حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

رحيل الكاتب أسامة أنور عكاشة

 

إقرأ حواراً طويلاً مع الراحل عكاشة نشر في جريدة العربي المصرية بتاريخ 20 مايو 2010 ولم يذكر اسم المحاور.. يكشف عن فكر وأسلوب عكاشة الفكري والفني.

أسامة أنور عكاشة..

أسامة أنور عكاشة أكثر من مشروع ابداعى، وتظل ابداعاته شاهدة على أكثر من عصر وأكثر من تحول تقف فى أعماله على تلك الخلطة السحرية التى تجمع بين الأدبى والفلسفى والسياسى والتاريخى كتب أسامة دراما الرأى والموقف والتأمل والتحليل دراما الإنسان الخارجة من لحم الحياة. كتب الدراما والقصة القصيرة التى بدأ بها مسيرته وكتب الرواية والمسرحية والمقال كتب فى الحب المجهض إزاء قيم التوحش وكتب عن الهوية التى باتت غير قادرة على صد الاختراق، وكتب عن مافيا الفساد المستورين، وعن الهم العربى، كتب عن أوجاع مصر وأوجاع العرب وكتب عن الاستبداد والمقهورين فى الحياة ودق ناقوس الخطر لضياع دور مصر وريادتها وكتب عن الرأسمالية الجديدة وصراع الأجيال وغير ذلك كثير ومن المجموعات القصصية القصيرة لأسامة أنور عكاشة خارج الدنيا ومقاطع من أغنية قديمة ومن رواياته منخفض الهند الموسمى وأحلام فى برج بابل ووهج الصيف وله كتب منها أوراق مسافر وتباريح خريف وهمس البحر وأحدث رواياته تلك الأيام.ومن أشهر أعماله الدرامية ليالى الحلمية وأنا وأنت وبابا فى المشمش وزيزينيا وأرابيسك وأبو العلا البشرى، وامرأة من زمن الحب والمشربية والشهد والدموع وعصفور النار وقال البحر وكان لنا معه هذا اللقاء بين السياسة والكتابة.

 

·     كانت هناك مصادفة وراء دخولك مجال الدراما، حيث إنك كاتب قصة قصيرة ورواية بالأساس، وكان الروائى سليمان فياض وراء اكتشافك ككاتب دراما وعلى حد تعبيرك أنك كتبت قصة قصيرة فالتفت إليها القليلون وبمجرد كتابتك سهرة تليفزيونية احتفى بك الجميع، فلنتحدث عن هذه المفارقة؟

- هذا حدث بالفعل وقد مثل نقطة تحول فى حياتى وقبلها لم تكن لى أية علاقة بالتليفزيون من قريب أو بعيد والقصة تبدأ بأن حصل سليمان فياض على مجموعة قصصية لى وأعد إحدى القصص فى شكل سهرة تليفزيونية وبعد ذلك بعام اختار كرم النجار قصة أخرى من المجموعة بعنوان الإنسان والحبل وقدمها فى شكل سهرة تليفزيونية بعد ذلك قيل لى لماذا لا تكتب أنت السيناريو مباشرة ففعلت وكانت كلمة سيناريو بالنسبة لى تبدو كلمة غامضة. - هناك أعمال عالمية استهوتك ولعلى أذكر منها مثلاً دون كيشوت إذ وقفنا على الظلال الفكرية لهذا العمل فى مسلسل فى أبوالعلا البشرى والفارس الأخير وعابر سبيل. لم أكن متأثرا بهذا العمل من حيث بنيته الفكرية أو الفنية ولكن ما أعجبنى فيه ووجدتنى مدفوعاًَ بالتعبير عنه فى العمل هو تيمة الفروسية وأن يكون هناك فارس فى زمن لم يؤمن بالفروسية وإنما ينظر للمفهوم على أنه مجرد إيقونة وأنتيكا وأن يوجد فارس كهذا فى الزمن الخطأ فستكون النتيجة مأساوية.

·     كان قد تم ترشيحك لكتابة عمل عن حرب أكتوبر غير أن المشروع قد تعثر، وبدأت الصحافة القومية تشن عليك حملة شعواء، ثم توقف المشروع كلية، فهل توقف لأن ما طلب منك كان ضد رؤيتك؟

- لقد كنت سعيداً جداً بهذا المشروع وأرسلت لى القوات المسلحة وأفادونى أنه لا أحد غيرى يمكن أن يقوم بهذه المهمة وشكلوا لجنة مؤلفة من عشرين قائداً من قواد حرب أكتوبر وعقدنا جلسات عمل استغرقت أسابيع، ولدى تسجيلات هذه الاجتماعات وكانت هذه الجلسات برئاسة المشير محمد على فهمى، فشعرت أنهم متحمسون، كما كنت متحمساً أيضاً حتى أن المشير طنطاوى قال لى.. اكتب اللى أنت عايزه ومن جانبى لم أشأ أن أنجز عملاً تسجيلياً أو وثائقياً وإنما ما تبادر لذهنى أدبيات عالمية عن الحرب مثل الحرب والسلام لتولستوى وبدأت أخطط كما أعلنت القوات المسلحة عن تعاقدها معى لكتابة فيلم عن حرب أكتوبر غير ان هذا الإعلان قد أقام الدنيا ولم يقعدها، وفوجئت بحملة شرسة بدأتها أخبار اليوم على مدى أسابيع استكتبت فيها الناس لكى يشتموا العبدلله وكان إبراهيم سعدة على رأس هذه الحملة وكان مفاد هذه الحملة ألاَّ تمكنوا هذا الرجل من العبث بتاريخ مصر، قالوا دا ناصرى وحايسرق نصر أكتوبر وينسبه لعبدالناصر، كما لو كانت حرب أكتوبر من أملاكى أو العزبة بتاعتى، سأعطيها لمن أريد كأن ليس هناك تاريخ وليست هناك وثائق.

·         وما سبب الانقلاب؟

- كانت الفكرة هى إخراجى من المشروع خاصة بعد ان صرحت أن البطل الحقيقى لحرب أكتوبر هو الإنسان المصرى والأسرة التى ظل أبناؤها فى الخنادق على جبهة القتال طيلة ست سنوات وأنا أعتبر أن هذا المواطن البسيط وراء كسبنا حرب أكتوبر وأول ما قلت هذا بدأت الحملة باتهامى بتجاهل السادات لكن مازال المشروع موجوداً ومعالجته موجودة والتسجيلات موجودة ولابد أن أكتب الحدث كما أراه ككاتب أولا.. غير ان المشكلة أننا مازلنا نعيش الزمن الذى يحكم فيه رجال أكتوبر وأنا ضد الأعمال الاحتفالية.

·         معنى ذلك أننا لو قررنا كتابة تاريخ أى مرحلة فإن ذلك لن يتحقق إلا برحيل كل رموز هذه المرحلة؟

- يا سيدى أنت تعرف أن تولستوى كتب الحرب والسلام بعد مرور 75 عاماً عليها، وما الذى يضيرنا أن نكتب عن حرب أكتوبر بعد رحيل أبطالها ورموزها، وماذا يضيرنا لو كتبنا قصص الناس البسطاء الذين كانوا وقود المعركة وأى كاتب ستعلن عنه الأقدار فيما بعد ستكون لديه فرصة أفضل وظرف أفضل.

·     فى برنامج سلمى الشماع نسهر سوا تحدثت عن الفنانات التائبات اللائى عدن إلى الفن وقيل انك تلقيت تهديداً هل هذا صحيح؟

- نعم تلقيت 300 ميل كلها تهديدات حتى أن الداخلية عرضت تعيين حراسة، وكانت سلمى الشماع قد ابلغتنى بوصول تهديدات، ولم تكن هذه هى المرة الأولى، ففى إثر أزمة مسلسل عمرو بن العاص، أحلوا دمى فى الزوايا والمساجد.

·         أين أفلامك بعد كتيبة الإعدام والهجامة وتحت الصفر ودماء على الأسفلت؟

- أنا اسمى هذه الأعمال.. أو زيارتى للسينما بالمهمة التى أردت انجازها، وقد انجزتها حيث أردت تبليغ رسالة وتوصيل فكرة عبر قالب فنى يليق بها ويستوعبها وانتهى الأمر لكن لا أعتقد أننى أكرر الزيارة لأن الموجود الآن من أفلام ليس له علاقة بالسينما سوى من استثناءات بسيطة جداً لن أتعامل مع سينما مثل اللمبى وبوحة وكلم ماما هناك أفلام جيدة مثل بحب السيما وسهر الليالى وملاكى إسكندرية، لكن كلها قطرة فى بحر من الهبوط.

·         لم يكن عملك المسرحى البحر بيضحك ليه فى مستوى قيمتك وقامتك فلماذا أقدمت على كتابته؟

- إذا ذهبت إلى روما فيجب أن تفعل ما يفعل الرومان لكننى ذهبت إلى روما.. حيث الكثير من الإغراءات، وقلت لماذا نترك جمهور القطاع الخاص للأعمال الهابطة ولماذا لا نقدم كوميديا جادة بحيث نحقق عنصريى الفرجة والفكر فاكتشفت بعد فوات الوقت أننى كنت أطارد خيط دخان إذ اكتشفت أن المطلوب فى القطاع الخاص هو كروكى مسرحى مجرد إطار داخله هلس وعرى ونكت ورقص.. وخلاص حرَّمت

·     الكثير من أعمالك بل معظمها جسدت هوساً بالإسكندرية والقاهرة القديمة ولم نجد حضوراً لبلدك الأصلى بمحافظة كفر الشيخ فى أعمالك؟

- أنا مشغول ومهموم بعمل أكتبه الآن اسمه المصراوية ومسرح أحداث هذا العمل يقع فى العب بتاعنا فى شمال الدلتا، وهذا العمل يبدأ منذ الحرب العالمية الأولى عام 1914 وهى منطقة زمنية لم يجترحها كاتب من قبل سواء على صعيد المكان أو الزمان، الذى يشير إلى بواكير عصر نهضة ومسرح أحداث هذا العمل فى كفر الشيخ ودسوق وبيلا والبرلس وصولاً للمنصورة ومروراً بالمدن الصغيرة حيث البيئة التى تجمع الصيادين والفلاحين وحيث المدينة المركزية فى هذا العمل هى تلك المدينة التى تجمع بين صيغتى الريف والحضر وهذه المنطقة كانت حلما قديما يراودنى وبهذه الرواية سأشعر أننى أعطيت كل ما عندى للتليفزيون.

·         وماذا بعد هذا العمل؟

- لقد سددت الفاتورة من صحتى والمصراوية عمل من العيار الثقيل وهو ملحمى الطابع ورغم شعورى بالتعب إلا أننى أشعر بالمتعة فى انجازه، وأنوى بعده أن أقوم باستراحة طويلة، أعود خلالها لحبى الأول القصة أولاً ثم الرواية، وما الحب إلا للحبيب الأول.

·         قلت قبل ذلك ان هوية مصر فى خطر وهى مستهدفة وقلت إنها تتعرض لهجمة وهابية؟

- لعله من المصادفة أن تسألنى هذا السؤال فيما أنا منخرط منذ يومين فى كتابة مقال اسمه الحملة الوهابية والفتح الثانى لمصر.. وأنا أرى أن هناك مخططا يتم تنفيذه على مراحل، وما يحدث لمصر الآن هو مد وهابى وغزو وهابى. لقد تأكدت عبر تاريخ طويل أن وسطية الإسلام واعتداله تأكدا فى مصر، فمصر لم تعرف التطرف وكل عقيدة جاءتها اصطبغت بصبغتها لأن العقلية المصرية كانت قادرة على تمثل وهضم أى عقيدة وثقافة وكانت قادرة على تكييف هذه المعتقدات دون الإخلال بها.. وفق نمط ثقافة مصر ووفق تراكم معرفى وتراثى سابق ووفق نمط واحتياجات حياة.

·         منذ متى بدأ الخلل يلحق بهذا الأمر منذ متى بدأ هذا الغزو وهذا التطرف؟

- منذ منتصف السبعينيات بدأت هذه الهجمة التى أعقبت حرب أكتوبر وارتفاع سعر النفط وأصبحت الدول الوهابية هى الأغنى، فتحولت بذلك إلى ملاذ للعمالة المصرية التى عملت هناك لسنوات وعادت متوهبنة حتى الأزهريون منهم لم يسلموا من هذا التأثير عادوا أيضا متوهبنين هؤلاء الأزهريون الذين كانوا رمز الاعتدال والوسطية والذين كانوا حائط الصد والأمان ضد أى تيارات دينية متطرفة أيضا لوثتهم أموال النفط الوهابية.وأصبح مشايخ الأزهر رسلا للوهابية واستبدلوا الزى الأزهرى، بالزى الوهابى فاصبحوا يرتدون الطاقية البيضاء والشال وهكذا فعل الشيخ الشعراوى فكان ذلك إيذاناً ببدء العصر الوهابى فى مصر ومن بعده الحجاب فى نفس الفترة اكتشف الناس أنه ليس هناك إسلام فى مصر فجاء شكرى مصطفى ووصف مصر بدار الجاهلية، وأن نساءها متبرجات ويجب أن يعدن لحظيرة الحشمة ومن جانبهم قد شجع الوهابيون هذا ودعموه بالمال والدعاة والشرائط وهؤلاء الدعاه الذين امتلأت بهم الفضائيات هم دعاة وهابية لا إسلام وجميعهم يدين بالولاء لأصحاب النعمة كل الفضائيات تروج للوهابيين باستثناء قنوات قليلة جداً مثل دريم والمحور.

·     قلت إن مشايخ الأزهر يدينون بالولاء لأصحاب النعمة، ولدينا علماء مهمون فى هيئة علمية مهمة وهى مجمع البحوث الإسلامية، فهل تأثر هؤلاء أيضا بالمد والمال الوهابى؟

- نعم بدليل فرض وصايتهم الوهابية حتى على الإبداع وحرية الرأى والكتابة وأصبحت هذه الحرية نهبة بين محامين مغمورين وقوانين الدولة الصارمة وجهات التوصية الدينية ومن بينها مجمع البحوث هذا، وها هم تراهم يلهجون بالثناء على بيان عبدالعزيز آل الشيخ الذى اتهم فيه فاروق حسنى وكل من يعارض الحجاب فى مصر ونحن نعلم أن رئيس الجمعية الشريعة هناك هو المرجع الأساسى لعلماء الأزهر، أنا لا أدافع عن فاروق حسنى ولكن كلنا فى خدمة هدف واحد هو حرية الرأى والتعبير.. الخلاصة أن الوهابيين يمهدون ويخططون لقيام حكومة وهابية طلبانية فى مصر.

·     طالما أشرت إلى أزمة الحجاب الأخيرة فقد لفت انتباهنا بشدة موقف أقطاب النظام السياسى المنتمين للحزب الوطنى وتضامنهم مع الإخوان كيف تفسر هذا الموقف؟

- هذا غباء سياسى، ممن تصوروا أنهم يزايدون على الإخوان، ولا يريدون أن يتركوا لهم الساحة، ففعلوا ما فعلوا وكأنهم يقولون للإخوان.. نحن وهابيون أكثر منكم، فإذا بالإخوان يتراجعون لكى يتركوا إخواننا إياهم بمفردهم فى الساحة ولك أن تعود لتصريح مهدى عاكف لديكم فى العربى حول القضية إذ قال: أزمة الحجاب تهريج وفاروق حسنى حر فيما يقوله بصراحة هذا الموقف من رموز الحزب الوطنى إنما يجسد خيبة أمل فى الممارسة السياسية.

·         وكأنك كنت تعول على الحزب الوطنى فى أن يقدم شيئاً ذا قيمة لمصر؟

- هو لا يمت للأحزاب الحقيقية بصلة إنما هو مجموعة من المنتفعين والمصلحجية وما فعلوا فى البداية تغزلاً فى الإخوان أو المشاعر الدينية كما قلت يدل على غباء وفراغ سياسى يعيشه هذا الحزب وعناصره، وهو المسئول عن هذا الفراغ السياسى الذى تعيشة مصر فلقد احتكر الحياة السياسية لصالحه لكنه عاد بمصر للوراء إلى عصور الاستبداد وفرغ الحياة السياسية فى مصر من مضمونها وجدواها وشل فاعليتها ومصر فى غيبة نظامها السياسى داخلة فى معركة غير متكافئة مع نفوذ وأموال الوهابيين، وأرى أن خطر إسرائيل أقل وأضعف من خطر الوهابيين على مصر لأن عدوك المباشر أنت تعرفه جيدا أما العدو الذى يتسرب لك من تحت ثيابك فهو أخطر، ذلك أن الوهابيين يعرفون أن المصريين شعب متدين بطبيعتهم، وهم يحاربوننا بسلاح مشاعرنا.

·         أشعر وكأن روايتك منخفض الهند الموسمى ترجمة مبكرة لآرائك حول المد الوهابى؟

- هى كذلك ولكن ليست بالشكل المباشر حيث تدور أحداثها فى فترة ما بعد الانفتاح وتضخم المد الوهابى وعودة طيورنا المهاجرة إلى الخليج محملين بهذا الفكر وبفكر يعلى من شأن المادة حيث يصبح المال هو القالب، حيث هو القشرة التى تخفى تحتها الكثير من الكوارث وهذا الطرح ستجده حاضراً فى عملى القادم المصراوية ذلك أن إحساساً ترسخ لدى بأن الشخصية المصرية فقدت خصوصيتها وانهارت كما تعرضت الثوابت الوطنية للفناء والضياع بين اتجاهات وافدة.

·         وهل أصبحت مصر على هذه الدرجة من الضعف، الذى أدى بكثيرين وعلى رأسهما السعودية لأن ينازعوها دورها فى المنطقة؟

- مصر أساساً فقدت دورها على جميع الأصعدة، ولم يعد لها دور أو حضور مؤثر فى محيطها العربى أو المشهد الدولى، وتحولت إلى دولة من الدرجة الثانية فى إفريقيا.

·         ومن المسئول عن هذا الضعف؟

- نظامها الذى تفنن فى تصفية حجم مصر ودورها.. النظام الذى أفقد شعبها بسياساته المختلفة ولقد تفنن فى إفقارها معرفياً وسياسياً ومالياً.

·         ولكن كيف تقيم دعاوى الإصلاح السياسى فى مصر؟

- هو إصلاح كلامى فقط، فبالطبع كما تعرف أنه تم الالتفاف التشريعى من قبل ترزية قوانين النظام على المادة 76، أما المادة 77 فقد علقت عليها لافتة كبيرة تقول لا مساس.

·     إذا ما حدثت انفراجة دستورية مفاجأة وتمت الدعوة لتغيير دستورى شامل، ففى تصورك أى الدساتير لدينا أكثر توافقاً مع متطلبات مصر السياسية، ولن يقتضى الكثير من التعديلات؟

- مسودة دستور 54 فهذا الدستور اعتبره أساساً قويا يمكن أن نصوغ عليه دستوراً جديداً ولعلنى انتهز الفرصة للدعوة لتأسيس جمعية تأسيسية متمثلة من كافة الأطياف السياسية لصياغة دستور جديد يتوافق مع المستجدات الداخلية والخارجية على أن يتم هذا بعيدا عن محامى الشيطان وبعيدا عن عبث مشرعى النظام.

·         وما رأيك فى تجديد دعوة مبارك لإلحاق تعديل بالتعديل الذى جرى للمادة 76؟

- سيكون أكثر سوءاً من التعديل السابق، لأنه لن يفارق غرضه الأساسى وهو التمكين للحزب الوطنى ووضع المعوقات ونفس الشروط التعجيزية لأى شخص يريد ترشيح نفسه للرئاسة وكل هذا التهريج السياسى يحدث لأن هناك حزب أغلبية أكثر ضرراً وخطرا من الحزب الوطنى وهو حزب المتفرجين وهو يمثل 77% من المصريين، وهذا الحزب لم تصوت منه سوى نسبة 23% فقط وما حدث فى الانتخابات الأخيرة هو تزوير لإرادة المصريين.

·     معنى هذا أنه لم يعد من الصواب ولم يعد بمقدورنا أن نعول على الشعب المصرى فى المطالبة بغد أفضل وإصلاح سياسى ودستورى حقيقى مادام هذا الشعب يمثل حزب الأغلبية أعنى حزب المتفرجين؟

- للأسف مصر تنطلق بسرعة الصاروخ إلى الفوضى، وهناك سيناريو متفائل إلى حد ما، وهو أن تقوم الأقدار بدورها، أو يفعل التاريخ فعلته والطبيعة تقوم بدورها حيث يجب أن ينتهى هذا النظام المعلق بشعرة ولا يمكن أن نقطع الأمل تماماً فى الشعب المصرى فهناك جذوة بداخله قد تكمن وتخمد لبعض الوقت لكنها جذوتها تتقد فى الأوقات الحالكة.

·         يعنى مازلت تعول على الشعب المصرى رغم مصطلحك هذا حزب الأغلبية؟

- لأننا لو عدمنا هذا الأمل سندفن أنفسنا أحياء.

·         بعد خطاب مبارك الأخير هل ترى أنه قطع فرض موضوع التوريث؟

- لا يمكن الوقوف على موقف ثابت لمبارك فهو مانع قبل ذلك فى إجراء تعديل دستورى لكنه عاد وطالب بتعديل بعض مواده، وقال قبل ذلك ما حدش يلوى دراعى بمعنى أنه لا يستجيب لأى ضغط إعلامى يمثل الرأى العام، ثم عاد وتحدث عن هذا الرأى العام ووضعه فى الاعتبار ونحن نتمنى الصحة لمبارك ويا حبذا وهو بيننا لو دخل بمصر إلى مرحلة انتقالية وأشرف على فكرة نقل السلطة لغيره ليجنب مصر التى يحبها أى مخاطر متوقعة لو ترك الأمر على هذا النحو للأقدار. وأتمنى أن يضع حلولا جذرية للمشاكل المزمنة التى تواجهها مصر فهذه المشاكل تتعاظم وتتعقد ولم تفلح أى حكومة من الحكومات التى أتى بها فى حل أى من هذه المشاكل والوضع يزداد سوءاً. نريد الرئيس مبارك بيننا رئيساً شرفيا وحارساً على مرحلة انتقالية ورئيساً دستوريا فقط على أن يكون الحكم الفعلى والسلطات الأكثر فى يد رئيس الوزراء. لكن فى خطابه الأخير يبدو أنه داخله قدر من عدم الاقتناع بفكرة التوريث.

·         تقول إن المشاكل لم يتم حلها وقد تعقدت وتعاظمت فهل نعيش عصر انحطاط عام؟

- نعم فى كل المناحى وعلى كل المستويات فى الاقتصاد والأدب والفن والسياسة والأخلاقيات وكل شيء.

·         فما ظلال هذا الانحطاط على الدراما المصرية؟

- كانت الدراما المصرية من أجمل المنتجات الإبداعية، وكان التليفزيون هو الراعى الرئيسى لتقديم خدمة درامية رفيعة للمشاهد وكان حريصا فى الحفاظ على الأداء الفنى الرفيع ثم حدث مستجد أن التليفزيون الذى كان أداة خدمية للناس نزل إلى السوق يتاجر فانتهت الرسالة والخدمة وحل محلها المتاجرة وأصبح أكبر همه فى التجارة والحصول على أكبر قدر من المال، وما أن بدأت فوضى الإعلانات حتى تورط فيها لأذنيه، ولم يعد مطلوباً نصوصا جيدة، فى مقابل الحرص على جلب نجم شباك للعمل الدرامى الذى - بدوره - يجلب أكبر قدر من الإعلانات.

·         كلامك يؤكد تفوق الدراما السورية ويضع مبرراً لهذا التفوق؟

- أنا معجب بالقفزة السورية فى مجال الدراما، وهذا أمر لا يحزننى بل يبهجنى، وربما سبب تفوقها أنهم يعملون بالقوانين والشروط التى كنا نعمل بها قديما حيث الاهتمام بالكيف لا الكم، حيث الاستشارة الآن، أصبحنا فى التليفزيون بنشتغل بالفهلوة وتسديد الخانات، وإذ لم نقم بوقفة مراجعة وحساب مع الذات سننهار حتماً انهياراً لا تعقبه قائمة أخرى ولابد أولاً أن نفصل بين الإعلام والدراما كخطوة أولى فى إصلاح حال الدرما المصرية.

·         لماذا يثير الزعيم جمال عبدالناصر أشجان الناس الآن حتى أننا وجدنا فى غير مظاهرة نقابية وجامعية ترفع صورته؟

- لأن عبدالناصر رمز عفة وشرف وفكرة وشعار ونموذج، فهو الداعى للاستقلال والبعد عن قوى الأحلاف ونحن الآن غارقون إلى ذقوننا فى التبعية، لأسوأ قوة فى العالم إلى بلطجى العالم أمريكا ونتلقى أوامرنا منها وعبدالناصر كان صاحب يد نظيفة وكذلك كان عهده ونحن الآن غارقون فى الفساد إلى ذقوننا وأزكمت رائحته أنوف الجميع وهذا الفساد توحش وتعاظم فى ظل النظام الحالى وبرعايته وحمايته وعبد الناصر كان رمز تحرر وطنى وقومى ولم يكن قابلاً للإفساد، حتى أنه لما حدث انحراف فى جهاز أمنى كبير حاكم المسئولين عنه، عبدالناصر اهتم بالفقير ورق لحاله الفقراء الآن يتزايد عددهم وتتزايد حالتهم سوءا لدرجة أنهم باعوا أطفالهم. والناس ترفع صورة عبدالناصر عملاً بمقولة الشاعر وفى الليلة الظلماء يفتقد البدر.

·     فى عملك عصفور النار بدا الأمر وكأنك تعرض لفكرة الحاكم المستبد العادل؟ وتبدو أعمالك الدرامية متزامنة فى الغالب مع مرحلة سياسية معينة أو مراجعة لمرحلة أخرى؟

- نعم لأنه كما قلت لك انه لا بد أن يكون للكاتب موقف ورؤية ودور توصيلى وتنويرى للجماهير، أما طرحى الدرامى فى عصفور النار فقد يتفق مع ما تقول بدرجة وأخرى وأنا أعتبر رأيك رأيا نقديا، لكن هناك خلفية أخرى أكثر اتساعا، إذ ناقشت فى هذا العمل كيف يفقد بلد شرفه إذ آثر الخرس وتعرض أهله لاعتقال الألسنة وكون أن صقر الحلوانى يشبه فى ملامحه حاكماً ما فهذا أمر اخر وإنما هو رمز للديكتاتور فى العموم وفى أى بلد وأى زمن فهو ديكتاتور يطرح مبررات لديكتاتوريته فهو أب يمتلك كل المقدرات.

·     هل نقف على هذه الخلفية السياسية فى الشهد والدموع ففى أحد العبارات ان الابن يريد تسلم المسئولية من ابيه وفى ليالى الحلمية أيضا بين البدرى الأب، والبدرى الابن؟

- هذه الفكرة بين العملين إنما هى تجسد مواجهة بين جيلين على القيادة والزعامة.. فالكاتب فى العموم تزعجه دائماً فكرة السلطة المؤبدة؟

·     فى سياق فكرة الهوية جاء عملاك أرابيسك وزيزينيا على خلفية انقسام وتشرذم المشهد العربى وما تتعرض له مصر من استهداف فى هويتها وفكرها ما ملابسات ميلاد العملين.. حيث نقف فى أرابيسك على دكتور ودكتورة قادمين من الخارج وينشغلان فى إقامة حوار بين الشرق والغرب، وفى زيزينيا نجد ماجدة الخطيب تقول ليحيى الفخرانى المصرى الإيطالى ان هويته كشرى؟

- القصة تبدأ من عاصفة الصحراء وانقسام العرب وقتها لفريق مع التحالف وآخر ضده أو مع صدام غير ان الغالبية كانت مع صدام ولقد أصاب التحالف الفكرة القومية فى مقتل، ففيها حدثت المواجهة بين جندى مصرى وآخر عربى وهذا أحدث خلخلة داخل الضمير المصرى هل نحن عرب حقا، وتلاحظ أنه قد ظهرت آنذاك النعرة الفرعونية كتعبير عن انهيار فكرة القومية والعروبة، وفى أرابيسك عاد المصريان الدكتور وزوجته من الخارج بعد إقامة طويلة هناك وأرادوا أن يحققوا ما يمكن تسميته بدمج ثقافتين لكن هذا فشل، وكان دلالته انهيار الفيلا أى انهيار القومية مما أحدث فراغاً فى فكرة الانتماء القومى.

·         وما الحقيقية التى وصلت إليها بشأن الهوية؟

- إننا عرب ثقافة ولسنا عرباً بالعرق كما أنك فى زيزينيا تقف على علاقة ال-أنا بالآخر بمعنى اختيار الهوية بتعريضها لفكرة الاخر، ولكنه آخر مختلف قادم للبقاء بيننا، فهل تغلب ثقافته على ثقافتنا.

·         ولأى ثقافة كانت الغلبة؟

- لم تكن الغلبة لأى منهما.. ولكن المعادلة الصحيحة تمثلت فى الأخذ والعطاء، كما أن المصريين كانوا قادرين حتى على تمصير الخواجات، ذلك أن المصرية قادرة على الاستيعاب وفرض قوانينها.

·     هناك صراع قيمى أيضا بين قيم الانفتاح الاستهلاكية وقيم الأصالة المعرفية والثقافية وقفنا عليه فى الراية ابيضاء بين المعلمة فضة المعداوى والسفير أبو الغار؟

- قصدت بالسفير أبو الغار فى العمل كل قيم الثقافة الرفيعة التى تمثل الزخم المصرى والفنى والمعرفى لمصر بروادها مثل محمود سعيد وسيد درويش وعبد الوهاب وغيرهم أما فضة المعداوى فهى شبيه القيم المتردية تلك الآفة التى تأتى على الأخضر واليابس من قيمنا العظيمة نموذج كده يشبه سعد الصغير والعمل يوضح ما يتعرض له الذوق المصرى الرفيع من انتهاك، وما حدث لقدرته على التذوق فى التفريق بين الغث والثمين أمام الهجمة السوقية.

العربي المصرية في

20/05/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)