"يوميات
فراشة" (مسابقة الأفلام الروائية) فيلم رعب لماري هارن (إنتاج
إيرلندي كندي)، عن فتاة يجتاحها الشكّ بأن رفيقة جديدة لها تشاركها الغرفة
مصّاصة دماء. في العام الماضي، عرض "مهرجان أبو ظبي السينمائي" فيلم "دعني
أدخل" لمات ريفز، أحد أروع أفلام مصّاصي الدماء. غير أن هذا الفيلم لا
يرتقي إلى مستوى عمل ريفز. ذلك أن الفرق الأول بينهما، يكمن في أن هارن
تُخاطب شريحة أوسع من المشاهدين، مُتّجهة إلى "إنترنتمنت" على حساب التأمّل
والدراسة النفسية المعمّقة للشخصيات. هل يعني هذا أن الفيلم جماهيري؟ نعم،
هذا صحيح. فهو لا يُخفي ذلك، بل يطرحه علناً من دون أي إحساس بالدونية أو
الحرج، وأحياناً بخفّة مُبالغ بها. هنا، تقع الإشكالية الكبيرة.
إنه عالم فتيات قاصرات، تُقحمنا فيه هارن، التي اقتبست رواية شهيرة
لرايتشل كلاين لوحدها، من دون اللجوء إلى خدمات أحد (تجاوزت تكلفة الفيلم
عشرة ملايين دولار أميركي)، مستعينة بوجوه جديدة كليلي كول وسكوت سبيدمان
وسارة بولغر وسارة غادون لأداء أدوار البطولة، علماً أن الفيلم التُقطت
مشاهده في استوديوات ميلز في مونتريال. ريبيكا (بولغر) محور الحكاية.
مهووسة بالعلاقة التي تربط لوسي (غادون) بايرنيستا (كول)، ذات الطبع
الغريب. في حين أن الاشاعات سارية حول ايرنيستا، التي يُقال عنها إنها
مُصابة بخلل ما. تختلط الحقيقة بالوهم، على نحو يحمل إلى الاعتقاد بأن
ايرنيستا مصّاصة دماء، بينما الحقيقة قد تكون في رأس ريبيكا، التي بات
خيالها يُفقدها صلتها بالواقع. هذا السؤال (فصل الحقيقة عن الكذب) يبقى
الفيلم يُجرجره طوال مدة عرضه، جاعلاً إياه مسألة مصيرية وعلّة وجودية، إلى
حين يتبخّر الفيلم كدخان أبيض يصعد إلى السماء.
لـ"يوميات فراشة"، الذي عُرض في مهرجان البندقية الأخير خارج المسابقة
ثم في تورونتو، جانب غوطي، تعزّزه الأماكن التي اختيرت لتصويرها، علماً أن
الأحداث تجري في زمننا الحالي، وسط ديكورات جُهِّزت للتذكير بماض غابر.
وإذا كانت للمخرجة طموحات واضحة للذهاب بفيلمها نحو الجمهور العريض، فهي
تعترض حين تُجرى مقارنة فيلمها بـ"توايلايت"، الذي بات مرجعاً في ميدان
فيلم مصّاصي الدماء. ذلك أن العمل هنا على قدر من النضوج، ويتضمّن إشارات
إلى الجنس والمخدّرات والأنوريكسيا. يبقى أن العمل، كغيره من الأعمال التي
تُسلّي أكثر من كونها تثري، يراهن على اعتياد عين المُشاهد على أفلام
مصّاصي الدماء، واطّلاعهم على بنوده، ليمرّروا ما في وسعهم إمراره. في حوار
أجرته معها مجلة سينمائية، تدافع هارن عن وجهة نظرها، بالقول: "عملنا
مختلف. "توايلايت" فيلم من النوع الرومنطيقي. كنتُ أريد شيئاً أكثر إثارة
للخوف، يُزعج المشاهد. لنقل إني أشعر نفسي قريبة جداً من "طفل روزماري"
لرومان بولانسكي، الذي شكّل مصدر تأثير بالغ الأهمية في الفيلم".
"رعب بسيكولوجي": هذا ما كانت تتمنّى هارن إنجازه. بيد أنه لم يصلها
الإلهام الكافي لذلك، بالإضافة إلى المادة المطروحة أمامها لا تساعدها على
التحليق عالياً في سماء الفنّ السابع. استطراداً، يجب ألاّ ننسى أن هارن
أنجزت سابقاً "بسايكو أميركي" مع كريستيان بايل في دور ممتاز، وها هي تنتقل
من تصوير عالم ذكوري وعنيف إلى فتيات يعشن في القسم الداخلي. وقبل ذلك،
بدأت مسيرتها مع "أطلقتُ النار على آندي وارهول" (1996)، واعتبُرت آنذاك
إحدى السينمائيات الطموحات. قد نرى في محاولتها رغبة في ركوب موجة الأفلام
التي تحلو للمراهقين مشاهدتها، لأنها عنهم ولهم، قبل أن تأتينا بعض العناصر
المضيئة لنسف هذا الاحتمال.
تستعين هارن ببعض الـ"كيتش" في إشاعة أجواء مشحونة بالقلق والريبة.
لكن هذا الأمر جعل الأجواء حالكة وغامضة. يفتقد الفيلم الأصالة، وتتكشف
هويته المفتعلة للعلن سريعاً، فنرى الخيوط التي تشكّل منها العمل، والمراجع
اللاإرادية التي أفسدته أكثر مما أسعفته. تخضع هارن لمنطق فيلم "النوع" ("الجانر")،
لكن المفردات التي تأتي بها من هذا الكوكب، ليست دائماً صائبة، إذ تهيمن
عليها بعض التجاوزات. في المحصّلة، الأشياء كلّها الدائرة على الشاشة، يصعب
إسناد معانٍ لها، وبدلاً من أن تعطي الفيلم هذا البُعد الفكري والفلسفي
الذي يبحث عنه عادة كل فيلم، فهي تمتصّ طاقات الصنّاع، بلا مقابل.
من داخل المهرجان في
15/10/2011 |