحدة والتصنيع الثقيل، دون أن يترك الغرب له فرصة أن يحقق ما
يصبو اليه من تطور ووحدة، فحاصره وسعي لغزو شطآنه،
وبالتالي أصبحت الصور
القديمة قابلة لاثارة الدهشة، بعد أن أضيئت المساحات المعتمة المحيطة بها،
ونجح
الفيلم في منح مشاهده الكهل الذي عايش بعض من وقائعه المصورة خلال الخمسين
عاما
الأخيرة متعة اعادة اكتشاف ما عاشه من موقع بعيد عن زمن
المعايشة، كما منح مشاهدة
الشاب متعة أن يري الحقائق التي غيبت عنه في أزمنة التقهقر،
ليكتشف معها أنه
يمتلك القدرة علي المقاومة والمواجهة،
بعد أن امتلك الوعي بتاريخ وطنه ودور
الأجيال السابقة عليه.
استقبل برنامج (نادي السينما) مع هذا الفيلم لأول
مرة، وربما لآخر مرة، تعليقات الجمهور علي عرضه مساء الخميس قبل الماضي،
وسعدنا بهذا القدر من الوعي الذي استقبل به الجمهور الفيلم،
وهذا التغيير الذي
حدث للبعض منه تجاه تاريخه وأبطاله،
ولكن كما أشارت
»د.درية« - وتحفظنا في
مقالنا السابق - عادت »ريمة لعادتها القديمة«، ورجع البرنامج لشكله القديم؛
فيلم أمريكي، ومحاور،
كان الخميس الماضي هو المخرج د.»سمير سيف«.
ويبدو أن
التطوير الذي أطاح بالبرنامج من شاشة القناة الأولي الرسمية، قد جعل أصحابه
يخشون
من أي تطوير، حتي ولو بالاستماع لرأي الجمهور.
أخبار النجوم المصرية في
25/07/2009 |