لم تكن الدراما المصرية بمنأى عن تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية
التي تجتاح العالم منذ أواخر العام الفائت، فقد انعكست الأزمة على واقع تلك
الدراما، وشهدت الكيانات الإنتاجية حالة من الارتباك بعد انسحاب رجال
الأعمال الذين كانوا يلعبون دور الممول لهذه الكيانات، بالإضافة إلى تجدد
المخاوف من انهيار التوزيع الخارجي للأعمال الدرامية التي يتم إنتاجها
للعرض في رمضان المقبل.
وفيما تراجعت بعض شركات الإنتاج عن خطط إنتاجها مؤقتا لحين اتضاح
الصورة، تحايلت شركات أخرى بضغط ميزانية الأعمال والاستعانة بممثلين أقل
سعرًا ونجومية كنوع من التواجد على الساحة الفنية..لكن شعار تخفيض الأجور
والميزانيات الذي رفعه المنتجون للتصدي للأزمة، لم يقتصر على خفض الأجور
لبعض النجوم أو الاستعانة بممثلين شباب لبطولة الأعمال، أو حذف المشاهد ذات
التكلفة العالية، بل تعدى ذلك إلى استبدال شركات الإنتاج السفر والتصوير
الخارجي بالتصوير الداخلي والاكتفاء بالديكورات البسيطة، والمعبرة عن
الأحداث، وهو الأمر الذي انقسم إزاءه المسئولون عن هذه الأعمال.
ففيما أرجعه البعض إلى الضرورة الفنية وأن أحداث العمل تتطلب ذلك، قال
البعض الآخر إن حسابات الإنتاج لعبت الدور الأكبر وراء هذا التوجه من أجل
ترشيد النفقات.. مزيد من التفاصيل عن الدراما المصرية وتأرجحها ما بين
الحسابات الفنية وحسابات الإنتاج في السطور القادمة..فإلى التفاصيل.
الدراما المصرية لهذا العام لم تتبن اتجاها واحدا في شأن تصوير
الأعمال، فبعضها اتجه نحو التصوير الخارجي، وخاصة أعمال النجوم الكبار
وغيرهم من الأسماء الكبيرة المشهورة التي صممت على التصوير الخارجي بحثا عن
الإبداع في الصورة ولفت انتباه الجمهور، بعدما أصبحت الاستوديوهات وأماكن
التصوير الداخلية مثل مدينة الإنتاج الإعلامي محفوظة عن ظهر قلب بالنسبة
للجمهور العربي.
لكن في المقابل اتجهت قائمة كبيرة من الأعمال، خاصة التي يقوم
ببطولتها نجوم الصف الثاني في الشاشة الرمضانية والشباب إلى اختيار التصوير
الداخلي، مثل «الرجل والطريق» للفنان الشاب محمد رياض، «سيد وسامية»
للفنانة ماجدة زكي، «تاجر السعادة» للفنان خالد صالح، وغيرها من الأعمال،
وإن كان هناك أيضًا بعض الأعمال لأصحاب الصف الأول اكتفت أيضًا بالاعتماد
على التصوير داخل مصر من محافظات وشوارع المدينة، منها «هانم بنت باشا»
لحنان ترك، و«العمدة هانم» لصابرين.
وفي السياق ذاته فشلت محاولات النجوم الكبار مثل الفخراني في مسلسل
«ابن الأرندلي»، ونور الشريف في «متخافوش»، ويسرا في «خاص جدًا» وينضم
إليهم أحمد عز الذي يعتمد على نجاحه السينمائي في دخوله إلى شاشة رمضان هذا
العام من خلال مسلسله الجديد «الأدهم» في فرض عضلاتهم على المنتجين، الذين
بدأوا تقليص عدد الأيام التي يتم التصوير فيها خارج مصر، وذلك في محاولة
لتخفيض الميزانيات بعد أن كانوا متحمسين في بداية تصوير العمل بالتصوير
الخارجي، وفي الأماكن الحقيقية التي يتناولها العمل.
وما بين معادلة حسابات الإنتاج والضرورة الفنية، ترى المخرجة رباب
حسين والتي تخوض المنافسة الرمضانية هذا العام من خلال مسلسلها الجديد
«قاتل بلا أجر»، والذي يتقاسم فيه البطولة النجمان حسين فهمي وفاروق
الفيشاوي أن مسلسلها بالفعل كان من ضمن الأعمال التي تم تصويرها خارجيًا
لأسباب فنية كان لا يمكن الاستغناء عنها.. لافتة أنه تم تصوير مشاهد من
العمل في الكويت لأن أحداث العمل كانت تقتضي ذلك، ومن الصعب التحايل عليها
أيا كانت حسابات الإنتاج.
لكن رباب عادت واعترفت أن الأزمة المالية أثرت سلباً في السوق
الدرامية بشكل عام، وهو ما جعل العديد من المنتجين يفرضون شروطا جديدة على
أعمالهم حتى تتناسب مع التطورات الجديدة في السوق، وبشكل خاص ما يتعلق
بالفضائيات التي فرضت شروطا قاسية على الأعمال التي تشتريها، ثم رجال
الأعمال الذين انسحبوا بإعلاناتهم بفعل الأزمة العالمية.
أشارت أن هذه المتغيرات الجديدة دفعت المنتجين ـ مجبرين ـ على تخفيض
أجور النجوم، أو البحث عن نجوم من الجيل الجديد الأقل أجرًا، إضافة أيضًا
لمحاولتهم تقليل ميزانية العمل، والاكتفاء بالتصوير الداخلي من بناء
ديكورات تتشابه مع المكان الذي يشير إليه الحدث.
لكن رباب أكدت أنه منذ البداية كانت قد اتفقت مع الجهة المنتجة
لمسلسلها «قاتل بلا أجر» على السفر وتصوير المشاهد في أماكنها الطبيعية
خاصة أن مشاهد المسلسل تحتاج إلى ذلك بالفعل؛ فكانت الأمور أكثر وضوحًا،
ولم تبخل الجهة المنتجة على العمل، ولكن في الوقت نفسه حتى تحقق المعادلة
ولا تحمل الجهة المنتجة أكثر من طاقتها قامت رباب، على حد قولها، بتصوير
المشاهد المهمة فقط والتي يحتاجها العمل في الكويت، بينما تحايلت على مشاهد
أخرى واستكملت تصويرها في المكاتب والشقق في الديكورات والتصوير الداخلي
داخل استوديوهات في مصر.
المنتج جمال العدل صاحب شركة «العدل جروب» التي تنتج هذا العام أكثر
من عمل منها مسلسل «خاص جدًا» للنجمة يسرا، والتي تنضم بالفعل لقائمة
النجوم الأغلى دراميًا، وأحد الأركان المهمة على شاشة رمضان، وأيضًا مسلسل
«سيد وسامية» الذي يقوم ببطولته النجمان حسن حسني وماجدة زكي واللذان لم
يصل مجموع أجرهم سويًا إلى أجر يسرا وحدها عن عملها، فيؤكد أن هناك تناقضًا
في ميزانية العملين وأجور العاملين بها من ممثلين، مرتبط بحسابات مادية
وفنية.
وقال إن مسلسل «خاص جدا» تم توفير كل الإمكانيات له من تصوير وديكور
وغيرها من الأمور الفنية.. نظرا لما تحققه يسرا من تسويق وشعبية في العديد
من الدول العربية، خاصة دول الخليج، وبالتالي كان لابد من إتاحة كل
الإمكانات للعمل لخروجه في صورة جيدة من أجل تسويقه لأكبر عدد من
الفضائيات، على العكس من أعمال أخرى مثل المسلسل الكوميدي «سيد وسامية»
الذي يأتي تواجده ضمن محاولات الشركة لتحقيق معادلة خاصة في السوق، لافتا
أن هذا النوع من الأعمال يتم فيه الاستعانة بوجوه جديدة أو شابة للتخفيف من
الميزانية أو اللجوء للتصوير الداخلي لترشيد النفقات في العمل.
من هذا المنطلق يؤكد العدل أن الأزمة المالية بالفعل كان لها تأثيرها
الواضح على الساحة والتي بدأت بالفضائيات التي تراجعت عن شراء بعض الأعمال،
ما زاد العبء على شركات الإنتاج، وهنا يتساءل: ما الداعي إذن للإصرار على
التصوير الخارجي، خاصة إذا كان يمكن استبدال ذلك بالتصوير الداخلي وبناء
ديكورات على أعلى مستوى، وطالما أن هذا لم يؤثر في العمل، فمثلاً مسلسل
«سيد وسامية» هو في أحداثه يعتمد أغلبه على التصوير الداخلي، وربما هناك
بعض المشاهد أيضًا الخارجية من الممكن أن يتم بناء ديكورات مشابهة لها.
البيان الإماراتية في
28/07/2009
شركات
الانتاج تواجه المأزق ببدائل عدة
بسؤال المنتج محمد فوزي عن انعكاسات الأزمة العالمية على حسابات
الإنتاج أكد أن المنتج في ظل التطورات الجديدة أصبح مظلوما، لأن الأمر أصبح
أكثر تعقيدًا على الساحة، خاصة بعد ما بدت آثار الأزمة واضحة على الساحة
الاقتصادية بشكل عام، والفنية بشكل خاص، والتي بسببها بدأ العديد من الجهات
الإنتاجية في وضع معايير وأسس جديدة للتحكم في الأزمة بشكل أو آخر.
فوزي توقع أن يكون رمضان المقبل المقياس الحقيقي لتطبيق بعض اللوائح
لحماية الصناعة، التي منها اتجاه أغلب الأعمال إلى التصوير الداخلي بحثًا
عن توفير لميزانية تكفي العمل، ما يعنى، على حد قوله، أن حسابات الإنتاج
أصبحت هي المتحكم في العمل أكثر من أي حسابات فنية.. وإن كان فوزي واحدًا
من أصحاب الأعمال التي تم تصويرها بالخارج مثل مسلسل «ابن الأرندلي» نظرًا
لما يقتضيه العمل رغم كونه كلفه كثيرًا، ولكن كان لا يمكن الاستغناء عنه
تمامًا.المخرج إبراهيم الشوادي الذي يعد واحدًا من أصحاب الأعمال التي
تعتمد في تصويرها على البساطة والتصوير الداخلي والاكتفاء بالخارجي بين
شوارع القاهرة والمحافظات إن احتاج الأمر، قال: بالطبع الميزانية هي
المتحكم الأساسي والأول في توسيع خيال المخرج، وكلما زادت الميزانية أصبحت
الأمور سهلة، والإمكانات أكبر.
ويخوض الشوادي المنافسة بمسلسله الجديد «الرجل والطريق» الذي يقوم
ببطولته محمد رياض وداليا مصطفى، ويعتمد في أغلب مشاهده على التصوير
الداخلي بين الاستوديوهات والحي الريفي بمدينة الإنتاج الإعلامي، مؤكدًا في
ذلك أن الحسابات الفنية كانت الغالبة على هذا العمل وبشكل خاص في الاتجاه
للتصوير الداخلي، لافتا أن الأزمة بالفعل كانت السبب الرئيسي في الاستغناء
عن العديد من الأمور الفنية.
المخرج محمد النقلي الذي يقدم هذا العام مسلسل «الباطنية» مع الفنان
صلاح السعدني يقول: إن الأزمات المادية التي تعاني منها شركات الإنتاج أدت
إلى اتجاه عدد كبير من المنتجين لإعادة ترتيب حساباتهم، والبحث عن بدائل
لخروج أعمالهم بتكلفة قليلة، بينها الاستعانة بنجوم السينما مثل منة شلبي
وزينة وأحمد عز، والاعتماد على إبداع المخرج في خلق صورة جيدة بديكورات
توضح ما تشير إليه الأحداث الموجودة في بعض الأعمال.
يشير النقلي إلى أن بعض المنتجين حاولوا تحقيق المعادلة الصعبة فيما
يتعلق بتصوير أعمالهم في ظل دخول العديد من المنافسين في السوق، وبالتحديد
سوريا، التي تعتمد في أغلب أعمالها على التصوير الداخلي نظرًا لطبيعتها
الساحرة..
لافتا إلى أن عددًا من الأعمال الدرامية المصرية للتصوير لجأت إلى
سوريا بدلا من السفر إلى دول أخرى مكلفة في محاولة من القائمين عليها
لتقليل التكلفة والحصول على شيء مختلف في آن واحد؛ فيما اتجه فريق ثالث
للاكتفاء بالتصوير الداخلي بحثًا عن حل وسط أيضًا وتقليل التكلفة، وإن كان
النقلي أشار إلى أن مسلسله لا يحتاج لدخوله ضمن هذه القائمة، لأن
«الباطنية» هو في أساسه بحاجة إلى التصوير الداخلي لأسباب فنية مرتبطة
بأحداث العمل.
تأثير الأزمة المالية
المنتج حسني صالح يرى أن التصوير الداخلي أحيانًا لا يعبر عن الأحداث
التي تعتمد على مشاهد خارجية بشكل قوي، وهو ما أدى إلى اتجاه أغلب الأعمال
لمحاولة البحث عن الاختلاف، وتقديم واقع حقيقي للمشاهد الذي أصبح على درجة
كبيرة من الوعي ولا يمكن خداعه.
لكن حسني أكد أن تأثير الأزمة المالية طال شركات أخري استبدلت التصوير
الخارجي بالداخلي، وقد بدا هذا واضحًا في عدد كبير من المسلسلات التي تم
تصوير بعض مشاهدها خارجيًا، ثم قررت التوقف بفعل الأزمة لاستكمال التصوير
ببناء ديكورات معبرة عن الأحداث المتبقية، وإن كان لا يوجد عمل لا يخلو
بالطبع من التصوير الداخلي والخارجي لكونها ضرورة فنية، حيث يتم تصوير
العمل في شقق ومكاتب وما غير ذلك إلى جانب شوارع ومناطق مختلفة، وبالتالي
الأمر في النهاية تحكمه حسابات مادية وفنية معا.
عقدة المادة
خلافا لآراء سابقة يؤكد المخرج أشرف سالم الذي يشارك في دراما رمضان
بمسلسل «الحياة لونها بمبي» بطولة مصطفى فهمي ورانيا فريد شوقي أن الأمور
المادية تظل صاحبة اليد العليا في العمل وشكل التصوير، مدللا على ذلك بأن
هناك أعمالا بالفعل تتجه للتصوير الداخلي وعمل ديكورات خارجية للتخلص من
عقدة المادة.
التصوير الخارجي عبء
وما بين تداعيات الأزمة العالمية وحسابات شركات الإنتاج، يعترف المنتج
إسماعيل كتكت أن الأزمة العالمية أصبحت شبحا يهدد الإنتاج الدرامي مضيفا:
«إن شركات الإنتاج تعاني من خسائر ملموسة وواضحة، خاصة أن الإنتاج الدرامي
في مصر على مدار السنوات الأخيرة اعتمد في المقام الأول على الممولين الجدد
من رجال الأعمال الذين يستثمرون أموالهم في هذا المجال، وبالتالي اضطر
هؤلاء الممولون بعد الأزمة لسحب أموالهم وإعلاناتهم».
هذا الواقع الجديد الذي تواجهه شركات الإنتاج،كما يقول كتكت، دفعها
مضطرة إلى تقليل عدد الأعمال التي تقدم خلال العام، وأيضًا تخفيض الأجور إن
لم تتوقف عند سعر معين، وتعدى ذلك إلى أماكن التصوير حيث لجأت بعض الأعمال
إلى بناء ديكورات داخلية لتصوير مشاهدها بها بدلا من السفر والتنقل إلى
الأماكن الحقيقية والتي أصبحت عبئا كبيرا على ميزانية الإنتاج في ظل الظروف
الاقتصادية الجديدة.. الحل - من وجهة نظر كتكت - هو تصدي المنتجين كأيد
واحدة، من خلال عمل تحالفات قوية فيما بينهم لتفادي الأزمة.
على الجانب الآخر يرى يوسف عثمان رئيس قطاع الإنتاج بمدينة الإنتاج
الإعلامي أن تأثيرات الأزمة كانت أكثر خطورة على الأعمال الدرامية التي
تعتمد في إيراداتها على حجم الإعلانات، موضحا تقلص هذه الإعلانات بعد
انسحاب المعلنين وضع الشركات المنتجة في مأزق. أشار عثمان إلى أن الأمر
أصبح خطيراً وهو ما لا بد أن يدركه الجميع، خاصة أصحاب الأجور العالية من
نجوم الدراما الذين يبتلعون جزءًا كبيرًا من ميزانية العمل، الأمر الذي
يدفع الشركة المنتجة لضغط النفقات في أمور أخرى، ومنها اللجوء إلى التصوير
الداخلي لعدم توافر الميزانيات اللازمة لتصوير العمل في أماكنه الطبيعية
بعد أن استحوذ النجوم على جزء كبير من الميزانية المرصودة للعمل.
ورأى عثمان أن الإنتاج الفني صناعة وتجارة مثل أي صناعة أخرى، ما يعني
أن على الجميع الاستيقاظ من أجل عدم وقوع المحظور وانهيار الصناعة، وهو ما
يجب أن يسعى إليه المنتجون خلال الفترة المقبلة من خلال التنسيق والعمل معا
بعيدًا عن المصالح الخاصة.
البيان الإماراتية في
28/07/2009 |