فيلم بنات عبدالرحمن... قضايا نسوية مُمسرحة داخل شاشة
سينما
منار خالد
منذ أيام، بدأت فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في
دورته الـ43، وداخل المسابقة الرسمية لهذه الدورة، يشارك فيلم "بنات
عبدالرحمن" كعرض عالمي أول، وهو من بطولة "صبا مبارك، حنان الحلو، فرح
بسيسو، ومريم الباشا"، ومن تأليف وإخراج الأردني زين أبو حمدان.
اسم الفيلم تأسيس قوي للمدخل النسوي
يكشف اسم الفيلم قبل المشاهدة عن تفاصيل عدة، كونه مدخلاً
رئيسياً وممهداً للعمل الفني، فنجد أن الاسم ينقسم إلى لفظتين، الأولى
"بنات" وهي كلمة ذات معنى واضح لا تحتمل التأويل، سوى إنها كلمة غير
مُعرفة، بها كثير من العموم والشمول، وهي جمع لكلمة "بنت" أي "أنثى"، بينما
اللفظة التالية لها هي "عبدالرحمن" وهو اسم علم أولاً، ثم "ذكر" ثانياً،
محدد وواضح لا شمولية فيه، وكونه يأتي لاحقاً لكلمة بنات.
أي أن اللفظة الأولى تم تعريفها عندما التحقت باسم الذكر،
لتعطي في النهاية جملة واضحة، كما أنها تؤسس تقسيماً جنسياً وجندرياً
محدداً بين شخصيات الفيلم قبل بدئه، فالتقسيم الجنسي يكمن في أن هناك
مجموعة من البنات ورجلاً في عنوان واحد، أي يحمل الذكر والأنثى في جملة
واحدة، أما عن التقسيم الجندري فهو يرتكز على وظيفتين أساسيتين وهما
(الأبوة، البنوة) حيث يعطي العنوان وظيفة للبنات كونهن أبناء، ويعطي وظيفة
لعبدالرحمن كونه أب، وهي وظائف تقليدية للجنسين، ويبقى اسم العلم للذكر،
والبنات هن الاسم الأشمل غير محدد العدد ولا التفاصيل.
بدأت فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته
الـ43، وداخل المسابقة الرسمية لهذه الدورة، يشارك فيلم "بنات عبدالرحمن"
كعرض عالمي أول، وهو من بطولة "صبا مبارك، حنان الحلو، فرح بسيسو، ومريم
الباشا"، ومن تأليف وإخراج الأردني زين أبو حمدان
ليكون بذلك اسم الفيلم ممهداً قوياً لتوضيح أن حياة هؤلاء
البنات تحيا داخل مجتمع ذكوري بامتياز.
ملخص أحداث الفيلم
تدور أحداث الفيلم حول 4 بنات للأب عبدالرحمن وهن "آمال،
زينب، سماح وختام"، تعيش كل منهن حياة منفصلة عن الأخرى وعن الأب، بخلاف
زينب الوحيدة التي تسكن مع الأب عبدالرحمن، وترعاه لكبر سنه، ما يضطرها
للتفرغ الكامل له واتخاذ قرار العيش بدون زواج من أجل الأب، على عكس باقي
البنات التي تعيش كل منهن مع رجل.
فآمال ربة منزل ترتدي نقاباً، متزوجة من رجل متشدد في
أفكاره، وأم لولد وبنت، بينما سماح سيدة أعمال ثرية تهتم بمظهرها وشعرها
وملابسها، متزوجة من رجل أعمال ثري، والأخيرة ختام، وهي أصغر البنات سناً،
اختارت أن تخلع حجابها وتعيش مع رجل دون زواج، تسببت فعلتها في قطيعة كبيرة
بينها وبين الأب والأخوات.
تدور أحداث فيلم "بنات عبد الرحمن" حول 4 بنات للأب
عبدالرحمن وهن "آمال، زينب، سماح وختام"، تعيش كل منهن حياة منفصلة عن
الأخرى وعن الأب، بخلاف زينب الوحيدة التي تسكن مع الأب عبدالرحمن، وترعاه
لكبر سنه.
تبدأ أحداث الفيلم بمرور سريع على حياة كل منهن، بينما
تتصاعد الأحداث بشكل فعلي منذ لحظة لقاء البنات الأربع مع بعضهن البعض بعد
انفصال سنوات، والسبب هو اختفاء الأب فجأة.
ثيمة مُكرّرة تحمل في جعبتها قضايا نسوية عديدة
المجيء بشخصيات مختلفة الاتجاهات والمعتقدات على كافة
المستويات الفكرية والشكلية وجمعهم في موقف واحد يضطرهم للتعامل مع بعضهم
البعض لوقت طويل، هو خط درامي مكرر، كثيراً ما شاهدناه، ويعتمد تكراره على
كونه مضمون الربح بلا شك، فذلك الاختلاف يعتبر قماشة رحبة للغاية تساهم في
ولادة العديد من المواقف الدرامية والصراعات والمشكلات التي لا حصر لها.
ولكن طريقة جمعهم هي التي تميز عملاً عن آخر، فكونها فكرة
مكررة هذا لا يعني إنه لا يمكن الابتكار بها، ولكن مع الأسف لجأ الفيلم
لحيلة ضعيفة لجمع الشخصيات المختلفة في موقف واحد، وكان السبب هو "غياب
الأب" عبدالرحمن، لأنه يعاني من النسيان بين الحين والآخر بسبب تقدمه في
السن، وهو أمر مكرر أيضاً لا جديد فيه، ما يجعل الثيمة العامة مُستهلكة إلى
حد كبير.
ولكن على الرغم من ذلك استطاع الفيلم أن يتطرق لمشكلات
تعاني منها النساء في المنطقة العربية بشكل عام، ومن بينها شكل الملابس،
وحكم الناس على الفتاة عن طريق ملابسها، وكلام الناس عنها بصفة عامة، وما
تتعرّض له الفتاة من مضايقات ومعاكسات وتحرش لفظي وبصري، كما أنه ذهب
لمشكلة الزواج المبكر، وحرية الأنثى في شكلها وجسدها وطريقة حياتها في
اختيار الشريك، سواء بالزواج أو العيش معه بدون زواج.
وعلى الرغم من أن القضايا المطروحة بها تفاصيل هامة تُحدث
تشابكات ومشاحنات بين الشخصيات، إلا أن السؤال الأهم هنا: كيف تم الطرح؟
اضطراب الأدوات الكتابية و الإخراجية
في مرحلة التمهيد الأولية للشخصيات بدأت الهموم تظهر لكل
شخصية من البنات، ويعتبر أول همّ بدأ في الظهور هو همّ شخصية زينب التي
تعول الأب وتعمل خيّاطة لأهل المنطقة، وينكشف سرها عن طريق اللغة
السينمائية البصرية في تفاصيل الصورة المطروحة، بداية من جمعها لقصاصات
فساتين العرائس، وحتى فضولها في تجربة ارتداء فستان عروسة من بين عرائس
المنطقة.
تطرق الفيلم لمشكلات تعاني منها النساء في المنطقة العربية،
ومن بينها شكل الملابس، وحكم الناس على الفتاة من طريق لباسها، وكلام الناس
عنها، وما تتعرّض له الفتاة من تحرش لفظي وبصري، كما أنه ذهب لمشكلة الزواج
المبكر، وحرية الأنثى في شكلها وجسدها وطريقة حياتها
وكذلك هو الحال في الكشف عن جانب من هموم آمال عن طريق
الحوار بينها وبين طفلتها أثناء تحذيرها لها بألا يظهر من شعرها ولو شعرة
واحدة خوفاً من الزوج، زوج آمال، ما يمهّد لوجود أزمة عند هذه الشخصية، وهي
فرض سيطرة الرجل عليها.
وكذلك شخصية سماح التي يظهر من خلال حواراتها في البداية
أنها تراقب زوجها وتشك في سلوكه دون معرفة الأسباب، وأخيراً ختام التي
يُذكر اسمها في الكثير من الجمل الحوارية بين الأب وزينب لشرح أسباب
مقاطعته لها.
ذلك على مستوى الحوار، أما عن دور الإخراج في مرحلة
التمهيد، فقد تم استخدام أدوات سينمائية بسيطة للغاية، لتوضيح الاختلاف
القائم بين الشخصيات، فضلاً عن شكل الملابس وطريقة الكلام لكل منهن، فجاء
بلقطات عامة في كثير من الأحيان، تبرز معالم المكان وهن بداخله مختلفات في
المظهر وطريقة والوقفات وشكل الأجسام والحركات.
كما استخدم أيضاً لقطات قريبة تتبع أحذية كل منهن، كاشفة عن
الحذاء المساوي للأرض للأم ممتلئة الجسم وهي آمال، والكعب العالي لصاحبة
الجسم الرشيق وهي سماح، و"الكوتش" للمرأة العملية العقلانية التي اختارت
حياتها بالشكل الذي يناسبها ورمت بكلام الناس والأهل عرض الحائط، وهي ختام.
ومع تتابع الأحداث والخروج من مرحلة التمهيد لمرحلة الصراع
وذروته، بدأ السيناريو يأخذ منحى مسرحياً، به العديد من المونولوجات التي
تكشف عن الهموم الأخرى المستترة داخل كل شخصية، ويتحول الموضوع لشكل خطابي
مباشر، بعد أن كانت المشكلات والهموم تعرض في شكل حواري غير مباشر.
أصبح الحوار عبارة عن مشادات كلامية، والمكنونات النفسية لا
تعيرها الصورة قدراً كافياً من الاهتمام لتوضحها بعناصر سينمائية، كان في
يد المخرج أن يستخدمها لكشف بواطن الشخصيات، ولكنه اختار الطريق الأسهل في
الخطابة والمونولوج الصريح، وهذا لا يعني أن فن المسرح بالضرورة هو فن
مباشر، بل على النقيض، فالكلمة في فن المسرح هي ركيزته الأساسية، وبالتالي
يسمح بوجود "المونولوج" ومن ثم تساهم جميع العناصر الأخرى في بلورته، كما
يتنوع فيه المونولوج بين الصريح والداخلي.
وذلك يعود لكونهما وسائط مختلفة العناصر والمفردات، ففن
السينما له مفردات مختلفة ناطقة، دون كلمات بين زوايا ولقطات وإضاءة
وتكوينات تأتي لتصنع توازناً مع الكلمة، لتطرح الإشكالية بشكل له طابعه
الخاص، لذا فاللجوء للمونولوجات الكثيرة هو أمر يؤكد على أن صناع الفيلم لم
يكونوا على دراية كافية بكيفية تطويع الأدوات السينمائية لتوصيل المعنى.
القضية نسوية والكاتب رجل
الفارق بين الكتابة النسوية والكتابة النسائية هو فارق هام
للغاية، يكمن سره في أن الكتابة النسائية تقتصر فقط على أن تكتب المرأة
وفقط، تكتب أي شيء كان وأي قضية كانت، أمّا الكتابة النسوية فكتابة محتوى
يحمل نزعة أو وجهة نظر أنثوية من أي جنس كان، لذا فنحن الآن بصدد فيلم يصنف
في كتابته كفيلم نسوي وليس نسائي، لأن مؤلفه رجل، وبالتالي فهو فيلم يعبر
عن وجهة نظر رجل بلا شك.
وعلى الرغم من محاولات الرجل/ الكاتب والمخرج في تقديم تلك
القضايا النسوية الهامة، إلا إنه استخدم أسلوباً سطحياً للطرح كما تم
الذكر، وذلك يعني عدم تعمقه بالقدر الكافي في نفس المرأة، فالمرأة وما
تحمله من هموم كانت تحتاج لجهد أكبر من ذلك لتوضيح أزماتها، دون اللجوء
للصراخ والبكاء والخطابية.
وهذا لا يعني بالضرورة أنه لجأ إلى هذه الحيلة لكونه رجلاً،
بل لأنه مخرج وكاتب يفتقر الأدوات في المقام الأول، أو ربما لأنه يتبع
الأسلوب الأسهل الذي يخاطب الجمهور بشكل مباشر مضمون الوصول والتعاطف، ولكن
التركيز على كونه رجلاً هو أمر في غاية الأهمية أيضاً، لأنه ربما لم يعِ
بشكل كلي مدى عمق المشكلة، حتى يطرحها بدقة تظهر تفاصيلها وأبعادها
الحقيقية. |