لقطة أولى:
في الدفاع عن مهرجانات عربية
* من الطبيعي أننا، معشر النقاد، ننتقد. هذا هو
عملنا غير المشكور الذي نقوم به، فإذا بنا نحصد لقاء ما نقوم به ردود فعل
بعضها مقبول (في شكل عتاب أو حتى اعتراض) وبعضها غاضب (يأخذ شكل صد وهجوم).
وهناك في الحقيقة مصدران للنقد، نحسب أن أحدهما فقط هو الفاعل
والمطلوب الذي يجب أن يبقى؛ هذا هو النقد الصادر من قلب لا يحمل ضغينة وعقل
لا يعمل حسب مصالح فردية خاصة. أما الثاني، وهو العكس تماما قلبا وعقلا،
فهذا يبقى مكشوفا ومضحكا في مسبباته: ذات مرة كان نقد أحد النقاد ضد
مهرجانٍ وليد أنه لم يتلـق المبلغ الموعود له أول وصوله كما أراد، وآخر وجد
نفسه أمام خطأ في المطار إذ لم يتم استقباله، وهناك من تفوته حفلة ليلية
فيسجل ذلك في خانة السلبيات.
لكن الحقيقة هي أن المهرجانات العربية المقامة شرقا وغربا، في
غالبيتها، تقوم بجهود مضنية لأجل ضمان نجاح مهامها كنوافذ ثقافية وفنية
وفكرية على العالم. أحيانا كثيرة تخطئ في اختيار إداريين وأحيانا تصيب. في
مرات تتكبل بقيود ميزانيات صغيرة، وفي أخرى تحسن استغلال ما لديها. تنجح في
جذب اكتشافات سينمائية وتخفق. لكن الجهد المبذول يسجل على الدوام.
دوافع هذا الحديث كثيرة ومعظمها متواكب عبر سنوات من الملاحظة
والتقدير، لكن المناسبة تطفو مجددا حين حضور مهرجان كبير مثل برلين
والاطلاع على الجهد الكبير المبذول عاما وراء عام لإنجاح كل دورة. التفاصيل
الكثيرة والانصراف الكلي والعمل بجهد لا يكل والبحث، في النهاية، عما يرضي
الجميع: السينمائيين والإعلاميين والجمهور.
كلمة السر ليست في المثابرة والاستمرار، بل في الصعود والرقي. هذا
الأخير صعب جدا، لكن بعض مهرجاناتنا تقوم به.
* قليلة جدا المرات التي تشذ فيها الدقة المعروفة عند الألمان، فيتأخر
عرض فيلم معين لكن هذا ما حدث مرتين متتاليتين، أول من أمس. المرة الأولى
في الساعة التاسعة صباحا عندما حان موعد عرض الفيلم الروسي «حياة سعيدة
وطويلة» فإذا بنا نجلس منتظرين «تشريف» لجنة التحكيم التي تأخر عدد من
أعضائها في النوم. ربع ساعة قد لا تكون طويلة في حياة الغالبية، لكنه دهر
لمن يتذكر كيف كان كل شيء محكوما بدقة. وما لبث التأخير أن تكرر (هذه المرة
لـ7 دقائق) في الفيلم الثاني في المسابقة (الحادية عشر و45 دقيقة) لكن
صدمته لم تكن كالأولى.
والجمهور الألماني لا يشكو أو ينفعل. لا تسمع صفيرا في الصالة أو
زمجرة أو احتجاجا، ولو تم لكانت الإدارة سجلت على نفسها الملاحظة تجنبا
للتكرار. أهذا هو الشعب ذاته الذي جعل ألمانيا أكثر دول أوروبا ازدهارا؟
بالتأكيد.
الفيلم الروسي كان أحد أفضل ما خرج من تلك البلاد في السنوات الـ5
الأخيرة، وهو يبدأ بلقطة باتت متكررة. لقد اكتشفت السينما الماء. هناك أنهر
في أكثر من فيلم معروض هذا العام؛ المياه تجري بإذن خالقها، والكاميرا في
مطلع «حياة سعيدة وطويلة» تتابعها في لقطة طويلة (ولو غير سعيدة) لتعريفنا
بموقع تلك القرية القريب من النهر، الذي يمكن سماع هديره في غرفها. بطل
الفيلم ساشا (ألكسندر يتسنكو) يعيش في واحدة منها. إنه المسؤول عما تبقى من
مزرعة تعاونية والحكومة تريد إغلاقها واستثمار الأرض لبيعها. وهو يوافق
لكنه عندما يواجه ساشا المزارعين يجدهم معارضين للفكرة ومستعدين للذهاب إلى
الحرب ضد السلطة (ممثلة هنا بمكتب قديم وحفنة موظفين) على التخلـي عن
منازلهم والأرض التي عملوا فيها لعقود. يولّون ساشا المسؤولية، وهذا ما
يبلور لديه الرغبة في الدفاع عن مصلحة هؤلاء، مما يعرضه لغضب المسؤولين. في
الوقت ذاته، ينفك هذا الإجماع حوله.. أحد المساعدين يطلب مالا لقاء خدماته،
وحين لا يحصل عليه يرحل. آخر تؤثر عليه زوجته حين تقول له: «علينا أن نهتم
بمصلحتنا. ساشا يهودي يعمل لأجل المال وهم منظمون لهذه الغاية دائما».
يقتنع الزوج بها، وهو كان أكثر المتحمسين للحفاظ على هذه المستوطنة.
في نهاية الأمر يجد ساشا ظهره للحائط. ليس عنده الكثير من الحلول.
يبدأ ببناء معقل يرد عنه رجال السلطة إذا ما جاءوا لإبعاده، لكن حتى من قبل
اكتمال المشروع يأتي رئيس المكتب وأحد موظفيه ورجل شرطة بغاية التفاهم مع
ساشا، لكن ساشا، الذي بات الوحيد الباقي في القرية، يقتلهم واحدا إثر
الآخر.
النهاية هي أيضا على ذلك النهر في منطقة كولا (شمالي روسيا) والمخرج
بوريس خلبنيكوف يجعل هدير النهر كما لو كان هدير الحياة حتى في تلك المنطقة
الهادئة. عمله على الكاميرا جيد، والإدارة العامة للأحداث. تفوته بعض
التفاصيل وأهدافه السياسية ليست واضحة تماما (هل هو مع عودة النظام
الشيوعي؟ هل هو ناقد لمخلفاته؟) لكن سرده الحكاية وتفعيله للدراما جيد ولو
من دون أسلوب فني مبتكر.
هناك نهر في مطلع الفيلم التالي «ذهب»، ولاحقا أنهر مختلفة في أكثر من
موطن في فيلم ألماني من نوع الـ«وسترن»، مما يجعل هذه السنة حافلة بفيلمين
من هذا النوع الأول «دجنغو طليقا» لكوينتين تارانتينو، والثاني هذا الفيلم
الذي أخرجه توماس أرسلان: سينمائي تركي الولادة (غير اسمه الأول إلى توماس
منذ أن انتقل إلى العمل في برلين) له بضع تجارب روائية وتسجيلية.
«ذهب» لا ينتمي إلى نفس النوع الأميركي المعتاد من الوسترن وليس من
الوسترن السباغتي الذي انطلق إيطاليا في الستينات، لكن سينمائيين ألمانا
وإسبانا أنجزوا أفلاما من هذا الفصيل الخارج عن التقليد. إنه (بالأحرى) نوع
ثالث يتميز بوجدانياته. إنه عن 5 رجال وامرأتين من المهاجرين الألمان، قبل
عامين من القرن العشرين، ينطلقون على ظهور جيادهم في رحلة طويلة في ولاية
بريتيش كولومبيا الكندية متوجهين في رحلة طويلة صوب شمال الولاية حيث
يحلمون باكتشاف الذهب وتحويل حياتهم المدقعة إلى أخرى رغيدة. الرحلة تمتد
لأسابيع من عمر الفيلم، ولساعتين من العرض، وتشمل صعابا ومواقف عدة تؤدي
إلى فقدان بعض هؤلاء الرجال قتلا كما إلى العودة عن المهمة بالنسبة لرجل
وزوجته بعدما اكتشفا أنهما، وبعد مرور نحو شهرين على الرحلة، في قافلة غير
متأكدة من اتجاهها. وهناك حالة ذلك الألماني الذي يفقد عقله فيخلع ملابسه
بكاملها ويركض في البرية منفردا ولا يظهر ثانية. في النهاية هما رجل وامرأة
فقط حين الوصول إلى بلدة اسمها «تلغراف سبرينغ» للراحة. لكن هناك قاتلين في
أعقاب هذا الرجل، وهما ينالان منه. في النهاية المرأة وحدها وبتصميم ألماني
فريد.. ها هي تمضي وحيدة.
للفيلم خصائصه؛ الفكرة بحد ذاتها جيدة، لكن التنفيذ أقل من ذلك. لا
أدري أين تم تصوير هذا الفيلم لكن هذه المناظر ليست في بريتيش كاليفورنيا
المعروفة بغاباتها الكثيفة وثلوجها، بينما نجدها في الفيلم وقد تحولت إلى
أرض صحراوية وجبال صخرية مقفرة أكثر من مرة. لكن إذا ما وضعنا هذه الحقيقة
على الرف قليلا، وكذلك بعض التفاصيل الأخرى (معاملة الهنود من مواطني
المنطقة بازدراء) يبقى الفيلم واضحا في عدم إلمامه بمكونات الزمان والمكان.
لا يلعب الدين أي دور في هذين الفيلمين (رغم أن ساشا يهودي والرجل
الذي يفقد عقله في الفيلم الثاني يحمل اسما يهوديا) على عكس ما يرد في فيلم
«باسم الـ...» (والنقاط من أصل العنوان). فيلم بولندي من المخرجة مالغوشكا
زوموفسكا حول راهب كاثوليكي في بلدة صغيرة يكبت رغباته الجنسية المثلية
كبتا شديدا إلى أن تتهاوى ممانعاته وهو يرى أن الشذوذ انتشر بين بعض الشباب
العاملين على مشروع مركز ديني. هو أساسا منجذب إلى شاب من هؤلاء ويصد
محاولات فتاة التقرب منه. حينما ينتشر بين مسؤوليه أنه يتصرف على نحو غير
مقبول (ولو أنه لم يكن بعد أقدم على أفعال) تعفيه من المسؤولية في ذلك
المكان، ونراه ينطلق وحيدا فوق الطريق مغادرا لمكان بعيد. نهاية كان يمكن
للفيلم التوقف عندها، لكن المخرجة تريد استغلال الحكاية لأبعد مدى، لذلك
تصور لحاق ذلك الشاب به ونهايتهما معا.
الواقع أن الدين متوفر كذلك في بضعة أفلام هذه السنة. نتذكر في العام
ما قبل الماضي كيف تناولت بضعة أفلام متسابقة على الدب الذهبي الدين
الإسلامي في أكثر من نحو (لم يكن بينها ما هو معاد، لكنها جميعا متسائلة).
البوسنية ياسميلا زبانيتش قدمت «على الطريق» حول ما يحدث لزوج يتأثر بمخيم
للإسلاميين، ويتحول إلى رجل محافظ. والإيراني - الألماني برهان قرباني قدم
«شهادة» حول محقق شرطة مسلم، وكيف يمارس واجباته (وفي الوقت ذاته) حول فتاة
مسلمة موزعة بين التعاليم الحنيفة والحياة الغربية.
هذا العام نجد أن المسيحية هي ما تدور علامات الاستفهام حوله.
لجانب «باسم الـ...»، نجد في المسابقة أيضا فيلما فرنسيا بعنوان
«الراهبة»: حكاية راهبة شابة يكتشف الدير أنها كانت متعددة العلاقات، فيفرض
عليها الحجز المبرم في غرفة صغيرة. ونجد أكثر من لمسات دينية في الفيلم
الكندي «فيك وفلو شاهدا دبا» لدنيس كوتيه.
الشرق الأوسط في
11/02/2013
يحافظ على الأرض الموعودة
مات دامون: أنا من فوت على نفسه بطولة
«أفاتار»
محمد رُضا
ما يحدث للمزارعين الأميركيين يبدو الدافع الأول لكتابة وإنجاز فيلم المخرج
المستقل غس فان سانت «أرض موعودة». المخرج ابن الستين سنة سبق له وأن روى
حكايات كثيرة صغيرة وكبيرة من بينها ما كان سيرة ذاتية صاخبة «ميلك» ومنها
ما كان أقرب إلى تمارين تجريبية «جيري» وحتى بعضها كان قريبا من النسق
المؤسساتي «إيجاد فورستر» لكنه دائما ما كان لديه ما يحكيه لجانب القصة
التي في النهاية هي إطار لما يريد فعلا الحديث فيه.
في فيلمه الجديد «أرض موعودة» هو على موعد مع قضية المزارعين
الموزّعين بين وعود ثراء سريعة إذا ما استثمرت شركة غاز طبيعي أراضيهم،
وبين المحافظة عليها والكف عن الركض وراء الحلم. في مكان ما بين الجانبين،
تبرز قضايا البيئة وكيف أن مثل هذه العمليات عادة ما تكلف المواطنين أرواح
ماشياتهم ونقاوة مياههم وصحة منتوجاتهم.
وهو لقاء جديد بين المخرج فان سانت والممثل مات دامون الذي تبنّى
المشروع كشريك في الإنتاج وشريك في كتابة السيناريو أيضا. دامون كان أخذ ما
يشبه العطلة من الأفلام الكبيرة بعد «مكتب الضبط»
The Adjustment Bureau سنة 2011 و«عزم حقيقي»
True Grit الذي رشح لعشرة أوسكارات في السنة ذاتها لكنه لم ينجز منها أي فوز
وظهر في فيلمين ذا صغيرين هما «اشترينا الحديقة» والفيلم الحالي. على أن
هذا الابتعاد عن التيار الرسمي لهوليوود ليس نهائيا كما يقول مات دامون حين
لقائه. في «أرض موعودة» هو منتدب من قِبل شركة تنقيب عن الغاز الطبيعي إلى
بلدة جميلة لإقناع أصحاب الأراضي بالسماح للشركة بالتنقيب في عقاراتهم،
لكنه يكتشف أنه من الأفضل لهؤلاء المزارعين تجنّب كوارث طبيعية قد تضر
بممتلكاتهم فينقلب على عمله ولا ينجزه.وفيما يلي نص الحوار معه:
·
على الرغم من أنه، («الجنة
الموعودة»)، فيلم روائي بالكامل فإنه يوعز بأنك وكاتب السيناريو الآخر جون
كرازنسكي قمتما بمعاينة بعض الحقائق..
- صحيح. كنا أشبه بتلاميذ الصف الخامس نريد أن نتعلّم كل شيء. لهذا
السبب ما يورده الفيلم حقيقي. تشتعل الماء كما حدث فعلا عندما وضعت شركات
الغاز الطبيعي يدها على بعض الأراضي لاستثمارها فاستخرجت الغاز ما لوّث
المياه وصار بالإمكان إشعالها. وجدنا أن المشكلة أو بالأحرى بعض المشكلات
الرئيسية تكمن في كيف تتعامل مع الغاز المستخرج وكيف تتعامل مع التلوّث
الناتج عن الفضلات الكيماوية.
·
هناك اهتمام واضح من قبل
الشخصيات السينمائية البارزة بموضوع البيئة. أنت تبنيّت هذا الفيلم، هناك
أفلام تسجيلية عن الموضوع، وسكارلت جوهانسن، مثلا، نجدها في إعلان تنبيهي
عن الأخطار.. هل تعتقد أن كل ذلك سيؤثر سياسيا؟
- كما تعلم كل واحد حر في أميركا في رأيه وأعتقد أن هذه الآراء في
النهاية تدفع لتغيير سياسات كانت تبدو ثابتة. بالنسبة إلينا لم نكن نريد
رسالة نافرة تنفصل عن الدراما ذاتها. لم نقدّم حلولا وفي نهاية الفيلم
تجدني تركت العمل في المؤسسة لكن ليس لدي طريق محدد. لقد زادتني الأحداث
وعيا لكني خسرت عملي (يضحك).
·
ملاحظ كيف أنك متوجّه في السنوات
الأخيرة إلى أفلام خارج التيار الرئيسي لهوليوود. ماذا تريد أن تؤكد هنا؟
- لا. ليس هذا اتجاها فعليا. تعرف أن الممثل سريعا ما يجد نفسه منجرفا
مع نجاحه. كثيرا ما يجد نفسه في سلسلة من الأفلام المتعاقبة ذات لون واحد
أو من تلك التي يؤديها لأنها مطلوبة منه. أعتقد أن الممثل عليه أن يمتلك
زمام الموقف من حين لآخر فيدفع إلى الأمام بمشاريع يتحمس لها مثل هذا
المشروع. لكني لست في خطة الابتعاد عن أفلام من التيار الرئيسي. فيلمي
المقبل «إليسيوم» فيلم منها.
·
توحي الصور المنتشرة حول هذا
الفيلم بأنك في دور جديد عليك.. حليق الرأس وتحمل السلاح..
- (يضحك) لا تدع المظاهر تخدعك.. نعم حليق الرأس وأحمل السلاح صحيح..
لكن الموضوع سيفاجئك ولن أقول أكثر من ذلك.. لكن لحظة، حلق الرأس ليس طوال
الفيلم. أظهر بشعري الطبيعي أيضا.
ولا تستطيع أن تقول شيئا عن الفيلم مثل أنه خيال علمي تقع أحداثه بعد
نحو 150 سنة من الآن..
·
تعرف الحكاية على ما يبدو ولا
أستطيع أن أضيف عليها. لكن ما أستطيع قوله هو أنه عمل جيّد في نوعه كما في
مضمونه.
أعتقد أنه أول فيلم للمخرج نيل بومكامب منذ
District 9 - نعم. وسعيد كثيرا بأنني عملت معه على هذا الفيلم. لقد أحببت فيلمه
السابق وإذا ما أحببته أنت ستجد الفيلم الجديد أفضل.
·
لماذا الممثلون الأميركيون أكثر
رغبة في تبني قضايا وتحقيق أفلام تعبّر عن توجّهاتهم السياسية من رفاقهم
حول العالم؟
- لا يوجد ممثلون أوروبيون أو آسيويون يتبنون قضايا؟
·
هناك مخرجون يتبنون قضايا
والممثلون يشتركون فيها.. هذا مختلف.
- لم أفكر في هذا الوضع من قبل. لا أعتقد أنني أستطيع الحديث فيه
جيّدا. إذا كان ما تقوله صحيحا فأعتقد لأننا نعيش الرغبة في توظيف تأثيرنا
كممثلين ناجحين في أفلام ذات قضايا تهمنا كأفراد وكمجتمع وأعتقد أننا
نستغل، بالمعنى الإيجابي للكلمة، وجودنا كنجوم، وأقول ذلك بتحفّظ، لأجل هذه
الغاية.
·
تكرر في هذا الفيلم أنك لست
«شريرا» تقول
I›m not a bad guy وبالفعل من يفكّر مثل الشخصية التي تؤديها لا
يمكن لها أن تكون كذلك.
شخص يريد الخير للمجتمع لكن عليه عمل يريد أن يؤدّيه.
- المعضلة هنا هي ليست الشخصية وحدها. الفيلم يبحث في الهوية
الأميركية. هذا المرء مقبل من الخلفية ذاتها، فجدّه كان مزارعا وهو وُلد في
بلدة صغيرة قبل أن ينزح لنيويورك ويبدأ العمل كرجل يبيع الأحلام وناجح في
هذه الصفة. لكن الفيلم.. حاولنا أنا والكاتب عدم دفع شخصية ستيف بتلر (التي
أؤديها) إلى الأمام لأن على الفيلم أن ينظر إلى الجميع وليس إلى الفرد.
·
كيف تنظر إلى ما يحدث في العالم؟
هل هناك جشع زائد عن الحاجة؟
- بالتأكيد. أرى الكثير من الجشع. لقد ذهبت إلى مدرسة خرجت كل أولئك
الذين يعملون اليوم في قمم وول ستريت، وأستطيع أن أقول إنني لم ألتق بعد
بواحد منهم سعيدا أو يعتبر أن المال هو مصدر السعادة. تستطيع أن تعيش كما
تريد، لكن حين تخطو لأكثر من ذلك لا أعتقد أنك تؤمن لنفسك السعادة الكبيرة.
·
ماذا عنك شخصيا؟
- عني أنا؟ أنا من فوّت على نفسه فرصة بطولة «أفاتار» (يضحك). أنا لست
جيّدا كرجل أعمال..
·
هل في نيّتك القيام مستقبلا بدور
رجل «غير طيّب»؟
- أعتقد أنني مثلت أدوارا شريرة من قبل. لم يكن دوري في «المغادرون»
The
Departed
بطوليا. كنت شخصا سيئا إلى حد كبير. كذلك في «السيد ريبلي الموهوب» كنت
قاتلا وفي «الراعي الجيّد» كنت أعيش أزمة كبيرة.
·
.. ما يجعلني أنتقل إلى سلسلة «بورن»..
افتقدناك في الجزء الرابع..
- (مقاطعا) أحب جيمي رَنر (الممثل الذي قام ببطولة الجزء الرابع) وأحب
كل ما يقوم به من أفلام. أعتقد أنه كان رائعا في هذا الدور.
·
هذا جيّد لكن هل ستقوم بالعودة
إلى هذه السلسلة قريبا؟
- ليست لدي النية لذلك حاليا. لقد تحدّثت مع (المخرج) بول غرينغراس
وقلت له أنا مستعد للعودة في حلقة أخرى إذا ما كان لدينا قصة جيدة ومقنعة.
أنت تعلم أن الشخصية التي في هذه السلسلة عليها أن تواجه مخاطر حياة أو موت
وهذه المخاطر عليها أن تستند إلى سيناريو جيد وإلا فستبدو ضعيفة وغير
ضرورية.
·
في آخر مقابلة بيننا ذكرت أنك
تنوي الإقدام على الإخراج. هل اتخذت خطوات محددة في هذا الاتجاه؟
- أذكر ذلك. قبل سنة كنت على وشك اختيار موضوع لكي أخرجه. لكني بعد
ذلك قررت ألا أفعل. كان هناك مشروع أعمل عليه وأردت أن يكون الأول في هذا
الاتجاه، لكني فكّرت أنني سأنفصل عن أولادي لعام كامل إذا ما قمت به. كذلك
كنت أريد أن أنجز هذا الفيلم والفيلم اللاحق «إليسيوم»
Elysium
ومن غير المحتمل أن أستطيع توفير الوقت اللازم لمثل هذه الخطوة. لكن ربما
بعد عام آخر أو عامين.
·
وماذا عن تعاون جديد بينك وبين
بن أفلك؟ هذا أيضا وعد من الماضي لم يتحقق..
- نعم. واحدة من مشكلات هذه المهنة أن تجد المشروع الذي يصبح جديرا
كعمل مشترك.
·
لا تريد مثلا أن تؤدي وأفلك
بطولة فيلم كوميدي أو بوليسي حول رجلين متناقضين كما هي الحال عادة..
- بالطبع لا. وهذا ما يزيد المشكلة تعقيدا. تريد شيئا يستطيع أن ينسجم
جيدا بينك وبين الممثل الآخر بحيث لا يبدو لقاؤكما مجرد تنفيذ وعد مفروض
على المشاهدين. شيء مثل «غود ويل هانتينغ» الذي استفاد من أننا، بن وأنا،
كنا جديدين تماما آنذاك. أقصد أن الصعوبة متزايدة حين يصبح الممثل معروفا.
يصير لزاما عليه أن يبحث جيدا عما يناسبه والممثل الآخر. لكن حين تحدّثت عن
أننا نبحث عن مثل هذه الفرصة سابقا كنت أعني ما أقول.
* في سوق الأفلام شركات من آسيا وأفريقيا ومن الأرجنتين والمكسيك وغياب
للعرب
* مجموع ما تنتجه الدول العربية من أفلام سنويا هو أقل مما تنتجه
فرنسا أو إسبانيا منفردتين. فرنسا حافظت في العام المنتهي على معدّلها من
العام الأسبق أي 275 - 260 فيلما روائيا وتسجيليا طويلا. وإذا حسبنا
الأفلام غير الفرنسية التي تم تصويرها في فرنسا في العام الماضي فإن الرقم
يصل إلى 58 فيلما أي أقل من العام الأسبق، 2011، بسبعة أفلام.
الأكثر لفتا للانتباه جارتها إسبانيا، الدولة الأوروبية التي تعيش
أزمة اقتصادية ملحوظة في كل شيء ما عدا في السينما: إنتاجها سنة 2012 من
الأفلام الروائية الطويلة بلغ 163 فيلما وكان 199 فيلما في العام الأسبق،
أي إن الأزمة طالته لكنه لا يزال متعافيا إذ إن عدد الإنتاجات الإسبانية
قبل الأزمة، سنة 2008 مثلا بلغ 173 فيلما. هذا يعني أن التأثير يحدث، لكن
عوارضه ليست قاضية كما هي الحال في بعض الدول العربية.
سبب رئيسي في قدرة الفيلم الأوروبي، والأميركي وسواهما، على الوقوف في
مواجهة التقلّبات الاقتصادية يعود إلى أن السينما تأسست كصناعة محترفة،
وهذا كان قدر السينما المصرية من الأربعينات وصاعدا وإلى وقت قريب. لكن
الجانب الصناعي الوحيد الذي تعرفه السينما العربية كامن في توزيع الأفلام
الأجنبية وجني ما يمكن جنيه من إيرادات منها. باقي مقوّمات الصناعة غائبة،
كالسوق المبنية على نحو صحيح، كإدراك الحاجة إلى سوق مفتوحة بين الدول
العربية كما إلى إنتاجات مشتركة تذيب بعض المناعات التي حالت سابقا دون
توزيع الأفلام غير المصرية في الدول المختلفة، وثقافة «البزنس» التي قلما
عرفت اهتماما جيّدا.
سوق الفيلم في مهرجان برلين تعج بالمشترين والباعة والمعلنين
والموزّعين وممثلي المؤسسات الخاصّة وتلك المستفيدة من دعم رسمي أو شبه
رسمي. كل الناس تريد أن تبيع أو تشتري والشركات مقبلة من عمق آسيا إلى قلب
أفريقيا ومن الأرجنتين والمكسيك إلى فنلندا والنرويج… ابحث عن مكتب عربي
ستجد واحدا - إذا وجدت. والسبب هو أن ليس لديها حرفة العمل التجاري بعد كل
هذه العقود (120 سنة) من اختراع السينما.
ثم يرغب بعض السينمائيين والنقاد منا أن نهلل شاعرين بالغبطة إذا ما
توزّع على شاشات هذا المهرجان أو سواه حفنة من الأعمال. وإذا قلت شيئا
اقترحوا أن تعطي السينمائيين العرب العذر فهم مارون بظروف صعبة.
الشرق الأوسط في
10/02/2013
يوميات مهرجان برلين السينمائي (2)
السينما العربية رهينة للسياسة
برلين: محمد رُضا
على المرء، هذه الأيام أن ينتظر فيلما سعوديا أو مغربيا أو إماراتيا
لم تنتجه الأوضاع السياسية الحالكة التي تعيشها حفنة من الدول العربية. عمل
يختلف في أساسه، أي شكلا ومضمونا، عن باقي الأفلام التي تعرضها شاشات
المهرجانات الدولية، حتى صارت السينما العربية مرتبطة بتلك الاضطرابات
والقضايا غير المحلولة التي يعيش العرب وإياها منذ سنتين وأكثر.
ما الذي حدث لنا حتى تحوّلت أفلامنا إلى مجرد تظاهرات رغبة في تعريف
الجمهور الغربي بإنتاجات الوضع العام، بدلا من تقديم أعمال فنيّة لها هواجس
في شؤون حياتية أخرى، أو إبداعات فنيّة خارجة عن المتوقع والسائد؟
هل فات الأوان لولادة جيل يؤمن بأن السينما هي جمال اللغة التي
تستخدمها قبل أن تكون منبرا خطابيا أو تعليقيا على أحداث يتناقلها الإعلام
أولا بأول على أي حال؟
السينما العربية الموجودة في برلين تعد هذه السنة بأن تكون من طينة
السنة السابقة وتلك التي قبلها عندما انحسرت القضايا فيما يحدث وليس في عمق
التجارب الإنسانية ذاتها، وفي أشكال هي صدى لبعضها البعض وانعكاس لنوعيات
متماثلة من الأساليب والتيارات. هذا في المجمل، أما حين النظر إليها
منفردة، وتبعا لما سنراه منها، فإن الاختلاف وارد وربما يرد من حيث لا
يتوقّع المرء مطلقا.
طبعا ليست هذه الأفلام المتحدّثة لغة الوقائع الآنية هي حكر مهرجان
برلين، بل تتسابق عليها مختلف مهرجانات العالم (من «كان» إلى «تورونتو» ومن
«نيويورك» إلى «روما» مرورا ببعض المهرجانات العربية صغيرة وكبيرة) بينما
تغيب الأفلام التي تقصد النأي بنفسها بعيدا عن السائد وعميقا في طروحات
متميّزة.
في تظاهرة البانوراما هذا العام، وهي التظاهرة الثانية من حيث
أهميّتها بعد المسابقة، نجد فيلمين عربيين تسجيليين. واحد آت من لبنان
بعنوان «عالم ليس لنا» لمهدي فليفل، الذي خرج بأكثر من جائزة في مهرجان
أبوظبي الأخير، والثاني «فن/ عنف» وهو إخراج ثلاثة هم فلسطينيتان (مريم أبو
خالد وبتول طالب) وإسرائيلي (أودي ألوني).
كلاهما جزء من مجموعة متزايدة من الأفلام تتناول الوضع المتعلق إما
بفلسطين أو بفلسطينيين وبينها، للتذكير، فيلمان مرشّحان لأوسكار أفضل فيلم
تسجيلي هما «خمس كاميرات محطّمة» و«حارسو البوّابة». بالنسبة لـ«العالم ليس
لنا» يتابع المخرج مهدي فليفل، وهو مهاجر من مخيم عين الحلوة في لبنان إلى
الدنمارك، سنوات ثلاثة أجيال من الفلسطينيين ويخلص إلى تجسيد جيّد لحياة
صارت طبيعية غصبا عنها. الفيلم الآخر يحمل هويّة أميركية ويدور حول اغتيال
جوليانو مير خميس، الذي أنشأ مسرحا ضم إليه مواهب فلسطينية ونشط في قضايا
السلام خصوصا بعد مجزرة جنين.
وهناك فيلم آخر يتعامل والمخيّمات الفلسطينية هو إنتاج إماراتي/
إيطالي مشترك لمخرج اسمه ماريو ريتزي. الفيلم بعنوان «الانتظار» ويتناول
مشكلة مخيم الزعتري في سوريا (على الطريق المؤدي إلى الأردن) في ظل الأحداث
الدامية في سوريا الآن. في الأصل هو رقعة من الأرض يعيش فوقها 45 ألف لاجئ
فلسطيني، لكنه الآن بات مزدحما بخمسة عشر ألف لاجئ إضافي جلهم هارب من
القتال بين الجيش النظامي والمعارضة.
الموضوع الفلسطيني معبّر عنه أيضا في «لما شفتك» لآن ماري جاسر لكن
عبر العودة إلى السبعينات حينما وجد جيل جديد من الفلسطينيين نفسه نازحا
إلى الأردن. هذا الفيلم، الذي تناولناه تفصيليا حين مشاهدته في مهرجان
أبوظبي، يحمل فكرة جيدة معبّرا عنها بلغة غير معني بتفاصيلها الفنية.
من خارج هذا النطاق بأسره، فيلم لمخرجة من السعودية تكتفي باسمها
الأول «عهد» وتعرض، في مسابقة الفيلم القصير فيلما بعنوان «حرمة» يذهب إلى
حيث ذهبت المخرجة المعروفة هيفاء المنصور في فيلمها الطويل «وجدة» إنما
ربما بموضوع أكثر قساوة وبعيدا عن رغبة مخرجته تحميل فيلمها أي تنازلات.
إنه حكاية امرأة دخل عليها شقيق زوجها إثر وفاة زوجها مطالبا بمال يقول إن
شقيقه استدانه منها، وكيف أن هذه المرأة لم تواجه فقط هذا الوضع الشائك بل
أيضا حكما يجعلها مسؤولة عن واقعة دخول رجل غريب عليها.
المسابقة نفسها تخلو من أي نشاط عربي، كيف لها ذلك وليس لدى السينما
العربية ما تصعد به إلى شؤون لم تتناقلها وسائط الإعلام الغربي وإلى مدارات
تبرهن من خلالها على أن الحياة ما زالت تحبل بمسائل أخرى غير وقائع كل يوم،
وإنه ليس من الخيانة في شيء لو تطرّق إليها السينمائي مبدعا.
أفلام برلين ـ سير ذاتية
*
Lovelace
الولايات المتحدة ـ بانوراما
* ليندا لفلايس لم تكن ممثلة سعيدة. عاملتها أمّها بوحشية جعلتها تهرب
من البيت وتقبل بالزواج برجل لا تعرفه وهو سرعان ما زج بها زوجها في
الأفلام الخلاعية ولاحقا حوّلها إلى عاهرة وعاملها دوما كتجارة. لكنها
مثّلت في فيلم اسمه «زلعوم عميق»
Deep
Throat
الذي كان من أوائل أفلام البورنو التي احتوت على حبكة قصصية. الفيلم تكلّف
نحو 50 ألف دولار لكنه جمع أكثر من 200 مليون دولار. ليندا (واسمها الحقيقي
ليندا بورمان وتقوم بتمثيلها أماندا سايفرايد) تقاضت فقط 1250 دولارا عن
دورها سطا عليها زوجها كما سطا على كل ما كانت تحصله من عملها.
يقدم المخرجان جفري فرايدمان وروب إبستين الموضوع على نحو لا يخفي
محاولة استغلال الاسم لنجاح تجاري. والفيلم بالفعل أنجز وعده في مهرجان «سندانس»
حيث شوهد أساسا. صحيح أن المرء لا يزال يشعر بالغبن الذي تميّزت به حياة
الممثلة، لكن العمل اختير له ألا يحمل أكثر من ذلك التعريض للحكاية. لا
يهمّ الجوانب الإنسانية بحد ذاتها إلا من زاوية استثمارها. وهذا يتّضح عبر
الانتقالات غير المتوازنة بين فترات حياة الممثلة.
في حين أن سايفرايد لا ينقصها الإقدام على تمثيل دور صعب، تقوم شارون
ستون بدور والدتها لكن كثيرين قد لا يدركون أنها الممثلة ذاتها التي كانت
نجمة الثمانينات وجزء من التسعينات.
3.
Grandmaste:
المحارب يب مان في «السيد الكبير» 4
lovelace.jpg من «لفلايس» رئيس لجنة التحكيم وونغ كار واي على
المنصّة ليل أول من أمس محييا الجمهور والإعلام. فيلمه «السيد الكبير» عُرض
في افتتاح المهرجان خارج المسابقة.
5
Kar Wai.jpeg.
*
The Grandmaster فيلم الافتتاح ـ خارج المسابقة
* في نهاية فيلم وونغ - كار وي، يعود يب مان (أو إب كما يسمّونه
بالإنجليزية) إلى هونغ كونغ تتبعه شلة من أساتذة فنون القتال الشرقية. وفي
ذلك تحيّة للمدينة الصينية التي يرى المخرج، وهو ترعرع هناك كما بطله، أنها
المركز الثقافي على أكثر من نحو. المكان الذي حافظ على حبّه لفنون القتال
والتي - باستخلاص حياة يب مان ذاتها، لعبت دورا كبيرا في صياغة فن القتال
من دون سلاح.
على أن «السادة الكبار» له غاية أخرى وهي تقديم ذلك المقاتل الذي وقع
في حب المرأة التي تحدّته. المخرج الذي عالج قصص حب تميل إلى وجدانيات
العاطفة الممتزجة بالذكريات والوحدة، عرف كيف يذيب ذلك في فيلم ظاهره هو
الكونغ فو وباطنه هو ذلك الإعجاب المتبادل، ثم القتال المتكافئ، بين
مقاتلين انتقلا من المباريات القوّة إلى وحدة العمل الوطني ضد المحتل
الياباني.
إنه عن المقاتل (يقوم بدوره توني ليانغ) والفيلم يفتتح به كنوع من
الاستعراض المسبق لما سنراه. لقطة لتجمّع محاربين في مدينة فوسهان (جنوبي
الصين) ثم قطع على يب مان يتحدّث عن حياته ما يعرّفنا اختيار المخرج لمنهج
السيرة الذاتية وسيلة للسرد. بعد ذلك قطع على معركة بين يب مان وتلك
الجمهرة الكبيرة من المقاتلين التي تخفق، فرادى وجماعات، في النيل من يب
مان ولو بجرح واحد.
يدرك المشاهد هنا أن الفيلم ومخرجه يطلبان منه أن يصدّق ذلك ليس من
زاوية أن البطل «سوبرهيرو» لا يُصاب ولا يُقهر، بل من زاوية أنها حقيقية.
لكن مع مضي الأحداث وانتقالها إلى سيد قتال مسن اسمه غونغ (وانغ كينجيانغ)
يريد توريث علمه لأبرز اللاعبين ودخول يب مان لتحدي اختياراته، يشعر المرء
بأن المزج بين المعاني الإنسانية كالحب والوحدة والشعور بالذنب وبين الرغبة
في تقديم فيلم كونغ فو يميل إلى الجانب الثاني. فقط لاحقا، في نصف الفيلم
الثاني، عندما يقع بطلا الفيلم في حب صامت، ثم يفترقان ونتعرّف على زوجته
(التي من الواضح أنه لا يحب) يبدأ الفيلم إبراز العوامل الإنسانية المذكورة
كشأن ما أنجزه المخرج من قبل (خصوصا في «مزاج الحب» سنة 2000).
يب دارس فنون قتال شمالية يواجه دارسي علوم قتال جنوبية. نحن لا نفهم
كثيرا في كيف يختلف الكونغ فو في الشمال عنه في الجنوب، لكن المخرج، بعد أن
أمضى على هذا المشروع نحو عشر سنوات، بات يعرف حبّا في تقديم فيلم غير
تقليدي عن موضوع وبطولات امتلأت بها السينما الصينية (والهونغ كونغية
بالتحديد) ومنها أفلام بروس لي (القليلة نسبيا) وهو الممثل الراحل الذي
تعلم على يدي يب مان في أواخر الستينات. بعد قليل تستطيع أن تلحظ أهمية
حركات اليدين وكيفية تحريك الأصابع والقبضات قبل الالتحام. الكف المفتوحة
تعني أني سأهاجم لكن من موقع الدفاع عن النفس (اختصاص يب مان) والقبضة
المغلقة (كما يواجهه بها بعض خصومه) هي إعلان هجوم بلا حدود.
الكاميرا ترتفع مع يد يب أكثر من مرّة مكررة المفهوم والتأثير، وفي
حالات لا يختلف القتال هنا عن القتال في فيلم أقل شأنا، نظرا لاستخدام
وسائل الجذب وعناصر الإنتاج ذاتها. لكن في النهاية يمتلك الفيلم ناصية
الاختلاف ويتبلور كعمل لا بد منه يلخّص في ساعتين الكثير مما يريد قوله
علما بأن نسخة الفيلم الأصلية بلغت أربع ساعات.
الشرق الأوسط في
09/02/2013
لجنة تحكيم بوجهات نظر تناسب الأوضاع السياسية
فيلم صيني في انطلاق الدورة الثالثة
والستين لمهرجان برلين السينمائي
برلين: محمد رُضا
يتردد أن السبب في اختيار فيلم الافتتاح الصيني ليس له علاقة بحقيقة
أن مخرجه هو رئيس لجنة التحكيم. لكن حتى ولو كان هذا صحيحا، إلا أنه من
المحتمل جدا أن يكون الأمر بدا كما لو كان هدية من السماء: فيلم ضخم
الإنتاج (بمقاييس عالمية) اشترته شركة فرنسية لكي توزعه عالميا (هي «وايلد
بنش») ويحققه مخرج عرف بتحقيقه أفلاما صينية ناجحة من قبل. لم لا يكون
المخرج ذاته رئيس لجنة التحكيم في الوقت ذاته؟
الفيلم هو «سيد كبير» والمخرج هو وونغ كار واي الذي نزحت عائلته إلى
هونغ كونغ سنة 1963 وأخذ يعمل في السينما من مطلع الثمانينات ولا يزال. أحد
أشهر أعماله «رماد الزمن» (1994 مع نسخة منقحة بعد عامين) الذي جال ما لا
يقل عن عشرين مهرجانا دوليا.
هل هي صدفة أن يكون فيلم الافتتاح لمخرج اختير لرئاسة المهرجان، ومن
هو الذي تم اختياره قبل الآخر: المخرج أم فيلمه؟
يصب «سيد كبير» في خانتين معا: هو فيلم تاريخي من قتال الكونغ فو من
بين فنون قتال أخرى. ويتعرض أيضا، ولو بحدود، للغزو الياباني للصين. الخانة
الأولى جذبت إليها اثنين من أهم وأشهر مخرجي الصين في الثمانينات وما بعد
هما زانغ ييمو وتشن كايغي وحاليا وونغ كار واي. وفي الفترة الفاصلة هارك
تسوي، جون وو من بين آخرين، ومعظم ما نضحت به هو أفلام أكشن لرجال ونساء
يتقاتلون قفزا وطيرانا ويتلاحمون في مواجهات لا تنتهي بعضهم بالقبضات
وحدها، والبعض الآخر بكل ما تصل إليه أيديهم من أسلحة.
الخانة الثانية ليست حكرا على هذا النوع من أفلام القتال لكن هذه
الأفلام باتت تشترك في ترويجها أيضا. فموضوع احتلال اليابان للصين شكل
أرضية عدد لا بأس به من أفلام الكونغ فو الحديثة.
في العام الماضي، على سبيل المثال فقط، عرض المهرجان الألماني ذاته
فيلم زانغ ييمو الأخير «زهور الحرب» الذي يحسب له إنه كان أول فيلم صيني
يستعين بممثل أميركي (كرستيان بايل) في دور بطولة. لكن لا يحسب له إجادة
تفتقدها أفلام مخرج كانت له جولات فنية رابحة حين كانت أعماله، وأعمال
الجيل الخامس من المخرجين الصينيين، تحت الحصار الرسمي وتضييق الرقابة على
ما يمكن لهم تقديمه من أبعاد ومعالجته من شؤون.
ليس أن الحصار الرسمي خف، لكن ييمو وتشن كايغي والآخرين، هم الذين
تراجعوا راضين تحقيق أفلام كونغ فو وأكشن خالية من مفاد يتجاوز حب الأبطال
لمعارك السيوف وللطيران في الفضاءات والوقوف على أغصان الشجر العالية
الرقيقة أو تجميد أنفسهم بين السماء والأرض (بفضل حبال غير مرئية بالطبع)
ثم أعمال المزيد من الضرب والطعن.
«زهور الحرب»، وهو تقنيا ركيك وفنيا رديء، لم يكن الوحيد في العام
الماضي الذي تناول هذا الاحتلال، بل كان هناك «سهل الغزال الأبيض» الذي
حاذى الموضوع ولم يدخل في صلبه منتقلا من أحداثه الصينية البحتة إلى مطلع
الغزو الياباني. وفي الربع الأخير من العام الماضي، أنجز الفيلم الصيني
«العودة إلى 1942» أكبر نجاح في تاريخ العروض الصينية وهو يتناول الكوارث
الطبيعية التي حلت بالصين قبيل ثم خلال الاحتلال الياباني.
مهما كانت الظروف والأسباب، إذا، يرأس وونغ كار وي لجنة التحكيم هذا
العام (يقدم فيلمه هذا خارج المسابقة) وإلى جانبه في المهمة المخرجة
الدنماركية سوزان باير، والمخرج الألماني أندرياس دريسن ومديرة التصوير
الأميركية إلين كوراس، والمخرجة الإيرانية - الأميركية شيرين نزهت والممثل
والمخرج الأميركي تيم روبنز والمخرجة اليونانية أثينا راتشل تزانغاري.
على هذه اللجنة أن تسمي فائزين من بين أربعة وعشرين فيلما متسابقا
سابحة في مياه التفضيل والتحبيذ كما هي العادة في كل المهرجانات ودوراتها.
لكن الاعتماد على لجنة من المخرجين والمهنيين الصارمين لا يكفي للتأكيد بأن
الأفضل هو بالتأكيد من سيفوز، ذلك لأنه ثبت كثيرا أن حكم لجان التحكيم في
النهاية قد لا يصب فيما يراه السينمائيون والنقاد خارجها. هذا، إذا ما حدث
هذا العام، فسيكون صعب النقض كون معظم من هم في قائمة لجنة التحكيم (التي
تصل دائما في المواعيد المحددة للعروض من دون تأخير) هم من المخرجين الذي
تميز بعضهم على نحو أو آخر.
لكن هذا ليس الخط المشترك الوحيد بين معظم الأعضاء. هناك حقيقة أخرى
من شأنها أن تجعل عمل لجنة التحكيم هذا العام مثيرا للاهتمام، ذلك أن معظم
المذكورة أسماؤهم لديهم وجهات نظر سياسية مارسوها من خلال أفلامهم أو من
خلال مواقفهم.
لجانب أن شيرين نزهت عرضت في مهرجان فينسيا سنة 2009 فيلمها الروائي
الوحيد «نساء بلا رجال» كطلقة ضد الوضع الاجتماعي والسياسي الإيراني
المتعسف، نجد المخرجة الدنماركية باير لا تقل اندفاعا في تحقيق أفلام
تتعامل ومسائل سياسية عالقة، فهي تتعرض للحرب الأفغانية في «إخوة» وللعنف
المتسلل للمجتمع الدنماركي في «في عالم أفضل» وللتفكك العائلي الناتج، ولو
جانبيا، عن هجرة الدنماركيين لدول من «العالم الثالث» كما في «بعد العرس»
و«في عالم أفضل» ذاته.
تيم روبنز ومواقفه ضد التدخل العسكري الأميركي في العراق معروفة
والغالب أنه سينقل بعض وجهات نظره بقدر ما ستتيحه الأفلام من فرص لذلك.
ويمكن القول: إن هناك فيلما واحدا على الأقل ينتظر روبنز مشاهدته بحماس هو
«أرض موعودة» لغس فان سانت على أساس أنه ينتقد سعي المؤسسات الكبيرة
لاستحواذ الأراضي معرضة إياها إلى تأثيرات بيئية.
لكن الفيلم الذي أستطيع التأكيد على أنه سيكون محط تجاذب بين أعضاء
هذه اللجنة هي فيلم إيراني يحمل اسم جعفر باناهي مخرجا. وجعفر باناهي هو
السينمائي الإيراني الذي حكم النظام عليه بمنعه من العمل لعشرين سنة. أودعه
إقامة جبرية في بيته وأصر أن لا يحقق باناهي أي فيلم طوال تلك الفترة. رغم
ذلك كسر باناهي ومن جحره (إذا ما صح القول) هذا القرار مرتين. الأولى قبل
عامين حين أنجز، بطريقة غير مباشرة، فيلما يدويا (تسجيليا محدودا في عناصر
إنتاجه) اسمه «ليس هذا فيلما» والثانية هي الآن منجزا فيلما عنوانه «باردي»
حول رجل هارب من البوليس الذي يمثل النظام الذي يمثل الوضع والمرأة التي
تلتقي به وتطرح عليه وعلى نفسها أسئلة تتناول الوضع الحالي.
ليس معروفا والفيلم مبرمج للعرض في نهاية المهرجان، كيف أنجز باناهي
فيلمه هذا رغم القيود، لكن هناك اسم لمخرج آخر هو (الأنثى؟) كمبوزيا
بارتوفيما يعني أنه عمد إلى الاستعانة بمن ينفذ العمل تقنيا.
ما هو ليس بغريب أن يحشد المهرجان أفلاما تتناول أزمات العصر فهذا كان
شأنه حتى حين كانت برلين قمة هذه النزاعات أيام انقسامها إلى نصفين شرقي
وغربي. آنذاك تم النظر إلى المهرجان على أساس أنه ملتقى نموذجي لما يتفاعل
وراء وأمام الستار الحديدي في أوروبا. بعد انهيار النظام الشيوعي توقع
كثيرون أن يضيع المهرجان بوصلة التعامل مع الأوضاع السياسية خصوصا إذا ما
فقدت هوياتها الآيديولوجية، لكن المهرجان برهن على أنه لا يزال الاختيار
الأول لمشاهدة ما تنجح السينما في عكسه دائما: العالم.
إذن، ها هو جرس البداية يقرع والجياد تنطلق بغية الوصول إلى خط
النهاية بعد أحد عشر يوما من الآن. والفوز ليس للأسرع في هذه الحالة بل
للأجمل (ربما).
الشرق الأوسط في
08/02/2013 |