حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان كان السينمائي الدولي الخامس والستون

فيلم ليسري نصر الله عن موقعة الجمل في مهرجان «كانّ»

«بعد الموقعة».. منطقة رمادية وتهويم سينمائي

زياد الخزاعي (كانّ)

هناك وفرة من عزّة النفس الوطنية في «بعد الموقعة»، جديد المصري يسري نصرالله («المسابقة الرسمية» في مهرجان «كانّ» الـ65)، إضافة إلى كَمّ مفخّم من الأنثوية والشعارية والاستقطابية. ذهب نصّه إلى قلب اليوم الإنقلابي، المُمهّد لسقوط حسني مبارك ونظامه، عندما غزا هجّانة وخيالة مرتزقة محيط ساحة التحرير، في مسعى لشقّ الاعتصامات الحاشدة فيه (2 شباط 2011). هذا الفعل الأحمق عصيٌّ على التصديق: نظامٌ مشهودٌ بمؤامراته وحيله، اتّخذ قراراً قاتلاً وساذجاً. كيف يُمكن إذن مقاربة هذه الجريمة؟ كيف يُعاد صوغها درامياً؟ وجد نصرالله حكمته في أن تقود الطبقية حكاية فيلمه: فالسيّد، الذي عزل أهل نزلة السمّان وحوّلهم مرتزقة سياحة، قبل وصمهم بالقتلة، هو النظام العسكري الفاسد والجائر، الذي أخرسهم وقسّم منابتهم الاجتماعية، وخان محاصصاتهم التي هيمنت عليها أوليغارشية متعفّنة. فيما تلبّس سيّد المرحلة الانتقالية طلّة ابنة حيّ الزمالك، الشابة ريم (منة شلبي)، ذات الشخصية الحديدية والمتفتحة والخلاّقة، والمتورّطة في إعادة صوغ قناعات الرأي العام و«اللعب» على شعارات المرحلة الجديدة، هي التي اخترقت قلب الجمهرة الشعبية في نزلة السمّان (جنوبي القاهرة) لكشف مستورها، باعتبارها كياناً اجتماعياً مغلقاً ومقصيّاً.

هذا الأمر جعل من شخصية ريم أخطر من المتحصّنين في قلب العاصمة، والمواجهين احتمالات الاعتداءات والتصفيات من الأصناف كلّها، ومنها «موقعة الجمل». هؤلاء مناضلون حقيقيون. أما هي، فسائحة وجدت وطنية متأخّرة. العفّة المفترضة لدى ريم تحيلها فارسة بورجوازية قاهرية، لا تحمل خلال جيلاناتها في الحارة الوضيعة سوى الدهشة أمام أحوال أهلها، وانهيار اقتصاداتها الشحيحة، إثر توقّف السياحة الأجنبية في الأهرامات، نتيجة الوضع السياسي، وعشقها الغريب الطعم والحجّة للخيّال محمود (باسم سمرة)، هي المُنقادة بهيام مفتعل لرجولته تحت جنح الظلام، لتتبادل وإياه قبلة، تُعيّرها بها لاحقاً زوجته الشابة فاطمة (ناهد السباعي). هذا المسار الذاتي للبطلة، الذي تبرِّره للآخرين كـ«مساعدة»، لن يجد إقناعه إلاّ مع ظهور محمود كأحد مرتزقة الموقعة السيئة الصيت، فنعي أن القدر، الذي قادها إلى صديقتها الطبيبة البيطرية دينا ومن ثم إلى الحارة، «حيلة درامية» لرصف محمود كلمات غضبه على الجدار العازل بينهما ولقمة خبزهما، وأيضا لكشف حقيقة أن أمثال محمود المشاركين بالموقعة «فرافير» ومرتزقة وقتلة، أُستغِّل عوزهم من قِبَل أزلام نظام مرتبك ومنهار. «قالولنا، نظِّفوا الميدان، وح ترجع السياحة»، صرخ البطل في وجه الشابة الملتاعة: ما جرى لهم، أتى من قاهرتها الحاكمة. أما ثمن فعلتهم، فعار جماعي لنزلة السمّان، وعداء وتصفية حساب لاحقان من ناس مصر جميعهم.

صرف يُسري نصرالله أحداثاً أقلّ في ما يتعلق بحب ريم، أي ببطرها الشخصي الذي لا يتماشى وجلال الانقلاب الحاسم، على الرغم من أن الحياة لن تبخل به على البشر، ثواراً كانوا أو مرتزقة. في المقابل، راعى أحداثاً متشابكة، ذات وزن نوعي بصيغة المفاخرة الوطنية، تتعلّق بمصائر أبطاله الثلاثة: محمود، الواقع ثانية في الارتزاق بسبب يأسه، هذه المرّة تحت جناح الحاج عبدالله، أحد كبار محتالي محيط الأهرامات، الذي يعلن له أنه لن يخسر أبداً «لأننا مع الفائز» (في الانتخابات الجديدة)، وما على محمود سوى نقل الأخبار: «يعني زي النشرة». اما ريم، فخياراتها الشخصية تسقط تباعاً، من ناحية أن «المصالحة الاجتماعية» الموعودة بين «امرأة مدينية وافدة» إلى محيط وحشي، ورجل يحتفي بوراثة ولديه مهنته في ترقيص الخيل، لن تتحقّق. قدر ريم ومحمود وقع في منطقة رمادية متأرجحة بين شهوة ناقصة واستقطاب مناطقي، نجح نظام مبارك بزرعه في أم المدن العربية. لقاؤهما تهويم سينمائي واقع في باب المفاخرة، التي ظننا أن الثورة قبرتها نهائياً، كونها إحدى أسلحة نظام بائد. والزوجة فاطمة بدت إعلاناً رسمياً بحقّ قطاعات مهمّشة في الانخراط في الثورة. هذا لا يبتعد كثيراً عن الخطاب اليساري، الذي يعتبر قوّة الثورة كامنة في «سوق مغفلة»، وليس في أنتلجنسيا ممسوسة بالتنظير والتأويل.

السفير اللبنانية في

21/05/2012

 

رسالة كان

جردة الأسبوع الأوّل: حدث ذات مرّة في «كان»

 عثمان تزغارت/ كان 

المافيا وآلهة العصر الحديث والصراعات النفسية والجماعات الجهادية تيمات شهدتها عروض «مهرجان كان السينمائي» الذي «اجتاحه» الأميركيون والسينمائيون المكرّسون. ومع دخوله أسبوعه الثاني. تنطلق اليوم معركة التكهنات

يدخل «مهرجان كان» اليوم أسبوعه الثاني، لتبدأ معركة التكهنات التي تحتدم عند منتصف السباق نحو السعفة الذهبية. ولعل أهم ما ميز أفلام الأسبوع الأول من الدورة 65 هيمنة أميركية لافتة ألقت بظلالها على الكروازيت سواء على صعيد البساط الأحمر، أو في عروض البرنامج. بعد فيلم الافتتاح «مملكة طلوع القمر» لويس أندرسون، ترجم الإنزال الهوليودي القوي في تشكيلة هذه الدورة بفيلم ثان هو Lawless لجون هيلكوت الذي تتقاسم بطولته كوكبة من نجوم الجيل الجديد في هوليوود.

في هذا العمل، يوجه السينمائي الاسترالي المشاكس الذي أبهر الكروازيت عام ٢٠٠٩ بفيلمه «الطريق»، تحية الى أفلام الويسترن الستينية (المدرسة الايطالية) عبر قصة تدور في الريف الأميركي خلال فترة حظر الكحول في الثلاثينيات. وغير بعيد عن مدرسة الويسترن الايطالية، احتفى المهرجان، ضمن برنامج «كلاسيكيات كان»، بالسينمائي الكبير سيرجيو ليوني (١٩٢٩ ــ ١٩٨٩) عبر عرض خاصة لنسخة مرممة رقمياً من رائعته «حدث ذات مرة في أميركا» التي عرضت على الكروازيت (خارج المسابقة) عام ١٩٨٤. ويرتقب أن يتواصل الحضور الأميركي غداً عبر عرض فيلم أندرو دومينيك «اقتلوهم برفق» الذي يؤدي بطولته براد بيت ورفيقة دربه أنجلينا جولي. الى جانب هذا الإنزال الهوليودي، اتسمت عروض الاسبوع الأول من هذه الدورة بهيمنة شبه كاملة للسينمائيين المكرسين، وفي مقدمتهم الفرنسي جاك اوديار، والروماني كريستيان مونجيو، والإيطالي ماتيو غاروني.

أوديار الذي بهر الكروازيت قبل ثلاثة أعوام برائعته «نبي»، عاد هذه السنة بفيلم إنساني مؤثر بعنوان «عن الصدأ والعظام» يروي قصة حب إشكالية بين مهاجر عربي فقير يدعى علي (ماثياس شونارتس) وحسناء فرنسية تُدعى ستيفاني (ماريون كوتيار) يتعرفان إلى بعضهما في ملهى ليلي، وتتوثّق العلاقة بينهما رغم تعرض ستيفاني لحادث أدى الى بتر رجليها. وحظي الفيلم بحفاوة إعلامية، لتشابه قصته مع Intouchables فيلم الموسم في فرنسا بلا منازع. لكن أوديار استطاع مراوغة جمهوره، كالعادة. جاء فيلمه أبعد ما يكون عن الميلودراما الانسانية. من خلال هذه القصة، استعاد تيمته الأثيرة، راصداً كيف تسهم الاعاقة ــ جسدية كانت أو نفسية أو اجتماعية ـ في تشابك وانصهار مسارات ومصائر شخصيات تبدو في البداية متنافرة.

أما كريستيان مونجيو الذي يدين له «كان» بواحدة من الروائع الاكثر تأثيراً في جمهور الكروازيت («٤ أشهر، ٣ أسابيع ويومان» ــ السعفة الذهبية ٢٠٠٧)، فعاد بجديده «ما وراء الهضاب» الذي يروي قصة ألينا التي تقع في حب صديقتها فواتشيتا، ويدفعها الإحساس بالذنب الى الالتحاق بالكنيسة علها تجد في عزلة الأديرة عزاءً من عذابها النفسي بسبب هذا الحب المثلي الذي يتنافى مع معتقداتها الدينية. لكن تمزقها النفسي يؤدي بها الى حالات صرع غامضة تنتهي بوفاتها، وسط لا مبالاة القائمين على الدير الذين يعتقدون أنّ روحاً شيطانية قد تقمصتها.

من جهته، عاد الايطالي ماتيو غاروني الى الكروازيت بعد أربعة أعوام على «غومورا» (الجائزة الكبرى في «كان» ــ ٢٠٠٨) الذي أدى الى الحكم بالإعدام على المخرج من قبل شبكات المافيا في نابولي. في جديده «واقع»، يعود غاروني الى مسقط رأسه رغم التهديدات، لتصوير كوميديا اجتماعية يوجه من خلالها تحية الى سينما الستينيات الواقعية الايطالية، عبر شخصية فاقعة، هي لوتشيانو بائع السمك الذي يحلم بأن يصبح نجماً كوميدياً. لكنه لا يجد جمهوراً لنكاته وأكاذيبه المحببة سوى زبائن متجره وعائلة الكبيرة.

أما المفاجآت السارة القليلة خلال عروض الاسبوع الأول، فقد جاءت من تظاهرة «نظرة ما» من خلال عملين بهرا الجمهور والنقاد. الأول «تلميذ» الذي يحمل توقيع الكازاخستاني داريجان أوميرباييف والمستوحى من «الجريمة والعقاب» لدوستويفسكي، والثاني هو باكورة براندون كروننبرغ (نجل السينمائي الكبير ديفيد كروننبرغ) بعنوان antiviral. غرف المخرج الكندي الشاب من عوالم والده القلقة المشوقة بالصخب والعنف، لكنه استطاع أن يبرهن عن رؤية إخراجية مغايرة. قصة الفيلم من نوع الخيال المستقبلية، تتناول ظاهرة ولع الناس بالنجوم والمشاهير، بوصفهم «آلهة عصرية لعصر بلا دين». يصل الأمر ببعض المختبرات الصدلانية إلى حد اطلاق حملات لتشجيع الناس على حقن أنفسهم بفيروسات سبق أن أصابت نجومهم المفضلين. المنحى العنيف والدموي لأجواء الفيلم تذكر بأعمال كروننبرغ الأب، لكن الابن استطاع أن ينتزع عواصف من التصفيق بفعل الاسلوب المينيمالي والرؤيا الإخراجية المحكمة. باكورته كانت الأكثر استقطاباً للأضواء من بين الأعمال التي تنافس على الكاميرا الذهبية (الجائزة التي تكافئ الاعمال الأولى) خلال عروض الأسبوع الأول من هذه الدورة.

الجهاديون هنا

بعد فيلم يسري نصر الله «بعد الموقعة» الذي عرض ضمن المسابقة الرسمية في اليوم الأول من المهرجان (الأخبار ــ ١٨/5/2012)، كان جمهور الكروازيت على موعد مع فيلمين عربيين عرضا أول من أمس بالتزامن، أحدهما في «نظرة ما»، وهو «خيول الجنة» للمغربي نبيل عيوش، والثاني عُرض في «أسبوعي المخرجين» وحمل عنوان «التائب» للجزائري مرزاق علواش. كعادته، سعى صاحب «عمر قتلاتو» إلى السير عكس التيار، مسلطاً الضوء على مفارقات «قانون الوئام المدني الجزائري» الذي منح الحصانة للتائبين من أفراد الجماعات الجهادية المسلحة. أما نبيل عيوش فقد استعاد تيمته الأثيرة: الطفولة المشردة من خلال قصة مستوحاة من حادثة واقعية تتمثل في تجنيد الجماعات الجهادية المغربية لعدد من أطفال الشوارع بغية تحويلهم الى انتحاريين خلال تفجيرات مراكش التي تم تنفيذها في قلب ساحة «جامع الفنا» في مثل هذا الوقت من العام الماضي.

الأخبار اللبنانية في

21/05/2012

 

وودي ألن Bad Boy وبولانسكي يبكي أمام الكاميرا

عثمان تزغارت/ رسالة كان 

كان جمهور الكروازيت على موعد مع تكريم لاثنين من عمالقة الفن السابع عبر شريطين وثائقيين عُرضا في التشكيلة الرسمية (خارج المسابقة). خصص روبرت ب. وايد عمله «وودي ألن ـ وثائقي» لمسار وودي الن، فيما رصد لوران بوزرو في «رومان بولانسكي ـ ذاكرة صورية» الجوانب الإشكالية في حياة بولانسكي، راسماً بورتريه مغايراً للصورة النمطية المتداولة عن صاحب «عازف البيانو». يقدم الشريط المخصص لوودي ألن بورتريه حميماً يعود إلى طفولة السينمائي الأميركي في بروكلين، ليستعيد بداياته، حين كان المراهق النحيف والخجول يتخذ من الفكاهة سلاحاً لمداراة لعثمته وارتباكه. واذا به يحقق نجومية سرعان ما جعلته يكسب من اسكتشاته المسرحية، أكثر مما يكسب والداه التاجران اليهوديان النيويركيان.

يعكس البورتريه روح الفكاهة النيويوركية الفاقعة التي يشتهر بها وودي ألن.

نراه يشاكس والديه وأصدقاءه مطلقاً العنان لنكاته اللاذعة، مزاوجاً بين المواقف السريالية الفاقعة (حين يقوم بمبارزة حيوان كنغر بقفازات ملاكمة) وبين النكتة الذهنية القائمة على الخفة والسخرية من الذات. حين يتطرق الشريط الى «فضيحة» ارتباطه بزوجته الحالية سون يي، ابنة طليقته النجمة ميا فارو، يعلق: «لم يكن الأمر نزوة. لقد وقعنا في الحب. والدليل أنّنا متزوجان منذ ١٥ سنة. ومع ذلك، حين أنظر اليوم الى الأمور بأثر رجعي، أستطيع القول إنّني سعيد بالفضيحة التي أثارتها القضية. فأنا أعاني من كوني شخصاً محبوباً. كنت أحلم أن أكون شاباً سيئ الصيت Bad Boy، لكن الخجل وقلة الكاريزما حرماني من ذلك. بفضل سون يي، أضمن أنّه يوم مماتي، لن تكون مقالات رثائي مملة، وسيقال إنّني عشت فضيحة مدوية في حياتي الباهتة والروتينية».

وإذا كان شريط ألن قد تطرق لكل الأسئلة الاشكالية، فإنّ ذاك المخصص لبولانسكي تفادى ذلك. العمل من إخراج صحافي يعترف منذ البداية بأنّه صديق مقرب من بولانسكي، ولا يريد التطرق إلى الجوانب الإشكالية في حياته، وفي مقدمتها اتهامه باغتصاب قاصر عام ١٩٧٧، ومقتل زوجته الممثلة شارون تيت على يد السفاح تشارلز مانسون عام ١٩٦9، وما رافق ذلك من جدل بسبب تطابق أسلوب تنفيذ الجريمة مع أجواء فيلم بولانسكي «طفل روزماري». مع ذلك، تكمن قوة العمل في استدراج بولانسكي الى الحديث عن حياته، كما لم يفعل قبلاً. في عزلة بيته الجبلي في منتجع غشتاد السويسري، حيث وضع في الاقامة الجبرية، قبل ٣ أعوام، على خلفية مطالبة القضاء الأميركي بالقبض عليه بسبب قضية الاغتصاب التي تلاحقه منذ 30 سنة. للمرة الأولى، يتحدّث بولانسكي عن طفولته في بولونيا المحتلة من قبل النازيين ويبكي أمام الكاميرا حين يتذكر ذويه الذين قضوا في المحرقة. يقول بتأثر: «حين سأموت أتمنى أن توضع على قبري نسخة من «عازف البيانو»» في إشارة الى فيلمه (السعفة الذهبية، ٢٠٠٢) الذي استلهم ذكريات طفولته أيام كان مطارداً من النازيين...

الأخبار اللبنانية في

21/05/2012

 

 

المدى في مهرجان"كان"..

اوديار في صدأ وعظام "رياليتي" بعد غومورّا

كان/ عرفان رشيد

خصص مدير مهرجان "كان" السينمائي الدولي اليومين الثاني الثالث من الدورة الخامسة والستين ليعرض في المسابقة الرسمية فيلمين حاملَين لجائزة لجنة التحكيم الخاصة في المهرجان، وهما المخرج الفرنسي جاك أوديار، الذي نال الجائزة قبل عامين عن فيلمه الجميل "النبي" والإيطالي ماتّيو غارّوني الذي نال الجائزة ذاتها قبل أربعة أعوام عن فيلمه "غورمورّا". ولم يتشارك أوديار وغارّوني في كونهما حصلا ذات الجائزة فحسب، بل تميّزهما الكبير لكمية الترقّب الكبيرة التي استبقت عرضيهما.

ربمّا لن يحصل جاك أوديار على إحدى جوائز المهرجان المهمّة، لكن لجنة التحكيم الدولية برئاسة المخرج الإيطالي الكبير نانّي موريتّي لن تتغاضى بالتأكيد عن أداء بطلة الفيلم، النجمة الفرنسية ماريون كوتيار، والممثل البلجيكي ماتيّاس شواينراتس، اللذين أديّا دورين فيهما الكثير من الكثافة والجهد الجسدي.

صدأ وعظام

في "صدأ وعظام" الذي اعدّ سيناريوه المخرج الفرنسي حاك أوديار عن ثلاث قصص قصيرة للكاتب الكندي كريغ دافيدسون يجد "علي"  نفسه مضطراً، على حين غرّة، أن يُعنى بولده الصغير "سام" الذي يعرفه بالكاد. إنّه معدم لا يتمكّن حتى من توفير شطيرة خبز للصبي ودون أيّما صديق. يرحل من الشمال الفرنسي ليبحث عن ملجأ ومساعدة لدى شقيقته "آنّا" التي تعيش في مدينة "آنتيب" في الجنوب. لا تملك آنا  وزوجها الكثير ليمنحاه إيّاه، لكنهما يرتّبان له وللصبي مأوى مؤقتاً عابراً في مرآب السيارة وتعتني العمّة بالصغير سام.

يعثر علي على عمل كحارس مدخل في ملهى ليلي، وبعد نشوب مشاجرة في ليلة عاصفة في المرقص يتعرّف على ستيفاني، وهي شابة جميلة وشديدة الوثوق بنفسها تتعرّض إلى الاعتداء وتسيل الدماء من أنفها، فيرافقها إلى منزلها ويترك لها رقم هاتفه

وتعمل ستيفاني مدرّبة للدلافين العملاقة في حوض متعة محلّي. وبعد حادث رهيب تتعرّض إليه الفتاة يتلقى علي مكالمة هاتفية غير مُنتظرة من ستيفاني.

عندما يلتقي الاثنان مجدّداً يراها علي مُقعدة على كرسي مُتنقّل وقد بُترت ساقاها، وفقدت بسبب ذلك البتر كل أحلامها. يتشارك معها علي في لحظات صدق دون إشفاق ويساعدها على استعادة الرغبة في الحياة مجدّداً.

لقد عمل جاك أوديار في إنجاز فيمه "صدأ وعظام" على ثلاث قصص قصيرة بعنوان "روكيت رايد "و "حياة في اللحم" وقصة "صدأ وعظام" التي تفتتح المجموعة وتمنحها العنوان.

أجرى أوديار بعض التعديلات على القصص، فمدرّبة الحيتان الكبيرة التي تفقد ساقيها خلال عرض في حوض السباحة مع الدلافين، تتحول في فيلم أوديار إلى ستيفاني (تؤديها الحسناء ماريون كوتيار)، واختار الممثل البلجيكي ماتيّاس شواينراتس لأداء دور ملاكم مُثخن بجراح منازلاته السابقة، وكما هي العادة في أفلام أوديار فإن ماتيّاس يبدو متجهاً صوب شهرة كبيرة بفضل هذا الفيلم، بالضبط كما حدث للممثل (الجزائري) الأصل طاهر رحيمي في الفيلم السابق للمخرج الفرنسي "النبي". ماتيّاس يتعايش في الفيلم مع مجموعة من الملاكمين السابقين الذين يحاولون الهرب من ماضيهم من خلال الاشتراك في مراهنات غير قانونية وخطرة تُعرّض حيواتهم إلى مخاطر حقيقية، لكن لا خيار لديهم، فإمّا شطف العيش أو تقاضي آلاف من اليوروات بعد العديد من اللكمات والركلات العنيفة دون أية وقاية رياضية تقليدية.. وبرغم غياب أية آصرة تجمع بين شخوص القصص الثلاثة، فقد ولّد أوديار تلك الآصرة بين اثنتين من هذه الشخصيات، وخلف بينهما قصة حب مؤثّرة ورائعة.

"رياليتي" بعد غومورّا

يدافع المخرج الايطالي ماتّيو غارّوني عن فيلمه الجديد "reality"  ويقول أنه "ليس فيلماً عن برنامج 'الأخ الأكبر'" ويعتبر الفيلم "كوميديا عن شخصية اكتأبت بسبب تقادم العمر" وعن "حكاية عن التلفزيون وتوجّهاته الحالية في تسطيح الأمور وتزييف الواقع".

كان الترقّب لإنجاز ماتّيو غارّوني كبيراً، لكن المُنتج لم يأتِ بمستوى ذلك الترّقب الكبير. فبعد أن نال جائزة "لجنة التحكيم الخاصة" قبل أربع سنوات بفيلم "غومورّا" المقتبس من كتاب بنفس العنوان للكاتب والصحفي المناهض للمافيا والمُهدّد من قِبَلها روبيرتو سافيانو، ولج غارّوني إلى داخل جدران العائلة الإيطالية في مدينة نابولي، نفس موقع أحداث غومورّا، التي تُعدّ النموذج الأمثل لحضور الآصرة الأسرية بكل معانيها الإيجابية والسلبية والغرائبية.

ويحاول غارّورني، عبر "رياليتي" - Realety" أن يفسّر لنا مقدار تناقض هذا الاسم مع المفهوم والمآل الناتج من استخدامه تلفزيونياً، الشخصيات في هذه البرامج - وغالباً هم أشخاص وليس شخصيات - تتحرّك أمام الكاميرات المنصوبة داخل منزل البرنامج التلفزيوني البصّاص "الأخ الأكبر"، وتصوّر و"تراقب" كل جزئية من ذلك المنزل، وتوحي إلى المشاهد بحركتها وحضورها الدائم في أية لحظة وفي أي وضع، بأنها تقدّم الواقع بعريه المطلق، لكنها في الحقيقة تزيّف الواقع أيّما تزييف، لأنها تُجبر الشخصيات على الأداء التمثيلي المتواصل الذي لا يتوقف، أمام حشد مليوني من المشاهدين، والذين يطالبون، دائماً، بالمزيد، لأن عكس ذلك سيعني فقدان الشعبية، وقرار التصويت بإخراج المتسابق - الشخص- خارج المنزل.

وقلّما تحظى شخصية تلفزيونية بساعات التواجد على الشاشة كما يتوفر للمشاركين في مسابقة برنامج "الأخ الأكبر"، وقلّما تتمكّن شخصيات معروفة بخوائها الفكري، من التأثير على الناس، بقدر ما تُتاح لشخصيات ذلك البرنامج، وقلّما يحظى أحد بالشعبية التي تتاح لهم، لا لشيء إلاّ لأن الكاميرا راقبتهم وتابعت سلوكهم اليومي. لكنها شعبية سرعان ما تتبخّر بعد وقت قصير، لمجرّد ابتداء السلسلة الجديدة من البرنامج "البصّاص".

المدى العراقية في

21/05/2012

 

 

فجر يوم جديد:

قنبلة موقوتة في كان!

مجدي الطيب 

هل كانت إدارة مهرجان «كان» السينمائي الدولي تُدرك خطورة الخطوة التي أقدمت عليها بالإعلان عن اختيار الفيلم الوثائقي «قسم طبرق» إخراج برنار هنري ليفي ضمن ما أطلقت عليه «القائمة التكميلية» للأفلام المشاركة في البرنامج الرسمي للدورة الخامسة والستين، والتي تضمنت سبعة أفلام جديدة؟

تشير الدلائل كافة إلى أنها كانت تُدرك وتعلم بأنها دست «قنبلة موقوتة» سيُحدث انفجارها دوياً هائلاً، لهذا تعمدت إرجاء الإعلان عن اختيار الفيلم إلى اللحظة الأخيرة قبل افتتاح المهرجان في 16 مايو الجاري، كذلك اختارت لعرضه اليوم قبل الأخير من انتهاء فعاليات المهرجان، وهو اليوم الذي يشهد انحسار العروض، لاكتمال غالبيتها ومغادرة معظم النقاد والصحافيين للمهرجان، وامتنعت، حسب تأكيد المراقبين، عن الكشف عن أي معلومات مفصّلة عن مضمون الفيلم، واكتفت بالقول على لسان تيري فريمو المفوض العام لمهرجان «كان» بأن ليفي لم يستكمل عمليات مونتاجه، ثم أصدر فريمو بياناً مقتضباً وصف فيه العمل (الفيلم) بأنّه «يُظهر إلى أي مدى تستطيع القناعات الفكرية أن تُغير مجرى التاريخ، وتحول مشاريع التدخل الإنساني والسياسي التي كانت تبدو مستحيلة إلى أمر واقع»، بينما أعرب رئيس المهرجان جيل جاكوب عن أمله في أن ينجح الفيلم في «تمرير شعلة الثورة بين الشعوب التي يجمعها حب الحرية»!

موقف سياسي لا التباس فيه، قد يدفع المهرجان العريق ثمنه إذا أثار فيلم «قَسَم طبرق»، كما هو متوقعاً، جدلاً كبيراً بسبب الموقف الغامض للكاتب والمفكر الفرنسي برنارد ليفي (المولود في الجزائر عن عائلة يهودية ثرية) من الثورات العربية في مصر وليبيا، فالفيلم يروي مغامراته «المشبوهة» طوال ثمانية أشهر أمضاها في بنغازي والأراضي الليبية إبان الثورة على العقيد القذافي، ويرصد من خلال الشريط، الذي تستغرق مدته على الشاشة 90 دقيقة الدور الذي أداه في التحريض والتمهيد والتخطيط للتدخل الأطلسي لعسكرة الحراك الشعبي في ليبيا تحت دعوى أن «التدخل واجب إنساني»، وهو المعنى الذي أكده ليفي في تصريحه لوكالة «فرانس برس»، وأعلن فيه أنّ تقديم الشريط في «كان» «لن يكون تحية لثوار ليبيا فحسب بل رسالة أمل أيضاً إلى ثوار سورية» فأثار ردود فعل متباينة، إذ رأى عدد من المراقبين أنه تجاوز الخطوط الحمراء، بينما اتهم آخرون المهرجان بالتورط في تبني مواقف سياسية قد تجر عليه مشاكل هو في غنى عنها.

العجيب أن برنار هنري ليفي ليس مارتن سكورسيزي أو ستيفن سبيلبرغ أو أي «عبقري» أو «ساحر عظيم» من أباطرة السينما العالمية ليؤجل المهرجان المخضرم (صاحب القواعد والمبادئ والأعراف المشهودة) إعلان قوائمه النهائية لأجله، ويتشبث بانتظاره حتى يفرغ من «قطعته الفنية»، وفور أن يفعل يُسارع بإعلان «قائمة تكميلية» يضمه فيها إلى الأفلام المشاركة في القسم الرسمي خارج المسابقة للدورة الخامسة والستين. بل هو مخرج شديد التواضع خاض عام 1997 تجربة «يتيمة» في مجال إخراج الفيلم الروائي الطويل بعنوان «الليل والنهار» حققت فشلاً ذريعاً، على رغم قيام النجم الفرنسي الشهير ألان ديلون ببطولتها، ومن بعدها لم يُعد الكرَة، لكنه اختار «التجريب» في مجال السينما الوثائقية. وها هو يعود بعد 18 عاماً من عرض فيلمه الوثائقي «بوسنة» في «كان» ليثير عاصفة الجدل نفسها، التي فجرها فيلمه «بوسنة»، الذي أجمع النقاد والصحافيون وقتها أنه استغل بوقاحة مأساة البوسنيين ومعاناة ضحايا التطهير العرقي في سراييفو للتمتع بأضواء الشهرة والنجومية، وتمرير دعوته «التدخل واجب إنساني».

الحقيقة المؤكدة أن مهرجان «كان»، الذي يشهد له الجميع بسمعته المحترمة بين مهرجانات العالم، بالإضافة إلى نزاهته وموضوعيته، أخطأ تقدير الموقف هذه المرة وزج بنفسه في أزمة ستترك تداعيات سلبية ونتائج وخيمة لم يكن في حاجة إليها أبداً، لأن «قسم طبرق» لن يضيف إلى الدورة الخامسة والستين شيئاً، مثلما لن يكرس الدعوة إلى «الليبرالية»، حسبما يظن بعض المتحمسين لمشاركة الفيلم. فالليبرالية تقتضي في أضعف الإيمان، أن يتيح المهرجان لوجهة النظر المناهضة لأفكار ليفي، والمفندة لمواقفه الغامضة، وتحركاته المشبوهة أن تتواجد، وتعبر عن نفسها أيضاً، والفرصة سانحة لبلورة هذه «الليبرالية» على أكمل وجه، في حال تنظيم ندوة عقب عرض «قسم طبرق» لمناقشة ليفي في رؤيته وحجم موهبته، وحينها ستتكشف الأوراق… وتسقط الأقنعة!

magditayeb@yahoo.com

الجريدة الكويتية في

21/05/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)