حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثامن والستون

جوائز باردة لمسابقة ساخنة.. وفوز الفيلم المصرى «تحرير ٢٠١١» بجائزة اليونسكو

  بقلم   سمير فريد

أعلنت جوائز مهرجان فينسيا الـ٦٨، جاءت الجوائز باردة لمسابقة ساخنة، فاز الفيلم المصرى التسجيلى الطويل «تحرير ٢٠١١» إخراج تامر عزت وآيتن أمين وعمرو سلامة وإنتاج محمد حفظى وفردريك شيللر بجائزة المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم «اليونيسكو» التى تمنحها لجنة تحكيم خاصة لأحسن فيلم، وهى الجائزة الوحيدة للمنظمة فى مهرجان دولى.

هذه هى المرة الثانية التى تفوز فيها السينما المصرية بجائزة اليونسكو فى مهرجان فينسيا، فقد فاز بها الفيلم الروائى القصير «الفلاح الفصيح» إخراج شادى عبدالسلام عام ١٩٧٠، ومن حسن الحظ أننى حضرت الدورتين اللتين فازت فيهما السينما المصرية بهذه الجائزة، وكانت دورة ١٩٧٠ أول دورة أحضرها فى أعرق مهرجانات السينما الدولية.

«جوائز المهرجان»

تمنح لجنة تحكيم مهرجان فينسيا جائزتين لأحسن الأفلام، وثلاثا للتمثيل، وثلاثا للإخراج والسيناريو والتصوير، وقد جاءت الجوائز التى أعلنت أمس الأول باردة رغم سخونة المسابقة على نفس مستوى برود أفلام رئيس اللجنة المخرج الأمريكى دارين أرنوفسكى، وكلمة برود هى أكثر الكلمات تأدباً فى وصف هذه الجوائز.

فازت السينما الأوروبية بخمس من الجوائز الثمانى والسينما الآسيوية بالجوائز الثلاث الأخرى، وخرجت السينما الأمريكية من قائمة الجوائز عن حق رغم أنها عرضت أكبر عدد من الأفلام من دولة واحدة، والجوائز هى:

- الأسد الذهبى لأحسن فيلم.

«فاوست» إخراج ألكسندر سوكوروف «روسيا».

- جائزة لجنة التحكيم الخاصة.

«الأرض الأصلية» إخراج إيمانويل كرياليسى «إيطاليا».

- الأسد الفضى لأحسن مخرج.

- كاى شانجريون عن «بحر البشر» «الصين».

- الجندول لأحسن سيناريو.

يورجوس لاتيموس وإفثيميس فيليبو عن «ألب» من إخراج الأول «اليونان».

- الجندول لأحسن تصوير.

روبى ريان عن «مرتفعات وزرنج» إخراج أندريه أرنولد «بريطانيا».

- كأس فولبى لأحسن ممثل.

مايكل فسبندر عن «عار» إخراج ستيف ماكوين «بريطانيا».

- كأس فولبى لأحسن ممثلة.

ديامى يب عن «حياة بسيطة» إخراج أن هيو «الصين».

- جائزة مارشيليو ماشرديانى.

لأحسن وجه جديد فى التمثيل شونا سومتيانى وفيوتى نيكادويو عن «هيميزيو» إخراج سونو سيوى «اليابان».

ومن بين هذه الجوائز فإن المستحقة عن جدارة جائزة الإخراج وجائزة أحسن ممثل، أما الأفلام الغائبة عن الجوائز وكانت جديرة بها فهى الفيلم الفرنسى «مذبحة» إخراج رومان بولانسكى الذى كان يستحق الأسد الذهبى، والفيلم الفرنسى «دجاج بالبرقوق» إخراج مارجان ساترابى وفينسنت بارونو الذى كان يستحق جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وقد توقعت مع أغلب النقاد فوز فيلم «بولانسكى»، ولكنى لم أتوقع فوز فيلم ساترابى وبارونو رغم أن الجائزة «الخاصة» تبدو وكأنها صنعت من أجله، وذلك لأننى شاهدت بعض أفلام المخرج رئيس اللجنة.

وأكثر جوائز لجنة فينسيا ٢٠١١ استفزازاً جائزة أحسن ممثلة، فبأى منطق يتم تجاهل الأداء المدهش لخمس ممثلات على الأقل، وعلى رأسهمن كيت وينسلت وجودى فوستر فى «مذبحة». أما الأسد الذهبى فقد جاء جائزة تكريمية أخرى لأحد كبار فنانى السينما فى العالم، مثل الجائزة التكريمية «الرسمية» التى فاز بها ماركو بيدوكيو، ففى تاريخ سوكوروف روائع كثيرة روائية وتسجيلية، ولكن ليس من بينها «فاوست».

فيلم كبير عن ثورة كبيرة

عرض يوم الجمعة الفيلم المصرى التسجيلى الطويل «تحرير ٢٠١١» فى عرضه العالمى الأول فى الصالة الكبرى بقصر المهرجان، جاء الفيلم كبيراً على مستوى ثورة ٢٥ يناير الكبيرة التى عبر عن مناصرتها بعمق، واستقبل بحفاوة حيث استمر تصفيق الحضور خمس دقائق متواصلة، وكانت القاعة مشغولة بنسبة خمسين فى المائة حيث عرض الفيلم للصحافة ليلة عرضه الرسمى حسب تقاليد المهرجان.

وإلى جانب «الوفد» المصرى الشعبى جلس الوفد السورى الشعبى: عمار البيك الذى عرض فيلمه «حاضنة الشمس»، وشريف كيوان عن جماعة «أبونضارة» التى عرض من إنتاجها فى بداية البرنامج فيلم «طلائع»، وفى نهايته فيلم «النهاية»، والأفلام السورية الثلاثة عن الثورة السورية التى لاتزال مستمرة منذ الربيع، وبينما يعبر عنها عمار البيك فى فيلم روائى قصير مستقل، تعبر عنها جماعة «أبونضارة» فى فيلمين تسجيليين قصيرين سريين، وقد جاء شريف كيوان من باريس ويعود إليها، وقدم نفسه ناطقاً باسم الجماعة، أما عمار البيك فجاء من دمشق، ولكنه سوف يعود إلى بيروت، فالأفلام الثلاثة تناصر ثورة الشعب السورى من أجل الحرية، التى يدفع ثمنها غالياً من دماء عشرات الألوف من الثوار، ولا يتوانى النظام الديكتاتورى عن قتل وجرح واعتقال المزيد من كل يوم، وكم كان ماركو موللر، مدير المهرجان، موفقاً فى عرض الأفلام الثلاثة مع الفيلم المصرى فى برنامج واحد كان هو الختام الحقيقى لدورة ناجحة بكل المقاييس الدولية.

وبعد العرض أقيم فى قاعة المؤتمرات مؤتمر صحفى للوفدين السوريين والمصرى حضره أكثر من مائة مندوب يمثلون الصحافة الإيطالية والدولية، وجاء بدوره مؤتمراً كبيراً وانتهى بتصفيق الحضور تحية إلى الثورتين، والفنانين الذين عبروا عنها، وتحية إلى ثورات العرب من تونس وليبيا إلى اليمن أيضاً، التى تهز الدنيا، وتجعل من ٢٠١١ نقطة تحول كبرى فى تاريخ العالم العربى، وما يطلق عليه الشرق الأوسط.

ثلاثة فرسان من الثورة

لا أستطيع إحصاء الأفلام التى شاهدتها فى العقود الخمسة الماضية منذ بدأت ممارسة النقد، فهى بالآلاف ولكنى أستطيع إحصاء الأفلام التى جعلتنى أبكى أثناء مشاهدتها، فهى لا تتجاوز العشرات، وذلك إما تأثراً من موقف ما فى الفيلم، أو تأثراً بجماله كعمل فنى، وقد بكيت أثناء مشاهدة «تحرير ٢٠١١»، للسببين معاً من حيث تعبير الفيلم عن عظمة الثورة وشهداء الثورة، وللفرحة بهذا المنتج الشاب محمد حفظى الذى ينتج حباً فى السينما، ولا يعتبرها مجرد إنتاج تجارى فى السوق مثل الأحذية والسيارات، ولا ننسى دور شريكه الفرنسى فردريك شيللر الذى يأتى إلى السينما المصرية بعد خبرة طويلة فى السينما العالمية، والفرحة بهؤلاء الفرسان الثلاثة تامر عزت وأيتن أمين وعمرو سلامة، الذين كانوا فى القاعة الكبرى وفى المؤتمر الصحفى يعبرون بحق عن مستقبل السينما المصرية بعد الثورة، بل عن مستقبل مصر بعد الثورة، فكل ما يحدث الآن من محاولات لسرقة الثورة، سوف يكون مآله الفشل لأن التاريخ يتقدم إلى الأمام، ولنتذكر أن دم الولادة هو أفسد الدم، ولكن من خلاله توجد الحياة.

الأجزاء الثلاثة التى يتكون منها الفيلم «الطيب» إخراج تامر عزت، و«الشرس» إخراج آيتن أمين، و«السياسى» إخراج عمرو سلامة، تتكامل على نحو مدهش، ولا تجعل الفيلم ثلاثة أفلام قصيرة، وهذه هى المشكلة الفنية الأساسية التى تواجه أفلام الأجزاء، والثلاثة لا يعبرون عن الثورة من الخارج، وإنما من واقع مشاركتهم الفعلية فيها، تماماً كما شارك أب السينما المصرية محمد بيومى فى ثورة ١٩١٩، وعبر عنها فى أفلامه التسجيلية أيضاً، وسوف يكون لنا مقال مقبل فى نقد وتحليل الفيلم، فما هذه الكلمات إلا تحية إلى صناعه، الذين يغادرون فينسيا إلى مهرجان تورنتو حيث يعرض الفيلم أيضاً.

ولابد هنا من الإشارة إلى الكتيب الصحفى الذى وزع عن «تحرير ٢٠١١» فى فينسيا، ويوزع فى تورنتو بعد ذلك، إنه كتيب لائق بدوره، إذ يتضمن التعريف بالفيلم ومخرجيه الثلاثة، ولكنى كنت أتمنى أن يشمل كل معلومات الفيلم المطبوعة عليه فى نهايته والمزيد من المعلومات عن السينما فى مصر، وعن ثورة ٢٥ يناير، فهى فرصة لكى يعرف كل من يهمه الأمر أكبر قدر من التفاصيل.

حاضنة الشمس

يشترك فى تمثيل فيلم «حاضنة الشمس» المخرج عمار البيك وزوجته وطفله، وتدور أحداثه فى شقته فى دمشق ذات صباح أثناء ثورة ٢٥ يناير فى مصر، اللقطة الأولى للزوج فى شرفة المنزل والمطر يهطل تعبيراً عن الحياة والمدد المقبل من السماء ليذيب الجفاف، واللقطات التالية للطقوس اليومية العادية التى تمارس استعداداً للخروج، وتتضمن رعاية الزوجة للطفل، ولكنه الخروج للاشتراك فى المظاهرات المؤيدة لثورة مصر، حيث تحمل الزوجة لافتة مكتوباً عليها الحرية لمصر.

وأثناء الاستعداد للخروج نرى فى التليفزيون أحداث الثورة المصرية بالصوت والصورة، ثم نرى تقريراً عن تعذيب وقتل الصبى حمزة الخطيب «١٣ سنة» لاشتراكه فى الثورة السورية، والمعروف أنه من درعا التى أطلقت الشرارة الأولى للثورة، ولكنى لم أكن أعرف أنه من قرية تسمى «الجيزة»، باسم «الجيزة» المصرية التى أقيمت على أرضها الأهرامات الثلاثة.

والواضح أن عمار البيك صور ولادة طفله فى الحقيقة، وهو يستخدم هذه المشاهد ببراعة فى فيلمه حيث يرمز الطفل إلى الثورة الوليدة، والمستقبل الذى لايزال فى «الحاضنة» كما كان الطفل بعد ولادته، ولكنها «حاضنة الشمس»، ولكن الفيلم بهذا يدور أثناء ثورة مصر وسوريا، بل يهدى فى النهاية إلى حمزة الخطيب فى درعا السورية ومحمد البوعزيزى فى سوسا التونسية وخالد سعيد فى الإسكندرية المصرية، ولذلك كان يجب أن تكون لافتة الزوجة «الحرية لسوريا» أو «الحرية لمصر وسوريا».

فيلما «أبونضارة»

جماعة «أبونضارة» هى أول جماعة «سرية» للسينما فى كل تاريخ السينما العربية، وكان ماركو موللر حاذقاً عندما بدأ البرنامج وختمه بفيلميها، خاصة أن عنوان الفيلم الأول «طلائع»، وعنوان الفيلم الثانى «النهاية».

إنهما فيلمان صنعا حيث يستحيل صنع الأفلام، ومن هنا تأتى أهميتهما، والبراعة الفنية الفائقة فى صنعهما، ومدة عرض كل منهما، القصيرة للغاية فى الفيلم الأول لقطة لأطفال مدرسة ابتدائية يرددون شعارات سياسية تنطق بها مديرة المدرسة التى نسمعها ولا نراها فى طابور الصباح، إنهم يرددون الشعارات كالببغاوات من دون أن يدركوا معناها إن كان لها أى معنى، وفى النهاية وعلى شريط الصوت يلتفتون جميعاً إلى أصوات هادرة فى المظاهرات التى تطالب بالحرية.

أما الفيلم الثانى «النهاية» فهو لقطة واحدة أيضاً لقاعة عرض، وعلى الشاشة لوحة رسم دعائية غليظة عن العائلة الحاكمة يغلق عليها الستار، وبدلاً من عناوين الفيلم تتوالى أسماء حقيقية لشهداء من الثورة، فهم «أبطال» الفيلم الذى ينتج ويعرض فى الحقيقة.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

12/09/2011

 

الفلسطيني «حبيبي رأسك خربان» والإيطالي «قرية الورق المقوّى» والروسي «فاوست» في «مهرجان البندقية»

فضيحـة فـوق الحاجـة وانقـلاب فـي الفـن السينمائـي

زياد الخزاعي 

ماذا يفعل قيس بن الملوّح وعذريته في الأراضي الفلسطينية؟ إنه يعلن عن خذلانه. باكورة المخرجة الشابة سوزان يوسف «حبيبي رأسك خربان»، الذي عُرض في خانة «أيام فينيسيا»، في الدورة الثامنة والستين لـ«مهرجان البندقية السينمائي»، المنتهية مساء أمس الأول السبت، جعلت من تهكّم عنوانه السهم الذي ينال من عقلية الردّة الاجتماعية التي تحاصر الحب والأحبّة، وممن يتوالون على تلبّس هواهم وولههم. إنه إعلان من ثلاث كلمات، يُثبت خيبة جيل جديد يعاني ظلامية دينية تتحجّج بالأخلاق، وقهراً عائلياً يداور بتبعيته الأعراف الاجتماعية. لكن، حقاً: هل استدعاء شاعر عذري بحجم قيس بن الملوّح إلى خان يونس أو غزّة اليوم، تحريض على الرذيلة؟

تباسط

مَنْ هو الأشدّ إيلاماً: عسف المحتل الذي يُشكِّك في حبّ شابين فلسطينيين، وسعيهما لعيش وعائلة مشتركين، أم الملتحي الذي يجعل من عشقهما قانوناً يُبرِّر رجمهما؟ النصّ المتباسط ليوسف يرى أن العقدة أكبر من أن تُصوَّر على أساس «خيرهم وأشرارنا». فكلا الشابين اللذين يستلفان اسمي الشخصيتين الرومانسيتين العريقتين قيس (قيس ناشف) وليلى (مايسة عبد الهادي)، يعلنان ولههما لبعضهما البعض تحت شعار «ما يهزّك ريح»، حتى وإن جاءت العاصفة المتوقَّعة، التي يُفترض بها أن تهدّ أركان حبّهما من أعتى العقليات رجعية. وهي، بحسب نصّ يوسف، متمثّلة بحركة «حماس» وأتباعها. يحار المرء في فهم ما إذا كان أولئك الشباب الملتحين، الذين يترصّدون الثنائي في المقطعين القصيرين في الفيلم، مكلَّفين بقرار ما، أم أن دافع القِيَم العامة في كياناتهم، يخوّلهم لبس أردية القضاة والمحاسبين ومنفّذي العقاب. لا ريب في أن قيس الفلسطيني ضحية التباسين: الأول، اختياره إعلان حبّه بطريقة ساذجة، وهي قضية تصبّ في خطأ المخرجة سوزان يوسف، التي أرادت أن تتذاكى قليلاً على حالة ضاغطة من المدّ الأصولي، الممانع بقوّة لأي اختراق أو لين. نراه يكتب أشعاره، كجدّه الأصلي، على حيطان المدينة المحاصرة، من دون أن يسأل نفسه عن العواقب الجليّة لأي كائن يفهم الوضع الاستثنائي في تلك الأرض المحاصرة من الجميع. وعلى الرغم من هذا كلّه، لن يجد ضيراً من أن يخطّ أبياته على سور دار أهلها. الثاني، كامنٌ في أن الشاب الرقيق، الذي اختار ليلى وهما طالبان في جامعة غزّة، بدا منذ المشهد الأول كأنه غير معنيّ بفهم صوت زخّات الرصاص وقعقعة السلاح وعدو المقاتلين. هذه حالة يُمكن نعتها بالبطر. ففيما الأرض تُعمَّد بالدم، يُصرّ قيس الفلسطيني على قراءة أشعاره لليلاه بلسان أعوج، على اعتبار أنه متواضع المدارك. وزيادة على تثاقفه، يستعير من أقوال بن عربي بالكبوات نفسها.

وحدها ليلى امتلكت صواب الرؤيا. فهي من جانب أول، ملتاعة من احتمال فَقْد الحبيب، لعدم تكافؤ المحتدّ والطبقة. ومن جانب ثان، تملك كامرأة حظوظاً متواضعة في ضمان مستقبل زاهر، على حدّ قول أمها، المُصرِّة على قناعتها بألاّ تتحوّل العائلة بسببها إلى سُبّة. لن تتوانى ليلى، التي تضع الحجاب رغماً عنها، عن الكذب، كي تصل إلى الحبيب الذي أبعده قرار رفض الزيجة، كما هو متوقع. وبدلاً من الذهاب إلى بيرزيت لتقديم أوراقها بهدف مواصلة تحصيلها العلمي الجامعي، نراها مع قيس عند شاطئ البحر في وضع حميم، قبل «إغارة» الإخوان عليهما وتهديدهما بالزنى. وحدها صدفة الوقوع في جُبّ الكذبة الثانية لن تمرّ على نباهة الإسرائيلي، عندما يُقرّران عبور الحدود، للهجرة إلى هولندا، بمبلغ 400 شيكل. وحدها الصدفة هذه تُسفر عن وجه خذلان قيس الفلسطيني وجبنه. فاقتراح رجل الأمن الإسرائيلي واضح: «تعاون معنا، وانقل لنا أسماء الناشطين وأماكن الأسلحة. عندها، يتمّ زواجكما وهجرتكما على حدٍ سواء». يُوصل الرعب ليلى إلى حافة شجاعتها في رفض الأمر برمّته، فتقرّر العودة، لكن ليس إلى دارة أهلها، بل إلى طبيب شاب عائد من الولايات المتّحدة الأميركية، لمّح إلى «حماسيته»، وتقدّم إلى خطبتها ورفضته، لأنهم «كُلّن بدهم ياكلوا ويناموا مع زوجاتهم ويخلّفوا». أي أنها تُعلن رضوخها كقيمة اجتماعية وحقّ عائلي، عليه أن يُصوِّب مساراته.

اشتغال المخرجة سوزان يوسف ينبئ بموهبة سينمائية. جُلّ مشاهدها مصنوعة بروية، لكنها بحاجة ماسة إلى عقلنة خطوات كتابة نصّها المقبل. فنيّة كشف العورات لم تعد مجدية، إذ أن حصار قطاع نوعيّ من مجتمع يسعى لحريته، شرط إنساني لا جدال فيه، ومن حقّ المخرجة يوسف وحقّنا الدفاع عنه. بيد أن إفهام مُشاهد عالمي أن «حماس» تقهر فلسطينيات غزّة، لا يحتاج إلى فيلم مدّته ثمان وسبعين دقيقة. فالعالم لم يعد غبياً، وقنابل الإسرائيليين تُثبت أن قراراً ضمنياً لسياسة إقليمية ودولية لإزاحتها، عزم يفشل في كل مرّة تُدَكّ فيها منازل القطاع من دون جدوى، لإسقاط الحركة المذكورة.

ثورة أسلوبية

للإثنين، الإيطالي أرمانو أولمي وزميله الروسي ألكسندر سوكوروف، أفضال جمّة على خطاب السينما المعاصرة ومعرفيتها، إذ قَلَبا مفاهيم الصنعة، وثوّرا أسلوبية مُشاهدة تقوم على مبدأ الكشف عن أحوال كوننا وخفايا إنسانه. لكل منهما شكله المميّز: الأول بصرامة مشهدياته، التي يغلب عليها الطابع الكلاسيكي المستعير خطوط النصوص البصرية لرسّامي النهضة الإيطالية. الثاني، صاحب «الفُلك الروسي»، بذهابه إلى الانقلاب السردي، حيث يتحوّل المشهد لديه إلى لعب متعدّدة الزوايا والألوان والضياء والأكسسوارات، على أن تكمن حكايا أفلامه في خبايا دهشة الصورة، كما في عمله الأثير «أم وأبن» (1996)، وثلاثية «مولوك» و«توروس» و«الشمس».

لأولمي أكثر من اختراق سينمائي، منه ما تحوّل إلى إيقونة أنثروبولوجية، كما حال «شجرة القباقيب» («السعفة الذهبية» في مهرجان «كان» 1978)، ومنه ما تكرّس «مانيفستو» سياسياً ضد عزلة كائن ما بعد الحرب العالمية الثانية، كما في تحفته «أسطورة الثمل المقدّس» (1988)، قبل أن يُحرِّك حقداً عارماً ضده مع عرض منجزه الشجاع «مئة مسمار» (2007)، متحاملاً فيه على الكنيسة ورهبانها الذين أفسدهم تسيّس الدين، وهو الموضوع الذي يوسّع مدياته الانتقادية في جديده «قرية الورق المقوّى» (خارج «المسابقة الرسمية» في الدورة الأخيرة هذه لـ«مهرجان البندقية السينمائي»)، ليصل إلى مواجهة مباشرة مع فاشية الدولة الجديدة، التي تجد في المهاجرين السريّين وباءً سياسياً، يهدّد توازن الأمّة، ويُحمِّلها أعباء تبرير القبول بالغريب. إنها حكاية قسّ هرم (الممثل الفرنسي ميشال لوندال، الذي رأيناه مؤثّراً في «رجال وآلهة» لكزافييه بوفوا في العام الفائت)، يشهد على تطبيق قرار هدم بناء كنيسته. وأمام عجزه عن وقف آلة التدمير، يجد نفسه، فجأة، إزاء معاني خدمته الدينية وأغراضها القائمة على قيادة الآثمين وإعادتهم الى الورع، ومثلها مساعدة المحتاجين من دون الظفر بالثواب. إنه الكائن الذي عليه واجب الذود عن كل شيء من دون مصلحة، وعندما تقتحم مجموعة من الغرباء الأفارقة المبنى، يُلزَم بالإجابة عن تأكيد معاني «إيواء الدخيل، والدفاع عن حقّه، وضمان سلامته».

اللحظة الدينية

يحوِّل هؤلاء صحن الكنيسة إلى قرية مشادة من لوائح صناديق الورق المقوّى، تضمّ أصنافاً من البشر يتلبّسون سُحَن يسوع ومريم المجدلية ويهوذا، من دون الإعلان مباشرة عن هويّاتهم. إنهم زنوج يمتحنون، عبر عرض يقترب كثيراً إلى العوالم المسرحيّة، اللحظة الدينية وجدواها إن تهدّدت، ليس بالإصرار على إظهار إيمانهم، بل بما يجلبونه معهم من خطر الإرهابيّ الذي يتخفّى بين بطاطينهم واحتياجاتهم. يضع المخرج أولمي قسّه العجوز بمثابة مخرج العرض، يقول إشاراته المختزلة، ونراقب معه حركة الهجوم العسكري الخارجي، الذي نسمع أصوات انفجاراته، وزعيق أبواق سياراته، ونداءات ضباطه. وفيما تشدّ المجموعة الوافدة أطرافها، التي تضمّ المثقف والسافل وبائعة الهوى والحالم والمافيوزي وغيرهم، يستغلّ الشاب الإرهابيّ فجوة الصراحة التي تقوم بين زنجي، يكشف أنه متجنّس، وقائد العمليات الأبيض، لتأمين طريق آمن للجميع، تفادياً لحمّام دم، ليُهرِّب حزامه الناسف. فالتهديد بالترحيل يُقابَل برعب التفجير الذي نراه وهو يهدّ البناء الأنيق.  لن يُرضي فيلم أولمي أذواقاً كثيرة، نظراً إلى ابتسار حركته، واختزالية حدوده. لكنه، قطعاً، يبقى مخلِصاً إلى نظرة سوداوية، لا تخشى الملامة، حول محنة الأوروبي مع عنصريته.

من جانبه، أفلم الروسي سوكوروف ما كان يُعتَبَر عصيّاً على السينما. غامَرَ في مقاربة نصّ الألماني يوهان فولفانغ غوته «فاوست» (المُقتَبَس للشاشة الكبيرة أربع مرّات سابقاً، أشهرها ما أنجزه الرائد ف. دبليو مورناو في العام 1926)، محوّلاً إياه إلى أنشودة بصرية وحوارية لا مثيل لها في تاريخ السينما، وضامّاً إياه إلى سلسلته الشهيرة حول «طبيعة السلطة». مئة وأربع وثلاثون دقيقة من البهاء السينمائي، الذي يبدأ بمشهد خاطف نشاهد فيه بلدة في زمن الطاعون، ترصدها عين مافيستوفيليس (ربيب الشيطان)، الهابط من سماوات كامدة كالتي وصفها دانتي في كوميدياه الإلهية، ليعقد صفقته الشهيرة مع الطبيب فاوست، الذي حرق كيانه وخبرته ومكانته بعد فشله في قهر الوباء. جديد صاحب «ألكسندرا» (2007) يذهب أبعد من سرد الحكاية المعروفة. فالهدف هو الإجابة عبر رونق الصورة عن هذه التساؤلات: هل كان عالم فاوست كالحاً حقاً؟ ما هو اللون الطاغي؟ ما هي الرائحة التي تزكم الأنوف؟ ما هي الضجة التي تصمّ المسامع؟ هل شيطانه من دون قرون وذيل ومنجل قصّ الرؤوس، يردّد كلامه كشعر صاف، ولا يتوانى عن معاكسة النساء؟ كم هو العذاب الذي عصف بروح فاوست؟ ما الذي دفعه إلى رهن حياته في مقابل حلم الشباب؟ سوكوروف البارع يُرغِم مُشاهده على الصبر والتبصّر في آن واحد. ذلك أن عمله المصوَّر بـ«فورمات البيلاربوكس»، هو فيض من حركة الكامــيرا والمواقـــع والكـــلام والجغـــرافيا والكائنات الأرضية الممسوسة بعالم كئيب وعنيف، محكوم بقدر إلهي من الجريمة والموت. يُفلسف نصّ غوته ـ سوكوروف معنى السعادة ونشدانها، واكتشاف الجوهر الحقيقي للحياة، والأقدار التي تُسيِّر البشر نحو حتفهم.

النتـائـج

·         الأسد الذهبي: «فاوست» للروسي ألكسندر سوكوروف.

·         الأسد الفضّي لأفضل مخرج: الصيني كاي شانغ جون عن فيلمه «شعب الجبل، شعب البحر».

·         الجائزة الخاصّة بلجنة التحكيم: «تيرّافيرما» للإيطالي إيمانويل كريياليزي.

·         كأس فولبي لأفضل تمثيل نسائي: المغنية والممثلة الصينية ديني يب عن دورها في «حياة بسيطة» لآن هيو.

·         كأس فولبي لأفضل تمثيل رجالي: الألماني الإيرلندي مايكل فاسبندر عن دوره في «عار» لستيف ماكوين.

·         جائزة أوسيلاّ لأفضل مُشاركة تقنية: «مرتفعات ويذرينغ» للبريطانية أندريا آرنولد.

·         جائزة أوسيلاّ لأفضل سيناريو: اليونانيان يورغوس لانتيموس وأفتيموس فيليبّو عن كتابتهما سيناريو «جبل شاهق» ليورغوس لانتيموس.

·         جائزة مارتشيلّو ماستورياني لأفضل ممثل/ ممثلة شاب/ شابّة: اليابانيان شوتا سوميتاني وفومي نياكايادو في «الخلد» لسونو شيون.

·         أسد المستقبل لأفضل أول فيلم: «هناك» للإيطالي غيدو لومباردي.

·         الأسـد الذهـبي التكريمي: الإيطالي ماركو بلوكيو.

السفير اللبنانية في

12/09/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)