انتهت أمس فعاليات الدورة الثالثة من المهرجان الدولي للفيلم العربي
في مدينة
وهران – الجزائر -. وكانت قد بدأت في الثالث والعشرين من الشهر الجاري
بحضور عدد من
النجوم والفنانين العرب، وغياب عدد لا بأس به منهم، وبخاصة من سورية ولبنان
ومصر،
ما سمح بسريان الكثير من الشائعات المتعلقة بغياب البعض غير
المبرر، والتي حسم
بعضها مع تواجد هؤلاء المتغيبين في أماكن تصوير أعمالهم التلفزيونية التي
تزيد
سخونتها مع اقتراب موسم رمضان.
أيا تكن هذه الشائعات أو الأسباب التي حدت بهؤلاء لعدم تلبية الدعوة
التي وجهت
إليهم مع إصرارهم على إبقائها معلقة حتى اللحظات الأخيرة، (بدليل إرسال
الجهة
المنظمة للمهرجان طائرة خاصة لنقلهم من الدول الثلاث، وتخلفهم من الصعود
إليها)،
فإن خللاً كبيراً حدث لجهة علاقة نجوم التلفزيون بالأخت الكبرى
- السينما - سببه
ارتباطهم بالأعمال التلفزيونية التي تعد بالكثير من المردود المالي
والمعنوي
والشهرة الآنية، وهو ما لا توفره لهم السينما بأوضاعها الحالية.
قد لا يكون ذكر الأسماء مهماً هنا، فالمسألة ليست تشهيراً بأحد، ولكن
يمكن
الإشارة إلى الظاهرة بحد ذاتها، بخاصة أن من يتابع تصريحات عام كامل لهؤلاء
النجوم
المتغيبين يقع على ألم وحسرة من قبلهم على عدم تواجدهم في
الأعمال السينمائية
العربية، وفي المهرجانات التي تعقد من أجل عرض هذه الأعمال على الجمهور،
خصوصاً أن
معظم النتاجات السينمائية العربية لا تذهب إلا إلى المهرجانات، ومن ثم إلى
العلب
النظيفة السوداء، المحروسة جيداً في أقبية مظلمة.
ارتباطات
أحد هؤلاء النجوم على سبيل المثال لم يكف طوال الفترة الماضية عن
الدعوة في
مجالسه الخاصة والعامة إلى ضرورة العمل الجدي على تكريس القدس عاصمة أبدية
للثقافة
العربية، وهو أخذ ينشر إعلانات مدفوعة الأجر موقعة باسمه في أكثر من مكان
يؤكد فيها
ضرورة العمل على تنشيط هذه الفكرة ودعمها وترسيخها رسمياً
وشعبياً وفي المحافل
كافة، وما إن هلت اللحظة المناسبة لتأكيد فكرته في بلد لا يتوقف عن الدعوة
إلى ذلك
حتى وجدناه يعلق مشاركته لأسباب تتعلق بارتباطات تلفزيونية بحتة.
من الواضح بالطبع أن آلية تعامل هؤلاء النجوم مع دعوة هذا المهرجان،
وربما مع
مهرجانات أخرى فيها الكثير من الاستخفاف، والحسابات الشخصية الضيقة،
المتعلقة بحضور
هذا أو ذاك. قد يقول قائل إن حضور مهرجان من عدمه مسألة شخصية، وهذا صحيح
بالطبع،
ولكن إبقاء المشاركة معلقة حتى الدقائق الأخيرة يوقع الجهة
المنظمة في الكثير من
المطبات والمساءلة، لأن تأمين طائرة خاصة مثلاً، أمر ليس هيناً، فهي عليها
أن تحط
في أربعة مطارات مع ما يفترض ذلك القيام بإجراءات تتعلق بهبوطها وإجراءات
تأمين
سلامتها، وهي مسائل ربما لم تخطر ببال أحد من هؤلاء المدعوين،
بسبب من تدليل
التلفزيون المفرط لهم.
على أية حال جاءت فعاليات الطبعة الثالثة من مهرجان وهران على خشبة
شهيد المسرح
الجزائري عبد القادر علولة (اغتيل في كانون الثاني/ يناير 1994 على أيدي
متطرفين
إسلاميين) بسيطة ومعبرة جرى فيها تكريم النجمة المصرية يسرا، والمسرحي
علولة من
خلال أرملته، والمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، رئيس لجنة تحكيم
الأفلام الطوية لهذه
الدورة.
المهرجان قدم وجبة من الأفلام الروائية الطويلة - 11 فيلماً – جاءت من
سورية
ومصر والجزائر وغيرها هما: «الليل الطويل» لحاتم علي، و «أيام الضجر» لعبد
اللطيف
عبد الحميد، و «دكان شحاتة» لخالد يوسف، و «ميكانو» لمحمود كامل، و «خلطة
فوزية»
لمجدي أحمد علي، و «رحلة إلى الجزائر» لعبد الكريم بهلول، و «كازا نيغرا»
لنور
الدين الخماري من المغرب، و «سينسيتا» لإبراهيم اللطيف من تونس، و «ملح هذا
البحر»
لآن ماري جاسر من فلسطين، و «الدائرة»
لنواف الجناحي من الإمارات. وبالطبع هناك
خمسة عشر فيلما روائياً قصيراً جاءت من الجزائر وتونس والبحرين
ومصر والإمارات
والأردن والمغرب وفلسطين وسورية ولبنان، وقد تساءل البعض عن سبب تسرب بعضها
إلى
المهرجان للمستوى الفني والتقني السيئ الذي اتسمت به.
على أية حال ومع انقضاء اليوم الأول كانت قد سرت شائعة بين الضيوف
تتعلق
باستبعاد فيلم «مصطفى بن بولعيد» للمخرج الجزائري أحمد راشدي، ما دفع بنا
إلى سؤال
راشدي عن مآل فيلمه الذي أكد لنا مشاركته بالرغم من عدم برمجته في القائمة
الرسمية
ومما قاله المخرج في تصريح إلى الحياة إن الفيلم كان يعاني من
بعض المشاكل المتعلقة
بالتيترات وهي مسألة قد حلت في مصر. وبالفعل عرض الفيلم يوم الإثنين الفائت
بحضور
عدد كبير من الضيوف والجمهور الجزائري، بخاصة أن الفيلم يصور حياة ونضال
«أسد
الأوراس» بن بولعيد. ومع العرض، فإن أحداً لم يعد متأكداً ما
إذا كانت بيسة – هيفاء
وهبي – بطلة «دكان شحاتة» هي السبب في سريان شائعة استبعاد بن بو لعيد من
المسابقة،
فقد كتبت صحيفة الشروق الجزائرية في وقت سابق بأن وزارة المجاهدين
الجزائرية
الداعمة الأساسية للفيلم أوصت بعدم عرض الفيلم إلى جانب هيفاء
وهبي المسؤولة عن
الكثير من المشاهد الإباحية في فيلم دكان شحاتة، وهو ما أكدت عليه الممثلة
الجزائرية بهية راشدي التي قالت إنه من المعيب والمخجل أن يتواجد بطل
جزائري بقامة
بن بولعيد إلى جانب بيسة. لكن راشدي من جهته التزم الصمت حيال
هذه المسألة وأصر
حينها على أن فيلمه سيعرض بغض النظر عن اعتراضات وزارة المجاهدين معتبراً
أن عرض
الفيلم هو من اختصاص السينمائيين وهو ما أكد عليه رئيس المهرجان حمراوي
حبيب
شوقي.
رحلة إلى الجزائر
فيلم «رحلة إلى الجزائر» لعبد الكريم بهلول جاء مخيباً للآمال بعكس ما
كان
متوقعاً، ما حرمنا من مشاهدة فيلم كبير عن رحلة أرملة شهيد جزائري من سعيدة
إلى
الجزائر العاصمة للتظلم أمام بن بلا لقيام أحد أعيان المدينة بالاستيلاء
على بيتها،
والتقت بدلاً منه وزير دفاعه حينذاك هواري بومدين في أول
محاكاة له في فيلم جزائري
الذي جمع في لقائه معها بين الصرامة والحكمة ما أدى إلى عودتها إلى بيتها
هي
وأطفالها آمنة مطمئنة. الفيلم يعاني من مشاكل تقنية واضحة عزاها مخرجه إلى
الموازنة
المنخفضة التي عمل بها وهي لم تتجاوز مئتي ألف يورو، وكان قد
عمل في وقت سابق كما
قال بموازنات تعدت مليوني يورو، وقال إن رداءة الصوت في فيلمه تعود إلى ضعف
التجهيزات في الصالات الجزائرية عموماً وهو ليس مسؤولاً عن هذه المشكلة. في
الصالة
نفسها عرض الفيلم الإماراتي «الدائرة» لنواف الجناحي، وهو
الفيلم الروائي الطويل
الأول له بعد مجموعة من الأفلام القصيرة، ولم يكن الصوت بهذا السوء الذي
ظهر عليه
فيلم زميله بهلول. «الدائرة» يعالج بنوع من الميلودراما السوداء حكاية
صحافي مصاب
بالسرطان يتعرض للاحتيال من قبل زميله في وقت لم يبق لديه الكثير أمامه
يتمكن في
ليلة شديدة السواد من الإيقاع بلص لتنشأ بينهم قصة صداقة ملفقة
وعابرة، ويكلفه
بالسطو على بيت صديقه المحتال، لكن يكون أمام اللص أن يقتله تنفيذاً لأوامر
- معلمه -
أبو عدنان وهذا ما يحصل بالفعل.
الأفلام الفلسطينية... تكريماً لفلسطين
جاءت الأفلام الفلسطينية لتقدم صورة غير مكتملة الملامح عن السينما
الفلسطينية
الجديدة، بالرغم من وجود «ملح هذا البحر» لآن ماري جاسر بينها، وهو فيلم
يمكن القول
إنه الأفضل، ويحكي قصة ثريا تهاني العائدة من بروكلين لتبحث ميراث جدها
المودع في
البنك البريطاني الفلسطيني، ولكن مدير البنك يعلمها بأن
الأوراق المتعلقة بوديعة
جدها المتوفى عام 1948 غير صالحة وأصبحت قديمة. فتقوم مع زميلين لها تعرفت
إليهما
في رام الله بالسطو على البنك والهروب إلى أراضي 1948، لتبدأ من هناك
مجموعة تحولات
نفسية وعاطفية لن تشفى منها ثريا بسرعة قبل أن تبعد إلى
الولايات المتحدة. الفيلم
صور بأسلوب سينما الطريق الأميركية، ما أفسح المجال أمام أبطاله ليتحركوا
بحرية
كاملة في الفضاء المفتوح أمامهم بالرغم من ضيقه الظاهر للعيان. «عيد ميلاد
ليلى»
لرشيد مشهراي وإن بدا عليه أنه يقتفي أثر «ملح هذا البحر» في الكثير من
تفاصيله إلا
أنه أخفق في الوصول إلى النتيجة نفسها بسبب انغلاق بطله – محمد البكري –
على عالمه
الداخلي، وهو قد ظهر في أسوأ حالاته النفسية فيه كممثل مشهود
له في أفلام أخرى،
وهذا الضيق عبر عنه مشهراوي منذ الكادرات الأولى من دون طائل، فاستيقاظه من
كابوس
يطبق على صدره لم يفد الفيلم بكثير أو بقليل وظل أبو ليلى في معاناته مع
بيروقراطيي
السلطة الفلسطينية، وأعوانها المنتشرين بغلظة في الشوارع، يعاني من انكماش
على حاله
ودورانه في المكان نفسه من دون جدوى درامية تسمح بانطلاقه وتطوره ونمو
شخصيته كما
كان متوقعاً وهذا ما لم يحصل. فيلم «أنا غزة» لأسماء بسيسو، له
مشكلة مختلفة بالطبع
تكمن في بدائيته، إذ يمكن القول إن معالجة سينمائية من هذا النوع ربما تعود
إلى قرن
كامل إلى الوراء حين كان المخرج يلجأ في حديثه عن حيوان ضار إلى تصوير فم
أسد
وأنيابه الضخمة، وكأنه يقول للمشاهدين هذا بالضبط ما أحدثكم
عنه، وهو ما فعلته
بسيسو مطولاً في الكثير من مشاهد فيلمها بالرغم من بنائه الريبورتاجي
والفكري غير
المقنع.
بعض الأفلام القصيرة نجحت في تأكيد مقولة رئيسة لجنة تحكيمها
اللبنانية كلوديا
مرشيليان، التي أصرت منذ اليوم الأول على التأكيد في كلمتها أمام الجمهور
إن الفيلم
القصير هو تمرين للمخرج على الفيلم الطويل، وبالطبع ليس بخاف على أحد أن
هذا الكلام
غير دقيق بل غير صحيح على الإطلاق، ولا ينقل واقع الفيلم
القصير الذي يمتلك مقومات
ولغة تجعله بمنأى عن هذا الكلام غير الضروري وغير المقنع، ولكن بالفعل جاءت
بعض هذه
الأفلام كما
أسلفنا لتؤكده، فظهر الفيلم الأردني «رياح التغيير» لحازم بيطار، وكأنه
تمرين على
الفيلم القصير في الطريق إلى الفيلم الطويل. متاهة كان يمكن
الاستغناء عنها
باستبعاد هذا الفيلم وأفلام أخرى لا تقل سوءاً عنه مثل الفيلم البحريني
«بالأمس»
لعمار الكوهجي، والفلسطيني «ليش صابرين»
لمؤيد عليان موسى.
الطبعة الثالثة من مهرجان وهران قدمت دون شك مجموعة مهمة من الأفلام
بالمقابل،
وأكدت على ضرورة الاهتمام بالمشاريع السينمائية للطبعات المقبلة وهذا قد
تجلى بكل
تأكيد في عرض المخرج التونسي المخضرم عبد اللطيف بن عمار لثماني دقائق من
فيلمه
الجديد «شامة وألم النخيل» – إنتاج تونسي - جزائري مشترك - على
جمهور وهران، وهو
المشروع الذي انطلق أساساً منذ الدورة الماضية بدعم من حمراوي حيبب شوقي
والمخرجة
ناديا شرابي التي آمنت بالفكرة واحتضنتها وعملت على تنفيذها.
الحياةا للندنية في
31/07/2009 |