|
مُبتكر وخفيف الظلّ، مشتمل على تفاصيل حكايته الغريبة التي استهدفت
عوالم أكبر صناعة تكميلية لعالم الموضة على الأرض: صناعة الأحذية
النسائية. في الفيلم الوثائقي "فليحفظ
الربّ حذائي" لجوليا بناسرا ("السينما العالمية"،)، سيلٌ من
المعلومات واللقاءات مع أشهر مُصمّمي الأحذية النسائية هذه، ومنتعليها
وخبرائها النفسيين ونجومها، بالإضافة إلى كبار مُنظّريها وحِرَفيّها. خليط
غريب من الآراء والحوادث والنماذج والتصاميم والألوان. تكشف بناسرا أحد
الأعمال التجارية التي تجد سمعتها في أشهر شوارع الموضة في العالمن ومتاجر
المصمّمين العباقرة. يَخلط العمل المبتكر هذا كل شيء، بدءاً من اللقاءات
الصحافية، وانتهاءً باللمحات الشخصية، ومروراً بغرائب الحقائق، إذ أن
للأحذية النسائية علاقة بالهوس الجنسي، كما اعتبرته ميدوري، إحدى الشخصيات
التي التقتها المخرجة وأستأنست بآرائها، والتي ترى أن "الفيتشيزم (الهوس
الإيروتيكي) مرتبط، بقوّة، بالأحذية المتميّزة بعقبها الطويلة جداً". كما
أن لها وشيجة غريبة مع المرض النفسي وتقلّباته، كما أورده الخبير النفسي
الفرنسي سيرج حافظ، بكلامه عن وشائج إيروتيكية بين الأحذية والقدم البشرية.
طَرحٌ توافق عليه الإخصائية الأميركية بعلم السلوك جيمي آلبن، التي ترى أن
"الحذاء يتناغم والإفراط الجِنْسانيّ".
ماذا يعني الحذاء وتفاصيله للمرأة؟ "إنه أنتِ (المرأة)"، تُجيب
الكاتبة وخبيرة الأحذية الأميركية ميغان كليري، وتعضدها محرّرة قسم
الأكسسوارت السابقة في مجلة "فوغ" النسائية المرموقة فيليبا فينو، بربطها
الأنوثة وتمظهراتها عند النساء بالنوع الذي تنتعله في قدمها، كتفسير لهوس
التعلّق بالأحذية، قبل أن تكشف عن مخزنها الشخصي. يقول المصمّم مانولو
بلاهنكي، مخترع الكعب العالي جداً: "لا أعرف من أين جاء هذا العطش للأحذية.
إنه لا يُوفِّر سبباً. بالنسبة إلى بعض النساء، الحذاء شيء يشبه المسّ
والخبل".
تفتتح بناسرا فيلمها من داخل "مغارة" سيّدة الأعمال جانيت بيراردي،
التي تستعرض أمام الكاميرا 300 "زوج" أحذية من مختلف الأصناف. تعترف أن
الكمّية جزء من كَمّ أكبر، يقبع في مخازن قصرها. تقود هذه المفاجأة إلى
أخرى متعلّقة بـ"كنز" لاعبة البوكر العالمية بيث شاك (41 عاماً)، التي تملك
1200 "زوج" أحذية، يُقدَّر ثمنها بنصف مليون دولار أميركي، والتي تصرخ
عالياً: "إنها إحدى سعاداتي". ذكاء العمل هذا كامنٌ في عدم تنميطه حكايته.
أي أنه لا يُرغم مُشاهده على كره موضوعه أو التهليل له. ويوفّر معلوماته
القريبة والبعيدة عن عالم الحذاء، الذي وصل إلى كل شيء: من انتعاله العاديّ
إلى رموزه في السينما والفنون الأخرى، مُقسِّماً اهتمامه بين تصريحات
مديرات المتاحف الخاصة وسط قاعاتها، وحرفيي المعامل التي تصنع القوالب بين
معدّاتهم، وخبيرة المشي التي تقدّم النصائح لصاحبات الكعوب العالية داخل
الاستديو الخاص بها، والبائع في متجره الباذخ في الجادّة الخامسة في
نيويورك، وغيرهم.
أما من ناحية بنائه التشكيلي، فالأمر لا يتعدّى تصوير المشاركين، كُلّ
في حيزه: الراقصة والموديل الشهيرة داتا فون تيز تقول كلامها بين تُحَف،
وتتحدّث أرملة البارون النمساوي فون نيومان من داخل مقصورة أحذيتها في
قصرها الباذخ، ومطربة الـ"بوب" الأميركية والعضوة السابقة في فرقة "دستني
تشايلد" كيلي رولاند، تجلس على فراش غرفتها الخاصة، ناعتة أحذيتها بـ"أطفالي".
تناول "فليحفظ الربّ حذائي" أموراً غريبة بلغة شديدة الواقعية. لا
يفتعل مشاهد يزايد بها على الطبائع المتنافرة لأشخاص حقيقين، مشكلتهم أن
هواياتهم وشغفهم لا تتماشى كلّها والذائقات المتعارف عليها. يخرج المُشاهد
أكثر مَسّاً بنعله ولونه وزخرفته. والأدهى من هذا كله، بنظافته ولمعانه.
فيلم بناسرا، الذي جال أغلب عروض الأزياء واحتفالاتها الباذخة في عواصم
الموضة، خبرةٌ جديدةٌ للمتفرّج عليه، الذي لن يتخلّص منذ الآن من الجزع من
النظر إلى أحذية الآخرين، وإلى ما ينتعلوه.
من داخل المهرجان في
17/10/2011 |
