يعتبر رضا التركي أحد شيوخ السينما التونسية فقد كان لسنوات طويلة
الرجل الثاني في «كارتاغو» لطارق بن عمار حتى مغادرة هذا الأخير تونس أيام
محمد مزالي كوزير أول، ثم أسس شركته الخاصة سنة 1987 وساهم في جلب عدة
سينمائيين أجانب وخاصة من إيطاليا للتصوير في تونس (فيلم المريض الأنقليزي
مثلا) وشارك في إنتاج عدة أفلام من بينها «الزازوات»لمحمد علي العقبي
و«عرب» للفاضلين الجعايبي والجزيري و«خريف86» لرشيد فرشيو (إنجازه الأخير
شوك الياسمين؟) و«الحضرة» للمنصف ذويب و«نغم الناعورة» لعبد اللطيف بن
عمار، وآخر ما أنتج رضا التركي فيلم وثائقي عن مسقط رأسه المهدية بعنوان
«المهدية المدينة الخالدة» للناصر الكسراوي، وهو أيضا منتج مشارك في فيلم
مختار العجيمي الجديد...
·
سي رضا ما الذي يمكن قوله عن
الجناح التونسي في القرية الدولية لمهرجان «كان»؟
ـ «كيما العادة» نجحنا في إعداد الجناح في الوقت المطلوب، نلاحظ
تراجعا في الإقبال بسبب رداءة الطقس ولكن نتوقع أن تتحسن الأمور خلال
الأيام القادمة.
·
ما قصة مساهمة المنتجين
التونسيين المشاركين في المهرجان بألف و500 دينار؟
ـ صحيح، في الماضي كنا نسمع كلاما من قبيل ان المنتجين يسافرون بفلوس
وزارة الثقافة والآن سمعت من يقول بأن الغرفة تاخذ فلوس الناس؟ موقف يذكرني
بإحدى حكايات جحا... المهم ان عددا من المنتجين (8) دفعوا مساهماتهم من
بينهم عبد العزيز بن ملوكة ولطفي العيوني ونجيب عياد ورضا التركي وآخرين لا
استحضر اسماءهم الآن... وقد تم إقرار هذه المساهمة الرمزية بسبب الإرتفاع
المشط في معاليم المشاركة والإقامة فضلا عن تراجع قيمة الدينار التونسي
وهذه عوامل دفعتنا إلى إقرار هذا الشكل من المساهمة للمحافظة على الموازنة
المالية للغرفة... كراء الجناح زاد هذه السنة بما يقارب 10 آلاف دينار
مقارنة بالعام الماضي(معين كراء الجناح هذه السنة 19500 أورو؟)
·
كم كان حجم المنحة الوزارية؟
ـ وزارة الثقافة قدمت 100 ألف دينار ونحن برمجنا ميزانية قدرها 150
ألف دينار مع العلم بأن الوزارة رفّعت في دعمها مقارنة بالعام الماضي، ونحن
نوفر تذاكر السفر للمنتجين المساهمين ونوفر لهم شارات المهرجان وهي غير
مجانية.
·
لماذا تراجع حضور السينمائيين
الشبان في الوفد التونسي؟
ـ ثمة «برشة» شبان في المهرجان هذه السنة.
·
في دورة سابقة (2011) كان عدد
الشبان بالعشرات تكفلت بإقامتهم الغرفة؟
ـ لا ليس للغرفة دخل في ذلك، وزارة الثقافة هي التي تحدد قائمة
المشاركين «القائمة تجي من عند وزارة الثقافة أحنا نقابة منتجين وليس من
صلاحيتنا دعوة المخرجين» وهي فرصة لتنظيم القطاع والجناح مفتوح لكل
السينمائيين منتجين ومخرجين لعقد لقاءاتهم والتعريف بفرص التصوير في تونس.
·
أنت تعرف أن لا أحد تقريبا من
السينمائيين الأجانب يصور في تونس خلال السنوات الأخيرة؟
ـ أنت أيضا تعرف كما كل الناس الأسباب لأن الأوضاع غير مستقرة منذ
الثورة «الناس خايفة».
·
لا يا سي رضا المنتجون الأجانب
غيروا وجهتهم عن بلادنا قبل الثورة؟
ـ هذا صحيح، هناك تراجع وعلينا أن نعترف بذلك، المهم أن ننقذ ما يمكن
إنقاذه وبناء علاقات جديدة مع منتجين وسينمائيين من دول العالم حتى لا تبقى
سينماؤنا مغرقة في المحلية وفي إعتقادي هناك بوادر إيجابية مثل الترفيع في
عدد المشاريع السينمائية التي تحظى بدعم وزارة الثقافة بشكل غير مسبوق وهذه
خطوة مهمة، ولكن نحن نأمل ان ترفّع الوزارة من حجم المنحة حتى لا يتعطل
المخرجون في إنجاز افلامهم طيلة سنوات بحثا عن منتجين مشاركين لأن نسبة 35
في المائة التي تمنحها الوزارة لم تعد تفي بالغرض.
·
كلام كثير يقال عن طبيعة العلاقة
التي أصبحت بين الغرفة النقابية لمنتجي الأفلام ووزارة الثقافة بلغ حد
القول بأن الغرفة تهيمن عليها الوزارة وإدارة السينما؟
ـ بالعكس، نحن توصلنا إلى إخماد التوتر وتجنب سياسة لي الذراع بين
إدارة السينما والمنتجين السينمائيين وحاولنا إيجاد حلول بإعتماد حوار دائم
مع وزارة الثقافة لأننا لسنا في معركة ونجحنا في تحقيق مكاسب.
·
مثلا؟
ـ نجحنا في تحيين الإتفاقية الخاصة بالأفلام القصيرة التي تبرمها
وزارة الثقافة مع السينمائيين وتحسينها ونحن بصدد النظر في إتفاقية الفيلم
الطويل وعقدنا عدة إجتماعات لتفعيل قاعات العرض السينمائي بدور الثقافة
لأنه لا يعقل أن تقتصر بلادنا على 12 قاعة وهناك إستعداد حقيقي من الوزارة
لإدماج قاعات دور الثقافة في شبكة العرض السينمائي أواخر سنة 2013 وبداية
2014 هناك على الأقل 40 قاعة جاهزة للعرض السينمائي، كما تحدثنا مع الوزارة
بشأن الأداءات الموظفة على عدة مجالات في القطاع، وأصبحنا فاعلين في تصورات
المركز الوطني للسينما والصورة وممثلين في مجلس إداراته.
·
هل ساهم عدنان خضر المدير العام
للمركز في الإعداد للجناح؟
ـ هو مشارك هذه الفترة في برامج الأوروماد ولكنه لم يكن معنا في إعداد
الجناح، ولكن المهمات التي تنتظر المركز كبيرة جدا لتنظيم القطاع السينمائي
وتجديده وتطوير قوانينه ونحن نأمل أن يدخل حيز الفعل في أقرب الآجال لأن
عملا كبيرا ينتظره ونأمل أن تمنحه وزارة المالية الإمكانات الضرورية للعمل.
·
وداخل الغرفة النقابية هل مازال
هناك أخذ ورد؟
ـ طبيعي أن يكون هناك أخذ ورد... هناك افكار جديدة من الشباب وأفكار
من الجيل القديم أنا أعتبر أن تجربتنا مازالت ضرورية في هذه المرحلة «شكون
قاعد ينتج الأفلام الطويلة توة ؟».
·
يتردد أنك صديق فتحي الخراط مدير
عام السينما بالوزارة؟
ـ شبيه؟ هذا شرف.
·
ووزير الثقافة يقال إن علاقتك
طيبة به؟
ـ وهذا شرف أيضا.
·
ألا يوجد أخذ ورد معه؟
ـ ماذا تعني بالأخذ والرد.
·
لماذا قبلت العبارة عندما تعلق
الأمر بالعلاقات داخل الغرفة النقابية وسألت عن معناها حين تعلقت بشخص
الوزير؟
ـ «شنوة تحبني نتعارك» مع وزير الثقافة؟ هناك إحترام متبادل وحوار
متواصل بيننا.
·
هل تشعر بأن وزير الثقافة مهتم
بالسينما؟
ـ نعم، وهو متفتح على كل الإقتراحات ويحرص على تشجيع السينما «ما
ثماش مخرج قابلو وخرج يدو فارغة».
·
ما موقفكم من إسناد دعم لرشيد
فرشيو بقرار من الوزير السابق رغم رفض اللجنة لملف فيلم «شوك الياسمين»؟
ـ موقفنا واضح، مع الأسف القانون يسمح للوزير بتجاوز قرارات اللجنة
التي تظل إستشارية ورشيد فرشيو ليس إستثناء هناك غيره، ونأمل ان تصبح
الأمور اكثر شفافية.
·
لماذا لم تتدخلوا لتسوية ملف «ديما
براندو» لرضا الباهي؟
ـ نحن ساندنا ملف رضا الباهي ولكن وزارة الثقافة لم تستجب إلى حد
الآن، شخصيا كلفت كخبير بتقييمه وإسناده منحة تكميلية وعلى هذا الأساس
اعتقد ان الوزير السابق سلمه تعهدا بمنحة 100 الف دينار لم يتسلمها إلى
الآن.
·
ما جديد فيلم «المهدية المدينة
الخالدة»؟
ـ أنهينا التصوير في المهدية ومصر وليبيا وأتممنا المونتاج وقمنا
بإعادة تمثيل المعارك الحربية بتقنية 3D
وسيكون الفيلم جاهزا في شهر جويلية وهو بالمناسبة فيلم روائي وثائقي يخرجه
الناصر الكسراوي ونعتزم عرضه تجاريا في تونس، وأريد هنا أن أشكر شركة «فيتالي»
التي ساندت الفيلم وهي الشركة الخاصة الوحيدة التي آمنت بفيلم «المهدية
المدينة الخالدة».
·
كنت أعلنت عن بعث مهرجان دولي
للفيلم القصير بالمهدية في سبتمبر الماضي ولكن لم ينجز شيء؟
ـ بصراحة لم نتمكن من توفير الميزانية الكافية لتنظيم مهرجان دولي،
ومع الأسف في المهدية التي يهمها الأمر لم نجد أي تفاعل فقررنا التريث أكثر.
"التونسية"
في مهرجان"كان" السينمائي 15 ـ 26 ماي:
قصص الجناح التونسي الذي لا يطير بعيدا ولا يحلق عاليا
من موفدنا الى مدينة كان ـ نبيل بنور
يبدو أنّ الجناح التونسي في القرية الدولية لمهرجان «كان» سيصبح أشبه
بقصة «أم سيسي»، فالحكايات عنه وحوله تفوق بكثير محتوياته، وإيثارا للسلامة
سننأى بأنفسنا عن حكايات الجناح، وندلكم ـ لمن يهمه الأمر ـ على السيد
الأسعد بلغايب فهو أفضل من يترصد هذه الأيام إدارة السينما وعلى رأسها فتحي
الخراط والغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام التي فوضت لها وزارة الثقافة منذ
سنة 2007 تنظيم الجناح، وبلغايب أقدر من يدافع عن موقفه بالحجج والبراهين.
يذكر المهتمون بالسينما في بلادنا أن وزير الثقافة مهدي مبروك قرّر
السنة الماضية إلغاء المشاركة في القرية الدولية لمهرجان «كان»، وقد جاء
القرار في نهاية المدة النيابية للمكتب السابق للغرفة برئاسة خالد العقربي
ومهما كانت الملاحظات حول هذا الرجل (أي خالد العقربي) فلابد من التنويه
بصدقه في خدمة السينما والمنتجين السينمائيين وشغفه بمتابعة الملفات وعدم
ضجره من التردد على الوزارات والإدارات لتسوية ملف ما، وقد ترك الرجل في
رصيد الغرفة البنكي مبلغا ماليا لا يستهان به يقارب 70 ألف دينار كما انه
فوّض بمحض إرادته لنائبه لطفي العيوني التصرف في عديد الملفات التي أثبت
العيوني جدارته بمسكها ومن بينها ملف الجناح التونسي في مهرجان «كان»... بل
إن رئيس الغرفة خالد العقربي لم يسافر ولا مرة واحد لمهرجــــان «كان» لا
على نفقة الغرفة ولا بدعم الوزارة وحين ترأس لجنة التشجيع السينمائي وافقت
اللجنة على أكثر من أربعين ملفا بين أفلام قصيرة وطويلة بعيدا عن
«الحسابات» الضيقة التي عصفت بأكثر من فيلم في السنوات الماضية...
وفي إدارته لملف الجناح التونسي بمهرجان «كان» منذ سنة 2008 إلى غاية
2011 كان لطفي العيوني شفافا في معاملاته المالية وأشبه ما يكون بـ«عطّار
الحومة الجربــي»، وحريصـا على تيسير المهمة لزملائه من المنتجين وسـائـــر
السينمائيين مــــن مختلـــــــف الحساسيــات والأجيال وفتح الباب لمشاركة
عشرات المخرجيــن الشبان ليتعرفوا على أكبر مهرجان سينمائي عالمي، وأحسن
إدارة الخلاف الذي نشب بسبب «أولاد الحلال» مع الراحل نبيل كيلة.
كان واضحا ان وزارة الثقافة لم تكن مرتاحة لبقاء لطفي العيوني الذي
اصبح رقما في المعادلة السينمائية الهشة والتي لا تقبل بأي طرف قوي عدا
وزارة الثقافة نفسها بإعتبارها الجهة المانحة والسماء التي لولاها لجفت
حقول السينمائيين، كما أنّ مزاج كبار المنتجين السينمائييـــن كــان
مرجّحا قبل سنة من الآن في انتخابات الغرفة النقابية لكفة رضا التركي الذي
يعتبر ترأسه لهذه الغرفة نوعا من إعادة الإعتبار بعد محن كثيرة مرّ بها في
مسيرته. وكان واضحا ترحيب وزارة الثقافة به رئيسا فقد إستقبله وزير الثقافة
24 ساعة بعد فوزه برئاسة الغرفة، كما غيرت الوزارة بوصلتها بـ180درجة فبعد
ان كانت المشاركة في «كان» إهدارا للمال العام اصبحت بين لحظة وضحاها
تعريفا بتونس الثورة، وواجبا وطنيا لا يمكن للوزارة أن تتخلى عن دعمه.
تغيرت التشكيلة إذن، ولكنّ النقائص ظلت تراوح مكانها، فالجناح
التونسي يفتقر إلى المواد الاتصالية البدائية التي تعرّف بصناعة السينما في
بلادنا كمّا ونوعا، فلا تجد سوى مطوية أعدّت على عجل بألوان باهتة عن
المركز الوطني للسينما والصورة، بعض بطاقات الزيارة لعدد محدود من
المنتجين، بعض الأفيشات لآخر الأفلام ودليل للأفلام التي أنتجت في السنوات
الثلاث الأخيرة... ثم ماذا؟
هل يصعب على الغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام أن تنجز بوابة إلكترونية
تتضمن مواقع المنتجين السينمائيين في تونس والتسهيلات التي تتيحها بلادنا
لتصوير الأفلام الأجنبية؟
وبالمناسبة ما مصير بوابة الثقافة التونسية؟ ما الذي كان يحول دون
إعداد دليل يتضمن أسماء شركات الإنتاج ووسائل التواصل معها بأكثر من لغة
يتم توزيعه في القرية الدولية وفي سوق الفيلم وفي قصر المهرجان حيث يتجمع
أربعة آلاف صحافي من كل أنحاء العالم؟
ماذا كان يمنع الجناح التونسي من دعوة محمد صالح هارون (سينمائي
تشادي) المشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان وتكريمه خاصة وأن بلادنا
تحتضن مقر الصندوق الإفريقي للسينما والسمعي البصري كما أن هارون كان رئيسا
لصندوق الجنوب قبل درة بوشوشة وسبق له أن زار الجناح عدد 108 قبل ثلاث
سنوات؟
ماذا كان يخسر الجناح التونسي لو نظّم لقاء لصناع الفيلم العربي أو
إستضاف الفلسطيني هاني أبو أسعد الحاضر في «نظرة ما» بفيلم «عمر» وإستغل
وجود المسرحي الكبير محمد بكري صديق تونس لتكريم السينما الفلسطينية؟
ألف فكرة وفكرة يمكن أن تجدها على قارعة شاطئ الريفيرا كانت قادرة على
أن تجعل من الجناح التونسي منصة إطلاق حقيقية للسينما وللسياحة في تونس.
موقع "التونسية" في
22/05/2013
ضمن مسابقة «نظرة ما» في مهرجان «كان» السينمائي
مخرجون شباب يتجاوزون السينما التقليدية ويبحثون عن غرائب الواقع
إبراهيم الملا (كان)
تشهد مسابقة (نظرة ما) في الدورة الحالية، وهي السادسة والستون من عمر
مهرجان «كان» السينمائي الدولي، والتي يشارك بها 18 فيلماً، منافسة محتدمة
لا يمكن حسم نتائجها بسهولة من قبل لجنة حكام المسابقة التي يرأسها هذه
السنة المخرج الدنماركي توماس فينتيربرج، خصوصاً مع العرض الفعلي لما يوازي
نصف الأفلام المشاركة حتى الآن، حيث كشفت الأفلام المعروضة عن مستويات فنية
متقدمة وأساليب إخراجية مدهشة، قدمها مخرجون ومخرجات من بلدان عدة، مثل
هونج كونج والفلبين وإيران والولايات المتحدة، وإيطاليا، وفرنسا وفلسطين
وإسبانيا، وغيرها.
قدم بعض المشاركين في المسابقة أفلامهم الأولى أو الثانية وبجرأة وثقة
لا تقلان عن ما يقدمه المخرجون المخضرمون، وخير مثال هنا ما قدمته المخرجة
الإيطالية فاليريا جولينو في باكورة أعمالها السينمائية، وحمل الفيلم عنوان
«مييلي» أو «عسل» ضمن خبرة متراكمة اكتسبتها في مجال التمثيل، فجاء عملها
الإخراجي الأول رصيناً ومتماسكاً على مستوى الإيقاع السردي والتنويع البصري
وبأسلوب فني يعكس رغبتها في نقل مسارات الحكاية إلى أبعاد تجريدية وشعرية
مرهفة لا تخلو من مواجهة مع ثيمات مؤلمة مثل الفراق وعذابات الضمير
والوداعات المرّة، التي تعمل هنا بقصد ضد عنوان الفيلم نفسه.
استحدثها جيل جاكوب
وتعود صعوبة حسم النتائج المتعلقة بأفلام «نظرة ما»، قياساً لطبيعة
المسابقة ذاتها، والتي استحدثها الناقد السينمائي الشهير جيل جاكوب في عام
1978، حين كان وقتها مندوباً عاماً لمهرجان «كان»، قبل أن يصبح رئيساً له
في عام 2000، وفي عام 1998 تم تخصيص ميزانية مستقلة لجوائز المسابقة، وصلت
إلى 30 ألف يورو، وساهمت النوعية أو معايير اختيار أفلام هذا القسم في جذب
عدد حاشد من جمهور المهرجان لمتابعتها، وباتت المسابقة منذ تلك السنة توازي
في أهميتها الفنية المسابقة الرسمية للمهرجان، على الرغم من تفاوت عدد
الجوائز الممنوحة في كلتا المسابقتين.
وقدم جيل جاكوب منذ تسلمه دفة العمل إضافات عديدة ومبتكرة لخريطة
المهرجان الذي تحول إلى أضخم حدث سينمائي في العالم، طامحاً من خلال مسابقة
«نظرة ما»، أن يحتضن مهرجان «كان» الأعمال التي تقدم أساليب ورؤى جديدة في
السينما المعاصرة، وهي أساليب يغذيها مخرجون شبان يتجاوزون في مساهماتهم،
وفي مواضيع أفلامهم، الأطر التقليدية والضغوط الإنتاجية التي تقلل من
استقلالية الفيلم وحرية المخرج في التجريب والبحث عن طرائق تعبيرية متفردة.
وقائع حقيقية
وكانت افتتاحية أفلام مسابقة «نظرة ما» في الدورة الحالية من نصيب
المخرجة الأميركية الشابة صوفيا كوبولا، وابنة واحد من عباقرة السينما
العالمية، وهو فرانسيس فورد كوبولا صاحب الفيلم الأكثر تأثيراً في الأعمال
التي ناقشت التبعات النفسية المدمرة لحرب فيتنام، وهو فيلم «القيامة الآن»،
الذي شاركه فيه الممثل الأسطوري الراحل مارلون براندو.
قدمت صوفيا كوبولا فيلماً بعنوان «بلينج رينج»، وهو عنوان لأغنية
تنتمي لأغاني «الهيب هوب» التي اشتهرت في التسعينات، ويستند الفيلم إلى
وقائع حقيقية حدثت بين عامي 1998 و1999، لعصابة مكونة من أربع فتيات وشاب،
وتخصصت العصابة في مداهمة منازل المشاهير في هوليوود أمثال لوهان ليندساي،
وميجان فوكس، وباريس هيلتون، وغيرهن، وفي أسلوب إخراجي يمزج بين الوثائقي
والدرامي،
حيث تتبع كوبولا الخيوط الخفية والأساليب الماكرة التي اتبعتها العصابة في
تنفيذ سرقاتها باحترافية بالغة ومن دون ترك أي أثر يدل على ضلوع أفرادها في
هذه السرقات، وأحيانا من دون إحساس هؤلاء النجوم بأنهم كانوا ضحايا لسرقات
أصلاً، في دلالة تشير إلى مدى البذخ والثراء الذي وصل إليه مشاهير هوليوود،
ويحاول الفيلم أيضاً الكشف عن النوازع السيكولوجية والاجتماعية التي دفعت
هؤلاء الشبان إلى الدخول في هذه المغامرة الخطرة، ومحاولة تقليد أثرياء
هوليوود بعد الاستيلاء على ممتلكاتهم الثمينة كي لا يشعروا بأي نقص، وكي
يحققوا أحلامهم في ارتياد أفخم الأماكن وأغلى النوادي الليلية، والوصول إلى
أقصى مراحل النشوة الحسية التي اختبرها هؤلاء النجوم.
«عندما احتضر»
وقدم الممثل الأميركي الشاب جيمس فرانكو فيلماً بعنوان «عندما أحتضر»،
اقتبسه من رواية لوليم فوكنر حملت العنوان ذاته، وأصدرها عام 1930، وينتقل
الفيلم بالمشاهدين وسط رحلة وجودية وتأملية مع عائلة ريفية تسافر مشياً إلى
منطقة تبعد 40 ميلاً، والتي شاءت ربة العائلة أن تدفن فيها بعد إحساسها
بقرب موتها، وتظهر خلال الرحلة الصراعات الخفية بين الإخوة والانحناءات
العاطفية الصعبة التي تنشأ وسط هذا الترحال الأقرب إلى إبحار في الذاكرة
وفي الزمن منه إلى الترحال في المكان ووسط تضاريس جغرافية موحشة.
وفي فيلم بعنوان «مسيرة الموت»، يوثق المخرج الفلبيني أدولفو أليكس
لمسيرة الموت الشهيرة في منطقة باتان في عام 1942، والتي أجبر فيها الجيش
الياباني 7 آلاف أسير أميركي وفلبيني على المشي في مسيرة مرهقة تمتد لمائة
ألف كيلومتر للوصول إلى مكان الاعتقال، وهي المسيرة التي راح ضحيتها عدد
هائل من هؤلاء الجنود نتيجة الإنهاك الجسدي والمرض، ووسط ظروف لم تراع
أبداً شروط الحفاظ على حياة «الأسرى» في المعاهدات الدولية.
وقد تم تصوير الفيلم بالأبيض والأسود إمعاناً من المخرج في التأكيد
على الأهوال والفظائع التي شهدتها تلك المرحلة الداكنة في التاريخ المعاصر،
والتي ساهم الجيش الياباني في إضفاء الحالة من السوداوية والتصديرات
الانتقامية المظلمة على المشهد الإنساني حينها.
سينما فلبينية طموحة
في تصريح للصحفيين قبيل عرض فيلمه في «كان»، أشار المخرج الفلبيني
أدولفو أليكس، إلى أن قصة الفيلم مستوحاة من هذه المسيرة التي استمرت خمسة
أيام، ومشى فيها الجنود إلى مخيم اودنيل قبل أن يمتطوا القطار. مضيفاً أن
الكثير من هؤلاء الأسرى أصيبوا بمرض الملاريا، وبأمراض عدة أخرى، وقال إن
القصة لها أبعاد كثيرة، يمكن أن تنعكس على الواقع المعاصر. واختتم حديثه
بالقول: «من المهم جدا أن يعرض فيلمك في مهرجان بمستوى «كان»، وما يهمنا
الآن هو إظهار ملامح هذه الحركة السينمائية الطموحة في الفلبين، فخلال
السنوات الست الماضية تم عرض العديد من الأفلام الفلبينية في مهرجانات
سينمائية كثيرة، ولاقت إعجاب النقاد والمختصين».
الإتحاد الإماراتية في
22/05/2013
مهرجان كان 2013 : قراءة في فيلمين عربيين
الجزائري يعود الى وطنه فرنسا والفلسطيني يقتل الشيطان
كان ـ قيس قاسم
لا هاني أبو أسعد ولا محمد حميدي خرج عن مألوف القضايا التي طبعت
أفلاماً كثيرة أُنجزت تحت خيمة "القضية الفلسطينية" و"الهجرة"، لكنهما
تميزا عن غيرهما بالاشتغال أكثر على الصنعة والتفكير سينمائياً حين خاضا
في نفس الهموم التي شغلت بال كل واحد منهما منفرداً. فالفلسطيني جرب
الابتعاد عن "كليشهات" المشكلة الفلسطينية، في حين سار الجزائري من حيث
الموضوع نحو الهجرة وما تؤسسه من مشكلات إنسانية تدعو لسعتها لتكرار تجربة
كتابتها سينمائياً وعلى طول الوقت، مع اختلاف موضوعي في شكل المعالجات التي
يقاس بها القرب أو البعد من مركز العلاقة بالسينما نفسها وفي مهرجان مثل
كان يتوجس المعنيون بالمشاركات العربية من خشية الابتعاد عن مقاييس فن
تتجلى أعلى درجاتها وبسطوع كبير خلال أيامه ما يفوت فرصة تطبيق "معايير"
نقدية تراعي الظروف الجغرافية والسياسية لكل فيلم فهنا تخضع كل العملية
الابداعية السينمائية ل"مسطرة " واحدة عنوانها الجودة ولا شيء آخر إلا ما
ندر ومن هنا يطمئن مشاهد فيلم "عمر" الفلسطيني والجزائري "مولود في مكان
ما" الى انهما خضعا لاختبار دولي حقيقي وخرجا منه بقبول يكفي للتفكير بأن
ثمة مسعى وهاجسا على لعمل السينمائي بذاته أكثر من التعكز على "الموضوعات"
المعالجة داخلها.
"عمر" الفلسطيني يقتل الشيطان
في فيلمه "عمر"، يروض المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد صراع شعبه مع
أجهزة المخابرات الإسرائيلية ومحاولتها كسر شوكته عبر خرقها الممنهج لصفوف
المنظمات السياسية الناشطة والمتخذة من العمل المسلح وسيلة مواجهة، ومن هنا
يضع أبو أسعد حكاية فيلمه المكتوبة بنص جيد على طاولة النقد حين يعرض
أساليب الطرفين في تجنيد أعضائهم وتكليفهم بمهمات تفيد أجنداتهم السياسية،
وبشكل خاص المنظمات المسلحة الاسلامية، تقابلها أجهزة المخابرات
الاسرائيلية التي تتخذ أساليب عمل شيطانية تتجسد هذه المرة في شخصية المحقق
الذي يظهر مثل "شيطان" متستر بهيئة إنسان يتحث العربية ليسقط خصومه في
شباكه في حين نرى شبابا فلسطينيين عاديين، ما يعانونه يومياً من صعاب يدفع
أشد "الملائكة" بينهم الى أن يتخذوا من العنف وسيلة انتقام. في "عمر"
نتلمس محاولة جادة للتفكير في الهاجس السياسي سينمائياً، دون نكران وجود
هنات في جوانب فنية لكنه في المحصلة عمل جيد مخلص لسينمائيته يميل الى
محاكاة الواقع بصرياً عبر رؤية راهنت على محاججات سياسية مقياسها الشاشة.
مع الجزائري محمد حميدي لا يختلف الأمر كثيراً فهو يعيد إنتاج حكاية
المهجر برؤية سينمائية فيها الواقع نفسه غرائبي الهيئة فالجزائري الشاب
الذي يقول لأصحابه في فرنسا التي ولد فيها بأنه "جزائري الأصل رغم أنه لم
يزرها قط ولم يولد فيها" لكنه سيعود اليها يومياً ككائن موزع على مساحة
كبيرة من كلمة "وطن". الحكاية تقريباً تكررت في أفلام كثيرة من المغرب
العربي ولكنها في القرية التي عاد اليها ستشكل المقهى الشعبي اختلافاً
محبباً ينقل روح بلاد موزعة هي الآخرى بين رغبة في التقدم وقوى اجتماعية
تقليدية تجرها الى الوراء خالقة صراعاً مختلف الأشكال يظهر على السطح
بدرجات متفاوتة، وإن أخذ في فيلم "مولود في مكان ما" بعداً درامياً لذوات
تريد الاستقرار في أماكان تؤمن لها كرامتها أو مثل حالة الشاب الفرنسي فريد
تمثل استقراراً ينطلق منه لبناء تفاصيل حياته القادمة. الحكاية ستتوزع بين
مغامرات الوصول الى الساحل الفرنسي والبحث عن الجذور والأمل في جزائر أحسن
فيما تبقى في النهاية كتجربة شخصية متنت هشاشة داخلية مبعثها البحث المضني
عن الهوية.
وما يشتغل عليه محمد حميدي يمثل نزوعاً نحو إنجاز سينمائي يركن الى
الحكاية ولا يخضع لمسار تطورها التقليدي بمعنى أن الحكاية في فيلمه لا تجر
صاحبها الى ما تريد بقدر ما تخضع لرؤية واضحة تجعل من الفيلم منجزاً بصريا
أكثر من مقبول على مقياس مساطر مهرجان كانّ، خاصة إذا ما أخذنا بعين
الاعتبار أن الصلة الداخلية الرابطة لأبطاله هي فرنسا التي ستتعامل بقسوة
مع مهاجريها وحتى مع الذين ولدوا فيها من أصول أجنبية ما يعد خرقاً لقيم
العدالة والمساواة التي انطلقت تاريخياً الكثير من أرضها وبتجاوزها تضع
القيم الأخلاقية لها موضع نقاش نقدي لا يختلف عن النقاش المطروح في الجهة
الثانية من البحر حيث تدفع الدول مواطنيها الى الهرب لأراضٍ ثانية أو بلاد
أخرى تتفاعل فيها حيوات مختلفة الجذور أو مثل حالة الشاب فريد تجره تلك
الجذور إلى التربة التي انغرست بها وبالتالي نحن أمام أسئلة تتعلق بالمهاجر
والبلاد التي جاء منها والعائد اليها وفي الحالة الجزائرية سيصبح طرحها
بالمنظور الذي قدمه محمد حميدي استفزازيا فكيف للجزائري أن يعود لموطنه
الأصلي فرنسا، بخاصة وهو لا يعرف غيرها وهذا السؤال سيحيلنا بدوره الى سؤال
مشابه عن الفرنسيين الذين ولدوا في الجزائر وخرجوا منها الى وطنهم الثاني
فرنسا والتي لا يعرفون عنها الكثير مثل فريد الذي عاد مثل فرنسي إلى وطن
سبق لوالده وأن غادره ولكنه ومثل مريض بداء الحنين يريد العودة اليه عبر
ولده ليغذي عنده الشعور بنمو الجذور في شجرة لا أحد يعرف من يطلق عليها لقب
"بلاد" وهل ستبقى بلاداً لمن ترك بلاده؟
الجزيرة الوثائقية في
22/05/2013
حضور عربي مكثف في كان...
في الصفحات الإعلانية لمجلات المهرجان
كان (جنوب فرنسا) – إبراهيم العريس
بدا الصديق، المسؤول السينمائي في بلد عربي، غاضباً وساخراً في الوقت
عينه، وهو يروي كيف عَرضت عليه واحدة من المجلات التي تصدر يومياً خلال
مهرجان كان السينمائي، نشْرَ أخبار مؤسسته ليومين متتاليين، شرط أن يشتري
لديها صفحات إعلانية، والسعر يبدأ بعشرين ألف دولار في صفحة الغلاف، ليهبط
إلى ثمانية آلاف بالتدريج. يضحك صاحبنا ويقول إنه رفض العرض فغابت أخبار
مؤسسته، لكن هذا الغياب «لا يعني أن ليست لدينا أخبار»! يقول ببساطة،
ويبتسم متمتماً : «غريب، كلما احتُضِرت السينما العربية أكثر وأشرفت على
الهلاك كلما زادت أموالها!».
ما يقوله المسؤول العربي لن تجد كثراً من المسؤولين نظرائه الحاضرين
في مهرجان كان، مستعدين لقوله. فمثل هذه الأمور تحاط عادة بتكتم، غير أن في
إمكان المرء أن يخمّن حجم الأرباح التي تؤمنها المجلات «الكانيّة» الرئيسية
إنْ هو رصد «الأخبار» التي تتناول فيها المشاريع العربية والشرق أوسطية، من
طريق التركيز على قيام الشركات واندماجها ومشاريعها المستقبلية و «قدرتها»
على فرض حضورها في الساحة «السينمائية» العالمية. اللافت في الأمر أن
تطوراً كبيراً حدث في هذا المضمار خلال السنوات العشر الأخيرة بالنسبة إلى
أخبار هذه المنطقة من العالم، ففي حين كانت أخبار المخرجين وأفلامهم هي
الطاغية في سنوات سابقة، وفي حين تلتها أخبار وإحصاءات عامة تتعلق بأحوال
الصالات، والمشاهدة، فأخبار المهرجانات... ها نحن اليوم إزاء وضع لم يعد
فيه من أخبار سينمائية عربية سوى أخبار الشركات الموزعة وأحلامها الإنتاجية
وما إلى ذلك. ويقيناً، أن هذا الأمر يتفاقم مع تزايد الرساميل العربية
المقتحمة هذا الميدان المفعم بالوجاهة، إن لم يكن بالأرباح. وفي هذا
الإطار، نلاحظ أن أخبار المهرجانات الخليجية وإعلاناتها قد تضاءلت بشكل
ملحوظ هذا العام، ما يثير شكاوى صامتة من صحافيين وسماسرة عرب كانوا
اعتادوا عقد الصفقات في هذا المجال والحصول على حصص.
ومهما يكن، يمكن التوقف هنا عند أخبار انتشرت وشغلت أهل المهنة، ولعل
أهمها تمكّن التونسي طارق بن عمار مجدداً، من تحقيق صفقة ضخمة، إذ ضمّ إلى
شركاته الإنتاجية والتوزيعية رساميل آتية هذه المرة من الثري المصري
المتنور نجيب سويرس، ليؤسسا معاً شركة إنتاج برأسمال يبلغ 130 مليون دولار.
وغرابة هذا الخبر تكمن في أن لسويرس نفسه تجربة خاسرة مع السينما، التي، مع
هذا، يعتبر نفسه عاشقاً لها. كما أن بن عمار لم يسجل سوى الفشل الذريع في
عدد من المشاريع «الضخمة» التي قام بها، ودائما بأموال الغير، نذكر منها
مشروعه القديم «القرصان»، من إخراج رومان بولانسكي، والذي تسبب في خسائر
قدرت بعشرين مليون دولار. كما نذكر الفيلم الأقرب إلينا زمنياً، وهو «ذهب
أسود»، الذي حُقّق بأموال قطرية ومن إخراج الفرنسي جان جاك آنو، وتقدر
خسائره هو الآخر بأكثر من ثلاثة أرباع الـ25 مليون دولار التي أنفقت عليه!
يبقى أن شركة «سويرس – بن عمار» الجديدة، لم تنس الإعلان عن باكورة
إنتاجها، وهو فيلم لسينمائية قطرية تدعى نوال المرية، يحمل عنوان «بيريتا»،
وفيه مغامرات عنيفة لبطلة امرأة، وهو أمر يرى فيه أصحاب المشروع «رداً على
ما باتت تتعرض له المرأة العربية من عنف وتحرش»!
ولئن كان هذا الخبر الرئيسي الذي انتشر في مهرجان كان منذ أول أيامه،
فإن هناك أخباراً أخرى، منها أن قطر، التي كانت تنظم مهرجان الدوحة الضخم،
قررت استبداله بدءاً من العام المقبل بمهرجانين صغيرين لكنهما يتجهان إلى
سينما المؤلف كما إلى «الإنتاج المحلي». وفي سياق الحديث عن المهرجانات، لا
بأس من الإشارة إلى أن المهرجانين الخليجيين الكبيرين الآخرين في دبي وابو
ظبي، وعلى رغم شَغْلهما معاً جناحاً واحداً هذه المرة، للتوفير ربما، في
القرية العالمية، عاشا تنافساً كبيراً للحصول على أفلام لعرضها في دورتيهما
المقبلتين... وفي هذا الإطار، بدت السعادة كبيرة على وجه مسؤولَي أبو ظبي
وهما يستعرضان بعض أفضل النتاجات العربية التي تمكنا من الحصول عليها،
ومنها أفلام أُنتجت بمساعدة من المهرجان الظبياني، وهو أمر يستحق عودة
لاحقة بالتأكيد.
دور الأزياء تسابق النجمات على السجادة الحمراء
إعداد فاطمة رضا
...
إلى السجادة الحمراء مجدداً. الموعد السنوي الذي يتنظره مصصمو
الأزياء العالميون من أجل عرض «أكثر فعالية» لأزيائهم. العارضات في هذا
الحدث وإن كن لا يتمعن بأجساد منحوتة تصلح لعرض على الخشبة، إلاّ أنّهن
يترجمن مدى نجاح مجموعة من الأزياء على أخرى، فيعلو اسم مصمم فستان ما
ليسطع نجماً بين نجوم هوليوود.
تـظاهرة موضة مدروسـة، يديـرها المسؤولون الإعـلاميون فـي دور
الأزيـاء العريـقـة، في سـباق غير معـلن على التـرويج لتـصـمـيم اخــتارتـه
مـمـثـلة مـن هـنا، أو مجـوهرات أضــافـت بريـقاً على إطـلالـتها
الـمنتظرة. الـعلاقة بـيـن دور الأزيـاء و «العارضات» في المهرجانات
الكبيرة كمـهرجان «كان السـينـمائـي» وحـفلة توزيع «الأوسـكار»، علاقـة
متلازمـة، فدور الأزياء تعلن وتـقـدّم في أماكن مخصصة المجموعات الـجاهزة
للإعـارة، ويـبقى على المـمثلة أن تـختار ما يعجـبهـا. وتـبقى أنظار دور
الأزياء مشدودة إلى السجادة الحمراء، طوال 12 يوماً في مهرجان «كان»
المهرجان الأطول بالنسـبة إلى دور الأزياء، من أجل رصد مَن من الممثلات
اختارت أحد تصاميـمهم أو مجـوهراتهم، ومن دن أدنى شك يلـعب اســم الممثـلة
أو الشـخصية العـامة ومـدى سـطوع نجمها «الموسـمـي»، بـسبـب دورها في
الفيلم الأول، أو الفيـلم الرابـح، أو المـثير للـجدل أكثر من غـيرها، إذ
إن اسـم المـصمـم سيذكـر مع كل مرة يُذكر اسـمها أو تتصدر صورتها وسيلة
إعلامية.
اختارت نيكول كيدمان العضو في لجنة التحكيم، فستان الافتتاح من دار
ديور، مكرّسة نجاح أسلوب راف سيموز في الأزياء ذات الطابع الهادئ والمميز
في آن الذي يتناسب وشخصيتها. تنوعت الأزياء وموديلاتها هذا العام وانحسر
موديل «الحورية» أو «ذيل السمك» الذي طغى العام الماضي عن السجادة الحمراء،
وإن لم يغب بشكل كلي، وحلّت مكانه الفساتين المفتوحة لأعلى الفخذ، بخاصة
بعد ارتداء انجلينا جولي واحداً منها في حفلة الأوسكار العام الماضي.
نيكول كيدمان اختارت أن تفتتح المهرجان بفستان مورّد من مجموعة «ديور» Dior
للأزياء الراقية، واختارت كاري ماليغان بطلة فيلم The Great Gatsby
ديور أيضاً ملتزمة الإطلالة الناعمة التي تتماشى مع وجهها الطفولي.
أمّا الممثلة وعارضة الأزياء الصينية فان بينغ بينغ، فقد اختارت فستاناً
ناعماً باللون الوردي من لويس فويتون وآخر للمصمم إيلي صعب، الذي وقّع
أيضاً إطلالة كل من آنا أوريلي، أور آتيكا والمخرجة اللبنانية نادين لبكي.
ايزلا فيـشر أطّلت بأحد تصـاميم أوسـكار دي لا ريـنتـا، وسـولانج
بـفســتان لـستـيفان رولان، أمّا فريدا بيـنتو فاخـتارت غوتـشي، وكارا
ديليفن بيربيري.
...
والمجوهرات تسطع
سيطرت الحقائب الصلبة والمرصّعة بالترتر والخرز، لإطلالة أكثر
«فخامة»، على اختيارات المتبخترات على السجادة الحمراء، ومنذ انطلاق
المهرجان اختارت نجمة البوب لانا ديل ري وعارضة الأزياء السابقة سيندي
كروفرد وأخريات مجوهرات شوبارد الذي يُسطّر السعفة الذهبية، للظهور بها على
البساط الأحمر.
لم يسيطر موديل واحد من المجوهرات على المهرجان، فتنوّعت بين أشكال
الأزهار وأخرى أتت على شكل أفعى، إلى جانب الخواتم الماسية التي تتوسطها
حجارة ثمينة ضخمة وقلائد ماسية ناعمة وفاخرة. واختارت إيزلا فيشر قلادة من
مجموعة Bulgari Heritage
وساعة الأفعى
Serpenti،
أما النجمة الأيقونية الباريسية إينياس دولا فاختارت بوشرون لتضيف الإبهار
إلى فستانها مع أقراط Cinna Pampilles
وسوار الأفعى أيضاً
Python .
وكلاهما من الذهب الأبيض ومرصّعتان بقطع ماسية
نادرة. وخطفت بوشرون الأضواء أيضاً مع الممثلة الإسبانية باز فيغا التي
وضعت أقراط Irene
والممثلة الهندية مليكة شيراوات بأقراط Serpent Bohème
وأساور بالذهب الأبيض والأصفر كلها مرصّعة بالماس. وفي حين غزت مجوهرات
تيفاني السجادة الحمراء مع كاري موليغن وإليزابيث ديبكي من مجموعة «Blue Book 2013»، وذلك خلال العرض الافتتاحي لفيلم ذي غريت، أكملت
الممثلة إيفا لونغوريا إطلالتها مع أقراط
Blue moon
من ديمياني.
الحياة اللندنية في
22/05/2013
مهرجان "كان السينمائي" ...
«عمر»: أبو أسعد يحسم أمره بين الخيانة والبطولة
كان (جنوب فرنسا) – إبراهيم العريس
لعل واحدة من الملاحظات الأساسية التي تفرض ذاتها في مهرجان كان
السينمائي بالنسبة إلى أفلام هذه الدورة، حتى الآن على الأقل، تكمن في ذلك
الفصل البيّن بين السياسة والحكاية فيها. فالفيلم السياسي هذه المرة فيلم
سياسي من دون لف أو دوران... وللحكاية الخالصة مكانها المحفوظ، أو هكذا
كانت الحال حتى عرض الفيلم العربي الروائي الطويل الوحيد المعروض في أي
تظاهرة أساسية من تظاهرات المهرجان. وهو بالطبع فيلم «عمر» للفلسطيني هاني
أبو اسعد.
مجدداً هنا، يقدم أبو أسعد في فيلمه الثالث هذا خلطة شديدة التوازن
بين السياسة و «الحكاية» المستقاة مباشرة من الحياة، ونعرف طبعاً أن هذا
نادر الحدوث في السينما الفلسطينية في شكل عام، حيث اعتاد السياسي أن يغلب.
ولنسارع هنا إلى القول إن الأمر جاء في مصلحة الفيلم ليحمل هذا التجديد،
وإن كان التجديد الأسلوبي الذي كنا ننتظره من المخرج بعد «الجنة الآن»، لا
يزال بعيداً. ولا يزال أبو أسعد يفضل عليه لغة السرد الكلاسيكي التي تبدو
لديه، على أية حال انسيابية تمسك المتفرج دافعة إياه إلى انتظار القلبات
المسرحية – وهي كثيرة وفق المخرج في معظمها - من جهة، وإلى التفاعل مع
سيكولوجية الشخصيات من جهة أخرى. إذ بدا واضحاً أن المخرج كتب أدوارها
وحواراتها في شكل جيد. ثم في شكل لا يقل جودة، عرف كيف يدير ممثليه، ولا
سيما الرئيسيين منهم – عمر وناديا وأمجد في شكل خاص وضابط الأمن الإسرائيلي
في شكل أخصّ.
كل هذا كان لا بد من الإشارة إليه هنا كانطباع أول، بعد عرض الفيلم
أمس في تظاهرة «نظرة ما» بنجاح مدهش، عبّر عنه تصفيق صاخب بدا واضحاً هذه
المرة أنه ليس تصفيق مجاملة لفلسطين وسينماها، بل أيضاً لسينمائية الفيلم
في حد ذاتها... فهي سينمائية واضحة، ولو بدت أدبية بعض الشيء، وفي بعض
الأحيان عاجزة عن إقناعنا ببعض المواقف، ولا سيما «تقلبات» عمر و «قذارة»
أمجد و «استسلامية» ناديا، و «سذاجة» الضابط الإسرائيلي. مثل هذه المواقف –
التي للغرابة بني عليها الفيلم كله – ظل مفتقراً إلى المنطق في شكل أو آخر،
في عمل بُنِيَ من ناحية كقصة حب، ومن ناحية ثانية كرصد للحياة الاجتماعية
المتأرجحة بين عواطف الأفراد ونضالهم ضد قوات الاحتلال، والمطاردات اليومية
عبر جدار يحول بين العواطف وإرواء ظمئها مولداً رغبة حتمية في النضال. وهذه
هنا حال عمر بالتحديد، الفرّان الذي يضطر لعبور الجدار والتعرض للرصاص
القاتل كي يلتقي حبيبته. وهو حين تذلّه من قبل دورية إسرائيلية يجد نفسه
مساقاً إلى النضال مشاركاً في عملية اغتيال جندي معادٍ. وحين يُقبَض عليه
يُعذَّب ثم يغرى بالتعاون مع استخبارات العدو. ولكن، هل تراه رضخ فعلاً
للإغراء؟ سنعرف في النهاية... النهاية التي «حفظ» فيها السيناريو شرف
العاشقين في خبطتين مسرحيتين أخيرتين. لكن الثمن كان كبيراً دفعته ناديا من
دون أن تدري، قبل أن يدفعه عمر في «فعل» أخير بدّل من دوستويفسكية شخصيته –
في لحظات بدا عمر شبيهاً وإن في شكل كاريكاتوري بعض الشيء بأبله دوستويفسكي
في الرواية الشهيرة - وطمأن المتفرج إلى نصاعته الوطنية... وكذلك إلى أن
هاني أبو أسعد لم يكن هو نفسه «أقرب إلى التعاون» حين أضفى في سياق الفيلم
شيئاً من إيجابية كان من شأنها أن تولّد تعاطفاً ما مع الضابط
الإسرائيلي... ولو في تواطؤ خفي – إنساني إلى حد ما – ضد الخائن الحقيقي
والكاذب الحقيقي الذي، لمرة نادرة في هذا النوع من السينما، سيخرج في
النهاية مع الجائزة الكبرى!
الحياة اللندنية في
21/05/2013 |