المخرج الإيراني يعرض فيلمه «الرئيس» في فينيسيا ويتهم
السلطات الإيرانية بأنها حاولت تسميمه وإرسال مسلحين
لقتله
محسن مخملباف لـ {الشرق الأوسط}:
نحتاج لأكثر من مانديلا ولأكثر من
غاندي
فينيسيا: محمد رُضا
جمع المخرج الإيراني محسن مخملباف أكثر من حاجياته الضرورية عندما
قرر مغادرة إيران والهجرة إلى فرنسا قبل أكثر من عشرة أعوام. جمع
أيضا أسرته كلها: زوجته مرزية وابنتيه سميرة وهانا وابنه ميسم
والأربعة لحقوا بخطى رب العائلة السينمائية وكوّنوا شركة إنتاج
يديرها محسن ويعمل بها كل أفراد أسرته.
فيلمه «الرئيس» يفتح بؤرته على حال متعدد وحاضر اليوم: ديكتاتور
تسلم المهام كرئيس دولة لا يسمّيها الفيلم، يجد نفسه فجأة وقد أصبح
مطاردا من قبل السلطات والشعب الذي رزح تحت حكمه طويلا. معه في
رحلة الهرب حفيده الصغير الذي لا يعرف ما يدور ويعتقد أن جدّه
يشترك في لعبة كبيرة. الهروب يدوم طوال الفيلم ما يتيح له أن يسرد
جوانب ويتعرّض لشخصيات أخرى يتعرّف عليها الديكتاتور ليكتشف من
خلالها سوء أفعاله.
التقيت بمحسن مخملباف في مقابلة منفردة بعد خروجه من سلسلة مقابلات
من تلك التي يشترك فيها صحافيون ونقاد كثيرون. بدا منشرحا وهو يجد
شخصا واحدا يحادثه وأكثر انشراحا إذ انتهج الحديث مواقع غير سياسية
أيضا:
«من
الصباح والأسئلة هي نفسها ومعظمها سياسي عن الفيلم ولماذا صنعته
وما قصدت به مع العلم بأنني أعتقد أن الفيلم واضح وبعيد عن الغموض.
طبعا لا ألوم الإعلام لأنهم يطرحون هذه الأسئلة فالفيلم له وجهة
سياسية بالطبع».
*
يبدو كما لو أن سنوات مضت منذ أن شاهدنا لك فيلما جديدا..
-
لا. في العام الماضي صوّرت في كوريا فيلما عنوانه «ابتسامة دائمة».
أحب هذا الفيلم التسجيلي لأنه حول رجل كوري أقدم على إخراج أول
فيلم له وهو في الرابعة والسبعين من العمر. كان رئيس مهرجان بوسان
السابق وقرر أن يقدم على الإخراج في مثل هذه السن المتقدّمة قليلا،
اسمه سونغ كي آن. أحب هذا الفيلم ويجب أن تسعى لمشاهدته في أقرب
فرصة.
·
سأحاول. قبل ذلك بعامين تقريبا ذهبت إلى إسرائيل وصوّرت فيها فيلما
كذلك؟
-
نعم. «الحدائقي».
·
لماذا صوّرت هذا الفيلم هناك؟
- «الحدائقي»
فيلم عن الأديان وهو فيلم تسجيلي آخر لي حاولت فيه أن أتحدّث عن
الروحانيات المتعددة. هو عني وعن ابني ميسم وقصدنا أن نصوّر شيئا
عن البهائية التي ولدت في إيران لكنها ممنوعة الآن هناك.
·
ولماذا هذا الموضوع مهم في نظرك؟
-
لأني أردت أن أصوّر شيئا عن هذه الطائفة الدينية وبما أنني لا
أستطيع التصوير في إيران على الإطلاق فقد اخترت الموقع القريب
التالي لهذه الطائفة وهو إسرائيل.
·
دائما ما تحب العمل مع أفراد عائلتك؟
-
نعم. لقد فرضوا أنفسهم علي كسينمائيين. كل منهم أراد أن يتبع
خطواتي ولم أستطع أن أقول لا. لأي منهم. هناك ابني ميسم وابنتي
هانا (كانت هانا، خلال الحديث، تقوم بتصويرنا فيديو) وابنتي سميرة
وزوجتي. ابنتي سميرة كانت في الرابعة عشر من عمرها عندما هددت
بالانتحار إذا لم تصبح مخرجة. كنت أعلم أننا جميعا نخاطر بحياتنا
إذا ما استمررنا بالعمل داخل إيران وكان لا بد لنا من أن نهاجر
وإصرار عائلتي على العمل معي في السينما يعطيني راحة كبيرة فنحن
نفهم تماما ما نقوم به ونصنع الفيلم كما نعايشه جميعا كعائلة
واحدة. لكن لأنني كنت أفهم المخاطر لم أرغب أن يعمل أحد من عائلتي
في السينما. لكن عائلتي فرضت نفسها علي وأصبحت تساعدني في عملي
وتساعد بعضها بعضا في العمل. وفي النهاية نظرت حولي ووجدت أننا
جميعا بتنا نعمل في السينما.
·
هذا القرار بالعمل في السينما لجانبك ما زال حاضرا في «الرئيس» كما
في سواه.
-
نعم. في البداية اعتقدت أن عائلتي ستمل وتتركني لكنها لم تفعل. في
فيلمي الأخير زوجتي عملت على السيناريو وابني كان أحد المنتجين
وهانا عملت مساعدة وشريكة في المونتاج.
·
سميرة هي الغائبة عن الإخراج فعليا. بعد «طرق خلفية» سنة 2000
و«حصان بساقين» سنة 2008 هل هناك مشروع جديد؟
-
نعم، لكن الأمور ليست سهلة إلى درجة أن تجد ابنتي الموضوع الذي
يستهويها سريعا.
·
هل حال العالم الذي نعيش فيه هو الذي دفعك لتقديم «الرئيس»؟
-
طبعا.
·
لماذا اخترت أن يبقى اسم الدولة غير ظاهر؟ الأحداث لها رنّة واقعية
لكن في بلد خيالي.
-
صحيح. أعتقد أن الدلالة واضحة وهي أن ما يعرضه الفيلم حدث ويحدث
وسيحدث. هذه حكاية عن الديكتاتورية والثورة وكيف تقود الديكتاتورية
نفسها إلى التهلكة لكن الثورة قد تضيع أيضا. انظر لما حدث في ليبيا
أو ما حدث في العراق. هل الوضع الحالي في العراق أفضل مما كان عليه
في السابق؟ صدّام حسين قتل مواطنين لكن الانقلاب عليه أدّى لمقتل
مئات الألوف أو أكثر. أيهما أفضل؟ لماذا يحدث هذا وفي أماكن كثيرة.
·
تترك فيلمك في النهاية من دون أن تظهر الرئيس في الفيلم إذا ما مات
أو بقي حيّا.
-
صحيح، لأنها ليست حكاية رئيس واحد. لو جرى قتله في الفيلم لكانت
الحكاية شخصية في اعتقادي وتتعارض مع الموضوع بأسره. أردت أن يطرح
الفيلم أسئلة حول ما الذي يحدث بعد ذلك؟ هل يعيش؟ هل يموت؟ وكيف
يتصرّف الجميع وقد جرى إلقاء القبض عليه.
·
تقول في كلمتك عن الفيلم إن السعي إلى الديمقراطية يمر أيضا عبر
العنف..
-
نعم. يكفي أن ننظر إلى ما يحدث حولنا ليس فقط في الشرق الأوسط بل
في الكثير من الدول حول العالم. هناك حاجة ماسة لنبذ العنف. فيلمي
مع البحث عن هذه الحاجة وتفضيلها على الحلول العنيفة. والسينما
عندي طريق للتغيير. لديها القوّة على تغيير تفكير الإنسان. هناك
شيء يحدث في البال عندما يشاهد الإنسان فيلما. يساعده على التفكير
والتغيير.
·
خلال السنوات الأخيرة شهدت السينما الإيرانية ذاتها بضعة انتصارات
عالمية ومن مخرجين لم يهاجروا كما فعلت أنت وعبّاس كياروستامي. ما
رأيك في السينما الإيرانية اليوم؟ ألا توافق على أن بعض أفلامها
الانتقادية المهمّة ما زالت تنتج هناك؟
-
سأخبرك. خلال السنوات الخمس الأخيرة تعرّضت السينما الإيرانية
لمزيد من الضغوط خصوصا بعد الانتخابات الأخيرة. الوضع لم يكن
ممكنا. كل عائلتي خارج إيران لأنه إما أن نهاجر أو ندخل السجن.
بعدما غادرنا إلى باريس أرسلوا إرهابيين لقتلنا. حاولوا تسميمي
وأرسلوا مرة ثانية مسلحين لتصفيتي. البوليس الفرنسي أنذرني وأرسل
لحمايتي حرسا شخصيا. لكني لم أطق ذلك وغيّرت مكان سكني.
·
ماذا عن الداخل اليوم بالنسبة للسينمائيين مثل جعفر باناهي؟
-
الحال واحد في الداخل والخارج. بهمان قبضاهي يعيش الآن في كردستان.
كياروستامي يعيش في إيران ويحقق أفلامه في الخارج. وهناك مخرجون
يتعرّضون للقضاء.
·
لكن ماذا عما حققته تلك السينما في السنوات الأخيرة؟ هل تراه يعود
إلى قيمة الأفلام أم إلى الوضع السياسي؟
-
أعتقد أن الأفلام هي التي فرضت نفسها مع رغبة المهرجانات الدولية
طبعا في مساندة المخرجين الإيرانيين. لكن يجب أن أقول إن السينما
الإيرانية هي سينما جيّدة.
·
كانت انتقادية أيضا قبل عزل الشاه.
-
طبعا. الشعب الإيراني يحب السينما. في البداية كان الشعر هو صوت
الثقافة الإيرانية. اليوم السينما. هل تذكر فيلمي «سلام سينما»؟
·
نعم.
-
لقد أعلنت أن لدي بضعة أدوار أريد أن أسندها لمن يرغب وفوجئت بتدفق
ألوف الناس تريد الفوز بهذه الأدوار القليلة. هذا هو حب السينما.
الجمهور يحب السينما ويعرف قوّتها. الأفلام الممنوعة يجري تداولها
في السوق السوداء وملايين النسخ يجري بيعها. بيعت ثلاثة ملايين
نسخة من أحد أفلامي الممنوعة.
·
أستطيع أن أتكهن بأن الحديث عن فيلمك «الرئيس» سيكون غالبا ذا منحى
سياسي؟ هل يزعجك ذلك؟ هل تتمنّى نقاشا حول صنع الفيلم ذاته؟
-
طبعا أرحب بالنقاش حول تقنيات العمل وصنعه وإنتاجه، الحديث في
الجانب السياسي وحده متعب لأن الفيلم كما ذكرت واضح. رغم ذلك أعلم
أن الرسالة السياسية هي التي تجذب الاهتمام الأول. لا مهرب من ذلك.
هذه حقيقة.
·
تحديدا، ما الرسالة السياسية التي تقصد طرحها في هذا الفيلم؟
-
أولا أعتقد أننا حين نولد، نولد جميعا سواسية بمن فينا
الديكتاتوريون. لكن كيف يصل بعضنا إلى مصاف الديكتاتورية هو أمر
تتداخل فيه الكثير من الظروف. رسالة الفيلم ليست فقط عن رئيس
جمهورية ديكتاتوري وكيف هرب متخفيّا خوفا على حياته وحياة حفيده.
حاولت في الفيلم تعريف الفرد كإنسان ونقد جانبه السلبي من شخصيته.
هذا على الجانبين معا، جانب الديكتاتور وجانب المعارضة. لذلك
الرسالة الأساسية لي في هذا الفيلم هي نقد العنف أكثر من نقد
الديكتاتورية. لقد أظهرت سلبياته وأظهرت أيضا سلبيات المعارضة التي
قد تقود أيضا إلى ديكتاتورية مماثلة. وسط هذا العنف نريد أكثر من
مانديلا وأكثر من غاندي. نحتاج إلى نشر ثقافة السلام في كل مكان
وهذه تبدأ من الجذور.
لدينا شعر جيّد في هذه المناسبة وسأحاول أن أترجمه لك:
الإنسان هو جزء من الجسد نفسه
كل الناس تأتي من نبع واحد
ولذلك إذا ما شعر جزء من هذا الجسد بالمرض فإن الجسد كله يصبح
مريضا
وإذا لم تتعرض للألم فإنك لست آدميا.
فيلم اليوم: المفهوم يصل لكن الفيلم لا يتوقف
الفيلم: «الرئيس» The
President
إخراج: محسن مخملباف
إنتاج: فرنسي/ ألماني (2014)
التظاهرة: آفاق
تقييم الناقد:(3*)
من بداية الفيلم ينصب «الرئيس» فخا لنفسه ويسقط فيه. يحدث ذلك على
الشاشة بعد دقائق قليلة من المشهد الأول عندما نرى «الرئيس» (بزي
عسكري) يعلم حفيده معنى السُلطة. يجلس الرئيس على شرفة قصره ويتّصل
بإدارة الكهرباء ليطلب منها قطع الكهرباء عن المدينة. في ثوان
تنطفئ الأضواء جميعا إلا أضواء قصره ثم يأمر بإعادة النور.
«هل
تحب أن تعطي أمرا؟». يسأل الرئيس حفيده الصغير ويطلب ممن على الطرف
الآخر من الهاتف الامتثال. يأمر الحفيد بقطع الكهرباء فتنقطع. يأمر
بإعادتها. تعود. في المرّة الرابعة من هذه اللعبة تنقطع الكهرباء
ولا تعود. عوض ذلك، يسمع الرئيس وحفيده أصوات رصاص تنتشر في
المدينة. لقد ثار الناس عليه.
المشهد الذي يجيء بمثابة فخ لما سيقع طوال العرض هو ذاك الذي يصوّر
الرئيس وعائلته وقد وصلوا إلى المطار، زوجته وابنتاه وحفيده معه في
السيارة المضادة للرصاص. عليه أن يبقى. حفيده يريد البقاء معه فإذا
به يوافق على بقائه وتوافق والدة الطفل على ذلك على الرغم من خطورة
الوضع وبقرار يقذف بالمنطق من النافذة.
كان يمكن للسيناريو أن يتحاشى هذا المأزق لو أن الفيلم بدأ من
النقطة التالية. لا يهم لماذا وكيف يجد الرئيس نفسه مطلوبا هاربا
من مطارديه مع حفيده. يمكن إرجاع ذلك إلى تفرّق العائلة المفاجئ
وليس إلى قرار لا أساس منطقيا له لأنه لا توجد أم ستترك ابنها في
عهدة رئيس مخلوع، ولا الرئيس المخلوع، وهو ما زال حتى ذلك الحين
يعتقد أنه سيعود إلى القصر ويجهز على معارضيه، لديه الوقت للاهتمام
بطفل.
في الوقت ذاته الرئيس وحفيده هما صلب الحكاية. السيارة التي أقلت
العائلة إلى المطار لم تستطع العودة إلى القصر بسبب المظاهرات.
سريعا من بعد ما تنقلب قوى الأمن على ما بقي من نظام. سيارة الرئيس
مطاردة من مكان إلى آخر. مساعده الأول يُقتل. سائق السيارة يهرب
والرئيس يدخل محل حلاقة في قرية على أطراف المدينة ويجبر الحلاق
العجوز على حلق شعر رأسه ويضع «باروكة» شعر مستعار ويخلع عنه وعن
حفيده الزيين العسكريين متنكرين بثياب الحلاق ويهربان.
واحدة من رغبات الفيلم هي تصوير كيف يجد الرئيس نفسه وهو مضطر
للعيش كأفراد الشعب الذين عانوا في زمنه من الفاقة والجوع. معدم
وجائع ولديه حفيد ما زال يعتقد أن جدّه يشركه في لعبة غريبة لا
يفهم منها شيئا، على الرئيس أن يواصل النزوح من مكان إلى آخر بحثا
عن الأمان وسعيا للاقتراب من شاطئ بعيد بأمل لقاء زورق ينقله
وحفيده خارج البلاد. إنه هناك فوق ذلك الشاطئ وعند الدقائق الأخيرة
يجري إلقاء القبض عليه. الجموع الغاضبة تريد شنقه تارة وقطع رأسه
تارة وحرقه تارة ثالثة. المفهوم يصل لكن الفيلم لا يريد التوقّف.
تلك النهاية، بصرف النظر عن الغاية من ورائها، كانت أيضا تحتاج
لإعادة كتابة هذا من دون أن نعد أن كل ما ورد في سياق الفيلم ركيك
التأليف (الصدفة وحدها تجمع بين سجين قضى سبع سنوات في التعذيب
وبين الرئيس الذي يحمله على كتفيه كون السجين فقد القدرة على المشي).
في الحقيقة، هناك رغبة في تسديد النقد لا للرئيس وحده بل للجموع
الثائرة عليه أيضا ولرجال البوليس والجنود الذين يتحوّلون إلى
السرقة والقيام باغتصاب النساء بعدما انتشرت الفوضى. يمكن للمرء أن
يعيد المسألة إلى جذورها: لولا الديكتاتورية لما وقعت الثورة
الجانحة.
لتجنّب ذكر دولة ما جرى إسقاط اسم المكان لكن الممثلين يتحدّثون
اللغة الجورجية ولو أن اسم جورجيا لا يرد ذكره. مواقع التصوير
مقبولة لا تحتاج إلا لتغيير اللغة حتى يصبح ممكنا تحديد الدولة
التي يرمز لها الفيلم سواء كانت إيران أو دولة عربية أو دولة أخرى
تعيش النوع نفسه من النظام المنتقد هنا.
أسلوب عمل مخملباف بسيط التكوين لكنه مشغول بقوّة بصرية لا تحتاج
لكثير من التوضيح. في شتّى ظروفه، يصنع المخرج عملا واقعي الأسلوب
يحمل خامة فنية أفضل من معظم ما حققه المخرج سابقا. بطل هذا
الفيلم، كما يؤديه الممثل الجورجي ميشا غومياشفيلي، يذكّر قليلا
بحال إحدى شخصيات الكاتب وليام شكسبير بعدما هجرته بناته الثلاث
واستولين على حكمه وماله («الملك لير») ولو أن الممثل نفسه يحمل
ملامح ليست بعيدة عن ملامح الرئيس الكوبي فيدل كاسترو. الطفل هو
الجورجي أيضا داشي أوفالشفيلي، الذي يؤدي ما يؤديه جيّدا ولو أنه
يزعج من حين لآخر عندما يطرح المزيد من الأسئلة ذاتها.العلاقة
بينهما كشخصيّتين متلازمتين تثير الاهتمام دوما، لكنها تبقى، نتيجة
الهفوة الأولى، تفتقر إلى الأرضية المقنعة.
مهرجان فينيسيا السينمائي
*
الحفلة الرسمية للمهرجان، تلك التي توجه فيها الإدارة الرسمية
الدعوة لمن تختارهم من الحضور، والتي أمّتها «الشرق الأوسط»
كالعادة، شملت على قاعتين. واحدة كبيرة والأخرى أكبر منها. الكبيرة
خصصت للسينمائيين ومنهم فريق فيلم الافتتاح «بيردمان»، والثانية
لمدعوين كثيرين منهم ينتمون إلى النوع الذي تخاله المهرجانات لأجل
الحفلات وليس لأجل الأفلام.
لكن الجو الساهر كان ممتعا بفضل من توزّع حول الموائد: شخصيات
سينمائية وثقافية وإعلامية متعددة معظمها أوروبي لكن الوجود
الهوليوودي فيها كان أيضا متاحا. ومن بقي لما بعد انصراف الغالبية
وجد أن فريق فيلم «بيردمان» من المخرج أليخاندرو غونزاليز إيناريتو
إلى الممثلين الرئيسين فيه وهم مايكل كيتون وإيما ستون وإدوارد
نورتون ملّ الجلوس بمعزل عن الغالبية ونزح إلى حيث جالسنا وأخذ
يروي الحكايات عن الفيلم وعن المهرجان وانعكاسات الحفل الكبير عليه.
خلال هذا، وبعد أن جرى الافتتاح الرسمي للمسابقة بعرض «بيردمان»،
جرى افتتاح تظاهرة «آفاق» بفيلم «الرئيس» وهو فيلم للمخرج الإيراني
محسن مخملباف ونال، كما الأول، الكثير من الاستحسان مع وجود فريق
من المناوئين. البعض يعيبون عليه أنه لم يقم بإدانة الشخصية
المحورية بما فيه الكفاية. كلام غريب إلى حد بعيد على أساس أن
الفيلم كله يتحدّث عن هذا الديكتاتور في واحدة من الجمهوريات غير
المحددة الذي أفاق يوما ليجد نفسه مضطرا للنفاذ بجلده بعدما انقلب
عليه الشعب والجيش معا.
لكن إيران بقيت في الصورة على أكثر من وجه يوم أول من أمس، فلجانب
أن محسن مخملباف من المخرجين الإيرانيين الهاربين من النظام وفيلمه
يدور عنه كما عن أي من الجمهوريات التي يتحوّل فيها منصب الرئيس
إلى وظيفة أبدية، أصدر المهرجان بيانا أدان فيه قيام السلطات
الإيرانية باعتقال السينمائية الإيرانية مهناز محمدي وإصدار حكم
بالسجن لخمس سنوات، ارتفعت إلى سبع قبل صدور البيان بأيام قليلة.
مساء عرض فيلم إيراني في المسابقة الرئيسة من تلك المناوئة للحال
السائد عنوانه «حكايات» للمخرجة راشخان بني اعتماد ولو أن مناوأته
تلك مكتوب عليها أن تأتي متداخلة مع الخطوط العريضة للمشكلات
الفردية التي تطرحها. هذا ليس كل ما هو إيراني، لأن المهرجان عرض
أيضا الفيلم الجديد للأميركي ذي الأصل الإيراني رامين بحراني
وعنوانه «99 منزلا»، وهو الذي كان قدّم قبل عامين، وفي المسابقة
ذاتها، «بأي ثمن». في أفلامه عموما يعمد المخرج للنقد الاجتماعي،
وإذا ما تحدث «بأي ثمن» عن متاعب أصحاب المزارع في الوسط الأميركي،
فإن «99 منزلا» يتناول جشع المؤسسات العقارية التي تسلب المواطنين
بيوتهم. |