تتلون السينما الأميركية بتلون ذلك الشعب الهجين من أعراق متعددة أتت
إلى هذا البلد لأسباب عديدة، قادت البعض فيهم ليكونوا أسيادا فوق سكانها
الأصليين، والبعض الآخر ليكونوا عبيدا، وآخرين كثر، كان نصيبهم من هذه
البلاد الاستنفاع بما فيها من خيرات، والتأثير على سير العالم بواسطة القوة
السياسية والعسكرية للولايات المتحدة.
ولمن يحتل مقعد المشاهد في فيلم «الاستيلاء على بالهام 123» «Taking
of Pelham 123»، يستطيع أن يلاحظ أن البطل الأميركي الأسود،
لم يكن يحظى بكل ذلك التميز والإبراز لإمكانياته في الفترة التي سبقت تولي
الرئيس الأميركي «باراك أوباما»، إلا أنه اليوم، يبرز بكل قوة وفي دور مؤثر
وجذاب، في مقابل البطل الأفلام الأميركية الكبير «جون ترافولتا»، الذي كان
يتنافس من حيث الأداء التمثيلي مع نظيره «دينزل واشينغتون».
سيكون من البساطة الاعتبار بأن الفيلم هو معالجة لجريمة اختطاف عادية
كما هو ظاهر قصة الفيلم، الذي يدور ضمن هذا الإطار، إذ يتزعم «جون ترافولتا»
بدور «رايدر» مجموعة من الأشخاص، يقومون على خطف أحد قطارات الأنفاق، وذلك
بدافع المطالبة بفدية مالية قدرها 10 ملايين دولار أميركي من صندوق ولاية
نيويورك، يتم توفيرها في ساعة واحدة، عبر مطالبة محافظ الولاية بدفع هذا
المبلغ لقاء الإفراج عن مجموعة الرهائن التي احتجزت في واحدة من مقطورات
القطار، بعد أن تم فصل هذه المقطورة مع القاطرة الأساسية عن باقي القطار،
وذلك لتسهيل عملية التفاوض والسيطرة على هذا العدد البسيط من الأشخاص تعيسي
الحظ الذين صادف وجودهم في هذا المكان.
للوصول إلى مطالبهم، يخاطب «رايدر» موظف مركز مراقبة القطارات «والتر
غاربر» الذي أدى دوره المبدع «دينزل واشينغتون»، والذي قضى حظه هو الآخر أن
يتورط في هذه القضية، لإصرار «رايدر» الدرامي على أن يبقى الحوار بينه وبين
هذا الشخص الذي يجهله، مبدئيا، وذلك بعد أن يقوم بقتل سائق القطار خلال
محاولة الضابط المسئول عن التفاوض بدأ الحوار معه.
ويبرز الحوار أن أحد أفراد العصابة هو سائق قطارات سابق تم فصله لأنه
تسبب في مقتل شخصين نتيجة تأثره نتيجة تناول جرعة من دواء السعال المخدر،
والذي يعثر خلال بحثه عبر موقع إنترنت على خبر حول توجيه اتهام إلى «غاربر»
في قضية رشوة، تسببت في تنحيته من منصبه إلى رتبة أقل منها والتي هو فيها
الآن حتى تنقضي فترة التحقيق التي يمر فيها.
الدراما الجميلة في نص الفيلم والإخراج جعلت من المختطف يبتز «غاربر»
عبر جهاز الاتصال اللاسلكي لشبكة القطارات ويهدده بأنه سيقوم بقتل أحد
الرهائن إن لم يخبره بحقيقة هذه الرشوة، التي ينكرها «غاربر» في البداية،
ويعود تحت تقديره للنفس التي كانت ستموت إن لم يعترف بما يريده منه الخاطف،
فأدلى بشهادة بأنه ارتشى من اليابانيين 35 ألف دولار لقاء إرساء توصية على
شركتهم ليتم شراء القطارات التي ينتجونها.
هذا المشهد يحمل معالجات بعيدة تتجلى مع نهاية الفيلم، الذي يتواصل مع
ظهور شخصية محافظ نيويورك، وهو الشخص الذي لا يحترمه الكثيرين، ذو البشرة
البيضاء والشكل الرسمي، والعبارات الدبلوماسية الرتيبة، الذي يوافق على أن
يدفع الفدية من خزينة الولاية، كتصرف روتيني يقتضيه الموقف.
يدخل الفيلم مرحلة المطاولة والمماطلة في الأحداث المصورة والحوار
الجميل بين «رايدر» و»غاربر»، إذ يتم تصوير نقل الأموال من الخزينة إلى
القطار عبر شوارع نيويورك المزدحمة، والتي تتأخر كل حين بسبب إصابة الموكب
الذي يتكون من سيارة وعدد من الدراجات النارية لحوادث مختلفة، يكون آخرها
ارتطام السيارة بسيارة إسعاف وتحطمها، والذي يدفع إلى نقل الأموال باستخدام
الدراجات النارية.
تصل الأموال مع اللحظة الأخيرة إلى المحطة، بعد يكون «رايدر» قد ضحى
بأول الضحايا من المحتجزين، والذي قتل نتيجة تصديه لمحاولة قتل سيدة مع
ابنتها.
مع هذا المنعطف، يطلب «رايدر» من «غاربر» أن يأتي هو بنفسه لتسليم
الأموال من المحطة إلى القطار، إذ يتم نقل الأخير عبر المروحية إلى الموقع،
ويقوم بتحميل الأموال فوق عربة متوجها بها إلى القطار، إذ يتم احتجازه كي
يقوم بعملية قيادة القطار، بعد أن قتل المرافق صاحب الخبرة في هذا العمل من
قبل أحد القناصين الذي قرصه جرذ في رجله، ما جعله يطلق النار على هذا
المرافق!
تتصاعد الأحداث منذ هذه اللحظة، إذ يبدأ الخاطفون تنفيذ خطة الهروب،
وذلك بالقيام بإيقاف القطار، وتشغيله بطريقة ميكانيكية تقوم على شد ذراع
القيادة بواسطة أداة، تقوم بالعملية دون سائق، مما يجعل الشرطة تتبع القطار
فيما هم يهربون عبر الأنفاق إلى مخرج طوارئ يقودهم إلى مطبخ أحد الفنادق.
يهرب «غاربر» من هذا الموقف، ويتتبع سير العصابة لافتا الأنظار إلى
مكان خروجهم، إذ يلقى اثنان منهما مصرعهما بشكل تقليدي بعد أن حاصرهما رجال
الشرطة وتم رميهما بعشرات الرصاصات التي تدفقت من كل مكان، ليتخلص
السيناريو من شخصيتين ثانويتين في الفيلم، فيما يظل البطل الثاني «رايدر»
هاربا، عبر استخدامه لسيارة أجرة، يخرج منها لينتقل ماشيا عبر الجسر
المعلق، إلا أن الشخصية الهادئة البسيطة تتبع هذا المجرم، ويحاصره مهددا
إياه بالقتل إن حاول الهرب.
يسعى «رايدر» لإثارة أعصاب «غاربر»، الذي يقتل الأول بعد أن هم بقتله،
ويعود بذلك سير الفيلم إلى الرتم الهادئ البسيط للأفلام الأميركية.
ما تجلا خلال الفيلم أن «رايدر» لم يكن يسعى فقط إلى الحصول على مبلغ
الفدية، إذ يملك خبرات في مجال الأسهم والتداول في البورصة، إذ كان طوال
ساعة الاختطاف يجني الأرباح من وراء انخفاض أسعار الأسهم وارتفاع أسهم أخرى
نتيجة للأزمة التي أحدثها.
ما كان مؤثرا هو مشهد ختامي في الفيلم، حينما يمد المحافظ الأبيض
السمين يده إلى الرجل الأسود الهزيل والبسيط مصافحا إياه، وهو يشكره على ما
قدمه لنيويورك، مؤكدا أن نيويورك ستقف معه في قضية الرشوة لموقفه البطولي،
وهو ما يجعلك تستوحي مصافحة أبيض لأسود وهو يذكر له مساندته رغم أن كان قد
خطف منه شيئا يملكه.
الوسط البحرينية في
30/07/2009 |