مع إسدال الستار على مهرجان برلين الدولي الضخم، ترفع عن الاستعدادات
الجارية لدورة أخرى وجديدة من مهرجان “كان” السينمائي الدولي الذي سينطلق
في الثاني عشر من مايو/ايار المقبل حتى الثالث والعشرين منه .
هناك نوعان من الأفلام التي تلتحق بالمهرجانات الدولية الكبيرة
الثلاث: “كان” و”برلين” و”فينيسيا” . النوع الأول هو ذاك الذي ينتظر حدوث
المهرجان الذي يراه المخرج وشركة الإنتاج مناسباً للاشتراك، والنوع الثاني
هو ذاك الذي تفوته فرصة المهرجان القريب فيتطلّع الى اللاحق .
في هذا المجال نجد أن العديد من الأفلام التي كانت تريد الالتحاق
بمهرجان برلين لم تُنجز في الموعد الذي يسمح لها بذلك، لهذا فهي الآن
مرشّحة لدخول المهرجان الفرنسي، وتلك التي لن تكون جاهزة لدخول المهرجان
الفرنسي ستنتظر شهر سبتمبر/ايلول المقبل لدخول مهرجان فينيسيا، ثم الخيار
الثالث بالطبع يقع ما بين المهرجان الإيطالي والفرنسي والألماني، وعلى
السياق نفسه .
تبعاً لذلك، فإن العديد من الأفلام ذات الصبغة الفنيّة التي لم تعرض
في “برلين” باتت الآن مرشّحة على نحو شبه مؤكد لدخول مسابقة “كان”، او -على
الأقل- للعرض الرسمي في دورته المقبلة التي ستحمل الرقم 63 .
في طليعة هذه الأفلام الفيلم الجديد للمخرج رشيد بوشارب “خارج
القانون” . بعد استقبال معتدل لفيلمه الأخير “نهر لندن” يعود المخرج ذو
الأصل الجزائري الى نوعية الإنتاجات التي أطلقت شهرته قبل ثلاثة أعوام حين
حقق “أيام المجد” . الفيلم الجديد يدور حول حرب الاستقلال الجزائري (في حين
دار الفيلم الأسبق حول مساهمة المحاربين الجزائريين في تحرير فرنسا من
الاحتلال الألماني) . وكما في “أيام المجد” فإن البطولة جامعة يؤمنها كل من
جميل دبّوس، رشدي زم وسامي بوعجيلة .
بوشارب لن يكون العربي الوحيد في هذه الأجواء الاحتفالية إذا ما انضم
إلى العروض المنتظرة المخرج عبداللطيف قشيش، الذي نال نجاحاً عالمياً
كبيراً حين قدّم قبل عامين فيلم “كُسكُس بالسمك”، وينجز حالياً “فينوس
الأسود” . وفي حين أن فيلمه السابق تعامل مع شخصيات جزائرية مهاجرة، يعود
قشيش هنا الى التاريخ الفرنسي الكامل مستعرضاً دراما يتولّاها كل من
أوليفييه غورميه وأندريه جاكوبس .
أيضاً من بين الإنتاجات الفرنسية المنتظرة فيلم جديد يشترك المخرج
الفرنسي المعروف جان-لوك جودار بإخراجه لجانب عدد من السينمائيين من بينهم
فابريس أرانو وآن ماري ميفيل، وهو مأخوذ عن رواية بعنوان “الستّة من الستة
ملايين” . وهذه هي المرّة الأولى التي يتعاطى فيها جودار مع موضوع
“الهولوكوست” ومن المنتظر أن يثير الفيلم ردات فعل كون جودار معروف بتأييده
للجانب الفلسطيني في صراعه مع الكيان المغتصب .
من روسيا يعود المخرج المعروف نيكيتا ميخالكوف الى حاضرة المهرجان
الفرنسي بفيلم يعتبره جزءاً ثانياً من فيلمه السابق “حرقته الشمس” الذي كان
نال في 1994 جائزة لجنة التحكيم الخاصّة في المهرجان ذاته ونال في العام
التالي أوسكار أفضل فيلم أجنبي .
الفيلم الذي صور بين روسيا وألمانيا وتقع أحداثه خلال الحرب العالمية
الثانية يتولاه ميخالكوف في الدور الرئيسي، كما كان حال الفيلم السابق .
والبريطانيان الأكثر نشاطاً مايك لي وستيفن فريرز لديهما فيلمان في
طور الإنجاز . فيلم مايك لي، وعنوانه “سنة أخرى” من بطولة جيم برودبنت
وإميلدا ستاونتون، أما فيلم فريرز فهو اتامارا دروب فتقود بطولة جيما
أرترتون . كل من لي وفريرز يشتغلان بميزانيات صغيرة وسبق لكل منهما أن شارك
في دورات المهرجان السابقة .
صوفيا كوبولا وجودي فوستر مخرجتان أمريكيتان موعودتان بطلّة على
المهرجان الفرنسي . الأولى عبر فيلمها الجديد “مكان ما” والثانية عبر
فيلمها الجديد “السمّور” . في الأول سنجد بينيسيو دل تورو في دور ممثل
هوليوودي عليه أن يمنح ابنته ذات العشر سنوات جزءاً من وقته متخلياً عن
انانيّته . في الثاني، سنرى ميل جيبسون يدور حاملاً دمية على شكل حيوان
السمّور يحادثها طيلة الوقت مع جودي فوستر في دور المرأة التي تحاول البحث
عن سبب جنونه .
إليهما سينضم على الأغلب المخرج وودي ألن الذي أنجز تصوير فيلمه
الجديد “ستقابلين غريباً طويلاً داكناً” وهو جمع، كعادته، عدداً كبيراً من
النجوم من بينهم ناوومي واتس، انطوني هوبكنز، وجوش برولين وأنطونيو
بانديراس
جيرار ديبارديو بين "دوما"
والدراجة
حسب “دوما” الفيلم الفرنسي الجديد الذي يبدأ عرضه في الأسبوع الماضي
مسجّلاً إقبالاً معتدلاً، فإن الكاتب الفرنسي الأشهر ألكسندر دوما لم يكتب
كل رواياته، بل أسند عدداً منها الى “كاتب شبح” . الفيلم من إخراج صافي
نبّو وبطولة جيرار ديبارديو (في دور الكاتب)، وبنوا بولفيورد وميلاني تييري
دومونيك بلانش .
“دوما” لا يكترث لطرح قضايا أدبية أو للبحث عن الأسباب التي دفعت دوما الى
الاستعانة بكاتب يكتب له أعماله (إذا ما حدث ذلك فعلاً)، بل يستغل الموقف
لكي يتناول صراع الكاتب مع “شبحه” على قلب لمرأة جميلة (تييري) في حكاية
رومانسية معالجة بعناصر العمل القريب من طروحات البرامج والأفلام
التلفزيونية .
الفيلم مقتبس من مسرحية قدمها نبو وكاتبه جيل توران قبل عامين على
الخشبة الفرنسية ويفتح الفيلم قصّته على الكاتبين دوما وماكيه (بنوا
بوليفورد) وهما يصلان بالقارب الى بلدة تروفيل لاستكمال العمل على رواية
جديدة بعنوان “Vicomte
De Bragelonne” .
يتناوب الاثنان على العمل . في الليل يأوى دوما الى النوم، بينما يسهر
جيل للكتابة . في النهار يقوم دوما بمراجعة ما كتبه زميله وينقّحه .
المنوال يكاد أن يستمر هكذا لولا تقدّم فتاة شابّة من جيل معتقدة أنه
ألكسندر دوما والطلب منه التدخّل لدى السلطات لإخلاء سبيل والدها المسجون .
جيل لا يذكر لها أنه ليس ألكسندر دوما لأنه بهت بجمالها ووقع في أسره هذا،
مع أنه متزوّج من كارولين (كاثرين موشيه) . حين عودة دوما وجيل الى باريس،
يواصل الثاني عمله في الخفاء محاولاً إقناع عشيقة الأول (تقوم بها دومونيك
بلانش)، بالتدخل لدى دوما لكي يتدخّل بدوره لإطلاق سراح والد الفتاة التي
وقع في هواها . هذا بالطبع قبل أن تكتشف الفتاة أن جيل ليس دوما وتنهار
حلقات الخداع الذي خاطها لا جيل وحده بل الفيلم أيضاً في نصف الساعة الأخير
.
المخرج نبو في ثالث أفلامه لا يريد إبراز المرحلة التاريخية على
القصّة العاطفية ذاتها، وربما هذا هو السبب الذي دفعه لتصوير الفيلم
بكاميرا محمولة علماً بأن ذلك يعمل ضد الفيلم وليس لصالحه . هذا هو ثاني
فيلم حديث للممثل ديبارديو، إذ يظهر في فيلم آخر عنوانه “ماموث” يختلف
كلّياً عن الأول في موضوعه كما في معالجته . الفيلم من إخراج الثنائي بنوا
ديليبين وجوستاف كرفرن ويدور حول ذلك الرجل البدين (ديبارديو) الذي عليه
جمع أوراق عقود أعماله السابقة لتفادي السقوط في فجوة قانون الضرائب بعدما
وجد نفسه عاطلاً عن العمل . ينطلق بدراجته النارية وينتقل من موقع الى آخر
ليكتشف أن المسألة أكثر صعوبة مما اعتقد .
فيلم “ماموث”، افتراضياً على الأقل، كوميديا تحاول وضع تصوّر لحياة
رجل ينتقل لما بعد منتصف العمر من دون مستقبل، وكما يكتشف بطل الفيلم، من
دون ماض يمكن أن يتباهى به . ماموث هو اسم دراجته النارية القديمة التي
ينطلق فوقها والرحلة تأخذه لمواجهة بينه وبين الجميع بما في ذلك الغربة
الثقافية والاجتماعية المحيطة به .
ما يفترض به أن يكون كوميدياً يتبلور على الشاشة دراما . مادّة جادّة
ومعالجة مخرجيه كذلك ما لا يسمح للفيلم بأن يرتاح او يلهو، لكن السيناريو،
على رصانته يحوي عدداً من المفارقات والشخصيات المثيرة للاهتمام . هناك
شخصية ديبارديو نفسه (ثقيل الوزن وثقيل الأداء أيضاً) كما هناك شخصية زوجته
المتذمّرة (يولندا مورو) ثم شخصية أول حب صادفه في حياته (كما تؤديها
ايزابيل أدجياني) . بعودته الى حبّه الأول، يدخل هذا الرجل المعدم نفق
التغيير الذي كان ينتظره . إنه لا يحب زوجته، ولا يحب حتى شخصيّته ولا يعرف
الحب أساساً . اللقاء المتجدد (عبر الذاكرة أولاً) يحوّله الى إنسان يتنشّق
الشعر ويتعرّف الى جزء من حياته كان اعتقد أنه لن يعود .
يبلغ ديبارديو من العمر 61 سنة، لكنه لا يزال وجهاً مألوفاً (وربما
محبوباً) في السينما الفرنسية . الى جانب هذين الفيلمين ظهر في ثلاثة أفلام
في العام الماضي ولديه ستة مشاريع أخرى في مراحل إنتاجية مختلفة .
علامات
سميح قبلانوغلو
أنجز المخرج التركي سميح قبلانوغلو انتصاراً شخصياً وتركياً بانتزاعه
جائزة “الدب الذهبي” الأحد الماضي من بين أيدي منافسين كُثُر في مسابقة
مهرجان برلين السينمائي الأخير، عن فيلمه الخامس “عسل”.
المخرج غير المعروف عالمياً قدّم داخل المسابقة فيلماً إنسانياً
مبنياً على تأمل في حياة عائلة تركية تعيش في قرية تعتاش على جمع العسل من
أشجار المنطقة الجبلية العالية . الفيلم ينقل ما يحدث من وجهة نظر المراقب
(المشاهد نفسه) عبر قراءة موقف ووجهة نظر الطفل الوحيد للعائلة وهو يرقب ما
يحدث حوله ويعاني من الوحدة وصعوبة التأقلم مع متطلّبات غياب والده
المفاجىء حين غاب عميقاً في تلك الغابات بحثاً عن خلايا النحل ولم يعد .
المخرج وٌلد في 1963 في مدينة أزمير وتخرّج في معهد الفنون الرفيعة في
جامعة داكوز أيلول في المدينة ذاتها قبل أن يكتب المسرحيات ثم يعمل في حقل
الإعلانات كاتباً .
في منتصف الثمانينات من القرن الماضي بدأ اهتمامه بالسينما وأخذ يكتب
القصص السينمائية والمقالات، ثم بدأ العمل مخرجاً في مطلع العقد الحالي،
فقدّم فيلمه الأول “بعيداً عن البيت” الذي وصفه البعض بأنه أفضل فيلم أول
منذ سنوات . هذه الدراما نالت جوائز مختلفة من مهرجاني أنقرة واسطنبول في
تركيا كما في مهرجان سينغابور الدولي سنة 2002 .
بعده أنجز “سقوط الملاك” سنة 2005 وهذا جال مهرجانات أكثر (من بينها
نانت الفرنسي وورسو البولندي وثيسالونيكي اليوناني)، وجمع حفنة من الجوائز
الأخرى من بينها جائزة ذهبية من مهرجان نانت للقارات الثلاث .
في 2007 أنجز الفيلم الأول من الثلاثية . عنوانه “بيضة” والثاني
عنوانه “حليب” وثالث الثلاثية هو فيلمه الجديد “عسل” وفيها جميعاً يرصد
الحياة النائية والبيئة المتوحّدة التي يعيش فيها أناس هم جزء قريب من
أوروبا ومختلف عنه تماماً .
المثير في أفلام قبلانغولو أنه يحوّل الكاميرا الى عينين ترقبان كل
تفاصيل الحياة كما يستخدم الصوت لنقل الجزء غير المرئي من تلك الحياة .
مشاهده الطبيعية آسرة: سقوط المطر، وجريان النهر، والأشجار الباسقة،
وانعكاس الشمس عليها أو دكانة الظلال في الغابة، وأصوات العصافير، وصياح
الديك، وكل شيء وأي شيء . بالإضافة الى ذلك، فإن الفيلم يعكس ذلك الإيمان
الإسلامي العميق الذي يتبلور بتصوير إبداع الخالق سبحانه وتعالى وقراءة
الحديث الشريف أو مشاهدة صلاة الأب في غرفة بيته . هذه الانعكاسات التي
نراها غائبة عن الأفلام العربية الا إذا صاحبتها دعوات وخطابات مباشرة . في
فيلم قبلانوغلو، الإسلام مصاغ على نحو راشد ملتحم بالطبيعة والبيئة لأنه
كذلك بالفعل .
إنه فيلم أعجب رئيس لجنة التحكيم المخرج الألماني رنر هرتزوغ لدرجة
أنه فضّله على فيلم المخرج رومان بولانسكي، رغم عراقة ذلك الثاني وتاريخه
الطويل .
م .ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الشرق في
28/02/2010 |