قال لى بمجرد انتهاء عرض فيلم «العذراء والأقباط وأنا» عندما استمع
إلى تصفيقى وقبلها إلى ضحكاتى فى أثناء مشاهدة الفيلم: لو كنت قبطيا لتغير
موقفك تماما. قلت له: أنا أشاهد الفيلم كمتذوق، لا أرى الفيلم بمنظور دينى،
ولكنى مصرى أشاهد مصريين. فرد علىّ: هذا الفيلم جرحنى كمسيحى. قلت له: لم
أشعر أن الفيلم يتعرض للأديان، إنه فقط يقدم مصريين يدينون بالمسيحية، هم
مصريون أولا وحتى عاشرا.. وغادر موقعه بجانبى وعلمت بعد ذلك من مخرج الفيلم
نمير عبد المسيح أنه توعده بالهجوم الضارى على الفيلم فى الجريدة التى يكتب
على صفحاتها!
عدت بالذاكرة سبع سنوات وتذكرت فيلم «بحب السيما» الذى أعتبره أهم عمل
فنى فى تاريخ الدراما المصرية تناول الشخصية القبطية بحالة ألق وإبداع. قبل
أن يرى هذا الفيلم النور شعرت الدولة ممثلة فى جهاز الرقابة المرتعش أن
الأقباط من الممكن أن يثوروا وتشكلت لجنة اعتقد رئيس الرقابة وقتها مدكور
ثابت، أن الاستعانة بعدد من الأقباط الذين يعملون بالنقد السينمائى أو من
الشخصيات العامة سوف يقطع الطريق أمام المتطرفين الذين سوف يرفضون الفيلم.
ما حدث هو أن أول طعنة تلقاها الفيلم جاءت من تلك اللجنة بعد أن اعتبرت
الدولة الفيلم شأنا قبطيا ولم تجد سوى أن تواصل اللعب بنفس الطريقة، وهى أن
تلجأ إلى الاستعانة بنقاد ومثقفين أقباط تشعر بأنهم يملكون رؤية أكثر رحابة
للموافقة على عرض الفيلم، وهو ما تم بالفعل إلا أن «بحب السيما» ظل أمام
عدد من الأقباط فيلما مُدانا، وهو بالمناسبة لم يصمد طويلا فى دور العرض
على الرغم من جماله الإبداعى، لكن هذه تظل قضية أخرى متعلقة بأكثر من سبب
منها عدم تعود المتفرج المصرى على التعامل مع أبطال أقباط عبر شاشة
السينما، كما أن عددا من الأقباط اعتبر تقديم شخصية قبطية سلبية يعنى هجوما
مستترا على الدين، وهو مع الأسف ما لاحظته مثلا بين عدد من النقاد
والمثقفين المسلمين عندما تساءلوا عن شخصية الحرامى ولماذا هو مسلم فى فيلم
«مواطن ومخبر وحرامى» للمخرج داوود عبد السيد، وهو ما يعنى أن التطرف هو
السمة التى اجتمع عليها عدد من المثقفين المسلمين والأقباط، وهو ما أكده لى
مخرج فيلم «العذراء» نمير عبد المسيح الذى قال لى إن ناقدا آخر اتهمه بأنه
ليس مسيحيا صالحا كأن الفيلم هو شهادة على حُسن السلوك الدينى رغم أن
أحداثه تتناول الدنيا لا الدين.
قبل أن أشاهد «العذراء والأقباط وأنا» شعرت أن هذا الفيلم يعنينى
كمصرى وقرأت الملخص واكتشفت أنه يروى بالضبط ما يثار فى مصر الآن عن ظهور
العذراء بعد أحداث ماسبيرو. وفى الحديث عن المعجزات لا ينبغى أن نتكئ على
العقل وننسى أن كلمة معجزة لا تخضع للمقياس الموضوعى وإلا ما أصبحت معجزة،
كما أن المخرج لا يقدم لنا تحليلا دينيا عن السيدة العذراء وهل نراها
بالفعل رؤية التجسيد العيان أم الخيال والإحساس، هل مشاهدة تجلى «العذراء»
هى رأى أم رؤية أم رؤيا، ليست هذه هى أهداف نمير عبد المسيح، ولو سألتنى ما
الذى يريده، أقول لك إن الرجل ببساطة يحب أمه وهى سيدة مصرية خفيفة الظل
ومن خلال الأم رأينا أهلها المصريين فى إحدى قرى صعيد مصر. لا يمكن أن تنسى
مشاهد الأم وهى تحرك الأحداث من باريس قبل أن تأتى إلى مسقط رأسها فى
أسيوط، أو وهى تحذر ابنها من ضرورة أن لا يصور أهلها، أو عندما تمسك
بالميكروفون وتدور على أهل القرية ترجوهم أن لا يغيبوا عن التصوير فى الغد.
أن يرى الصعايدة كاميرا فى قريتهم ويتعاملوا معها ويقفوا أمامها ويعتقدوا
أنهم ممثلون تكشف من خلال ذلك روح هؤلاء البشر كيف يفكرون. أتصور أن المخرج
كان لديه هم أساسى يحركه وهو أن نرى بشرا مصريين ولا شىء أبعد من ذلك.. هل
من الممكن أن يُعرض الفيلم فى مصر بعد كل هذا الشحن الطائفى؟ أتمنى أن لا
تنغلق العقول والقلوب وأن لا نسأل بعد مشاهدة الفيلم: هل أنت مسلم أم مسيحى
بل هل أنت مصرى أم مصرى؟ وكانت تلك هى رسالة نمير عبد المسيح!
التحرير المصرية في
02/11/2011
سعاد فى عيون سعاد!!
طارق الشناوي
صار اسم سعاد حسنى، مرادفا لجريمة القتل وأجهزة المخابرات وأشرطة
جنسية وصفوت الشريف ومعمر القذافى.. مع الأسف كل ما قدمته سعاد فى رحلتها
الفنية وتلك المكانة الاستثنائية التى حظيت بها فى قلوبنا تبددت بسبب نهم
أجهزة الإعلام ولهاثها وراء البحث عن فضيحة تشغل بها مساحات من الفراغ
الفضائى.. إلا أن المخرجة اللبنانية رانيا أسطفان نحت كل ذلك جانبا وقدمت
لنا فيلما وثائقيا عن سعاد الفنانة، ولكن، وآه من ولكن.
بعنوان خادع «اختفاءات سعاد حسنى الثلاثة» حصلت رانيا على جائزة أفضل
مخرجة وثائقية فى مهرجان «الدوحة» التى أعلنت السبت الماضى.. العنوان يدفعك
كمشاهد إلى أن تتهيأ لكى ترى فيلما يتناول ما أثير من أقاويل وحكايات وأضيف
أيضا وافتراءات عن سعاد حسنى.
يأتى فيلم المخرجة رانيا أسطفان، رافعا الظلم عن الفنانة الكبيرة، فهو
لم يتعرض للشق الجنائى فى اختفاء سعاد، ولكنه على مدى يتجاوز 70 دقيقة يقدم
لنا دعوة مفتوحة لنعيش مع الجانب الحقيقى فى حياة سعاد حسنى، أقصد الفنانة
الاستثنائية.
الاختفاءات الثلاثة، الأول هو اختفاء سعاد حسنى فى آخر عشر سنوات من
عمرها عن الشاشة بعد فيلم «الراعى والنساء» 1991، خاصمتها الشاشة وخاصمت هى
الشاشة.. أما الاختفاء الثانى فإنه يعنى انتهاء العمر الافتراضى لعدد من
أشرطة الفيديو، فلم تعد صالحة للتداول.. ثم اختفاؤها الثالث القسرى عن
الحياة!!
تستطيع أن ترى الفيلم من خلال تلك الرؤية أننا سنشاهد ونحلل سعاد حسنى
كما هى فى أفلامها وكأننا نرى سعاد بعيون سعاد.. لجأت المخرجة إلى عشرات من
الأشرطة التى احتفظت بها المكتبة لسعاد من أفلامها وعددها 82 فيلما روائيا
ضاع مع الأسف بعض منها.. استعانت المخرجة بجمل حوار من أفلام لها مردود
نفسى يرددها محمود المليجى ورشدى أباظة ويحيى شاهين، وتأتى الإجابة من سعاد
فى مشاهد لأفلام أخرى.. إننا نرى «سعاد» الشخصية الدرامية وهى تحاول أن
تعثر على إجابة من «سعاد» عبر أفلامها على الشاشة وانتقلت من مشهد إلى آخر
وهى تضع أمامها هدف الوصول إلى سر سعاد حسنى.. لم تلجأ المخرجة لأسلوب
إجراء حوار باستضافة أحد معاصريها ممن تعاملوا فنيا معها ليلقى الضوء على
جانب من إبداعها.. كما أن المخرجة اكتفت بأن تترك المشاهد هو الذى يحلل
أداء سعاد من خلال هذا التراكم بالصور المتتابعة على الشاشة وظلت سعاد
حاضرة طوال زمن الأحداث تستطيع من خلال أعمالها الفنية أن ترصد مثلا تطور -الجانات-
«الفتيان الأوائل» للسينما المصرية، فلقد كانت سعاد فى مرحلة متوسطة بين
جيلين وشاركها البطولة جيل رشدى أباظة وشكرى سرحان وأحمد رمزى وحسن يوسف،
كما أنها أيضا كانت واحدة من النجمات اللاتى أسهمن فى تأكيد وجود الجيل
التالى مثل نور الشريف ومحمود ياسين وحسين فهمى وصولا إلى أحمد زكى.
كانت سعاد هى الأيقونة التى عاشت عليها السينما المصرية وعن طريق
أفلامها حققت المعادلة الصعبة، وهى أن تقدم عملا جماهيريا، وفى نفس الوقت
له مردود فنى، كما أنها لم تخضع للشباك، كانت لها دائما اختياراتها الفنية
المتمردة على الشكل التقليدى، حتى لو تضاءلت إيرادات بعض تلك الأفلام.
واجهت سعاد حسنى العديد من القيم الاجتماعية البالية، حيث صارت هى
نموذج الفتاة المصرية والعربية فى الستينيات من القرن الماضى.. سعاد لم تكن
عشوائية فى اختيار الدور والفيلم والمخرج الذى تتحمس له، بالتأكيد أخفقت
عدة مرات، إلا أنه ليس صحيحا أنها كانت تمنح عقلها إجازة وتترك الآخرين
يحددون لها معالم الطريق، كانت تسأل وتنصت وتستشير، إلا أنها فى نهاية
الأمر هى صاحبة القرار. مشوار سعاد صنعته بعقلها ومشاعرها.
بذلت المخرجة جهدا فى المونتاج، إلا أنها أضاعت كل هذه الطاقة، لأنها
لم تقترب بالتحليل من منهج سعاد حسنى فى الأداء الدرامى، لقد تركت المخرجة
المشاهد هو الذى يحدد سر الاختفاءات، فلم يكن فقط الاختفاء لسعاد ولكن
لمخرجة الفيلم أيضا!!
لو أن المخرجة اللبنانية تحررت من الإطار الشكلى الذى تقيدت به
لاستطاعت أن تقدم لنا سعاد بعيون سعاد، ولكن كما يقولون فى مصر ولبنان
«الحلو مايكملش»!!
التحرير المصرية في
01/11/2011
فى فرنسا.. القانون يعرف «زينب»!!
طارق الشناوي
العدالة والقانون الوضعى والبشر المنوط بهم تنفيذ القانون هى المحاور
التى رأينا خلالها فيلم «عمر قتلنى» الحائز على جائزتى أفضل مخرج رشدى زيم،
وأفضل ممثل سامى بوجيلا، فى مهرجان الدوحة ترايبكا.
لا شك أن صورة العدالة التى نرمز لها بامرأة معصوبة العينين تمسك
بميزان هى الهدف الأسمى لكل من يرنو إلى تحقيق العالم المثالى على الأرض،
إلا أن الواقع يؤكد أن تلك العدالة ليست معصوبة العينين تماما، ولكنها
أحيانا تنتقى وتختار، فهى تبدو وكأنها حلم بعيد المنال ونحن فى نهاية الأمر
أسرى لأفكارنا!!
التقط الفنان الفرنسى المغربى الأصل رشدى زيم، الذى أصبح واحدا من
أشهر النجوم فى السينما الفرنسية قضية لا تزال تنظرها حتى الآن المحاكم
الفرنسية رغم مضى 20 عاما على تداولها قضائيا، عن البستانى الذى أدين
بجريمة قتل سيدة ثرية كان يعمل عندها.. لم يتقيد المخرج دراميا ولا فكريا
بتلك القضية، اتسعت الرؤية لتتحقق له نظرة أبعد يطل منها على العالم كله
لينتقل إلى نظرة المجتمع الفرنسى أو الغربى بوجه عام للعربى أو للمهاجر
الغريب، وذلك من خلال القانون الذى يتحرك وفقا للأهواء، وهكذا أدين
البستانى المغربى الأصل بسبب نظرة قاصرة فى تفسير القانون.
كيف نحاكم الآخر.. القانون الذى يطبق على الجميع واحد، ولكن تتعدد
زاوية الرؤية، بل قد تتناقض أيضا.. إنه يضع حدا فاصلا مع الأسف بين المواطن
الذى ينتمى «جينيا» -إن صح التعبير- للبلد وبين من انتقل إليه حتى لو حمل
جنسيته مثل بطل الفيلم الذى أدى دوره سامى بوجيلا، وهو إلى الجيل للجيل
الثانى من المهاجرين ويعمل بستانيا، حيث تعلم تلك الحرفة عن والده، إلا أنه
لا يقرأ ولا يكتب، يستطيع فقط التحدث قليلا بالفرنسية.. الجريمة ليست هى
القضية الأساسية ولا أتصورها تشكل المحور الرئيسى ولكنها تكئة يطل منها
الفيلم على الواقع الذى يحياه المغتربون فى أوروبا.
القانون فى العالم كله لديه قاعدة مستقرة، وهى أن الشك يفسر لصالح
المتهم، صحيح أن بناء الفيلم فى النهاية يقودنا إلى الاقتناع لا اليقين
ببراءة البطل العربى المسلم، ولكن تبقى ظلال الشك قائمة، إلا أن الأهم هو
أن رسالة الفيلم لم تكن فى البحث عن براءة البطل ولا للوصول إلى الفاعل
الأصلى لجريمة القتل، بقدر ما هى إدانة ازدواجية تطبيق القانون.
القضية على أرض الواقع لم تحسم، فلقد حصل البطل قبل أكثر من عشر سنوات
بعد تدخل سياسى على الإفراج، لكنه لم يحصل على البراءة، فهو لا يزال متهما
فى عرف القانون الذى انتفت عنه العدالة فى بلد كان ملهما بل ومصدر للقوانين
للعالم أجمع.
لا يستطيع أحد أن يجزم بأن عمر البستانى المغربى الذى لا يقرأ ولا
يكتب قتل تلك المرأة الثرية التى أحبها، ولكنها كتبت اسمه بدمائها على
المرآة بعد الجريمة، وهى تلفظ أنفاسها الأخيرة.. هل هناك من دبر بذكاء تلك
الجريمة ليورط عمر.. كل التفاصيل الدقيقة بعد ذلك تؤكد أن عمر لم يقتل،
والقضاء وهيئة المحلفين كانت إدانتهم جاهزة قبل أن يمتلكوا أدلة الإدانة،
وتلك هى المعضلة الكبرى فى هذا الفيلم!!
المجتمع الفرنسى لا يحمل كراهية مطلقة فى التعامل مع الآخر، وهكذا ظلت
شخصية الصحفى الفرنسى الذى يؤمن ببراءة عمر تهيمن على المشهد السينمائى،
ولها حضورها الدرامى وأيضا الفكرى، وأصدر كتابا يحمل اسم «عمر»، إلا أن
البطل الأمى كان عاجزا عن قراءته.
داخل هيئة المحكمة، حيث يدور العديد من المشاهد السينمائية قدم المخرج
رشدى زيم حالة من الألق الإبداعى بكاميرا مدير التصوير جيروم اليرماس، كذلك
كان للموسيقى دور البطولة فى هذا العمل الفنى التى وضعها ألكسندر إزازيا،
كذلك لعب بوجيلا دورا مؤثرا برع فيه بعد فيلميه الجزائريين «أيام المجد»
و«خارج عن القانون» للمخرج رشيد بوشارب.. نرى رشدى زيم مخرجا متمكنا يملك
إيقاعا خاصا يقدم المعلومة السينمائية بتفاصيل صغيرة لتتجمع بداخلك شيئا
فشيئا بعد ذلك الصورة كاملة.
«القانون فى مصر لا يعرف زينب».. عبارة شهيرة ساخرة أطلقها قبل نصف
القرن فؤاد المهندس فى مسرحية «أنا وهو وهى»، إلا أنه فى فرنسا يعرف زينب
وأخواتها أيضا!!
التحرير المصرية في
31/10/2011
اصفعنى شكرا!
طارق الشناوي
بينما كنت أشاهد الفيلم التسجيلى السورى الطويل «توق» إخراج لينا
العبد الذى يتناول الكبت الذى تتعرض له المرأة العربية فى المجتمع الذكورى..
كان الزملاء الصحفيون مشغولين بمتابعة ظلم ذكورى فادح وفاضح صار هو الحدث
الذى سرق الكاميرا فى مهرجان «ترايبكا»، إنه ابتسامة مذيعة قناة الحرة
عائشة الدورى العراقية الجنسية بعد أن صفعها عمر الشريف أمام عديد من
زملائها، لم تكتفِ المذيعة بابتسامة الرضا والامتنان على تلك الهدية
المفاجئة ولكنها أصرت على أن تلتقط مع عمر الشريف صورة تذكارية حتى لا يغيب
عن ذاكرتها هذا الحدث… من المهم أن أذكر لكم أن لينا العبد مخرجة الفيلم
التسجيلى كانت تستشهد فى معرض حديثها عن ظلم المرأة بشيخ سلفى يقول إن
الإسلام لم يبح صفع الرجل زوجته إلا فى حالة واحدة هى امتناعها عن معاشرته،
أى أنه حتى نظرة المتطرفين إلى الاعتداء السافر على المرأة ظلت محاطة
بالمحاذير الشرعية!
كان الموقف عبثيا، إلا أن الأكثر عبثية هو المذيعة التى ظلت محتفظة
بابتسامتها تملأ وجهها منتظرة دورها فى الحصول على صورة فوتوغرافية!
كانت قناة «الحرة» قد أوفدت المذيعة عائشة المتخصصة فى الأحداث
السينمائية لتغطية فاعليات المهرجان فصارت هى الحدث الذى تتابعه الفضائيات
ويحتل مساحة مميزة على «يوتيوب».
بالطبع لم تكن هذه انفلاتة يتيمة لعمر الشريف، ولكنها واحد من عشرات
التجاوزات التى كثيرا ما ارتبطت به فى السنوات الأخيرة وكثيرا ما شاهدناها
عبر المهرجانات، ربما كان أشهرها وليس آخرها ما حدث فى مهرجان فينيسيا 2009
بعد عرض فيلمه «المسافر» فى المسابقة الرسمية عندما فتح الشريف النيران على
مخرج الفيلم أحمد ماهر والبطل المشارك خالد النبوى وتطايرت كلمات نابية من
عمر إلى كل منهما.
أما ما حدث فى الدوحة فلقد بدأت الواقعة عندما ذهب عمر لعقد مؤتمر
صحفى فى إطار المهرجان، فهو ضيف شرف الدورة الثالثة فى الدوحة «ترايبكا»،
وكان قد اتفق على إقامة جلسة مصغرة لكل مَن طلب منه إجراء حوار لأن
المهرجان فى إطار تكريمه عرض فيلمه «المواطن مصرى» الذى أخرجه صلاح أبو سيف
قبل نحو 20 عاما، وفى البداية قال عمر الشريف للصحفيين إنه لم يعد يتذكر
عديدا من الأحداث فلا يسألوه عن أى تفاصيل، إلا أن هذا لم يمنعه من الإشادة
بفيلم صلاح أبو سيف «المواطن مصرى» وبكل الأفلام الأخرى التى أخرجها له
وأهمها «بداية ونهاية».
ثم انتقلنا سريعا بعد لحظات إلى الذروة الدرامية وهى الصفعة التى
تلقتها مذيعة قناة «الحرة» التى أدت إلى أن يتصل محامى عمر الشريف من
الخارج بإدارة المهرجان من أجل أن تقدم المذيعة نفيا للواقعة بينما أصرت
المذيعة على أن تتلقى أولا اعتذارا من عمر الشريف عن الواقعة وهو ما لم
يفعله عمر الشريف حتى كتابة هذه السطور، وأظنه أيضا لن يفعل.
تعددت تجاوزات عمر، وبعضها بالمناسبة يقدم عليه بحسن نية ولكنه كان
يعتذر بعد ذلك.. مثلا فى مهرجان الإسكندرية قبل الأخير 2010 عندما عُقدت
ندوة لفيلم «المسافر» الذى افتتح المهرجان قال الشريف إن الجمهور المصرى
الذى يُقبِل على أفلام إسماعيل ياسين لا يمكن أن يذهب لمشاهدة فيلم
«المسافر»، ثم اعتذر عن سوء الفهم الذى أدى إلى توجيه إهانة إلى إسماعيل
ياسين وإلى الجمهور.. كما سبق لعمر قبل نحو خمس سنوات أن أخطأ فى التعبير
عندما أراد أن يقول إن جمال عبد الناصر كان يتعامل مع الأمريكيين فقال إنه
كان عميلا لهم، ولهذا اضطر بعد ذلك إلى الاعتذار.
والحقيقة التى لا تحتمل الشك هى أن عمر الشريف زادت فى السنوات
الأخيرة أخطاؤه وأن موقفه مع مذيعة قناة «الحرة» هو امتداد لتلك الأخطاء
بعد أن نهرها بصوت عالٍ وغاضب، ووجه إليها أشهر صفعة فى تاريخه حيث لم
يُعرف عن الشريف فى أفلامه أنه يصفع النساء!
الشيخ السلفى المتزمت وضع المحاذير المغلظة التى تحول دون أن يصفع
الرجل حتى زوجته ولم يُبِح مطلقا ضرب الرجل امرأة غريبة عنه، بينما عمر
الشريف فعلها ببساطة، والمذيعة تقبلتها بسعادة وامتنان!
التحرير المصرية في
30/10/2011
تجلى العذراء فى «الدوحة»!!
طارق الشناوي
فى مصر الأقباط يكرهون المسلمين، والمسلمون يكرهون الأقباط، والاثنان
يكرهان اليهود.. جملة حوار تجرحك كمصرى يعيش على أرض مصر، لكن عندما تدرك
أن قائلها مصرى قبطى يعيش فى فرنسا، تدرك أن تلك هى الصورة التى يتم
تداولها فى الخارج، وأن بعض الممارسات هنا أو هناك تمنحها قدرا من
المصداقية. الأمر لم -وأتمنى أيضا أن أضيف لن- يصل إلى حدود الكراهية، لكن
يجب أن نعترف أن مصر منذ السبعينيات من القرن الماضى ليست هى مصر قبل ذلك
التاريخ، هناك أياد تعبث وتضرب ولها مصالحها. العبارة صادمة لأنها تجافى
الحقيقة، وصادمة أيضا فى جانب منها لأنها تعبر مع الأسف عن وجه آخر من
الحقيقة!
ظهرت السيدة العذراء مؤخرا بعد أحداث ماسبيرو لتضمد آلام المصريين،
وتعبير «ظهرت» هو تحديدا ما يعبر عن العمق الفكرى للفيلم حول معنى الظهور
الأدبى والمادى. دائما ما تتوحد مشاعر المصريين من أجل أن يستجيروا بأم
النور فى لحظات الاحتياج للإحساس بالمعجزة. أهم ظهور سياسى للعذراء واكب
الهزيمة المصرية بعد 67، تستطيع أن ترى فيه الوجه النفسى يعبر عن نفسه، حيث
تجمع الملايين فى شهر أبريل 68، الكل يؤكد أنه شاهد العذراء، وأنها تبارك
مصر وشعبها، وأن عبد الناصر كان من بين الملايين الذين باركوا تجليها،
ومنحتهم القدرة على العبور بمصر من الهزيمة. إن مجرد التشكيك فى تفاصيل
تجلى العذراء يصطدم مباشرة بقناعة دينية، ويبدو أن المخرج المصرى المولد
والأبوين نمير عبد المسيح، وكأنه يدخل إلى تلك المنطقة الشائكة، عندما يسأل
أمه عن شريط قديم يتم تداوله بين المصريين، وبين الحين والآخر يقولون إنه
يؤكد الظهور، بينما قطاع وافر من المصريين، مسلمين وأقباطا، يؤكد ذلك، فإن
هناك أيضا قطاعا آخر يرى أن العذراء خير نساء العالمين، كما وصفها القرآن،
قد تتجلى فى قلوب الأقباط والمسلمين. الظهور والتجسيد الحسى هو النقطة
الساخنة الرؤية بالعقل أم بالقلب؟ الناس رأت العذراء لأنهم يريدون ذلك، وهو
ما تكرر مؤخرا بعد أحداث ماسبيرو. الفيلم الذى قدمه نمير، يتوازى به خطان
تسجيلى ودرامى، الأول هو الرؤية التسجيلية لمخرج قرر أن يصنع فيلما عن
حقيقة التجلى، والثانى هو أن يعيد دراميا تمثيل الحدث. الأم تعبر عن القلب
الذى يرى فى ظهور العذراء يقينا لا يحتمل التشكيك، بينما نمير هو العقل
الذى يريد أن يقتنع بإمكانية حدوث المعجزة، رغم أن المعجزة نصفها كذلك،
لأنها لا تخضع لمقاييس وحسابات العقل. الابن الذى قرر أن يأتى إلى مصر
وينتقل إلى الصعيد فى نفس القرية الصغيرة التى عاش فيها واحتضنته طفلا،
يقدم أهالى القرية وهم فى مولد السيدة العذراء يهتفون «الصحافة فين العذراء
أهه» أو «بص شوف العذرا بتعمل إيه»، وهى نداءات تجرح بالتأكيد فى جانب منها
روح الدين، إلا أنها تعبر عن وجه آخر للصورة، وهو الانشغال المادى
بالعذراء، وإحالتها إلى معركة أو مباراة بين فريقين، والحقيقة أن العذراء
هى التى تجمّع على حبها المصريون برؤية تجاوزت الدين، إلا أن هناك أيضا
مظاهر الشحن الطائفى عند المتطرفين المسلمين والأقباط ترى أن العقيدة
والهوية الدينية قبل الانتماء الوطنى، وهكذا يبدو لى اللجوء إلى تلك
النداءات التى تصلح فقط لمباريات الكرة.
السؤال عن حقيقة تجلى العذراء كان هو نقطة الانطلاق فى الفيلم، لكنه
ليس هو الفيلم الأهم بأن المخرج قدم لنا مصريين يعيشون فى صعيد مصر لتنتهى
الأحداث، والأم والابن فى طريق العودة إلى باريس.. السؤال أحاله نمير إلى
حالة هزلية كوميدية يشارك فيها عدد من أهل قريته بأداء مشاهد تعيد تجسيد
ظهور العذراء، كانت هذه المشاهد تقودنا لكى نرى المصريين هم المصريون، لا
تفرق بينهم عقيدة كما لا تميز بين وجه وآخر، إنهم أهل نمير عبد المسيح
الفقراء، الذين كان يبدو أن أمه فى البداية لا تريد أن توثق حياتهم فى
السينما. هكذا تخرج من الفيلم وأنت ناسى السؤال عن حقيقة التجلى، لأن الذى
تجلى فى الفيلم هو روح المصريين، والذى تجلى أيضا بإبداع فنى فى الرؤيتين
البصرية والصوتية للشريط، هو المخرج نمير عبد المسيح!
التحرير المصرية في
29/10/2011 |