حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثامن والستون

مهرجان فينيسيا السينمائي:

دورة الرعب، الدم والثورة

أمير العمري

تقام في الفترة بين 31 أغسطس و10 من سبتمبر القادم الدورة الثامنة والستين من مهرجان "فينيسيا" (البندقية) السينمائي الدولي، أعرق المهرجانات السينمائية وأحد أهم ثلاثة مهرجانات سينمائية في العالم.

يتكون برنامج المهرجان من عدة أقسام أهمها قسم المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة وتضم هذا العام 21 فيلما، ومرشح للانضمام إليها فيلم آخر يطلق عليه عادة "الفيلم المفاجأة"؛ وهناك بعد ذلك قسم "آفاق" ويضم 24 فيلما طويلا ما بين الروائي والتسجيلي، و28 فيلما قصيرا.

ويعرض في قسم "خارج المسابقة"  33 فيلما طويلا وقصيرا، من الأفلام التسجيلية والروائية، القديمة والحديثة.

ويأتي بعد ذلك قسم مخصص لعرض مختارات من الأفلام الايطالية القديمة منها والحديثة، ثم تظاهرة "أيام فينيسيا" الذي يشبه تظاهرة "نصف شهر المخرجين" في مهرجان "كان".

وهذه التظاهرة مستقلة عن المهرجان الرسمي لكنها تنظم بالتعاون معه، وبالتعاون بين اتحاد السينمائيين الايطاليين وعدد من المؤسسات الأخرى.

وينظم اتحاد نقاد السينما الايطاليين "أسبوع النقاد" ويعرض سبعة أفلام إضافة إلى فيلمي الافتتاح والختام.

المشاركة الأمريكية

إذا توقفنا قليلا أمام المسابقة الرسمية سنجد أنها تضم أربعة أفلام أمريكية من الانتاج الحديث؛ هذه  الأفلام هي "حقول تكساس القاتلة" من إخراج "آمي كانعان مان"، و"آخر يوم على الأرض" لـ /أبيل فيرارا، و"الحصان الأسود" لـ/توم سولوندز، وأخيرا "القاتل جو" لـ/ ويليام فريدكين.

المخرج المخضرم "وليم فريدكين" (76 سنة) صاحب "الرابطة الفرنسية"-1971 و"طارد الأرواح الشريرة" The Exorcist – 1973 يعود بفيلم جديد هو "القاتل جو" يروي قصة شاب يضطر إلى قتل والدته العجوز بسبب حاجته الشديدة إلى المال، في أجواء ربما تذكرنا بأجواء رواية ديستويفسكي العظيمة "الجريمة والعقاب".

أما فيلم "آخر يوم على الأرض" لـ/ أبيل فيرارا فيروي قصة درامية مثيرة عن اليوم الأخير قبل نهاية العالم بطولة: "وليم دافو" الذي سبق أن قام ببطولة فيلم "ضد المسيح" Antichrist للدنماركي "لارس فون ترايير".

والطريف أن "ترايير" قدم أحدث أفلامه "كآبة" Melancholia في مسابقة مهرجان "كان" الأخيرة، ويدور أيضا عن نهاية العالم وفي اليوم الأخير قبيل هذه النهاية.

ويبدو أن هناك تشابها من حيث الإطار العام بين الفيلمين، فالمؤكد الآن أن "فيرارا" شأنه شأن "فون ترايير"، لم يلجأ الى تصوير الانفجارات واندلاع الحرائق وفوران البراكين والزلازل والانهيارات التي يمكن أن تصاحب نهاية العالم، بل ركز على العلاقة بين زوج وزوجته في مسكنهما بنيويورك وقد قررا قطع كل ما يربطهما من علاقات تمهيدا لاستقبال النهاية، كما يركز أيضا على ردود فعل السكان، والهلع المكتوم الذي يسيطر عليهم، تماما كما كان الأمر في "كآبة".

منافسة بريطانية

داخل المسابقة أيضا تتنافس ثلاثة أفلام بريطانية، وهي أكبر مشاركة بريطانية من نوعها في مسابقة "فينيسيا" منذ عقود.

هذه الأفلام هي "المتجول"، "الخياط"، "الجندي" و"الجاسوس" من إخراج السويدي: "توماس ألفريدسون"، و"مرتفعات ويزرنج"   لـ/ أندريا أرنولد، و"العار" لـ/ ستيف ماكوين.

فيلم "توماس ألفريدسون" مأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه لسيد روايات الجاسوسية البريطاني "جون لوكاريه" (وهو اسم مستعار للكاتب ديفيد جون مور كورنويل- مواليد 1931، وصاحب الرواية الشهيرة "الجاسوس الذي أتى من الصقيع").

أما الفيلم الجديد فيعود بنا مرة أخرى إلى أجواء الحرب الباردة، فالرواية كتبت عام 1974، وبطلها خبير متقاعد في المخابرات الخارجية، يتم استدعاؤه للخدمة لتعقب جاسوس يعمل لحساب الاتحاد السوفيتي داخل جهاز المخابرات البريطانية.

وتعود المخرجة البريطانية "أندريا أرنولد" التي تألقت بفيلميها "الطريق الأحمر" ثم "حوض الأسماك" في مهرجان "كان"، بفيلم جديد مقتبس من الرواية الكلاسيكية الشهيرة "مرتفعات ويذرنج" لـ/ إميلي برونتي، تقدم فيها رؤيتها الخاصة للموضوع الذي سبق أن قدم كثيرا في السينما والتليفزيون.

مجزرة

ولعل من الأفلام المنتظرة كثيرا في "فينيسيا" هذا العام فيلم "مجزرة" Carnage  لـ/ رومان بولانسكي (يمثل فرنسا في المسابقة) وهو أول فيلم يخرجه بولانسكي منذ تعرضه للإعتقال ثم البقاء لمدة عام تقريبا محدد الاقامة في سويسرا، مهددا بالترحيل إلى الولايات المتحدة لمواجهة السجن بسبب ما اعتبر في 1978 جريمة اعتداء جنسي على فتاة قاصر قبل أن يفر "بولانسكي" من أمريكا ويلجأ إلى فرنسا.

و"بولانسكي" هو أرمل الممثلة الأمريكية "شارون تيت" التي ذبحت في منزلها بضواحي لوس أنجلوس على أيدي عصابة زعيم الهيبيز تشارلز مانسون في مذبحة بشعة راح ضحيتها عددا من الأشخاص في 1968؛ وكانت "شارون" حاملا من "بولانسكي" في ذلك الوقت، وعلى إثر ذلك كان أول فيلم يخرجه بعدها "قتلة مصاصي الدماء"- 1969 ثم فيلم "ماكبث"- 1971، وكلاهما يفيضان بحمامات من الدماء والرعب والخوف من العالم وما يمكن أن يخبئه لنا القدر، بدرجة تعكس إلى حدّ كبير التشوش الفكري الذي سيطر على "بولانسكي" (وكان وقتها في الثلاثين من عمره أو نحو ذلك).

أما "مجزرة" فهو مقتبس من مسرحية "إله حمام الدم" للكاتبة الإيرانية الأصل "ياسمينة رضا"، حصلت عام 2009 على جائزة توني لأحسن مسرحية في أمريكا؛ وتقوم بأدوار البطولة "كيت وينسليت" و"جودي فوستر"، و"كريستوف فالتز"، و"جون ريلي"، وتدور حول العلاقة بين زوجين من الأزواج تجمع بينهما ليلة من الرعب يتشاجر فيها أبناؤهما مشاجرة عنيفة، وما ينتج بعد ذلك من توتر وقلق؛ ولم تكشف الشركة المنتجة عن الحبكة بعد، وسيكون العرض في "فينيسيا" هو العرض العالمي الأول للفيلم الذي أنتجه سعيد بن سعيد (وهو فرنسي من أصل مغربي) الذي أنتج خلال عشر سنوات سبعة عشر (17) فيلما.

وإلى جانب هذا الفيلم تشارك فرنسا بفيلمين آخرين في المسابقة هما "دجاج بالخوخ" الذي يشترك في إخراجه "ماريان ساترابي" و"فنسنت بارونو"، وهما الثنائي الذي سبق أن قدم فيلم "الرسوم السياسي" المثير الذي فاز بإحدى جوائز مهرجان "كان" "برسيبوليس"، وفيلم "صيف حار" لـ/ فيليب جاريل.

المخرج الكندي المعروف بأفلامه "الغرائبية" "ديفيد كروننبرج" يعود بفيلم جديد بعنوان "طريقة خطرة" A Dangerous Method عن العلاقة بين "فرويد" وتلميذه "يونج".

وتعود إسرائيل إلى مسابقة "فينيسيا" هذا العام بفيلم "التبادل" للمخرج عيران كوليرين صاحب الفيلم الذي أثار ضجة كبرى قبل سنوات وهو فيلم "زيارة الفرقة الموسيقية"، ويقال أن الفيلم الجديد استكمال للفيلم السابق الذي كان يقدم صورة متخيلة لعلاقة تتجه نحو السلام بين المصريين والإسرائيليين؛ وجدير بالذكر في هذا السياق أن فيلم "لبنان" الإسرائيلي كان أول فيلم يحصل على جائزة الأسد الذهبي في مهرجان "فينيسيا" عام 2009.

العرب في المهرجان

تخلو المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة تماما من الأفلام العربية أو تلك التي أخرجها مخرجون عرب يقيمون ويعملون في أوروبا.

أما خارج المسابقة، فيعرض فيلم "التحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي" وهو فيلم تسجيلي طويل من إخراج ثلاثة من السينمائيين المصريين الشباب هم: تامر عزت، وآيتين أمين، وعمرو سلامة، ويعرض في اطار الاهتمام العالمي في المهرجانات السينمائية الكبيرة بالثورة المصرية، كما تقام بهذه المناسبة أيضا على هامش المهرجان ندوة لمناقشة علاقة السينما بالثورة في العالم العربي يشارك فيها نخبة من السينمائيين والنقاد منهم الناقد التونسي "حسونة المنصوري" وكاتب هذه السطور.

ومن سورية يعرض خارج المسابقة أيضا فيلمان قصيران يحملان عنوانين هما "النهاية" و"الطليعة" وهما من الإخراج الجماعي.

ومن سورية أيضا يعرض في قسم "آفاق" فيلم قصير بعنوان "حاضنة الشمس" للمخرج "عمار البيك".
 
أما في تظاهرة "أيام فينيسيا" (أيام سينما المؤلف) فسيعرض الفيلم الأول للمخرجة الفلسطينية "سوزان يوسف" وهو بعنوان "حبيبي راسك خربان" وهو من الإنتاج المشترك مع الإمارات وهولندا. وقد صور بالكامل في فلسطين، ويروي قصة طريفة تربط بين الحب والتاريخ والوضع السياسي الراهن، وموّل من التبرعات والهبات التي حصل عليها من مهرجانات في الخليج وهولندا.

ومن أهم الأفلام التي ستعرض خارج المسابقة أيضا فيلم جديد لـ: "ارمانو أولمي"، و"آل باتشينو" وفيلم من إخراج المغنية "مادونا" عن زواج الملك إدوارد الثامن من مسز/سمبسون المطلقة الأمريكية مما أدى إلى تنازله عن عرش بريطانيا في الثلاثينيات من القرن الماضي، وهذا هو الفيلم الثاني من إخراج "مادونا" وكان فيلمها الأول قد فشل فشلا ذريعا.

يفتتح المهرجان بفيلم "منتصف مارس" (خارج المسابقة) وهو فيلم دراما سياسية حول مرشح للرئاسة الأمريكية يطلق الكثير من الوعود الصاخبة، من إخراج النجم الشهير "جورج كلوني"، ويختتم المهرجان بفيلم "عائلة دامسل في محنة" للمخرج "ويت ستيلمان" من الولايات المتحدة.

يكرّم المهرجان الممثل الأمريكي (من أصل ايطالي) آل باتشينو ويمنحه جائزة الجدارة الثقافية، كما يكرم المخرج الأمريكي الراحل "نيكولاس راي" ويحتفل بمرور مائة عام على مولده (ولد عام 1911 وتوفي عام 1979 من جرّاء إصابته بالسرطان). ويعرض بهذه المناسبة فيلما تمت استعادته إلى صورته الأصلية هو فيلم "لا يمكننا العودة مرة أخرى"، كما يعرض فيلما تسجيليا طويلا من إخراج/ سوزان راي (زوجة المخرج الراحل) عن تجربة تصوير فيلم "لا يمكننا العودة".

الجزيرة الوثائقية في

11/08/2011

 

«مهرجان البندقية السينمائي» الثامن والستون

جواسيس ومكر سياسي.. وخمس مخرجات يكتسحن المسابقة

زياد الخزاعي  (البندقية) 

مرّة أخرى، ضَمنَ مدير الـ«موسترا الدولية لفنون السينما»، المعروف دولياً بـ«مهرجان البندقية السينمائي»، المنتج والناقد والناشط السينمائي ماركو مولر لعبة العروض لصالحه، وحقّق اختراقاً مُعتَبراً في حزمة المنافسة الرسمية للدورة الثامنة والستين، التي تُقام بين الواحد والثلاثين من آب الجاري والعاشر من أيلول المقبل. ذلك أن ما كشف عنه في برنامجها، دلّ على قوته داخل منظومة المنتجين والموزّعين الدوليين، وأهمّهم مخرجي الأفلام الذين أذنوا بحرب جديدة غير معلنة ضد هيمنة مهرجان «كانّ» الفرنسي، و«سياسة التريّث» التي تستخدمها إدارته، واشتراطاتها التي تعني تفويت فرصة مشاركتهم في أيٍّ من المهرجانات الأخرى، في حال عدم اختيار عناوينهم للتنافس. لا يشي الأمر بأن جبهة جديدة شُرِّعت في المشهدية السينمائية الأوروبية. فهذه قائمة منذ أمد. لكن الجليّ أن توزيع «الغنائم» أصبح قانوناً يُسيّد المهرجانات الكبيرة على منافساتها الجديدة المغامِرَة.

رهانات السينما

تأتي كلمة مولر، التي عممّها على الصفحة الإلكترونية الخاصّة بالمهرجان، والتي تُضَمّ لاحقاً إلى الـ«كاتالوغ» الضخم، لتذكّر ببيان زميله جيل جاكوب قبل أعوام حول «رهانات السينما»، التي أعاد صوغها قيصر الـ«ليدو» هذه المرّة على نحو يسبق «رغبتنا في تقديم وتيرة جديدة لمُشاهدة السينما، والتحريض على استعادة مغامرات العين، و(تقديم) مسارات كونية متنوّعة ومحسوبة للخيال»، مُنظِّراً بشأن علاقة السينما، التي ثوّرتها الوسائط المتعدّدة الجديدة، بمُشاهديها، مُشيراً إلى أن «السينما عندما تُفهم كقوّة، ككيان من الطاقات، فإنها تُجمع سبل المشاعر والمدارك وتقودها». يبدو الكلام اللاحق لمولر بمثابة تأكيد على سياسة اتّبعها بشأن إدارة مهرجان، لم تتغيّر أهدافه خلال ولاياته، وعمادها «الانخراط في شحذ مدارك الجمهور وأحاسيسه، عبر برهان الصوَر التي تُفتنكم، وتجعلكم تحلمون. لكنها أيضاً قادرة على جعلكم تفكّرون، وتدفعكم إلى البحث عن أغنى الخصوصيات، ليس عبر استيعابها بل عن طريق فهمها، من خلال لقاء مفتوح، وعملية مُشاهدة ناشطة». يخاطب مولر بالضرورة جمهوراً نخبوياً محاصراً في اللسان البحري للّـ«ليدو»، حيث يتحوّل إلى فخّ سينمائي لا يُمكن للمرء سوى الإذعان لشروطه واختياراته. وللأمانة، يجب القول إن فريق الـ«موسترا» في الدورات الأخيرة ميَّز بين عناوينه وحكاياتها ومغازيها. وطوّر مولر فطنته لدعوة ما يتساير وقوله في خاتمة بيانه: «بالنسبة إلى بعضنا البعض (واضح أني أحسب نفسي منهم)، فإن تواريخنا الشخصية تتآلف وأنماط السينما وحقبها. السينما تبنّتنا، كأيتام اليقينات والحقائق، مانحة إيانا مكافأة استثنائية: الشعور بالانتماء إلى العالم».

هذه الأخيرة، يُمكن عدّها الثيمة الرسمية للدورة. خليط سينمائي دولي بامتياز، يدوّن مصائر بشر الألفية الثالثة، ويُساجل في حظوظ بقاءها أو اندحارها أمام فيض الحروب والتجسّس والاحتدامات العرقية والطائفية، ولا يخشى أن يستعير الحكمة من نصوص أهل القرون التي مضت. خليطٌ يكشف أهمية الأفكار الكبيرة التي تعزِّز الدور المعرفي للسينما، وتشدِّد على تحوّلاتها العظيمة التي تمدّها بمتانة سياسية وإيديولوجية آنية.

من هنا، يمكن اعتبار فيلم الافتتاح، الذي حقّقه الممثل جورج كلوني بعنوان «الخامس عشر من آذار»، إيذاناً بسيل من حكايا الفاسد السياسي. لم يشذّ كلوني عن خطّه التحاملي. إذ يبدو أنه يستكمل الفضيحة التلفزيونية في «عمتم مساءً وحظاً سعيدا» (2005)، ويُشرِّعها عمقاً في خبايا دسائس الانتخابات ومؤامرات ناخبيها في أميركا اليوم. بطل الفيلم سكرتير صحافي طموح (راين كوزلينغ) يتطوّع للعمل في حملة سياسيّ يسعى للوصول إلى البيت الأبيض، فيجد نفسه متورِّطاً في لعبة تصفية سياسية قذرة. على منواله، يشارك السويدي توماس اليفردسون، صاحب فيلم الرعب المميّز «دع الشخص المناسب يدخل» (2008)، في المسابقة الرسمية بجديده «سمكريّ، خيّاط، جنديّ، جاسوس»، الذي اقتبسه عن رواية الكاتب جون لو كاري (1974): سرد بطولة العميل السرّي البريطاني الشهير جورج سمايلي (غاري أولدمان) وجهده في الكشف عن أخطر الاختراقات التجسّسية للسوفيات في الجزيرة المحصّنة خلال الحرب الباردة. من تايوان، يعرض المخرج ويي تي ـ شينغ ملحمته التاريخية «محاربو قوس القزح: سيديك بالي»، عن المعركة غير المتكافئة التي خاضتها مجموعة من السكان الأصليين في الثلاثينيات الماضية ضد الاحتلال الياباني في الموقعة الشهيرة «ووشي». صاحب «ألكسندرا» (2007) الروسي ألكسندر سوكوروف يستعير، بدوره، «فاوست» الألماني غوته ومواطنه توماس مان، ليساجل عبره في أحوال الإيمان والخديعة وبيع الذمّة، محافظاً على روح البيئة التي أنتجت الشخصية الأثيرة، من دون أن يغفل الحاجة إلى ربطها بثيمة مشروعه الأصليّ المعنون «السلطويون»، واستغلالهم قواهم السياسية والدينية، كما في ثلاثيته «مولوك» (1999) و«توروس» (2000) و«الشمس» (2005). في المقابل، ينتظر الجميع فيلم الكندي ديفيد كرونينبرغ «نظرية خطرة»، حول الوقائع التي أوصلت عالم النفس سيغموند فرويد (فيغو مورتنسن) إلى منهجه في التحليل النفسي، وعمله مع كارل يونغ (مايكل فاسبندر) الذي يتورّط جنسياً مع مريضته الروسية سابينا سبيليرين (كيرا نايتلي)، لتتفجّر أكبر مناكفة علمية بين عقلين سايكولوجيين في تاريخ أوروبا.

الحيف

هناك عناوين وافرة في المسابقة الرسمية تلعن الحيف المعاصر الذي يلفّنا من كل حدب وصوب: خراب التواصل الاجتماعي مفتاح مسرحية الإيرانية الفرنسية ياسمين رضا «مجزرة»، التي أفلمها رومان بولانسكي، حول حوار لا يفضي إلى شيء يجري بين عائلتين صديقتين، يبدأ بالجيرة، وينتهي بخناقات الصبيان. مثلهم، تعاني بطلتا فيلم «الأرض الأم» للإيطالي إيمانويل كرياليس («الأسد الذهبي» عن «الباب الذهبي» في العام 2006)، حمية عداء يدمّر عائلتيهما، قائم على الاستئثار برقعة أرض وميراث وسمعة محتد يجب ألا تُهان. صاحب «ناب الكلب»، الذي لا يزال يثير السجال والحقد، اليوناني المميّز يورغوس لانثيموس، يعود الى الـ«ليدو» بجديده «الألب»: ممرضة تشارك زملاءها في تنظيم فريق يؤجّر خدماته إلى عائلات فُجعت بأحد أفرادها، ليحلّوا محلّه ويعاملوا على أن الموت لم يُغيِّبهم. المخرج البريطاني ستيف ماك كوين، الذي خطف الاهتمام برائعته «إضراب عن الطعام» («الكاميرا الذهبية» في «كانّ» في العام 2008)، يأتي إلى البندقية مُسلّحا بحكاية ستثير جدلاً كثيراً في «عار»: عن علاقة زنى محارم بين شقيق (مايكل فاسبندر ثانيةً)، الذي يعمل محامياً في نيويورك، وشقيقته التي تحلّ فجأة في شقته لمشاركته حياته. زميله الأميركي تود سولوندز، الشهير بعمله الصدامي «سعادة» (1998)، بقي أميناً لخطابه السينمائي حول الكائن المقصيّ، في عمله الأخير «حصان أسود»: عن علاقة شديدة الالتباس بين شابة (سلمى بلير)، تعاني فشلها ككاتبة، ورجل في ثلاثينيات عمره يحاول استمالتها. لن يختلف عنهما الشاب عوديد، بطل فيلم «التبادل» للإسرائيلي عيران كوليرين (مواليد العام 1973، وله «زيارة الفرقة الموسيقية» في العام 2007)، الذي يعيش حيوات متكرّرة وحيادية وفارغة الدوافع، تملي عليه عزلة تنتهي بتوابع قاسية. ويحيك الفرنسي فيليب غاريل في «صيف قائظ» عشقاً عاصفاً لشباب تسحرهم فتنة مونيكا بيلوتشي.

عوالم فانية يرصدها الأميركي آبيل فيرّارا في «4:44 اليوم الأخير على الأرض»: عنوانه يفي بشرح الكارثة التي تُنهي الحياة والذاكرة والحضارة، في صدى (ربما) لفيلم زميله الدنماركي لارس فون ترير «مالانكوليا». أما مواطنه المخضرم وليم فريدكن («طارد الأرواح»، 1973)، فيعود بعد غياب ليشارك بنص دموي حول «القاتل جو»، الذي يعقد صفقة مع شاب مدمن، يسعى لتصفية أمه طمعا ببوليصة تأمين حياتها. حتّى وقت الاستحقاق، على شقيقة الشاب أن تتحوّل إلى رحم مفتوح لغريزته. لن يختلف نصّ الصيني جون تو «حياة بلا مبادىء» عن العوالم هذه: عندما تجتمع ثلاث شخصيات حول مبلغ طائل من المال، يجب أن يسعوا سريعاً لخطفه قبل أن يسحقهم الموت. فيما يبقى فيلم صاحب «دائرة الانتحار» (2002) و«مذنب الغرام» (2011) المخرج الياباني شيون سونو، «هيميزو»، طيّ الكتمان، إلاّ من تصريح يتيم أفاد أنه «أكثر خفّة دم» من أعماله السابقة.

في بادرة غير مسبوقة في الـ«موسترا»، حَشَدَ مولر خمس مخرجات في مسابقة الدورة الـ68 هذه، ما يُعدّ انقلاباً، وخطوة سدّت فجوة كبيرة: ستتنافس البريطانية أندريا آرنولد (لها «خزّان الأسماك»، 2009) بأفلمتها نصاً كلاسيكياً لأملي برونتي «مرتفعات ويذرينغ». وتشارك مواطنتها آمي كانن مان بـ«حقول القتل في تكساس»، عن سفّاح يطارد محقّقين في الولاية الصحراوية. وتحضر الإيرانية الفرنسية مرجان ساترابي («بيرسيبوليس»، 2007) بباكورتها الكوميدية «دجاج بالبرقوق»، عن الموسيقيّ ناصر الذي خسر كمانه وإلهامه، فـ«قرّر استدعاء الموت وانتظار عزرائيل». الإيطالية كريستينا كومنتشيني (ترشّحت لـ«أوسكار» عن «الوحش في القلب»، 2005) تشارك بـ«عندما يحلّ الليل». والصينية آن هوي، التي تُعدّ رائدة الموجة الجديدة في سينما هونغ كونغ، تُقدّم جديدها «حياة بسيطة».

السفير اللبنانية في

18/08/2011

 

في الطريق إلى الدورة الجديدة لمهرجان فينيسيا السينمائي

أمير العمري 

مرت الآن خمسة وعشرون عاما بالتمام والكمال على بداية ترددي على مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي فقد كانت المرة الأولى التي أذهب فيها الى هذا المهرجان العريق الذي يعد الأول من نوعه في العالم، عام 1986.

كانت الكتابة عن السينما والأفلام والمهرجانات السينمائية في ذلك الزمن، تجد من يهتم بها من رؤساء التحرير في الصحف العربية، وكانت مقالاتنا ورسائلنا التي نبعث بها من المهرجانات تجد اهتماما كبيرا. كنت أقيم وأعمل وقتها في لندن التي قدمت للعيش فيها في مارس 1984.

أما اليوم، في عصر القنوات التليفويةنية التي تتوالد بغزارة، ولا تهتم سوى بنوع واحد فقط من البرامج هي البرامح الحوارية المسماة "التووك شو"، فلم يعد أحد يهتم بالنقد السينمائي في الصحف أو بالتغطيات النقدية المكثفة للمهرجانات السينمائية بل أصبح الاهتمام الغالب لا يتجاوز المساحات الخبرية المحدودة، والتحقيقات التي تدور عادة حول النجوم والكواكب وما شابه ذلك.

ورغم وجود عدد من القنوات المتخصصة في السينما الا أنها تهتم في معظمها بعرض الأفلام، أي باستهلاكها دون الاهتمام بتقويمها وتقويم الحركة السينمائية عموما بشكل جدي، فمعظم هذه القنوات تبث من دول ليست بها حركة سينمائية أصلا، رغم أن مهرجانات السينما أيضا أصبحت تتوالد في تلك البلدان بل في العالم العربي كله شرقه وغربه، باستثناء الفشل الجزائري المشهود في اقامة أي مهرجان أو شبه مهرجان سينمائي له أي قيمة من أي نوع بسبب سيطرة العقلية الغاشمة السلطوية على التنظيم والادارة حتى يومنا هذا بحكم سيطرة العناصر الجامدة التي تربت في أحضان تنظيم شبه فاشستي يدعى جبهة التحرير أو حزب جبهة التحرير واسمه في حد ذاته يعكس جهلا فاضحا بأوليات اللغة العربية فكلمة حزب تلغي على الفور جبهة، ومعروف ان الجبهة السياسية عادة ما تتكون من عدة أحزاب، لكن موضوع اللغة ومشاكلها عند اخواننا في الجزائر هو موضوع آخر بكل تأكيد له شجونه وآلامه ومنغصاته أيضا!

الحياة على الليدو

في فينيسيا تلتقي السينما بالطبيعة الجميلة الساحرة، بالثقافة أيضا، هنا ليست هناك سوق سينمائية مزدحمة كما في مهرجانات أخرى شهيرة مثل كان، وليست هناك عروضا أو بالأحرى، استعراضات للأزياء الفاضحة على الشاطيء، كما أن الحياة عموما أكثر بساطة ورقة وسهولة في الحركة، وإن كانت الأسعار في قمة طغيانها، بسبب ضيق رقعة الجزيرة التي يقام فيها المهرجان (الليدو) وبالتالي محدودية عدد المطاعم والفنادق بشكل عام.

لقد كان دائما ما يدهشني في فينيسيا أن المهرجان، رغم كونه يقام في جزيرة رائعة وهادئة ونظيفة، إلا أنه يقام بعيدا عن فينيسيا "السياحية" أي فينيسيا ساحة "سان ماكو" والقنوات المتعددة والقوارب الفينيسية الشهيرة التي تسير قبيل الغروب في استعراضات خاصة مبهرة حينما يرتدي ملاحوها ملابس القرون الوسطى التي اشتهرت بها تلك المقاطعة "أو الدوقية" العريقة.

كثير من ضيوف المهرجان يفضلون الاقامة، ليس في جزيرة الليدو، بل في جزيرة فينيسيا الكبيرة (سان ماركو) أولا بسبب توفر الكثير من الفنادق التي يمكن أن تكون أقل كثيرا في أسعارها عن مثيلاتها في الليدو، كما أنها توفر بالطبع فرصة للتواجد وسط الأماكن التاريخية الشهيرة، لكن المرهق في الأمر أنه يتعين في هذه الحالة على المترددين بانتظام على عروض المهرجان، الذهاب والعودة بالسفن والعبارات التي تنقل مئات الأشخاص على مدار اليوم، ويستغرق الأمر وقتا طويلا بالطبع في الانتظار والابحار ثم الاتجاه من المرفأ الى موقع اقامة المهرجان، مما يقتضيه هذا كله من جهد ووقت ومال أيضا، خاصة اذا كنت مثلي تحتاج للعودة الى الفندق مرتين يوميا!

المنشآت الجديدة

صمت المهرجان هذا العام تماما عن ذكر أي شيء يتعلق بمسار العمل في تشييد القصر الجديد الكبير للمهرجان الذي بدا العمل فيه قبل ثلاث سنوات وكان من المقرر أن يفتتح قبيل انتهاء المدة الثانية لمدير المهرجان ماركو موللر باعتباره من قمة انجازاته خلال فترة توليه مسؤولية ادارة مهرجان فينيسيا التي دامت ثماني سنوات ولا يتوقع أن يتم التجديد له في العام القادم (نحن نتكلم هنا عن نظام ديمقراطي حقيقي تواري فيه العسكريون ورجال الدين تماما عن السلطة منذ دهر وليس كما في بلادنا التي يتوقع أن تشهد صراعا دامية قد تنتهي بالغاء السينما نفسها والشطب عليها بدعوى صلاح الدين والقوامة على المجتمع!!).

غير أن القائمين على أمر مهرجان فينيسيا يبشرونا بأنهم تمكنوا من استعادة رونق وبهاء "صالة جراندا" Sala Granda  التي تعد القصر التاريخي الذي يقام فيه المهرجان العريق منذ عام 1937 (نشأ المهرجان أصلا في 1932 ولم يكن يقام في الليدو). هذه الدار الرائعة التصميم هي التي تقام فيها العروض الجماهيرية للمهرجان، وقد تمكن المعماريون الايطاليون من إعادتها الى صورتها القديمة التاريخية التي كانت عليها، بل وبنفس طريقة الاضاءة التي كانت سائدة في ذلك الزمان من "عصر السينما"!

نقاد العرب

الغريب أن النقاد والصحفيين العرب قل اهتمامهم كثيرا بمهرجان فينيسيا عاما بعد عام. وقد كان حضورهم قد بلغ قمته في الثمانينيات عندما بدأت في التردد على المهرجان. كان يحضر عبد النور خليل وحسن شاه وسمير فريد وفوزي سليمان ومحمد رضا وعبد الستار ناجي وقصي صالح الدرويش وعرفان رشيد وغسان عبد الخالق وعز الدين مبروكي وربما فوزي سليمان وسمير نصري أيضا.

بقى من هؤلاء سمير فريد وعرفان رشيد ومبروكي ومحمد رضا وكاتب هذه السطور، وظل اسم أو اثنان جديدان يظهران أحيانا ثم يختفيان في العام التالي!

دورة حافلة

الدورة الثامنة والستون التي ستنطلق يوم 31 أغسطس الجاري أتوقع أن تكون دورة حافلة رغم غياب الكثير من الأسماء البارزة في عتالم الاخراج السينمائي من الذين اعتادوا على القدوم الى فينيسيا وصنع المهرجان أسماءهم مثل الصيني جانج ييمو نجم سينما التسعينيات بلا منازع، والبريطاني بيتر جريناواي الذي توارى عن الأنظار منذ سنوات، لكن الأفلاح الحديثة التي أخرجها رومان بولانسكي وأبيل فيرارا ووليم فريدكين (المخرج المخضرم صاحب تحفة الستينيات "الرابطة الفرنسية") وديفيد كروننبرج وألكسندر سوكوروف وأندريا أرنولد (مخرجة حوض الأسماك) وغيرهم.

المخرج الاسرائيلي عيران كوليرين يشارك في المسابقة أيضا بفيلم جديد يقال انه استكمال لرؤيته المتخيلة في فيلمه السابق "زيارة الفرقة الموسيقية" الذي أثار اهتماما وجدلا كبيرين في العالم العربي، بل وأثار أزمة كبرى لمهرجان الشرق الأوسط (أبو ظبي) في 2007 عندما تسربت أنباء عن اعتزام المهرجان عرضه تحت ستار انه فيلم يدعو الى السلام، ثم أنكر المهرجان الخبر ونفاه تماما، بعد أن قيل أن الدعوة كانت قد وجهت بالفعل الى مخرجه الذي يتباكى بأن فيلمه يدعو للسلام، بل ووصلت وقاحته الى القول بأن فيلمه فيلم "عربي"!

ومن المقرر أن يعرض فيلم "ليس هذا فيلما" للمخرج الإيراني جعفر بناهي خارج المسابقة دون حضور بناهي الممنوع من مغادرة بلاده ويقال انه في السجن بينما يقول مخرج ايراني معارض مقيم في باريس هو نادر همايوني انه غادر السجن، وانه لم يسجن أصلا بسبب افلامه بل لأسباب تتعلق بمعارضته السياسية للنظام أي بسبب موقفه السياسي في الحياة العامة وليس السينما بوجه خاص.

ولا أفهم ما المقصود بهذا من همايوني الا أن يكون تقليلا من شأن الضجة المقامة في الغرب على موقف السلطات الايرانية من بناهي والاحتفاء المبالغ فيه بأفلامه. ويقال ان فيلمه الجديد أخرجه وهو في السجن، على طريقة المخرج التركي الراحل الكبير يلماظ جوني عندما أخرج رائعته الأخيرة "يول" أو "الطريق" (1982).

لننتظر ونرى ماذا سيحدث في فينيسيا 2011.. وانتظرونا في هذا الموقع يوميا من هناك.

مواقع ذات صلة:

موقع مهرجان فينيسيا السينمائي

عين على السينما في

21/08/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)