يتقارب "عدوى"
(العروض العالمية) مع "ترافيك"، وهما للمخرج ستيفن سودربيرغ، من زاوية حجم
الموضوع المتناول. فالأول تناول المخدّرات وعصابات تهريبها المنظّمة، وسعة
انتشارها، التي جعلت منها مشكلة عالمية عابرة للقارات. والثاني عالج مشكلة
الأوبئة الخطرة سريعة الإنتشار، كإنفلونزا الخنازير، وقبلها إنفلونزا
الطيور، التي نشرت الرعب في العالم، وطرحت أسئلة مهنية وأخلاقية متعلّقة
بدور الشركات المنتجة للأدوية والعقارات المضادة للأمراض الوبائية، وأيضاً
اختلاف مكافحتها بين الدول الغنية والفقيرة ومدى نجاعتها، وغيرها من أسئلة
متعلّقة بأنانية الإنسان وتحوّله إلى وحش في أوقات الأزمات والكوارث.
الأسئلة والموضوعات هذه كلّها موجودة في "عدوى"، التي طرحها سودربيرغ
من دون التدخّل كثيراً في الإجابة عنها. لذا، يُمكن القول إن فيلمه حاول
اقتراح محاور فكرية للبحث خارجه، أي ما بعد مشاهدته. هنا، تكمن أهمية
الفيلم. ليس جديداً تناول الأحداث الكبيرة والمهمّة سريعاً في السينما، بل
الجديد كامنٌ في مناقشتها أثناء استمرارها من دون حسم، خاصّة أن هناك
ظلالاً من الشكّ حول حقيقة خطورة هذه الأمراض، ووصولها إلى مستوى الـ"وباء"،
وظهور إشارات إلى دور وسائل إعلامية وشركات منتجة لأمصالها خطّطت وشاركت في
بثّ الهلع في نفوس الناس فترة محدّدة، ثم وبعد تحقيق أرباحها عملت على
تخفيف ضخّها الإعلامي، لينسى الناس المرض وكل ما يتعلق به.
نصّ السيناريست سكوت بورنز، الذي كَتب من قبل لسودربيرغ فيلم
"المخبر"، فيه من هذا التصوّر الكثير، لاسيما أن موضوع "عدوى" يتعلّق بقصّة
السيدة بيث أمهوف (غوينيث بالترو)، التي أُصيبت بفيروس خطر أثناء تناولها
طعاماً في أحد فنادق ولاية شيكاغو. سجّل الفيلم يوميات الوباء وانتشاره منذ
اليوم الثاني لمغادرة بيث الفندق، وشعورها بالتعب، ثم وفاتها من دون وجود
أسباب مرضية واضحة. بعد موتها، بدأت حالات مشابهة بالظهور، ولم يتوصّل
الأطباء الى علاج لها، فبدأ القلق ينتشر بين الناس والجهات الحكومية
والمؤسّسات الطبية الأميركية والعالمية. في سياق هذا، ظهرت شخصيات أحاطت
نفسها بقصص سارت بموازة القصّة الرئيسية، كالصحفي المستقلّ آلان كروموايد
(جاد لو) والزوج ميتش أمهوف (مات دايمون) وابنته التي لجأت إليه لحظة
الخطر، وإلى جانبه الطبيب أليس شيفر (لورنس فيشبورن) الذي حاول المستحيل
لإيقاف الوباء. القصص كلّها، على اختلاف مستوياتها، جمعها سودربيرغ في عمل
سار بوتيرة زمنية متسلسلة، سجّلت في لحظة واحدة مداهمة الخطر وسلوك الكائن
البشري. فالناس أشاعوا بأنفسهم الفوضى حين داهموا المحلات التجارية وأخذوا
ما فيها، وصاروا يتقاتلون فيما بينهم ويسرقون بعضهم البعض. أيقظ الخوف الذي
تسرّب إلى دواخلهم قمقم الشر، والخوف من الموت سلب كل رأفة إنسانية كانت
قبل وصول الوباء عندهم. مشاهد الإنفلات الأناني سارت بمستوى الأكاذيب التي
بثّها الصحفي كروموايد عبر شبكة "إنترنت"، عندما أعلن توصّل إحدى شركات
الأدوية إلى ابتكار مصل جرّبه هو بنفسه فشُفي من المرض. جرت أكاذيبه إلى
جانب مساع حقيقية أرادها الأطباء أن تثمر دواءً ناجعاً خلال مدة قصيرة. هذه
الحيوات والمراكز النشطة في عدوى تفاعلت بطريقة مقنعة، فبدا التماسك واضحاً
في الفيلم، مع ما به من تعدّد مستويات أجبر سودربيرغ على الإكثار من ممثلين
كبار لم يظهر بعضهم إلا دقائق قليلة، ليكرّس مبدءاً سوياً في التعامل مع
الممثل، ويقدّم حكاية اختلفت كتابتها عن العالم الهوليوودي، كونها اعتمدت
أصلاً على تسجيل وقائع تطوّر الوباء في أكثر من مكان، فانكسر التسلسل
التقليدي لمسار الحدث ومكانه، وبان آخر تطلّب إشراك المشاهد في لملمة
أجزائه، والعمل على ربطها. بل أكثر من هذا، تطلّب التفكير بالأسئلة الخطرة
التي طرحها.
من داخل المهرجان في
16/10/2011 |