حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم (OSCARS 2012)

سباق التصوير... لمن الاوسكار؟

محمد رُضا

جاءت نتائج جوائز البافتا البريطانية وجوائز جمعية المصوّرين الأميركية في يوم واحد. ففي الثالث عشر من هذا الشهر صدرت جوائز ما يُسمّى بالأوسكار البريطاني وجائزة الجمعية العريقة لفن التصوير تلك التي تأسست قبل أكثر من سبعين سنة.

وفي حين أن الإختلافات في النتائج عموماً واردة، الا أن جمعية المصوّرين لا تمنح جوائزها لغير الحقول التصويرية ذاتها. فهي جمعية تضم المصوّرين المسجّلين فيها (أكثر من مئة وعشرين) وجوائزها حكراً على هذا الحقل المهم من حقول السينما، بينما البافتا هي جمعية أكاديمية عامّة تضم نحو 2000 عضو وتمنح جوائزها، كما الغولدن غلوبس والأوسكار وجمعية الفيلم الأوروبي إلى كافّة الحقول.

لذلك فإن وجه المقارنة محصور بجائزتي التصوير وحديهما. هاتان الجائزتان اللتان توزعتا بين إيمانويل لوبزسكي عن تصويره «شجرة المعرفة»، وبين غويلام شيفمان عن تصويره «الفنان». جمعية المصوّرين الأميركية وجدت أن تصوير «شجرة المعرفة» هو أفضل تصوير للعام والأكاديمية البريطانية وجدت أن تصوير «الفنان» هو أفضل تصوير للعام. كلاهما على حق لكن أحدهما معه حق أكثر قليلاً من الآخر. هل يمكن لنا أن نقارن؟

غويلا شيفمان مدير تصوير فرنسي أنجز للآن نحو خمس وأربعين فيلم ولم يسبق له أن نال جائزة كبيرة بحجم جائزة البافتا. بدأ مساعداً في أفلام مثل «دانتون» الذي أخرجه البولندي أندريه ?ايدا سنة 1983 و«سوان العاشق» الذي أخرجه الألماني فولكر شلندروف في العام التالي. كذلك عمل على فيلم مهدي شارف «شاي عند الحريم» وعلى فيلم «مرتفعات وذرينغ» نسخة الفرنسي جاك ريفيت (كلاهما سنة 1985). كل هذه الأفلام انتحت منحى  على عكس فيلمه الأول كمدير تصوير فعلي وهو «قبل العاصفة» لبرونو هربولو (1992). بعد ذلك أفلامه تنوّعت بتنوّع مخرجيها. لكن أحداً لم يعتبره طوال التسعينات والعقد الأول من القرن الحالي ذا موهبة تستطيع أن تتنافس عالمياً. لكن المخرج ميشيل أزانافيشوس، الذي أسند إليه مهمّة تصوير «الفنّان»، الذي كان السبب وراء منح مدير التصوير هذه البافتا، أعجب بعمله واستخدمه في فيلميه السابقين  OSS 117?:? Cairo?,? Nest of Spies وOSS 117?:? Lost in Rio
شاهدت الفيلمين من دون أن يلفت تصوير شيفمان الإنتباه. مرّة أخرى غلب المخرج الساعي لتطويع فيلمه جماهيرياً على فن التصوير (وفن العناصر الأخرى) فلم يبرز للعيان ما هو خاص بمدير التصوير. هذا اختلف تماماً حين قرر أزانافيشوس تحقيق فيلمه الخاص «الفنان» ولأسباب جوهرية.

«الفنان» فيلم يتعاطى ومرحلة تاريخية (أواخر العشرينات) ومصوّر بالأبيض والأسود وذلك تلاؤماً مع أفلام تلك الفترة خصوصاً وأنه يتحدّث عن سينما تلك الفترة التي كانت بالأبيض والأسود، عدا عن أنها كانت أيضاً صامتة كحال هذا الفيلم أيضاً. هل الإختيار يؤسس منهج التصوير فيه هذا لأن المشاهد، داخلية وخارجية، تنشد تحقيق الغاية المطلوبة منها وهي منح المشاهد الحس بالكيفية التي كانت فيها السينما آنذاك. هذا بالطبع على الرغم من أن الحياة في ذلك الحين وفي مختلف العور كانت بالألوان والفيلم يتحدث عن حياة وليس هو عرض لفيلم داخل فيلم بالأبيض والأسود.

شيفمان ينجز المهمّة جيّداً، خصوصاً لناحية التعبير والتلاؤم ذلك لأن منهج الفيلم وخطّة إخراجه لا مكان فيها لجماليات خارج هذا الإطار.

من ناحيته، نجد أن شغل إيمانويل لوبزسكي في «شجرة المعرفة» أكثر تنوّعاً. في الوقت الذي صوّر فيه شيفمان «الفنان» مستخدماً كاميراسينما (وليس دجيتال) من نوع Arriflex 435 (وهي كاميرا مناسبة من حيث يعمد إليها المصوّرون حين يريدون تحقيق فيلم بقياس 35 مم من دون صوت)، نجد أن لوبزسكي عمد إلى ما لا يقل عن خمسة عشر نوع كاميرا سينما ودجيتال لتحقيق فيلم متشابك الإهتمامات والمواقع والإيحاءات. لم يعمل لوبزسكي المكسيكي المولد، مساعد تصوير في مطلع الثمانينات حين بدأ مهنته، بل صوّر وأخرج أفلاماً قصيرة قبل أن يبدأ العمل مع آخرين من العام 1991 وصاعداً. بحلول منتصف التسعينات كان بدأ العمل في أفلام أميركية وإن لم يترك المكسيكية (هو مصوّر «وأمّك أيضاً» لألفونسو كوارون سنة 2001). طلبه إليه المخرج ترنس مالك، مخرج «شجرة المعرفة» سنة 2005 لفيلمه السابق «العالم الجديد» وفي العام نفسه أنجز فيلماً آخر محسوب له هو «أطفال الرجال» لألفونسو كوارون.

شغل لوبزسكي على «شجرة الحياة» صعب في تكويناته (أكثر صعوبة من شغل «الفنان» في هذه الناحية). والإنتقال من موقعين أرضيين (ريف تكساس ثم مدينة غير محددة) ليس المقصود بهذا التنويع بل الإختلاف الأجوائي بينهما. واحد يبدو قريباً من الحياة يقع على الأرض الخضراء في البلدة الهادئة والآخر يقع في عالم اليوم تحدّه ناطحات سحاب حيناً وشوارع رمادية مصوّرة من عل ثم أرض جدباء يمشي فيها شون بن باحثاً ومقلّباً في ذكرياته التي تعود به، وبنا، إلى تكساس الخمسينات. ثم هناك التصوير التسجيلي والمشغول دجيتال وكومبيوتر غرافيكس ويشكّل نحو ثلث الفيلم الثالث: لقطات للحياة قيد التكوين وبعده. الأرض قبل الإنسان وخلاله. الماء. السحاب. الكون البعيد. البراري والغابات والجبال الخ… ما يشوب هذه المشاهد معالجتها الكلّية. المسألة بذلك ليست مجرد تصوير لقطات بل كيف تجمع بينها في حس من السرمدية والملائمة الدائمة.

المنافسة على الأوسكار قائمة الآن بين هذين المصوّرين كذلك بينهما وبين ثلاثة لا تقل أعمالهم مستوى إبداعياً: توني رتشاردسون عن «هيوغو» ويانوش كامينسكي عن «حصان حرب» وجف كروننوَذ عن «الفتاة ذات الوشم التنين». ومن المثير جدّاً معرفة خصائص كل من هذه الأعمال الثلاثة وأيها يستحق أكثر من سواه حمل الأوسكار في تلك الليلة غير البعيدة.

الجزيرة الوثائقية في

15/12/2011

 

رؤية خاصة:

عمنا الآوسكار

كتب : رفيق الصبان 

ما من جائزة سينمائية كبري تستقطب الجماهير الكثيرة في السينما، قدر جوائز الادارة الامريكية المخصصة أصلا للأفلام الامريكية المنتجة في عام.. وفي جميع فروعها مع اعطاء فرع خاص لأحسن فيلم أجنبي عرض في أمريكا في ذلك الموسم.

وتتكاثر التشنجات.. وتنتشر التوقعات.. وتوزع الاستمارات علي عدد كبير من النقاد والنقابات والهيئات الفنية المختصة وكل من له شأن أو رأي في السينما.. ليتم بعد ذلك انتخاب الافلام والفنانين الذين فازوا بأكبر الأصوات.

جائزة أمريكية.. مقدمة لجمهور أمريكي.. يختارها مواطنون أمريكيون.. ومع ذلك تخظي هذه المسابقة بهذا الاهتمام العالمي الواسع الذي لا تحظي به مهرجانات سينمائية شديدة الأهمية كمهرجان كان أو البندقية حيث تتنافس أفلام العالم كله للحصول علي جوائز لها قيمة فنية ومعنوية.. تختارها لجنة تحكيم محدودة .. تمثل اتجاهات السينما في العالم كله وليس ذوقا محليا محددا.

وتأتي جوائز الاوسكار الامريكي .. وهي أقدم الجوائز السينمائية في الولايات المتحدة تقريبا بعد عدد آخر من الجوائز.. توزعها هيئة النقاد الامريكيين والجولدن جلوب وسواها.. وتحظي هي أيضا بالاهتمام الكبير لانها عموما تكون «ارهاصة» لما ستأتي عليه جوائز الاوسكار.. التي غالبا لا تتناقض كثيرا مع هذه الجوائز السابقة وأصحابها.

وتطمع السينما المصرية.. منذ زمن بعيد في أن تحصل علي جائزة أحسن فيلم أجنبي أسوة بغيرها من البلدان التي تصنع السينما.. والتي تكون أحيانا أقل منها تاريخا وشأنا.. ولكن أملنا كان يخيب في كل عام مع أن كثيرا من أفلامنا الجيدة رشحت لهذه الجائزة ولكن أيامها لم يصل إلي التصفية الأخيرة.. وهي التي تضم عموما خمسة أفلام أو أكثر.. تختار منها لجان التحكيم واحدا فقط تتوجه.. كأحسن فيلم أجنبي للعام.. وهو يفتح لنفسه بهذا التكريم امكانية توزيعه بشكل واسع.. في انحاء العالم كله عن طريق شركات التوزيع الامريكية العملاقة.

والغريب.. أن بعض الأفلام الفائزة والتي كانت تأتينا من بلاد صغيرة لم تعرف الانتاج السينمائي إلا مؤخرا.. كانت تقل في المستوي «حسب رأي بعض النقاد العرب والمصريين» عن بعض الأفلام المصرية المرشحة.. ومع ذلك لم تصل مصر إلي هذا التكريم الأمريكي الذي طالما حلمت به وتمنته.

حكاية الافلام المصرية.. وابتعادها عن الجوائز المهمة في المهرجانات الكبري «وليس في الاوسكار فقط» حكاية طويلة لها جذورها وأسبابها ومسبباتها وليس هنا مجال الحديث عنها. نعود لأوسكار هذا العام لنجده هذه المرة وقد وسع أفقه بعض الشيء.. فأصبح مثلا عدد الأفلام المرشحة للفوز بأحسن فيلم «عشرة».. بينما كان عددها في السنوات السابقة «خمسة» فقط جاء من بينها فيلم «شجرة الحياة» الذي فاز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان الأخير.. والذي اهملت الترشيحات.. ميزانية الأخري الشديدة التأثر.. كما جاء بشكل مفاجيء فيلم «الارتست  الفرنسي.. وقد فاز ممثله الأول بجائزة التمثيل في المهرجان نفسه.. كما جاء فيلم مارتين سكورسيزي الأخير وفيلم ستيفن سبيلبيرج الاخير أيضا ضمن المنافسة بينما غاب فيلم كلنت ايستوود الاخير رغم أهميته وخصوصيته الفائقة.. تماما كما غاب فيلم فون تراير الدانماركي «ميلا نخوليا» رغم أهميته القصوي ورغم فوزه بجائزة أحسن فيلم من الاتحاد الأوروبي!

وبالطبع يبقي الفيلم الايراني «الانفصال» والذي فاز بجائزة الجولدن جلوب كأحسن فيلم أجنبي أهم فيلم في الترشيحات الاجنبية.. وواحد من أروع الأفلام السينمائية التي شهدها جمهور السينما هذا العام.. شاهدا علي أن السينما يمكن أن تسمو فوق الخلافات السياسية.. وأن تبقي منبرا انسانيا شامخا.. مضيء جميع الظلمات.. فهل سيحذو «الأوسكار» ضد «الجولدن جلوب» ويبرهن علي حياديته وفنيته دون أن يخضع هو أيضا للضغوط السياسية.

سؤال ستجيب عنه الجوائز التي ستعلن خلال هذه الأيام.. وما تجهله اليوم ستعلمه غدا.

أخبار النجوم المصرية في

16/12/2011

 

أحلام الأوسكار تداعب وودي آلان

بقلم : د. رفيق الصبان 

باريس وكل ما تحمله هذه الكلمة من معان وذكريات مثقلة بالحنين والدهشة، هذه العاصمة التي كانت دائما مركزا للفن والإبداع .. بكل مقاهيها وحواريها العتيقة ومناخها ومكتباتها، المدينة التي ضمت كبار الفنانين والموسيقيين والثوار والمفكرين جاءوا إليها من كل اطراف الدنيا ليجدوا فيها متسعا لعبقريتهم وإبداعهم وثوراتهم. باريس اللوفر.. باريس الكوميديا فرانسيز وحدائق التوبليري ذات التركيب الهندسي المدهش، باريس ومطاعم برمونبرناس التي تغذي البطون والعقول معا ومقاهي السان چيرمان التي يتجمع فيها الفلاسفة والعباقرة والهامشيون ، الحي اللاتيني بشبابه واندفاعه والمكتبات الصغيرة التي تحيط نهر السين.. كما تحيط الجواهر بعنق حسناء غجرية.. كنيسة موتردام بعبقها الروحي وجوها القرطبي.. برج إيفل الشاهق وشوارع الشانزليزيه المضيئة، قبة مونمارتر وأدراجها المعلقة وفنانيها التشكيليين ولوحاتهم المعروضة في الهواء.. تتلألأ بكل سحرها الروحي.. محلقة فوق بيجال حي اللهو والعربدة .. الذي يقع اسفل أدراجها. باريس هي كل ذلك وأكثر من ذلك كل شبر فيها ينطق بحكاية.. وكل حي مغلق بأسراره وغموضه وسحره وكل وجه عابر يمر أمامك يفتح لقلبك آفاقا رحبة من الخيال والجمال . خيال وأحلام باريس فتنت الكثيرين، والكثيرون عبروا عنها شعرا وغناء ومسرحا وسينما.. لذلك لم يكن غريبا علي «وودي آلان» أن يصل إليها بخياله وأحلامه بعد أن خرج من نطاقه الأمريكي والنيويوركي علي وجه الخصوص ليقدم شهادته عن مدينة لندن الانجليزية ثم مدينة لشبونة الاسبانية .. قبل أن يصل إلي باريس فاتنته والبلد الذي احتضنه ودافع عن سينماه منذ البداية.. وأشاد بعبقريته السينمائية التي انكرتها في بادئ الأمر البلاد التي ولد فيها. «وودي آلان» يكرس فيلمه الأخير «منتصف الليل في باريس» للحديث عن المدينة التي عشقها ويرد لها علي طريقته الجميل الذي أسدته إليه. باريس بالنسبة لكثير من الأمريكيين وخصوصا في زمن اليقظة الفني الذي عاشته الثقافة الأمريكية هي باريس ما بين الحربين ، باريس التي كانت ملتقي كل الكتّاب والمبدعين الأمريكيين جاءوا إليها ليتنسموا هواء الحرية والفن الحقيقي والكرامة الفنية وكبرياء الإبداع. جيل كامل من الفنانين والكتّاب والرسامين اطلقت عليهم الأديبة الأمريكية جرترود شتاين التي رافقتهم وشهدت علي مسيراتهم صفة «الجيل الضائع».. هذا الجيل هو الذي يعبر عنه فيلم «وودي آلان» «منتصف الليل في باريس» حيث يروي قصة حلم ينبع من الواقع ليصبح أكثر واقعية من أي شيء آخر، ويحمل علي بطل الفيلم حسه وخياله ويجعله ضائعا في وهم جميل لا يريد أن يستفيق منه أبدا. بطل الفيلم كاتب أمريكي شاب يرافق خطيبته الثرية إلي باريس ليقابل أبويها اللذان يقومان بجولة هناك .. هناك في هذه المدينة الساحرة تذوب اقنعة الشمع الخادعة التي كانا يضعانها علي وجهيهما لتخفي معالمهما الحقيقية ويظهران أخيرا في مرآة باريس المدهشة علي حقيقتهما. هي لا تري من باريس إلا وجهها السياحي ومطاعمها الفاخرة ومحلاتها الأنيقة وهو يبحث عن باريس التي طالما حلم بها، باريس العصر الذهبي يريد أن يراها تحت المطر أن يلمس احجارها الصلبة الرمادية أن يتجول في أعماق حاراتها القديمة الدافئة لذلك فهو يرفض اصطحاب خطيبته إلي حفلة راقصة.. ويتسكع ليلا لوحده في الشوارع الضيقة التي كم يحبها .. منتظرا الوحي والإلهام لكتابة قصته الجديدة. ويأتيه «الحلم» عن طريق سيارة قديمة من موديل العشرينات، يناديه أصحابها لكي يأتي معهم ويستجيب كاتبنا للنداء.. وتستبد به الدهشة عندما يعرف أن من دعاه إلي هذه الرحلة هو الكاتب الشهير سكوت منيتز جيرالد وزوجته زيلدا .. وفي المطعم الذي ذهب إليه يقابل أرنست همنجواي الذي يصطحبه لصالون جرترود شتاين وهناك يقابل بيكاسو وعشيقته «أدريانا» والتي كانت قبل ذلك عشيقة لموديلياني، يري جوزفين بيكر ترقص ويسمع كول بورتر يغني ألحانه الشهيرة .. ثم يناقش سلفادور دالي وومن راي ويتعرف علي لويس بونيل ويشهد عصبية بول جوجان ومعارض تورنر الإنجليزي. كل ما كان يعج به عصر فرنسا الذهبي من عبقرية وجنون وحب وطموح وفلسفة للحياة يغرق فيه كاتبنا في كل ليلة بعد أن ينتصف الليل عندما تأتي السيارة الساحرة لتنقله إلي ميدان الحلم الرحي الواسع الذي لا نهاية له ولا حدود. ويزداد الحلم قوة عندما يجد الكاتب نفسه وقد وقع في حب أدريانا بعد أن تخلي بيكاسو عنها ويبدأ هذا الحب الجديد يستحوذ علي حواسه جميعا وتلاحظ خطيبته «نيس» هذا التحول القريب ويسعي والدها إلي ارسال مخبرين ورائه كي يعرف أين يذهب خطيب ابنته كل ليلة ولكن هل يمكن الإمساك بالأحلام!! ويكبر الحلم حتي يستحوذ تماما علي مصير بطلنا ويؤدي به إلي فسخ خطوبته والبقاء في باريس .. ومقابلة فتاة أمريكية مثله أحبت باريس تحت المطر واختارت أن تعيش فيها بعيداعن بلاد الهامبورجر والكوكاكولا وجنون المادة والمال. قصة حب إنها قصيدة حب طويلة هذه التي يقدمها وودي آلان إلي «باريزه» تماما كما فعل في فيلم «مانهاتن» الذي قدمه إلي مدينة نيويورك. باريس وودي آلان كما يقدمها لنا في فيلمه ومن خلال الصور الأولي التي تبرز معالمها الشهيرة مؤطرة بقطرات دم قلب عاشق. إنه يضعنا أمام المعادلة الحضارية الأوروبية الأمريكية منتصرا لأوروبا عمقها وتقاليدها وطعامها وخمورها وثقافتها وليلها ووجوهها تماما كما انتصر جيل العشرينات لها، وكرسها عاصمة الفن والفكر في العالم كله. لم يأت اختيار وودي آلان للشخصيات التاريخية التي أطلت في فيلمه «مزركشة بأحلامه» وثقافته عبثا إنه اختارها بدقة شديدة ووضع علي لسانها حوارا استقاه من حواراتها الحقيقية بذكاء وألمعية مدهشة. الفيلم غني بصورته الأخاذة وحواره العميق المنعش عن الفن والحياة عن الحرب والموت عن العبقرية والجنون عن الثمل حتي النهاية وعن العشق حتي قطرة الدم الأخيرة. إننا نستمع إلي همنجواي يتكلم عن البطولة والخوف والشجاعة والجبن والحرب والسلام نري عشق فينر جيرالد لزوجته التي تعيش لحظات جنونها العذب ونري تأملات بونيل وسخرية دالي وكبرياء بيكاسو ونزواته كل ذلك يلتقطه وودي الآن «أكثر مخرجي أمريكا ثقافة وفهماً للحضارة الأوروبية» برقة ويقدمه لنا وكأنه يدعونا إلي كأس مترعة من الشمبانيا الفرنسية اللذيذة المذاق ذات التأثير الفعال. كل لقطة في فيلم «آلان» وكل جملة حوار تبدو لنا كماسة براقة تلمع لمعاناً صافيا وتفتح لنا بابا واسعا للأحلام. «وودي آلان» يقدم في نظرته إلي باريس نقدا حقيقيا لها ولما آلت إليه.. انه لا يري فيها هذه المدينة التي باعت وجهها وحولت مقاهيها ومطاعمها الصغيرة الفاتنة إلي محلات لبيع الأطعمة الجاهزة السريعة وأضاءت حاراتها القديمة بالنيون ودهنت جدرانها باللون الأبيض الماسخ انه يتجاهل هذه الباريس التي لا يحبها ولا يريد أن يعرفها انه لا يعلن لنا ذلك بصراحة.. بل بحياء العاشق الحقيقي لهذه المدينة يعود بنا في أحلامه إلي باريس التي عشقناها كلنا باريس العشرينات مهد فنون القرن العشرين حيث تجمعت عبقريات العالم كله لتصب في مجري واحد جامعة فنانيها وعشاقها من كل أطراف الدنيا يأتون إليها ليعيشوا تحت سمائها ومطرها تلهمهم اشجارها وشوارعها يضيء قلوبهم لياليها وعبثها. إنها رحلة في الخيال ومن القلب الذي يذوب عشقا يقدمها لنا وودي آلان وجبه فنية فاخرة لا تمل منها ولا ترتوي من ظمئها. وكما أتت هذه السيارة القديمة لتنقل بطلنا من باريس التي ملها إلي باريس التي يحلم بها تقوده من مدينة الواقع إلي مرفأ الأحلام.. كذلك فعل وودي آلان معنا. أنوار القاعة إذ ما أن اظلمت أنوار القاعة حتي أتي بفيلمه الذي جعله يسير علي قضبان من ذهب لينقلنا إلي عالمه المسحور عالمه المنسوج من واقع عرف كيف يجعل منه حلما ومن حلم أراد به أن يتجاوز كل الأحلام. علي أنغام موسيقي ساحرة عرف كيف يختارها وصور مشقة عرف كيف يقدمها صور لنا باريس زنجية عارية تسبح علي جسدها العاجي عشرات الورود البيضاء، فإنا أمامنا نافذة واسعة للحلم والدهشة كم نكون أغبياء لو لم نتجاوزها لنعيش معه في هذا الحلم الوردي الذي كم تمنينا ألا ينتهي.

جريدة القاهرة في

14/12/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)