حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثامن والستون

فيلم إسرائيلي "عقيم" في مسابقة مهرجان فينيسيا

أمير العمري- مهرجان فينيسيا

هنا في هذا المهرجان السينمائي العريق، فاز الفيلم الإسرائيلي "لبنان" بالجائزة الكبرى (الأسد الذهبي) قبل عامين.

ولم يكن الفوز بسبب التفوق الفني والسينمائي للفيلم على سائر الأفلام، فهو لم يكن أفضلها ولا أكثرها إبداعا، بل كان عملا جيد التقنية فقط لا غير.

أما الجائزة فقد جاءت أساسا بسبب رؤيته السياسية التي تبدو نقدية للحرب، خاصة وأنه يصور رفض مجموعة صغيرة من الجنود الاسرائيليين الانغماس في الحرب القذرة في لبنان حتى النهاية الدموية، وكان الفيلم في الحقيقة، يسعى لتطهيرهم من عقدة الاحساس بالذنب، ويروج لفكرة بشاعة الحرب وكيف تنتهك براءة هؤلاء الشبان اليافعين، تماما كما كانت خلاصة مضمون فيلم إسرائيلي آخر لقي الحفاوة في الأوساط السينمائية الدولية هو فيلم الرسوم "الرقص مع بشير".

أما الفيلم المشارك هنا في مسابقة المهرجان هذا العام، وهو يحمل عنوان "المبادلة" أو التبادل The Exchangeفهو لا يرقى، سواء في المستوى الفني أو الفكري، الى أي من هذين الفيلمين، ناهيك عن أنه بعيد كل البعد في الأسلوب والموضوع، عن الفيلم السابق للمخرج نفسه، عيران كوليرين أي فيلم "زيارة الفرقة الموسيقية" بل إنه يخلو تماما من الموسيقى!

من اول لقطة في الفيلم يمكن للمشاهد الذي يتمتع ببعض الخبرة أن يدرك أنه إزء فيلم تجريدي لا علاقة له باسرائيل تحديدا كمجتمع له كملامح عامة مألوفة، ولا بالأفلام الإسرائيلية عموما، بل يمكن ان يكون أقرب الى المزاجية الشائعة في عدد من الأفلام الاسكندنافية مثلا.

هذا فيلم عن شعور الفرد بالعزلة، أو بالعبث، دون أي مبرر بالطبع، وبالتالي فإن هذا الفرد- البطل- اللابطل المدعو "أوديد" والذي يمكن أن يكون منتميا الى أي مكان في النصف الشمال من العالم (بالتأكيد ليس الى الجنوب ولا الى مجتمع يعيش على التوتر والصراع المستمر مثل المجتمع الاسرائيلي) .. هذا الفرد وهو مدرس جامعي للفيزياء، يتمرد على حياته الرتيبة ويصل في تمرده الى درجة شديدة العبثية.

إنه يمارس الجنس بانتظام مع زوجته بشكل يعكس هوسا بالجنس لدرجة أنها تنهره ذات مرة متسائلة: أليس لديك أي اهتمام آخر بي من أي ناحية؟

وهو غير متكيف مع عمله ولا مع محيط عمله.. لا يرتبط بأي صداقات بل يتحاشى الجميع. يستقل الباص في حين تقود زوجته المعمارية حديثة التخرج سيارتها.

وعندما يعود الى منزله يبدو وكأنه يتسلل اليه، يتأمل زوجته وهي نائمة.. يراقبها بالأحرى، ثم يعود من حين الى آخر لمراقبتها بالفعل دون أن تدري. وكأنه يتشكك في اخلاصها. وهو لا يتورع عن إنزال سراويله في ردهة المبنى الذي يقيم فيه، لكي يتطلع الى عضوه الذكري ويتحسس طوله وحجمه أو ربما كان يريد أن يتأكد من وجوده.

يراه جاره "يوف" (وهو رجل تجاوز منتصف العمر).. لكنه لا يستنكر ما يفعله جاره الشاب بل سرعان ما يتقرب منه أكثر ويكشف له أنه أكثر غرابة وجنونا من صاحبنا، ويقوم بتعليمه أشياء جديدة غريبة مثل الصراخ وتوجيه الشتائم القبيحة واطلاق التهديدات بأعلى صوت أمام باب مسكن غاب سكانه أو هجروه، أو التمدد في عز الظهر، في ردهات المبنى وعلى أرضه الرخامية.

يوف أيضا يهجر زوجته أحيانا ويقضي الليل في الملجأ المخصص للاحتماء من القنابل تحت العمارة. ويقبل أوديد على الفكرة، بل ويبدو أنه أصبح تابعا لصديقه الجديد، ينفذ كل ما يطلبه منه دون تردد أو تساؤل.

يطلب منه يوف أن يشتري حقيبة يد مستعملة من محل يديره رجل مسكين، فيفعل وسرعان ما يسقط بائع الحقائب على الأرض وتنقله عربة الاسعاف، دون أي سبب!

يطلب منه أن يبيت معه في الملجأ فيفعل، ويطلب منه أن يدخل الى البنك الذي تعمل به زوجته ويتحدث معها لكي يتأكد أنها تخفي حروقا في ساعديها بالملابس، فيذهب ويدعي انه يريد أن يفتح حسابا ولكنه لا يفعل سوى أن يحدق فيها بدهشة.

يتمدد يوف في ردهات المبنى فيفعل مثله أوديد. تحتار زوجة أوديد من تغير سلوكه، بل إنه يفقد رغبته في ممارسة الجنس معها ويعجز عن استكماله.. يلقي بحقيبته من أعلى جسر متخلصا منها دون سبب.. ولكنه رغم كل سوكياته الغريبة لا يميل للعنف، ولا يعتدي على أحد، وكأنه يفرغ طاقة العنف بهذه التصرفات الصبيانية.

هذا الموضوع بتفاصيله، كان يمكن أن يصنع فيلما طريفا فيما لا يزيد عن 20 دقيقة. لكن المشكلة أنه أصبح مطلوبا منا أن نجلس لأكر من ساعة ونصف الساعة، لمتابعة شخصية أصبح كل ما يمكن أن تأتي به من أفعال، معروفة مسبقا أو كفت عن اثارة اهتمامنا ودهشتنا وتسؤلنا عن فحوها ومعناها، فلا معنى لأي شيء هنا، وكأننا عدنا الى مسرح العبث مجددا.

المتفرج يفقد اهتمامه بالفيلم بعد مرور وقت قصير منه، ويصبح كل ما يأتي مجرد إضافات "كمية" لا قيمة فنية لها من أي نوع.. أنت مثلا لا تستطيع أن تتعاطف مع تلك الشخصية الجامحة المتطرفة أو تحاول أن تفهم سر عذابها أو تمردها، على العكس من إحساس المتفرج بشخصية الشاب المهووس جنسيا مثلا في فيلم "عار" Shameالبريطاني للمخرج ستيف ماكوين، وهو من أفضل ما شاهدنا من أفلام في هذا المهرجان.

ليس من الممكن أيضا أن يفهم المتفرج العلاقة بين أوديد وواقعه، ومن أين أتى وإلى أين يسير، وهل سينتهي الى الجنون المطلق أم إلى القيام بعملية عنيفة إرهابية مثلا، كالاعتداء على المصلين في الحرم الابراهيمي وقتل أكثر من 45 فلسطينيا بدعوى الاستجابة لأوامر من الله!

ما هذا الفيلم الذي يصيب المتفرج بالملل من كثرة الاستطرادات التافهة العقيمة، وتكرار الفكرة بأشكال مختلفة، والدوران حولها، متخذا شكلا جامدا، معتمدا على لقطات طويلة بلا أي معنى.. لقطات فارغة تماما مثل تلك اللقطة المتكررة للمبنى المصقول ذي الشرفات الزجاجية.. وما الفائدة من التحديق بالكاميرا في كوم من القمامة مثلا، أو تثبيت الكاميرا على وجه أوديد المندهش المحدق في الفراغ!

عنوان الفيلم نفسه غير مفهوم فما معنى "المبادلة".. مبادلة من مع من، ومبادلة ماذا بماذا، وما هي تلك الفلسفة العظيمة التي يريد هذا المخرج أن يعبر عنها.. هل يريد أن يقول لنا إن لا معنى لأي شيء، ولا قيمة لأي شيء، وبالتالي يمكن للمرء أن يتخلى عن كل القيم وأن يتحول إلى حيوان. وهي قمة العقم الفني والفكري والانساني.

لكن الفيلم لقي النهاية ما يستحقه، فقد استقبله حشد النقاد والصحفيين الذين شاهدوه، بصيحات الاستهجان والسخرية. ولا أن أنه سيكون له أي نصيب من الجوائز.. إلا إذا...

عين على السينما في

07/09/2011

 

«حبيبى راسك خربان» أو مجنون ليلى فى فلسطين المحتلة

بقلم   سمير فريد

يعرض مهرجان فينسيا هذا العام ٥ أفلام، منها فيلم روائى طويل واحد فى برنامج المخرجين «أيام فينسيا»، وهو الفيلم الفلسطينى «حبيبى راسك خربان»، إخراج سوزان يوسف، وإنتاج فلسطينى هولندى إماراتى أمريكى مشترك فى ٧٨ دقيقة «ديجيتال».

سوزان يوسف فلسطينية أمريكية، درست الفنون فى جامعتى فيرجينيا وتكساس، وأخرجت من قبل الفيلم التسجيلى «ممنوع السؤال» عام ٢٠٠٢، وقد كتبت السيناريو واشتركت فى المونتاج مع مان كيت لام، وكل الفريق الفنى وراء الكاميرا من الأجانب ما عدا تصميم الأزياء «حمادة عطاالله»، ولكن كل الممثلين والممثلات من فلسطين.

مجنون ليلى

فكرة الفيلم جيدة وهى معالجة عصرية لقصة الحب بين الشاعر قيس بن الملوح وحبيبته ليلى التى لم يتمكن من الزواج بها لرفض والدها، ولكنه خلدها فى أشعاره التى عاشت فى شبه الجزيرة العربية منذ مرحلة ما قبل الإسلام وحتى الآن.

وهى القصة التى عبر عنها شوقى فى مسرحيته «مجنون ليلى»، وسبق أن قدمت فى الفيلم المصرى «قيس وليلى»، إخراج أحمد ضياء الدين، وتمثيل ماجدة وشكرى سرحان، وفى الفيلم التونسى «ليلى والمجنون»، إخراج الطيب الوحيشى، ولايزال من الممكن تقديم العديد من الأفلام عنها.

تدور أحداث الفيلم فى فلسطين المحتلة اليوم، حيث يلتقى قيس «قيس الناشف» مع ليلى «مايسة عبدالهادى»، وهما يدرسان فى جامعة بير زيت، ويتبادلان الحب، بل ويمارسان الجنس، حيث نراها فى أحد المشاهد تستحم فى «بانيو» وهو يصب لها الماء، ولكن والد ليلى «يوسف أبووردة» يطلب منها عدم استكمال دراستها والعودة للزواج من ورد «رجائى الخطيب»، وهو اسم من تزوج ليلى فى القصة الحقيقية أيضاً.. ولكنه هنا طبيب من أسرة ثرية، درس الطب فى أمريكا، وقرر أن يعود ويمارس الطب من أجل الفلسطينيين الفقراء، كما يقول بكثير من العجرفة.

وكما كان السبب فى رفض والد ليلى زواجها من «قيس» فى القصة الحقيقية أنه أساء إلى القبيلة بقصائده فى مدح جمالها، نجد فى المعالجة الفلسطينية نفس السبب بكتابة الأشعار على الجدران فى الشوارع، وكما تبدأ القصائد العربية بالبكاء على الأطلال نجد «قيس» الفسطينى يبكى بدوره على أطلال حقيقية هى ما تبقى من البيوت الفلسطينية بعد القصف الإسرائيلى، ولكن فقر «قيس» له دور فى عدم إتمام الزواج، وليس فقط الشعر.

ويتخذ الفيلم موقفاً «حاسماً» ضد التطرف الدينى الإسلامى، والإسلام السياسى، ممثلاً فى «حماس» التى ينتمى إليها «ورد»، بينما تقول له ليلى إنها تنتمى إلى الجبهة الشعبية، ويقترب موقف والد ليلى من حماس أيضاً، ولكن من دون وضوح، وأكثر ما يعبر عن موقف المخرجة كاتبة السيناريو السياسى تحول وليد «جهاد الخطيب» شقيق ليلى من شاب عادى إلى متطرف بعد أن يغسل رجال حماس عقله إثر صدمته فى مقتل صديقه ربيع على يد قوات الاحتلال، ويقولون له ربيع فى الجنة مع الشهداء، وإنه من المهم أن تكون فلسطينياً، ولكن الأهم أن تكون مسلماً حقيقياً من وجهة نظرهم، وينتهى الفيلم بانتحار قيس وليلى معاً غرقاً فى البحر.

فشل فى التعبير

وبقدر ما تعتبر فكرة الفيلم جيدة، وكذلك موقف صانعته السياسى، تأتى رداءة المعالجة الدرامية، والهزال الشديد فى السيناريو والإخراج والمونتاج والتمثيل وجميع العناصر السينمائية الأخرى، حتى جاء الفيلم تليفزيونياً صغيراً فى كل شىء، وغير مقنع وغير مؤثر.

قيس وليلى قصة حب عذرى، ولذلك فالعلاقة الجنسية بينهما فى الفيلم الفلسطينى، والتى نراها بعد دقائق قليلة من بداية الفيلم تجعلنا أمام موضوع آخر، وتجعل كل القصائد التى تكتب على الجدران فى غير محلها، وأداء الممثلة لدور ليلى بالغ البرود وليس فيه وله الحب وجنونه، ولكنه على أى حال أفضل من أداء قيس الناشف لدور قيس، فقد جاء ناشفاً واسماً على مسمى ويستحيل أن تتعاطف معه أو تشعر أن بداخله قلباً يدق، ولا يكفى أن يكون أشعث الشعر لنتعاطف معه، إنها قصة حب لا تصل إلى المتفرج سواء كان يعرف أصلها أو لا يعرف.

وليس هناك أى سبب درامى يجعل الفيلم يبدأ بعودة قيس وليلى إلى البلدة، ثم نرى العلاقة بينهما فى عودة إلى الماضى، وألف باء السيناريو والإخراج أن نعرف أين تدور الأحداث، والعلاقات بين الأماكن ولكننا فى هذا الفيلم نسمع عن خان يونس، والتطلع للذهاب إلى الضفة، ثم الذهاب إلى غزة، من دون أن نعرف بالضبط أين نحن، وماذا تمثل هذه الأماكن بالنسبة إلى الشخصيات ولا توجد فى الفيلم لقطة واحدة عامة للطبيعة، وإنما أماكن غامضة، فلا المخيم مخيم، ولا المنازل ولا الشوارع، بل إن هناك مشهداً تذهب فيه ليلى إلى منزل ورد، فلا نعرف هل وافقت على الزواج منه أم لم توافق، وهما يهربان ويرفضان الهرب فى نفس الوقت، فلا تعرف ماذا يريدان من الحياة، والموقف السياسى ضد حماس واضح وصحيح من وجهة نظرى، ولكن رفض حماس ليس موقفاً سياسياً إلا إذا كان هناك موقف آخر، وقول ليلى إنها مع الجبهة الشعبية لا يكفى من دون توضيح ما هو موقف هذه الجبهة الشعبية.

ويفترض الفيلم أننا نعرف الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، ولكن المتفرج لا يعرف شيئاً إلا إذا قيل له على نحو درامى أو حتى غير درامى. هناك قصف إسرائيلى نسمعه على شريط الصوت، وليس من الضرورى أن نرى مشاهد «حربية»، ولكن من الضرورى أن نعرف لماذا القصف، وضد من، ومن أجل أى غرض، ولا أدرى كيف تمت الموافقة على سيناريو هذا الفيلم من الجهات الداعمة فى أربع دول، وعلام يتم توجيه الشكر إلى شخصيات لها ثقلها مثل هانى أبوأسعد مثلاً، فماذا قدمت للفيلم من مساعدات فنية إلى جانب المساعدات المالية.

هذا فيلم مجموعة من «المستشرقين» بالمعنى السيئ الشائع لهذه الكلمة، وليس بمعناها الأصلى الإنسانى العظيم، إنهم يصنعون فيلماً عن ثقافة لا يعرفون عنها إلا القشور السطحية، كما أنهم أقرب إلى الهواة، وذلك بالمعنى السيئ إيضاً، وليس بمعنى حب الفن، أى بمعنى الجرأة على الفن، وعنوان الفيلم «حبيبى راسك خربان» مجرد عنوان مثير من دون دلالة، فلا تقوله ليلى لمن جُنَّ بها طبعاً، ولكن هناك أكثر من رأس خربان فى هذا الفيلم.

ملف المهرجانات العربية

خصصت «فارايتى» فى نشرتها اليومية ملف عدد الأحد عن مهرجانات السينما العربية التى تعقد كلها فى الخريف، ونشرت أن أحداً لا يستطيع الآن أن يتجاهل هذه المهرجانات، كما كان يحدث فى الماضى، خاصة مهرجانات الخليج (دبى وأبوظبى فى الإمارات والدوحة - ترايبكا فى قطر).

المهرجانات التى عرفت بها الجريدة هى قرطاج فى تونس، الذى يعقد كل عامين، ويعقد دورته الجديدة العام القادم، والقاهرة، الذى لن ينعقد هذا العام بسبب الظروف السياسية فى مصر، وبيروت من ٥ إلى ١٣ أكتوبر، وأبوظبى من ١٣ إلى ٢٢ أكتوبر، والدوحة - ترايبكا من ٢٥ إلى ٢٩ أكتوبر، ثم مراكش من ٢ إلى ١٠ ديسمبر، ودبى من ٧ إلى ١٤ ديسمبر.

وأشارت الجريدة إلى أن أبوظبى يدعم مشروعات الأفلام بنصف مليون دولار أمريكى إلى جانب مليون دولار جوائز، وكذلك يدعم دبى المشروعات، ويقدم جوائز بأكثر من نصف مليون دولار، وأن الدوحة - ترايبكا هذا العام سوف يشهد العرض العالمى الأول لفيلم «الذهب الأسود»، إخراج فنان السينما الفرنسية العالمى جان جاك آنو، الذى اشتركت فى إنتاجه مؤسسة الدوحة للسينما مع المنتج التونسى العالمى طارق بن عمار، ويقوم بالأدوار الرئيسية فيه أنتونيو بانداريس وفريدا بينتو وطاهر رحيم.

المصري اليوم في

07/09/2011

 

«دجاج بالبرقوق»:

قصة حب للوطن وتجربة فنية شائقة

بقلم   سمير فريد

على غير موعد، وربما على موعد لا نعرفه، التقت الفنانة الإيرانية مارجان ساترابى الهاربة من الحكم باسم الدين فى وطنها إلى باريس، مع الفنانة الفرنسية فينسنت بارونو، وأخرجتا معا فيلم التحريك الفرنسى الطويل «بلاد فارس» عام ٢٠٠٧، عن رواية جرافيك أصدرتها ساترابى تعبر فيها عن سيرتها الذاتية منذ الطفولة إلى هجرتها بحثا عن الحرية فى فرنسا. جاء الفيلم حدثا فى السينما العالمية المعاصرة سواء من الناحية الفنية أو من الناحية الفكرية، ولذلك لم يكن من الغريب أن يكون الفيلم الجديد للثنائى المبدع «دجاج بالبرقوق» من الأفلام المنتظرة بشغف حيث عرض فى مسابقة مهرجان فينسيا هذا العام.

الفيلم عن رواية جرافيك من روايات ساترابى أيضاً، ولكنه فيلم روائى يستخدم التحريك، وليس من أفلام التحريك. كلمة تحريك ترجمة عربية شائعة لهذا الجنس من الأفلام السينمائية، ولكنها سخيفة، وأفضل أن تسمى الأفلام التشكيلية غير أن الشائع الخاطئ خير من الصحيح غير الشائع، والفيلم الجديد ربما لا يفوز بجائزة، ولكنه تجربة فنية شائقة تعرض فى مسابقة فينسيا عن جدارة. وليس المفتاح الصحيح لتلقى الفيلم أنه «يجمع» بين الجنسين الروائى والتحريك، وإنما فى الخلاصة التى انتهى إليها بهذا الجمع، وهى تحويل الواقع إلى حكاية خرافية، وتحويل الشخصيات البشرية المجسدة بممثلين وممثلات إلى شخصيات خيالية، والمتعة الفنية الكبيرة لمن يتلقى العمل دون تصنيف مسبق.

تدور أحداث الفيلم فى طهران عام ١٩٥٨ عن عازف الكمان ناصر على خان «ماثيو آمالريك» الذى يعانى من تحطيم آلة الكمان التى يحبها، ويحاول أن يبحث عن آلة جديدة يحبها، ولكن دون جدوى، فيقرر أن يموت. وبعد موته، نرى مقاطع من حياته على مدى عشرين سنة على شكل ثمانية أيام حيث يكتب على الشاشة اليوم الأول، واليوم الثانى، وهكذا فى المدخل نرى علاقته الباردة مع زوجته فارنيجيس «ماريا دى ميديروس» التى تحبه ولكنها لا تحب الموسيقى، وتهتم به ولكنها تهتم أكثر بتربية ولديها منه «صبى وصبية». وعندما يسمع ناصر أن هناك بائع كمان متميزاً فى مدينة شيد، يذهب إليه مع ابنه، وهناك يلتقى مع إنسان أقرب إلى الساحر «جميل دبوز» يدعوه إلى تدخين الأفيون. وفى المدخل أيضاً مشهد للعازف الفنان يرى فى الطريق امرأة ويسألها: ألا تعرفيننى؟ وعندما تنفى يصاب بالذهول.

الأيام الثمانية

فى اليوم الأول يجرب ناصر كل وسائل الانتحار، ويفشل، وفى اليوم الثانى يحلم بصوفيا لورين التى تعرض أفلامها فى دور السينما فى طهران فى ذلك الوقت، وفى اليوم الثالث تجسيد لمشهد موت سقراط، وتحريك عن طفولته، وعن ليلى «كيارا ماسترويانى» التى تلعب «البوكر» طوال الفيلم فى مراهقتها. وفى اليوم الرابع نرى كيف تزوج بناء على طلب أمه «إيزابيللا روسيللينى» التى قالت له إنه بلغ ٤١ سنة ولابد أن يتزوج، وليس من المهم الحب، فسوف يأتى بعد الزواج. وندرك أن زوجته هى التى حطمت «الكمان» التى يحبها. ومن مشهد اللقاء الأول مع أستاذه قوله إن التمكن الحرفى من العزف ليست له قيمة حقيقية، ولا يؤدى إلى «الفن» بمعناه الحقيقى. وللمرة الثانية نرى اللقاء العابر فى الطريق مع المرأة، وهذه المرأة تعرف أن اسمها إيرانى، أى إيران «جولشفيت فارهانى».

وفى اليوم الخامس يلتقى ناصر مع أمه المريضة، فتطلب منه أن يشعل لها سيجارة، وتقول «التدخين غذاء الروح»، ثم تموت، وفى المقبرة يظهر الإنسان الساحر (دبوز) مرة ثانية وقد بلغ من العمر عتياً، ويخبره بأنه يعرف عنه كل شىء منذ مولده فى ١٠ مارس عام ١٩٠٦، وفى اليوم السادس يتحاور ناصر مع ملاك الموت عزرائيل (إدوارد بير)، ويحكى له عزرائيل حكاية عاشور الذى لجأ إلى الملك سليمان فى القدس ليحميه منه، وطلب منه أن ينقله إلى تاج محل فى الهند، ولكن هناك يجد عزرائيل فى انتظاره، ويتم التعبير عن قصة عاشور فى فيلم تحريك قصير داخل الفيلم، وفى اليوم السابع نرى كيف التقى ناصر لأول مرة مع «إيرانى» عندما شاهدها فى متجر والدها الثرى، وتعلق بها من أول نظرة.

وأخيراً فى اليوم الثامن الموعد الأول بين ناصر وإيرانى، حيث يذهبان إلى السينما، ويمسك كل منها بيد الآخر، ويشاهدان أحد أفلام فرانكشتين بالأبيض والأسود، والذى يستسلم فيه الوحش للحب، يرفض الأب زواج ناصر من إيرانى، فيعيش معها فى الخيال، ويقول له أستاذه الآن تبدع فناً ويهديه الكمان التى أهداها له استاذه والتى حطمتها زوجته، تتزوج إيرانى من جنرال ثرى، وتنجب وتعيش، ويحقق ناصر نجاحاً كبيراً فى كل العالم، ويمر الزمن ويموت الجنرال، وتعيش إيرانى مع أحفادها، وللمرة الثالثة والأخيرة يعاد مشهد اللقاء العابر فى الطريق، ولكن هذه المرة تبكى إيرانى بعد أن تنكر معرفتها به، ثم تبكى ثانية عند قبره أثناء الدفن.

الواقع والخرافة

هى إذن قصة حب رومانتيكية - ميلودرامية - طالما شاهدناها فى أفلام حسن الإمام أو دوجلاس سيرك، ولكن الأسلوب هو الفن وأسلوب الحكاية الخرافية لا يتحقق بواسطة مقاطع التحريك ومقاطع السينما والتليفزيون، وإنما أيضاً عن طريق الرواية على شريط الصوت، وهو ذاته ممثل دور ملاك الموت عزرائيل.

والحكايات الخرافية فى كل آداب العالم، ولكنها هنا إيرانية خالصة فليس هناك ذلك التوازن العقلانى بين الأيام الثمانية، ولا التنابع الزمنى المستقيم، تماماً مثل «ألف ليلة وليلة»، وهو كتاب فارسى الأصل، وإن عرف باسم «الليالى العربية» وليس هناك إطلاق للخيال كما فى أفلام التحريك، وفى الجمع بين التحريك الروائى فى «دجاج بالبرقوق» يندمج المجسد مع المجرد فى التعبير عن قصة حب رومانتيكية يرويها عزرائيل، ويستشهد بطلها الفنان بما قاله شاعر الفرس عمر الخيام «أذناى لم تسمع أبداً من يقول لماذا جئت إلى هنا، ولماذا سوف أذهب من هنا».

هنا تصبح اللقطة خارج بؤرة العدسة، فتتغبش عندما تخلع الزوجة نظارتها الطبية لأننا نراها عبر المرآة، ويقبض أستاذ الموسيقى على الهواء بالصوت والصورة تعبيراً عن تعريفه للإبداع الفنى، وتخرج روح الأم مع دخان السجائر خارج المنزل، وينبعث الدخان من قبرها أيضاً. هنا تشعر ببهجة الفن والخيال والسعادة فى الحزن والجمال فى الألم واللذة فى التأمل، اللقطة الأولى فى الفيلم مع العناوين مشهد تحريك يخرج فيه طائر من القفص وينطلق إلى الكون الواسع، وهذا هو توقيع ساترابى فى البداية وليس فى النهاية.

الفيلم قصة حب للوطن من المنفى، تفتقد فيه الفنانة الإيرانية طهران الخمسينيات من القرن الميلادى الماضى بعد أن قامت بثورة مصدق، ورغم هزيمة الثورة يتحرك صبرى (إريك كارفاكا) صديق ناصر الشيوعى بحرية تامة.

قصة حب للفن مجسدة فى عازف الكمان الفنان، وقصة حب لإيران مجسدة فى حبيبته التى لم يتمكن من الزواج بها، فعاش معها فى الخيال، واسمها إيرانى كما تسمى بعض النساء فى مصر (مصرية) وفى فرنسا (فرنسا)، وتقوم بدورها جولشفيت فاراهانى ساحرة الجمال التى تعيش فى المنفى بدورها.. ولكل شىء نهاية.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

06/09/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)